رواية حب خاطئ الفصل السادس


 

 

 

 - كُل شيءٍ سهل عدي الوصول إليها، -
فتح باب الغرفة ثم أبعد البساط الصغير من محله وهبط إلى الأسفل عبر الدرج الخشبي ودلف إلى غرفته المليئة بالأسلحه..
بينما قُصيّ كان يقف أمام المسبح وعيناه تجول في المكان بانبهار فهو آخر مره كان هُنا لم يكن المكان جميلاً هكذا؟ كان في مرحلة الترميم فقط لقد أنهاه سريعاً، وماهذه الغرفة؟ رياضة! اللعين كيف فعل هذا؟



أردف بابتسامة وهو يأشر على غرفة النوم ذات الأثاث الأسود الظاهرة من خلف الزجاج: عمّار انا هاجي اعيش هنا وهاخد الأوضة الحلوه دي انا وعشق..

ضحك عمّار بسخرية وهو يخرج من الغرفة ثم قذف عليه البندقية وهتف بهدوء وهو يسير حاملاً خاصته بين يديه: تعالى ورايا، سار قُصيّ خلفهُ وهو يتفحص البُندقية بابتسامة لتتوقف قدميه عن السير فجأة عندما لمح غرفة الأسلحة بطرف عينيه، توقف أمامها فاغر الفاه وهتف ذاهلاً: ايه كل ده انتوا هتحاربوا ولا ايه؟
نظر له عمّار بسخط ثم عاد وجذبه من ياقة ملابسهُ بضجر وسحبهُ خلفهُ..

هتف قُصيّ معترضاً وهو يقهقه: استني بس إديني واحد طيب عندكم كتير طيب اشوف اوضة النوم طيب! طب السرير، لكن عمّار لم يفلته وظل يتقدم حتى توقف أمام سُلم خشبي آخر..
قطب قُصيّ حاجبيه وهو ينظر له ثم نظر بالاتجاه الآخر خلف المسبح الي السُلم المشابه له ليسأل عمّار باستفهام وهو يصعد خلفهُ: انت عملت سلم تاني امتي؟ اوعي يكون بيطلع علي اوضه حماتك يا خلبوص..

ركله عمّار بقدمه بضجر أسقطهُ أرضاً بقوة وتابع صعوده وهو يلعنهُ، تأوه قُصيّ وهو يقف متكئًا على البُندقية ثم صعد خلفهُ من جديد وهو يسبهُ سُباب لاذع..
قطب قُصيّ حاجبيه عندما سمع صهيل وهو يصعد، القي البُندقية إلى الخارج ثم صعد خلفها لتتسع ابتسامته عندما أبصر خيل عمّار ندي تقف جانباً تضرب حافرها أرضاً..

ابتسم وهو يقف ثم اقترب منها وربت علي وجهها برقة وهتف بسعادة: ندي، حبيبة عمو كبرتي وبقيتي عروسة، زفر عمّار وصوب على قلبه بنفاذِ صبر وهدر بحدة: انت هتخرج في يومك الاسود ده ولا لأ يا بوز الأخص انت..

ضحك قُصيّ وانحني وحمل البُندقية وصوب اتجاه قلب عمّار وهتف بتهديد أثناء صهيل ندي بقوة وهي تتقدم منه: مين ده اللي بوز الاخـ، آآه، ضحك عمّار عندما أسقطت ندى قُصيّ بساقها التي رفعتها عالياً والآن تريد دعسه وتحطيم تلك الرأس أسفل حافرها، يستحق هذا..
استنجد به قُصيّ وهو يرفع البُندقية بوجه مُحتقن يُصدرها أمام حافرها كي يحتمي بها: الحقني يا حلوف بدل ما اقتلهالك دلوقتي..

تقدم عمّار منه غير قادراً على كبح ابتسامته وفرحته بها، أمسك حافرها أوقفها ثم ربت علي وجهها برفق وهو يبتسم: طمرت فيكِ التربية..
وقف قُصيّ ونظف ملابسه بضيق وهو ينظر لهما بسخط ثم هتف بضجر: قال عمُه قال عمِك دِبب يا قليلة الأدب..
صهلت من جديد بين يدي عمّار جعلته يضحك ووبخهُ بضيق واستياء: بنتنا مُحترمة يا أستاذ إحترم نفسـ، ايه ده؟ صوت ضرب النار وقف!

رفع قُصيّ رأسه ونظر الى الخارج وأومأ موافقاً وهو يتقدم الى الخارج: يمكن قتلوا العيلة خلاص؟
تركها عمّار وذهب خلفهُ وهو يقطب حاجبيه، تقدم على قُصيّ وسار بجانب الحائط بحذر لـ يصيح قُصيّ بتهكم جعله يلتفت له بجزع: انت مخرجنا من هنا وِملفِفْنا كُل ده عشان تجيلهم من هنا؟ ما كُنا متنيلين جوا وقريبين من الباب ولا انت بتحب اللف والرمح على رأيكم..

زفر عمّار وهتف بتعب: بُص يازفت انت انا منمتش بقالى يومين ومش شايفك اصلاً انت خيال قدامي دلوقتي احترم نفسك بقى و اسكت ساكت..
أومأ قُصيّ وهو يمط شفتيه وهتف بضيق: طيب مش هموِت حد؟
ضرب عمّار كتفه وهدر بتوبيخ: هيبقي قتل وخيانة كمان روح ادفن نفسك ولا أقعد في جامع ربنا يغفرلك..

ألقى قُصيّ البُندقية أرضاً من يده وهتف بسأم: شوف مين اللي بيتكلم؟ هو كل ما تشوف وشي انت وآدم تقولولي يا خاين! ايه يا ملايكة الرحمة ده نور الإيمان إللي خارج من وشك عماني! يا بتاع حماتك ؛..
ضحك عمّار وهو يمسد جبهته من ألم الرأس الذي لم يفارقه منذُ الصباح: اسمها ليلى ياجاهل خلاص مبقتش حماتي فسخت الخطوبة الصُبح عشان وشك فقر برده اعوذ بالله..

ضحك قُصيّ وهتف بخبث وهو يلاعب حاجبيه: بس بجد غزال يابن الصعيدي غزال..
أطبق جفنيه بقوة وهو يتنفس بانفعال وصدره يشتعل ثم هتف بتحذير: كلمة كمان وهنسي إني أعرفك..
ضحك قُصيّ وضرب صدره وهتف بعبث وهو يغمزه: بتغيري يا خلبوصة انتِ، ياالهي يُريد قتلهُ الآن..
صاح قُصيّ فجأة وهو يلتقط البُندقية من الأرض: مش ابوك اللي جه ده؟ اقتله ونقول همه قتلوه وتبقي دم بقى ونقتل فيهم وتمسك أنت بعد أبوك بقي وكده!

هز عمّار رأسه بسخرية وهتف بسخط: اللي بتقوله ده مُسلسل وفاشل كمان اسكت بقي وهات البُندقية دي ممنوع حد يمسكها من برا العيلة..
رفع قَصيّ زاوية شفتيهِ بسخرية وناوله إياها وهو يقول ساخراً: ليه العيلة المالكة! خُد ياخويا، ثم نظر من خلف الحائط وهتف باستفهام: مين اللي ابوك ماسكة زي الفرخة ده؟

تنهد عمّار ونظر معهُ من خلف الحائط لـ يبتسم بسخرية ثم قال بهدوء: ده مُنذر الجبان المعفن، يلا ارجع ارجع انا هطلع انام المشكلة خلاص اتحلت..
هدر متولي بحدة وهو يصيح بـ غفيرة: انت يا زفت نادم لـ عمّار وخليه يحصِلني على المُندردة دلوك، هز رأسه بطاعة ثم ركض يبحث عنهُ حول المنزل..
أوقفة قول قَصيّ وهو يمسك ذراعه: أبوك عايزك تعالي نشوف عايز ايه، دفع عمّار يده بضجر وهتف بسخط: انت مالك انت ابوك ولا أبويا؟!

=: سيدي عمّار جناب البيع شيِعلك معاي، هتف الغفير بهدوء لـ يزفر عمّار بضيق وهو يستدير ذاهباً تحت ابتسامة قُصيّ البلهاء..
دلف من بوابة المنزل بأعين توهجت بـ شرعندما أبصر تلك الفوضى عن قرب وشظايا الزجاج المتناثرة على الأرضية المصقولة في كل مكان..
توقف أمام والده، وضع البندقيتين على الطاولة ثم ألقي نظرة حادة على ذلك الُمنذر جعله يزدرد ريقه بخوف ثم نظر إلى والده وقال بهدوء: طلبتنيّ؟

هدر والده بخشونة وهو يأشر بعصاه علي مُنذر: عايجول انك ظلمتهُ..
زفر عمّار وقال بهدوء: اني مظلمتش حد عاد هو اللي عايجور علي حج من حجُه!
هتف مُنذر سريعاً بانفعال: لاه مش جور ده جـ، ضرب متولي عصاه أرضاً وهتف بغصب: أجفل خشمك يا محروج انتِه دلوك انت كيف تتجرأ وتاجي تُضرُب نار عالدُورا ياض كيف؟ ابوك جاي دلوك عشان يتصرف معاك بدل ما اتصرف اني..

شحب وجهه وجثى على ركبتيه أمامه وهتف بخوف بنبرة أقرب إلى البُكاء: لاه، أبوي لاه اني فـ عرضك مكنتش اجصد ومحدش كان عايموت عاد اني نيتي مش شر أني كُنت عاوز أخوِف عمّار بس..
ضحك متولى بخشونة وهو يحرك راحة يديه فوق العصي جعل عمّار يبتسم وهو يُراقبة، يبدو أن والده واثقاً بصنع يديه لهذا يجد أن هذا مضحكاً جداً، حسنا، ليست ليلى وحدها من جعلته يبتسم، هذا تعادل الآن..

توقف متولي عن الضحك وسأله باستفهام ساخر: عمّار يخاف؟
أردف قُصيّ باستفهام وتوجس: ابوك ضحكتهُ شريرة اوى زى الجوكر يا عمّار، وماله خايف من ابوه كده ليه الراجل ده؟
هز عمّار كتفيه بجهل وقال بعدم فهم: مش عارف يمكن كان بيطفي السجاير في وراكـ، وصمت عندما سمع صياح أحدهم يأتي من الخارج حتى بدأ يقترب أكثر فأكثر ودلف الى المنزل، فإذا به طلعت من جديد يهرول لهم يحمل بين يديه قطعة الأثار..

توقف أمام متولي باحترام ووضعها على الطاولة وهتف سريعاً وهو يلهث: حته الآثار أهيّ مش عاوزها يا جناب البيه وشيِعت لـ لطفي اللي كان معانِه في نفس اليوم عشان تحلها أنت جنابك..
أومأ متولي وهم بسؤاله: احكيلي الحكاية يا طلعت..
هز رأسه موافقاً وبدأ يقص عليه ما حدث ذلك اليوم..
تهجمت ملامح متولي بغضب مع نهاية حديث طلعت وهدر بحدة وهو ينظر إلي عمّار: مين جالك تعمل إكدِه! الجانون جانون تغيِره إنت ليه عاد؟

زفر عمّار وقال باعتراض: جانون لازم يتغيِر عشان دِيه ظِلم! وفي الآخر لما يِسرج تقطعوا يده وتجولوا حرامي وهو محروم بسببكم! هو دِيه العدل عِنديكم؟
صرخ به والده بحدة شديدة و وجه محتقن: ملكش صالح انت ملكش صالح دِيه من ايام جدودنا دِيه عتاجي انتِه تِغيره دلوك؟ جولتلك المحروج جلبك دِيه تبعده في الأوجات ديّ!

حرك عمّار اهدابه بتعجب ثم قال بعصبية: واه، ودخل جلبي ايه دلوك؟ لما دِيه عايجول شافها لوْول والتاني عايجول شافها لوْول ولو حد منيهم خدها عيجتلوا بعضيهم هو دِيه بجي العدل! طيب أني ظالم محدش يطلب اجعد في جعدات ان شاء يتحرجوا كُلهم أني رايح انخمد محدش يصحيني عاد، وتركهم وذهب تحت نظرات متولي الحادة التي كانت تحرقه حياً لكنه لم يعبأ وتابع سيره، لكن توقف وصاح باسمها
بصوتٍ حاد: صباح صباح..

أتته ركضاً من الداخل وهي تلهث، توقفت أمامه وهتفت بقلق: نعم نعـ، قاطعها عندما أمرها بحزم: في جطن وشاش ومطهر عندك في المطبخ أني فوج عند ستك ليلي حصليني بيهم، اومأت بطاعة ثم عادت ادراجها الى المطبخ..

صعد الدرج بضيق وهو يرفع طرف عباءته المُتسِخة لكنهُ توقف على بداية الدرج ثم نظر خلفه وهتف بتحذير وهو يأشر على النوافذ: مُنذر الزفت أني لو صحيت ولجيت الشبابيك ديّ زي ما سبتها وربي ماهخليك تنفع لحاجة واصل عاد، ثم تابع صعوده إلى الأعلى بغضب..
استأذن قُصيّ من متولي باحترام: ممكن أقعد معاك أتفرج يا عمي؟
نظر له متولي قليلاً من أعلاه لأخمص قدميه بتقطيبه حاجبيه ثم أشار له على المقعد الذي بجانبه بصمت..

أدار عمّار مقبض الباب ودلف بهدوء لـ ينتفضوا من أماكنهم جميعاً بوجه باهت خوفاً وقلق من أن يكون شخصاً آخر..
هرولت له حُسنة بقلق وعانقته بحنان وهي تسأله: انت بخير يا حبيبتي؟، أومأ وقبل رأسها بحنان وعيونه معلقة على ليلى الغافية..
سأل نادين التي كانت تجلس بجانبها وتربت على شعرها بحنان: مفوقتيهاش ليه؟

قالت بهدوء وهي تتحاشى النظر له: عشق دكتورة شافتها وقالت انها كويسه مفيش قلق عليها، أومأ بهدوء وهو ينظر إلي عشق بطرف عينيه..
دلفت صباح إلي الغرفة بخطواتٍ سريعة وناولته ماطلبه وهي تقول: الشاش والجطن تأمرني بحاجة تانيِة؟، هز رأسه بنفي وهتف من بين أسنانه وهو ينظر الي ندي: خدي معاكِ بوز الأخص ديّ من إهنِه..

أومأت بطاعة ثم تقدمت منها وهي توبخها: انتِ اهنِه واني جالبة عليكِ الدُوار كُلِيتهُ يا منجوطة انتيّ يـ، قاطعها قول عمّار من بين اسنانه بغضب: حد جالك تشتميها دلوك؟

ابتسمت ندي وهتفت وهي تهز كتفها مع حاجبيها: سيد الناس كِلاتها وحـ، أصمتها بقوله الحاد السائم: اخرسي يا محروجة انتيّ مسمعش حِسك عاد، لوت شدقيها وهي تنظر له بطرف عينيها وظلت جالسة تتابعه وهو يبعد الغطاء عن قدم ليلى برفق ثم بدأ بتطهير ذلك الجرح البسيط وقام بـ تضميده باحترافية وتركيز كأنه متمرس في فعل هذا، لتقف ندي واقتربت ووقفت بجانبة وطلبت بغيرة وهي تمد يدها: عنك انت ياسيدي وتاج راسي أنـ، صرخ بها جعلها تنتفض الي الخلف: بَعدِي يا جربوعة انتيّ بَعدِي.

وضعت يدها بخصرها بعدم رضى وهتفت بتهكم وهى تتراقص بخصرها: واه لما اني جربوعة يبجي انت ايه؟ ولا مش ناضر نفسك يابن الصعيدي؟، صك أسنانه بغضب في محاولة لتجاهلها وهو ينهي تضميد قدم ليلى..
حركت ليلى رأسها وهي تئن لتنتبه لحركتها نادين وبدأت تربت علي وجنتيها برقة وهي تسألها بقلق: انتِ كويسة؟
حركت جفنيها وأفرجت عن عسليتيها ليقابلها سقف الغرفة الأبيض، ماهذا؟ ألم يقتلها عمّار انها مازالت حية! مرحي؟.

حركت رأسها بخفة لتبصر نادين التي تنظر لها وهي تبتسم لتسألها بخفوت: أنا لسه عايشة؟
ضحك نادين بخفة وهي تومئ لها ثم قبلت جبهتها بحنان وسألتها بقلق: انتِ كويسة؟

هزت رأسها بخفة وهي تشعر بحركة علي قدمها، حركت رأسها و نظرت بجانبها لترى تلك الفتاة الجميلة تجلس مقابلها في نهاية الفراش، ابتسمت لها عشق بخفة وهي تهز رأسها بإيماءة بسيطة، كادت تفعل المثل لكن قاطعها قول حُسنة بابتسامة وهي تربت على وجنتها: كيفك ياحبيبتي دلوك زينة؟
تهللت أسارير ليلى واعتلي ثغرها ابتسامة رقيقة وهي تومئ لها بخفة، هل سامحتها؟!.

لتبتعد حُسنة وهي تقول: انتِ مكملتيش فطورك عجولهم يعملولك دلوك عشان تفوجي وتروقي، هزت ليلى رأسها بنفي وقالت بحزن: انتِ مش زعلانه مني؟
هزت حُسنة رأسها وهي تبتسم: لاه يا حبيبتي انتيّ زي دهب مجدرش ازعل منك يا غاليِة، إبتسمت ليلى وهزت رأسها وكادت تتحدث لكن هربت من بين شفتيها صرخة هلعة كتمتها سريعاً عندما وضعت يدها على فمها وهي تبصر عمّار يميل بجذعه على قدمها، هل هو من تشعر به يحرك يديه مُنذُ وقتٍ طويل؟

تنهد بضيق وهو يقطب حاجبيه موبخاً نفسه بحدة، فهو قام بفك قدمها ثلاث مرات وأعاد تضميدها من جديد فقط كي يستمع إلى حديثهم، وخصوصاً بحة صوتها أثر النوم كم هو ناعم لقد وقع في حُبهِ..

أنهي تضميد قدمها للمرة الرابعة وكاد يرفع رأسة لكن وجهه التفت إلى الجهة الأخرى عندما ركلتهُ بقدمها وهي تقول بصوت مرتجف حاد: انت بتعمل ايه هنا يا همجـ، وصرخت بألم عندما ضغط على الجرح بملامح جحيمية وهو يقول من بين أسنانه: هكون بعمل ايه يعني؟، كادت عبراتها تنفلت و تنساب على وجنتيها لكن جسدها اشتعل من الغضب عندما سمعت قول ندى المتهكم: جاعد بيداوي جرحك ياختي ايكش بس تستحي على حالك وتبطلي صغرنه و، صرخت بها ليلى بغضب وهي تنتصب جالسة بحدة: انتِ متتكلميش يا حقيرة يا كذابة انتِ مسمعش صوتك بتدخلي في حاجة مالكيش فيها..

رفعت ندى حاجبيها ووقفت ثم وضعت يدها بخصرها وتحدثت بتهكم: شوف مين بتتحدت! الرجاصة عديمة الأخلاج بتاعة البندر عاتعدل عليِّه!

هزت ليلى رأسها بخفة وأعادت بمقتٍ شديد: بس يا حقيرة يا كذابة، قطب عمّار حاجبيه ونظر لها بعدم فهم لـ يطبق جفنيه بنفاذ صبر عندما استمع إلى حديث ندى وهي تتصنع البُكاء: شوف يا عمّار بتجول ايه جِدامك؟ اكدِه وسايبها عاد؟ مش اني اللي اتكفيت على وشك عشانها وكُنت بتعلِج نفسك على السجرة عشان تطمن عليِّ كُل يوم؟، نظر لها عمّار مشدوهاً فهي كيف علمت اللعينة؟ هل كانت تعرفه وتتصنع عدم المعرفة؟

ردت حُسنية بتهكم وهي تنظر لها بغضب: ده كان بيتفرج عليكِ وانتِ بتنضربي كيف الحَمير مش بيشاهد جمالك يعنيّ يا عِفشة..
ضحك ندى بسخرية وقبل أن ترد بوقاحة كنا خططت صرخ عمّار بغضب جعل جسدها يرتعد: انتِ يابت يا صباح مش جولتلك غوريها من إهنِه؟ غوريها دلوك وحد يتصل بالمحروج ابوها ابو جرون ياجي ياخدها من إهنِه مهملهالنا ليه ديّ؟

أومأت صباح وسحبتها من ذراعها وذهبت بها إلي الأسفل، ربتت حُسنة على كتف نادين الشاردة التي تحدق في ندى الذاهبة بغضب، نظرت لها باستفهام وهي تبتسم لتبادلها حَسنة ابتسامتها وحثتها على الذهاب وهي تقول: جومي يا حبيبتي وطلعي خلجات نضيفة عشان تغيِر بدل الخلجات ديّ والجو مرصرِص وعضمها مش مستحمل، أومأت نادين بخفة واتجهت الى الخارج تبحث عن حقيبة والدتها لأنها رأتها أمام الغُرفة منذُ قليل..

تحدث عمّار بهدوء وهو ينظر الي عشق التي تعبث بأصابعها بتوتر من فترة طويلة تُريد قول شيء: قُصيّ قاعد تحت لو عايزه تنزليلة، أومأت بخفة وهي تبعد خصلات شعرها خلف أذنها بتوتر ثم وقفت ونظرت لهم بتردد، حركت شفتيها كي تستأذن أو تقول أي شيء حتى تكون لبِقة أمامهم لكن شفتيها توقفت، فـ لوحت بيديها بيأس ثم هرولت إلي الأسفل دون أن تضيف كلمة واحدة..

تنهدت حُسنة وقالت بحنو: رايحة أشوفهم وصلوا لفين عشان فطورك، وتركتهم وغادرت..
تنهد عمّار وقال بهدوء وهو ينظر إلى ليلى: متجبيش مايه عند الجرح، واستدار ليغادر لكن قول ليلى بنبرة كارهه استوقفه: استني، توقف ونظر لها بترقب ليجدها تميل إلي الجانب تفتح الكومود وهي تقضم شفتيها وملامحها تنكمش بألم! هل هي تتألم؟

أخرجت عُلبة حمراء مخملية عريضه الخاصة بـ ذهب ابنتها أو كان، ومن دون مقدمات قذفتها عليه بغضب، رفع يديه في الهواء و إلتقطها وهو يبتسم بتسلية ثم قام بـ فتحها بخفة ونظر داخلها بتفحص وسألها باستفهام: كان في ورقة هنا!
ابتسمت بسخرية و هتفت بسخط: في الزبالة روح هاتها..
ضحك بخفة وقال بهدوء وهو ينظر داخل العُلبة: لأ انا مش عايزها! انا بس كنت هسيبها ذكري مني عشان ما تنسنيش!

ابتسمت بغضب وقالت له باحتقار: متقلقش الشخصيات الحقيرة اللي زيك صعب تتنسى..

ضحك بخفة وهو يفرك حاجبه الأيسر وقال بابتسامة: مش مهم حُب أو كُره عشان في الحالتين هتفتكرونى وده كفاية، يلا تصبحي علي خير بقي، واستدار وذهب لكنه توقف أمام الباب واقترح عليها وهو يبتسم بـ سذاجة: لما يجيبوا الفطار تبقي دوقي اللمون المخلل ده حكاية و حاجة كده محصلتش هتحبيه اوى، وفتح باب الغرفة وغادر، شدت شعرها بغضب وهي تطبق جفنيها بقوة من هذا المستفز كم هو بغيض يجعلها ترغب في قتله بأبشع الطرق..

فتح باب غرفتهُ ليجد نادين تخرج منها تحمل بين يديها حقيبة ملابس! قطب حاجبيه بعدم فهم لتتحدث بارتباك وهي تضع الحقيبة من يدها: دي شنطة مامي كُنت شايفاها في الطُرقة بس لما خرجت ملقتهاش دورت في كل الاوض وبعدين دورت هنا لقيتها..
أومأ بتفهم وسألها باستفهام: ومين اللي دخلها هنا؟، هزت رأسها بنفي وقالت بجهل: مش عارفة، ثم نظرت إلي العلبة التي بيده وطلبت بهدوء: ممكن أخرج؟

أومأ موافقاً لكنهُ لم يتحرك ويفسح لها الطريق وهذا جعلها ترفع نظرها له باستفهام ليسألها بـ بعض الحنو: زعلانه؟
أطرقت رأسها و أغرورت عينيها بالدموع ولم تتحدث، رفع رأسها بيده وهتف برفق: لو عايزانا نرجع أنا معنديش مانع..
هزت رأسها بنفي وقالت بنبرة مرتجفة حزينة: عمّار انت مش بتحبني، بتحب ندى! صحيح مش هتظلمني بس بتحبها هيه، ومامي يا عمّار! دي حاجة مستحيل أسامح فيها مهما حصل..

تنهد وقال مُبرراً موقفه هدوء: نادين، انتِ عارفة اني من ساعة ما قبلتها وهي مبتعملش حاجة غير انها بتغلط فيا وبسكت مش بتكلم وبهزر و عادي، وقبل ما نمشي حذرتها متغلطش في هنا بس هي مسمعتش مني وده مش ذنبي هي لو كانت في سِنه كُنت قولت معلش عادي لكن دي قد بنتهُ ازاي تغلط فيه يعني؟ إحنا اهم حاجة عندنا هنا الإحترام، يا إلهي من هذا النبيل الذي يتحدث..

هتفت بتهكم وهي تنظر له: وطالما أد بنته عايز يتجوزها ليه وليه انت متكلمتش معاه؟
تنهد وقال بضيق هو يقذف العُلبة على أحد المقاعد: أولا يعني كلامي لا هيقدم ولا يأخر واللي عايزه هو اللي هيحصل! تاني حاجة بقي اتكلمت واعترضت بس صمم يكلمها بنفسه ولو كُنت جيت أقولها تمثل معايا وتقوله أن جوزها موجود مكنش كل ده حصل، بس هي مش متعاونة ولا هتكون زي ما بتقول..
أومأت بتفهم وهتفت بهدوء: ماشي، ممكن أخرج؟

أغلق الباب واستند عليه وهتف وهو يهز كتفية: تمام مش هتخرجي غير وانتِ بتضحكي ومش زعلانة خليكِ بقى هنا!.
دلفت صباح الغُرفة تحمل بين يديها صينية الطعام، وضعتها على الفراش الفارغ ونظرت حولها تبحث عن ليلى المختفية، استدارت عندما سمعت صوت اغلاق الباب..

خرجت ليلى من دورة المياه وهي ترتدي ملابسها بعد أن أخذت حماماً دافئ، كانت قد أخرجتهم من وقتٍ قبل أن تركض هاربة إلى الخارج، كانت ترتدي بنطال خامة الجينز ضيق لونه أبيض وظلت تاركة الخلخال محله، ومن الأعلى كَنزة بيضاء بحمالات وفوقها سترة شتوية سوداء فتحت سحابها من الأعلى قليلاً حتى الصدر أبرزت عنقها الذي زينه قلادة صغيرة رقيقة، وارتدت حذاء رياضي أسود..

التقطت هاتفها المغلق من على الكومود وهي تسير ببعض العرج، بالتأكيد ستجد كثير من المكالمات التي لم تصلها فهي تناست أمره عندما أتت إلى هُنا، الحياة هُنا عالم آخر مُنعزل عن كل شيء في الخارج، وهذا جيّد ليس سيءً أبداً إلى تلك الدرجة، ومن المفترض أن تكون قد هدأت أعصابها وقامت بتصفية ذهنها في هذه الأيام بسبب هذا الجو الرائع لكن ذلك المستفز يرهقها أكثر وتوترها تلك التصرفات الصبيانية ولا تفعل سوى الركض هُنا وهُناك وملاحقتهِ..

قطع شرودها صوت صباح وهي تخبرها باحترام: الفطور ياسِت هانم، هزت ليلى رأسها بخفة وشكرتها بامتنان: بجد شكراً أوي بس مش هقدر اكل خُديه معاكِ، هزت رأسها باستسلام وأخذت الطعام وعادت به إلي الأسفل..
دلفت ليلى إلى الشرفة وقامت بمهاتفة رنا مساعدتها في العمل كي تطمئن على العمل الذي تركتهُ خلفها..
عادت حُسنة إلى الغرفة تحمل الطعام بنفسها وهي تتنهد بتعب بسبب الأطفال الذين يمكثون معها..

دلفت إلى الغرفة لتجدها فارغة، وضعت الطعام جانباً ثم دلفت إلى الشرفة عندما سمعت صوتها..
مسدت جبهتها بتعب وقالت بهدوء بعد إن سمعت تلك المُحاضرة والتقرير من رنا: انا بُكره بالكتير هكون موجودة ان شاء الله معلش أنا عارفة اني تقلت عليكِ وانتِ اللي شايلة الشُغل كُله لوحـ، توقفت عن الحديث واستدارت مع انتفاضة جسدها عندما شعرت بيد توضع على كتفها فجأة..

ربتت حُسنة على ظهرها وهتفت بحنان: متخافيش يا حبيبتي دي أني، تنفست ليلى الصعداء وهي تهز رأسها بخفة ثم قالت الى رنا قبل أن تبعد الهاتف عن أذنها: بُكره يا رنا مع السلامة، وأغلقت الهاتف وهي تبتسم ثم عانقت حُسنة بحنان كـ والدتها وهتفت بحزن: بجد انتِ أكتر واحدة هتوحشيني..
ربتت حُسنة على ظهرها بحنان وهتفت بتعجب: ليه انتِ فيتانا و رايحه على فين؟

قالت بهدوء وهي تبعد خصلات شعرها المُجعد إلى الخلف: احنا ماشيين خلاص كل حاجة انتهت و قاعدتنا هنا مش لطيفة..
تنهدت حُسنة وسحبتها من ذراعها خلفها إلى الداخل كأنها لم تستمع لما قالت: تعالي بس افطري لوْول وبعدين تبجي اتحددتي الحديدت الماصخ دِيه..
هزت ليلى رأسها وقالت باستفهام وهي تسير معها ببطء بسبب قدمها: لأ مش كلام ماسخ عشان احنا هنمشي النهارده فعلاً وكُنت عايزة أسلم عليكِ..

أومأت حُسنة بخفة واجلستها على التخت أمام الطعام وقالت بهدوء: كُلي الله يرضى عليكِ كُلي..
هزت ليلى رأسها وقالت وهي تنظر إلى الطعام بدون شهية: مش عايزه؟ مش جعانة!
نظرت لها حُسنة بتعجب ثم هتفت بضيق: يابتي انتِ ماكلتيش حاجة من صبحية ربنا ووكلك مش عاجبني دِيه مايرضيش ربنا عاد كُلي..
رفعت ساقها على الفراش وقامت بثنيها وقالت بإزدراء: مش عايزه! والله مش جعانة..

