-->

رواية الحرب لأجلك سلام الفصل الثالث

 

 

 في قصر آل نصير
ضجه مريبه في ذلك القصر اللعين المشحون بكافة النوايا الخير منها والشر .. الحب والكره .. خليط من النفوس يمتزجان بين جدرانه .. دلف ذلك العجوز الذي شابت دوائبه واوشك شعره علي السقوط محمحما بنبرة صوته المخيفة .
- يابت .. فين الغدا عااد..



اتت ابنة عمه وزوجته ( ناديه ) التي اجبرت علي الزواج منه بعد وفاة زوجها اخيه ( سلمان ) قائلة بلهجه صعيديه يتوارى خلفها جيوش من القهر والحزن
- خبر ايه اومال حسك عالي ليه اكده ؟!
نظر لها بعيون يتوهج منها النيران ثم هدأ لبرهه راسما ابتسامه واسعه
- بقينى عال ياناديه !
شعرت كأن قلبها يعتصر ولكنها حافظت على هدوئها
- عمر ما حاجه كسرتنى ياولد عمى !

- كنت مفكر موت بتك هيرقدك .. بس طلعتى قادرة ..
آهات وصراخات مكبوته غليت بجوفها ولكنها تجاهل كل ذلك بابتسامه باهته
- بتى عند اللى احن منى عليها .. لو النواح هيرجعها كنت بكيت بدل الدموع دم .. بس امر ربك شاء .. وياعالم الدور على مين !
تحمحم بارتباك كأن غصه علقت بحلقه فتجاهلها بصوته العالى هاتفا
- شيعو لى حد من البنات لشيخ الغفر تخبره اني عاوزه دلوق ..

نظرت له بعيون ضيقه
- عاوز اي من شيخ الغبره دا يا زيدان .. اكمنك ماعتعوزهوش غير لما يكون في مصيبه
نهرها بحده: انتي كمان هتتسايري معاي ياك ! نفذي ياوليه .. ويلا هاتولي الوكل علي الجنينه .. وبلا شغل حكم ومواعظ .
قال جملته الاخيره بعد ما وصل الي اخر السلم حتي وقف امامها متوعدا
- بقيتي عتزني كتير ليه اكده يا (ناديه ) ومش مطمنلك..

نظرت اليه بضيق وحنقه فإنها تكرهه وتكره انفاسه الملوثه بدماء البشر كما تكره الاسماك تكدير مياؤها .. انصرف من امامها حتي سارت في خطوات متباطئه لتنفيذ اوامره كشعب كسيح ضعيف يُلبي اوامر ظاغية قائلة لنفسها
- قادر علي الظالم والمفتري .. اللهم قوة ..
جلس ( زيدان ) علي مقعده الخشبي بجنينه قصره شاردا في امرا ما بكامل هدوئه واتزانه
- صباح الخير يابوي..

قالها ابنه الصغير والوحيد صاحب السبع سنوات مرتديا جلبابه الصغير (ايوب) .. اعتدل (زيدان) في جلسته مبتسما
- صباحك فل ياسبع الرجال .. تعالي اهنه اقعد جار ابوك
اتجه الصغير نحوه بخطوات هادئه ثم جلس بجواره
- صوح يابوي انت ليه مش عاوز توديني المدرسه زي عيال النجع .
قطب حاجبيه بضيق وهو يربت على كتفه بثقل..

- جري لنفوخك ايه انت ! علام اي اللي عاوز توجع راسك بيه .. خليك زي ابوك وضهره ياولدي وراعي ارضك ومالك .. العلام ماعيجيبش غير الفقر ..!
اجابه ( ايوب ) ببراءه: بس انا حابب اتعلم كيف ما وصتنى عمتى خديجه كانت تقول لى لما تمشي اوعاك تبطل تروح المدرسه ياايوب ... و خالتي (فجر ) كمان يابوي كانت تقول لى اكده عشان العلام زين قوي .. وعيصنع الرجال..

ارتفعت نبرة صوته:عمتك خديجه الله يرحمها ... وخالتك (فجر) دي شفهمها .. الارض والقرش هما اللي عيصنعوا الرجال غير اكده لت حريم عمال علي بطال .
قال ( ايوب ) بحزن بعدما تبادرت دموعه بالجري علي خده
- طب هي ( خالتي فجر ) فينها هي وعدتني انها هتيجي تسكن اهنه وتعلمني كيف اقرا واكتب .. ومجاتش ليه
هاج به كما تهيج فحول الجمال جعل جسد الصغير يرتجف من مجلسه..

- جرلك اي انت ! يا نووورا انت يابت
ركضت نحوه مهروله
- خير خير ياابو ( ايوب ) حوصل ايه؟
- تعالي شوفي ولدك ماله جري لمخه ايه .. قال عاوز يتعلم ويروح المدرسه وكلام فراغ .
ندبت نورا زوجته علي وجنتيها
- كيف عتقول اكده يا (ايوب) واحنا لينا غير الارض ياولدي!

انسكبت دموع الصغير بحراره ثم قام متأهبا للذهاب
- انا عقولكم عاوز اروح المدرسة زي عيال النجع ماعتروح .
ترك الصغير مجلسهم وغادر .. اهتز كيان ( نورا ) خوفا من نظراته المتوهجه ثم قال لها بنبره تحذيريه
- طبعا عارفه انتي هتعملي ايه ؟!
اومأت رأسه بالموافقه قبل ماتركض خلف صغيرها: تقلقش تقلقش ياحبيبي .. دا عيل صغير مفاهمش حاجه .
ضرب الارض بمؤخرة عكازه قائلا لنفسه..

- قال علام قال ! ماشي ياست ( فجر ) اما جبتك راكعه تحت رجلي مابقاش انا ( زيدان نصير ) .
قطع حبال شره قدوم ذلك الشخص الضخم المريب الذي وقف امامه منحنياً
- صباح الخير ياجناب العمده .. قولوا لي انك عاوزني خير !
اشار له بعكازه
- تعالي يا(رفاعي) اجعد اهنه عاوزك في كذا مصلحه اكده.
* خدامك ياجناب العمده .

اخفض ( زيدان ) نبرة صوته: في ظابط في المركز حاططني في راسه .. اسمه ( هشام السيوفي ) عاوزك تجيبلي قراره
اومأ بحماس: اعتبره حصل ياكبيرنا .
اكمل ( زيدان ) حديثه
- وبيقولوا البت (فجر ) هربت في عربيته عاوزاك تتاكدلي من الحديت ده
قال متوعدا: نهار ابوه مربرب !

( زيدان ) متوعدا: هو هيكون ربراب فعلا لو منفذش اللي عاوزه منه .
- يومين جنابك اكون جبتلك قراره .
* مع انهم كاتير ..بس ماشي يومين يقلوا مايزدوش .. المهم عاوزك تجيبلي نجار عقر الليله .. يده تفوت في الحديد .
- اعبتربه حصل .. اي اوامر تانيه ؟!
وضع ( زيدان ) ساق علي الاخري: نفذ دول اكده وتعالي عشان شكله اللي جاي شغل ع كبيرو

- الباشا بتاعنا مين مزعله !
قال (خالد) جملته الاخيره بعدما ارتسم علي ثغره ابتسامه عريضه خارجه من صخور حزنه .. اصبح شبحا هاربا فى ضباب الغموم الى حجرة ( ايوب ) .
اجابه بنبره محشرجه واشيه بقرب بكائه
- انا عاوز خديجه ترجع يا خالد .. اتوحشتها قوى
خنجر من الذكريات غُرز فى منتصف صدره، كل من حوله يمر على جروحه المضمده بضماد مؤقت .. لاجل تتفرغ فيه كل الاوجاع .. تعكز على بقايا الاحرف الخارجه من جوفه قائلا.

- خديجه كانت متفقه معانا انها هتمشي مش هترجع تانى ... بس هى شايفنا واحنا ف ايدنا نعمل كل حاجه تفرحها ..
رد ايوب بطهر طفولة دنس بذيول الايام قائلا
-ابوى مش عاوزيني اروح المدرسه يا ( خالد ) وانا حابب اتعلم كيف ماقالتلي خالتي ( فجر ) .
استدار (خالد) بجسده ليغلق الباب
-انت هتبكي يااك ! من ميته رجالة النصرانية عيبكوا !

* يا ( خالد ) هسالك سؤال وترد عليّ .. هي صوح خالتي ( فجر ) هربت من النجع ومش معاوده زى خديجه ؟!
جلس ( خالد ) بجواره مرتبًا علي كتفه بحنو
- ايوة هو اكده .. هي سابت البلد عشان ظلم ابوك .. بس اكيد راجعه
- بس هي وعدتني انها هتيجي اهنه وتعلمني كيف اقرا واكتب .. كيف تمشي ومتوفيش بوعدها ؟!
طافت عيني ( خالد ) في جميع ارجاء الحجرة ثم تنهد قائلا
- عشان لو قعدت اهنه كانت هتظلم نفسها قوي يا (ايوب)
* طب اقول ايه ماتيجي نهربوا احنا كمان ونروح عندهِا ؟!

ارتسمت بسمه ساخرة علي ثغره
- ينفعش الحديت اللي عتقوله ده يا(ايوب) .. الرجاله ماعتهربش .. الرجاله بيواجهه لحد اخر نفس فيهم اوعي اسمعك تقول نهربوا دي تاني دي ارضك وبلدك ياعبيط.
اجابه بحنقه
* طيب هو انت مش عتعرف تقرا وتكتب ؟!

اومأ ( خالد ) راسه ايجابياً ثم اكمل (ايوب) حديثه بحماس
- وانا كمان عاوز ابقي زيك .. يبقي خلاص تعلمني اقرا واكتب كيف ماكانت( فجر ) هتعملني .
اخفض (خالد) صوته اشبه بالهمس
- اتفقنا بس ده يفضل سر بينا .. وعد
ارتسمت بسمه واسعه علي ثغر الصغير هامسا بحماس
* اتفقنا .. وعد

تجوب غرفتها بخطوات اشبه بالجنون .. تبتلع ما تقع عينيها عليه من مهدئات وغيرها
رهف مواسيه: ياماما اهدي متعمليش في نفسك كده .. دى عادة هشام ولا هيشتريها يعنى .!
- الله يسامحك يا(عماد) دمر حياتنا كلنا واولهم (هشام) زرعه في القسوة وحب النفس وفوق كل دا البرود .. البنت منهاره في بيتهم وهو بمنتهي البساطه بيتكلم ولا كإنه عمل حاجه .

رهف ربتت علي كتفيها: طيب اهدي طيب اكيد حصل حاجه تانيه مابينهم منعرفهاش .
انفعلت (عايده) وهي تدفعها بعيدا عنها
- هو اي اللي حصل منعرفهوش ! باينه زي الشمس اهي .. شمس الحب مابتبهرش اعمي .. وسيادة الرائد اخوكي اعمي البصر والبصيره .. لوح تلج !
عقدت ابنتها ساقيها في منصف مخدعها وظلت تراقبها بنظرات متحيره كمن يراقب مجنون فقد عقله .

اعدت ( فجر ) القهوة ووضعتها امامه ثم تراجعت خطوات قليله للخلف وهي تراقبه بحدقتي عينيها .. تحركت شفتيها لتحدث
- ممكن اتكلم مع خطيبه حضرتك طيب وانا هفهمها والله كل حاجه عشان والدتك كمان شكلها مضايقه .
رفع حاجبه مبتسما
- لا متقلقيش الموضوع ملهوش اي علاقة بيكي..

اصابتها الدهشه لابتسامته الاشبه باللون الزهري في عزاء جميع حضوره منغمسين في اللون الاسود .. كلماته وابتسامته زادت مؤشر الفضول بداخلها
- طيب ممكن اعرف اي سر الابتسامه دي .. انت لسه متخانق علي فكرة
لم يرفع نظره اليها قال ساخرا
- ممكن اعرف انتي مركزه معايا ليه ؟!

ابتلعت ريقها: لابدا بس هدوء حضرتك مثير للفضول الصراحه
اجابها ببرود
- اول قانون للي بيشتغلوا في بيت (السيوفي) يكونوا لا بيسمعوا ولا بيتكلموا ولا بيثار فضولهم .. اظن ان كلامي واضح؟!
هزت كتفيها بلامباله
- تمام ! انا عملت اللي عليا المهم مكنش سبب في اللي حصل
انفجرا ضاحكا: بصراحه انا اللي ممنونلك
كلماته اثارت فضولها اكثر: هو حضرتك مكنتش بتحبها يعني ؟!

مط شفتيه ساخرا: احبها ! مش هشام السيوفي اللي يحب
- اومال كنت هتتجوزها ليه؟!
وقف امامها مستديرا بظهره ناظرا لاعلي
- ولا كان ليا مزاج اتجوز .. وكنت عارف انه مشروع فاشل من اوله .. بس كنت حابب اكسر روتين..
رفعت ( فجر ) حاجبيها متعجبه
- اومال اتنرفزت مني ليه لما كلمتها .

قهقهه ساخرا متجاهلا سؤالها ومازال مستديرا بظهره لم يرفع انظاره اليها
- وضيفي كمان ان مش ( هشام السيوفي) اللي بيأمن بالصدف .. وكنت عارف ان وراكي مصيبه قولت هتشوفي السجن والموضوع كبير هتقري .. بس عاندتي !
تفاجئت من اسلوبه المستفز
- ودلوقتي اتأكدت يعني اني مش مزقوقه عليك يعنى ؟!

وضع كفه داخل جيبه
- تؤ .. مازلتي في موطن الشبهه .
رجل غموضه قاتل .. فقتل كل مخزون الصبر بجوفها للحد الذي جهلها تصمت للحظه لتهدأ مما اشعله بداخلها .. تراجعت خطوة للخلف قائله بهدوء
- على العموم انا عملت القهوة دى كاعتذار منى عن اى حاجه .. واسفه مكنش قصدى ادخل بينك وبين مراتك ..

مد انامله ليتناول فنجان القهوه من جانبه بفظاظه .. احتلتها رغبه عارمه لمعرفة رأيه فيها .. استنشق للحظه اشعلت برجا اخرا من الفضول بعقلها ثم تناول رشفه صغيره لا تذكر .. فاعاد الفنجان لموضعه ثم نصب عوده فجأة وهو يثى كمه بفخامه .. لم تستطع السيطرة على فضوله فى القاء سؤالها
- هى ما عجبتكش !

دنى منها بهيئته الجذابه وعطره الذي اصبح يحاصرها دوما ليقول ببرود لا منتاهى
- اصلى نسيت انى ما بحبش القهوة اصلا .. وريحتها بتعصبنى جدا ..
بللت حلقها الذي جف إثر تدفق انفاسه المحرقه، فظلت عينيها تطوف بين فنجان القهوة وبين عيناه المشعه بالنيران .. واصابتها رغبه عارمه فى سكب الكوب فوق رأسها التى تحتاج الى نجار يقسمها لنصفين وصوت اخر ينبع من جوفها بصمت ممزوجا بزفير متتالى
- اهدى يافجر .. اهدى !

وعلي الفور تجاهل وجودها الذي لم يحرك به ساكن ليجري مكالمه تليفونيه مع ابن عمه قائلا برسميه وهو يأكلها باهدابه
-مجدى ورقه وقلم واكتب الاسم دا وقراره يكون عندي الليله .
ثم اشار اليها محذرا
- كلامى معاك ماخلصش ..

