-->

رواية الحرب لأجلك سلام الفصل الثانى

 

 

 رفيقة الظلام  
دفعها العكسري بكل قوته داخل الغرفة المعتمه لايوجد بداخلها الا مصدر ضوء واحد وهو شُرعه صغيره فى الباب الحديدي
طافت عينيها في الحجرة يمينا ويسارا الي ان هلع جسدها علي صوت  قفل الباب الحديدي وقفت ثابته في مكانها
- اجمدي يا(فجر) اجمدي.. خليكي واثقه ان الضلمة دي اهون عليكي مليون مرة من نعيم (زيدان)..  
تجوب زنزانتها ذهاباً واياباً محاوله استجماع قوتها وهناك صوتا مرددا بداخلها.



- طول عمرك انتي والضلمه صحاب مستغربه ليه دلوقتي.. اهدي كده واتأقلمي زي ما اتأقلمتي علي حاجات كتير زمان
جلست بهدوء كالقرفصاء ثم ارتسمت ابتسامه باهته مرددا تحيي بداخلها الامل
- حتي في بطن الحوت كان فيه امل.. لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين   
ظلت مردده لتلك الكلمات الى أن خلدت في سبات عميق وهي تضم ساقيها الي احضانها وتنكمش حول نفسها بين شلالات دموعها المنهمرة علي وجهها حتي ابتلت ملابسها.

- انت فين ياهشام تعالى حالا .
بنبرة آمرة اردف مأمور القسم بمحافظه بنى سويف جملته فى مكالمته الصوتيه مع هشام الذي تأهب فى قيادة سيارته على الفور قائلا
- خير يافندم.. جد جديد ؟!
- تالت بنت تتقتل فى البلد ياهشام ولا كأنها سايبه !
رد بعجله وهو يزود من سرعة السياره ويكسر الاشارات
- انا جاى حالا يافندم.. بمجرد ما إذن النيابه يطلع هكون عندك...

ارتدت ناديه ثوب الحزن الملازم لحياتها وهى تضرب على وجهها وتنوح الما وقهرا.. انعقدت دائرة الستات الاتى جاءن من كل صوب وحد مهرولين ليسارعوا التعازى والمواساه... انطلق من بركان الحزن صرخه تردد صداها فى ارجاء البيت..
- اختك مااتت ياخالد ! بتى ؟!

اقتحمت مجلسهم مهجه زوجه زيدان مرتديه ثوب الحزن الخداع لتربت على كتفها
- الله يصبرك ياام خالد.. يلا هى اللى كانت حركاتها مش مظبوطه وبتحب تخرج فى نص الليل.. قال بتكتب قال؟!
لكزتها نورا ضرتها وبنظرة حاده معاتبه
- جرالك اى يامهجة ياتقولى كلمه زينه ياتنقطينا بسكاتك..

تعيش فى عالم بعيدا عن عالمهم.. عالم خيم فطر المرار فيه على ايامها.. حياة كر وفر.. إقبال وادبار.. مد وجزر.. نمتلك لنفقد ونفقد لنفسح مكانا لشيء آخر، كل ما يقابلها وظنت انه كارثه بات لا شيء منذ اللحظه التى سمعت فيه خبر وفاة ابنتها فلذة كبدها... فقدت قدرتها على النواح على الصراخ على الوقوف على ادارك العالم حولها..
دائما ما تتعمد الحياه ان تختبر صبرنا بطرقا اكثر الما.. اختباراتها مرايا لنرى من فينا يصلح للحياه ومن لا يصلح.. تجبرنا ان نتجرع سُمها دفعه واحده فيضمر دواخلنا و تنهال علينا بالمصايب حتى تخرج مننا شخص غير صالح للحياه مع تذكرة سفر لعالم المفقود..

- ايوب ياحبيبي.. خديجه كانت معاك صح.. قول لى انها لعبه من لعبكم سوا..
حياة كل البشر لابد من أن تتكفنها سواد الحزن حتى انها لم ترحم الطفل المُقبل على الحياه بل سلبته منه اعلى ممتلكاته واثمن اوقاته وقف الصغير صاحب السبع سنوات صامتا مزهولا محاولا ادارك صعوبه الفجعة التى حلت على بيتهم.. على رفيقته التى تكبره ب خمسه عشر عاما وتصل لسنه عندما يمرحان سويا... تركها ايوب راكضا مغادرا دخان احزانهم منفرد بدموع وحدته..

بعد مرور ساعتين
فى محل الواقعه.. كالطائر المذبوح الذي لطخ بدماء شرور البشر محموله على السرير المتحرك التابع لسيارة الاسعاف.. محاوطه برجال الشرطه والنيابه العامه.. وصل هشام السيوفى مهرولا.. فالقى نظرة على وكيل النيابه قائلا
- معالى الباشا.. اى الحوار..
وقف وكيل النائب العام بجواره صامتا ولكن عيونه قالت كل شيء.. ففهم مغزاهم هشام قائلا
- بنفس الطريقه !