أعادت حُسنة بإصرار: كُلي بس خُدى لمون مخَلل نفسك هتنفتح، توقفت الكلمات بحلقها قبل أن تنطق بها وهي تخفض رأسها تنظر إلى ذلك الليمون مُتذكرة قول البغيض عنهُ، هذا وحدهُ سبب كافي كي يجعلها لا تقدم على تناول الطعام، لكن لما لا تجرب؟ هي تُحب تناول المُخلّلات مع الطعام..
ضحكت نادين بسعادة وصوت رنان وهي تقطع المسبح ذات المياه الدافئة ذهاباً وإياباً ثم هتفت بفرح: جميل أوي يا عمّار بجد انا مبسوطة اوي..

إبتسم عمّار وهو يراقبها تسبح بكل سعادة وكأن شيءً لم يحدث، لقد كان هذا سهلاً كي تنسي ماحدث كم هي بريئة، طفلة إنها طفلة كيف يتزوج طفلة؟.

هتف وهو يصفق كي تنبته له: خلاص كفاية يلا اطلعي وتبقي تعالى في أي وقت تاني، أومأت وهي تبتسم ثم صعدت سريعاً وجسدها يقطر مياة، توقفت أمامه وتعانقت يديها أمام صدرها وهتفت بسعادة: بجد بجد مبسوطة اوي انت متعرفش انا بحب السباحة ازاي، قرص وجنتها بخفه وهتف مؤكداً عليها: زي ما اتفقنا ده سِر ما بينا و محدش يعرفه خالص تمام..

أومأت مؤكدة وهي ترفع ابهامها أمام وجهه ثم ركضت وصعدت الدرج ومازالت تبتسم، توقفت في منتصف غرفته في الأعلى وهي تفكر بعبوس ثم قالت له عندما صعد: هروح لـ ماما ازاي دلوقتي وانا مبلوله كده؟

أخرج منشفة من الخزانة الصغيرة التي يضعها مقابل الفراش تمويهاً فقط لأن ملابسه في الأسفل، وضعها حول رقبتها وقال بصوتٍ منخفض: أجري على اوضتك دلوقتي خليكِ فيها شويه ونشفي شعرك وبعدين اخرجي، أومأ بخفة وهي تفرد المنشفة على كفتيها ثم قالت بتذمر: طيب وشنطة مامى..

نظر عمّار لها قليلاً وهو يبتسم بعبث ثم قال بهدوء: سيبيها وتعالى خُديها شوية كده، يلا، أومأ وتحركت بحذر، فتحت باب الغرفة وتفحصت الممر بناظريها ثم ركضت سريعاً الى غُرفتها كـ لِصة هاربة ضحكتهُ عليها..

أغلق باب الغرفة وهو يتنهد لقد شاركها سرهُ ويعلم أنه سيفضح لكن لا يهم لا بأس بهذا إن كان لن يشعر بتأنيب الضمير، خلع عباءته وقذفها ارضاً بضجر ثم دلف إلى دورة المياه خاصته المهجورة لأنهُ متعب ولن يستطيع النزول والصعود والنزول من جديد..

أخذ حماماً دافئ، ارتدي بنطال قطني ثم قفز فوق الفراش لكنه انتفض من عليه سريعاً ووقف وهو يفرك أرنبة أنفه بانزعاج، تقدم من المرآة وأخذ زجاجة العطر وقام بنثره في أرجاء الغرفة وعلى جسده، وضع الزجاجة جانباً ثم أخذ نفساً عميقاً يستنشق رائحة الغرفة ثم ابتسم وتنفس الصعداء براحة واستلقى على الفراش بهدوء، فهو سيموت مختنقاً يوماً ما بسبب كثرة العطور ذلك المريض المهووس..

ابتسمت حُسنة وهي تراقب ليلى التي انغمست في الطعام لأول مرة منذُ أن أتت ثم مدحت صانع هذا الليمون: شوفتي فتح نفسك كيف تسلم يدك يا عمّار يا ولدي، غصت ليلى اللقمة داخل حلقها وسعلت بحدة وهي تضرب صدرها بقبضتها بخفة بأعين جاحظة على وشك الاختناق..
ارتشفت بعد المياه من يد حُسنة وهي تلهث ثم سألتها بأعين دامعة: عمّار تسلم ايده ليه عمل ايه؟ عمل الفطار؟

قهقهت حُسنة ونفت بابتسامة: لاه عمّار هو اللي مخَلل اللمون دِيه، تِعرفي يا ليلى هو عمّار اكدِه نفسهُ حلو في اي حاجة بيعملها دايماً بتطلع زينة، هزت ليلى رأسها بخفة وهي تزدرد ريقها في رغبة شديدة للتقيؤ الآن، هل هو من صنعهُ لعين لا يليق به سوى بائع مُخلّلات، لكنه شهياً حقاً وهي أحبتهُ..

دلفت نادين فجأة وهي تصحيح بابتسامة: القمر عاملة ايـ، توقفت في منتصف الغرفة وسقط فكها أرضاً عندما أبصرتها ثم تابعت بذهول: ايه ده ايه ده بتاكلي مرة واحدة؟ لأ لأ كده كتير علينا، ابتسمت ليلى وأشرت لها وهي تقول بحنان: تعالي كُلي معايا تعالي، تقدمت نادين منها وهي تبتسم، جلست بجانبها وبدأت تتناول الطعام لتسألها ليلى فجأة: شعرك مبلول ليه؟

ابتسمت نادين بارتباك وقالت بتلعثم: أصل، أصل، أصل انا غسلت دماغي وحاولت انشِفة من غير استشوار لكن لسه رطب برده، أومأت ليلى بتفهم ثم سألتها باستفهام: مش كنتي رايحة تجيبي شنطتي؟

ضحكت ببلاهه وهي تفرك مؤخرة رأسها ثم قالت وهي تبتسم: ما أنا دورت عليها في كل حِته إلا عند عمّار وقبل ما أدخل ادور عليها قابلتهُ وصالحني، اختفت ابتسامة ليلى عندما سمعت قولها! هل ستعود له إذاً؟ هي لا تستبعدها عن ذلك اللعوب فهو يمكنه أن يقنعها ببعض الكلمات البسيطة!
سألتها ليلى بجزع وهي تنظر له بتركيز تحاول أن تقرأها: وانتِ هترجعيله؟

هزت نادين رأسها بنفي وهي تبتسم وقالت بهدوء: لأ، احنا اتفقنا هنبقي اصحاب عادي، تنفست ليلي براحة وهي تبتسم لكنها نظرت إلى نادين بتعجب وعدم فهم بسبب تلك الإبتسامة! ألا تُحبهُ؟ لما تقول أصدقاء بهذه البساطة وكأنها تعرفت عليه الآن؟ هل تظن أن الحياة والارتباط بأحدهم لُعبة؟

وقفت نادين وقالت بابتسامة: هروح اجبلك الشنطة بقي، أوقفتها ليلى عندما امسكت ذراعها وجعلتها تجلس: لأ خليكِ هاتيها بعدين كُلي الأول وجهزي نفسك وبعدين تجيبيها ونمشي اوكية؟
أومأت لها وهي تبتسم: اوكيه..
تنحنحت حُسنة واقترحت عليها: ما تخليكم معانا يا بتي عاوزة تهملينا ليه عاد؟

ابتسمت ليلى بنعومة وقالت بهدوء: لازم نمشي يا حاجة مالناش مكان هنا وكمان انا سايبة شُغلي ونادين امتحاناتها قربت ولازم تذاكر بقي وكفاية لِعب..
تنهدت حُسنة بحزن وأعادت من جديد: طيب ما تخليكم وتبجوا امشوا مع ضيوف عمّار أهو نستلي ويا بعض ولو مش عايزة تفضلي اهنِه تعالي اجعدي فوج عِندي تنورِيني..

ابتسمت ليلى بحنو وهي تنظر لها ثم قالت رافضة: كان نفسي بس صدقيني مش هقدر وانا فعلاً مبسوطة اني اتعرفت عليكِ انتِ أجمل حاجة في البيت ده..
تنهدت حُسنة وقالت بحزن وعدم رضى: ولزمتها ايه انك مبسوطة وفي آخر المتمِه مهملاني وماشيِه، حركت ليلى شفتيها كي تواسيها لكنها تركت الغرفة وذهبت حزينة، زفرت ليلى بحزن وعقدت يديها أمام صدرها وظلت تفكر باقتضاب..

فهي يُجب أن تذهب ولن تظل هُنا أكثر مهما حدث لأن قلبها يظل ينقبض وينبسط بخوف هي تشعر بالرعب من دون شيء ولن تتحمل مصيبة ولن تسمح بتخريب حياتها لن تسمح ستذهب بهدوء مثلما أتت..

في القاهرة..
لدى جاسم..
حركت أهدابها ببطء ثم افرجت عن فيروزتيها الناعسة بثقل عندما سمعت صوت في الغرفة أقلق مضجعها، انتصبت جالسة وهي تتثاءب وكانت ومازالت ترتدي ثوب أمس لم تُبدلهُ لا هو ولا حجابها..

ابتسمت بنعومه عندما وجدت نفسها في غُرفتها الحبيبة بالتأكيد جاسم هو من أتي بها إلى هُنا، اختفت تلك الابتسامة بالتدريج وحل محلها التعجب عندما وجدت جاسم يقف أمام خزانتها يوليها ظهره وملابسها جميعها مُلقاة أرضاً ويبدو أنه يبحث عن شيءً ما في الغرفة!
سألته باستفهام وهي تترك الفراش: جاسم بتدور على حاجة مُعينة؟، ما هذا هل تبيع في أحد المتاجر؟

أتاها رده بنبرة باردة لم تسمعها منهُ قبلاً دون أن يلتفت لها: ممكن تخرجي برا دلوقتى، نظرت في أرجاء الغُرفة وكأنها تبحث عن ثالثاً لهما كي تخبرهُ أن يسمع ويخرج لكن لا يوجد سواهما هُنا هل كان يقصدها؟ هل أصبح يتحدث معها بتلك الطريقةِ الآن؟

ابتلعت غصتها بـ مرارة وهي تحرك أهدابها سريعاً عندما شعرت بتلك السخونة في مقلتيها كابحة رغبتها في البُكاء مانعة انسياب عبراتها على وجنتيها الناعمة، تقدمت منهُ وهي تسمع صوت حفيف ثوبها الطويل مُختلطاً مع صوت أنفاسه الثائرة بإنفعال فـ ماذا يحدث معهُ؟

توقفت خلفه ثم رفعت يدها بتردد ووضعتها علي كتفه وسألته بقلق: جاسم مالك؟، صفع الخزانة بغضب وهو يحني رأسه يتنفس بعنف وغضب أخافها رؤية تحرك منكبهُ بهذا الانفعال، عادت خطوتين إلى الوراء بخوف وهي تنظر تجاه الباب لأنها سوف تتركه وحده كما طلب..

استدارت وقبل أن تتحرك خطوة شهقت بخضة عندما شعرت بقبضته تعتقل خصرها كالكلابيب، دفعها وحاصرها بينهُ وبين الخزانة بملامح متجهمة أصابها بالهلع جعل قلبها يقفز ذعراً داخل قفصها الصدري..
أبعد حجابها عن رأسها بقوة وعنف جعلها ترتجف بين يديهِ لـ تتناثر خصلات شعرها حول وجهها بنعومة، كادت تسقط لكن قبضته لم تترك لها المجال لتسقط، لِمَ يفعل هذا! لما أصبح مُخيفاً فجأة بعد إن كان يبثها بالأمان؟.

دفن أنفهُ في شعرها يستنشق رائحته بانتشاء وهو يضمها إليه بقوة غير متجاهل ارتجاف جسدها وسماع أنينها الخافت إنها تبكِ! هو أسف، لكن يُجب أن يعرف الحقيقة لن يظل حائراً كثيراً بتلك الطريقة!.
رفع رأسه وهو يلهث بقوة، هي تملك نفس رائحة الشعر! لايهم تغير لونهُ لكنهُ نفس الرائحة لم يتغير..

جحظت عينيها وهتفت بحرقة وهي تنتحب عندما شعرت بيده تفتح سحاب فستانها بقوة مماثلة: جـ، اسم انت بتعمل كده ليه؟ سبني، سبني، لكنه لم يستمع بل أبعد طرف الفستان عن كتفها بعنف كـ مغتصب ودفن رأسه في عنقها يستنشق رائحتها كـ المدمنين بجنون تحت مقاومتها الضعيفة ظناً أنه سيفعل ما يؤذيها ويُدمرها..

رفع رأسهُ وكوب وجهها بين يديهِ و زرقاوية تجول على ملامحها بسرعة باحثاً عن إختلاف وهو يضغط على وجنتيها بأنامله هازاً رأسه باستنكار، فمن المستحيل أن توجد مثيلتها! من المستحيل أن تشبهها واحدة بتلك الطريقة حتى يعجز عن التفرقة بينهما مستحيل! حتى إن كانت تملك توأم يوماً لن تكون بهذا التشابه لن يحدث..

مال وقبلها قُبلة عنيفة وهو يدفعها إلى الخزانة، قبلة عنيفة مُختلفة عن جميع قبلاتهم الناعمة سابقاً أثناء ضربها لـ صدره بضعف وهي تحرك رأسها بهستيريا ونفور كي يبتعد..
إبتعد وهو يلهث وصدره يعلو ويهبط في عنف، فـ قبلتها مُختلفة منذُ أن وجدها وهي مُختلفة هو يظن أن هذا بسبب نفور عشق منهُ سابقاً وشعورهِ بأنها كانت مُجبرة على هذا، هذا فقط ما يجدهُ مُختلفاً..

أما رائحة جسدها وبشرتها مازالت كما هي لم تتغير وهي لم تعترض على الغسول الذي تستخدمه ولم تقل أي شيءً عنهُ فإن كانت شخصاً آخر لكانت اختلفت رائحة جسدها وشعرها عندما وجدها لكنها لم تختلف شعرها فقط ما تغير لونهُ والوحمة، انها الوحمة بالتأكيد تخفيها بمساحيق التجميل كما كانت تفعل سابقاً.

تركها لـ تتشبث بقميصه بضعف وهي تتهاوى ساقطة لأن قدمِها لم تعُد تستطيع حملِها، رفعها من خصرها إليه وسحبها معهُ دون أن يعبأ بها ولا بحالتِها وكم هذا حطمها، هذا ليس جاسم الذي أحبتهُ ليس جاسم الذي يعاملها برقة وحنان ليس هو من شوه وجه ابن عمهُ لأنهُ لمسها ليس جاسم بالتأكيد!.

نظرت له بخُذلان وهي تحرك جفنيها المتورم شاهقة بحرقة لكنهُ لم يكن معها بل تقدم من المرآه وأخذ بعض المناديل المُبللة وقام بمسحها فوق كتفها بقوة مؤلمة ظناً أنها تضع الكثير من مساحيق التجميل لكن لم يظهر شيء لم يظهر سوى بشرتها النقية من أي عيب لا شائبة لا بقعة ولا ندبة لا شيء!.

اشتدت قبضتهِ حول خصرها بفقدان صواب وهو يضغط على أسنانه بقوة جعلها تتألم أكثر وهي تنتحب لتسأله بتقطع وصوت مبحوح وهي تلتقط انفاسها: انـ، انت، انت، بتعمل، فيا كده ليه؟ جاسم، ليـ، لكنها صرخت بألم عندما أغلق سحاب فستانها بقوة على لحمِها دون أن ينتبه مع قوله ببرود دون النظر لها: اخرجي دلوقتي، وابعد يديه عنها لتسقط لكنهُ أحاطها وهو يزفر ثم اوقفها باتزان وأمرها ببرود من جديد دون أن ينظر داخل عينيها كي لا يرى بشاعته بها: اتفضلي اخرجي، أطرقت برأسها إلى الأسفل بخذلان وهي تقضم شفتيها تبكِ بصوتٍ مكتوم..

سارت بترنح إلى الخارج و بالكاد كانت ترى بسبب تشوش الرؤية و غشاوة عينها أثر تكتل العبرات داخلها، أدارت المقبض وخرجت بفؤاد مُحطم وهي تجر خيبتِها معها فـ هذا آخر شيء كانت تتوقع أن يبدر من جاسم!، هذا حتى لم يطرق سقف مخيلتِها أنه يستطيع أن يكون همجياً بتلك الطريقة المخزية؟ لكنهُ يستطيع أن يكون جميع الأشياء التي لم تتخيلها قط..

أغلقت الباب خلفها وسقطت أرضاً في الخارج بضعف وظلت تبكِ بحرقة وحدها وهى تضع يدها على قلبها المفطور بفضلهِ..
اعتصر رأسه بين يديه بقوة وهو يفكر وجسده مشتعلاً من الغضب عاجزاً عن فعل أي شيء؟ لا يعرف ماذا يفعل ومن أين يبدأ من هذه؟ فكرة أنها ليست عشق تجعله يجن هو لم يفعل كل هذا مع واحده غيرها هذه عشق يُجب أن تكون عشق..
أمام مركز الشرطة..

خرج سامي من البوابة الرئيسية بشعر مُبعثر وهيئة مزرية ووجهه ممتقع من الغضب في أتم الإستعداد إلى القتل حقاً هذه المرة كي يحتجزوه لـ سببٍ وجيه وليس لأنهُ صديقها فقط ولا لأن اللعين الذي تفوه أمام الضابط بكلمتين جعلهُ يصبح هو القاتل..
أخرج هاتفه بنفاذٍ صبر وهو يضم قبضته عليه بقوة شديدة عندما سمع صوته داخل جيب بنطاله..

ابتسم بسخرية وهو يرفع رأسه إلى السماء لاعقاً شفتيه وهو يفكرعندما وجده جاسم، يبدو أنه فهم وأخيراً شبيه السُلحفاة الذي لا يستوعب شيء..
نظف حلقة ثم رفع الهاتف، وضعه فوق أذنه وقال بهدوء: ألو، تمام ساعة وأكون في المكان، وأغلق الهاتف وهو يبتسم بخبث ثم ضم قبضته فوقه بقوة أغلقه وهو يقول بوعيد: قُصيّ الكلب، هتندم..
بعد نصف ساعة..

أنهي جاسم ارتداء ملابسه باقتضاب، وهبط الدرج درجتين درجتين دون أن يُحيد بنظره عن الباب قط لكن اخترق أذنه، لا بل قلبهُ كـ سهامٍ حادة صوت بُكاءها بحرقة من الأسفل، هو لا ينقصهُ تأنيب الآن يكفي الجمر المُشتعل داخل صدره كُلما تخيل أنها ليست عشق..
حرك المقبض وحرك ساقه كي يذهب لكن صوت والدته الحاد استوقفه: استني عندك، توقف زافراً ثم استدار ونظر إلى والدته التي تتقدم منهُ والغضب يُسيطر على تعابير وجهها..

وقفت أمامه و هتفت بغضب وهي تأشر علي جـنّـة التي تبكِ بانهيارٍ فوق الأريكة: أقدر أفهم ايه اللى حصل ده؟ وازاي تتعامل معاها بالهمجية والطريقة دي؟ لو مستعجل اوي كده قولتلك حجزت القاعه وكُلها اسبوعين وتتجـ، قاطعها قوله بدون تعبير وهو يدير مقبض الباب: إلغى الحجز مفيش افراح هتْتِم..

توقفت جـنّـة عن البُكاء لوهلة عندما سمعتهُ ثم انفجرت في نوبة بكاء أخرى وهي تغمر وجهها بين راحة يديها بحزنٍ على نفسها وقلبها في أنٍ واحد، لِمَ يفعل بها هذا!.
فتح الباب وغادر وهو يزفر مُمسداً صدره باختناق تاركاً والدته تقف متيبسة محلها تحملق في ظهره بذهول! هل هذا الذي كان يقتل نفسهُ على الزواج بها! هل يمزح أم أنها كذبة أبريل؟ هم ليسوا في بداية العام لقد مرّ إبريل وانتهي ماهذا إذاً؟

استدارت وهي تهز رأسها بيأس داعية أن يهديه الله، تنهدت بحزن عندما وقعت عيناها على جـنّـة التي انهارت أكثر عندما سمعت قول جاسم قبل أن يُغادر فهي لن تهدأ بسهولة! هذه هي المرة الأولي التي تراها بهذا الانهيار..
توقف جاسم بالسيارة أمام المقهى الشهير في أحد الأحياء الراقية، دلف بهدوء وهو يلتفت حوله باحثاً عن سامي بـ أنظارهِ بثقب حتى وجده يجلس على أحد الطاولات في زاوية شارداً..

في أحد الفنادق الشهيرة في القاهرة..
مط ذراعيه العاريين بكسل وهو يتقلب في الفراش بثقل، خرجت من دورة المياه وهي تحوط جسدها بالمنشفة ومازال شعرها رطب وجسدها يقطر مياه أثناء سيرها على أطرافها بحذر وهي تتقدم من الفراش وابتسامة عابثة تعتلي ثغرها..

قفزت فوقه بمرح وهي تضحك مع قولها بتذمر: فوق بقي يا مصطفى هتتأخر على الشغل، ضحك بنعاس هو يتقلب أسقطها بجانبه ثم جثم فوقها وقيد يديها فوق رأسها وهو يضيق عينيه وهتف بمكر: وانتِ مستعجلة علي الشغل ليه؟ ما ده شغل برده؟
ضحكت ضحكة خليعة وقالت بمكر: بس في فرق بين الإثنين ياباشا.

ابتسم بمكر وهتف مؤكداً وهو يدنو منها: طبعاً في فرق ده الأفضل، وقبل شفتيها بنعومة وهو يحرر يديها ليعتقل خصرها ويده لم تتوقف عن العبث قط..
بعد ساعة، ونصف، ساعتين، كانت تتوسد صدره وهي تبتسم بنعومة، رفعت رأسها وسألته وهي تُداعب أنفها بأنفه: يلا بقي عشان اتأخرنا النهاردة عن الشغل، هيقولوا ايه علينا ايه المدير والسكرتيرة بيدلعوا!.

إبتسم مصطفى وهو يحرك أنامله داخل شعرها بنعومة وهتف بقلة حيلة: لأ هيقولوا سالي اللي بتدلع ومقعداني جنبها..
ضحكت بنعومة وهي تدفن رأسها بصدره ثم سألته بخفوت: مصطفي هيحصل ايه؟ لو آدم عرف ان في ما بينا حاجة وانت خطبتني بس عشان ابقى طول الوقت قُدامك!
ابتسم مصطفى ومط شفتيه ثم قال باستخفاف وسخرية وهو يداعب شفتيها بإبهامه: مش هيعرف عشان آدم مُغفل..

فـ سألته مجدداً باهتمام وهي ترفع نفسها واسندت ذقنها فوق صدره: طيب وتالين؟
ضحك بخفة وقال دون أن يكبح ابتسامته الجذابة عنها: تالين دي غبية سيبك منها، وخلينا في المهم حجزتي التذاكر؟
أومأت وهي تبتسم ثم سألته وهي تضيق عينيها بشك: هو بجد في اجتماع في هاواي؟

ضحك بصوتٍ رنان علي حماقتها ثم قال بابتسامة وهو يقرص وجنتها: لأ طبعاً دي رحله هنتسلي فيها انا وانت بس يا قمر بعيد عن الشُغل طبعاً، ضحكت بسعادة وهي ترفع حاجبيها بعدم تصديق ثم عانقته بقوة و قبلتهُ قبلة سطحية و هتفت بحماس وهي تحوط جسدها بالغطاء: أنا هروح اجهز بسرعه عشان الشغل بقي..

في منتصف الطريق..
أغلق آدم هاتفهُ وهو يبتسم بعد أن أنهى مكالمته مع قَصيّ أثناء قيادتهُ في طريقه الطويل إلى منزل عمّار..
نظر بجانبه وهو يبتسم ابتسامة مقتضبة بسبب نومها في السيارة لِمَ النوم؟ إنه الصباح و استيقظت الآن لما عادت إلى النوم من جديد؟ من المفترض أن يتبادلان أطراف الحديث الآن لكنها نائمة براحه كأنها في تختِها، تباً..

ابتسم بحنان وهو ينظر لها ثم خلع حِلته ووضعها على جسدها كي لا يترك مجالاً لها كي تشعر بالبرودة ثم قام بإرجاع مقعدها إلى الخلف جعله يميل كي تنغمس في النوم أكثر وتابع قيادة وصب تركيزه على الطريق..

مساءاً..
دلف جاسم إلى المنزل بهدوء دون أن يصدر صوتاً مزعجاً كي لا يقلق أحداهن، صعد إلى غرفتهُ وأخرج حقيبته الخاصة بالسفر وقام بوضع ملابسهُ داخلها بهدوء وهو يفكر بعمق بحديث سامى الذي لم يكن سوى عبارة عن أن التي معهُ ليست عشق وابحث عن عشق ابحث عنها التي معك ليست هي هي فقط شبيهتها وعندما تتذكر ستعلم أنني لا أكذب..

هذا فقط وتركهُ وغادر دون أن يخبرهُ أنها مع قُصيّ أو أين يبحث عنها لأنهُ هو من سيجدها أولاً ولن يتركها له قط، هو فقط يُريد العبث مع قُصيّ وخطتهُ القادمة أن يخبر جاسم أنه رآها مع قُصيّ و سوف يتركهُ يلاحقهُ في كل مكان ويشاهدهم هو ويتسلى قليلاً بهذا..

دلفت والدتهُ الى الغرفة وهي تناظره بعدم رضى مُستعدة لإلقاء المُحاضرة التي حضرتها له من الصباح لكنها توقفت وخفق قلبها بخوف وسألته بلهفة عندما رأته يُلملم ملابسه: ايه ده انت رايح فين؟
هتف بهدوء وهو يغلق الحقيبة بقوة: مسافر يومين وراجع تاني..
هزت رأسها باستنكار وسألته باستفهام وهي تمسك كتفه: يعني ايه مسافر؟ وهتسيبنا لوحدنا هنا؟ رجعني إسكندرية وبعدين روح مطرح ما تروح براحتك..

هز رأسه بنفي وقال بهدوء: أنا مسافر إسكندرية عايز ابقي لوحدي ممكن؟، كاذب، هو ذاهب عِند خالته التي تجمعهم بها صلة قرابة بعيدة لكنها تقربهم في النهاية!، الصعيد، هي هُناك وسيذهب ويمكث لديها يومين لأنها خطرت لهُ فجأة..

تابع قوله بإزدراء: مش هتتخطفوا يا ماما هنا أمان وأنا عارف انا سايبكم فين! وجبتلك كذا حُقنة انسولين وشلتها في الثلاجة عشان متنسيش و قبل مايخلصوا هكون رجعت، وانزل الحقيبة عن الفراش ورفع يدها كي يجرها خلفه..
عانق والدتهُ بحنان وقبل جبهتها برقة لتقول بنبرة مختنقة وهي تكاد تبكِ: لو مضايق من عشق قول لكن متبعدش عننا! احنا مالناش غيرك! دي من الصبح ماكلتش حاجة ولا اتكلمت وفي آخر اليوم طلعت تنام حرام عليك..

ربت على كتفها بحنان وقال بابتسامة بعد إن قبل رأسها طمئنها: انا كويس جداً والله متخافيش ومش هتأخر، تبقي بوسي عشق وخليها تاكل مع السلامة، وعانقها بحنان ثم تركها وترك الغرفة ثم المنزل ومضى في طريقهُ..

في الصعيد..
زفر متولي بضيق في مقعده وهو يحرك راحة يده على رأس عصاه ثم قال بسأم إلى ذلك الخليل الجالس أمامه: خير؟ ايه اللي جابك؟
ابتسم خليل ابتسامة صفراء مقززة شبيه لأسنانه ثم قال: المحروس ابنك شيِعلي وعيجولي خُد بتك! احنا بنلعبوا ولِّيه كل شويّ خُد بتك خُد بتك؟
رد متولي متهكماً وهو يهز رأسه: ماهي لو تبطِل مُناجرة في دِيه ومناجرة في دِيه مش عايتحددت واصل لكن نجول ايه؟ مِحراك شر كيف اللي خلَفوها..

ضحك خليل بخفة واقترح بمراوغة: لو تعباكم جوي اكدِه بلاش منها صُلح احسن وخدها حدايِه ويادار مادخلك شر..
ضحك متولي وهز رأسه موافقاً وقال بهدوء جعل ابتسامة تختفي: معاك حج خُدها معاك مش عايزينها اهنِه عاد وبلاش منها صُلح..
ضحك خليل بارتباك وهتف باعتراض وهو ينظر حوله كي يهرب من هذا: فين عمّار هو اللي عايشتكي يا جي يجول عملت ايه عاد؟ عيِط عليه وخليه ياجي ونشوف..

ابتسم خليل بسخرية ثم صاح بصوتٍ مرتفع أفزعها: صباااح، بت يا صباااح، هرولت له من الداخل بسرعة لتتعثر بـ جسد ندى التي كانت تختبأ تسترق السمع عليهما..
ضمت قبضتيها بغضب و وبختها: انتيّ ايه اللي جابك اهنِه تانيّ عاد! يارب صبِرني، وتابعت سيرها إلى محل جلوس متولي..
هتف باستفهام عندما توقفت أمامه: عمّار وين؟
ردت باحترام: نايم ياسيدي..

هز رأسه وأمرها بهدوء: جولي لـ أم عمّار تصحيه وشيِعهولي دلوك، أومأت باحترام وعادت أدراجها إلى المطبخ، بينما ندى ابتسمت بخبث وتسللت إلى الأعلى بحذر كي توقظه هي لِمَ لا تفعل؟.

فتحت ليلى عينيها بثقل وهي تتأوه بألم، مسدت معدتها بخفة وهي تنتصب جالسه بتعب، كل هذا بسبب تناول الطعام الكثير صباحاً هي لا تتناول كل تلك الكمية، لا لا يفهمون! هي مرت عليها فقط نصف ساعة بعد تناولها الطعام ثم بدأت تتألم ولم تدري بنفسها سوى وهي تأخذ حبوب مُسكنة وتسطحت محلها ثم غفيت..