- دكتورة بسمة .. ممكن سؤال بس ..
كانت تسير بسرعة فى دهليز احد طوابق المشفى مرتديه زيها الخاص بالعمل منغمسه فى الاوراق التى بيدها للحد الذي سلب انتباها فتناست المارين حذاها .. ردد نهى ندائها عدة مرات الى أن وقف بسمه بفظاظه مردفه
- خير يا دكتوره نهى ..

القت نهى نظره على جوالها الخاص مردفه بتوتر مصطنع
- من الصبح برن على الدكتور زياد مش عارفه اوصله .. قولت انت بنت خالته فآكيد تعرفى هو فين ..
زفرت باختناق وهى تقفل الملف بيدها مغلولة
- والله انا عندى الف حاجه اهم من انى اشغل بالى بزباد راح فين وجيه منين .. حاجه تانى يادكتوره ..

تعمدت نهى ان تثير نيران بسمة الداخليه .. وبمكر بنات مردفه
- غريبه .. اصل عينك دى مابتنزلش من عليه طول الوقت.. اسمع كلامك اصدقك .. اشوف امورك استعجب ..
لا يمكننا ان نتحكم فى عواطفنا ولكن يمكننا ان نتحكم فى طريقه ظهورها .. نظرة ساخرة انطلقت من مقلتي بسمه غلفت بها نهى من رأسها لقدمها قائله
- ركزى فى شغلك يانهى ..
- مانا مركزه يا دكتوره ..

ربتت بسمه على كتفها بقوه وهى تتأهب بالرحيل
- لا ركزى كمان .. عشان سكة زياد روحة بلا رجعه .. بس اللى مايرجعش يعيط بعد كده ياماما ..
ان تسمح لكل شخص ان يلقى عليك نفاياته الفكريه ستموت وانت تتنفس .. وهذا ما تعمدته نهى منذ اللحظه التى باحت عيون بسمة بكل شيء تكمنه نحو زياد .. فقررت ان ترسخ فى ذهنها بكل الوسائل المتاحة أن زياد يخصها مهما كان الثمن ..

لم تسمح لها بسمة فى ان تشعرها بلحظه انتصار رغم كل الاعيبها الدنيئه .. فهى اعتادت على الصمت .. حب صامت .. حزن صامت .. تمجيد مشاعرها بالرسم .. وهزيمة اعدائها بابتسامه لم يتسرب منها قطرة انكسار .. انثى ان صمتت قالت كل شيء وان تحدثت فلا هى الا محاولة اخراج نيران لتحرقكك ..

انصرفت بسمة من أمام نهى بشموخ وتجاهل قاتل الى ان وصلت لغرفتها الخاصه .. فأول شيء فعلتها القت مابيدها فوق سطح المكتب بقوة واضعه كفها خلف ظهرها .. والثانيه انغمست بين خصيلات شعرها الغجرى
- مهزأ وغاوي رمرمه .. طيب يازياد ! بس اشوفك ..

- انت متأكده ان اخوكى ده بنى آدم زينا يعنى عنده مخ بيفكر بيه وكده !
تقطم اناملها اغتياظا وهى تطوف ساحه الغرفة ذهابا وايابا مما اشعله هشام بجوفها .. تلوم نفسها على تعاطفها معه للحظه، على تصرفها الذي سمح له بأن يسجل هدفا ضدها فى سجل دفاتر لقاءهم .. امراة قوية مثلها لا تعرف الاستسلام .. الاستسلام اعتراف بعجز بريئ منها فماذا حدث امامه ! ..

تراجعت رهف للخلف إثر ضحكه طويله انفجرت منها على حالة فجر، وهى تضرب كف على الاخر .. فهتفت قائله
- اخواتى بيحرقوا الدم .. معلش اتعودى معايا !
- لا ياختى سبتهملك .. رهف ابوس ايدك سبينى امشي قبل المجنون ده ما يرجع ..

نهضت رهف بعفويه وهى تقترب منها وذيل شعرها يتحرك خلفها بعشوائيه لتربت على كتف فجر
- بصي معلش استحملى .. وطالما هشام مأكد عليك متمشيش يبقي الموضوع كبير والمصلحه واحده .. اشترى منه ما تبعيش ..
زفرت فجر باختناق: اخوكى ده اكبر ورطه انا قابلتها فى حياتى ..
اقتطبب ملامح رهف متظاهره بالحد والحزم وهى تشير اليها بسبابتها
- ماتقوليش على اخويا انه ورطة ..

رمقتها فجر بامتعاض وسخريه فواصلت رهف حديثها ممازحه
- بس متنكريش انه ورطه حلوة ومسليه جدا ههه ..
- والله انت فايقه ورايقه ... اللى يشوف هشام ويشوفك انت مايقولش انكم اخوات اصلا ..
- بقولك اى كفايه لكلولك وتعالى ننام منا هشام مايرجع ونشوفه عاوز ايه وبعدها تقرري تمشي او تقعدى ..
- اوووف امرى لله ياستى ..

عصرا .. في القاهره وبالاخص - مدينة نصر - استقيظت عايده من سباتها إثر صوت رنين جرس البيت .. وايضا فجر النائمه جانب (رهف)
- رهف هو في حد بيجيلكم دلوقتى
قالت (فجــر) جملته بصوت كله نوم .. اجابتها رهف وهي تضع الوساده فوق رأسها
- تلاقيه بتاع الجرايد نامي نامي .
- بتاع جرايد اى العصر !

نهضت (عايده) اخيرا بجسدٍ حركته متثاقلة محاولة تذكر ماحدث بالامس .. دلفت الي اسفل نحو الباب .. ضاقت عينيها وقطبت حاجبيها بمجرد ان فتحته
- (بسمه) انتِ كل ده فى المستشفى ! وبعدين فين مفاتيحك .
ارتسمت (بسمه) ابتسامه باهته
- كان عندى شغل كتير .. ومفاتيحي شكلي نسيتها فالبلد .. سوري ياطنط صحيتك .
ابتعدت (عايده) عن الباب متجه نحو المطبخ .. تابعتها (بسمه ) بعد ما ركلت الباب خلفها ووضعت اغراضها جنباً
- هو حضرتك تعبانه ياطنط ؟!اوعى يكون موضوع هشام السبب ..

* وهو اللي يعيش فالبيت دا يشوف راحه !
وقفت (بسمه) علي اعتاب المطبخ تترقب خالتها وهي تعد فنجان القهوه
- هو حصل حاجه ؟
ارتسمت (عايده) ابتسامه ساخره
- لا خالص دول فشكلوا الجوازه بس .. وكامل بشير هيمرمطوا ..
اتسعت حدقة عينيها ممزوجه بشهقتها المرتفعه
- stun ! .. ازاي دا حصل ؟!...كل ده عشان هشام مشي!

*انا عارفه بقا .. لا والبيه ولا هامه جايبلنا واحده من الشارع كمان .. بجد انا هتجنن .
- الظاهر كده فاتني كتير .. انا طالعه عن روفا بقي ترسيني ع الفوله .. سلام .
رفعت (عايده) صوتها قليلا
- بسمه .. شوفي لو زياد لسه مصحاش صحيه كان قايلي عنده نايبه بعد العصر .
بمجرد سماعها اسمه تجمدت في مكانها لبرهه ثم اردفت قائله بلا مبالاة
- وانا مالي كل واحد عارف مصلحة نفسه مش هصحي حد انا .
تأففت (عايده) بنفاذ صبر من حديث (بسـمه): هيجننونى .

- يابت انتِ اصحي رسيني علي الحوار الفضول هيتقلني
(بسمه) ذات الشعر الاحمر الغجري الغير مهندم، والبشرة البيضاء والعيون الزرقاوات والنمش المنتشر علي وجنتيها مما يعطيها شكلا جماليا مميزا اشبه بالنجمات - هوليوود - جالسه في منتصف مخدع (رهف) محاوله افاقتها .. في ذلك الوقت خرجت (فجر) من الحمام لتتفاجئ بوجودها تسمر امامها متعجبة.

- انتِ بسمه ؟
ابتسمت (بسمه) بغرور
-الله ! هو انتِ تعرفيني ؟
اجابتها (فجر) بتردد
- والله خمنت .. اصل رهف مابطلتش كلام عنك طول الليل.
وثبت (بسمه) قائمه وتقدمت نحوها بخطوات متزنه
- بما انك خمنتي انا مين .. سبيني انا اخمن انتِ مين .. اي رايك ؟
اتسعت ابتسامه (فجر) بثقه:متحاوليش
اجابتها (بسمه) بتلقائيه.

- حسي الطبي بيقولي انك انتِ البنت اللي من الشارع اللي جابها (هشام) ومجننه طنط (عايده) تحت .
اردفت فجر متعجبه:
-ايه العيله اللى لسانها بيحدف طوب دى ياربي!
ضحكت بسمه بصوت عالى وكادت (فجر) ان تجيبها ولكن قطعهم صوت (رهـف) المأفف
- وبعدين بقي متخلوش الواحد يندم انه فتحلكم اوضته ..
امتزجت اصوات ضحكهم جميعا
بسمه بعفويه: طب قومي ياست هانم مش عندك محاضرة منال مغربي الساعه 5 ولا انتِ اتعودتي علي الطرد !
-يادي منال مغربي واليوم اللي شوفت فيه منال مغربي .. ماتقولي يامسا يابسمة !

بسمه ممازحه: يامسا يارهف .. يلا قومي فوقي كده .. وكمان شوفي زياد صحيه .
رهف مستنكره: يابنتي هو زياد دا جوزي ولا جوزك .. وانا مالي بيه روحي صحيه انتِ.
اتسعت حدقة عين (فجر) متعجبة
- هو (زياد) متجوز ؟ّ!
دارت (بسمه) بجسدها تخفي دموع عينيها مصطنعه البحث عن ملابسه لتجيبها بابتسامه خافته
- مش اوي يعني ..

رفعت (فجر) حاجبها:انا مش فاهمه اي حاجه
نهضت (رهف) من فوق فراشها بعفويه:والاحسن متحاوليش وحافظي علي حبة العقل اللي عندك .. هاخد شاور انا تكونوا انتوا اتعرفتوا علي بعض
بسمه بكلل وهى تلقى جسدها على الفراش
- لا خلي التعارف بالليل انا يادوب الحق انام دلوقتى ..

سكون تام احتلَ فيلا ( السيوفي ) مازالت ( فجر ) جالسه مع ( رهف ) يتسامرا .. ( عايده ) مازالت منغمسه في نوم عميق نتيجه لما تناولته من حبوب مخدرة ..
يجوب ( هشام ) دهليز بيته ذهابا وايابا محاولا ايجاد خطة ما للقبض علي ذلك اللعين .. وايضا مفكرا فيما يكمن وراء تلك الحوريه التي القي بها القدر فى طريقه .. قطع شروده صوت رنين جرس البيت
ركض نحو الباب متلهفا
- تعالي يامجدي تعالي .. اتاخرت ليه ؟!

واضعا يده في جيبه: ابدا كنت بجمعلك معلومات بس عن (زيدان نصير) والبت التانيه .
اغلق ( هشام ) الباب برفق منتبها الي حديث ابن عمه
- ووصلت لايه ؟
رفع ( مجدي ) حاجبه مستنكرا
- ياعم اهدي علينا شويه ناخد نفسنا .. ونتعشا ونشرب حاجه ع السريع ولا انتوا معندكمش كرم ضيافه ؟!
قطب ( هشاام ) حاجبيه
- وهو انت جاي تضايف ! لا وحياة ابوك صحصح معايا كده .

تقدم ( هشام ) امامه بخطوات واسعه، ثم قال ( مجدي ) متأففا:
- انت ياعم انت .. انا علي لحم بطني من امبارح اتصرف والا هفيص منك هنا
زمجرت رياح صوت ( هشام ) غضبا مناديا علي اخته
وعلي الفور وقفت علي اعتاب المطبخ التي كانت بداخله مع ( فجر ) قائله
- نعم ياابيه !
هشام بلا اهتمام: جهزي عشا علي السريع لحد مااخلص كلامي مع (مجدي) .
القت ( رهف ) على ( مجدي ) نظرة خاطفه بوجه مبتسم هائم
- سياده النقيب يحب يتعشا اي؟!

دنا منها شيئا فشيئاً هائما ببريق عينها
- اي حاجه من ايدين بنت اللوا هتبقي حلوة
خفضت عينيها لاسفل في حياء فهمس ( مجدي ) في اذانها
- وحشتيني علي فكرة.
لتتسارع ضربات قلبها اكثر .. مازال ( هشام ) مستديرا بظهره مكملا طريقه نحو غرفة مكتبه … استدار اليهم بحده
- انت لسه واقف عندك بتعمل ايييييه ؟!

انتفض جسدهما سويا
( مجدي): احم وراك اهو ياسياده الرائد .
ثم ميل علي ( رهف ) قائلا: عنيف اوي اخوكي دا .
نظرت له متعجبه .. ثم اكمل كلامه بتلقائيه:
- زيك
اتسعت حدقة عينيها بغضب
قفل ( مجدي ) زرار بدلته متأهباً بالذهاب ليلقي عليها اخر كلماته بنبره تحذيريه
- البلوك لو متفكش وحياة اخوكي هسفلتك
ثم تابع خُطى (هشام) الذي دخل غرفة مكتبه وهو يجلس على المعقد المجاور لمكتب هشام
- هااا يااتش ناوي علي ايييه بقي ؟!

فرك وجهه باانامله باختناق .. مردفا
- المهم قولي اي حكايه البنت دي الاول .
اجابه بتلقائيه
- والله ياهشام التحريات بيتقول انها بنت عاديه بطلت من المدرسه بعد ٣ث للظروف اللي اتعرض لها ابوها .. بس بردو مستسلمتش وكانت بتجيب كتب من صحبتها بنت امام الجامع وبتذاكر فيهم .. لدرجه انها كانت بتعلم العيال الصغيرين في البلد وعلي حد معلوماتي انها بنت مثقفه وجدعه
قطعه ( هشام ) بحده وهو يضرب سطح المكتب براحة كفه.

-دى معلومات خاطبه مش نقيب ! انت شايف معلومه واحده من اللي قولتهم مفيده ؟! هي دي تحريات تُقدم لرائد ياسياده النقيب؟
مط ( مجدي ) شفتيه لاسفل متعجبا
- ياجدع ماتاخد نايبك صبر منا هحكيلك اهو .
اشعل ( هشام ) سيجارته متحدثا بها وهى فى فمه: انجز
اكمل ( مجدي ) حديثه
- شوف .. اللي عرفته ان فرحها كان المفروض امبارح علي ابن نصير بس هي هربت من ظلمه بعد ماضربها وهانها قدام البلد كلها لانها كانت رافضة الجوازه دي ..

وطبعا متخلقتش اللي تقول لجنابه لا .. وكمان
نظر له ( هشام ) بطرف عينه: كمان اييه ! كمل
سحب - سيجارة - من علبة (هشام) واشعلها مكملا لحديثه
- عرفوا انها هربت في عربيتك واللي وصلني ان البلد مقلوبه وابن نصير ناويلك وحسابك طبت كفته في ميزان زيدان نصير
ساد الصمت للحظات بينهم حتي امتزج دخان سيجارتهم معا
_ وانت شايف ايه يا(مجدي) !

* شايف ان البنت دي لازم تكون في حمايتك يا (هشام) لحد مانخلص مهمتنا ماينفعش تسيبها والا هتكون كتبت نهايتها بنفسك .
اجابه بلامبالاة: البت متهمنيش .. بس عندي احساس قوي انها طرف مهم اووي فالقضيه دي
نهض ( مجدي) من مجلسه بحماس
- نفس اللي كنت بفكر فيه .. بس حاليا اقدر اطمن حضرتك من ناحيتها لان التحريات لحد دلوقتي في صفها .. بس هي فعلا البت دي هربت في عربيتك يا ( هشام ) !
فكر قليلا في كلمات ابن عمه ثم ارتسمت معالم الجديه علي وجهه متوعدا وهو ينهض مم فوق مقعده.

- انا مش عارف طلعتلي منين فجاه لقيتها فالعربيه .. وقلبي لسه مش مطمنلها حاسس وراها حاجه .. بس ياويلها لو شكوكي طلعت صح
اردف ( مجدي ) قائلا بشك
- اسهم شكوك مش في محلها المرة دي ياميجور ( هشام )!
بعد الانتهاء من جولة التفكير التي نهشت عقولهم يجوب (هشام ) غرفته امام اعين (مجدي ) حائرا
- ياعم دوختني .. اقعد كده واستهدي بالله بدل ماانت رايح جاي مش مخليني عارف افكر
قال (مــجدي) جملته بنفاذ صبر
اقترب (هشـام ) منه واشعل سيجارة اخري قائلا
- وصلت لحاجه !

زم (مجدي ) شفتيه مفكرا
- هو انتَ قررت البت اللي برا دي!
جلس (هشام ) علي المقعد المقابل لابن عمه وهو يملأ صدره بوتيره متتاليه من الدخان متنهدا
- منا بقولك مش مرتاحلها
رد (مجــدي) بتلقائيه: وهو انا بقولك اتجوزها ! ياعم هاتها وانا هقررلك امها .
رمقه (هشام) بنظره تحمل تيارات من الشك وسرعان ما رفع عينيه نحو الباب مناديا علي اخته بصوت قوي
- رررهففف .. يااارهف.

آتت بسرعه كبيره الي ان وقفت علي اعتاب غرفة المكتب:خير ياابيه بتناديني ليه هو في حااجه ؟!
- البت اللي برا دي هاتيهالي !
نظرت له في شك:ليه ياابيه هو انت هتقبض عليها . دي غلبانه خالص وانا حبيتها
هامَ (مجدي) في نظرات عينيها وكلماتها عشقاً
- حتي انتِ بتقولي كده ! طب قولي لاخوكي عشان انا تعبت منه خلاص
اتكأت علي الباب بدلال بعدما كتفت ساعديها امام صدرها
- طول عمرك حنين وقلبك طيب ياميجور ..!

شرد في بريق عينيها الحامله شلالات العشق والحب
ماهي الا ثوان لتفقيق مذعورة ويرتفع صوتها بالصراخ عندما القي (هشام) نحوها منفضة السجائر البلاستيكيه بنفاذ صبر وسرعان مااختفت من امامه راكضه
- مش عاوز مرقعه وقلة ادب يلاااه
اعتدل (مجــدي) في جلسته متنحنحا: احم احم معاك يااتش .
ركله (هشـام ) بقدمه في ساقه بقوة:اتلم احسنلك وخف مرقعه البت لسه صغيره يا(مجدي) وانا مش هجوزها دلوقتي ولا اقولك مش هجوزها خالص
رقص (مجدي) حاجبيه متعجبا: ياعم مأنا مستنيها لحد ماتكبر وانا كنت اشتكيتلك
اجابه بتلقائيه: هتستني كتير .

ارتسمت ابتسامه عريضه علي ثغره
- نستني سنين لأجل ننول نظرة رضا
ركله (هشام) مجددا بقوه فى قدمه جلعته يتأوه من الوجع:
-يااعم وانا بقولك هشقطها .. وبعدين البنت ملهاش غير ابن عمها يااتش واحنا بناتنا مابتطلعش برا العيله
زمجرت رياح غضبه وكاد ان يجيبه قطع حديثهم قدوم اخته بصحبة (فجــر) بخطواتهم المهزوزه
- اهي ياابيه انا جبتهالك لحد عندك .. حاجه تاني بقي!

قالت (رهف) جملتها بربكة وتوتر وهي ترسل نظرات عابره مابين اخيها وابن عمها تشبثت (فجـر ) بكفها برجاء هامسه:
- خليكي معاايا ..
نظر اليهم (هشام ) نظراته الحاده كالصقر
- ررهف امشي انتِ
ثم صوب نظره الي (فجر) التي بلغ توترها اقصاه مشيرا نحو الاريكه
- وانتِ كمان تعالي اقعدي هنا.

تركت (رهف ) كف (فجر) قائله بخوف:جوجو همشي انا بقي .. دا دا ابيه هشام يعني مابيخوفش ولا حاجه .. مجدي خلي بالك منها
القت رهف كلماتها كانت اختفت من امامهم فى الحال .. تقدمت (فجر) نحوهم بخطوات متباطئه حتي وقفت امامهم محاولة استجماع شتات قوتها
-هو انا ممكن افهم حضرتك عاوزني في ايه .. وليه مش مخلينى امشي ..

ضرب (هشام) الارض بمشط قدمه بهدوء
- هنا انا بس اللي اسأل وياريت الكلام يتسمع بسكات
ارتجف جسدها قليلا: لا طبعا مش صح .. دي اسمها دكتاتوريه
قالت جملتها وهي ترجع بخطوات متباطئه للخلف
نظر اليها بتجاهل اصابها في مقتل .. (مجدي) محاولا تلطيف الجو وهو يسحبها نحو كرسي الاريكه
 اقعدي تعالي هنا كده وسيبك من (هشام) خاالص .

ثم نظر الي (هشام) الجالس امام مكتبه نظرة فهم مغزاها
- لو سمحت ياهشام اقعد مكانك وسيبني اتفاهم معاها
جلست (فجر) بجوار (مجدي) بحيره
- هاا ياستي قوليلي بقي كل حاجه تخص الزفت زيدان دا
ابتلعت ريقها في توتر وهي تختلس نظره ساخره نحو (هشام ) الذي ينفث دخان سيجارته:منا حكيتله
ضرب المكتب براحة كفه غاضبا
- ماتتعدلي يابت شيفاني عيل صغير قدامك .. اي حكيتله دي !

-مقصديش حاجه علي فكره انت اللي مش بالع كلامي وواخده علي صدرك اووي .
ثارت جيوش الغضب بداخله وهو يستدير اليها بكرسي مكتبه
- لاحظي انك بتلعبي بالنار
- انا مش متهمه عندك علي فكره وخليك فاكر انت اللي محتاج مساعدتي مش انا .. وصباعك اللى تحت ضرسي كمان ..
قام من مكانه متباطئا محاولا استعاب كلماتها ودخان الغضب يتبخر من وجهه
- ايييه ايييه ياختي !.. انتِ جري لدماغك حاجه يابت !

نفذ صبر (مجـدي) من سذاجتهم:
- هشـام اتفضل اطلع بره لو سمحت
جلس علي مقعده متأففاً: مش متحرك من هنا .. لما نشوف الهانم ناويه علي ايه .. شكل نومه البرش وحشتها .
ارتسمت ابتسامه باهته ومعانده علي ثغرها قائله في همس: ماهو دا اخرك .
فهم مغزي كلماتها من حركة شفتيها: ودا اخرك بردو تتبرطمي قدامي ..
كادت شفتيها ان تتحرك لتجيبه قطعها (مجدي)
- والله ماانت قايله كلمة .. ركزي معايا وسيبك من هشام خالص كإنه مش موجود
-ماتتلم انت كمان .. اي اللي بتقوله دا !

*معلش امسحها فيا .. ممكن تسيبني اشوف شغلي عشان نخلص ؟!
ثم استدار (مجدي) نحوها: ها يافجر احكيلي كل معلومه تعرفيها عن الزفت دا .
ابتلعت ريقها: هحكيلك بس توعدني تنقذ ابويا من الاعدام .. والله ابويا مقتلش رجاله امن ولا حاجه ولا كان يعرف العربيه فيها سلاح.
-متقلقيش بس ساعديني .. هاا احكيلي ..

فركت كفيها بعدما طافت عينيها يمينا ويساراً الي ان التقت مع عيني (هشام) الاشبه بالنمر الذي يترقب فريسته وسرعان مااخفضت رأسها بعيدا عنه
- اللي اعرفه انه رجل شراني ومعندوش ياما ارحميني .. اهم حاجه عنده مصلحته .. حتي ولو بالدم وو
(مجدي) باهتمام: لا جاوبي كده ومتقلقيش سامعك
اكملت فجر حديثها.

- امي كانت بتشتغل عندهم في القصر .. واللي حكتهولي ان ليه يد في قتل ابوه واخوه ولولا ابن اخوه (خالد) في ضهره وماشي علي هواه كان خلص منه من زمان .. (زيدان) كان شخص بيشرب كتير وكل ايامه بيقضيها في اسكندريه و ستات ووو .. اتجوز بنت عمه ست (ناديه) بعد مااخوه مات .. او بالمعني الاصح اتقتل .. وكان( نصير )بيه ناوي يكتب كل الثروة باسم ( خالد) وقبل ما(نصير) بيه يعمل كده سمعنا انه مات بسبب ازمه قلبيه حاده مع العلم انه عمره ماشكي من قلبه.. وعلي حسب ما امي قالتلي انها شافت (زيدان) بيشرب ابوه عصير كده كان جايبه من السفر معاه وبعدها ابوه وقع من طوله منطقش..

بعدها ب3 شهور اتجوز (نورا ) ودي اللي جابتله ولي العهد (ايوب) .. من حوالي 3 سنين كده اتجوز (مهجه ) ودي اسكندرانيه واللي عرفته ان بين زيدان وابوها شغل كبير اوي .. بس بصراحه معرفش الشغل دا اي طبيعته .. وبس دي كل الحكايه
اعتدل مجدي في جلسته
- لا استني كده قوليلي اسم الراجل حماه دا ايه.

-لا بصراحه مش فاكره هو حاجه (الصياد) كده .. بس مش فاكره لانه من ساعه ما امي اتوفت وانا ماعرفش حاجه عنهم الا طراطيش من اهل البلد .
صفق (هشام) لها بسخريه
- لا برافو .. والمفروض اننا ظباط ونصدق كلامك الي ملهوش اي تلاتين لازمه دا!

عقدت ساعديها بثقه: لا يافندم ليه .. اقلها هتقدر ترجع حق (خالد) من عمه هو مش بردو القانون بتاعكم بيقول (لا ورث لقاتل) يعني كل الثروة دي من حقه .. وكمان انا متأكده وواثقه ان حماه الاسكندراني دا ليه علاقة باللي بتدوروا عليه ودي حاجه تعرفوها انتوا مش انا .. والاهم ياحضرة الظابط بعرفك حدود الشخصيه الاجراميه اللي هتتعامل معاها عشان تفكر هتتصرف ازاي .. اللي يقتل اخوه وابوه سهل عليه يعمل ايه حاجه بسهوله .

زمجرت رياح غضبه مجددا: انتي جايه تعلميني شغلي يابت انا مهمتي السلاح مالي انا بالاسطوانه دي كلها
-العفو حضرتك .. بس مادام مستهون بعملومات الشخص اللي قدامك ابشرك انك مش هتوصل لحاجه .
نهض من مكانه محاولا تمالك شظايا غضبه ثم جلس بجوارهم ورفع ساقيه علي المنضده التي تتوسط مجلسهم وبداخله جبال من الكبر والغرور
- اقولك اي مش عاوز فلسفة ياريت .. عشان بتخنقني
رمقته بدهشة لم تخل من السخريه وسرعان ما التقتها عينيه وترجمها عقله
نظر اليه (مجدي): ناوي علي ايه يا(هشام)؟

شبك كفيه بغرور مصوبا نظره اليها: طبعا عارفه ان الزفت دا من اكبر تجار السلاح فالبلد .
التفت اليه باهتمام: اه عارفه طبعا واللي عرفته من ابويا انه بيهرب السلاح بطريقه ماتخطرش علي بال مخلوق ..وحضرتك اول ظابط يضربله عملتين في مقتل منهم قضيه ابويا .. وكمان اعرف انه ليه علاقة بجماعات البدو .
رفع حاجبه مستفهما بمهارة قائد فى أمن الدولة:
- دانتي متابعه بقي ! مش ملاحظه انك بتتكلمي بثقه زياده والمفروض احنا ننبهر يعني .. هو (زيدان) دا اهبل اوي كده عشان واحده زيك تعرف المعلومات دي ؟! بقولك ياعم مجدى مش مطمنلها !

ابتسمت ساخره: انا بقول امشي احسن وحضرتك تشوف شغلك بطريقتك .
(مجدي) بتلقائيه: مافيش مشي يافجر .. للاسف اللي وصلني ان زيدان عرف انك هربتي في عربية (هشام ) يعني هو حاليا حاططكم في دماغه وانه مش طايق (هشام) اصلا .. ولو فكرتي تمشي العواقب مش هتبقي خير ابدا .
ارتسم (هشام) ابتسامه ساخره: ولا تمشي اهو نكون ارتحنا الواحد مش ناقص وجع دماغ وفلسفة مرضي عقلين .

نظرت له بشموخ: معلش سبنالك العقل كله .
فرك ذقنه بكفه كحركته المعتاده التي توحي بالتوعد
قطع حديثهم قدوم (رهف) المفاجئ:ابيه الاكل جاهز
التفت (مجدي) نحوها باهتمام: تعبتك ياروفا
تنهدت (رهف ) بحب: مافيش تعب ياميجو .

- بس في قلة ادب .. انتو مش ناويين تجيبوها لبر
نهرهم بصوت اشبه بزأير الاسد جعلهم ينتفضوا من مجالسهم
ركضت (رهف) من امامه خائفه ثم لحق بها (مجدي) قائلا
-مش اسلوب خالص دا .. انت معقد احنا مالنا ياخي .

غادر (مجدي) ولم يبق فالغرفه سوي هشام وفجر التي انتابها الهلع من نظراته الناريه ولحقت بهم جميعا فى الحال
جلسوا جميعهم حول مائده العشاء
- (مجدي) خد طبقك انا حطتلك كل الاكل اللي انت بتحبه
قالت (رهف) جملتها وهي تقدم له الطبق الغني باشهي المأكولات .
-تسلميلي ياحبيبتي بجد .. بس انتِ اللي عامله كل الاكل دا لوحدك!

اجابته بثقه وتلقائيه
-شوور ماي بيبي .. عشان تعرف بس اني ست بيت شاطره ويعتمد عليا .
التفوا جميعا الي صوت (زياد): هو انتوا ازاي تطلبوا دليفري من غيري .
ارتبكت (رهف) وهي تشير له: زيااااد!
كتمت (فجر) ضحكتها ثم صوب (مجدي) نحوها نظره شرسه قائلا
_دليفري !

ضاقت عيني (رهف) واوشكت دموعها بالانسكاب
- طب والله انا اللي عامله الرز حتي دوق !
انفجرا (زياد) ضاحكاً: شكلي عكيت الدنيا .. تعيشي وتاخدي غيرها ياروفا .
ثم جلس بجوار (مجـدي) مربتاً علي كتفه بحنو
- ازيك ياابو عمو عاش من شافك.
*موجودين .. عاش من شافك انت ياقاهر قلوب العذاره
شرع (زياد) بتناول عشائه.