إلتقطت الهاتف الموضوع جانبها الذي يضيء بوميض خافت، ضيقت عينيها بانزعاج بسبب إضاءة الهاتف المزعجة، شهقت بتفاجئ وهي تري كم الوقت! أنه المساء لن تصل في الوقت المناسب إن لم تتحرك الآن؟
نهضت سريعاً وذهبت الى غرفة نادين التي اختفت من جانبها، بالتأكيد سوف تختفي أم تريد أن تظل بجانبها وتتأملها وهي نائمة؟.

أدارت مقبض الغرفة ودلفت، حركت شفتيها وهمت بالحديث لكنها توقفت عندما وجدت الغرفة فارغة! أين ذهبت الآن؟، بحثت عن حقيقته رُبما تكون أتت بها لكن يبدو أنها مازالت في غرفة عمّار..
تنهدت بإحباط وتركت الغرفة وأغلقتها خلفها وهي تفكر لـ تقطب حاجبيها بتعجب عندما أبصرت ندى تتسلل بحذر وهي تنظر حولها بريبة حتي وصلت إلي غُرفة عمّار ودلفت إليها! الحقيرة هل تذهب له كل يوم وتتسلل من وراء الجميع؟

زفرت بحدة وعقدت يديها أمام صدرها بغضب وهي تنقر بأناملها فوق الهاتف تقطب ما بين حاجبيها بانزعاج شديد وهي تقف في منتصف الممر، ضربت قدمها أرضاً بغضب ثم ذهبت خلفها لأن حقيبتها هُناك لا يفهمها أحداً خطأ..
أغلقت ندي خلفها بحذر وخفة كي لايصدر الباب صوتاً مزعجاً ويوقظه هو، سعلت باختناق عندما استنشقت رائحة العطر الثقيلة، ماهذا؟ سوف تختنق كيف ينام هكذا ويتنفس!.

تقدمت منهُ وهي تبتسم بخبث ولا تعلم بما تبدأ، حسناً هي لن تستطيع البدء بشيء لأن صديقنا يرى كابوساً مُزعجاً الآن ومتوقع ما يحدث في نهاية الكابوس الحاسمة..

تقدمت أكثر وهي تقضم شفتيها لكن قدميها توقفت عن التحرك أمام الفراش عندما أبصرته يتصبب عرقاً في هذا البرد القارس إضافة الى نومه دون ملابس علوية وصدره عارى متعرق!، نظرت إلى عضلات صدره الصلبة قليلاً وهي تزدرد ريقها وعينيها شقت طريقها إلي وجهه تتأمل ملامحه الهادئة أثناء انغماسه في النوم، كم هو رجولي يحرك الكثير من مشاعرها ويشعل الرغبة داخلها عندما تنظر له فقط..

هو حلم الكثير من الفتيات هُنا، لقد كان حلمها في يومٍ ما لكنه لن يحدث ولن يكون لها يوماً!، فإن علم حقيقتها تُقسم انه سيقتلها دون أن يرف لهُ جِفن لكن هذا ليس بيدها وليست آسفة لأنها سعيدة ولا تمل من رؤيته! وليست حزينة بالمرة بسبب وجودها هُنا..

هذه هي المرة الأولي التي تتمنى حقاً لو كانت هـ، صرخت بفزع عندما انتفض وانتصب جالساً يلهث بعنف معتصراً رأسه بين يديه وصوت أنفاسه المتسارعة التي يُجاهد في التقاطها وصلت لها جمدتها محلها، فإن تحركت سوف يراها ماذا تفعل الآن؟

ازدردت ريقها وعادت خطوتين إلى الوراء وهي تنظر له بتوجس، رفع رأسه ومسد جبهته بألم وهو يتذكر ذلك الكابوس! لما كانت ليلى داخله الآن مادخلها بـ خليل لما أراد ذبحها؟ هو ذبحها بالفعل لكن لِمَ؟ ألا يستطيع النوم بـ راحة أبداً؟، اللعنة عليهم جميعاً..

قطب حاجبيه عندما سمع صوت أنفاس معه في الغُرفة، رفع رأسه سريعاً لـ يجدها توليه ظهرها تسير على أطرافها مُتسللة إلى الخارج، وقف على ركبتيه و سحبها من ذراعها قبل أن تبتعد لـ تنفلت من بين شفتيها شهقة خافتة عندما وجدت نفسها أسفله وهو جاسم فوقها! كيف فعل هذا بتلك السرعة الآن؟!
إبتسم بخبث وهو يقيد يديها فوق رأسها وسألها باستفهام وهو يلتقط أنفاسه: بتعملي ايه اهنِه يا جربوعة انتيّ، جايِه تجتليني ولِّيه؟

هزت رأسها بنفي وهي تتحاشى النظر له وهتفت بتلعثم وهي تسمع صوت خفقات قلبها العنيفة: انـ، انـ، اني جايِه اجولك ابوي تحت وعايزك، أومأ وهو يبتسم ثم سألها وهو يدنو منها اكثر لـ تلفح انفاسه الحارة صفحة وجهها جعلها ترتجف باضطراب: وجايِه انتِ ليه عاد؟ مين جالك تاجي؟
رفعت نظرها له بتردد لـ تأثرها خضراوية اللامعة وتبعثرت عباراتها ولم تستطع تجميع حرفاً واحد وخفقاتها في تزايد مؤلم لقلبها..

ضحك ببحة رجولية وهو ينظر لها يا إلهي سيبكِ تأثرا، المشكلة تكمن هُنا، لقد اكتشف شيءً ما بها ولأنه يعلم خليل ذلك الشيطان جيّدا يُصدق قلبهُ وشعوره، هل يقول ماتوقع؟ لا بل متأكد ليس متوقع! لكنه لن يقول يُفضل أن يحتفظ بهذا لنفسهِ..

فتحت ليلى الغرفة بعد تردد دام لدقائق عندما لم تسمع صوت! لما الغرفة هادئة! هل غفيت بجانبه أم ماذا؟، دلفت و قلبها ينقبض وينبسط بخوف، شهقت شهقة كتمتها سريعاً عندما وضعت يدها على فمها وهي ترى ظهره يرتفع وهو يلهث! متعرق وهي أسفله! ماذا يفعل هذا الحقير هو الآخر؟

ابعدت نظرها عنهم بوجه ممتقع من الغضب وهي تشعر بالدماء تغلي داخل عروقها، بحثت عن حقيبتها بعيون زائغة حتى أبصرتها بجانب قدمها مباشرةً ملاصقة إلى الباب، مدت يدها المرتجفة، حملتها سريعاً وهو تقبض عليها بغضب وعنف متناسية أنها تستطيع جرها بسهولة، اصطدمت الحقيبة بطرف الباب أصدرت ضجة جعلتهُ يلتفت سريعاً وهو يحرر قيد يديها..

ابتسم بعبث عندما نظر خلفه ووجدها تتشاجر مع الحقيبة كي تخرجها عنوة بتلك الهيئة الرقيقة!.
مابها؟ هل خجلت من رؤيته؟ لا يهم، لكن الأبيض يليق بها حقاً، كل شيء يليق بها تلك الغزالة..
تفحصها بخضراوية من أعلاها لأخمص قدميها، رفعت رأسها فجأة بوجه أحمر غاضب لـ تجده يبتسم لها دون خجل بكل حقارة، هذا هو أسوأ مخلوق على وجه الأرض..
أبعدت نظرها عنه باشمئزاز وهي ترفع يد الحقيبة ثم ذهبت وجرتها خلفها بسرعة..

قهقهة وترك الفراش بكل هدوء، التقط كنزته الملحقة بـ بنطاله القطني وارتداها وهو يقول: روحي انتيّ جاي وراكِ، دلف إلى دورة المياه كي يغسل وجهه لكنه توقف عندما لم يسمع صوت؟، التفت ونظر تجاه التخت ليجده فارغ! رفع حاجبيه وهو ينظر تجاه الباب المفتوح على مصراعيه كيف خرجت سريعاً دون صوت؟ لايهم..
ضربت كتف ليلى وهي تركض سريعاً بوجه شاحب أسقطت حقيبتها وكادت تسقط معها..

صرخت ليلى بغضب وهي تدبدب بقدميها أرضاً: بصي قدامك يا رخيصة، توقفت ندى عن السير وهي تضم قبضتيها بغضب ثم استدارت وتقدمت منها..
انحنت ليلى كي تحمل الحقيبة وهي تقضم شفتيها بغضب جامح لا تعلم مصدره، فليحترق مادخلها؟ لقد ترك ابنتها وستذهب لقد انتهى كل شيء ما بها مشتعلة هكذا وتحترق داخلها؟ لِمَ؟، و أين مختفية ابنتها أين؟

توقفت ندي أمامها وهي تضع يدها بخصرها تهتز بقلة حياء وعيناها تجول عليها من أعلاها لاخمص قدميها باستخفاف ثم قالت بتهكم: بجي الغازيِة بتجول عليِّه رخيصـ، وشهقت بفزع عندما قبضت حُسنة على كتفها بقوة أثناء سيرها إلى غرفة عمّار وهتفت بتوبيخ حاد: انتيّ يعني عايزه تنضربي علجة موت يابت النتِن انتيّ ولِّية؟ وربي أشيِع لـ دهب تاجي تجطع خبرك اهنِه؟

هتفت برجاء وهي تحاول التملص من بين يديها: أني، أني، كُنت بصحي سي عمّار عشان عايزينة تحت والله يا حاجة..
نظرت لها ليلى باستحقار ثم صاحت بصوتٍ مرتفع بعصبية: نـاديـن، نـاديـن، نـاديـن، هبت نادين واقفة بعد أن كانت تقهقه مع عشق بتسلية، فهي طوال النهار كانت جالسة تتسامر معها عوضاً عن الملل فـ عمّار كان نائماً هو ووالدتها..

ركضت نادين إلى الأعلى تزامناً مع خروج عمّار من الغرفة، تقدم منهم لتهتف ندى مستنجدة به: الحجني ياسي عمّار وجولها اني معملتش حاجة واصل..

ابتسم عمّار وأوصى حُسنة وهو يبتسم: خدي راحتك يا أم عمّار اجطعلها رجلها اللي بترمح بيها في كل مكان ديّ، أومأت حُسنة وهي تنظر لها بغضب وكادت تذهب لكن ليلى أوقفتها عندما أنزلت الحقيبة من يدها وعانقتها بحنان وهي تودعها: مع السلامه، هتوحشيني، تنهدت حُسنة بحزن وهي تسألها: بردك يابتي؟ انتِ منورانا هتوحشك جوى ماتجول حاجة يا عمّار عاد..

ضحك بسخرية وهو ينظر إلى ليلى التي تكاد نظراتها تحرقه حياً كم هي شرسة لطيفة، هل تظن والدتهُ أنها رُبما تسمع منهُ هو؟.
عقد يديه أمام صدره ورفع يده ومررها على ذقنهِ وهو يحمحم وقال بتلك النبرة العابثة التى تعرفها ليلى جيّداً وهو يخفي ابتسامته: انتِ منورانا يا ليلى هانم وبعدين زي ما قالت هتتوحشك، كُلنا هنتوحشك حتى ندي!

رفعت زاوية شفتيها بسخرية وهي تنظر له باشمئزاز وقبل أن تشتمه هتفت ندى بكره: اتوحش مين ديّ الهي تروح ما ترجع البَعيدة، قذفت ليلى هاتفها بغضب وتقدمت منها وهي تقول من بين اسنانها بشراسة: مين دي اللي تروح ماترجع يا رخيصة ياحقيرة تعالي هُنا والله هضربك..

سحبها عمّار من خصرها النحيل وهو يضحك ونظره معلق على الهاتف الذي قذفته بكل سهولة هكذا؟ معها حق هي غنية تستطيع شراء غيره بسهولة، جذبت حُسنة ندى من حاشية ملابسها خلفها وهي تشدها بعنف وتوبيخ عندما وجدتها تريد الفرار وضرب ليلى: وربي لو شوفتك فوج تاني عكسِر عضامك فوتي جِدامي يا ملعونة فوتي..

تنفست ليلى بعنف وهي تنفخ ودجيها مع انفها بغضب وعسليتيها مُعلقة على تلك البغيضة التي تبتعد فهي تليق به، دعست قدمه بحذائها الرياضي بعنفوان وهي تقول بنبرة نافرة متألمة لأنها لم تحسن اختيار قدمها السالمة: إبعد عني مش ناقصة قرف إبعد، ضغط على خصرها بقوة وهسهس بجانب أُذنها بـ فحيح: لِسانك اللي مش هيتلم أبداً ده هقطعهولك في يوم من الأيام..

صرخت بصوتٍ مكتوم مستمرة في ضرب قدمه وهي تقول بألم ممزوج بنبرتها المرتجفة وعيناها الباكية: مش هيبقي في أيام تاني يا همجي سبني، تركها ودفعها من أمامه ببرود عندما سمع صوت نادين المرح يقترب، هبط الدرج وهو يبتسم بعد أن بعثر شعر نادين في طريقة إلى الأسفل..
أخفضت وجهها وهي تمسك خصرها بألم ذلك الوحش ماذا يأكل؟ انها لا تشعر بخصرها!.
توقفت نادين أمامها، سألتها بقلق وهي ترفع وجهها بين يديها: مامي انتِ كويسة؟

أومأت وهي تبتسم بـ بهوت ثم أمرتها بهدوء: هاتي شنطتك ويلا بينا، نظرت لها نادين بتردد ثم قالت بصوت منخفض: هو لازم النهاردة يعـ، صرخت بها بعصبية وقالت بنبرة صارمة: ايوا النهاردة ودلوقتي ومش عايزة كلام كتير اتفضلي، أومأت بعبوس ثم ذهبت إلى الغرفة سريعاً أمام نظراتها الحارقة وعادت أمامها من جديد وهي تحمل حقيبتها..

نظرت لها ليلى بطرف عينيها وهي تهبط الدرج بعد أن التقطت هاتفها من الأرض متجاهلة عبوسها فهذا ليس وقت دلال ليس وقتهُ..
هتف خليل باستياء بيّن: بتي مزعلاك في حاجة لاسمح الله يا ولدي؟
رد عمّار ممتعضاً وهو ينظر له: أي حاجة تاجي منيك بتزعلني خُدها وياك وانت ماشي ومتجلجش مش عاجتلك في فرشتك..
ضحك خليل بصوت مرتفع رنان وصل إلى مسامع ليلى جعل الدماء تجف في عروقها وتجمدت محلها ولم تتحرك خطوة واحدة إضافية..

نظرت لها نادين بتعجب ثم سألتها بقلق عندما رأت وجهها شاحب: مامي انتِ كويسة؟
تركت الحقيبة من يدها على بداية الدرج وهي ترتجف شاعرة بانسحاب الهواء من رئتيها، اتكأت على الدرابزون خلفها وهي تهز رأسها بنفي بالتأكيد سمعت خطأ بالتأكيد سمعت خطأ، تشعر، تعشر بحبلٍ ملفوف حول عنقها يخنقها بشدّة يُجب أن تهرب..
شهقت وهي تضع يديها حول عنقها باختناق عندما هزت نادين جسدها وسألتها بقلق وهي تراقب حالتها: مالك في ايه؟

هزت رأسها بهستيريا وهي تلهث بملامح مذعورة شاعرة بقلبها ينقبض بقوة ثم أردفت بأعين زائغة بنبرة مهزوزة: أنـ، انـ، أنا بقول اننا نفضل كمان يومين، ابتسمت نادين وقبل أن تتحدث وجدتها تركض وصعدت إلى الأعلى سريعاً كي تختفى عن الانظار..

أغلقت باب الغرفة خلفها وهي تستند عليه تلهث بأنفاس متسارعة وعيون زائغة ولم تدري بنفسها سوى وهي تتهاوى ساقطة خلف الباب، رفعت ساقها وضمتها إلى صدرها وشهقت بتقطع ثم انفجرت في نوبة بكاء مريرة وهي تدفن رأسها داخل ركبتيها تنتحب بألم وجسدها ينتفض من الخوف، أن أمسك بها سوف يحتجزها حتى تموت لن يتركها تحيي بـ سلام، ونادين ماذا سيحل بها ماذا؟ سوف تتحول حياتها إلى جحيم وهي لن تتحمل تلك الحياة مرة أخرى لن تتحمل ولن تسمح له بتدمير حياة ابنتها الشيء الوحيد الثمين الذي تحيي لأجله..

حركت نادين أهدابها بذهول وهي تنظر في أثر والدتها الراكضة بتعجب وقبل أن تتحرك وجدت حقيبة والدتها تنزلق ثم سقطت من فوق الدرج قبل أن تُمسك بها أصدرت ضجيجاً جذب الأنظار، ابتسمت ببلاهة عندما وجدت عمّار يأتي مُسرعاً و سألها بقلق بعد أن لحق به خليل: في ايه؟
هزت رأسها بنفي وقالت بابتسامة: مفيش شنطة مامي وقعت بس أصلها تقيلة عليا، أومأ لها عمّار وهو يبحث عن ليلى بناظريه فأين هي؟

قال بهدوء وهو يرفع الحقيبة وأوقفها بجانب الدرج: طيب سبيها وانا هخلي حد يخرجهالكم برا..

هزت رأسها بخفة ثم ابتسمت وتركت حقيبتها لـ تنزلق وتسقط أرضاً بجانب قدم عمّار ثم هتفت بابتسامة بلهاء: خُد دي معاك وخليها هنا دلوقتي لسه مش عارفة هنمشي ولا لأ، وركضت إلي الأعلي دون إضافة شيء تحت تعجبه وعدم فهمه تلك الحمقاء!، هز رأسه بتعجب ثم انحني واوقف الحقيبة بجانب الأخرى واستدار لـ يجد خليل يقف مقابلهُ بهذا القُرب المُقزز!.
ابتعد الى الخلف وهتف بامتعاض: ايه في ايه؟

سأله خليل وهو يضيق عينيه يفكر بعمق: مين البنتِه ديّ؟
زفر عمّار وقال بسأم وهو يعقد يديه أمام صدره: ديّ اللي كانت خطبتي في حاجة؟
هتف خليل وهو يمرر يده على ذقنهِ بتفكير: ديّ شبه حد أعرِفهُ فين أُمها؟
توهجت عيناه بغضب ومسح وجهه بنفاذِ صبر وهو يصك أسنانه بقوة وسأله وهو يرفع حاجبيه بتهديد: ليه عايز تتجوز ولِّية؟

هز رأسهُ بنفي وقال برفض إلى تلك الفكرة: حديت ايه الماصخ دِيه؟ أني ماشي دلوك وندي بتي مش عاتعمل حاجة تانيِه واصل!، ثم تابع بهدوء كي يستعطفه: بس بردك بت خليل الطحاوي مايلِجش بيها المطبخ ينفع اكدِه؟
هتف عمّار بدون تعبير وهو يهز كتفيه: مش عاجبها المطبخ تروِح معاك وتاجي بعد ما تنتهي عِدتها مش ناجصة خوتة دماغ عاد!
أومأ خليل بإزدراء وهو يهز رأسه بخفة ضامراً خلفها الكثير والكثير من الشر تجاهه..

تحرك تجاه الباب وهتف بهدوء: اني ماشي وفايتلك بتي وعارف انك مش ظالم ومتعرِفش تجور على حد، وتركه ومضى في طريقه، نظر في أثره باشمئزاز وكاد يبصق عليه وعلى تلك التي أتي بها معه، فإن كان جيّد مثلما يقول يمكنهُ أن يصبح الأسوأ فقط من أجل أن يبدل فكرتهُ عنهُ..

زفر عمّار وجلس على مقعد والده الفارغ، مسد جبهته بسبب ألم الرأس الحاد الذي يُداهمه كثيراً في الفترة الأخيرة، بالتأكيد بسبب التفكير الكثير، هو لم يفكر ولم ينشغل عقلة من قبل مثل انشغاله هذه الفترة!.

مابال هذا الكابوس الذي رآه لما لم تكن اللعينة ندي؟ رؤيتها تُذبح أهون عليه من رؤية ليلى حقاً!، لقد استيقظ وهو يشعر بـ قلبه يؤلمه وما زال يؤلمه إلى الآن لِمَ؟، لقد كانت مختلفة في هذا الكابوس، كانت تستنجد به وتنظر له نظرة مختلفة عن سابقاتها لم يراها من قبل! نظرة أكثر دفئًا أكثر وِداً نظرة حانية أدفئته! كانت عاشقةً له في هذا الكابوس! وهو حالته لم تكن مُختلفة كثيراً لأنهُ كان ثائراً وهائج بطريقة لم يرى نفسهُ بها قبلاً! كأن من يراها في هذا الخطر حياته وليست ليلى! لقد كان مقيداً عاجزاً عن الحراك وهو يصرخ بها أن تهرب لكنها كانت تنظر له وتبكِ ولم تحرك ساكناً، ذبحها خليل بدمٍ بارد ومدِّيه أبرد عذبتها قبل موتِها أمام عيناه، وبعدها استيقظ، استيقظ قبل أن يقتلهُ على وجه البغيضة ابنتهُ!، لِمَ تسللت إلى حلمهُ لِمَ؟

لن يقول أن أحلامهِ تتحقق لأن معظم أحلامهِ التي رآها قبلاً قد تحققت بالفعل، لكن هذا الحُلم لا يفهمهُ؟ ويحتاج إلى مزيد من الجهد الذهني وهذا يعني ألم الرأس وانفعال وعصبية وفي النهاية عندما يتحدث معها تنعته بأبشع النعوت، لا تستحق هذا المجهود فلتموت مادخلهُ بها؟.
رفع رأسه عندما سمع صوت والده يقول أثناء سيره إلى الخارج: عندي جاعدِة صُلح اتعشوا انتوا..

ضحك عمّار بسخرية وهو يهز رأسهُ، هل حقاً يظن أنهم سوف يمتنعون عن الطعام لأنهُ ليس هُنا؟ هل هو السلطان ولا يوجد لديهِ خبر؟ انه يعاملهم معاملة أسري الحرب هُنا! لا يهم لا يأكل معهم هو يجعل الجو كئيباً على مائدة الطعام على أي حال وقُصيّ هُنا ولن يتوقف عن التفوه بالترهات التي يكرهها والده..

استفاق من شروده على ضرب قُصيّ له بكتفه بغضب مع قوله بسخط: انت طلعت اتقلبت زي الخروف وسبتني متذنب طول النهار في الصالة؟
هتف بضجر وهو يرد له اللكمة: انت غريب ما تروح اي اوضة؟ مقولتش لـ أمي لـ، ليقاطعة قائلاً بيأس: اه عشان تجري ورايا بالجزمة صح؟

ضحك عمّار وهو ينظر له بتسلية ليتابع قُصيّ بتحذير وجدية: بُص يا عمّار انا جاي هنا عشان أعرف استفرد بـ عشق عشان في مصر مِدياني الوش الخشب واحنا هنا في الزحمة وانا بحب الزحمة لكن لو لقيت اي حد طلعلي زي عفريت العِلبة في المتاهة اللي انت عايش فيها دي هغلط فيكم كلكم و، صمت وبهتت ملامحه واختبأ خلف عمّار عندما سمع صوت حُسنه يأتي من خلفه: يلا العشا جاهز يا وَلد، أومأ عمّار وهو يبتسم ثم نظر إلي قُصيّ ليتابع وهو يتحمحم وعاد إلى جديتهُ: هغلط فيكم كُلكم الا سِت الكُل..

=: يا أهل الدار، التفت الاثنان معاً عندما سمعوا ذلك الصوت المألوف، ابتسم آدم وهو يتقدم من عمّار فاتِحاً يديه على مصراعيها وهو يقول: حبيب قلبي، قابلة قُصيّ أولاً فـ تخطاه وزجره باستياء: ابعد ياخاين..
قهقة عمّار وعانقة بينما قُصيّ زفر وتجاهله وتقدم من تالين وهو يبتسم بخبث، فكانت تقف تنظر حولها بنظرات مستكشفة تستكشف أرجاء المكان وهي تعانق راحة يدها تفركها بارتباك كأنها فعلت شيءً سيئًا..

أردف آدم بجوع وهو يمرر يده على معدته: عمّار أنا جعان..
ربت عمّار على ظهرهِ وسحبهُ معهُ وحثهُ على التحرك وهو يقول: حماتك بتحبك يلا بينا، بس الحق حبيبة القلب عشان قُصيّ بيشقطها، التفت آدم ونظر إلى قُصيّ مراقباً كيف يقف أمامها يتحدث بكل راحة وهو يبتسم كأنهُ يعرفها منذُ زمن ذلك اللعوب الذي يعرف طريقه إلى جميع النساء!.

زفر ونظر إلى عمّار بحزن كـ طفلاً لـ يضحك وهو يربت علي كتفه ثم صاح بإسم قُصيّ كي يأتي واخبر آدم بهمس وهو يقرب رأسهُ منهُ: ده اسمه الحقيقي شقوطة خلي بالك و إقفل عليها ايه اللى خلاك تجيبها أصلاً!
هتف قُصيّ وهو يدخل رأسه بينهم: عنده حق جبتها معاك ليه دي كيوت وبريئة خالص عيب عليك خليها تطلق الأول..
نظر له آدم قليلاً باستياء ليقول عمّار ساخطاً: خاين عندة ضمير أول مرة أشوف خاين عندة ضمير..

زفر قُصيّ وهو على وشك الإنفجار بوجهه فـ ضحك عمّار وسبقهم وقال يحثهم على الإتيان خلفه: يلا عشان تاكلوا، لحق به قُصيّ بينما آدم تقدم من تالين وهو يبتسم ثم امسك يدها بين راحة يده كي تطمئن ولحق بهما..
صرخت عشق بعدم تصديق افزعتهم ثم وقفت و هتفت
بسعادة: تالين مش مصدقة نفسي!.

ضحكت تالين بعدم تصديق وتركت يد آدم وهرولت لها وعانقتها بقوة وهي تبتسم لـ يلوي قُصيّ شدقيه وهو ينظر لـ كلتيهما، بالتأكيد بالتأكيد هذا ليس يوم حظة، سوف تلتصق كل واحدة بالأخرى طوال الوقت لأنه ومن الواضح أن كلتيهما يعرفانِ بعضهما البعض ولن يستطيع الإستفراد بـ عشق سُحقا لهذا، وتكتمل الحكاية عندما يجتمعان مع تلك الغزالة الهاربة ويشكلون فريقاً وتباً لهم جميعاً، هما لا يتقابلانِ في القاهرة وهذه حجة جيّدة كي لا تتركها، وهو لن يراها ويجتمع بها يعلم حظهُ النحس، فـ على مايبدو أن كلتيهما تدرسانِ معاً في نفس الجامعة..

جلس الجميع أرضاً حول المنضدة عمّار بجانبه آدم ثم قُصيّ ثم عشق ثم تالين ثم نادين ثم حُسنة..
وقفت نادين وقالت بهدوء: أنا هطلع أنادي مامي..
وتركتهم وركضت إلى الأعلى سريعاً، فتحت الغرفة بحماس وهي تبتسم لـ يلفحها الهواء الطلق وخلو الغرفة من والدتها، بالتأكيد هي في الشرفة بسبب هذا الهواء لكن الطقس بارد كي تظل في الداخل!.

بينما ليلى كانت تجلس أرضاً في الشرفة تسند رأسها إلى حديد سور الشرفة تحدق في الفراغ و عبِراتها الحارقة مازالت تنساب من بين عيناها الزائغة و جفنيها المتورم على وجنتيها الناعمة تحرقها، هي لم تعد تشعر بالبرودة، أصبحت جثة ميته مثل عمّار لا تشعر، هل يا تُرى كان يتألم عندما كان يجلس هكذا في شُرفتهِ؟ تشك أنه سعيد بهذه الحياة! هذه حياة لا تسعد أحداً! وتحمل المسئولية هُنا ليس سهلاً أبداً وتلك الخضراوين التي نظرت لهما أكثر من مرة بها حُزناً عميق رغم بريقها، رغم إبتسامتهِ الجذابة وحديثهُ المرح لكنهُ حزين ومتعب مع هذا؟!.

أتعلمون هي تستحق ما يحدث معها لأنها عوضاً عن إيجاد حل لـ مُصيبتها تفكر بـ عمّار وما يواجهه عمّار! اللعنة على عمّار هو السبب بحالتها هذه هو من جعلها تأتي إلى هُنا، انتفضت عندما شعرت بتلك الأنامل الرقيقة تمحي عبراتها..

ابتسمت عندما وجدت نادين تجلس مقابلها تنظر لها بحزن وقبل أن تتحدث سألتها نادين بقلق: مالك يا مامي مين زعلك؟، عانقتها ليلى بحنان واخذت تربت على ظهرها برفق وقالت بتحشرج أثر بكاءها: مفيش حاجة يا حبيبتي أنا كويسة متقلقيش عليا في حاجة؟

هزت نادين رأسها بنفي ثم فصلت العناق ومحت تلك العبرة العالقة بأهدابها وقالت بعبوس: مفيش كُنت هقولك يلا عشان هناكل، ربتت ليلى على وجنتها ورفضت بدون شهية: حبيبتي أنا مش هقدر آكل تاني معدتي بتوجعني كُلي انتِ..
أمسكت نادين يدها وحثتها على الوقوف وهي تقول بحزن لأنها تعلم أنها لن تأكل فهي لا تفوز في أي نقاش معها يخُص الطعام: طيب تعالي اقعدي معانا تحت مش هسيبك لوحدك تانى الجو تحت حلو ومش هتزهقي..

سألتها باستفهام وخوف وهي تجر قدميها خلفها فلم تكن تسير بالمرة: مين تحت؟
قالت نادين بتفكير وهي تتذكر: كُلنا وأصحاب عمّار وفي بنتين حلوين اوي هتحبيهم يا مامي..
أوقفتها ليلى أمام الغرفة وهي تقبض على يديها وسألتها بنبرة مُرتجفة واضحة: الضيف اللي كان مع عمّار مشي؟
شردت نادين وهي تتذكر ثم قالت بابتسامة: اه مشي وكمان عمو متولي خرج واحنا تحت لوحدنا يلا بقي..