- هما اللي بيحبوني .. حد يقول للرزق لا ! دا حتي يبقي افتري وتبطر علي النعمه .
* ياخي سبحان الله بتقنعني بحاجات غريبه اوي .
تدخلت (رهف) في حديثهم بضيق
- اي بيقنعك دي ! انت بتفكر تخوني ولا اييه ؟
ابتسم (زياد) ساخرا وهو يضع قطعه خبز بفمه
- اتنيلي انتِ كمان وهو اللي يشتغل مع اخوكي يعرف يخون ولا يعمل حاجه غلط ولا يديله فرصه يعرف بنات حتي !

(مجدي) بتلقائيه: قولها دانا حتي مش عارف اتعرف عليكي .. حاجه منتهي وفاء الكلب ياجدع .
رمقته بنظره تحذيريه: مجدي.. اتلم.
- بس يابتاعة الدليفيري وكمان ليكي عين تتكلمي .
*اي العلاقه ؟ بتكلم من بؤي علي فكره .
ابتسموا جميعا بسخريه .. الا ان التفت (زياد) الي ( فجر)
- ابو عيون غزلاني عامل ايه ؟

كادت ان تجيبه ولكن قطعهم قدوم (هشام) المفاجئ الذي يقترب منهم ببطء واتزان
- صوتكم عالي كده ليه
قال (هشام) جملته وهو يسحب مقعد مقدمه الطاوله ويجلس عليه
(مجدي) وهو منغمس في تناول طعامه
- احضرنا ياسيدي الهانم اختك بتغشني وتقول هي اللي عامله الاكل .. وطلعت طالباه من برا
اجابته ببراءه:والله كنت ناويه اتعلم لما ابيه (هشام) يوافق
التوت شفتي ( مجدي ) يسارا قائلا بسخريه.

- امي الله يرحمها كانت علي طول تقولي اوعي يابني تتجوز واحده مابتعرفش تطبخ .. واللي هتقولك هتعلمه بعد الجواز متصدقاش دي واحده عاشت ٢٠ سنه في بيت اهلها ومتعلمتش حاجه .. تفتكر هتتعلم حاجه في بيتك ؟!
لمعت عيون ( رهف ) بالدمع
رد (هشام) بلا مبالاة
- وانا مش عاوز اتعبك فـ هعفيكي من كل دا واللي مش عاجبه مايشتريش .. متحاوليش تتعبي نفسك عشان تعجبي حد ياروفا
نظروا جميعا الي هشام باستغراب الا (رهف) التي اتسعت ابتسامتها علي ثغرها قائله بثقه.

- معاك حق ياابيه .. انا اصلا ورده مكانها فالبستان .
اجابها (مجدي) مندفعا بضيق: الله !.. متزعليش بقي لما ابقي نحله واقف علي كل زهره شويه ياورده .. وخلي اخوكي ينفعك .
نظرت (رهف) اليه في حنقه وضيق مكفهرة الوجه .
ابتسم (هشام) بانتصار: ربنا يقدرني علي فعل الخير .

دارت (فجر) رأسها نحوه قائله بسخريه
- من اعتاد ان يوزع الورد سيبقي شئ من العطر في يده .. ومن اعتاد ان يوزع السُــم .. اممم شوف انت بقي !اعمل حاجه عدلة فى حياتك.
التفتوا جميعا باهتمام لمشاهده المعركه التي ستنشب بينهم
ابتلع (هشام) ما بفمه من طعام مشيرا اليه بسكينة الاكل الصغيره قائلا بغرور
- انتِ مين سمحلك تقعدي هنا اصلا !

اتسعت حدقة عين الجميع مختلطه بشهقه خافته .. ابتلعت (فجر) غصة كلماته محاولة استيعابهم
اجابته (رهف) بصوت متقطعه: اصلو ياابيه ــــ
(هشام) مقاطعا وهو يلقي مابيده فوق السفره
- اصل ايه ياهانم احنا فتحناها مائده رحمان مش ناقص غير الخدم يقعدوا ياكلوا معانا
شرع ( زياد ) بتحريك شفتيه .. سرعان ما قطعه هشام بنظره ناريه اوقفته ..

- مخلصتش كلامي يازياد.. مش معني اني سمحتلك تشتغلي هنا لحد مااخلص مهمتي هتعملي فيها صاحبة بيت .. عاوزك تفهمي ان البيت دا ماشي بقواعد وقوانين (هشام السيوفي) والقوانين بتقول مكان الخدم في المطبخ وميحقش لاهل البيت يلمحوهم .. وكون ان اختي سمحتلك تلبسي من لبسها وكمان تاكلي من اكلنا عادي دا من كرم اخلاقنا احنا بنحب نعطف عالشحاتين .. اهو كله بثوابه .. ويارب تكوني فهمتي عشان كلامي مابيتكررش .

(مجدي) بعيون متسعه وصوت ممزوج بالضيق والعتاب:هشام ... جرالك ايه
امتلأت عيني (فجر) بشلالات من الدموع التي يحاصرهم الكبر من السقوط قائله
- لو سمحت سيب حضرة الظابط يكمل كلامه .. ها اي اوامر تانيه معاليك اتفضل ؟!
تنهد (هشام) بارتياح وغرور: لحد دلوقتي لا .. لما يكون في اكيد مش هستأذن عشان اقولك .. تقدري تتفضلي علي مكانك .. اوضة الخدم
وقفت بثبات وثقه: انا هتفضل اه .. بس هتفضل من الباب دا .

عاد (هشام) لتناول طعامه مجددا بلا اهتمام: اتفضلي بس اتأكدي ان كلاب زيدان مش هيرحموكي.
-ونار (زيدان) ارحم من جنة معاليك .. بعد اذنك !
نهض (مجدي) و (رهف) بسرعه
- استني هنا يافجر مافيش مشي من هنا .. انتِ بداتي معانا ولازم تكملي وماينفعش نسيبك تمشي واحنا متأكدين اي اللي ممكن يجرالك لو خرجتي من هنا .
= معلش يامجدي بيه مش هقدر اكمل في حاجه دمها تقيل علي قلبي .

- مش بمزاجك يافجر .. فكرة انك تمشي دي مرفوضه .
(رهف) ببراءه وتوسل: اسمعي الكلام بقي .
(فجر) بضيق: معلش يامجدي بيه كان نفسي اساعدكم وتساعدوني .. لكن انتوا اكيد عندكم كذا طريقه تقبضوا بقي علي (زيدان) بس انا معنديش غير كرامه واحده ومش هسمح لحد انه يمسها .
ابتسم (هشام) بسخريه وهو منغمس في تناول اكله
- هااا ! فقري وشايف نفسه..

(زياد) بتلقائيه: جري ايه ياهشام .. واحنا من امتي بنزعل ضيوفنا كده .. وبعدين الجميل دا لو زعل انا هزعل اوي .. ولو مضايقك اوي ياجوجو اوضة الخدم انا متنازل عن اوضتي المتواضعه تقعدي فيها.
(رهف) بدهشه: ohh, surprise ! .. معقوله يازيدو وانت هتنام في maid's room ؟
(زياد) بسخريه: ومين قال كده ! وانا هنام فوق بردو!
عقدت (رهف) حاجبيها: ياباي منك .. خلاص يافجر متزعليش واسمعي كلام (ميجو)
رمقها هشام بنظره اشبه بشظايا الحريق .. تلعثمت كلماتها
- مممم قصدي ( مجدي ) يعني .

عقدت (فجر) ساعديها امام صدرها: موافقه بشرط حضرة الظابط يعتذر !
وقعت كلماتها كالصاعقه علي قلوب الجميع
زياد جلس علي مقعده بنفاذ صبر: دي ولعت بقي !
انفجر (هشام) ضاحكا: انا نفسي اعرف مين بيخرج الاشكال دي من المستشفي .
ثم نهض وقرب منها بخطوات ثابته
- بلاش تلعبي بالنار ياحلوة .. ولو مستنيه اعتذار من (هشام السيوفي) احب اقولك عشم ابليس فالجنه .. هههههه الناس دي اتجننت ولا ايه.

قال كلماته الاخيره وهو يضرب كف علي الاخر ساخرا ويَهم بالمغادره ويتركهم جميعا في بحور اندهاشهم ..
وقف علي اعتاب باب الفيلا الخلفي المطل علي الجنينه:مجدي.. خلص اكلك وتعالي نكمل شغلنا بلا كلام فارغ
نظرت فجر الي رهف بضيق: مريض !

- انا مش فاهم في ايه مالكم انتوا الجوز! اسمعيني تبطلي هبل وتقعدي لما اروح اشوفه بره مش عاوز جنان .. خلي بالك منها ياروفا
القي (مجدي) نحوهم كلماته الاخيره وهو يذهب خلف (هشام)
رفع (زياد) عينيه راجياً
- اخويا مابيعرفش يتعامل مع الجنس اللطيف عديهاش عشاني المرة دي .
رهف بعفويه: خلاص ياستي اقعدي وارمي ورا ضهرك ونصيحه مني متركزيش مع العيله دي عشان صحتك .
هناك رجل يقف بمنتصف كل شئ لا هو في البدايه ولا في النهايه، يتوسط الأشياء، يتوسط قلبك، ضلوعكِ وسادته، شرايينكِ مخبأه، عيناكِ مسكنه، خطاكِ تسير إلي دربه
- من اقرب المقولات لقلبى.

اول جولة
جلس (مجــدي) بجوار (هشام) يتسامرا بخصوص القضية التى أصبحت اول اهدافهم قائلا
- طيب وانت ناوي علي ايه ياابن السيوفى!

اشعل سيجارته والقى مصدر اشتعالها بغل امامه.. متخذا نفسا طويلا وهو يتكأ بظهره للخلف مجيبا بعد جولة من التفكير
:هابقي اقولك.. المهم انا لازم ارجع بني سويف حالا.. وانت عاوزك تقرر البت اللي برا دي وتحاول تعرف اي قصة حماه.. حاسس ان هو مربط الفرس.. وانا هلعبها معاهم بطريقتي

قطب (مجـدي) جاحبيه في شك:
- هو انا مش مرتاحلك.. بس تمام في اسرع وقت هجيبلك قراره.
شرع هشام فى ان يجيبه الا أن قطعه رنين هاتفه.. فرد متأففا
- فى ايه !
اتاه صوت العسكرى الخافت الممزوج بفوضي صاخبه
- يا هشام بيه.. الحق.. اهل البلد كلها ثايره قصاد القسم يابيه !

نهض مرتابا محاولا تجميع صوته وفهم مغزى كلماته
- حصل ايه.. فهمنى !
انقطع الصوت للحظات ففتح مكبر الصوت وارتفع صوته هاتفا لعده مرات الووو

اتاه صوت العسكرى اخيرا وهو يردف بقلق
- بيقولوا أنك خاطف مراة العمده.. الحق يابيه ده شكل الموضوع كبير قوى !
اختفى صوت العسكري بعد ما اردف جملته الاخيره.. فرفع هشام انظاره ل مجدى إثر جملته التى قالها
- قولتلك الموضوع مش سهل!

وثب متأهباً للذهاب وهو يلملم اشيائه بعجلٍ
- حاول تخليك هنا الفتره دي.. وعينك متنزلش عن البت اللي برا مش مطمنلها.. وعلي تليفونات بقي.. سلام.

ذهب (هشام) من الطريق الخلفي للفيلا وصعد سيارته وانطلق صوب (بني سويف ) ليرى باى شط سيرسي به موجها.. لاحظت رهف انوار سيارة هشام وهو خاارج من بوابه فلتهم متوسطه الاتساع.. ومعالم وجه مجدى المتحجرة.. فتركت فجر وركضت نحوه بلهفه
- فى ايه ! وهشام راح فين ؟! هو مش المفروض اجازه !
رفع مجدى انظاره بأسف نحو فجر التى تترقبه بعيون ثابته متسعه قائلا
- اهل البلد متظاهرين على القسم ومتهمين هشام انه خاطفك !

بحركات متباطئه دنت منه بعد ما كسا الذهول ملامحها قائله
- بس ده محصلش !
تنهيده قويه خرجت من جوفه قائلا باسف
- بس محدش يعرف انه محصلش ! بصي بافجر الموضوع باين له اكبر من تفاهاتك وخلافاتك انت وهشام.. فمعلش استحملى لحد مانوصل كلنا لبر الامان.. روحوا ناموا انتو دلوقت وربنا يعدى اللى جاي على خير..

بحزمٍ اردفت قائله: انا لازم ارجع البلد...
- لو كان هيجيب نتيجه.. كنت خدتك من ايدك وروحنا دلوقتى.. اعقلى عشان كل خطوة هنمشيها لازم نكون عاملين لها الف حساب..
ربتت رهف على كتفها بحنان: اسمعى كلام مجدى.. وشكل العمده ده شرانى ومش ناويه يعديها على خير.

انتهي المساء بعدما اتخذ (مجدي) غرفة زياد موضعا لنومه.. وفجر ورهف صعدا الي اعلي.. وزياد مازال يكمل سهرته الليليه مع معجباته علي السوشيال ميديا فى غرفته الخاصه بالمشفى.. وعايده مازالت اسيره الاقراص المنومه التى تناولتها كأنها قررت ان تاخد من الحياه واولادها هدنه.

وصل هشام الى القسم قُرب الفجر.. فوجد الامر مستتب والهدوء يخيم على البلده كأنها صحراء قاحله خاليه من الجنس الادمى وينتشر حيواناتها فى ربوعها المختلفه.. بات الامر بمثابه اتفاق عرفى بين البشر والمخلوقات الاخرى كل منهما له معاده الخاص ليرزق من اراضيها..

اتجه نحو مكتبه فوجد العسكرى فى انتظاره.. بمجرد ما رأي ظله نهض مرتجلا ضاربا التحيه العسكريه.. واصل هشام سييره ثبات فلحق به العسكري الى مكتبه.. فاردف بدون ما يدير ظهره
- حصل ايه !
روى عليه العسكرى ما حدث حتى اختتم جملته ب:
- لحد ما المأمور طلعلهم ووعدهم انه هو المسئول عن موضوع البت دى !

جلس هشام على مقعد مكتبه بعد ما خلع سترته وشرع فى تشمير كمه قائلا
- انت تعرفها البنت دى !
رد العسكري سريعا: اايوه جنابك.. خطيبتى تبقي صحبتها الروح بالروح.. وده بنت غلبانه قوى وفى حالها والدنيا جايه عليها قوى..

ايماءه خافته صدرت من جوفه.. شعر وكان العالم كله تآمر على قلبه ووقف فى ظهرها.. هو الوحيد الذي اهمل قلبه حتى عطل فلا يستطيع التميز بين الخير والشر.. شعر وكأنه فقد آخر إنشٍ من الشفقه بقلبه بات يرى الطيبه والخير من اعين الناس ويسمعها من السنهم.. ولازال حدسه المهنى محتل قلبه.. نصب عوده بهيبته الموقره امام العسكري

- طيب اتفضل انت..
انصرف العسكرى.. وظل يجوب غرفة ذهابا وايابا ويحرق غى اوراق التبغ واحده وراء الاخرى كانه تعمد اشعال كل جزء بجوفه.. فالهدوء لست من طباعه المتمرد دائما.. لم يجد مفرا سوا النوم...حتى الدخان لم يرض مزاجه تلك المره... بسط ظهره على الاريكه الجلديه ثانيا رُكبتيه هاتفا لنفسه اخر جمله قبل غوصه فى النوم
- اما نشوف اخرتها معاكى يا ست فجر...