ضمت ليلى قبضتها على يد نادين وقالت بترجي وهي تنظر لها بأعين دامعة: نادين يا حبيبتي احنا لازم نمشي لو بتحبيني يلا بينا نمشي ووعد مني هبقي اجيبك زيارة ليهم في أي وقت تطلبي بس لازم نمشي دلوقتي اسمعي كلامي..
نظرت لها نادين بتذبذب ثم نظرت إلى يدها التي تحتضنها ليلي بين راحة يدها بتفكير، فـ هناك مايحدث ويجب أن تعرف!، فهي قالت ستبقى يومين ماذا حدث؟

ازدردت ريقها وقالت باستفهام ممزوج بتعجب: بس انتِ قولتيلي اننا هنفضل يومين كمان؟
تركت ليلى يدها وهي تقضم شفتيها وعادت تبكِ من جديد وهي تقبض على شعرها بقوة ثم هتفت بعصبية: قولت ورجعت في كلامي وهنمشي دلوقتي فين الشُنط..
ردت نادين بحزن وهي على وشك أن تبكِ: تحت، هزت ليلى رأسها و لم تترك لها المجال كى تتحدث و أمسكت يدها وسحبتها خلفها إلى الأسفل..

جرت ليلى حقيبتها خلفها وهي تسحب نادين معها بيدها الأخرى لكن قول حُسنة المتفاجئ أوقفها: واه انتوا رايحين فين عاد وجفي يا ليلى و تعالي كُلي لووْل نادين جعانِه!

توقفت ليلى عندما سمعت جملتها الأخيرة، أطبقت جفنيها وهي تتنفس بانفعال ثم استدارت ونظرت إلى نادين وسألتها وهي تؤنب نفسها: انتِ جعانه؟، أومأت نادين وهي تطرق برأسها فـ تركت ليلى يدها وقالت بهدوء وهي ترفع رأسها للأعلى كي لا تتساقط عبراتها: روحي كلي وانا هستناكِ هنا روحي يلا..

أمسكت نادين يدها وقالت بنبرة مُرتجفة حزينة: تعالي معايا مش هاكل من غيرك عشان خاطري، أومأت لها وسارت معها بهدوء منصاعة لأمرها، جلست نادين محلها بينما حُسنة أجلست ليلى بجانبها لتصبح على يمين عمّار، ظلت جالسة صامته تسبل عيونها إلى الأسفل دون أن تنطق بحرفٍ واحد..
تساءلت حُسنة باستفهام وهي تحوط كتف ليلي: مالك يا حبيبتي مش بتاكلي؟ بتبكِ ولِّية؟

هزت ليلى رأسها نفياً وهي تبتلع غصتها بمرارة وحركت شفتيها كي تتحدث لكنها شهقت ثم انفجرت باكية بحسرة وهي تسند مرفقها إلى المنضدة جعلتهم يتوقفون عن تناول الطعام بتعجب لهذا البُكاء عدى تالين التي لن تكن ترى سوى طبق المحشي الملفوف أمامها..
هتفت بصعوبة وهي تلتقط أنفاسها بوجه شديد الاحمرار: أنـ، أنا مش جعانة..

هزت حُسنة رأسها باستنكار وقالت بهدوء وهي تربت على ظهرها بحركة سريعة حنونة: خلاص بتبكِ ليه عاد متاكليشي يا حبيبتي خلاص!
ازدادت صوت نحيبها وغمرت وجهها بين راحة يديها بأسى جعلت نادين تبكِ وهي تراقبها فـ منذِ متى ووالدتها ضعيفة بتلك الطريقة؟ هي قوية وتبتسم دائماً البكاء كان نادراً في حياتهما لكن ماذا يحدث الآن؟
ربتت عشق على راحة يدها تواسيها بصمت وهي تنظر إلى ليلى بتعاطفٍ معها لسببٍ لا تعرفة..

نظر قُصيّ إلى عمّار الشارد بهدوء تعجب له! كاد يبعد نظرهُ لكنهُ لمح المِلعقة التي يحتجزها عمّار بين قبضتهُ ضاغطاً عليها بعنف حتى تم ثنيِها بطريقةٍ بشعة جعلتهُ يشفق على المِعلقة!
لِمَ تبكِ بتلك الطريقة؟ بالتأكيد ليس بسبب قبضته على خصرها! فلتصمت الآن لأن صوت نحيبها يزعجهُ!، كاذب بل يخنقهُ..

أخذها قُصيّ من يده وهو يتساءل باستفهام: الشحات مبروك قاعد معانا؟ ايه ده؟، لكزه آدم بكتفهِ بغيظ كي يصمت فهذا ليس وقت مُزاح ثم هتف بسخط: اخرس دلوقتي..
ربتت حُسنة على ظهرها بحزن وهي تهدئها: خلاص يا حبيبتي بزيداكِ عاد انتيّ اتحسدتيّ ولِّية مكُنتيش اكدِه فيكِ ايه بس؟.
رفعت وجهها وقالت بحرقة تترجاها وهي تنتحب: أنا عايزه امشي سيبوني امشي..

نظر لها عمّار بتفحص مراقباً حالتها المزرية متحكماً في انفعالاته والخراب الذي يحدث داخله بسبب هذا النحيب، هل كُل هذا فقط لأنها تُزيد الذهاب! هل منعها؟ الباب مفتوح من الصباح! ولم يعترض طريقها حتي لما تبكِ!
حركت حُسنة شفتيها كي تتحدث وتخبرها أن تذهب لكن قاطعها قول تالين بتذمر: طبق المحشي خلص!

نظر الجميع تجاهها جعلوها ترتبك، لعقت شفتيها بتلذذ وهي تُحرك أهدابها بلطافة كـ طفلة وهي تجول بـ أنظارها بينهم ثم زمت شفتيها وسألت ليلي الباكيه عندما رفعت رأسها ونظرت لها: انتِ بتعيطي ليه؟

محت ليلى عبراتها بظهر يدها سريعاً وهي تقف لأنها أصبحت مثيرة للسخرية كثيراً، انحنت وأخذت الطبق الفارغ من أمامها وقالت بتحشرج وهي تبتسم بخفة: انا هجبلك محشي بدل اللي خلص، وتركتهم وذهبت إلى المطبخ بخطواتٍ مترنحة تحت أنظارهم المتعجبه ماهذا الآن؟ هل تمزح معهم؟
تابع قُصيّ طعامه بامتعاض وهو يقول بضجر: هي هرمونات مفيش اختيار تاني؟
همس له آدم بخفة وهو يضرب كتفه: صوتك عالي واخرس وكُل محشي..

رد قُصيّ ساخطاً وهو يمضغ الطعام: خلصِتُه المفجوعة اللي انت جايبها معاك، ضربة آدم بضيق وهتف بابتسامة: بالهنا والشفا، ثم لعنهُ وقرص ذراعه من الغيظ لـ يقهقه قُصيّ بخفة وأخبرة بصوت منخفض: قول لـ عمّار اروح اصالح الغزالة دي ولا هنسبها كده ده ميرضيش ربنا! الجمال ده ميعيطش وتعدي كده عـ، صمت عندما وصل له صوت زمجرة عمّار بغضب ثم قوله الحاد من بين أسنانه بخشونة: لو مسكتش واحترمت نفس اهلك هغرف قلبك بالمعلقة اللي بتطفح بيها دي..

رفع قُصيّ حاجبيه وقال إلى آدم بتهديد وهمس: قول لـ صاحبك إني كان مقبوض عليا في جريمة قتل وقلبي ميت احنا جامدين اوى على فكرة!، قهقهة آدم ووضع الطعام بفمه كي يصمت ثم نظر إلى عمّار عندما لكزه بفخذه من أسفل الطاولة..

نظر له باستفهام لـ يهمس له عمّار بنبرة خافتة: قول ايه ده مفيش مايه انا عطشان بصوت عالي، قطب آدم حاجبيه بتعجب ثم قال بنفي وهو يهز كتفه: بس انا مش عطشـ، وقطع قوله تذمر تالين من جديد برقة: أنا عطشانة!
ابتسم عمّار وضرب كتف آدم وقال بابتسامة: كويس انك جبتها معاك..
صاحت حُسنة بصوتٍ مرتفع: صباح، صبـ، قاطعها قول عمّار بهدوء وهو ينظر في طبقة متصنعاً عدم الإهتمام: تلاجيها بتاكل هي والبجِية..

اومأت حُسنة ووضعت راحة يدها على الأرض تستند عليها كي تقوم لكن عمّار أوقفها عندما أشر لها وهو يقول: لاه خليكِ اني رايح اجيب، وقف سريعاً مستغلاً الفُرصة قبل أن تخبره أن يظل وذهب هو إلى الداخل خلفها..
لكنها وقفت من مجلسها ولحقت به وهي تقول: استني خُدني معاك..

قهقهة قُصيّ وهو يهز رأسه ثم همس لنفسه: تستاهل يعمل عشانها كده تستاهـ، تأوه بألم عندما ضربتهُ عشق بـ مرفقها في صدره بقوة وغِل بوجه محتقن غاضب جعلتهُ يسعُل وهي تُهدده بغضب: وربنا هعرفك لما نطلع فوق يا ابو عين زايغة يا مُتخلف..

كانت ندى تقف تستند بجذعها على باب المطبخ الذي يطل على الأرض الخضراء تعقد يديها أمام صدرها تمسك بهاتفها قديم الأصدار بعد ان انهت مكالمتها مع والدها التي سمعت من خلالها كل ما تكره ممزوجاً بالسُباب اللاذع بسبب عمّار، والآن صوت صرصور الحقل يُصيبها بالطنين كأنهُ قفز داخل أُذنها وحدها..

قطبت ما بين حاجبيها واستدارت بخضة عندما سمعت صوتاً معها في المطبخ، نظرت أمامها وهي ترفع حاجبيها مع زاوية شفتيها بسخرية عندما رأت ليلى تحمل الطبق بـ يدٍ مُرتجفة تفرغ به الطعام أثناء ارتجاف ذراعها بعدم اتزان وهي تستنشق ما بأنفها..
تقدمت منها وهي تبتسم باستخفاف ثم هتفت فجأة جعلتها تنتفض بخضة: انتيّ لسه اهنِه يا رجاصِة؟

ضمت ليلى قبضتها فوق الطبق بقوة و همست بصوت مبحوح غاضب: بقولك ايه يابت انتِ مش ناقصة خليكِ في حالك!
ضمت ندى قبضتها ثم ضربت كتف ليلى جعلت ملامحها تنكمش بألم وهي تقول بغضب: مين ديّ اللي بت يا بتاعة الرِجالة انتيّ!
ابتسمت ليلى بعصبيه وهي ترفع حاجبيها ومن دون سابق إنذار القت في وجهها الطبق الممتلئ بالملفوف وقالت بتشفي وهي تراقب ابتعاد ندى وهي تتأوه: انتِ اللي بتاعة رجالة ورخيصة يا رخيصة يا حقيرة..

صرخت ندى بغضب ورفعت يدها هويت على وجنتها بصفعة قاسية جعلت وجهها يلتف للجهة الأخرى مع صدوح صوت صرختها المُتألمة..
تحركت حُسنة بغضب نحو الداخل وكادت تدلف لكن عمّار أوقفها وهز رأسه بنفي كي تتركها تتصرف وحدها لن يتدخل أحد..

اغرورقت عيناها بالدموع وهي تضع يدها على وجنتها المُلتهبة بألم، صفعتين في يومٍ واحد كثير هذا كثير عليها لـ تتحملهُ يكفي لم تعد تتحمل أكثر، فهي تجرأت عليها فقط بسبب رؤيتها لـ عمّار يضربها بسببهِ هو، هو إن لم يفعل هذا لم تكن لـ تجرؤ على فعلها هو السبب في كل شيء يحدث هُنا هو السبب، لكنها لن تبكِ و تصمت لن تتركها..

استدارت بوجه محتقن غاضب وصدرها يشتعل من الغضب والقهر ثم صفعتها بظهر يدها بقوة جعلت وجهها يلتف للجهة الأخرى..
رفعت ندى رأسها ونظرت لها بشراسة وهي تتقدم منها كـ ثورٍ هائج لـ تباغتها ليلى بالصفعة الثانية جعلتها تصرخ الآن بحق و أدمعت عينيها..
صاحت ليلى بقسوة وهي ترفع رأسها بشموخ لكن نبرتها الرقيقة المرتجفة خانتها: ايدك متترفعش على اسيادك يا نكرة يلي جاية من تحت الجاموسة..

صرخت ندى بجنون وأخذت مدِّيه ورفعتها أمام وجهها وهتفت بهستيريا: أني عاجطعك تجطيع يا مجرِمِه عاجطعك يـ، وصرخت بتفاجئ عندما قذفتها ليلى بالمياة القليلة التي وجدتها بجانبها في كوب صغير..
نظرت لها ليلي بتوجس وهي ترى نظراتها الشرسة تجاهها ومازالت تمسك بالمدِّيه بين قبضتها تتقدم منها ببطء ونظراتها تنذر بالشر..

عادت ليلى خطوتين إلى الخلف وصرخت بها بشجاعة وهي تلوح بيدها امامها: نزلي البتاعة دي لا تتعوري يا شاطـ، يا ماما، وركضت إلي الخارج في هذا الظلام الدامس وهي تصرخ بعد إن ضربت يدها وأسقطت المدِّية أرضاً، ركضت ندى خلفها وهي تصرخ بها أن تتوقف بأعين جاحظة غاضبة..

لكنها لم تقف بل ركضت بقوة بأنفاس متسارعة في الخارج وهي تصرخ بذعر و ازداد ذعرها أكثر عندما سمعت صوت البعوض الذي يتطاير فوق رأسها كأنها سقطت في خلية النحل، إن جسدها يتحسس منهُ ولديها رُهاب من الحشرات، هذا الأكثر رُعب بالنسبةِ لها أكثر رُعباً من عمّار نفسهُ..

توقفت وهي تلهث بأنفاس متسارعة عندما اختفى صوت الخُطوات من خلفها، استدارت بتوجس وحذر باحثة عنها بعينيها بخوف بأنفاس مرتجفة وهي تتلفت حولها بهستيريا لكنها ليست خلفها!، عادت راكضة إلى المطبخ عندما تأكدت من اختفائها..
دلفت إلي المطبخ بخطواتٍ حذِرة وهي تنظر حولها بعين زائغة متوجسة تحت أنظار عمّار وحُسنة المختبئين يشاهدان مايحدث وندى، تلك الشيطانة كانت تختبأ خلف الباب من أجلها..

شهقت بخضة عندما شعرت بذلك السائل الساخن يسقط فوق ملابسها فهي لم تستطع الوصول إلى رأسها إنها قصيرة..
نظرت ليلى إلى ملابسها بأعين كادت أن تخرج من محجريها من التفاجئ ثم إلى بنطالها الأبيض الذي أصبح مُتسخ الآن بفضل ذلك الطعام، إنها ملوخية..

صرخت بقهر كمن فقد عزيزاً، وتلبسها الشيطان وهي تستدير لها بملامح متجهمة ثم حملت ذلك البرطمان الممتلئ بالليمون الخاص بـ عمّار وأفرغته فوق رأسها جعلتها تصرخ وتدور في المطبخ لكنها لم تتركها بل دارت معها وهي تفرغه فوق رأسها حتى انتهى مع قولها بقهر: البنطلون أبيض أبيض ده انضف من قلبك يا حقيرة، قذفته من يدها بعيداً وركلتها بقدمها أسقطتها أرضاً وجثت على ركبتيها بذلك البنطال الذي تلون بالأخضر والأصفر وقامت بـ عضِها بقوة جعلتها تتلوى وهي تصرخ بألم..

رفعت ندى يدها وشدت شعر ليلى بعنف جعلتها تصرخ متألمه ثم ركلتها بـ معدتها بحدة اسقطتها أرضاً وأعتلتها وقامت بشد شعرها بقوه أكبر وهي تضرب رأسها في الأرض المصقولة بشكل مُتكرر جعلتها تبكِ بألم غير قادرة على الحراك، ووسيلتها الوحيدة في التحرر هي ركلها وهي حامل لن تستطيع فعل هذا بها لن تستطيع؟

توقفت ندى وهي تلهث عندما توقفت ليلى عن المقاومة، ضربت رأسها في الأرض للمرة الأخيرة بـ غِل جعلتها تصرخ بـ عويل وهي تمسك رأسها بألم شديد وما زالت تبكِ بانتحاب تلك المتوحشة، فليأخذها الله..
توقفت ليلى عن النحيب عندما سمعت صوتها وهي تقول بحقد: وربي لاخرجك من اهنِه بـ فضيحة..

رفعت ليلى رأسها وهي تنتصب جالسة وكل أنش بجسدها يصرخ ألماً لـ تشهق بعدم تصديق عندما وجدتها تشُق ملابسها ثم قطّعت بعضاً من شعرها دون أن تتألم تلك القاسية وهي تصرخ: الحجوني، الحجوني، الحجوني عاتجتلني الحجوني، الحجني يا عمّار، ضحك عمّار وهو يفرك منحدر أنفه و عينيه مُعلقة على حُسنة التي امتقع وجهها من الغضب بسبب تلك الشيطانة التي أدخلوها منزلهم..

تركتهُ حُسنة ودلفت إلى المطبخ، دفعت ندي من أمامها وهي تزجرها بعنف: اخرسي يا تربية التعابين يا مِحراك الشر جطم رجبتك يا فاجرة..
انحنت وساعدت ليلى في الوقوف وهي تتأسف لها بحزن: جحك عليِّه أني ياحبيتي حجك عليِّه..
هزت ليلى رأسها وهي تخفض وجهها قاضمة شفتيها بألم لـ تقف ندى بغضب وهتفت بـ بكاء مصطنع: دي ضربتني وبهدلتني كيف تجفي معاها وأني لاه؟

صرخت بها حَسنة بنفاذِ صبر وهي تشدها من ملابسها بعنف: انتيّ لِساكي عاتكدبيّ يا محروجة انتيّ اني شوفت كل حاجة يا واطيِة ياجليلة الربايِه..

دفعت ندى يدها بحدة دون ان تعلم أن عمّار يرى كل شيء ثم صرخت بها بغضب: شوفتي ايه يا مرة يا خرفانه انتيّ شوفتي ايه انتيّ لسه فيكِ حيل تتحددتي وتجولي شوفتيّ ده انتيّ جربتي تمـ، وقبل أن تنصدم حُسنة وقبل أن تنهي حديثها صرخت بألم عندما شعرت بتلك الصفعة الحديدية تهوي على وجنتها أسقطتها أرضاً وسط ماء الليمون المالح المختلط بالملوخية..

شهقت ليلى بتفاجئ ووضعت يدها على وجنتها وهي تنكمش على نفسها تنظر إلى ندى المطروحة أرضاً بشفقة، هذا قاسي؟ قاسية تلك الصفعة عن التي أخذتها هي هل حُسنة أهم من والده؟!، انتفضت عندما سمعت صرختها من جديد أثر الصفعة الثانية، يا إلهي هذا مُرعب..

رفعها من ملابسها وهو يزمجر بغضب، دفعها على الحائط بعنف شعرت بتهشيم عظمها أثرها ثم طوق عُنقها بعنف وقال بنبرة مُميتة ونظرتهُ، نظرتهُ رأت موتها المحتوم داخلها: أجلتلك دلوك وأطلع خبرك؟ مين ديّ الخرفانه يا بتدي ستك ديّ يا خدامِه اتجنيتيّ؟ اتجنيتيّ؟، نظرت له بأعين حمراء جاحظة ووجهه أزرق داكن لم يصل له الهواء بسبب اختناقها بفعل يده..

رفعت يدها ووضعتها على يديه تحثه على تركها وعيناها تجحظ أكثر وهي تهز رأسها بنفي ستموت لا تستطيع التنفس لا تستطيع، تركها وهو يجأر بغضب لـ تشهق وتسعل في آنٍ وهي تضع يدها حول رقبتها تلتقط انفاسها بلهاث، فتحت فمها بقوة وصدرها يعلو ويهبط في عُنف تستنشق الهواء على آخر رمق تملأ به رئتيها لـ تصرخ وهي تشعر بصفعة قاسية أكثر من سابقاتها طرحتها أرضاً بجانب قدم حُسنة..

رفعها من ملابسها ثم نظر لها باحتقار وألقاها بعنف أمام قدم حُسنة من جديد وصرخ بها بنبرة جمهورية غاضبة جعلها تنتفض وسط ذهولها وعدم قدرتها حتى على البكاء: حِبي على رِجليها دلوك وجولي أسفِه خلِصي..
أومأت سريعاً وهي تحبو أمام قدمها لكن حُسنة عادت إلى الخلف وقالت برفض: استغفر الله يا ولدي خلاص هملها لحالها كفايِه عليها اكدِه..

هز رأسه بنفي وهسهس بغضب وهو يرفعها من تلابيبها: بت الـديّ غلطت فيكِ عارفة يعني ايه ديّ يعني ايه؟، ثم صفعها من جديد لأن غليله لم يشفى بعد وصرخ بها بنبرة صخرية جعلها تحبو قبل أن ينهي جملته وقبلت قدم حُسنة وقالت بصوت مبحوح بالكاد خرج وهي ترتجف بخوف: أنـ، أنـ، أني، أسفِه اسفِه، اومأت حُسنة وهي تنظر لها بشفقة، كادت تتحدث لكن ليلى تركت المطبخ وركضت إلى الخارج وهي تبكِ، تقسم أنهُ وحشاً ليس بإنسان ليس إنسان..

جلس القرفصاء بجانبها مستمعاً إلي صوت أنينها وهي تنتحب، رفعها من رقبتها وهتف بنبرة خشنة مخيفة وهو ينظر لها نظرة أرعدت أوصالها: انتِ اهنِه خدامِه خدامِه وبس فاهمِة؟، أومأت سريعاً وهي تنظر له برعب غير قادرة على النطق لـ يصيح بحدة بإسم صباح: صبااااااااح، أتته مهرولة بخوف من الأسفل من محل نومها، شهقت بتفاجئ عندما أبصرت هذه الفوضى في أنحاء المطبخ! ما هذا؟

قاطعها قوله الحاد المُحذر: من النهاردِة انتيّ أجازِه والمحروجة ديّ هي اللي عاتعمل الشغل كُله وهي اللي هتخدِم علينا وانتِ ماهتعمليش حاجة واصل بس تشرفي عليها معلوم؟، أومأت سريعاً بخوف وهي تنظر إلى هيئة ندي المشابهة إلى الجثة بين يديه لـ يتابع بوعيد: لو عرِفت غير اكدِه أقسم بربي هـ، قاطعه قول صباح سريعاً بطاعة قبل أن تسمع بقية حديثة: معلوم ياسيدي معلوم كل حاجة زي ماتجول وتؤمر نعملوها، أومأ بهدوء ثم رفع نظره إلى حُسنة المُعترضة على قولة وهتف بنبرة صخرية راعده لا تحمل النقاش: مليش صالح حِبله ولا محِبلاش هي الخدامِه من النهاردة ودِيه مش هيتغير عاد، ثم ضغط على أسنانه وضرب رأسها أرضاً بعنف جعل جسدها يتشنج غير قادرة على الحركة كما فعلت مع ليلى منذ قليل ثم سألها وهو يقف بتشفي: بتوجع!، وترك المطبخ وغادر بـ خطواتٍ مدمرة وهو يضم قبضته بغضب..

صعدت إلى الأعلى بعد مروره أمامهم في الخارج ظناً أنهم يستمعون لكل شيء! لكنهم كانوا يتسامرون ويضحكون وكأن لا شيء يحدث في الداخل هذا جيّد..

صفع باب الغرفة خلفه بغضب ثم فتح الشرفة بعنف ودلف يستنشق الهواء النقي قليلاً لأنه يختنق، ولا يعرف سبب واضح لهذا لا يعرف أي سبب لهذا؟، لقد تشاجرت وأخذت حقها وقد أخذ حقها معها لما غاضب الآن! ولما تدخل من الأساس، حسناً بسبب والدته لكن الضربة الأخيرة لم تكن من أجلها بتاتاً، هي تستحق! وان لن تعترف في يومين فقط يومين سيتركها تمرح في المنزل وإن لم تعترف بالحقيقة لن تلوم سوى نفسها..

أعتصر رأسه بين يديه بغضب ثم ضرب سور الشرفة بقبضته بقوة وكاد يصيح لكنه تفاجئ عندما سمع صراخها وهي تتحدث في الهاتف في الشرفة بجانبه وهي تبكِ الحمقاء لما تبكِ: انا قولتلك ميت مرة يا سعيد مش موافقة ومتتكلمش في الموضوع ده تاني بدل والله هلغي الشراكة اللي بينا فاهم؟ انت مالك انت بعيط ليه انت مالك؟، وأغلقت الهاتف بغضب ثم ضربت سور الشُرفة براحة يدها وهي تحادث نفسها بحدة: الرجالة اتجننت اتجننت! يتجوز مين ده هو فاكرني ايه؟، ثم وضعت وجهها بين راحة يدها وشهقت وهي تتابع بحرقة: أنا عايزه امشى من هنا عايزة أمشي..

هز رأسه بيأس وهو ينظر لها بذهول، هي مجنونة؟ انها مجنونة بالفعل! كان يشك بها لكنه تأكد الآن أنها مجنونة؟ لكن هل سعيد هذا الذي تقدم لها بـ عدد شعر رأسها مازال يزعجها؟هل يخطبها كي لا يطلبها أحدهم؟ هي لا تقبل بمن هو أكبر منها سناً هل توافق بالأصغر؟ هل يُجرب!
نزل بنظره إلى بنطالها المُلون بأسف فهو كان جميلاً لكن لا بأس، استدار وتحرك إلي الداخل لكن أوقفه صوتها الباكِ: استني عندك!

التفت ونظر لها في ترقب وهو يبتسم بهدوء لتقول بترجي وهي تشهق: انا عايزه اروح عايزه اروح
قطب ما بين حاجبيه و تحسس جيب كنزتهُ الثقيلة بتفكير لـ تصرخ به وهي تشهق بعصبية بسبب لا مُبالاته: انت بتعمل ايه؟
قال بسخرية وهو يرفع يده: بدور علي مفتاح الباب اللي انا قافله؟
ارتجفت شفتيها ونظرت له بحزن بتلك العينان اللامعة جعلته يزفر وهتف بضيق: اقدر افهم انتِ بتعيطي ليه دلوقتي؟

شهقت وهي تتقدم منه ثم ضربت صدره بقوة كما كانت تظن وهتفت بحرقة: عشان كل حاجة وحشة بتحصلي بسببك عشان قاعدين هنا، ضرب واتضربت واهانه واتهانت وجسمي كله بيوجعني عايزين تموتوني يعني قبل ما أمشي ولا ايه؟
مسد جبهته وهو يزفر ثم قال بهدوء لا يُناسب حالتها الثائرة: انتِ مش محبوسة هنا تقدري تمشي في اي وقت محدش قالك انتِ رايحة فين؟

صرخت به وهي تلكزه بصدره بسبابتها بشكلٍ مُتكرر ضايقة: لأ نادين متعلقة بيكم ومش عايزه تمشي، قولها تمشي خليها تكرهك معرفش تعمل ايه بس قولها تمشي وتسمع الكلام عشان مش راضية تمشي..
تنهد وقال بازدراء وهو يدفع سبابتها بعيداً: ماشي هقولها خلاص بطلي عياط، بتعيطي ليه؟

محت عبراتها بظهر يدها وهي تستنشق ما بأنفها ثم سألته باستفهام وحزن: عشان انت وَحش مش انسان! انت ازاي تضربها بالطريقة دي؟ وازاي بتحبها وتعمل معاها كده؟

سحبها من خصرها الصقها بالحاجز الحديدي الذي بينهم جعلها تشهق بخضة وهي تنظر له بعين زائغة ووجه متورد وجفن متورم باستفهام لـ يقول قبل أن تتحدث هي: انا ضربتك قبلها ده معناه اني بكرهك؟ لأ، انا ضربتك بعد ما حذرتك مرتين ومسمعتيش وتستاهلي الضرب عشان انا مغلطتش في حقك!

تهجمت ملامحها و ضربت صدره بغضب ودفعته بشراسة هذا المتبجح لكنهُ شدد قبضتهُ على خصرها النحيل وهي توقفت عن المقاومة لأنها تتألم لـ يتابع بنبرة عميقة وهو ينظر داخل عسليتيها التي كانت تخفيها عن خضراوية بتحرك أهدابها السريع بسبب بكاءها: ضربتها هي عشان غلطت وهي عارفة ان ده عيب عندنا وهي تستاهل عشان دي انسانة وقحة ومش متربية وفوق كل ده غلطت فيكِ وانتِ ضيفة عندي يعني غلطت فيا انا كمان وكان لازم تتربى!، ثم ابتسم وتابع ببحة رجولية عميقة وهو ينظر داخل عيناها: انتِ الغالية!.

حركت أهدابها بارتباك واخفضت وجهها الذي شعرت به ينصهر من الحرارة وتدرج بالحمرة فوق حُمرته، لِمَ يقول لها هذا الآن؟ لا يحق له فقط حُسنة من تخبرها بهذا! وما سِر تلك النبرة؟.
ليتابع بنفس النبرة العميقة: بصي مش عارف اوصلهالك ازاي بس دي تبع خليل الطحاوي خليل الطحاوي ده شيطان ومش بيجي من وراه غير المصايب بس ودي اقل حاجة ممكن تحصل! صدقيني حملها هو اللى رحمها مني..

هزت رأسها بتفهم وهتفت بصوتٍ مبحوح بنبرة مرتجفة تأنبه و كأنه سيتأنب: بس برده بتحبها وده سبب يخليك متعملش معاها كده؟ متفتكرش اني مبسوطه عشان انا برده ضربتها!

هز عمّار رأسه بخفة وأردف بهدوء وهو يبتسم: وانتِ مش السبب! ليلى بصى، رفعت نظرها له وقلبها يخفق بقوة وهي تزدرد ريقها بحلق جاف، هي تُفضل نبرتهُ الرسمية معها عوضاً عن هذه النبرة التي تستشعر منها الدفء تجعلها تظن أنها بهذا القُرب بالنسبةِ لهُ!، انها تتوهم هي فقط نبرة هادئة لهذا هي متفاجئة!.
أخفضت وجهها عندما شعرت بهذا الدور يُداهمها جعلها تغلق عينيها بقوة وتفتحها وقد تكرر منها هذا الفعل..

رفع وجهها بين يده ومرر إبهامه على ذقنها بنعومة وهتف بهدوء وهو ينظر إلى عينيها مباشرةً: أنا بحب ندى، هزت رأسها بتفهم وهي تحرك أهدابها سريعاً وعلت وتيرة تنفسها المضطربة وهي تبعد شعرها المتطاير إلي الخلف بأناملها المرتجفة وحاولت التملص والعودة إلى الخلف لكنه لم يتركها بل شدد قبضته على خصرها بخفة كي تنتبه وتنظر له ثم تابع بنفس الهدوء لكنهُ مغلف بتحذير كأنه يُحذرها هي على وجه الخصوص غير متجاهل اضطرابها: انا مبكرهش فى حياتى اد الكذب وان اللي قدامي يستغفلني و يستصغرني ويفتكر انه بيديني علي قفايا! لأ انا بعدي وباخد على قفايا بمزاجي لكن محدش يديني فاهمة؟ وهي تخطت الحدود و تخطتها أوي كمان!

نظرت له بعدم فهم واستفهام لـ يزفر وهتف باستياء شديد وهو يمط شفتيه: بيني وبينك كده يا ليلى البت دي مش ندي!.

- لا يوجد ما يُسمى بـ سِر ويظل مُخبَّأ إلى الأبد -
ارتجف جسدها بين يديه وشحب وجهها وبهت لونه وهي تنظر له بضياع بعد سماع هذا القول منهُ..

ازدردت ريقها بشكل مُتكرر ثم ابتسمت بخفة انذرته بقدوم نوبة الضحك التي تأتيها دومًا كُلما تحدث معها عن ندى لكنهُ لم يسمح لها بل أبعد خُصلات شعرِها المتداخلة في اللونين الأحمر والأسود خلف أُذنها وهو يمط شفتية هازاً رأسهُ بنفي ثم سألها باستفهام وهو ينتقل بأنامله مُرتبًا منابت شعرها: و دلوقتي بقي قوليلي كُنتِ بتقوللها يا حقيرة يا كدابة الصُبح ليه ها؟

أخفضت وجهها المُتدرج بألوان قوس قزح وهي تفكر في حلٍ كي تهرب من هذا المأزق، تنفست باختناق وهي تتحرك بين يديه بانزعاج مع قولها بـ صوتٍ مكتوم: سبني يا عمّار أنا عايزة أمشي..
تحركت يده من فوق خصرها صعوداً إلي ظهرها وهتف باستنكار وهو ينظر لها: انتِ ليه مش بترد عليا زي الناس الطبيعية ليه؟ هتتعبي لما تردي عليا؟
علت وتيرة تنفسها بانفعال وقالت باختناق وهي تدفع صدره: انا مخنوقة ابعد عني؟

رفع زاوية شفتيه بسخرية وهتف بسخط وهو يدفعها عنه جعلها تترنح إلى الخلف: مخنوقة من ايه وانتِ رِحتك ملوخية ولمون! انتِ اللي عاملة الخنقة روحي استحمي بدل ما انتِ عمالة تقولي عايزه امشي روحي..
قطبت حاجبيها وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة، أخفضت وجهها ونظرت إلى هيئتها بغضب ثم صرخت بـ صوتٍ حاد وضربت قدمها أرضاً و وبخته بوجه ممتقع: استحمي ايه يا عديم الذوق انت اسمها استحمي؟!

قلب عينيه بسخرية وهو يعقد يديه أمام صدره وقال بازدراء: روحي خُدي شاور وسط الورد و الياسمين حلو كده؟
ردت بغلظة وهي تضع يدها بخصرها: لأ مش حلو يا سخيف، صك اسنانه بغضب ثم ضرب سور الشرفة بـ راحة يده بقوة وصرخ بها بقسوة جعلها تنتفض: نزلي ايدك وانتِ بتتكلمي معايا!.

وهاهي بوادر البُكاء تظهر عليها، قوست شفتيها و ارتجفت مع ذقنها واغرورقت عيناها بالدموع ثم انفجرت باكية وهي تغمر وجهها بين راحة يديها، يا إلهي إنها مريضة! وهو الآخر تجاهل قولها ولم يري سوي يدها الموضوعة بخصرها!.

نظر لها باستياء شديد وهو يلوك بـ لسانه داخل فمه ثم اقترح بجدية: بُصي يابنت الناس! انتِ مريضة وانا اعرف دكاترة كتير روحي اتعالجي على حسابي ومتشليش هَمْ عشان اخرتك هتبقي وِحشه اوي لو فضلتي كده!.
صرخت به بـ صوتٍ مبحوح وهي تنتحب وكم كانت لطيفة: دكاترة ايه اللي تعرفهم يا جربوع! ده انت هربان من الحضانة يا متسول يا بتاع اللمون..

ضحك بـ تسلية وهو يُمرر لسانه على شفتيه مُمسداً جبهتهُ بخفة، يقسم أنها لو علِمت ماذا يعمل سيغشى عليها محلها وفى وقتِها، إنه أقل شأناً وأحط قدراً، حقيراً بنظرها بلا مُبالغة هو حقيراً فقط لا شيء آخر..
أشر عليها بسبابته وهتف بـ ثقة وهو يرفع حاجبيه: طب بزمتك طعمة مش حلو؟ ده انا هخليكِ تخللي بدل اللي انتِ دلقتيه عليها تحت ده، انا مقدرش اقعد من غير لمون!

ضحكت بنعومة وهي تمسح عبراتها بخفة جعلتهُ يبتسم وهو يُراقبها ثم قالت بخفوت وهي تستنشق ما بأنفها: فعلاً كان طعمه حلو اوي وفَتح نفسي تسلم ايدك، رفع حاجبيه بتعجب شديد وهو يحملق بها! هل قامت بالثناء عليه الآن؟ هي فعلاً مجنونة!
قال وهو ينظر لها بابتسامة: انا اتأكد دلوقتي انك محتاجة دكتور..
ابتسمت بحزن وجلست محلها على الأرض الباردة وأردفت بشرود: ومين فينا مش محتاج دكتور انت
نفسك محتاج فريق طبي..

ضحك وهو يجلس أرضاً مقابلها وأردف وهو يهز رأسه مؤكداً: عندك حق..
نظرت له قليلاً ثم هتفت بـ إسمة بنبرة ناعمة: عمّار..
همهم لها بهدوء وهو يغمض عيناه لتسأله باستفهام وهي تحتضن جسدها بيديها: لما تلاقي ندي الحقيقة باعتبار إن دي مش ندي هتعمل فيها ايه؟
فتح عيناه وقال بهدوء وهو يبتسم: هاخدها في حضني وهقولها معلش..
خفق قلبها بقوة وسألته بنبرة مرتجفة وهي تبلع غصتها: ليه؟

تنهد بعمق ثم حدق في نجوم السماء اللامعة وقال بهدوء: عشان تعبت واتحملت حاجات محدش في سِنها يقدر يتحملها..
وضعت يدها على فمها تكتم شهقاتها وأعادت سؤاله باختناق وأعين زائغة: وهي كانت بتتحمل ايه؟
مط شفتيه وهو يتذكر ما كان يشاهده في الشرفة الخاصة بها كأنهُ يحدث على مرأى من ناظريه الآن: كانت بتتحمل، وتوقف وقطب حاجبيه وظل صامتاً قليلاً ثم قال بسخط: طب وانتِ مالك انتِ ياعيوطة؟

هزت رأسها وهي تمسح عبراتها و سألته بلهفة كـ لهفة المدمنين إلى المُخدر: طيب، طيب بعد ما تقولها معلش هتعمل فيها ايه؟
ضحك بخفة وقال وهو يمط ذراعيه: هضربها بقي مش قولتلها معلش! خلاص..
أبعدت شعرها إلى الخلف بعصبية وسألته باستنكار بـ بحة أثر البُكاء: انا مش فاهمة ايه الفخر في الموضوع انك كل شوية تتكلم عن الضرب؟ انت شايف ان الراجل اللي بجد ينفع يضرب؟ في حاجة اسمها عقاب لو متعرفش يعني!

ضحك بخفة وهو يومئ لها وهتف باستفهام: عقاب؟ انتِ شايفاها اختي او مراتي عشان اعاقبها؟ يعني واحدة زي اللي تحت دي اعملها ايه؟ اقولها اقفى وخلي وشك للحيطة وارفعي ايدك يعني ولا اعملها ايه؟
تنهدت بتعب وهي تخفض رأسها ووضعت يدها على جبهتها وهي تنظر له ثم سألته بصوتٍ منخفض: مش هتتكلم جد ابداً!

رفع حاجبيه وقال باستنكار: انا بجاوبك ومش بهزر دى كُنت اعمل فيها ايه؟ بصي يا ليلى أنا عارف أني ضربتك جامد ويمكن محدش ضربك قبل كده ولا اتعرضتي لموقف مماثل بس انا قولتلك، قولتلك لما تيجي هنا خلي بالك من كلامك و قولتلك هنا تاني لما جيتي يبقي الغلط مش عندي ومش المفروض اني اعاقبك!

ردت بتهكم من بين أسنانها وهي تشعر بالغليان: يبقى تضربني؟ وبعدين ازاي ابـ، قاطعها وهدر بنبرة صلبة جدية دون مُزاح عندما علم ما تريد قولهُ، وهو أن والده كيف يجرؤ على طلب مثل هذا الطلب منها وكثيراً التُرّهات الأخري: مفيش ازاي ومش ازاي مسمعتيش عن البنات اللي بتتجوز رجالة قد ابوها عادي يعني واكبر من كده كمان؟

ابتلعت غصتها بمرارة وتساقطت عبراتها دون بذل مجهودٍ منها وهي تخفض رأسها، لقد ذكرها بجرحٍ قديم لم يلتئم بعد..
هتفت باختناق وهي تبكِ بأسى: لأ، سمعت وشوفت عادي يعني بس انت مـ، قاطعها بقوله وهو ينظر لها بدون تعبير: أنا وَحش وحقير وأسوأ انسان في نظرك! ومش مُطّر اني اغير فكرتك دي عني! انتِ ممكن تتأقلمي لكن متطلبيش من حد انه يتغيّر!

محت عبراتها وهي تزم شفتيها ثم قالت وهي تستنشق ما بأنفها بسبب سيلانها: بس انا مكُنتش هقولك انت وَحش ولا هقولك اتغيّر! انا كُنت هقولك ان جواك اكيد في حاجة حلوة كُلنا جوانا الحلو والوِحش بس انت مش بتظهر غير الوِحش بس!
ابتسم بحزن وقال بنبرة ساخرة مثيرة للشفقة على نفسه: اصلي مستني ندى تغيرني، وضعت يدها على فمها تكتم ضحكتها التي كادت ان تنفلت من بين شفتيها، حقاً الجلوس معه مُسلٍ جداً..

نظر إليها قليلاً لينفجر ضحكاً هو الآخر ساخراً من نفسه وهو يُمرر يده على وجهه ثم هتف بحزن من بين ضحكاته: حاجة تضحك فعلاً!
توقفت عن الضحك ثم سألته باستفهام وهي تتنفس بعمق: انت مِستنيها عشان تضربها ولا عشان تغيرك ولا عشان تحبها ولا عشان ايه بالظبط؟.
توقف عن الضحك وقال بابتسامة هادئة: عشان كُله!، إني أحبها حاجة وإني اضربها حاجة ثانية وهي المفروض كـ حبيبتي ومراتي تستحملني انا الاثنين!

رفعت حاجبيها وسألته وهي تهز رأسها باستنكار: ولو هي مش بتحبك ولا عايزاك هتعمل ايه؟

قهقهة بخفة وهز كتفيه بقلة حيلة وهو يقول: دي حاجة تخصها هي! بتكرهنى براحتها تحبني برده براحتها لكن في الحالتين هتتجوزني! ومش هقولك بقي ده عشان الصُلح ومش الصُلح لأ أنا حبيتها قبلها وهاخدها يعني هاخدها حتى لو ملقتهاش دلوقتي ولقيتها وانا عندي خمسين ستين سنة وانا بمشي بالعكاز هتجوزها برده عشان ندي بتاعتي وتخصني انا! مع العلم اني هخليها تعشقني هتبقي مجنونة بـ حاجة اسمها عمّار وساعتها بقي أخد حقي منها..

ارتجفت اوصالها وهي تومئ بتفهم ثم سألته بشفاه ترتجف: اه وبعدين هتستفاد ايه؟ واصلا هي عملت ايه لكل ده؟ ايه ذنبها؟
قال بدون تعبير وهو يحدق في العدم: عملت ايه؟ سبتني اتعذب طول حياتي واتعلق في سراب! وجع قلبي ده مش هسامحها عليه، وذنبها بسيط كفاية أنها بنت خليل أكيد فيها منه و مستبعدش ان قلبها يكون اسود زيه كمان ماهي مش هتجيبه من برا!.

زفرت بعصبيه وهي تغلق سحاب كنزتها بسبب الرياح الباردة وسألته بتهكم: وانت تعرفها منين عشان تحكم عليها! وهي مالها بوجع قلبك! حد قالك حِبها!.
هز رأسه بنفي مُصِراً على قوله وهتف بلوم مُوجه إلى ندى: هي اللي ظهرت قُدامي؟ وهي السبب اني حبِتها!.
سألته باقتضاب وهي تقضم شفتيها: يعني مُلخص كل ده انك هتتجوزها عشان تِكسر قلبها صح؟

غمغم بضيق وهدر بخشونة ممزوجة باستياء: أنا كمان قلبي مكسور وانا كـ عمّار مقبلش اني اكون صُغيّر في نظر نفسي وبسببها صِغِرت كتير!
ردت باستياء مُماثل وهي تنظر له: كده هتظلِمها؟
ابتسم وهتف بعبث وهو يلاعب حاجبيه بمكر: بس هدلعها، هتشوف عمّار تاني مش هيخرج غير معاها هي بس!
ازدردت ريقها وهي تنظر له بسخط مُراقبة تلك المُقلتين الماكرة التي تنظر لها وفقط لا تستطيع وصف ما تشعر به الآن سوى بـ يا إلهي..

سألته باستخفاف وهي تنظر له باقتضاب: وهو حد قالك انها عايزه تشوف عمّار تاني ولا تالت حتى؟
ضحك بخفة وقال بهدوء مُستفز: هفرض نفسي عليها مش حوار يعني!
صكت اسنانها بغضب جامح وهي تنظر له ثم قالت بتهكم: على فكرة بقى الستات مش بتحب الراجل المدلوق عليها!

ابتسم بخبث وقال بمكرٍ وغرور شديد وهو يغمز لها بعينه اليسرى: لأ انا تقيل اوي ميغُرِكيش تنازلي وقعدتي معاكِ دي؟ انتِ بس حد مُميز عشان كده وصلتى لدرجة من التميز مش اي حد يوصلها!.

رفعت زاوية شفتيها بسخرية وقالت بـ بُغض وهي تأشر عليهِ بسبابتها باستصغار: بس يا لمونة انت خليك مكانك في الأرض انت مش هتتقدم خطوة واحدة ويارب متلاقيهاش ابداً ابداً ابداً، ضحك بخفة وهز رأسه موافقاً لِمَ تقول وقال بصوتٍ منخفض: احسن برده بيني وبينك انا لقيت فتاة أحلامي دلوقتي! وعايزها جداً يعني ولو ندى ظهرت هتشغلني عنها وانا مش عايز كده! اصلي طماع وعايز الاثنين، فـ لو قبِلت ندى على السِتين هيبقي حلو اوي كده ودلوقتي اتجوز الثانية لحد ما اقابلها..

قضمت شفتيها بغضب وهي تضم قبضتها وقالت باحتقار بيّن: انت مريض! لو بتحبها مش هتبص لغيرها وتقول اتجوزها ده حُب تملك ومرض هتعذبها بس مش هتحِبها انت مش بتحبها افهم بقي!.
رفع حاجبيه وسألها باستفهام: ومالك محموقة عليها كدة ليه؟، أبعدت نظرها عنه وعقدت يديها أمام صدرها بغضب شاعرة بالاحتراق داخلها وليس الحرارة فقط..

زفر بضيق ثم قال باستياءٍ شديد وهو يقرب رأسه من حديد الشُرفة الفاصل بينهم: اصلك متعرفيش انا بواجه ايه هنا؟ لو تشوفي قد اية هي جميلة بزيادة هتعذريني فـ لازم اتجوزها هتجوزها يعني هتجوزها مش هسِبها..
ابتسمت بحزنٍ على طفلتها ثم سألته باستفهام: ونادين فين من كل ده؟

نظر لها وهو يُفكر ثم قال بهدوء: نادين! نادين جميلة ورقيقة و، وقاطعته بصوتها المرتفع الحاد وهي تسأله بشراسة: انا بسألك وضعها ايه مش بقولك امدح فيها؟.
ابتسم بعصبية وهو ينظر لها بحدة بسبب صوتها المُرتفع ثم قال بامتعاض وهو يُهدّأ نفسه: نادين كُنت هتجوزها عشان تخلف عشان هنا عايزين يشوفوا عيالي قبل مايموتوا او قبل ما انا اللي اموت مش هتفرق كتير!

هزت رأسها بتفهم وهي تبتسم بحزن ثم قالت كمن تعرض إلى الخذلان: كُنت عارفة انها بالنسبالك مش اكتر من كده! انتوا كده السِت هنا بالنسبالكم مش اكتر من ماعون عشان الخِلفة وبس! محدش منكم يعرف يحب ولا حتى يربّي انتوا حسابكم عند ربنا عسير..
وضع يده أسفل ذقنه وهو يقطب حاجبيه بتفكير ثم قال وهو يأشر عليها: شكلك مقهورة منهم أوي!

أومأت مؤكدة وهتفت بـ حسرة وهي ترفع حاجبيها تأثراً مع ارتجاف شفتيها: ومقهورة منك انت كمان عشان انت زيهم! بنتي كان هيحصلها ايه لو فضلت معاك؟ كُنت هتدمرها! إنت أناني ومغرور وبارد ومش بتحب غير نفسك!
هز رأسه بـ إيماءة بسيطة وقال بهدوء: انا قولتلك معنديش رد غير إتأقلمى!
نظرت له بدون تعبير ثم قالت ببرود: انت مريض!

ابتسم بتسلية وقال بابتسامة كما قالت له منذُ قليل: ومين فينا مش محتاج دكتور؟ انتِ نفسك مِحتاجة فريق طبي..
ضمت قبضتها على الهاتف بغضب وفقط اكتفت بقول هذا وهي تقف: ربنا يهديك يا عمّار..

ابتسم وقال مُقلداً نبرتها الحانية عندما تتحدث: أنا وانتِ في يوم واحد يارب، هزت رأسها بيأس وأخذتها خطواتها إلى الداخل لكنها توقفت في منتصف الطريق عندما سمعت نبرتهُ الساخرة بعض الشيء: شوفي انا جاوبت كام سؤال من غير حتي ما أقولك ليه وانتِ برده هربتي من السؤال عشان ماتجوبيش؟!

توقفت محلها قليلاً وهي تتنفس بنفاذِ صبر ثم استدارت وقالت على مضض: عادي انا حسيتها حقيرة وكذابة مفيش مُناسبة ولا اعرفها مُجرد كلمة قولتها وانا مضايقة عشان كانت مضايقاني بس!
أومأ بتفهم وهو يفكر ثم سألها أن تجلس معه: طب ما تيجي تقعدي عشان عايز اسألك على حاجة؟

ضحكت بسخرية وهي تستدير له عاقدة يديها أمام صدرها ثم قالت بتعالي وغرور وهي تُقلده: ميغُركش تنازلي وقعدتي معاك هنا! انت لسه موصلتش لمرحلة التميز عشان اقعد معاك واخليك تسألني!.
رفع يديه وصفق لها وهو يضحك وقال بابتسامة: انتِ واحد وانا صفر، أكدت قوله بتهكم وهي تهز رأسها: وهتفضل صفر، وتركته ودلفت الى الغرفة..

همس مؤكداً لنفسة بـ صوتٍ منخفض: لازم ابقي صفر جنبها طبعاً هتهزر ولا ايه!، ثم تابع صائحاً بـ صوتٍ مرتفع: ماتيجي أصالحك طيب وخُدي بوسه! طب مش عايزة تعرفي مين المُزة؟، ضحك عندما سمع صوت صفع باب الغرفة بقوة ليهمس لنفسه وهو يرفع حاجبيه: لا هتتعبني هتتعبني، إنها ليست سهلة بالمرة ليست سهلة!

تنهد وهو يحدق في السماء حتى سمع صهيل صوت ندى يأتي من الأسفل، قطب حاجبيه ثم وقف ونظر أسفل الشرفة، صرخ بغضب في قُصيّ عندما وجده يمتطيها: انزل يا زفت انزل مين قالك خرجها من جوا..
ضحك قُصيّ بتسلية ثم صاح بـ صوتٍ مُرتفع كي يصل له: السايس بيقول انها حامل تعالي شوف السافلة عملتها مع مين انزل؟
ضحك عمّار بسعادة ولوح له: جاي جاي، وترك الشرفة ثم الغرفة وهرول إلى الأسفل وهو يبتسم..

توقفت في منتصف السُلم على حافة الدرج وهي تتأفف تخفض وجهها وتميل على بنطالها تحاول ان تنظفه بالمنديل الذي بيدها حتى تصل فقط إلى المنزل لأنها لن تفتح الحقيبة مجدداً من أجل ثياب..
توقف عمّار خلفها وهو يبتسم بخبث ثم رفع يده كي يصفعها على مؤخرتها لكنهُ توقف وهو يفكر، هي ليست بهذا القرب كي تتقبل هذا؟ سوف تدفعه من على الدرج إن فعل! أو هو الذي لم يصبح بهذا القُرب بعد..

مال بجذعة ونفخ في أذنها بـ أنفاسه الحارة جعلها تنتفض صارخة بهلع وقد انخلع قلبها من محله وغادرت روحها جسدها وهي تشعر بنفسها تتهاوى ساقطة من على الدرج لكن يديهِ الصلبة حالت بين ذلك!

رفعها من خصرها النحيل إليه وهو يبتسم بعبث تحت أنفاسها اللاهثة المرتجفة، استغل تلك الفُرصة قبل أن تصبح بخير وتدفعه ثم مال وقبل وجنتها التي صفعها عليها بنعومة ورقة وقال وهو ينظر داخل عسليتيها بعمق تحت تجمدها بين يديه: متزعليش، حركت أهدابها في ذهولٍ مستمعة إلى صوت ضجيج قلبها ونبضاتها المتسارعة مما حدث! هل هو أحمق أم ماذا كي يُقبلها؟ لقد جُنّ؟ إنها حتى لم تكن قُبلة بريئة بالمرة! بل كان يتذوق وجنتها بحركة شفتيه وشعرت بهذا مثلما فعل سابقًا عندما قبّل يدها!، هذا الوقح القذر!.

دفعتهُ عنها بغضب وهي تلكم صدر بـ قبضتها بقوة وشراسة ثم ركلت ساقة بعنفوان جعلته يضحك بتسلية وهو ينظر لها ثم ضرب أرنبه أنفها بسبابته وهمس بـ مكرٍ و مقلتية تجول على وجهها: انتِ ملبن بس شرسة واموت انا في الشرس، وتركها ونزل الدرج وهو يضحك دون أن يُضيف شيء أو يعتذر عن فعلتهُ..

حركت أهدابها بذهول وقلبها يخفق بقوة، وضعت يدها على وجنتِها الناعمة محل قبلتة لتصرخ به بـ صوتٍ كريه وهي تشتعل من الغضب: يا قليل الأدب يا عديم التربية بكرهك يا عمّار بكرهك..
توقفت قدماه عن السير في نهاية الدرج ثم استدار وقال لها بكل هدوء وجدية قد تحدث بها يومًا وهو يرفع حاجبيه ومازال يبتسم: بُكرة تحبيني، وتركها تشتعل خلفهُ وغادر..

أوقفه سؤال حُسنة قبل أن يخرج من الباب: رايح فين يا ولدي؟، ابتسم وقال بـ سرور وهو يمسك ذراعها: ندى حِبله، حِبله، وتركها وركض الى الخارج لتحرك حُسنة أهدابها بتفكير ثم هتفت باستفهام: معلوم ياولدي ايه الجَديد؟
هتف بـ بصوتٍ مرتفع وهو يبتعد بـ خطواته: الحصان الحصان مش المخفية التانيِّة ديّ..
أما في غرفة الطعام..

تنهدت عشق وهي تبتسم بحزن أثناء جلوسها مع تالين التي كانت تستمع لِمَ تقول بتأثر: مش عارفة أعمل ايه؟ مش هدخل الامتحانات..
ربتت تالين على ذراعها بحنو وهي تنظر لها بحزن وقبل أن تتحدث سمعت صوت نادين الذي غلب عليه الحزن عندما وقفت أمامها: ممكن اقعد معاكم؟
ابتسمت تالين ولوحت لها كي تتقدم، جلست نادين بينهم وهي تزم شفتيها بحزن، ربتت عشق على كتفها بخفة لتسألها تالين باستفهام: هي أختك الكبيرة مالها؟

ابتسمت نادين وقالت بحنو: دي مامي مش اختي
ابتسمت تالين وهي ترفع حاجبيها وقبل ان تتحدث قالت نادين وهي تبتسم: هي مُزة انا عارفة..
ابتسمت عشق ثم قامت بسؤالها باستفهام: طيب وهي كانت بتعيط ليه وعمالة تقول عايزه امشي عايزة امشي؟
تنهدت نادين بحزن ثم قالت بجهل ممزوج بإحباط: مش عارفة! بس احنا المفروض كُنا هنمشي النهاردة بعد ما كُل حاجة خلصت خلاص..
ضيقت عشق عيناها وسألتها باستفهام: ايه اللي خلِص؟

تنهدت نادين بخفة ثم بدأت بـ قصّ جميع ماحدث بتأثر وضيق لتطرح عليها تالين سؤالها باستفهام: يعني كُنتي انتِ خطبته مش هي؟
أومأت نادين بخفة وهي تزم شفتيها لـ تتبادل تالين النظرات مع عشق بتعجب لأن الوضع يبدو مُعاكسًا لِمَ تقول!
سألتها عشق باستفهام لا ينتهي: بس هو كان بيجري وراها لما جينا ليه؟
قهقهت نادين بخفة وقالت بجهل: مش عارفة والله بس عمّار هيحلها عمّار حنين..

ربت عمّار على وجه ندى صعوداً ونزولاً بحنو وهو يبتسم مستمعاً إلى قول السايس الذي يعتني بها: من ساعة ما بجِت حِبله ماهتحِبش حد يركبها واصل عشان إكدِه وجعتك من عليها جبل سابج انت والسِت هانم..
أومأ عمّار وهو يبتسم، إختفت ابتسامته بالتدريج عندما أبصر قُصيّ يتسلل داخل الإسطبل وهو يسحب آدم معهُ عُنوة..

صرخ به بغضب: انت يازفت انت رايح فين؟، تركه آدم وعاد أدراجة ووقف بجانب عمّار وهو ينظر له باستياء فهو لا يُريد رؤية هذا..
التفت قُصيّ رامشًا ببراءة ثم هتف بابتسامة: داخل اشوف الولا عشان اطمن على العيال هيبقوا حلوين زي ماما ولا لأ..
قضم عمّار شفتيه بـ غل وهو ينظر له باقتضاب ثم سأله بسخط: انت ايه اللي جابك؟ انا عزمتكم امبارح مجيتوش ايه اللي جابكم دلوقتي؟

قطب آدم حاجبيه ثم سأله وهو ينظر في أنامله: صح فين دبلتك؟
رد باقتضاب وهو يحملق في قُصيّ: اصلي فسخت..
رفع آدم حاجبيه وسأله مستنكراً: ده اسمه ايه ده؟
هتف قُصيّ وهو يتقدم منهما: ده أسرع واحد يخطب ويسيب عقبالي بقي، نظرا الإثنان له بسخط ثم قالا معاً: بس يا خاين، زفر قُصيّ وهو يخفض وجهه قليلاً ثم رفع وجهه فجأة وقال لهما بتهديد: لو سمعت حد منكم قال كده تـ، انتوا رايحين فين أنا مش بتكلم؟

قهقهة عمّار وأخذ آدم ودلف إلي المنزل وهو يقلب عينيه مع سماع صوت تهديدات قُصيّ التي بدأت تنخفض حتى تلاشت نهائيًا كُلما ابتعد..
جلست ليلى على حقيبتها الموضوعة خلف الباب الذي دلف منه آدم وعمّار الآن، تعبث بهاتفها وهي تنظر إلى الوقت كُل برهة وأخرى تهز قدميها بتوتر وهي تزفر مُنتظرة انتهاء توديع نادين لـ عشق وتالين التي تعرفت عليهما اليوم..

حدقت في ظهر عمّار بسخط وهي تقضم شفتيها بقوة متذكرة قبلتة ذلك الوقح ليزداد اهتزاز قدميها بتوتر..

أبعدت نظرها عنهُ عندما شعرت بـ قلبها المضطرب يخفق بقوة وعادت تلك الكلمات الخاصة به ترن داخل أذنها كأنهُ يلقيها على مسامعها الآن: انتِ حد مُميز، بس هدلعها، اصلي مستني ندى تغيرني، هتشوف عمّار تاني مش هيخرج غير معاها هي بس، انتِ ملبن، هي السبب اني حبِتها!، مع العلم اني هخليها تعشقني هتبقي مجنونة بـ حاجة اسمها عمّار..

أخفضت وجهها ووضعت يديها على أذنها بقوة وهي تهز رأسها بنفي، أطبقت جفنيها بقوة لاهثة وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة شاعرة بـ شيءٍ يطبق علي صدرها يخنقها، رفعت رأسها وأبعدت شعرها إلى الخلف لتتساقط عبراتِها بحرقة وهي تحدق في ظهر عمّار ولا تعرف ماتفعل! ماذا تفعل؟ إن هربت من براثن أحدهما سوف تسقط بين يديّ الآخر! والاثنان سيئان بطريقة تكرهها وتجعلها تشمئز ولا مفر لديها لن تستطيع الهرب..

دلف قُصيّ من الباب وهو يزفر بغضب، نظر بجانبه باقتضاب عندما سمع صوت أنين خافت! رفع حاجبيه وتلاشي غضبه لتعتلي شفتيه ابتسامة عابثة عندما وجدها تجلس تبكِ تحدق أمامها بتركيز دون أن يرف لها جِفن، التفت ونظر في الإتجاه الذي تنظر له ليجده عمّار! رفع حاجبيه ونظر لها قليلاً بتركيز ثم ركل الحقيبة أسقطها وركض إليهم، صرخت بتفاجئ وهي تشعر بنفسها تسقط أرضاً مع الحقيبة فوق الأرض الصلبة..