( صباحا )
مازال (هشام) خالدا في نومه لساعتين اختلسها من الزمن لينهض مفزوعا علي صوت هاتف مرتفع وضجيج بالخارج.. ركضت نحو نافذه مكتبه ليري حشود اهل القرية الصغيره متجمعين بالاسفل وشجارهم مع عساكر القسم.. اصابت الدهشه بدخله لذرواها.. استدار بجسده نحو الباب بمجرد دخول العسكري المفاجيء
- اي اللي بيحصل بره ! رجعوا تانى!

تلعثمت الكلمات داخل فم العسكري قائلا بتردد
- دول بيقولوا ان حضرتك خاطف مرت العمده ياهشام بيه..وشموا خبر أنك جيت ومش هيمشوا من هنا غير لما تجيبها.
زفر (هشام) بقوة مستنكرا
- اي الجنان دا ! خطف اي وهبل اييه.
- يافندم (زيدان نصير ) رجل مفتري وماعيرحمش وانا مش خابر مين طلع بالاشاعه ديت.
جلس (هشام) علي مكتبه حائرا
-طب واهل البلد مالهم بالموضوع دا ؟!

اجابه العسكري باهتمام
- جناب العمده كان واعدهم اول مالجوازه تتم هيقضي مصالحهم المتعطله دا وغير الوكل والدبايح اللي كانت هتفضل لاخر الاسبوع والجوازه ماتمتش بالتالي كل المصالح اتعطلت.
اشعل (هشام) سيجارته ليفرغ بها غضبه
-ايوه ومين طلع اشاعه الخطف دي.
- عيل صغير يابيه شافها وهي عتركب في عربيتك.

مط شفته ساخرا
-بقي كلام عيل صغير يقوم اهل بلد كامله ! عجايب ؟! (ثم عاد متحدثا بنره قويه ) اتصرف ومشي الناس اللي تحت دي والا هتصرف معاهم بطريقتي.

- الناس دي مش هتمشي غير في حالتين يامرتي ترجع او بكلمه مني.. اي قولتك عاد
قطعهم زمجره عواصف صوت (زيـدان) الذي اقتحم مكتبه بثبات وثقه.. ثم جلس فوق احد مقعدي مكتبه قائلا
- خد الباب في يدك ياعسكري وهاتلي حاجه اشربها
رمق (هشام) العسكري بنظره فهم مغزاه وسرعان ما ترك مجلسهم.. شبك (هشام) كفيه بعدما ارتسم ابتسامه خافته..

- بقي (زيدان باشا نصير ) بنفسه في مكتبي.. يااهلا.
بادله (زيدان) ابتسامه ماكره
- بلاش تدوبلي السم في العسل بحديتك الحلو دا وقولي مرتي فين ؟!
رجع (هشام) بظهره للخلف باقتضاب وبخبث
- اه سمعت ان مرتك هربت ليلة فرحها.. بس انا اي علاقتى بالموضوع دا ياحج ؟ اى علاقتى بانها طفشت منك !

ضرب (زيدان) الارض بمشط قدمه محاولا تمالك اعصابه
- واي علاقة ! هي مش هربت في عربيتك !
- عندك شهود ؟
اجابه (زيدان) بتحدي:شوف العدد اللي تعوزه من الشهود وانا سداد
انفجر (هشام) في نوبة ضحكاته الساخره
- قادر جناب وتعملها مش محتاج تثبتلي عشان اتأكد.

برود كلمات هشام اشعلت النيران بداخل زيدان الذي ضرب الارض بمؤخرة عكازه
- شكلك لسه معرفتش مين زيدان نصير ياولد الشيوفي.
مط (هشام) شفته متحديا
- بس الواضح جنابك عارف كويس اوي مين ولاد السيوفي.
- مرتي فين ؟!

نهض (هشام) من مجلسه وتحرك نحو نافذته عاقدا ساعديه امام صدره
- للاسف كان نفسي اساعدك واقولك هي فين.. بس وعد مني هدورلك عليها.
استند (زيدان) علي عكازه متحديا ثم وثب قائما امامه بقوة
- ولو اتأكدت انك عارف مكانها.
اجابه (هشام) بسخريه.

- يعني جناب محرض اهل البلد وجاي بنفسك لحد هنا وانت مش متأكد انها عندي.. تؤ فلتت منك دي ياحضرة العمده.
ارسلت عيني (زيدان) شرارات الغضب واحتشدت النيران بداخله
- خلي بالك بقيت تلعب بالنار ياولد السيوفي.
دني (هشام) منه باتزان
- ماهو ابن السيوفي مابيلعبش غير بالنار.

تبادلت حبال النظرات الاشبه بصواعق الكهرباء بينهم الي ان لحف (زيـدان) عبائته علي كتفه وغادر متوعدا.. وعلي المقابل اتسعت ابتسامه (هشام) واسرع باجراء مكالمه مـا..

- ايوه ايووه هو انا مكتوبلي اصطبح علي صوتك كل صبح..خير هي القيامه قامت !
استيقظ (مـجدي) علي صوت رنين هاتفه اخيرا بعد اتصال مرارا وتكرارا من (هشام)
(هشام) بصيغه امره:قوم يازفت وكفايه نوم شكل اللعب احلو اوي
اعتدل (مجدي) في جلسته:لا براحه عليا كده انا لسه مهنج.. هو في ايه
اجابه (هشام) بحماس
-بص هات قوه علي الفيلا وكمان البت اللي عندك دي شكل كده روح زيدان في ايدها عشان قالب عليها البلد هنا.. عاوزك تصحصح كده وتسمع اللي هقولك عليه بالحرف.

ظل (زيدان) يجوب في احدي مخازنه ويضرب كف علي الاخر متوعدا
- ماشي مااشي يابن السيوفي اما وريتك وعرفتك مين زيدان نصير مبقاش انا
قطع المعركه التي بداخله قدوم (خالد)
- النجار اللي طلبته برا ياعمي.
التفت اليه باهتمام:خليه يدخل
اردف النجار (سالم) نحوه برأس موطأ:اوامر جنابك ياحضرة العمده.

اشار (زيدان) الي (خالد) نظرة ذات مغزي
- طب امشي انت ياخالد روح شوف شغلك.
انسحب (خالد) بهدوء عكس حرب الفضول والغل الناشبة بداخله.. تحدث (زيدان) مع النجار بصوت خافت لعدة دقائق ثم ساد بينهم صمت تام لبره.. نظر اليه (زيدان) بحيرة
- ها يا منصور قولت ايه ؟!

طافت عيني (سالم) مفكرا
- بس دي شغلانه مش سهلة واصل يابيه.
- الفلوس اللي تقول عليها بس الشغل دا يكون خلصان الصبح.
اتسعت حدقة عينيه مندهشاً:صبح ! مش هنلحق جنابك
اخرج من جيب عبائته رزُمة فلوس ولاح بها امام عينيه قاصدا اغراءه
- طب وكده ؟!

ارسل منصور نظرات متتاليه نحوه ونحو النقود التي تلوح امام عينيه مرتجلا
- اتعبره حصل.. هروح اجيب العدة وكمان اشوف واد يساعدني شغلانه زي دي صعبة اعملها لوحدي.
- اهم حاجه كلمه اتنتورت اكده ولا اكده انت عارف اي ممكن يجرالك.

في قصر (زيدان)
ذلك المنزل شاسع الاتساع جميع افراده منهمكين في مصالحهم.. جالسه (ناديه) في بهو القصر ترتل وردها القرأني اليومي بخفوت.. اذًا (بمهجه) تجلس بجوارها بكبرياء
- انا مش عارفه لحد امتي هتفضلي عامله فيها ستنا الشيخه كده.. ماتظهري علي حقيقتك ياناديه وبلاش شغل قال الله قال الرسول دا.

انهت (نادية) قراءه اخر آيه في الصفحه ثم اغلقت المصحف ونظرت لها بحيره
- عاوزه ايه علي الصبح يا(مهــجه)؟
وضعت (مهجه) ساق فوق الاخري وهزأت رأسها بغرور
-عاوزه اقولك اني فهماكي كويس اوي.. يعني الحبتين بتوعك دول مايخولوش عليا.
زفرت ناديه بضيق
- والمطلوب !

ارتمست (مهجه) ابتسامه ساخره
- ماتاخدي ولدك وتسيبي البيت بهدوء ومن غير شوشره احسن مااخرجك منه بفضيحه.
- ودا اعتبره تهديد ؟!
لتجيبه بثقه اكثر
- لا.. وعد !

وثبت (نــاديه) قائمة بنفاذ صبر.. وسرعان ما قبضت (مهـجه) علي معصمها بنبره تهديديه
-فكري في كلامي كويس اوي والا..
- والا ايه ؟ فهمني يابت الصياد.
وقفت مهجه امامها بتحدي هامسه في اذانها بنبره تحذيريه
- شوفي انت بقي لما خالد يعرف انه امه روح قلبه عارفه مين قتل ابوه وساكته..

تبادلت الانظار مابينهم بذهول وصدمه.. ابتلعت (نـاديه) ريقها التي جف من حرارة كلماتها وارورقت عينيها بالدموع وبعد اختلاسهم لبره من الزمن رمقتها (ناديه) بنظره ناريه بعد ما اعتصرت ذراعها مما جعل (مهجه) تصدر تأوهات المها قائله

- بس انتِ عاقله ومش هتعملي كده.. وبلاش تقفى قدام واحده مش باقيه على الدنيا
ثم دفعتها بكل قوتها علي الكرسي الخلفي وسرعان من اختفت من امامها اشتعلت النيران بقلب (مهــجه):وديني لاوريكم

آتي ظهر ذلك اليوم كل شيء كان يبدو هادئاً قبل قدوم من يعكر صفواه.. واقفه (فجـر) مع (بسمه) اما موقود الطهي لاعداد الطعام.
تذوقت (بسمه) الحساء التي اعدتها (فجر) بإنبهار
- طعمها حلو بجد.. ماشاء الله عليكي اكلك حلو اوي
ارتسمت (فجـر) ابتسامه باهته:بسمه انا لازم امشي من هنا.. حاسه نفسي تقيله اوي وكمان خالتك مش طايقاني انتي مشوفتيش كلامها الصبح ؟!

غطت (بسمه) إناء الحساء وقالت في ثبات
- وانتِ مسمعتيش تعليمات مجدي وهشام! ومادام هشام بنفسه اللي امر يبقي الموضوع فعلا مهم وخطير
التفتوا جميعا نحو شباك المطبخ عندما سمعوا ضيجيج بالخارج
(فجــر) بفضول:هو في ايه ؟

اخرجت(بسمه) رأسها خارجه النافذه لاستكشاف الوضع لتجد (مجدي) يعطي اوامر لبعض الرجال اللذين يتميزوا بصلابه البُنيه والشراسه بوضع الكاميرات في اماكن مختلفه.
- مش قولتلك شكل الموضوع كبير فعلا

قالت بسمه جملتها وهي تغلق باب النافذه بتلقائيه
تلعثمت الكلمات في حلقها بضيق
- يبقي اكيد زيدان قالب البلد عليا عشان كده ابن خالتك امر بالقوة دي تحرس البيت
كادت (بسمه) ان تجيبها ولكنها ابتلعت كلماتها فجأه بمجرد دخول (زيـاد) المفاجئ
- هو انا مش المفروض لما اتصل واقول راجع كمان نص ساعه القي الاكل بره !

ساد الصمت بينهم لبرهه ثم اجابته بسمه بعدما استجمعت شتات قوتها
- ياريت توطي صوتك شويه عشان مش اسلوب دا يادكتور
- وماله اسلوبي يادكتوره.
- همجي..
تدخلت (فجر) سريعا قبل ما ينفجر بركان غضب (زيـاد)
- محصلش حاجه لكل دا.. الاكل جهز علي فكره.

سرعان ما تحول حاله 180 درجه واعتلي ثغره ابتسامه عريضه
- هو الحلو بنفسه اللي عامل الاكل ولا ايه ؟
- اه انا وبسمه.
- فكك من بسمه وخلينا فيك.. هاتيلي أكلي في الجنينة
كانت تلك اخر كلمات القاها زياد نحو (بسمه) بنبرة آمره قبل مغادرته.

- همجي ومتخلف وغبي.. حياته كلها شخط وزعيق وارف
قالت (بسمه) جملتها وهي تعد في اطباق الغرف.
اصابت الدهشه عقل (فجـر) في مقتل
- هو في ايه.. وليه المعامله دي مابينكم.
- اتعودت علي كده.
- طيب انتوا اتجوزتوا ليه طالما مش حابين بعض.

ابتلعت (بسمه) ريقها واستدارت بجسدها تحضر طبق غرف اخر محاوله اخفاء دمع عينيها
- بعد وفاه بابا وماما كنت مخلصه 3 ث وقدمت في كليه طب القاهره قبل الحادثه بيومين.. عمامي في الفيوم اصروا اني ارجع اعيش عندهم ومافيش تعليم.. وماينفعش اقعد هنا عند خالتي وعندها اتنين شباب
عقدت (فجـر) ساعديها امام صدرها بفضول
- ها وبعدين ؟!

- بس عمامي مسابوش قدامنا حل ياما زياد يكتب عليا ياما مافيش تعليم.
- طيب اشمعنا زياد! ليه مش هشام ؟
- هشام ساعتها كان خاطب واحده بيحبها من ايام الجامعه ودي بقي حوارها حوار.

- اي دا ازاى ؟ لا فهميني..
حملت (بسمه) الصنيه بين كفيها
- خدي خرجي الاكل للمختلف اللي بره دا الاول عشان مش طايقاه وفوق احكيلك.

ظل (مجدي) يترقب عملية تأمين المنزل ووضع كاميرات المراقبه بعنايه.. اقترب زياد منه بفضول
- اي الحوار ؟!
- اجراءات امنيه يادكتور.
- احنا مستهدفين ولا اييه ؟!
رفع (مجدي) نظارته الشمسيه بغرور
- حاجه زي كده بس اطمن طول مأنا معاكم مافيش داع للقلق.

ارتسم (زياد) ابتسامه ساخره:لا انا كده قلقت اكتر
وضعت (فجر) صنيه الطعام فوق المنضده التي اشارت عليها (بسمه) بمجرد ان راها (زياد) ترك ابن عمه وتقدم نحوها بلهفه.. اصدر صوتاً من الخلف
- تعبناكي ياقمر..
ارتجف جسدها قليلا ثم ابتسمت بهدوء
- مافيش تعب.. وانا هنا بشتغل زي ماهشام بيه امر.

اجابها (زياد) مندفعا:هشام دا اش فهمه انت ضيفه هنا ولو مشالتكيش الارض اشيلك جوه عينيا
ابتعدت عنه (فجر) بخجل:بعد اذن حضرتك.. يارب الاكل يعجبك
دني منها هامسا:مش انتي اللي عاملاها اكيد هيعجبني اوي اوي يعني
تركته (فجر) وغادرت مندهشه علي امره متمتمه: سبحان الله يقطع من هنا ويوصل هنا !

ظلت تجوب غرفتها ذهابا وايابا بعد ما بلغ الخوف بداخله لذروته.. ركضت نحو الباب بمجرد سامعها لمجره رياح صوته القوي.. خرجت من غرفتها مندفعه ثم اردفت الي اسفل بخطوات متعجله قائله بقوه
- (زيدان) عاوزاك.
- نادية مش فاضي لنكدك.. اي حاجه عندك اجليها.