قطب عمّار حاجبيه عندما سمع صوت صرختها، استدار ليجد قُصيّ يقف خلفه وهو يبتسم ببلاهة، تركة وتقدم من عشق لتظهر ليلى بوضوح بعد ذهابة وهي تقف ورفعت الحقيبة معها ويبدو من حركة جسدها انها تبكِ تبكِ من جديد! اللعين قُصيّ ماذا فعل؟.
فقط خطوة واحدة بقيت له كي يصل إلى عشق لكن عمّار جذبه من ياقه قميصه بقوة واحتجز رأسه أسفل إبطه وهتف من بين اسنانه وهو يشدد ذراعة حول رأسه بقوة: عملتلها ايه وانت داخل؟

ضحك قُصيّ وهو يمسك خصر عمّار وهتف بصدق: والله انا بس وقعت الشنطة معملتش حاجة تاني!
شدد قبضته حول رأسه أكثر وسأله بخشونة: وبتعيط ليه؟
هتف بسخط وهو يتملص من أسفل ذراعه: لما دخلت كانت بتعيط وهي بتبصلك لوحدها مش بسببي..
قطب عمّار حاجبيه ونظر لها لكنها لم تتبين بسبب تجمعهم حولها هُناك لِمَ؟
قطع شروده قول قُصيّ بضيق: انا هريحك مني فين الاوضة اللي هنام فيها؟

ربت عمّار على كتفه وقال بهدوء: معايا هتنام فين يعني؟
هز قُصيّ رأسه بنفي وقال باستنكار: معاك فين؟ وعشق!
تنهد عمّار ورفع يده و ضغط على كتِف قُصيّ وقال بجدية بنبرة ذات مغزى محذرة فهمها قُصيّ جيّداً: دي مش مشكلتي ومش في بيتي يا قُصيّ مش في بيتي!، وتركه وتقدم منهم هُناك بسبب هذا التجمع..
زفر قُصيّ وهو يمسح وجهه بضيق ثم ذهب خلفهُ، يبدو أن هذه الليلة لن تمر بسلام..

هتفت نادين بحزن وهي تعانق ليلى عناق ترجي: بليز خلينا مش شايفة آدم بيقول ايه؟ مش خايفه علينـ، قاطعها سؤال عمّار باستفهام عندما وصل: في ايه؟
نظر له آدم وأخبره بكل هدوء وغمزه وسط حديثة: عايزين يمشوا بليل وانا لسه جي وكان في عربيتين نقل مقلوبين قاطعين الطريق! كويس اننا وصلنا أصلاً انا كنت خلاص فاقد الأمل اننا نوصل النهاردة!

قطبت تالين حاجبيها ونظرت له بطرف عينها بـ شك فهو كاذب! لكنها ظلت صامتة ولم تتحدث..
رفع عمّار حاجبيه وهتف بذهول مصطنع: ياااه اثنين مرة واحدة لأ كده كتير!
هتفت ليلى بهدوء ممزوج بإصرار وهي تحوط خصر نادين: عادي مش هنموت ناقصين عُمر يعني وبعدين أنا خلاص طلبت أوبر وجاية في الطريق وعندي اجتماع مهم بُكرة الصبح بدري..

سألها آدم باستنكار: وهي أوبر مُحصنة ضد الموت يعني؟ وأصلاً الطريق هنا وِحش بليل ماتقول حاجة يا عمّار..
هز عمّار كتفيه وقال بقلة حيلة: سيبها براحتها عشان متقولش اننا عايزينها تفضل معانا وخلاص سيبها..
زمت نادين شفتيها وهتفت بحزن: اخص عليك يا عموري مش خايف علينا؟

ابتسم عمّار ابتسامة صفراء عندما سمع قهقهة آدم منتظراً سماع سخرية قُصيّ لكن لم يتحدث! نظر خلفه باحثًا عنه لكنه اختفى هو وعشق! اللعين أين أخذها وذهب؟!.
زفر بغضب وهو يتلفت حوله بانزعاج، ذلك اللعين المخادع لن يتركه!، تحرك عمّار وتركهم وصعد باحثاً عنهُ قبل أن يصعد أحداً آخر لأنهُ سوف يقتله عندما يمسك به..
حملت ليلى الحقيبة وحثت نادين على التحرك: يلا يا حبيبتي العربية شكلها جات برا يلا..

أدمعت عينا نادين وهي تنظر إلى تالين كي تقول أي شيء وتساعدها به..
تنحنحت تالين وأوقفت ليلى عندما قالت بارتباك: أنا، أنا عارفة ان مش من حقي اني اطلب منك طلب زي ده بس خليكم يومين مش كتير!
ابتسمت ليلى بعذوبة وقالت برفق: هي عندها امتحانات ولازم تذاكر كده كتير!
ابتسمت تالين وقالت بهدوء: طيب ما أنا عندي امتحانات برده وجيت اغير جو شوية مش هيحصل حاجة يعني؟.

ردت ليلى وهي تبتسم بنفاذِ صبر تلك المرة: انتِ جيتي تغيري جو لكن هي طول السنة بتغيّر وجو ولازم تذاكر دلوقتى كفاية كده!
أمسكت نادين يديها وقالت بترجي: عشان خاطري خلينا ووعد والله أول ما نرجع هذاكر ومش هروح في حته تانية خالص، زفرت ليلى وهي تنظر لها بعدم رضى لتكتمل عندما وجدت حُسنة تتقدم من محل وقوفهم وهتفت بتعجب: وجفة اكدِه ليه يا بتي؟

هرولت لها نادين وقالت بحزن تستنجد بها: خليها تفضل يومين كمان عشان مش راضية..
ربتت حُسنة على وجنتها بحنان ثم تقدمت من ليلى وطلبت منها برجاء لم تستخدمه قبلاً: عشان خاطري أني يا حبيبتي خليكِ ماليش خاطر عِنديكِ؟
قضمت شفتِها وهي ترمش بسرعة شاعرة بالحرقة داخل عيناها بسبب عبراتها التي تحتجزهم في الداخل ثم قالت بنبرة مرتجفة وهي تبلع غصتها: انتوا بتضغطوا عليا ليه؟

ركضت عشق بخوف ثم توقفت أمام الفراش قابضة على الملائة بقوة وهي تلتقط انفاسها بلهاث وقُصيّ يقف مقابلها وهو يلهث بعنف وصدره يعلو ويهبط من كثرة الركض حولها في الغرفة اللعينة التي لا يعرف لمن هي؟
صرخت بغضب وهي تحذره بسبابتها عندما وجدته يتحرك اتجاهها كالفهد: والله العظيم لو موقفتش هصرخ وهلِم عليك البيت كُله فاهم ولا لأ؟
ضحك بسخرية وهو يضع يده على صدره باستهزاء وسألها بتهكم: هتفضحي نفسك؟

ضحكت بصوت رنان ثم قالت باحتقار وهي تنظر له: خليها فضيحة بـ فضحية مش هتفرق! انت كده كده فضحني! واكبر دليل انك جبتني هنا عند صاحبك واكيد عارف انا ايه معاك ولا تكونش قايلة انك متجوز يا حقير؟
صرخت وصعدت على الفراش وقفزت في الجهة المقابلة عندما ركض خلفها بملامح متجهمة شرسة وهو يقول: بُصي ما أنا هبوسك يعني هبوسك مليش فيه وحقير دي هحاسبك عليها بعدين؟

صرخت به بعصبية وهي ترتجف من الخوف لأنها تعلم أنه يتركها تهرب وتركض لأنهُ يُريد هذا كي يتسلى قليلاً وعندما يمل لن تقدر عليه لن تقدر: والله هصوت مش عايزاك انت فاهم؟ انا قولتلك عايزني طلق جـنّـة وانت مطلقتش براحتك بقي بس ماتجيش جنبي! واحترم نفسك احنا ضيوف هنا مش بيت اهلك هو؟!

صمت وظل واقفاً أمام الفراش يلهث وهو يضع يده بخصره ينظر لها بتركيز ووجوم، رفعت يدها وهي تزفر تُجفف جبينها ليستغل الفُرصة وقفز فوق الفراش سريعاً وقبض على خصرها قبل أن تركض وهو يبتسم بتشفي..
هتف بحرارة وهو يدفن أنفه داخل شعرها: إنسي جـنّـة كأنها مش موجودة! وحتى لو طلقتها هتطلقي ازاي وانتِ هربانة كده؟

هزت رأسها بنفي كارهه هذا الشعور وهي تحاول الإبتعاد عنه وقالت بنبرة مرتجفة وهي على وشك البُكاء: انت رخصتني لما جبتني هنا؟ جبتني عشان توريني لصحابك صح؟ هيقولوا عليا ايه دلوقتي؟
هز رأسه نفياً وهو يبتسم ثم قال بهدوء: كل واحد عنده حياته ومشاكلة مش هيسيبوا كُل ده وهيركزوا معاكِ..

أومأت وهي تبعد يده بصعوبة تقتلعها اقتلاعا من على خصرها: يبقى طول ما احنا هنا تخلي في مساحة ما بينا ومتقربش لو سمحت ممكن؟، وتركته واتجهت إلى باب الغُرفة كي تخرج..
وضعت يدها على المقبض وقبل أن تُديرة حاوطها من الخلف وهتف بحرارة وهو يداعب خصرها بنعومة جعلها تزدرد ريقها: بس انتِ وحشتيني!

هزت رأسها بنفي وقالت بتجاهل ولا مُبالاة: ده مش ذنبي!، وحركت المقبض وفتحت الباب لكنهُ أغلقهُ بقدمه وأدارها من خصرها بقوة كي تكون مقابلة وقبلها عنوة وهو يضمها لجسده بشوق معمقاً قُبلتهُ أكثر لكنها ظلت تضرب صدره بقوة وهي تقاومه حتى ابتعد بانزعاج وقبل أن يتحدث صرخت بصوت مرتفع وهي تطرق على الباب بعنف: الحقوني الحقوني هيـ، وضع يده على شفتيها وهو يثبت رأسها من الخلف بيده الأخرى، رمقها بنظراته الحادة المُحذرة كي تصمت لكنها عضتهُ بعنف جعلتهُ يتأوه بألم وهو يبعد يده عن فمها وتابعت بصراخ بدلاً من الخروج لأنها تُريد فضحة: الحقوني الحقوني..

نزل عمّار من الطابق الثالث الخاص بـ عمه وهو يزفر واضعاً يده داخل جيب بنطاله بعد أن بحث عنهما في الأعلى ولم يجدهما..
إستوقفه صوت صُراخ عشق الذي ملأ المكان لـ يهرول إلى الأسفل وهو يلعن قُصيّ بغضب، توقف أمام الغرفة فاغر الفاه ذاهلاً؟ اللعين في غُرفة ليلى!
فتح باب الغُرفة لترتطم عشق بصدره وهي تركض هاربة لكنها تسمرت محلها عندما وجدت حُسنة تتقدم منهم..

ركضت لها وألقت نفسها داخل أحضانها وهي تتصنع النحيب وهتفت بحرقة: الحقيني، الحقيني عايز يغتصبني..

توسعت عيناها بقوة ثم تقدمت من الغُرفة بتهجم وهي تسحب عشق من يدها معها، دفعت عمّار من صدره بغضب وهي تقول باستياء وحِدة عندنا أبصرت قُصيّ الذي يقف ذاهلاً من تلك الشيطانة التي قامت ببيعه: اني كُنت عارفِة انك جليل الربايِة، ثم ضربت صدر عمّار بغضب وهي توبخه: هو ديِه اللي مدخلهُ بيتك ومصاحبة؟!، دحج عمّار قُصيّ بـ نظرة حارقة بسبب هذا الموقف المُغزي الذي وضعهُ به ولا يُحسد عليه..

مسح قُصيّ وجهه بقوة وهو يتنفس بغضب وعيونه معلقة على عشق بنظراتٍ قاتمة وملامح حالكة أرجفتها جعلتها تزدرد ريقها بخوف ثم قالت بنبرة مرتجفة متلعثمة: هو، هو جوزي، بس، بس احنا كاتبين الكتاب بس..
تنهدت حُسنة بـ راحة وهي تنظر له نظرات غير مُريحة بالمرة ثم قالت بهدوء: لو مستعجل اوي إكدِه اعمل الدُخلة اهنِه وجول لأهلك يا جوا!
أسند عمّار جذعة على الحائط ووقف يحدق في قُصيّ منتظراً رده وهو يرفع حاجبيه..

ابتسم قُصيّ بتوتر وقال مُبرراً وهو يجمع حروفة: كان نفسي والله بس لازم اهلي واهلها يكونوا موجودين مش هينفع خالص هنا..

هزت رأسها بتفهم ثم ردت بحدة اجفلتهم: يبجي تقعد اهنِه باحترامك و بلاش صغرنه و جِله جيمه وجِله حيِه معلوم؟، أومأ قُصيّ بطاعة دون التحدث لـ تتابع باستنكار وهي تنظر له من أعلاه لأخمص قدميه بـ قليلاً من الاحتقار لاحظة ثلاثتهم: معرِفش عمّار مصاحبك علي ايه عاد وانتِه اكدِه؟! أني مش مرتحالك يا واد انتِه إجلب من جِدامي بـ خلجتك العِفشة ديّ، كتم عمّار ضحكته وهو ينظر له ليقول قُصيّ بتهكم: على فكرة بقى عمّار اللي فرحانه بيه و بأخلاقه العالية ده هو اللي معلمني قِلة الأدب وكُل حاجة وِحشة وقالي اعملها ازاى كمان، ثانياً بقي خِلقة ربنا ده هتكفروا ولا ايه؟

انحنت على حذائها كي تخلعه وهي تقول بحدة: مش عاجبك عمّار وتربيتيّ ولِّية يا جِرد انتِه!، تنبهت جميع حواسه وهو يُراقبها بجزع، فرّ هارباً من الغرفة واحتمي بـ عمّار الذي دفعة بسخط وضيق وقبل أن يحدث ويقول ما هو متوقع سمعوا صوت آدم الذي صعد مع تالين ونادين وليلى بعد أن ألقي مُحاضرة طويلة في الأسفل إلى ليلى كي تقتنع وتظل يومين إضافيين ستندم عليهما لاحقاً..

ربتت حُسنة على كتف عشق بحنو واقترحت عليها: تعالي نامي فوج معايِه؟
اعترض قُصيّ بنفي: لأ خليها هنا جنبي، نظرت له حُسنة بحدة و وبخته بضيق: مسمعش حسِك يا خبيث انتِه، ثم نظرت إلى آدم الذي يقف يضحك عليه وسألته باستفهام: وديّ مرتك بردك ولا مين؟
ابتسم آدم وقال بهدوء: دي مِرات اخويا، لوي عمّار شدقيه بينما قُصيّ ضحك بسخرية وهو يغطي فمه بيده..

استدارت حُسنة ونظرت له بتفحص ثم سألته وهي تُراقص حاجبيها وتضع يدها اسفل ذقنها: وهي مهملة جوزها وجايِه معاك ليه عاد؟ وكيف تاجي معاك؟
نظر آدم إلى عمّار وهو يهز رأسه بتعجب بسبب تلك الأسئلة ثم أضاف بثبات دون أن يتوتر: أصلها مرات اخويا وبنت عمي وانا وهي راضعين على بعض أخوات يعني ونفسها تتفسح جبتها معايا لكن ممكن أروح عادي! أروح؟

سألته ليلى باستفهام وشك قبل أن ترد حُسنة: هتروح ازاي مش الطريق واقف وفي عربيتين عملوا حادثة؟
ابتسم آدم ببلاهة وقال مُبرراً: انا مش همشي بهزر وكمان عموري مش هيسبني صح؟
نظر له عمّار بسخط وسألهم باستفهام: انتوا هتناموا فين؟ حد هيطلع فوق وحد هيستنـ، قاطعتهُ ليلى وهي تقول بهدوء: متهيألي احنا لما نمشي مش هيبقي في مشاكل على المكان..

نفت حُسنة حديثها باستنكار: واه كل دِيه ومفيش مكان همه بس اللي عايزين يتكربسوا كلهم اهنِه!
هتفت ليلى باقتراح: ممكن أنام أنا ونادين مع بعض وهمه ياخدوا الأوضة اللي فيها نادين..
تذمرت نادين برفض: لأ بحب الاوضه دي تعالي انتِ نـ، صرخت بها ليلى بعصبية افزعتها: ده مش بيتنا عشان تتشرطي وتنتنكي! واعملي حسابك هنمشي الصُبح، وتركتهم و دلفت إلى الغُرفة..

ربتت حُسنة على كتف نادين وقالت بحنان: متزعليش نفسك يا حبيبتي روحي جوطتك والجمر ديّ هتنام حداكِ موافجة يا حلوِه؟
أومأت تالين وهي تبتسم ثم تأبطت ذراع نادين وأخذتها و اتجهت إلي الغرفة وهي تتسامر معها كي لا تبكِ وتخرج من حُزنها..

دفعت حُسنة عشق إلي غرفة ليلي برفق وهي تقول أثناء إلقائها على قُصيّ نظراتٍ حادة: فوتي يا حبيبتي واجفلي عليكم من جُوِه كويس، أومأت لها عشق بـ صمت وهي تدلف متحاشية النظر إلى قُصيً خوفاً منه ولا تعلم كيف ستواجهه طوال جلوسها هُنا؟ أو غداً على الأقل!.
لتتابع حُسنة وهي تطلب من عمّار: وانت يا ولدي إدلي وطلِع الشُنط لجل ماتغير ليلي الخلجات اللي باظت طبيخ ديّ!

أومأ وذهب إلى الأسفل بينما آدم وقُصيّ دلفا إلى غرفة عمًار دون النبس بحرفٍ واحد معترضاً..
حمل الحقيبتين وكاد يسير لكنه توقف عندما أبصر هاتف ملقى أرضاً، أنه هاتف ليلى لقد نسته!
أنار ثم صدح صوتهُ وبدأ بالرنين عالياً وهو يهتز..

انحنى وحمله بين يديه وهو يحدق في اسم رنا الظاهر أمامه على الشاشة بتفكير والابتسامة تعلو ثغرة، أغلق في وجهها وهو يضحك ثم توقف و ابتسم بحنان عندما قابلته صورة ليلى و نادين معاً وكلتاهما تبتسمان بسعادة في وجهه مظهرين صفيّ أسنانهم اللؤلؤية..

مرر أنامله على وجه ليلى المُبتسم فوق شاشة الهاتف ابتسامته الحانية تتسع معها أكثر وقلبه يطرق قفصه الصدري بعنف وهو يتساءل بنفسه، هل سينضم إلى تلك الصورة السعيدة في المستقبل القريب أم ماذا؟ لا يهم لقد حسم أمره وستصبح ملكة عاجلا أم أجلاً! فهو لا يستطيع أن يرفض لنفسه طلباً قط!.

صدح صوته مجدداً وتلك الرنا مُصرة علي الحديث كما يبدوا! حسناً لا يوجد أمامه حل سوى هذا عُذراً ليلى، بدأ بالنقر فوق الشاشة يكتب رسالة نصية لكن قاطعه رنين الهاتف بسبب رنا من جديد! زفر وهو يسبها ثم تابع كتابة رسالته وهو يقهقه ثم بعثها لها وفقط ثانية اثنان خمس دقائق و توقف الرنين نهائياً..

حذف الرسالة وكاد يسجل رقمهُ لكنهُ تذكر أنها راسلتهُ إحدى المرات و رقمهُ بالتأكيد معها، بحث عنهُ متوقعاً أن لا يجده او رُبما تكون وضعته بالقائمة السوداء لأن هذا متوقعاً منها وليس غريباً..

ضحك بصوت رنان عندما رأى اسمه ما هذا؟ انه ببساطة الحقير، و ما هذا الرمز التعبيري الذي وضعته بجانب اسمه! مُسدس! هذا طفولي جداً أنها تريد قتله؟، بحث عن اسم نادين وكما توقع يوجد بجانبه الكثير الكثير من القلوب هي أغلى ماتلك، لِمَ لا يملك حتى قلباً واحداً بجانب اسمه؟

تنهد وهو يهز رأسه فالطريق أمامه مازال طويلاً!، أخرج هاتفه كي يصور تلك الصورة ليدرك غبائه وهو يفعل هذا؟ لما لا يأخذها الأحمق؟ انزل هاتفه ونقر على معرض الصور في هاتف ليلى ليقابله الكثير والكثير من الصور التي ستقتلع عيناه عليها لكنه أبي أن يفعل..

تنهد وتجاهلهم على مضض دون أن يشاهدهم لأن هذه سرقة وخطأ ولا يصح أن يفعل هذا لكن يُقسم أنهُ سيأخذها لأنها مُبهجة كثيراً وجعلتهُ يبتسم لا أكثر سيأخذها هي فقط ولن يأخُذ شيءً آخر..
توقف إبهامه فوق الصورة التي تُعانق ليلى كتف نادين من الخلف وهي تضحك بسعادة، هذه هي، أخذها سريعاً شاعراً بتأنيب الضمير لكن لا يهم سيتزوجها..

انتهى واغلق الهاتف بعد أن حذف أثر ما فعله وكاد يتحرك لكن قُصيّ ظهر له فجأة من العادم والقي حقيبة صغيرة الحجم أمامه وهتف وهو يركض الى الخارج كي لا يمسك به: طلع دي لـ عشق معاك..
استدار سريعاً وركض خلفه وهو يتوعده بغضب: كده مش هجيبك يعنى ماشى؟
ضربت ليلى جبهتها بخفه وهي تقول بضيق: نسيت الشنطة والموبايل تحت!

اقترحت عشق وهي ترتب شعرها: انا ممكن اجيبهالك كده كده نازله اشوف شنطتي تحت، أومأت لها ليلى بامتنان وردت بهدوء: هاجي معاكِ الشنطتين هيبقوا تقال عليكِ مش هتـ، توقفت عندما سمعت طرقات على الباب، تقدمت عشق وفتحت الباب بهدوء لتجد الحقيبتين أمام الباب والهاتف فوق حقيبة ليلى..

ابتسمت عشق ثم حملت الهاتف وقامت بـ جر الحقيبتين خلفها ودلفت وهي تبتسم ثم قالت وهي تناول الهاتف إلى ليلى المتفاجئه: اهي جات لحد عندنا اهي، ابتسمت ليلى وهي تفتح الهاتف بـ قليلٍ من التعجب لأنها لم تتركه مُغلقاً هل فصل؟

مر بعض الوقت لتجلس ليلى على المقعد أمام المرآة تُراقب تحرك عشق في أنحاء الغرفة حتى بدلت ثيابها و تسطحت على الفراش كي تنام، لاحظت عشق تلك النظرات ثم سألتها بـ قليلاً من الأرتباك: هو، هو، انتِ مضايقة عشان هنام معاكِ هنا؟ ممكن أنام على الكنبة لو ده هيريحك؟

هزت ليلى رأسها وهي تبتسم بعذوبة وقالت بنفي: لأ بالعكس انتِ هتسليني، ثم زمت شفتيها و سألتها بأحباط وهي تبعد شعرها إلى الخلف: انتِ مش معاكِ استشوار اي حاجة اعرف أفرد بيها شعري؟

ابتسمت عشق وأشرت على حقيبتها: طبعاً معايا في الشنطة خديها في أي وقت، تهللت أسارير ليلى كأنه تم إنقاذها الآن وقالت بامتنان وهي تبتسم: بجد شكراً ليكِ جداً هحضنك بس لما اغير الهدوم الأول، أومأت عشق وهي تضحك بينما ليلى فتحت الحقيبة وأخرجت منامة ثقيلة ثم أخذتها وولجت إلى دورة المياه كي تأخذ حماماً دافئ..
بينما لدي نادين وتالين..

كانت نادين نائمة تريح رأسها على صدر تالين كأنها تعرفها منذ زمن طويل وهي تتذمر وتشكو لها من عصبية والدتها المُفرطة منذُ أن أتت إلى هُنا..
ربتت تالين على رأسها بحنان وهتفت برفق: تلاقيها متضايقة من حاجة ياحبيبتي المفروض تسمعيها وبعدين انتِ مش صُغيرة وانا شايفة انك دلوعة حبتين وبتدلعي عليها كتير عشان بتحبك فـ براحة وبلاش ضغط واسمعي الكلام شوية..

زمت نادين شفتيها بحزن وسألتها بأعين دامعة: يعني انا وِحشة؟
ابتسمت تالين وربتت على وجنتها برقة وقالت بهدوء: لا يا حبيبتي مش وِحشة ولا حاجة بس انتِ بتصري على رأيك من غير ماتفكري هي عايزة ايه فهماني؟
هتفت بحزن وهي تشعر بتأنيب الضمير: ماهي مامي اومال اطلب وأصر على مين؟
ربتت تالين علي كتفها وقالت بهدوء: منها هي طبعاً بس اسمعي الكلام شوية! وبعدين مش كل حاجة نطلبها نلاقيها بسهولة! هي شكلها تعبان ريحيها..

هزت نادين رأسها بطاعة وظلت شاردة تزم شفتيها بحزن وهي تفكر في والدتها، فهي معها حق! هي لا تشتكي ولا تمل من كثرة طلباتها ولم تشعرها يوماً أنها منزعجة أو تفعل هذا رغماً عنها! هي دوماً تبتسم وتنتظرها فقط أن تطلب كي تأتي لها بما تُريد وتحقق لها كل ماتتمني هي لم تتذمر يوماً وتخبرها أن تكف عن الطلبات! هي فقط منذُ أن أتت إلى هُنا؟ أو منذُ أن أدخلت عمّار إلي حياتهما وكل شيء قد تغير ووالدتها على وجه الخصوص هي أكثر من تغيرت وأصبحت عصبية ومتوترة طوال الوقت..

في الأسفل لدي عمّار..
ركض خلفه في الأسفل وهو يقذفه بكل مايقابله أمامة وهو يقول بغضب: انا قولتلك مش في بيتي يا وكمان في اوضة ليلى يا واطي انا مش هسيبك النهاردة..
توقف قُصيّ أمام المسبح وهو يلهث بقوة ثم هتف بضجر وهو يضع يديه بخصره: هي اوضة ليلى مُراد يعني؟ وأهو محصلش حاجة يا فقر اسكت بقى وكفاية عشان تعبـ، وركض عندما ركض خلفه بسرعة بملامح مظلمة..

رفع آدم جسده من أسفل المياه وهو يهز رأسه يميناً ويساراً مبعداً المياه عنه: ما تلعبوا مع بعض في ايه متعملوش دوشة؟.
أمسكه عمّار من ياقة قميصه بقوة وهو يشده إليه بعنف وقبل أن يفعل شيءً ما هتف قُصيّ سريعاً كي ينجو بحياته: استني اسمعني الأول اسمع..
زفر عمّار بنفاذِ صبر وهو يقبض على قميصه كـ اللص وهتف بضجر: قول؟
تحدث قائلاً بهدوء قول لا دخل له بما يحدث الآن: معرض العربيات بتاعك..

زفر عمّار وهتف بسخط: ماله؟
قال بهدوء وهو يحاول التملص من يده: كان في مشكلة وأنا حلِتها، قطب عمّار حاجبيه وهو ينظر له باستفهام! فإذا حل المشكلة لِمَ يتحدث؟
سأله باستنكار: مش حلِتها بتقولي ليه؟
قال قُصيّ بحزن مصطنع: عشان متضربنيش؟

قضم عمّار شفتيه بغيظ ثم ألقي به داخل المياه وتحدث مُحذراً الإثنين بغضب: انتوا مش جايين تقعدوا في كبارية النجوم هنا فاهمين ولا لأ! كل واحد يحترم نفسه؟ وانت يا قُصيّ على وجه الخصوص تحترم نفسك ومتحاولش تقرب منها تاني في البيت وسي آدم الخبيث، ابتسم آدم ولوح له ببراءه ليتابع عمّار بسخط: أنا عارفة أنك بتخطط لحاجة وهدوئك ده مش مريحني! شكلكم انتوا الإثنين أصلاً مش مريحني! بقولكم ايه انتوا ايه اللى جابكم؟

ضحك آدم وقال ببراءه وهو يهز كتفيه: على فكرة انت ظلمني عشان انا قولت انها اختي اختي يا عمّار في حد يحب اخته؟
ابتسم عمّار بسخرية وقال باستياء: ظلمتك فعلاً! انتوا ملايكة وانا بتبلي عليكم عارف، انا رايح اتخمد مسمعش صوت وياريت لو تغرقوا كمان، وتركهم ودلف إلي غرفته المُطِلة على المسبح وأغلق الستائر وهو ينظر لهم بانزعاج ثم استدار واتجه إلي التخت وهو يبتسم، هو يُحبهم كثيراً ويعترف بهذا..
لدي ندى..

شهقت ندى بحرقة وهي ترفع المنشفة المُبللة بالمياه الباردة من فوق وجنتها التي تشعر بـ اللهيب المستعر داخلها..

سمعت صوت رنين هاتفها قديم الاصدار يصدح بجانبها، قذفت المنشفة من يدها بعنف ثم رفعت الهاتف وهي تنظر إلى إسم المُتصل بـ كُره شديد وضغطت الزِر بقوة وصرخت به بشراسة وهي تشهق بتقطع: انا لو ممشيتِش من اهنِه والنِعمة عجول علي كُل حاجِة سمعتنيّ ولا أجول من تانيّ سمعت ياخليل ولا لاه؟ بُكره تاجى، وأغلقت الهاتف في وجهه ثم قذفته بغضب، تهشم في الحائط وتناثرت أجزائه في أرجاء الغرفة لتتابع بكاءها بقهر وهي تتحسس رأسها بخفة بسبب ألم رأسها الذي لا يحتمل، لِمَ هو عنيفاً هكذا؟، هي أن ظلت هُنا سوف تموت وتفقد طفلها من كثرة العمل الشاق يُجب أن تذهب في أسرع وقت يُجب أن تذهب..

عند بزوغ الفجر..
حدقت ليلى في انعكاسها في المرآة دون أن ترمش بعد أن صففت شعرها بهدوء، هي الآن فقط شعرت بالراحة عندما صففت شعرها لكن العِلة لا تكمن به أبداً! بل تكمن في هذا الوجه الذي تراه بشِعاً في بعض الأحيان بسبب الدماء التي تسرى، نظرت إلى عشق المستغرقة في النوم وهي تبتسم ثم تقدمت وقامت بتعديل الغطاء فوقها جيّداً ثم تلحفت بـ وشاحٍ ثقيل ودلفت إلى الشُرفة..