لتقطع (مهجه) حديثهم:وعلي ايه ماتشوفها ياحج يمكن عاوزه تشكيلك مني ولا حاجه
- حديت حريم انا مش فاضيلوه.. وانتِ ياناديه عندك حاجه اجليها دلوق.. خدي يابت مووهجه عاوزك.
تمايلت مهجة نحوه بدلال مصوبه اذانها كالصقر نحو (ناديه) التي اشتعلت النيران بداخلها قائله
- ايه مسمعتيش قال يامهجه ياحبيبتي نهدا بقي ونعقل دا حتي عيب علي سنك ياطنط.
تسمرت (ناديه) في مكانها وعروقها تحترق من الداخل فوجئت بيد صغيره تلمس كفها وعلي المقابل سحب (زيدان) مهجه خلفه الي غرفة المكتب.

ابتسمت (ناديه) عندما وجدت ايوب الصغير ينظر لها بعيون لامعه
- انتِ زعلانه ليه ؟ خديجه وحشتك زيي!
- وحشتنى ياولد... ومستغربه من عجايب الدنيا.
- تزعليش.. خالتي فجر كانت دايما تقولي سكه الصبر اخرها جبر مهما طالت.. فأنتِ لو حاجه مزعلاكي اصبري عليها وادعي ربنا ياخاله.

ابتسمت (ناديه) لكلمات الصغير ابتسامه لم تخل من الدهشه والحيره
- فجر كانت تعلمك حاجات حلوة قوي ياايوب.
- قوي قوي ياخاله.. عشان كده نفسي ترجع قوي اصلها وحشتني هى كمان.
تدخلت (نورا) امه:عاوز اي من خالتك ياايوب
- معاوزش ياما كنت عقولها متزعليش من حاجه.
ربتت الام علي كتفه بحنو:طب يلا عشان تاكل

في غرفة المكتب
- ابويا عاوز يقابلك بكره ياحج
قالت مهجه كلماتها بلهجتها الاسكندرانيه الممزوجه بدلال انثوى.
- مأنتي عارفه اني مش فاضي.
- مأنت متكونش طالب اكبر شحنه تدخل البلد وجاي دلوقتي تقول مش فاضي..
- مش القصد يامهجه مأنتي عارفه انا مش ملاحق الاقيها منين ولا منين والبت اللي هربت دي ضربتلي الدنيا.

- وانت مالك ياخويا متأثر بيها قوي كده اييه تكونش حبتها !
ابتسم (زيدان) علي طريقة كلامها
- مش وقت غيره يامهجه.. انت عارفه كويس انا اقصد ايه
- روحت للظابط زي ماقولتلك؟
-روحت وقومت اهل البلد.. وكلامه اكدلي انها عنده.
- طب وناوي علي ايه.

ابتسم بمكر
- ناوي علي تقيل تقيل قوي.
اتسعت حدقة عيونها بحيره:لا فهمني
قهقهه بصوت مرتفع: اصلي عرفت الهييه عني كيف واخليه يركز في حاجات ويهمل حاجات تانيه
نظرت له نظره توحي بإنها فهمت مايشير اليه
- قصدك انه...
اومأ راسه بفخر:اه هو انه دي..
امتزجت اصوات ضحكهم جميعا وهي تضرب كفها بكف بفرحه وتتمايل عليه بكتفها
- وكده احلوو اللعب.. نضرب احنا بقي.

- زياد.. انت فين !
بلع اخر لقيمه فى فمه برشفه مياه وهو يرد على هاتفه.. فاردف قائلا
- خير يانهى.. فى ايه !
- فى انك وحشتنى !
القى نظرة للخلف ليتأكد من خلو المكان فواصل حديثه مبتسما
- قولتلك سكة التليفونات الغراميات دى ماليش فيها..
جلست على مكتبها بدلالٍ: اومال ايه هى سكة زياد السيوفى..
انخفضت نبرة صوته قائلا: هاجى اخد من ايدك ونروحها سوا..
اطلقت ضحكه عاليه بميوعه وهى تتراجع للخلف ثم اردفت بثقه
- مستنياك..

التقط مفاتيحه على الفور وهو يهم بالمغادرة
- حالا.. وانا مش هخليكى تستنى كتير...
يمشي على عجل.. تأكل خطاويه الارض ليلحق موعده الغرامى الذي يظفر به يوميا كما اعتاد مع اختلاف الضحيه، تجاهل نداء رهف المتتالى حد وصل لباب البيت فوجد امه لتعوقه عن مقصده قائله
- على فين !

اردف متغزلا: كوين السيوفى.. اى القمر ده !
ركلت الباب بقدمها وبنبره احد
- يابنى انت مابتقعدش فى البيت ! ليل مع نهار طافش كده..

قبله خفيفه طبعها على وجنتها قائلا
- هجيلك بالليل نشوف الموضوع ده.. اما حاليا فى حالة ولاده مستعجله وانا لازم الحقها..
رمقته بعد تصديق وشرعت فى الرد عليها ولكنها فوجئت بفجر وبسمه خارجين من المطبخ فتعمدت رفع صوتها
- هو البيت لسه منضفش !

اناء من الجليد انسكب على راس فجر فتوقفت إثر جملتها.. فتعمد زياد تلطيف الجو قائلا
- والله بيتنا ما نور غير بوجودك يافجر..

اطرقت فجر بخجل وحمرة الاحراج كست وجهها قائله
- اسفه لو وجودى مضايق حضرتك والله غصب عنى.. وسيادة الرائد رافض انى امشي !
التوى ثغرها بسخريه وهو تختال فى مشيتها بكندرتها العاليه
- ااه سياده الرائد... يبقي نجهز كلنا لمصيبه جديده..

تسلل زياد بخفه ليترك شجارهم.. فالتفوا جميعا نحو صوت الباب الذي قفل متجاهلا حديثهم.. تدخلت بسمه سريعا
- على فكرة فجر بنوته طيبه اوى ياخالتو وهتحبيها جدا..
نظرة ساخرة انطلقت من مقلتى عايده وتركتهم وصعدت غرفتها وهى تهزى بعبارات غير مفهومه..

كتمت رهف ضحكتها الى ان ضمنت وصول امها للغرفه حتى انفجرت ضاحكه.. فنظرت اليها بسمه معاتبه
- بتضحكى ليه يارخمه انت !
- اصل بحب اوى البيت هو قايد حريقه كده.. شعور بيرضي غرورى..

القت عبارتها بنبره تجعل المغموم ينفجر ضاحكا.. فضحكوا سويا متجاهلين اى حروب داخليه وخارجيه.. وصل زياد سيرا على قدميه لبوابه الفيلا ليصعد سيارته المركون بالخارج.. رن هاتفه مرة اخري فوجد اسم ريهام فاتسعت ابتسامته وطافت انظاره
- وغلاوتك لسه كنتى على بالى ولو مكنتش اتصلتى كنت هتصل أنا..
- بكاااش موت.. اى يازيزو ناسينا يعنى..

- ولو عقلى نساكى.. قلبى ينساكى ازاى ! دا كل نفس بيدخل جوايا بيقول ريهام ريهام.. كأن الظواهر الكونيه كلها تحالفت عليه..
انفجرت ضاحكه إثر غزله وكذبه المبالغ.. فواصلت حديثها - - بالليل نتقابل!
- لا..
تغير نبرة صوتها للزعل: كده!

- اصل الليل بعيد اوى.. الود ودى اركب طيارة واجيلك حالا..
واصلت ضحكها العالى مما زاد بداخله شعور بالفخر والانتصار.. شرع بأستكمال اسطوانته لكنه توقف لوهله مندهشا عندما رأي رجل بزى صعيدي يطوف حول منزلهم بنظرات مثيره للفضول.. انهى مكالمته سريعا وعاد الى المنزل ليخبر مجدى..

فى مركز الشرطه لم ينجح هشام فى كسب ثقه الاهالى الثائره التى اندلعت اكثر كالحمم البركانيه الملتهبه عندما رأوه.. فما لا يأتى بالاتفاق فالعنف لا محاله...تدخل رجال الشرطه بالقوه لفض التظاهر... القبض على من يقع بايديهم.. فلت من فلت واُسر من امره زيدان بالاسر...

اتاه صوت رنين هاتفه.. فابتعدت عن موطن الصخب مردفا
- ايوة يا مجدى..
- هشام.. زياد شاف فى رجاله تقريبا تبع زيدان بيلفوا حولين الفيلا.

ابتسم بهدوء مردفا: كنت متأكد.. ادينى زياد كده
- يعنى منقبضش عليهم !
اردف سريعا: لالا سيب التيران سايبه ومطمنه لحد ما نضرب ضربتنا...
- مممم طيب خد زياد...
تناول الهاتف من مجدى قائلا
- ايوة ياااتش..
- اطلع كده بص عليهم شوفهم قاعدين ولا مشيوا !

صعدت درجات السلم بخطوات واسعه منفذا لاوامر اخييه.. وصل غرفته وفتح الشرفه وامتدت انظاره لاكتشاف المكان ثم اردف
- مش شايف حاجه.. هبص من اوضه بسمه الرؤيه عندها اوضح
- طيب يازياد ولو قدرت تصورهم يلااا..

تحرك سريعا نحو غرفة بسمه وبدون إذن اقتحم غرفتها فكانت تبدل ملابسها ولكنه دخل فى الوقت المرغوب بالنسبة له.. تناولت مفرش الاريكه سريعا صارخه بوجهه
- انت مين ادالك الحق تدخل هنا ياهمجى يامتخلف..
بمنتهى البرود اطلقه صفارة خافته وهو يمشط جسدها باهدابه قائلا بمكر
- شكلى هسك على نهى !
ارتفع صوت صراخها: زياااااد اطلع بره..
فاق على هاتف هشام قائلا
- فى ايه عندك !

لازالت اعينه ثابته نحوها قائلا: فى قمر...
جز هشام على فكيه بنفاذ صبر
- زيااااااد... اخلص !
ركل زياد الباب بقدمه ودار ليحكم غلق بابها بالمفتاح متجاهلا ثرثرتها العاليه.. مواصلا ما أمره به هشام بهدوء.. ف خرج الشرفه يترقبهم.. فلقى اثنين من الرجال يصعدون سيارة سوداء وينطلقون باقصي سرعه...
زفر زياد قائلا: مشيوا ياهشام !

شرع هشام فى القاء عريضة أوامره ولكنه توقف إثر حديث زياد العائد لغرفه بسمه قائلا
- لالا انت تروح تحفظه لمجدى بما انكم ظباط زى بعض.. اما انا دكتور ومفهمش غير فالنسا ووسائل تثبيت وتأمين النسا..
فرفع عينه نحو بسمه التى انتهت من ارتداء ملابسها قائلا بعجل
- هشام.. طير انت دلوقت..

قفل هشام المكالمه بوجهه متأففا ففوجئ برساله نصيه من مياده قائله
- عاوزه اقابلك...
قفل الهاتف متأففا: مش وقتك خالص يامياده...
قرر ان يُهاتفها ولكنه تراجع عندما وجد اتصالا هاتفيا من اللواء نشأت معلمه ورفيق والده.. فرد قائلا
- مساء الخير معاليك...

اردف بشموخ: مش خير خالص يا هشام..
- ليه يافندم... حصل ايه.
سكت اللواء نشات للحظه وبعدها واصل حديثه
- طلع امر بنقلك من بنى سويف..

انعقد حاجبى هشام بدهشه:
- ازاى! انا مطلبتش نقل.. واتنقلت فين اصلا !
اطرق اللواء باسف: العريش ياهشام.. هتخدم هناك...


توقيت الله دوما مناسب حتى وإن لا نعرف الحكمة من التاخير للوقت الحالى ..

- " زياد قولت اطلع بره "
تتراجع بسمه للخلف مقاومه قلبها الذي يدفعها دوما للامام وهى تشير بسبابتها مطلقة زفيرا قويا بنفاذ صبر تخشي انهيار مبادئها بنظرة رضا منه كما اعتاد ان يفعل بها ..
اردف زياد معادنا وهو يدنو شيئا فشيئا قائلا بحنان تلين لاجله الصخور
- فاكره يابسمة زمان ايام ثانوى اما كنت اثبتك تحت السلم .

اوشكت على البكاء فهى اضعف من أن تقاوم ضجيج قلبها وصخب عينيه فى آنٍ واحد .. تراقبه بعيون مرتعشه وانفاس تعلو صدرها من حين لآخر.. فهتفت بنبرة قويه من رحم ضعفها لا تعلم من اين اتت بها
- والله يا زياد لو ما خرجت دلوقتى هصوت وألم عليك اهل البيت كلهم ..
اخترق قانون المسافات وواضعها بين اسر انظاره المثبته على ما يشتهيه ويديه المستنده على الحائط قائلا
- افتحلك الباب ونصوت سوا ..

تعلم ان اقترابه لهذا الحد يحرق كلمات العناد والترجى والتمرد الفائضه على شفتيها.. ايقنت انها وقعت فى فخه الذي نصبته عشوائيه الصدف .. عيناها تحمل تعويذه بقبول اي شيء يتغلف برائحته .. شرعت لتحرك شفتيها لتقاوم نفسها اولا ثم هو ولكنه كان بارعا فى التقاط قُبله طويله من ثغرها دغدغت جسدها لاجزاء حتى باتت كل جوارحها فؤاد ينتشي بقربه ..

تناست العالم حولها حتى اصبح هو عالمها الوحيد لبضعة ثوانى مسروق من توقيت الحب .. انتهى زياد من فعله الذي لا يجد مبررا لارتكابه .. ربما غدده الصماء انتصرت على قلبه .. ام عيناها ذكرته باول نبضه بقلبه كانت لاجلها فلم يكبح مشاعره .. ام طباع الرجل الشرقي ثارت داخله ليحطم غرور امرأة يضمن حبها .. اقترب من اذنها هامسا
- انت غيرتى طعم الروج !! اصله زمان كان طعمه احلى ولا ده كان طعم الحرام .. على كُل مابحبش الخوخ ، نرجع للفراوله ياريت ..

دفعته بكل ما تجمع بداخلها من قوة إثر ثلجية كلماته .. قائله بانفاس متتاليه
- افتح الباب واطلع بره ..
ارتسم على ثغره ابتسامة انتصار وهو يلقى جملته الاخيره
- كان فى رد فعل اقوى على فكرة .. انت اللى اثبتى بسرعه ..

لم تكبح رغبتها فى قتله .. اصابتها رغبه عارمه فى اختراق صدره باظاهرها وتتناول قلبه وتمزقه لاشلاء كمان بعثر قلبها وروحها وكرامتها .. رمته بأبريق المياه الموضوع فوق الكومود لتطفىء نارها .. فارتفع صوته ضاحكا وهو ينفض قطرات ما تناثرت عليه
- كده هتأخر بسببك على معادى !! يلا ياستى فداكى هعتبرها ضريبة التهور بتاعى ..

خرجت وظل فعله الغير مخطط محتل عقله باحثا عن مبرر واحد لارتكابه .. هل اقترب منها رغبه فى محاولة طى مرحلة الفراق الخالى من اى ذنب يُذكر ام اصيب بلعنة الحب فانقلب السحر على الساحر !! .. على كلٍ سرعان ما نفض غبار افكاره بابتسامه قويه وهو يبدل ملابسه ليعود لموعده المرغوب ..