وقفت تُشاهد شروق الشمس وهي تحرك جفنيها ببطء وتثاقل وهي تميل برأسها بسبب عدم نومها وقلقها طوال الليل حتى جف شعرها وصففته، ضمت جسدها بيديها وهي ترتجف بخفة وشعرها يرفرف حول وجهها بنعومة بفعل الهواء النقي الذي نظفت به رئتيها..
حركت رأسها ونظرت داخل شرفة عمّار لتجدة يقف يبتسم لها ببلاهة لمْ تعهدها من قبل؟ لِمَ يبتسم ومن أين أتي؟ لم يكن هُنا عندما دلفت؟!

نظرت إليها مُجدداً وهي تفرك عيناها لتجد الشرفة فارغة! انها تهذي ام ماذا؟ الشرفة فارغة؟ لقد أصابها الخرف..
هزت رأسها وهي تمسد جبينها ثم تركت الشرفة واغلقتها بخفة كي لا تصدر صوتاً وتركت الغرفة نهائياً وتجولت في المنزل وهو هادئ لأنها لم يتثني لها الفُرصة لفعل هذا من قبل..

جلست في الأرض الخضراء خلف المنزل وهي تتنهد بعمق، لا يوجد بعوض الآن هذا جيّد، حدقت في ذلك الكوخ الصغير في المُنتصف باستفهام؟ ماذا به يا تُرى؟ تُريد أن تذهب إليه، هل تذهب؟

وضعت راحة يدها أرضاً بجانبها كي تقف لكنها شعرت بشيءً بارد أسفل يدها! رفعت يدها ببطء وحذر ثم نظرت بجانبها وأبعدت العُشب القصير بأناملها بارتباك وقلبها يخفق بخوف متوقعة أن تجد حشرة! ثعبان صغير لا تعلم لكن، شهقت بخفة عندما وجدتها القلادة التي أعطاها لها عمّار وأعطتها إلى نادين! كيف جاءت إلى هُنا؟ إنها مُلقاة بإهمال!

رفعتها بين يديها ونظفتها بأناملها باقتضاب شاعرة بالغضب الشديد، كيف تفعل بها هذا ألم تأخذها لأنها أعجبتها! هل هكذا تتصرف بها؟
ارتدتها حول رقبتها بهدوء وهي تقف لتشهق بخضة وهي تستدير عندما وجدت عشق تقف خلفها..
سألتها بلهاث وهي تضع يدها على قلبها بخضة: خضتيني! صحيتي امتى؟

ابتسمت عشق وربتت على كتفها وقالت بنعومة: صِحيت لما خرجتي من الأوضة ولبست وجيت وراكِ على طول، هزت ليلى رأسها بتفهم وهي تُمسد صدرها بخفة تهدأ من روعها، لتقترح عشق عليها بنبرة ناعسة: أنا كُنت عايزة أخرج اتمشى برا شوية ممكن تيجي معايا؟
صمتت ليلى تفكر قليلاً وهي تقطب حاجبيها ثم قالت باعتراض: بس محدش صاحى عشان نقوله؟

اقتربت عشق منها ثم أمسكت يدها وقالت بهدوء: احنا مش هنتأخر محدش هيحس بينا وبعدين تالين ونادين نايميـ، توسعت عيناها وهي تسمع صوت حمحمة تأتي من خلفها، التفتت سريعاً لتجد تالين ونادين يقفان خلفها، تالين تبتسم ببلاهة بينما نادين تتأبط ذراعها وتسند رأسها على كتفها وهي تتثاءب بنعاس..
قالت تالين مُبررة موقفها: انا بصحى كل يوم بدري وسمعت صوت الباب فـ صَحيت نادين وجينا على طول رايحين فين بقي؟

تقدمت ليلى وعانقت نادين وسألتها بقلق وهي تربت على وجنتيها: انتِ ايه اللى نزلك في البرد ده دلوقتي؟ يلا اطلعي فوق..
هزت رأسها بنفي وهي تقول بثقل: لأ هاجي معاكِ، تنهدت ليلى واحاطتها واخذتها وسارت بها إلى الداخل وهي تسندها كي لا تسقط حتى صعدت بها ووصلت إلى الغرفة في الأعلى، سطحتها على الفراش ثم دثرتها تحت الغطاء الدافئ وقبلتها بحنان وتركتها تغفو..

عادت إليهم في الأسفل من جديد لتقول عشق بحماس عندما رأتها: تالين معاها مفتاح عربية آدم..
قالت ليلى بقلق وهي تأشر على الخارج: الغفير ممكن يصحي ومش عارفة هيسبنا نخرج ولا لأ!
ردت تالين بهدوء مقترحة عليهم: احنا نفتح الباب الأول وبعدين نركب العربية ونمشي بسرعة بس انا مش بعرف اسوق!
قالت ليلى بهدوء وهي تمد يدها لها: أنا بعرف فين المفتاح؟، ناولتها تالين إياه وتحركوا ثلاثتهم إلى الخارج بخفة..

فتحت عشق وتالين الباب بمساعدة بعضهما البعض بينما ليلى استقلت السيارة بعد إن ضغطت على الزِر المتحكم كي تتعرف عليها عندما تُنير، أدارت المقود بخفة وهي تدعو ألا يستيقظ الغفر ونظرها معلق على الغُرفة التي يمكثون بها..
قادت ببطء وحذر وهي تحدق في المرآة ترى ما يحدث خلفها حتى مرت من البوابة بسلام، لتضحك عشق وتالين معاً بحماس وركض كلتيهما إلى السيارة تاركين الباب خلفهم مفتوحاً على مصراعيه!.

أما في الجانب الآخر بعيداً عن تلك المنطقة نهائياً كان جاسم قد وصل إلى خالته من عدة ساعاتٍ قليلةٍ فقط وقد غفى من التعب..
ولجت إلى الغرفة إمرأة في بداية الأربعينيات تحمل صينية ممتلئة بالطعام، قامت بتغطيتها ووضعتها جانباً على الطاولة بخفة ثم تحركت للذهاب لكن جاسم تحرك وهو يمط ذراعيه ثم انتصب جالساً وسألها باستفهام بأعين نصف مغلقة: رايحة فين؟

توقفت تغريدة محلها وهي تبتسم ثم تقدمت وجلست على طرف الفراش وسألته برفق: صباح الخير، عامل ايه يا حبيبي كويس؟
ابتسم جاسم بخفة وقال بهدوء: الحمد الله كويس..
ابتسمت له وهتفت وهي تتأسف: عارفة الجو هنا مش زي مصر و دوشة و صحيان بدري من الصوت بس بجد هتحبه اوي..
ابتسم جاسم وقال بإعجاب: هو أصلاً خلاص عجبني ومرتاح كده، هزت رأسها بخفة وهي تبتسم بعذوبة ليسألها باستفهام وهو يبتسم: مبسوطة هنا؟

توهجت عيناها ببريق سعادة وهتفت بابتسامة رقيقة لا تخرج سوى عندما تتحدث عن زوجها: طبعاً مبسوطة، عمري ما تخيلت اني ممكن أكون مبسوطة في حياتي كده؟ عارفة اني بعدت عنكم وعن الجو في مصر بس مش حاسة بـ كده! بجد يا جاسم لما تكون مع حد بتحبه مش هتفكر في اي حاجة تانية ولا انت فين حتي؟ عارف انا عمري ماتخيلت اني اكون هنا ولا حتي اني احب حد كل الحب ده! منصور ده أجمل راجل في الدنيا كُلها من غيره مش هعرف اعيش هو اللى علمنى معنى الحب يا جاسم!.

ابتسم جاسم وقال بتأثر وأعين دامعة: كلمة زيادة وهعيط، ضحكت بخفة وهي تربت على يده ليسألها بمزاح: مين منصور ده؟، ضربت ذراعة بخفة وهي تقطب حاجبيها بانزعاج: جوزي يا جاسم جوزي!
ضحك بـ تسلية وهو يومئ لها وقال بثقة: طب مانا عارف هو اللي استقبلني امبارح وانتِ نايمة زي الفراخ من بدري زي ماما بالظبط انتوا قرايب فعلاً..

ابتسمت بنعومة عندما تحدث عن والدته وسألته بحنو: عاملين ايه يا حبيبي؟ روحية عاملة ايه؟ وعشق! هتتجوزا امتي بقي؟!
ابتسم جاسم بحزن وقال بإحباط: مفيش افراح! كل حاجة باظت حتى عشق نفسها مش عارف اذا كانت هي عشق ولا لأ! مش عارف حاجة؟
قطبت حاجبيها وسألته باستفهام وقلق: لأ احكيلي بقي في ايه؟
تنهد وهو يُمرر يده بشعره ثم حرك شفتية وبدأ بـ قص كل ماحدث معه من البداية حتى الآن..

هزت رأسها بتفكير وعقل مُشوش بسبب قوله ثم قالت بعدم فهم: بس، بس، مستحيل ازاي كده؟
هزررأسه بجهل شاعراً بهموم العالم أجمع تطبق فوق صدره ثم سألها ويتمنى أن تفيده: انا جيتلك عشان كده؟ انتِ كُنتي اقرب واحدة لـ خالتو واكيد لو كان جوزها اتجوز عليها أو حب واحدة تانية وخلِف منها هتكونى عارفة كل حاجة صح؟

هزت تغريدة رأسها بخفة وقالت وهي تعتصر عقلها من كثرة التفكير: لأ مفيش حاجة من الكلام ده خالص بالعكس دول كانوا بيحبوا بعض جداً جداً مستحيل تكون حاجة زي دي حصلت ولو صُدفة مستحيل وهي مقالتش اى حاجة من دي!، ثم صمتت قليلاً تفكر لتتوسع عيناها عندما تذكرت شيء وقالت بلهفة: بس قالتلي حاجة ثانية مش عارفة هتفيدك ولا لأ بس هي مالهاش علاقة بالموضوع ده خالص بس هقولك؟!

أومأ لها جاسم مشدوداً يستمع لها بتركيز وكُله أذانٌ مُصغية لِمَ تقول رُبما يعرف شيء ويتوصل إلى الحقيقة..
هز رأسه باستنكار وهتف بذهول: يعني ايه الكلام ده؟ أنا أول مرة أسمع حاجة زي دي؟ حتي ماما متأكد انها متعرفش! حاجة من دي؟

مسدت تغريدة جبينها بتعب وقالت بأسف: أنا مكنتش عايزاك تعرف ولا حد تاني يعرف وخصوصاً عشق عشان ده باباها وانا الصراحة مش هكذب عليك انا لحد دلوقتي مش مصدقة الكلام ده ومحاولتش ادور وابحث عن اي حاجة وخصوصاً لما عرفت انهم ماتوا! ومتهيألي أن سِرهم مات معاهم ومفيش داعي اننا نفتح المواضيع دي تاني عشان محدش هيتّضر غيركم انتوا!

هز جاسم رأسه بخفه وهو يفكر بشرود ثم سألها بوجه باهت: طيب هي مقالتش اي حاجة عشان نقدر نوصل للحقيقة؟
هزت رأسها بنفي وقالت بهدوء وهي تتذكر: هي قالتلي في واحد اسمه حبيب حبيب حاجة مش فاكرة دلوقتي بس هحاول افتكر، هي قالتلي حبيب ده اللي عارف كل حاجة وممكن أسأله عشان لو بجد الكلام ده صح بس الاكيد واللي عرفناه ان مفيش حاجة من دي حصلت!

هز رأسه بخفة وقال بضياع بعد أن تداخل كل شيء معاً: يعني المفروض ندور علي حبيب اللي منعرفش هو حبيب مين صح؟

أمسكت يده وقالت مواسية بحزن: جاسم يا حبيبي متشغلش عقلك بالكلام ده دلوقتي اهم حاجة تشوف عشق، يمكن هي فعلاً عشق وفي الاسبوع اللي اختفت فيه حد لقاها وحصل حاجة! او الوحمة ممكن تطلع مكنتش وحمة اصلا ودي علامة من طريقة نومها غلط مثلاً وهي مخدتش بالها ممكن بتحصل؟ اصلها مش هتصحى الصبح وتقعد تدور على علامات في جسمها صح!

هز جاسم رأسه بنفي وهو يضع رأسه بين راحة يده وهتف بـ همٍ: مش عارف بس هي كانت بتشتكي منها في الرايحة والجاية المفروض تفتكر بقى وكفاية كده؟
تنهدت تغريدة بإحباط وهي تفكر ثم سألته عندما خطر لها هذا: طيب صوتها! صوتها عامل ازاي عشق بتاع زمان ولا ايه؟

رفع جاسم رأسه وهو ينظر لها بتفاجئ وكأنهُ تذكر هذا الآن، هو لم يلاحظ شيء مثل هذا ولم يخطر له فـ هناك أصواتاً تتشابة كثيراً لكن هذا إن كان بينهما صِلة قرابة قوية لا يعلم لكن صوتها لم يُشكل فارقاً معه؟ هو الآن يحاول تذكر نبرتها لكنهُ يشعر أنهُ لم يسمعها تتحدث منذُ ان عادت لا يستطيع التركيز لا يستطيع..

قال سريعاً وهو يفتح هاتفه: طيب انتِ عارفة صوتها وبتكلميها دايماً هتصل بيها دلوقتي واسمعيها وهي بتتكلم يمكن انا مش واخد بالي! انا مش عارف اركز ممكن؟
أومأت له بخفة وهي تراقبه بشفقة وحزن، هو لا يستحق كُل هذا لا يستحق..
وضعت جـنّـة الهاتف على أُذنها وهي ترتجف من كثرة البُكاء ثم تحدثت بحالةٍ مزرية وهي تشهق بوجه أحمر باكِ على وشك الاختناق: أ، لو..

تنبهت حواس جاسم وفتح مُكبر الصوت ثم نظف حلقة وقال بهدوء كان بمثابة نبرة باردة استشعرتها جعلتها تبكِ أكثر: ايوا يا عشق عاملة ايه؟، لن يأته رداً منها سوى صوت بكائها بحرقة بقلب منفطر بسبب ما فعله معها، مسد جبهتهُ بـ أعصاب تالفة وهو يستمع لها بقلب مُعذب فهو آسفاً لها آسفاً جداً..
قال بهدوء وهو يتنهد باختناق: انا بكلمك عشان تكلميني مش عشان تعيطي اتكلمي!

شهقت وهي تضع يدها على فمها ثم قالت بحرقة وتقطع وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة: انت، ليه، ليه، بتعمل فيا كده ليه؟، ليه؟
صرخ بها بغضب جعلها تنتفض محلها فوق الفراش: انا بسألك عاملة ايه دي مش إجابة سؤالي! انا غلطان اني كلمتك أصلاً، وأغلق الهاتف في وجهها وهو يزفر ثم قذفه على الفِراش وأمسك رأسه بقوة وهو يتنفس بعنف..

سقط الهاتف من بين يديها وهي تبكِ بحرقة حتى بحّ صوتها، عانقت الوسادة وضمتها بقوة وهي تستلقي على الفراش تبكِ وتشهق دون توقف وهي تبحث عن خطأ ارتكبتهُ جعلتهُ يعاملها بتلك الطريقة؟ هي ماذا فعلت حقاً لا تعلم! لِمَ لا يخبرها لكي تتفاهم معه لِمَ؟

ربتت تغريدة على كتفه بحنو وهتفت برفق: كل حاجة هتتحل ان شاء الله يا حبيبي متقلقش، ولو علي صوتها هو مختلف شوية عشان بتعيط وانا مش عارفة ومقدرش اقول حاجة مش متأكده منها دلوقتي اصبر شوية وكل حاجة هتبان، ريح اعصابك اليومين دول وبعدين ارجع فكر تاني، أومأ موافقاً وهو يمسح وجهه بيده بضيق لتتابع وهي تبتسم: انا حضرتلك الفطار عشان كُنت نازله السوق يلا إفطر وروق لحد ما أجي مش هتأخر، وتركته وغادرت بعد أن قربت الصينية ووضعتها أمامه على الفراش..

في القاهرة..
نزل مصطفى الدرج بهدوء وهو يبتسم حاملاً حقيبة سفرهُ بين يديه، وضعها في مؤخرة السيارة وهو يبتسم ومع إغلاقه للباب وجد والدتهُ تقف امامه تنظر له بحدة فاجأته حقاً في هذا الصباح الباكر؟
إبتسم بخفة وسألها باستفهام ممزوج ببعض التعجب عندما وجدها ترتدى ملابس رسمية: صباح الخير يا ماما! خير في حاجة كُنتي في حته؟

أومأت بخفة وقالت بهدوء: كُنت عند أبوك، هز رأسه بخفة وهو يقطب حاجبيه مراقباً سيرها إلى الداخل وهو يتساءل بنفسه، هل كانت في المقابر الآن؟ أم ماذا! و متى ذهبت كي تأتي في وقت مُبكر هكذا؟
كاد يذهب لكنها استدارت له وقالت وهي تنظر له بنفس النظرة الحادة التي كانت ترمقهُ بها: تعالى ورايا عايزاك..

قال معتذراً وهو ينظر في ساعة معصمه: معلش ياماما انا متأخرة كده ممكن اتصل بيكِ لما أوصل ونتكلم براحتنا!، هزت رأسها بنفي وقالت برفض وهي تقول بحدة: لأ عايزاك دلوقتي، رفع حاجبيه وهو يهز رأسه باستنكار! هل تظن أنه طفل وسوف يخاف منها ويركض خلفها أم ماذا؟
هتف بضيق وهو يستقل السيارة: آسف متأخر وده معاد طياره لما ارجع نتكلم لو رافضه الموبايل سلام..
وأدار المقود وانطلق من هنا نهائياً حتى إختفى..

هزت رأسها بأسف على تلك الشخصية وهي تنظر في أثره ثم هتفت باستياءٍ شديد: هتفضل طول عمرك غبي، وأخرجت هاتفها مع نهاية حديثها وهاتفت تلك الرخيصة كما أسمتها..
وصل إلى مسامعها صوتها الرقيق وهي تتحدث بلباقة لتبتسم بعصبية وقالت بتهديد وهي تصك اسنانها بغضب: سالى انا مش حذرتك وقولتلك تبعدي عن ابني؟

ابتسمت سالي بسخرية وهي تبعد شعرها المتطاير خلف اذنها أثر الرياح وهي تقف في المطار أمام سيارتها: سوري يا شهيرة هانم انتِ اللي بدأتي والبادي أظلم و متحاوليش تعملي أي حركة مش لطيفة معايا عشان مصطفي خاتم في صباعي و مش هيصدقك، ثم ابتسمت وتابعت بتسلية وهي تضحك: وأصلاً قبل ما تعملي حاجة هتلاقي ولادك بيتفرجوا علي فضايحك يا محترمة يا شريفة، وأغلقت الهاتف في وجهها ثم بصقت عليها بملامح مشمئزه واستقلت السيارة وظلت جالسة في الدفء تنتظر وصول مصطفي..

صرخت شهيرة بـ صوتٍ مكتوم وهي تركل الباب الحديدي بغضب جامح شاعرة بالدماء تغلي داخل عروقها بقوة، لا تطيق هذا الشعور! لا تطيق تُريد قتلَها وضربها لن تحتمل الجلوس هكذا! لن تحتمل..

في الصعيد وتحديداً السوق..

في وسط الحشود والمارين ذهاباً وإياباً في السوق المُزدحم، الذي يصرخ به كُل بائع ويصيح بالمارين كي يجذبهم إليه بما يبيع مما لذّ وطاب من الفواكه الطازجة والخضراوات النيِّئة، والأخر الذي يصيح بأسعارٍ بخسة الثمن كي يبيع الملابس الخاصة به المُعلقة بواسطة حبلٍ عريض وبجانبها بعض المفروشات والألحفة المزركشة الخاصة بالعرائس مُظهراً إياه بشكلٍ زاهي يجذب المارين ويجبرهم على النظر إليها..

وفي الأسفل متاجر جانبية لبيع الأسماك واللحوم ثم بعض المفترشين الأرضية ببعض الأعشاب والتوابل التي تُطيِّب الطعام، والصغار الذين يركضون في كُل مكان دون ان ينتبهوا بمن يصطدمون او يلتفتوا له حتى! فقط كُل مايشغل تفكيرهم، تلك الكُرات الصغيرة المُدحرجة المصنوعة من الزجاج والتي يبحثون عنها بتلهف كي يلعبون بها معاً..

وعند تلك العربة الخشبية البسيطة المتهالكة التابعة لهذا البائع الفقير الذي يُعلق فوقها بعض القلادات البسيطة الخاصة بالفتيان والفتيات معاً، وبعض الأساور، والأقراط، ومشابك الشعر، وبعض طلاء الأظافر ذات اللون الزاهي بـ ثمنٍ بخسٍ جداً، فـ كانت تلك العجوز الهرِم تجلس تتسامر مع ذلك الشاب خلف العربة تشكو له من الأيام وما فعلتهُ بها وخاصتاً ما حدث في ذلك المنزل الذي كانت خادمةً به يوماً ما، هي بالفعل مازالت خادمةً به إلى الآن، لكنها لا تفعل شيءً سوى الجلوس ومراقبة مايحدث حولها..

حركت يدها المرتجفة بـ حُكم عمرها فوق العصا الخاصة بها بخفة وهي تقول باستياء شديد وعلامات الانزعاج تكسو ملامح وجهها المُشبع بالتجاعيد =: وبس إكدِه خد المحروج شبيه الرِجال دِيه مرتُه ولبِسها كيف البِنِتِه وعلى يدي ديّ جبلها باروكِة بـ شعر مكَتكَت إلهي لايكسب ولا يستفاد وِلد النتِن دِيه وشيِعها ياخويِه وهملها هناك وحدِيها في بيت الصعيدي وجاعد في البيت كيف النسوان مستني الأخبار مِنيها ليه؟.

صمت الشاب ونظر لها باستفهام لتضربه بعصاها وهي تقول بحدة غير متماشية مع صوتها المرتجف: جولي ليه يا محروج؟!، ضحك وهو يسألها باستسلام: ليه عاد؟.

تابعت حديثها بـ همس وهي تلوح له أن يقترب: المحروج خليل مِفكِر إن عمّار أهبل ويخيل عليه ان الجربوعة ديّ ندي! ندي فلجة الجمر ده أني اللي كبرتها علي يدي ديّ بعد المرحومه امها ياحبِه عيني ربنا ينتجم منك يا خليل واشوف فيك يوم اسود من جرن الخروب، لاه أسود من الزِفت كيف وشك العِفش..
ضحك الشاب الذي بـ عُمر حفيدها ويبدو عليه الشقاء الذي أثقل كاهله وجعل منهُ شخصاً كبيراً مهموماً..

سألها باستفهام وهو يفكر: ومش بتجولي اكدِه في وشه ليه عاد؟
توسعت عيناها وقالت بعويل: واه؟ عاوزه يديني عِيرين في نفوخي عشان مجومشي منيها تاني عاد ولِّيه؟ أني بس بجولك بدل ما جنابي تِطَج من الكتمِة في نفسيّ يا ولدي وانتِه طيب وتصون السِر صوح؟، كاد يتحدث لكنه سمع صوت صياح فتيات رقيقات ويبدو انهن يتشاجرن على قلادةٍ ما..

إختطفتها عشق من يد نادين وقالت بشراسة وهى تضحك: لأ انا اللي هاخدها انا شوفتها الأول..
تذمرت تالين وهي تبحث عن غيرها تزم شفتيها بحزن: انتِ نوتي متكلمنيش تاني..

قهقهت ليلى وهي تراقبهما بابتسامة، مررت أناملها على أحدي القلادات وهي تتذكر هذا المكان المألوف بالنسبةِ لها، هي تذكر القليل فقط لكنها مُتأكده أنها كانت تُريد شيءً ما من هُنا في أحد الأيام لكن لا تذكر ماهو! لقد مرّ اثنان وعشرون عاماً على هذا! هذا كثير، وبالتأكيد كل شيء تغير حتى الرجل صاحب تلك العربة هل مازال حياً؟ يبدو أن من يبيع شاباً بالتأكيد هو شخصاً آخر لا يمت للبائع القديم بـ صِلة لا أحد سوف يظل في نفس المكان لـ سنواتٍ قليلة كي يظل اثنان وعشرون عاماً! هذا كثير جداً! لكن هل تلك المُربية مازالت حيّة؟ هي فقط تتمنى أن تكون بخير لأنها هي الوحيدة التي كانت تشفق عليها وتُحبها دون مُقابل..

توقفت تلك السيارة السوداء في جانب الطريق بعيداً عن السوق ببعض السنتيمترات القليلة فقط، ترجلت منها دهب وهي تسير بـ عجلة تبحث عن شيءً ما خاص أتت كي تشتريه سريعاً بنفسها ومن ثم سوف تعود إلى المنزل..
في منزل عمّار..
هتف قُصيّ بضجر وهو يتثاءب اثناء استلقائه أرضاً على العشب الأخضر مريحاً رأسه فوق فخذ آدم: فين القهوة يا عمّار مش شايف قدامي؟

اختفت ابتسامته وانزل الهاتف من يده بعد أن قطع قول هذا البغيض وصله تأمله للصورة وهتف بضجر: اهدي ماهي مش بتتعمل على الشمس يعني؟
كاد قُصيّ يتحدث لكنه لمح تلك الفتاة التي تأتي اتجاههم تحمل بين يديها الصينية، نظر لها عمّار وهو يبتسم بسخرية أثناء تقدمها بتمهل وبطء كي لا تسقط وجه القهوة لأنه أخبرها بكل بساطة إن سقط وجه القهوة سيضع وجهها هي داخل القدح عوضاً عنهُ..

سأله آدم باستفهام وهو يراها من بعيد: هي دي ندى؟
هز عمّار رأسه بنفي وهو ينظر لها بحدة وكم يرغب في ضربها حتى الموت، إنها شخصية مستفزة حتى ان كانت ندى هي مُستفزة ومُنفرة! مثل ليلى لكن شتان بين ليلى وهذه؟ ليلى تجعلة يرغب بها أما هذه تعجلة يرغب في التقيؤ عليها ودفنها حيّة!.

توقفت أمام آدم وهي تنفس بعمق، ثم انحنت قليلاً أمام آدم كي يأخذ القهوة لكنهُ ظل يحملق في وجهها باستفهام لأن عمّار أخبرهم أنها هُنا معهُ لِمَ يقول الآن انها ليست هي؟
زجرته بحدة عندما طال انحنائها ولاحظت نظراته لها: بتبحلج اكدِه ليه يا منسوَن انتِه؟!
ضحك قُصيّ وهو ينتصب جالساً ثم ربت على كتف آدم وقال مواسياً: معلش..
حرك آدم أهدابه وهو يفكر بقولها ثم قال باستفهام: انا كده اتهزقت صح؟

صاح قُصيّ بـ صوت مرتفع كي يسمع عمّار الذي كان مُنشغلاً مع ندى بعد أن أخرجها كي تستنشق هواء نقى: آدم اتهزق يا عمّار بتقوله يا منسون يانتن ده انت شبه عمّار إلحق، توسعت عيناها وقذفت الصينية من يدها بجانبهم وركضت إلى الداخل بخوف كي تختبئ هذا الكاذب هي لم تتفوه بهذا؟
ضحك قُصيّ بـ تسلية وهو يراقب ركضها ثم قالت باستياء عندما وجد القهوة تسيل فوق العشب: طب والقهوة؟

قضم عمّار شفتيه بغيظ وهدر بخشونة: والله ما انت شارب عنك مافوقت مش عاجبك روح بقي..
ضحك قُصيّ باستفزاز أغضبه أكثر ثم صمت وظل جالساً هادئاً لخمس دقائق فقط، تهللت أساريره وابتسم ثم قال بعبث عندما وجد نادين تأتي ركضاً إليهم: الكتكوتة جات يا عمّار، هقوم اشوفها عايزه ايه خليك مع ندي محتجالك..

توقف أمامها وقبل أن يتحدث تخطتهُ وهرولت إلى عمّار بوجه شاحب، ضحك آدم عليه بـ تسلية وصاح قائلاً: تعالي خبي وشك تعالى..
عاد قُصيّ أدراجه ذلك زير النساء، لكنه ذهب اتجاه عمّار، هو مُصر على هذا كما يبدو..

اختفت ابتسامة عمّار عندما رأى ملامح نادين الخائفة كاد يسألها ما خطبها لكن هي تحدثت أولاً بخوف وهي تلهث: إلحق يا عمّار مامي مش موجودة في البيت كُله، قطب حاجبيه وسألها باستفهام: ازاي يعني دورتي عليها كويس؟ ممكن تكون مشيت؟
هزت رأسها بنفي وقالت بأعين دامعة: لأ مستحيل تسبني وكمان شنطتها فوق وتالين وعشق كمان مش موجودين؟
غمغم قُصيّ بغضب وقال باستفهام: يعني ايه مش موجودة؟ راحوا فين؟

اتسعت عيناها بانفعال وشهقت بتفاجئ وهي تقفز ضاربة جبهتها بخفة ثم قالت سريعاً عندما تذكرت: الصُبح بدري اوي كلهم كانوا متجمعين هنا عشان يخرجوا والمفروض كُنت أخرج معاهم بس مش فاكرة حاجة ثانية مش فاكرة بس هُمه كده برا خرجوا برا..
مسح عمّار وجهه بغضب وهو يلعنهم فـ كيف سيأتي بهم الآن؟ كاد يتحدث لكنهُ وجد الغفير يركض باتجاهه ويبدو على ملامحه الخوف من ردة فعله..

هتف بلهاث وهو يخبره: إلحج جنابك في عربية من عربيات الضيوف ناجصِة ومش موجودِية!
توسعت عينا آدم وهتف بقهر: لأ، عربيتي لأ المفتاح مع تالين و مبتعرفش تسوق!
ربت قُصيّ على كتفه وقال بأسف: الدنيا جاية عليك النهاردة معلش..
في السوق..
وقفت المرأة العجوز وهي تتكئ على عصاها محنية الظهر تسير ببطء وهي تلهث، أمسك الشاب يدها وساعدها في السير وترك مقعده وهو يبتسم بهدوء..

استدارت ليلى وهي تبتسم لـ تختفي ابتسامتها ويرتجف قلبها عندما رأت تلك المرأة تبتسم برضى وهي تسير!، يا إلهي ما هذا؟ إنها هي مازالت حية؟ لقد كبرت كثيراً؟ لقد تجولت معها في السوق في طفولتها كثيراً انها هي حقاً!، لقد قابلتها بعد كل تلك السنوات!، هي لا تُصدق! لا تستطيع..
ضحكت بعدم تصديق وعيناها تذرف الدموع دون توقف وهي تضع يدها المرتجفة على فمها ماذا ستفعل الآن؟.

توقفت عن السير عندما وجدت تلك الفتاة تقف أمامها جامدة دون التحرك، رفعت رأسها بانزعاج وهي تقول بتعب ولهاث من السير: ايه يا بتى وسعـ، وتوقفت عن الحديث عندما رأتها تقف أمامها تبكِ وهي تنظر لها بحنو!
رفعت يدها بخفة وعدم اتزان وربتت على كتفها وقالت بحزن: بتبكِ ليه عاد؟

أبعدت ليلى يدها عن فمها وأعادت شعرها إلي الخلف وهي تنفي بـ هز رأسها وقالت بقلب يخفق بقوة: مفيش، مفيش انا كويسة، آسفة عشان واقفة في الطريق..
ضيقت المرأة عيناها وهي تنظر لها بتركيز، شهقت بخفة على قدر ما استطاعت أن تشهق ثم قالت بصوت مرتجف وهي تقترب منها بترنح: انـ، تيّ، ندى؟ ندى؟، هزت رأسها بنفي وهي تشهق ثم قالت بـ صوتٍ مرتجف وهي تحاول الثبات: لأ، مش أنا..

لكن المرأة أبت التصديق وهتفت بإصرار ووتيرة صوت أعلى: لاه انتيّ ندى أني وعيالك عاد وعارفِة انك مش عاتجولي انك رجعتي، واني مش عاجول لحد واصل توحشتك جوي يا بتي توحشتك، وتقدمت منها لكن ليلى ابتعدت إلى الخلف وهي تنفي بعصبية: أنا مش ندى قولت مش ندى!.
صاحت المرأة بغضب وهي تنفي: لاه انتيّ ندى متسبهاش تمشي ياولدي متهملهاش ديّ ندى!، هزت ليلى رأسها بنفي وهي تعود إلى الخلف ثم ركضت مبتعدة عنهم وهي تبكِ..

شهقت عشق بتفاجئ وصاحت باسمها: ليلى ليلى!، لكنها لم ترد، نظرت عشق إلى تالين ثم وضعت بين يديها مُفتاح السيارة وركضت خلف ليلى..
أنزلت دهب الوشاح عن وجهها ثم تقدمت من تلك المرأة العجوز بعد أن سمعت هذا الحِوار الشيّق..
حركت تالين أهدابها بتعجب وهي تحدق في المفتاح الذي بيدها لتدرك أنها أصبحت وحدها الآن؟ كيف ستتصرف؟ هي لا تستطيع القيادة لا تعرف؟.

اشتدت قبضتها فوقهُ وسارت في السوق وهي تنظر حولها بخوف شاعرة بالغربة وهي ترى الجميع مُختلفاً عنها! يرتدون الحجاب وعباءات واسعة منهم من تحمل فوق رأسها حقائب بعد تسوقها وأخرى من تسحب معها طفلين في يدها إضافة إلى تلك النظرات التي كانت تمسحها من أعلاها لأخمص قدميها لأنها مُختلفة! هي لم تشعر بهذا وهي تسير معهم لِمَ ركضت بعيداً ولِمَ الأخرى ركضت خلفها وتركاها وحدها؟ هي خائفة من أن تضيع وحدها وهي هُنا! انكمشت على نفسها كـ فرخٍ صغير وهي على وشك أن تبكِ..

شهقت بخضة عندما شعرت بيد توضع فوق كتفها، استدارت بخوف لتجدها امرأة لا تعرفها! نظرت لها باستفهام وخوف لتتحدث الفتاة وهي تبتسم تُعرف عن نفسها: محسوبتك صباح أني شغالِه عند سيدي عمّار شوفتك عِنديهم وِلجيتك تايهِه اكدِه جولت اجي اشوفك مِحتاجة حاجة ولا لاه!
امسكت تالين يدها بقوة مُكبلة إياها ثم قالت بامتنان كأنهُ تم إنقاذها الآن: الحمد لله يارب الحمد الله خديني معاكِ روحيني معاكِ..

أعادت المرأة العجوز مؤكدة وهي تضرب عصاها أرضاً: والنِعمة ديّ ندى يا دهب واني عارفة طبع الحسن دِيه ماهيفوتش عليِّه اكدِه! والختمة الشريفِة هي اسمعي منيّ أني اللى مربياهِه بيدي ديّ، هزت دهب رأسها بتفهم وهي تضم قبضتها بغضب جامح ثم وقفت وهي تتنفس بانفعال لكن المرأة أمسكت يدها وسألتها وهي تحرك رأسها: عاملة ايه ويا جوزك؟ حِبله في واد حلِيوِه كيف أبوه ولا بنتِه جمر شبهك اكدِه؟

زفرت دهب وقالت بسخط وهي تنزع يدها منها: خليكِ في حالك عاد وبطِلي رطرطة وحديت النسوان الماصخ دِيه ده انتيّ جربتي تموتي اتجي الله وبطلي حديت على اللي رايح واللي جاي يا مرة!، و تركتها وغادرت وهي تشتعل من الغضب وسارت في ذلك الاتجاه الذي ركضت به ليلى مُنذُ قليل..

توقفت وهي تلهث في زقاق ضيق مشابه إلى الذي علقت به المرةِ السابقة، تهاوت وسقطت أرضاً وهي تلهث وتبكِ بتقطع، وضعت رأسها بين راحة يديها وهي تنتحب ندماً بسبب خروجها لِمَ خرجت؟ ليتها لم تخرج! صحيح أنها كانت متوترة قليلاً لكن الآن أصحبت مُرتعبة ولا تستطيع التعايش مع هذا الشعور، لا تستطيع!.

الشيء الصغير إن عرفتهُ تلك المرأة التي تعرفها يعني أن جميع من في القرية عرفهُ الجميع بمعنى الجميع فهي لا تتوقف عن الحديث، لا تتوقف ولا يتوقف لسانها عن التحرك والتفوه بما يصِح أن يُقال وبما لا يصِح أن يُقال!، هي جيّدة بنقل الأخبار وجعل الشخص مشهوراً هُنا!

صرخت بصوت مبحوح ذعراً عندما شعرت بتلك اليد توضع فوق كتفها، هدأتها عشق وهي تربت على ظهرها برفق وسألتها بحزن ممزوج بشفقة: مالك بس بتعيطي ليه؟ والسِت الكبيرة دي كانت بتقولك ندى ليه؟
هزت ليلى رأسها وهي تشهق بحرقة وقالت باختناق وهي تتنفس بصعوبة: أنا، أنا، أعصابي تعبت، مش قادرة استحمل اكتر من كده مش قادرة عايزة امشي..

ترجتها عشق بأسى وحزن من أجلها هي تحوط كتفها: احكيلي مالك وصدقيني مش هقول لحد! قولي وريحي نفسك متتحمليش لوحدك!.
رفعت وجهها الأحمر الباكِ وهتفت بانهيار وهي تسأل نفسها: أنا، أنا، أنا مين؟، تأوهت عشق بحزن وعانقتها بقوة وهي تربت على ظهرها بحركة سريعة حانية كي تهدأ وقالت بترجى: خلاص إهدي إهدي متعيطيش، إهدي..

مر بعض الوقت حتي هدأ قليلاً وتوقفت عن البُكاء، رفعت رأسها ونظرت إلى عشق بأعين شديدة الإحمرار، لا تستطيع أن تلتزم الصمت أكثر من هذا، حركت شفتيها باستسلام وتعب من عدم البوح بكل مايثقل كاهلها وبدأت تقص عليها جميع ماحدث في حياتها مُنذُ ولادتها حتى تلك اللحظة..

وعادت تبكِ وتنتحب من جديد أثناء حديثها بانفعال وهي تتذكر تلك الذكريات المؤلمة التي جاهدت كي تنساها وتبدأ من جديد! لقد بدأت من جديد بالفعل لكنها عجزت عن النسيان! ليس كل الذكريات نستطيع نسيانها متى أردنا، هي فقط تذكرت الآن حديث عمّار عن التأقلم معهُ حق! فإن لم تنسي يُجب أن تتأقلم مع الألم كأنه شيءً من روتينها اليومي..

تارة كانت تتشنج ويتشنج جسدها وهي تعانق نفسها كي تشعر بالأمان وهي تخبرها بكم العنف الذي تعرضت له، وتارة أخرى كانت تتحدث بهدوء وهي تسند رأسها على الحائط تحدق في العدم كأنها لا تتألم كمن فقد الشعور ثم تعود إلى البُكاء بصوتٍ مرتفع متأثرة بما تقول وهي تخبرها بـ كم الألم والقهر الذي تشعر والإنكسارالذي بالرغم من أنهُ هو من جعلها قوية صامدة من الخارج لكنها لطالما كانت هشّة من الداخل وتظل تبكِ وحدها دون أن يستمع لها أحداً..

الحياة لن تُعلمها درساً قاسياً لا! بل جعلت كُل حياتها قاسية واجهتها وحدها، لن تستطيع نسيان تلك الطفولة التي كانت عبارة عن قهر وتعذيب من قِبل والدها كأنها خادمة في منزلها!، لتجد نفسها فجأة بين ليلي وضُحاها مُباعة، متزوجة وذاهبة بعيداً عن قريتها إلى المدينة، لقد كانت طفلة وأنجبت طفلة، ولا تفقه شيء والمُطالب منها أن تعتني بها..

هي حتى لم ترتدي دبلة كـ بقية الفتيات! هي لم تحصل على أقل الأشياء التي تتمناها أي فتاة ولو بسيطة حتى! فشلت في الحصول على كُل شيء، حتى المتعة! هي لا تذكر سوى بعض الأشياء من تلك الليلة أو لا تستطيع النسيان! فقط كل ما تذكر أن الغرفة كانت مظلمة حالكة السواد اشعرتها بالاختناق وفقط الآلام المُبرحة هي ما شعرت بها وصاحبتها تلك الليلة، كانت أضعف من أن تتحمل تلك الوحشية.

وكم العنف والقسوة حتى فقدت الوعي كـ جثة بين يديه..
لا تعلم ماذا حدث لزوجها بعد هذا لكنهُ لم يقترب منها مجدداً بعد تلك الليلة! هي لم تفهم في هذا الوقت لكن عندما كبرت وتذكرت تلك الليلة ونظراته المشفقة عليها فهمت وتوقعت أنه رُبما شعر بتأنيب الضمير بسبب كونها طفلة وهو كان بـ عمر جدها وليس والدها، لقد تم بيعها ببساطة من قبل والدها الجشِع، وهذا أكثر من كافي كي ترفض الزواج مجدداً بل تكرههُ وتخافهُ..

لكنهُ رغم هذا عوضها، جعلها تكمل دراستها كما تمنت وأصبح يُعاملها كـ ابنته لكن فقط لمدة شهرين ثم فارق الحياة وبعدها اكتشفت شقيقته أنها حامل، لقد كانت كبيرة هي الأخرى أيضاً لكنها ظلت بجانب ليلى وعلمتها الكثير من الأشياء وقامت بمنحها إسماً جديداً وأخبرتها ببساطة أنها ستكون ليلى المِنشاوي زوجة عبد الرحمن المِنشاوي!، وكي لا تفتقد اسمها ستقوم بتسمية ابنتها نادين وتكتفي بهذا وتنسى تلك القرية التي جاءت منها لأن لا أحد يقبلها هُناك ولا حتى والدها وهي لن تعود لأنها ستبدأ حياة جديدة، سوف تكون سيدة مجتمع راقى ليست بحاجة إليهم مجدداً؟.

ولن تكذب لأن هذا كان أكثر الأشياء راحة على الإطلاق وقد جعلها تطمئن وتشعر بالسلام، فلن يجدها أحداً وإن بحث سيبحث بإسم ندى ولا وجود لها لن يجد ندى ندى ماتت مُنذُ أن خرجت من هُناك..

لكن شقيقة زوجها فارقت الحياة بعد خمس سنواتٍ فقط وتركتها وحدها، كان عمرها في هذا الوقت عشرون عاماً وكانت نادين في هذا الوقت طفلة تبلغ أربع أعوام فقط، ومن هذا الوقت وهي وحدها ولم يبقى لها أحد سوى نادين أصبحت هي كُل شيء بالنسبةِ لها، انهت دراستها كاملة وبدأت بالعمل في مجموعة الشركات الخاصة بزوجها مع سعيد، كان هو من يُديرها في هذا الوقت حتى تكبر هي وتفهم وتستطيع التعامل مع الأمور وظل معها خطوة بخطوة يُعلمها عندما كانت في عُمر الزهور..

كانت جميلة ومتوهجة رغم حُزنِها العميق لكنها كانت جميلة لهذا أحبها، ولم يمل يوماً من طلب الزواج منها رغم رفضها كل مرة بحدة أكثر من سابقاتها حتى الآن..

وظلت حياتها روتينية من العمل الى المنزل وفي بعض الأحيان تذهب الى النادي صباحاً، وأحياناً تذهب كي تمتطي الخيول وشاركت في سباقات من قبل، وأحياناً أخرى كانت تسافر هي ونادين معاً في مناطق ساحلية، وكي تكسر الروتين عندما تختفي نادين مع أصدقائها كانت هي تذهب إلى حفلات العشاء الخاصة بالعمل فقط هذا، حتى مرت الأيام والسنوات وقد كبرت!.

أدركت في وقتٍ قريب فقط أنها غير قابلة للبدء من جديد، بدء أي شيء! لقد اعتادت على كونها وحيدة ولا تُريد أن يُشاركها أحداً هذه الوحدة ويكون أنيسها..
هي فقط لا تستطيع بدء حياة لم تعشها قبلاً ولن تُجازف بفعل هذا الآن بعد هذا العُمر؟.

لأنها و ببساطة لن تحيى عُمراً فوق عمرها كي يكون لديها مجال للندم و تصليح الأمور!، إنها مُتعبة ومُرهقة ولا تستطيع الخوض في كل هذا لأنها تشعر أنها صغيرة كثيراً أمام شيء يُسمى بالحُب ولا تُريد أن تُجرب! لقد قضت حياتها تتعذب من شعورها بالكُره تجاه والدها ماذا سيحدث إن أحبت إذاً؟! هي تكتفي فقط برؤية ابتسامة نادين وسعادتها هذا كافي وكثيراً بالنسبةِ لها، يُجب أن تفعل وتحقق لها كُل ما تُريد، لن تجعلها تواجه ما واجهته هي، إن جرحها يطيب عندما تجد نادين سعيدة..

لن تنكر رغبتها في الموت كل لحظة وتفكيرها الدائم بالانتحار بسبب تلك الذكريات التي تطاردها حتى في أحلامها، تؤرق حياتها ومهما حدث وكُلما تقدمت خطوة تخبر نفسها أنها لن تستطيع الهرب منهم قط ستظل عالقة في سراب تلك الذكريات طوال حياتها، الموت أفضل بالنسبةِ لها..

لكن عندما تستيقظ صباحاً وتخرج من غرفتها التي قررت بها كيف سوف تموت تجد نادين تعانقها بنعومة وهي تبتسم قائلة بكل رقة صباح الخير !، كيف من المفترض أن تتركها وحدها في هذه الحياة؟ لم تجرؤ على التفكير في الموت مجدداً بعد هذا وذهبت إلى طبيب نفسي..
نادين هي من تجعلها تشعر بالتحسن، تشعرها أنها تملك هدفاً لا تحيى هباءاً في هذه الحياة، تفعل ما كان والدها سيفعلهُ معها إن كان حياً..

ترد له قليلاً من فضله عليها وانتشالها من تلك الحياة..
لا يهم هي ماذا فقدت؟ لأنها بالتأكيد لن تحصل على كُل شيء في هذه الحياة! هي تفقد لتحصل وقد كانت نادين هي جائزتها والتي لا تجعلها تندم وتحزن على شيء أصبح من الماضي الآن، هي معها وأجمل ماحدث لها ويكفي هذا، هي لا تفكر ولا تعبأ سوى بـ جعلها سعيدة وجعلها تُحقق ما عجزت هي عن تحقيقه..

ليظهر عمّار الآن، كي يقلب حياتها رأساً على عقب، ويُريد أن ينتزع طفلتها منها بكل بساطة كي يُدمرها هُناك! هي قطعة من قلبها!، لقد جُنّ!

هي فقط لم ترى عمّار سوى تجسيد لشخصية والدها القاسية وصورة أخرى منهُ، قاسي متحجر القلب لن يُشكل معهُ فارقاً إن كانت الفتاة التي معهُ رقيقة أم متحجرة مثلهُ؟ الجميع سيان هُنا ولا أحد مُختلف، وهذا ماكان يجعلها تتخطى الحدود في حديثها معهُ وتجرحه بالكلمات هذا إن كان يشعر من الأساس! كي يترك ابنتها! لكن هو فقط لا يُريد أن ينهزم ويبتعد من قِبل امرأة لا أكثر! لأنها نكرة بالنسبةِ لهم..

صحيح أنه غيَّر نظرتها عنهُ قليلاً عندما أتت إلى هُنا لكن هذا لم يُغيِّر كونهُ مازال قاسي يجعلها تخشاهُ وتنفر منهُ وتكره الحديث معهُ..

لأنهُ لا يتحدث سوى بالوقاحة وبطريقةٍ قذره كـ شخصٍ مُنفلت لا يعرف معنى الإحترام إضافة إلى أنه صفعها، و لم يُعاملها سوى بقسوة وهمجية ووقاحة غبر عابئاً بـ فارق العُمر بينهم! وفي النهاية عندما يتحدث بهدوء يخبرها أن تتأقلم ولا تسأله التغيُّر بكل غرور كأنهُ ملِك الكون ولا يُحاسب وهو ليس سوى شخصاً أصغر منها لن تنظر له سوى نظرة مُتدنية تستصغرة بها!.

لا تعرف حقاً من أيّ جحيم ظهر لها كي يفعل هذا بحياتها ويأتي بها إلى هُنا رغماً عنها ويجعلها تصرخ على طفلتها بقسوة كُلما تحدثت معها؟، لعين تكرههُ بشدّة..
لقد أخبرها أن تُقابلهُ إن خرجت من هُنا، لقد سخِرت منهُ في هذا الوقت وأخبرته بكل غضب أنها سوف تقابلهُ الخنزير! لكن يبدو أنهُ معهُ حق ولن تخرج؟

هو أصبح كابوساً في حياتها مُنذُ أن علمت علاقتة بـ عائلتها، هي هالكة إن علم حقيقتها! هو أخبرها أنهُ يكره الكذب والاستخفاف به وهي بكل بساطة كانت تجلس تُحقق معهُ بخصوص ندى، كم هي ذكية وفعلت خير للمستقبل الأسود الحالك الذي سوف تراه على يديهِ دون مُبالغة، لكن في النهاية هو لن يستطيع تدمير شخصاً مُدمر! لا تملك ما تخاف وتحزن عليه سوى نادين وهو يحبها ولن يقسو عليها، لكنهُ حقيراً أيضاً ولا تثق بما قد يفعل؟

محت عشق عبراتها وهي تكتم شهقتها حُزناً عليها وتأثراً بما سمعت وحقاً لا تتمنى لها سوى حياة أفضل لأنها تستحق، لقد تعبت..
أمسكت ليلى يدها بقوة وهي تقبض عليها بخوف وهتفت بحرقة: أنا خايفة، عمّار مش هيسبني لو عرِف مش هيسبني..

=: مش عمّار لوحدِيه!، تجمدت الدماء في عروقها وشحب وجهها وتيبست محلها عاجزة عن تحريك جفنيها حتى ازدراء ريقها لم تستطع فعلهُ، هذا صوت دهب! لقد سمعت كل شيء! هي ميتة لا محالة دهب سوف تقتلها، لا تحتاج إلى توصية..

رفعت رأسها ونظرت لها بحزن رُبما تستعطفها لكنها لم تقابلها سوى بنظراتها القاسية الباردة التي تنبئها بما سيحدث معها، بالتأكيد سوف تضربها الآن كما كانت تفعل مع ندى كُلما رأتها، حركت شفتيها وكادت تتحدث لكن دهب انحنت وقبضت على معصمها بقوة أوقفتها معها بعنف وهي تهزها بين يديها كـ ورقة رقيقة ضعيفة تتخبط مع الرياح: بجي بتلبسينا كُلِنا العِمِة يابت المحروج؟

ترجتها ليلى بصوت مبحوح وعيناها تفيض من الدمع وهي تسمك يدها عندما وجدتها تسحبها خلفها بقسوة وعنف: دهب، اسمعيني، اسمعيني، صرخت بها بعنف وهي ترفع يدها كي تصفعها وتلقائياً أخفت ليلى وجهها بخوف وهي تشهق مستمعة لقولها الحاد المُحذر: مسمعش حِسك يا محروجة اجفلي خشمك دِيه..
كتمت شهقتها وسارت معها دون أن تنبس ببنت شِفة وقد ذهبت عشق خلفها وهي تمسك يدها بخوف عوضاً عن طمئنتها هي..
بعد مرور نصف ساعة..

غمغم عمّار بغضب وهو يركل إطار السيارة بقوة، هو قلق عليهم والبغيضين يرتديان ملابس في الداخل بكل هدوء وبرود..
زفر بضيق وهو يراقبهما كيف يتقدمان منهُ: انتوا رايحين تدوروا على ناس تايه مش حِنة خالتك هي انت وهو!
قال قُصيّ وهو يغلق أزرار قميصه: عشان الشكل العام بس!

سخر منهُ بسخط: شكل ايه هو حد هيعبرك أصلاً؟، كادت قُصيّ يرد عليه لكن قاطعهم دخول سيارة من الباب الرئيسي، تنبهت حواسهم ونظروا إلى السيارة في ترقب لـ تترجل منها صباح وهي تحمل معها بعض الحقائب ثم تالين خلفها جعلت آدم يتنفس الصعداء براحة، وانتظرا الأثنان الآخرين! لكن السيارة فارغة..

اعتدل عمّار بوقفته بقلق عندما لم يجد ليلى معها، ركضت تالين باتجاه آدم وعانقته بقوة كي تطمئن وتهدئ من روعها، ابتسم قُصيّ بعبث وهو يراقبها يبدو أن هذا الخبيث نجح حقاً، هو يُخطط منذُ وقتٍ طويل..
سألها بقلق وهو يربت على وجنتها عندما رأى وجهها باهتاً: انتِ كويسة؟ كُنتي فين؟
وضعت مُفتاح للسيارة بين يديه وقالت بحزن وهي تزم شفتيها: العربية سِبتها في السوق وجيت علي هنا عشان خوفت أفضل لوحدي هناك!

تقدم عمّار وسألها باستفهام مشوباً بقلق: هُمه مش كانوا معاكِ؟
أومأت مؤكدة ثم تابعت باعتذار: احنا كنا في السوق ليلى كانت واقفة بتتكلم مع واحدة ضايقتها باين مش عارفة مكنتش مركزة اوي بس هي عيطت وبعدين جريت على طول وعشق جريت وراها..

تركهم عمّار بملامح متهجمه، ثم استقل السيارة وأدار المقود بعصبية وهو يفكر بها كيف ستكون الآن!، تم فتح الباب له ليتحرك لكنه توقف وأغلق المقود عندما رأى عشق تتقدم وبجانبها ليلى تسير ببطء وهي تترنح بعدم اتزان كأنها تتحامل على نفسها كي تسير!

ترجل من السيارة وصفع بابها بقوة وانفعال بسبب هذا الاهمال وعدم المسؤولية، توقف أمام السُلم قبل أن تصعدان عليه وهتف باستفهام وهو يرمقها بنظراتٍ حادة: انتوا كنتوا فين؟
ازدردت عشق ريقها وظلت صامتة تعبث في أصابعها بارتباك ثم تترك يدها وتبعد شعرها خلف أذنها بعد أن تنتهى بتوتر وهي تتحاشى النظر لهم..

بينما ليلى كانت تقف جامدة كـ صنم لا تتحدث كأنها تلقت صدمة عمرها الآن، فقط حركت رأسها ونظرت إلى عمّار بجمود صانعة تواصلاً بصرياً معهُ بأعينها الحمراء الدامية التي تحرقها بشدّة دون تعبير ولا مبالاة، ولا تعلم من أين لها تلك القوة التي تجعلها مازالت صامدة وتقف على قدميها بينما قلبها يخفق بقوة مؤلمة وجسدها يرتعد من الخوف و رؤيتها مشوشة وضبابية..

تفحص عمّار هيئتها بناظرية من أعلاها لأخمص قدميها باستفهام للمرة المئة في تلك الثوانِ القليلة، لقد نسي مظهرها بـ شعرها المُصفف حقاً إنها أجمل بـ شعرها المُجعد، لكن لما حالتها مُذرية بتلك الطريقة؟ البُكاء واضح جداً عليها!، لِمَ البُكاء ماذا حدث؟.

عشق هي من ردت بهدوء: كُنا في السوق و الجو كان زحمة بس وفي كلب جري ورانا عشان كده سِبنا تالين، رفع عمّار حاجبيه وهو يعقد يديه أمام صدره لأن كُل ما تقولهُ كذب ولا يوجد جراء في السوق و مُنافي لقول تالين أيضاً!.
بينما تالين نظرت لها بخذلان ولوم لأنها هكذا ستكون الكاذبة أمامهم!
سألها عمّار باستياء: خرجتوا ليه أصلاً..؟
قالت عشق بسخط وهي تقلب عينها: عشان عايزين نخرج عايزين ايه يعني؟

نظر لها عمّار بغضب بسبب تلك الحركة التي يكرهها لكن قُصيّ تدخل وجذب عشق بجانبه عندما سحبها من خصرها إليه، ولم يُصدق حرفاً مما قالت أيضاً هي مُراوغة ويعرفها جيّداً وتلك التالين البريئة صادقة يعلم هذا..

لـ يتبقى له فقط ليلى، كان عمّار يتقدم منها ببطء وهو يتفرس ملامحها بنظراته الثاقبة المستفهمه وهو يراها تترنح في وقفتها و فقط بقي له خُطوة واحدة كي يصل أمامها، لكنها أسقطت قلبهُ عندما تهاوت وسقطت فاقدة للوعي في أحضانه..

حملها بين يديه بقلق و هتف بإسمها بلهفة: ليلي، ليلي، هز رأسهُ وهرول بها إلى الداخل، تحركت عشق بقلق لكن قُصيّ شدد قبضته حول خصرها وقال بخبث: لا يا قمر انتِ هتيجي معايا الأول عشان نصفي حسابنا و بالمرة نبعتلهم مايه بـ سُكر تعالي، تعالي، وسحبها خلفهُ عنوة أثناء مقاومتها الضعيفة له..

تنهد آدم ثم وضع يده على كتف تالين الشاردة بحزن واقترح عليها وهو يبتسم: تيجي معايا وانا بجيب العربية؟، أومأت بحماس وهي تبتسم ليقرص وجنتها بخفة ثم أخذها وغادر..
جلس على الطاولة المقابلة إلى الأريكة بعد أن أراح جسدها عليها، أبعد خصلات شعرها خلف أذنها وهو يتنهد بحزن لا يعلم مصدرهُ، لأن حالتها هكذا لا تروقهُ بتاتاً، ماذا حدث في الخارج؟ ومع من تحدثت؟، لِمَ هي غامضة هكذا؟

مرر أنامله على وجهها المتورم بخفة كـ قطعة زجاج يخشى عليها اللمس مستشعراً نعومته أسفل أنامله، داعب وجنتها المتوردة الرطبة أثر البُكاء الشديد و عيناه تتوهج ببريق جديد من نوعٍ آخر كأنهُ أدرك الآن أنها تعني لهُ شيءً ما، بل تعني له الكثير..

رفع معصمها وقام بـ تحسس عرقها النابض بأناملهُ وهو يميل عليها بجذعة لتضرب أنفاسها الدافئة المنتظمة وجنته، حسناً هي بخير أم يصفعها كي تستيقظ؟، تنهد وهي يرفع جسده ليقطب حاجبيه عندما أبصر القلادة حول رقبتها!.
ابتسم و التمعت خضراوية ببريق وهو يرفع القلادة بين يديهِ، كيف وجدتها؟ هل هي مهمة بالنسبةِ لها كي تبحث عنها وتجدها؟ كيف وجدتها حقاً؟ لقد ألقاها ولم يبحث عنها!.

زفرت ندى المُزيفة وهي تتقدم منهما تحمل بين يدها كوب به مياه قامت بـ تذويب بعض السُكر داخلهُ وكم تمنت لو كان سُم قاتل لأيّ شخص سوف يأخُذهُ لا يُهم..
هزت شفتيها للجانبين بشعبية عندما رأته يجلس أمامها بهذا الهدوء ويميل عليها بتلك الطريقة المُثيرة للريبة، توقفت أمامهُ كأنها سوف تُحادث شقيقها الحنون الذي يمزح معها وسوف يشكرها الآن..

مدت يدها بالكوب بحركة سريعة أسقطت بعض المياه فوق قدمه وهي تقول بامتعاض: اتفضل..
نظر إلى قدمه قليلاً وهو يبتسم بإجرام ثم وقف لترى فرق الطول الشاسع بينهم، ازدردت ريقها بخوف وهي تعود إلى الخلف شاعرة بالرهبة، كادت تستدير وتذهب لكنه قبض على شعرها بقسوة وهو يعيدها أمامه لكن شعرها هو من عاد معهُ لقد اقتلعهُ دون أن تصرخ! فقط شهقت؟!.

رفع حاجبيه وهو يحدق في الشعر المُستعار المُجعد الذي خرج بين يديه لـ تنسدل خصلاتها الناعمة أمام ناظرية؟!.
إبتسم بعصبية وعضلات صدره تنقبض وتنبسط بانفعال مُحاولاً إقناع نفسهُ أنه لم يكن مُغفلاً إلى تلك الدرجة؟.

لهذا السبب لم تتألم في المطبخ وهي تشدّه بقوة حتى اقتلعته أمام ليلى كي تقول انها من فعلت بها هذا! لقد تلاعبت به هي والشيطان الآخر! هو اكتشف قبلاً أنها ليست ندى لكن لم يتوقع أن يصلوا إلى تلك الدرجة؟ هل يرونهُ أحمق؟ هو أحمق في نظرهم! وقلبه اللعين الغبي الذي صدق في البداية هو ما أوصلهُ إلى تلك المرحلة! تلك النتِنة استصغرتهُ وضحكت عليه..

صدره، صدره يتأجج بالنيران الآن، وعيناه لهيباً مُشتعلاً، هي من كتبت نهايتها بيدها هي من فعلت هذا!.


تااااابع ◄ 

أحدث أقدم

نموذج الاتصال