اما عنها فجلست ارضا خاليه من اى مشاعر ندم او لوم .. تتحسس قلبها الذي عطل نبضه منذ اعلان رحيله واليوم هو والصدف تأمرا على قلبها .. صنع من اعصابها حبالا يتسلقها عندما يريد .. ومن قلبها منزلا يسكنه عندما تلفظه الطرقات .. عادت الى متاهة رجل غامض يتلاعب بالحب كاحجار الطاوله .. مخادع يظن انه قادر على اللعب بالقلوب كالعرائس الخشبيه .. فهل يظل غائصا فى عالمه ام تنقلب عليه افعاله ويقع فى فخ ما كان يتلاعب به !!

جلس على مكتبه ينفث دخان غضبه مردفا
- نشأت بيه .. ياترى النقل ده بفعل فاعل ولا دى توصيات من فوق !!
بنبره خافته ممزوجه بالحده تعمد اللواء نشات تموية هشام عن افكاره السوداويه .. قائلا
- نسر السيوفى مش هيهمه سوا خدم فى الصعيد او فى سينا .. هو قدها دائما ..

اضفىء سيجارته المشتعله بالمطفاه حتى انثت بيده قائلا
- مش الفكره معاليك .. انا مخلصتش شغلى هنا ..
- شغل هنا هيتم وهيمشي زى ما أحنا مخططين له ياهشام .. لم حاجاتك بس وارجع على القاهره ارتاحلك يومين قبل ما تستلم شغلك الجديد ..
ليس من المنطق ان تتباهى بالحريه وانت مكبل بقيود الطاغوت .. مناصب متراقصه على حبال معلقه  فمن يتجاوزها ويقترب لهدفه يقطعوا به الحبل ليعود من حيث ابتدأ ..

- ماشاء الله عينك من الصبح ما نزلتش من على النقيب مجدى !! هو في ايه ؟
احتل الخجل وجه رهف إثر اتهام فجر الصريح .. فظلت انظارها تطوف بعشوائيه وعلى ثغرها ابتسامه فشلت فى اخفائه قائله
- مفضوحه اوى يعنى !!
- جدا .. العيون فضاحه يا ستى ..
انتقلت رهف من مقعدها فى الجنينه الى مقعد آخر بجوار فجر قائله
- اقولك على سر ..
- فى بير يا ستى ...

- قدامه بحس انى طايشه .. عيله هبله .. متعرفش العقل مع أن عقلى بيوزن بلد مايغركيش الهزار الكتير ساعات بحس انه واحشنى لما هشام وزياد يختفوا كعادتهم ..
ثم صمتت لبرهه وهى تفرك كفيها وانظارها تتراقص هنا وهناك
- وفى نفس الوقت اول ما بشوفه بكون عاوز اتخانق معاه.. وبحس انه رخم ومش طايقاه .. ولو شوفت اى ولد قمر كده بحس انى اتخطفتله وبنسي مجدى بالثلث !! .... ممممم فاهمه حاجه ؟

ابتسامة فجر اتسعت قليلا وهى تتذكر شيء ما .. فبعد ما اتحذت نفسا طويلا شحن رئتها بأوكسجين الأمل.. قالت
- نحن نرى الاشياء بصورة تعكس حالتنا المزاجية ..
انعقد حاجبى رهف بامتعاض
- ميغركيش انى مذيعه .. كنت بسقط فاللغة العربيه على فكرة ..

ضحكت فجر إثر مزاحها الذي لا يتقيد بزمان ولا مكان مواصله حديثه
- ياستى هفهمك .. طولى بالك بس .. باباكى اتوفى امتى ..
سكن الحزن اغصان ملامحها ولمعت عينيها بدموع الذكريات
- بابى! .. بابى اتوفى من ٨ سنين.. كنت فى ٢ اعدادى .. وزياد كان فى ٢ جامعه واتش كان ملازم أول .. بابا كان مجمعنا .. كنا كلنا تربية عسكرى .. النوم بمعاد والخروج والاكل .. كله بالساعه ..

ثم صمتت لبرهه تجفف دموعها مواصله حديثها
- فجاة ملقتش بابا ولا هشام ولا زياد ولا حتى ماما .. بقيت اقعد فى اوضتى بالايام محدش يسأل عنى.. الا مجدى كان دايما على تواصل معايا .. ده غير هزاره وضحكه كنت بتكلم معاه ينسينى الدنيا ..
صمتت رهف منتظره رد فجر التى اجابتها بثقه وهدوء
- مستنيه ليه منى رد ! انت رديتى على نفسك ..!!
انعقد حاجبى رهف بتعجب
- فكرك مجدى كان بدل فاقد !!

- مجدى جالك فى الوقت اللى كانت فيه حياتك فاضيه .. فشوفتى فيه اخواتك واهلك وصديقك وممكن مشاعرك اتحركت ناحيه ... فكل الحاجات دى اتخلطت جواكى لحد ما وصلوكى للحيره دى !!
فكرت فى كلام فجر للحظات متمتمه : معاك حق .. والدليل فى وجود زياد وهشام مش بفتكر مجدى ..
- يبقي متعلقهوش معاك اكتر من كده حرام ..
- منا بردو مقدرش اشوفه مع واحده تانيه !! بحس انى طفله مستحيل حد ياخد منها حاجاتها ...
ضحكت فجر قائله : حالتك صعبه والله ..
- اوووف .. اوووووى

يسر مختالا فى طوابق المشفى رائحة عطره تفوح فى المكان مما تجعله تحت الانظار وبداخل القلوب من الممرضات وزملائه البنات وغيرهم من آهالى المرضي .. يسير بخُطى واثقه ثابته وابتسامه ساحره .. فتوقف اثر نداء فتاة ظهرت امامه فجأة .. اردفت بنبره قلقه وعيون تائهه وشيء من التوسل
- لو سمحت فين العنايه المركزه .

مشط جسدها الممشوق وشعرها الطويل عشوائيتها الساحره بأعينه ثم اردف بنبره البدايات الغلفه بالاهتمام واللهفه
- أنا دكتور هنا .. اقدر اساعدك فى حاجه ..
كاد الدمع ينسكب من مقلتيها راجيه
- جالى تليفون ان بابا هنا فى العنايه وانا مش عارفه هى فين .. ممكن ت ...

سرق الكلام من شفتيها وهو يمسك كفها بدون استئذان ويسحبها خلفه الى الاستقبال .. فعله الغير متوقع لا يحرك إنش من الفضول بعقلها إثر احتلال الخوف والقلق كيانها .. سألها زياد على اسم والدها .. فعاد الى موظف الاستقبال واستدل منه على الغرفه ... واصل سيره معه ولازال قابضا على كفها برفق ومن حين لاخر يبث بجوفها بعض الكلمات ليهدا من روعها الى أن وصلت الى الغرفه المقصوده .. فأشار اليها بسبابته
- والدك هنا .. وطبعا صعب تدخلى.. استنينى هنا متتحركيش هغير واجيلك نطمن عليه ..

لازال الخوف يسيطر عليها ومن حين لاخر دمعه تفر من طرف عينيها .. فاردفت بامتنان
- تعبت حضرتك معايا. .. كفايه اوى كده مش عاوزه اعطلك على شغلك ..
بنظراته الساحره ووسامته التى تجذب انظار الاعمى قائلا بمزاح
- فى فرق بين انك مش عاوزه تشوفينى تانى .. وبين انك هتعطلينى عن شغلى ..
ببراءة طفله اردفت : اكيد مش قصدى بس ...

رد سريعا  : بس ايه !!! اسمعى الكلام وانا مش هتأخر  ...
ابتسمت بهدوء وعيون منهمكه بحزن لم تذرف دموعه
- تمام يا دكتور  !!
رد سريعا : زياد .. والجميل اسمه اى !!
- نور  ..
- طيب والله حسيت .. فجاة لقيت حياتى نورت .
رفعت حاجبها مستنكره : ياسلام !
- وحياة عيونك القمر دول ... ٥د هتلاقينى  عندك .. سلام مؤقت ..

صافح  قلبها بنظرته التى اشبه بزخات المطر التى رطبت عجاف صدرها حاملة رساله صريحه بانه يعرفها منذ اعوام وما يفعله هو  امر واجب عليه لا محال منه .. اشعل التفكير برأسها للحد الذي ظلت تنتظر مجيئه بخطاوى عقارب ساعتها حتى  تناست أمر والدها ..
وصل الى مكتب نهى واقتحمه بدون استئذان كعادته .. كل شيء يقتحمه متى  يريد حتى القلوب لا تخلو من مكره .. انتفضت نهى وهى تخفى العبوه الصغيره بيدها على الفور مما اثار فضوله .. قائلا
- بتعملى ايه !

قفلت الدرج سريعا وهى ترسم ابتسامه تحمل رساله صريحه بقربه قائله
- كل ده تأخير !!
التوى ثغره  ضاحكا: بردو ما قولتيش اى اللى خبتيه منى !!
اهتز داخلها خوفا .. فقررت استخدام اسلحتها الانثويه لتنسيه امر ما يسأل عنه  .. دنت منه وهى تعانقه بدلال
- وحشتنى يا زيزو ..
رجل مثله اضعف من أن يقاوم رائحتها التى اسكرته فتناسي امرها فلا يري امامه سوى اهوائه وهو يدنوها منه اكثر مردفا
- اى الرضا ده كله !!

- حسيت انى  كنت اوفر معاك وكده !! فحبيت اصلح غلطى !!
شرعت فى ان تدنو منه اكثر لتكسر حاجز المسافات بينهم ولكنه تذكر تلك الحوريه التى بانتظاره .. فاليوم سقطت فى شباكه ضحيه جديده .. رجل مثله اعتاد ان يستغل كل الفرص .. للحظه طاوع نهى  فيما تنويه منه وبمكر ثعالب ابتعد عنها قائلا بهمس
- راجعلك ....

لم ينتظر منها رد .. هو من يبادر ومن يغادر ومن يعلن الحب ومن يسلبه ، هو من يتعكز على اعذوبة كلماته وسحره ليخترق قلب كل انثى .. فعله اشعل جيوش من الغضب بجوفها فظلت تجوب الغرفه بحركات عشوائيه كالمجنون الذي  فقد عقله .. لتقول متوعده
- طيب يا زياد اما وريتك !!!

- الحلو سرحان فى ايه !!
اردف مجدى جملته بخفة ظل وهو يجلس بجوارها ويسلب كوب العصير من يدها ويرتشفه دفعة .. فاجابته رهف بمزاح
- دانت مركز معايا بقي !
- ماهو بصراحه لازم .. عيونك محاصرانى من كل الاتجاهات !! وماصدقت فجر قامت قولت اما استفرد بيك والبيت فاضي كده ..
اتسعت ابتسامتها واحمرت وجنتيها بدماء الخجل .. فسرعان ما غير الموضوع قائله
- مجدى هو احنا مستهدفين !

انعقد حاجبيه متعجبا : قصدك عشان التأمين والحرس وكده ؟!
- اااه اصل هشام وبابا  كانوا رافضين الفكره دى تماما ..
- مم ياستى اعتبريها إجراءات أمنية عشان مش عاوز اقلق عليك ..
- هى فجر حوارها كبير ولا ايه !!
وضع ساق فوق الاخرى وهو يفكر للحظه
- حقيقي مش عارف .. بس اخوكى اكيد له نظريه تانيه ... لو مضايقاكى امشيها ..

اجابت سريعا : لالا باين عليها طيبه اوى .. وتعبت فى حياتها كتير .
انتقل من مقعد ليجلس على الاورجوحة بقربها ومقلتيه يفيض منها الشوق فازفت لحظة انفجاره قائلا
- والله ما حد تعب ادى !! اخوك مش عاوز يخطبك ليا ليه !! افهم بس .. والله يا جدعان انا عريس لُقطه مترفضش ..
انتهى من جملته وقبل ما تجيبه قطع خلوتهم صوت رنين هشام .. فاردف مجدى بتأفف
- اخوكى .. عملى الرضي فى الحياه .. اشوفك متجاب من جدور قلبك على رقبتك ياهشام يابن عايده  !

انفجرت رهف ضاحكه وهى تنهض لتهرب من صوت اخيها الذي يرعبها كثيرا
- استنى متردش غير لما امشي !!
اجابها بحسره : اخوكى لو مخاوى عفريت ما هيعمل فينا كده ..
ثم فتح هاتفه قائلا بتأفف
- ايوه ياعم هشام ..
- خلصت اللى قولتلك عليه !!
- اتزفتت .. اى اوامر تانيه !!
- مجدى انت مضايق ليه ؟!

- واحد بيخدم ٤٥ يوم فى الحكومه .. ويومين الاجازه اللى باخدهم بخدم فى حكومه آل السيوفى ، عاوزو يزغرد ؟!
- بطل تفاهه وركز معايا !! البت لسه قاعده
- ااه ياسيدى قاعده وامك مش طايقاها ..  انت فين الاول  ..
- انا جاى فى الطريق..
فاردف مجدى بحزم : يبقي تركز فى سواقتك وانا اروح انام شويه ارتاح منك ياخى ولما تيجى يحلها الف حلال .. ارحم نفسك وارحمنى ياهشام ..  

- لو هزعجك ممكن انزل ..
كسرت فجر حاجز الصمت السائد بينهم وهى على  طرف السرير تترقب اعين بسمه اللامعه فى بحور الحزن كنجوم الليل .. سحبت بسمه الفرشاة من خلف اذنها وهى منشغله باللوحه التى امامها قائله
- لا ابدا .. الرسم الحاجه الوحيده اللى مستحيل اى دوشه تاخدنى منه ..
ابتسمت فجر قائله : وانا كمان بحب القراءه جدا .. بس للاسف كان نفسي اكمل تعليمى ومحصلش نصيب ..
- انت واخده ايه يافجر.

- اتعلمت لحد ٣ث وجبت ٩٧% وكان نفسي اوى ادخل سياسه و اقتصاد .. _ ثم اطلقت ضحكه يائسه _ بس شكلى عليت سقف احلامى ..
ابتسامه ساخره بنكهة الحزن .. فهتف بسمه قائله
- ده الطبيعى .. الاحلام ملهاش مكان بيننا .. دى مجرد حياه تانيه جوانا بنضطر نتشعبط فى حبالها عشان نعيش ..
فركت فجر كفيها محاوله كبح دموعها قائله
- معقوله انت كمان محققتيش احلامك ..
تركت بسمه فرشاة الرسم التى تعد كلسانها المتحدث دوما .. وتناولت كوب القهوة بهدوء .. ثم قالت
- عمرى  ما كنت بحب الطب ولا بفكر اروحه .. كان نفسي ادخل فنون جميله لانى مجنونه رسم ..
- ومدخلتيش ليه !!

اقتربت بسمه من النافذه ولازالت تواصل ارتشاف قهوتها
- عشان غبيه !! وغلطة من ٩ سنين بدفع تمن لدلوقت !!
اقتربت فجر منها : فهمينى طيب !!
- الشخص اللى قدامك ده مش اكتر من ظل لزياد !!
- بمعنى ؟!

- كل حاجه حولنا مصنوع من الماء .. الغيوم .. النهر ..  حتى احنا ممتلئين بدموع لا نعلم من اي وجهة تسربت .. زياد فى حياتى زى كده ... كنت بحب اقلده فى كل حاجه واى حاجه .. هو الليدر فى حياتى .. زى مايعلم بعتبر قانون صارم عليا ولازم انفذه ...
- يعنى انت دخلتى الكليه عشاان زياد !!
- هاهه !! ومش بس كده بقيت البس نفس الالوان اللى بيحبها .. واتعلمت العزف لانه بيحبه جدا .. حتى الوان عربياتنا واحده .. مش بقولك بسمة عباره عن ظل لزياد!!
اتكات فجر على جانب النافذه وهى تعقد ساعديها امام صدرها
- طيب وهو !!

لوهلة تذكرت فعله المهين .. فوضعت الكوب على النافذه بغل حتى اوشك على الانكسار قائله بغضب يتناثر هنا وهناك
- هو ربنا ياخده ..
انفجرت فجر ضاحكه اثر انفعالها فسقطت عينيها على صورة زياد التى لم تنته من رسمتها بعد .. فتمتمت بمكر
- مممممم .. لا واضح اوى انك مش طايقاه !!

ففهمت مغزى ما تشير اليها فانفجر الاثنين يضحكان على مشاعرهم المكشوفه كالشمس حتى الاعمى يراها ...
نحن كبنات حواء يجري فى عروقنا دماء النكران ..  ننكر الحقائق عندما تخالف هوانا .. ننكر فرحنا خلف ستائر الحزن لنخفيه عن الاعين ، ننكر اخطاءنا عندما تنقلب علينا .. ننكر الحب ونحن نغرق بقاعه نحن وفى نفس الوقت نحن انتظار ليلة حب بعد انتظار اعوام من الوحده .. نحن غرباء لاتحاول ايها الرجل فهمنا .. والله ستجن ..

- اطمنوا هو دلوقت بقي أحسن .. وهننقله اوضه عاديه !!
القى الطبيب المختص بحالة والد نور جملته وهو يرفع الكمامه عن وجهه على اذان زياد ونور .. فشرعت نور بالتحدث ولكن خطف زياد الكلام منها قائلا
- يعنى مفيش اى خطر على حياته يادكتور !!
- لالا اطمنوا .. هو مش هيفوق دلوقت عشان البندج .. تقدروا تتفضلوا واى جديد هبلغ دكتور زياد
اخر جمله القاها الطبيب المختص قبل رحيله .. فاستدار زياد اليها قائلا
- اهو سمعتى ياستى !! اظن بقا جيه الوقت اللى اعزمك فيه على حاجه ..

شرعت بتقديم اعذارها ولكنه لم يسمح لها قائلا
- رد الجميل ياستى !! ولا انت مابتفهميش فى الاصول ..
ابتسمت رغم عنها ثم قالت : بس انا اللى هعزمك !
- ياستى وانا اطول .. موافق طبعا .. اعزمى انت وهحاسب أنا ...
نظرت له بانبهار متعجبه من تلقائيته متجاهلة ربكة جوارحها ..  كانت تتسأل كيف اعتصرت من لحظات اللقاء الفقير بينهم قطرات تملا قناة مجرى دماؤها برجل مثير للدهشه مثله !!

احمر قرص الشمس .. فوصل خالد الى مغفر الشرطه ملثما ثم زال الشال عن وجهه بعدما ظن انه وصل للامان .. فتوقف امام احد العساكر مستفسرا
- الرائد هشام فين مكتبه !!
اردف العسكرى برسمه : حضرة الظابط ساب القسم. .
انعقد حاجبى خالد باسف وتسلق الحزن وفقدان الامل ملامحه قائلا
- ساب القسم !!! وراح فين ..
- تقريبا اتنقل ..
- طيب معاك رقم تليفونه ..

تبدلت ملامح العسكرى بنفاذ صبر
- يا خينه قولنا الظابط ساب القسم ومشي .. خلصنا !!
فاردف خالد متوسلا
- طيب عنوان بيته .. اخر طلب ياعسكرى !!
زفر العسكرى باختناق : اتكل عالله ولو عرفت حاجه هخبرك ..
- طب والنبى يا شويش وحياه عيالك ده رقمى اى معلومه عن الظابط  هشام بلغنى ..
تناول الورقه بعدم اهتمام ليسايسه ويتهرب منه .. فخرج خالد والحزن ينصب بقلبه .. وعلى حدا التف العسكرى ليجرى مكالمه تليفونيه بعدما توارى خلف احد الجدارن وبصوت منخفض
- زيدان بيه .. ف حاجه حصلت وانا لازم ابلغ جنابك ...

عند زيدان فى القصر الجالس فى بهو منزله يترشف مشروبه .. ويملأ صدره بالدخان .. فاردف بهدوء يثير الجنون
- زين .. زين .. انا عاوزك بقي تكلمه وتقوله انك عترت فى رقم الظابط .. واديهوله ..
العسكرى بذهوله : معقولة جنابك !
بنبرة حاده اردف زيدان : انت هتعلمنى شغلى ياولد المحروق !!!
ارتعب العسكرى : تمام تمام جنابك اللى تأمر بيه ..

بدون سابق إنذار قفل الخط والقى الهاتف بجواره .. فدخل رجل اخر يحمل اخباره المنتظره .. فغطت مهجه شعرها بقماشه شبكه لا تخفى شيء ولكنها من باب تريح الضمير وهى تهتف
- شكل الخير ..
رفع زيدان صوته
- ابشر ياوش السعد ..
ابتسم الرجل وهو يخرج ورقه من جيبه ويدلى للعمده المعلومات التى جمعها عن هشام وعائلته.

- معندهوش غير أخ و اخت ... وامه ست كبيره وواصله وليها مكانتها .. عندها مصنع ملابس كبير قوى وبتصدر منه لبلاد بره .. اما عن الظابط ففى خبر انه تم نقله العريش .. يعنى يابيه مفيش داعى انك تقلق منه .. كده الشوك اللى واقفالك فى الزور غارت ..
لاحت له مهجه بكفها كى يرحل .. ثم اقتربت من زوجها
- اى قولتك فى كلامه !!
ابتسم زيدان بانتصار : ماهو قالك الشووك الوقفه لنا ف الزور غارت !!

صدى صوت ضحكتها انشطر هنا وهناك وهى تربت على كتفه وتتمايل بجسدها بقربه بميوعه
- بس مهجتك ليها خط سير تانى ..
- نورينى ...
- هات مليون جنيه الاول .. وشوف النتيجه بعدها ...
رمقها بنظره محاولا استكشاف ما تفكر به ولكنه قرر ان يصمت ويترك لها الساحه لتنطق ..

سياره وقفت امامه لتعيق دخوله للفيلا .. دلفت مياده من سيارته ووقفت امامها وعلى حده نزل الاخير وهو يشعل سيجارته التى ستصنع من داخله يوما ما فحما محترقا .. فاردف باستغراب
- مياده !!
كانت انظارها تبوح بشوق غير عادى .. ولكنها تسلحت بسلاخ العزة والكرامه بصرف النظر عن مجرد انتسابها له على ختم رسميا فقط .. فاردفت بقوة
- كنت متاكده انك مش هتيجى ولا نتكلم.. مكنش قدامى غير اتابعك على GpS
- تعالى جوه طيب نتكلم !!

- مش هطول عليك ياحضرة الظابط ..
اتكا هشام بظهره على مقدمة سيارته ينتظر كلامها .. فواصلت  مياده حديثها
- بص ياهشام من غير كلام كتير .. انا مسافره امريكا هقعد فترة هناك عند مايسه .. فمش  طالبه منك غير اذن السفر ..
هتف باستغراب : امريكا !!

- هشام الفتره دى هتكون كويسه ان كل واحد فينا يعرف هو عاوز ايه .. ولما انزل لينا كلام تانى بس اتمنى انى انزل القى ورقة طلاقى ..
انتظرت رده طويلا ولكنه كعادته تسلح بالصمت .  كانت نتظر منه كلمه ليمنعها عن قرارها ولكنه خيب املها كعادته .. وبرغم كل هذا كانت تود ان تضمه بضمة وداع اخيره .. كان قلبها يتمزق لاشلاء من حدة سكاكين الفراق كل طرق نسيانه دومًا ما تنتهى بالاشتهاء فى العوده إليه .. اخبرنى اي طريق على ان اسلكه لتركك دون أن التفت!!

القت جملتها الاخيره قبل ما تنفجر فى بحور عذابها
- انا كده عملت اللى عليا .. اشوف وشك بخير ..
كان قادرا ان يغير الحياه بنظره من مقلتيه .. وربما كلمه بشدقيه .. وربما وجوده شيئا استثنائيا كافيا ان يغير التاريخ ولكنه كان مصابا بلعنة الخذلان..خذلانى فى كل ما اشتهيه منه ..

غادرت مياده امامه فلم يتكرم بالقاء جمله واحده حتى ولو مجامله يري ان ذلك سيؤثر ويهزم من عزته كرجل يري أن الحب بمثابة مذله واهانه .. أن اللطف مع المراة تحبه ما هو الا اختراع فاشل اختلقته النساء لتكبل قلوب الرجال .. ولكنه تذكر شيئا على الفور
- وصلى سلامى لكامل بيه واشكريه على التوصيه الجامده دى .. كان نفسي من زمان اخدم فى سينا ..

رجل مثله لا يشغله الا شغله ومهامه .. عاد الى سيارته ليفسح لها الطريق داخلا هو منزله بدون ما يشغل تفكيره  ولو للحظه بها .. ويري أن ذلك هو العادى .. هو المفروض ان يسيروا على نهجة صنف آدم ...

- هشام جييه ..
هللت رهف الواقفه بقرب النافذه إثر رؤيتها لاضواء سيارته .. فارتعد قلب فجر الجالسه بجوار بسمه فى ساحة المنزل .. فى الوقت الذي اقتحم فيه هشام المنزل كانت عايدة تتوسط درجات السلم .. رفع هشام انظاره نحو امه الذي شح الحوار بينهم من يوم كتب الكتاب إثر ما  فعلته .. فاردفت بنبرة حاده
- نورت ياحضرة الظابط ..

تجاهل حديثها واكمل سيره للداخل ممكن اشعل الغضب بجوفها .. فصرخت قائله
- انا النهارده عرفت ليه ابوك كان يعاملك بالقسوة دى .. ولد عندى ودماغه ناشفه ومش بيسمع لحد ..
جلس فوق اريكه الصالون رافعا ساقيه على المنضده منتظرا اخرها .. فاقتربت منه عايده بنيران متقاذفه
- انت متاكد انك بنى ادم طبيعى !!

رفع صوته موجها حديثه لرهف التى تقف مع البنات بجوار السلم يترقبون المعركه ..فقال
- رهف .. جهزيلى عشا ..
للحظة شعرت عايده  بأن شعرها تحول لاسلاك كهرباء إثر دينامو تجاهله .. فلم تجد ما تفجر فيه طاقاته المكبوته الا فجر .. فاستدارت صارخه.

- جايلنا واحده من الشارع ومقعدها مع اخواتك ... دى اللى سبت كتب كتابك عشانها!! انت اتجننت ؟! اعمل فيك ايه اسيبلكم البيت وامشي  .. حسابك تقل اوى ياهشام
نصب عوده المتناسق امامها وبمنتهى الهدوء اقترب من اذنها هامسا
- العصبيه غلط على بشرتك عشان التجاعيد ياكوين عايده .. ولو على الحساب خلينا قافلينه احسن ..

ثم سار نحو مكتبه يطلق صفيرا مسموعا ويعبث بمفاتبحه غير مبالى بلهيب امه الذي اوشك على الانفجار ..  لم تجد مفر سوى الهرب من جنون اولادها تناولت مفاتيحها وخرجت من اسوار منزلها الاشبح بحبس انفرادى رغم سكانه !!
التفت رهف نحو فجر وبسمه بفخر
- عليا النعمه هشام اخويا ده برنس ..
فجر برعب مختبىء : ده يشل !!
رهف بمزاح : هفتنله ..

فجر تشبثت بكف بسمة بتوسل : ما تيجى معايا اتكلم معاه ..
بسمه وهى تتخلى عنها
- ابعدينى انا عن سكة ولاد السيوفى .. انا لسه فى عز شبابى مش عاوزه امراض مزمنه ..
نظرت الي رهف وقبل ان تتحدث كانت هاربه من امامها قائله
- انا هروح اعمله يتعشي قبل ما يتعشي بيا .
فجر بلوم : كلكم كده اتخليتوا عنى !! مفيش مفر هضطر انى اواجه لوحدى ...
استجمعت شتات قوتها وسارت بخطى ثابته نحو مكتبه .. اطرقت الباب بخوفت فلم يتكرم ويرفع انظاره نحو الطارق .. كان منعمسا فى تنظيف سلاحه .. بطأت خطواتها وهى ترمقه من حين لآخر  قائله بخوف
- عايزه اطلب من حضرتك طلبين  !!

نفخ فى فوهة سلاحه بتركيز شديد مكتفيا باصدار إيماءه خافته : امممممممم
وقفت فى منتصف ارضية غرفة مكتبه.. ثم اردفت
- كنت عاوزه ازور ابويا .. و محدش غيرك هيساعدنى ..
طالت النظر فى ملامحه منتظر ردا ولكنه خاب املها .. لا تراه الا يعيد تركيب سلاحه تجاهلت تجاهله فواصلت حديثها
- والتانى عاوزه امشي من هنا .. مش عاوزه اسببلك مشاكل اكتر من كده ..

انتابها الفضول فى ان  تطيل النظر بملامحه الثابته ، ان تلتقط له صورة فوتوغرافيه اخيره .. كانت تنظر اليه مرتعشة .. مرتبكه .. بها شخص يخشاه وآخر يتمنى ان يستكشفه ويظل بصحبته لاخر الحياه برغم جفاك ولكنى أثق بان خلف صمتك كنوز ودرر نادره ... شخصا مثيرا للفضول بصمته اشعل العقل قبل القلب فما سيكون مصيري معك !!

زفرت باختناق إثر يأسها منه رد .. فما فعلته عشوائيتها سوى ان تضرب الارض بقدميها هاتفه بلسان خال من العقل
- منا مش امك عشان اكلمك متردش عليا ..
قنبله قُذفت من لسانها تفاداها برصاصه من فوهة مسدسه لهيبها كاد أن يطيح بشعرها مصيبه هدفها بالتمام .. للحظه عطلت جميع اجهزة جسدها وتجمد الدم بعروقها وجحظت مقلتيها باندهاش محاوله استيعاب فعله الخارج عن قوانين العقل ..

استدارت بنفس الذهوول لترى مصب الرصاصه وجدتها اطاحت ببرص لم يقترف اى ذنب سوى دخوله الى زنزانته .. بللت حلقها عدة مرات متخذه انفاسها بصعوبه .. فقدت قدرتها على الحركه على الكلام للتو فقد ايقنت انها امام رجل غير عادى .. رجل خرج من مشفى المجانين بكفاله ..
ظل يرمقها طويلا فهو لا يعلم اذا كان انطفىء او اشتعل بها .. تجاهل صخب مشاعره الذي تعمد قتلها وهو ينصب عوده ويقترب منها حتى ضمتهم بلاطة ارضيه واحده هامسا ببرود.

- هو انا المفروض انبه على رهف كام مره عشان متسبش شباك الجنينه مفتوح .. برص مسكين اهو احمل ذنب عيلة غبيه..
لازالت تحت مخدر صدمتها وصوت الرصاصه التى اخترقت اذانها .. تاكدت الا يوجد اى اختيار .. فالكل مُجبر ... مجبر على الحزن ، البعد ، النسيان ، السير فى طريق لا ينتمى اليه .. على تجاهل تلك المعضله التى تصدح اقصي اليسار .. ايقنت انها نجت من براثن غضبه فسطت فى براثن عينيه التى شقت قلبها لنصفين .. فأعلنت عليه الحرب قائله
- لو هتقتلنى ما هقعدلك فيها دقيقه واحده...


 

تاااابع ◄