اومئ رفيقه رأسه بالايجاب الى أن اقتحم زيدان نصير مجمعهم محمحما بفظاظه
- مسا عليكو يابهوات..
رد محمود وكيل النيابه قائلا
- اتفضل ياحضرة العمده..
- ممكن افهم اى اللى حصل فى بت اخوى !
لا يمكننا ان نتحكم فى عواطفنا ولكن يمكننا ان نتحكم فى طريقه ظهورها يخفى.. هتف هشام بغل مكبوت
- نفس اللى حصل للبنتين اللى قبلها ياعمده !

تراجع زيدان خطوه للخلف وهو يدخل كفه بسترته وبنبرة تهديديه
- كيييف ده يابيه ! بت اخوى لسعت فى الجنينه.. وما كتر من التعابين والعقارب فى البلد..
كانت جملته تحمل سيالا من التوعد والشر ونظراته مشحونه بنيران تأكل القريه بأكملها اذا اصر على اقواله.. دنى منه هشام رافعا راية التحدى
- هنشوف راى الطب الشرعى ايه !

- الطب الشرعى مش هيقول غير اللى انا عاوز الناس تعرفه..
جملة اشبه بثقب كبريت اُلقي فى حقل بترول كان كافيا ان يتوهج بنيران تحرقه هو ورجاله.. تدخل وكيل النائب العام سريعا ليضع يده حاجزا ليعوق اندفاع هشام قائلا
- هشاااام.. هنشوف الطب الشرعى هيقول اى..
انفجر هشام كالبركان: دى مش اول جريمه اغتصاب وقتل الضحيه يامحمود ! وهو بيتكلم ببروووود..

تحرك زيدان نحوه بهيئته الضخمه الموازيه لارتفاع هشام قائلا بهمس
- خليك تحت الحيط ياابن السيوفى ومرق ايامك على خير..
ثم رفع صوته هاتفا
- يلا يارجاله عشان نلحقوا ندفنوا بت اخوى...

ادرك هشام ان الجدال معه خاسرا للحد الذي يجعلك ان تحوك زيا من خيوط العنكبوت..رجل شرير بطبعه اعتاد ان يخدع عندما يعجز.. ويظلم عندما يقدر.. احيانا الانسحاب امام التيران انتصار.. تراجع هشام للخلف منسحبا صاعدا سيارته تاركا تلك القريه التى يرتوى زرعها بالدم..

ذبل قرص الشمس وغُمر باللون الاحمر حتي عاد صراع النهار مجددا بينه وبين حلول الليل ليرفع الظلام رايته منتصرا.. اصبح حدث اليوم كالمضغه في افواه اهل القريه.. ومازالوا رجاله باحثين عنها في ربوع القريه  ظل ( زيدان ) يجوب في غرفة مكتبه الملكيه حائرا متوعدا اوشك ان يفقد عقله متجاهلا ما حدث لبنت اخيه  محدثا نفسه
- بقي حتة بت صغيره تضحك عليٌ وتضربني في مقتل !

قطع شروده صوت رنين هاتفه الذي تلهف نحوه املا في الحصول علي اخبار سارة ليتفاجئى بذلك الصوت البدوي القوي
- زين الرجال كيفيك.. ها علي معادنا الليله ؟!
امتعض ( زيدان ) منكث الراس
- خطتنا باظت وماينفعش اطلع حته النهارده الحكومه عينها عليا وانا مش مستعد اسلم الحكومه روحي للمرة التالته..

ليزمجر ( سلطان هزاع ) كبير جماعه من البدو والممول الرئيس لكبار الجماعات الارهابيه
- كيف يصير اكده يارجال.. انت واعي لحديتك زين ؟!
زفر (زيدان) قائلاً
- السلاح والبضاعه كانوا هيطلعوا في دوشة الفرح والناس مشغولين فالوكل ( الاكل ) والزيطه.. دلوق مافيش ولا فرح ولا زيظه بقي ميتم  
اغمض (سلطان) عينيه غاضباً.

- والعمل.. مافي قدامي وقت علي آخر عمليه.
(زيدان) مسايسا:اديني يومين اكده هتصرف فيهم
(سلطان ) محذرا: مش اكتر من يومين يارجل..!
امتعض ( زيدان ) وازداد غضبه: تمام.. اتفقنا.

-  جلسه عائليه  
بات باقي نهاره في كدر يتجول جميع بين شوارع بنى سويف حتى وصل للقاهره.. اعتلت الطيور علي الاغصان وزينت السماء بمصابيحها دخل بسيارته بهو تلك الفيلا متوسطه الاتساع ثم نزل منها متقدما نحو الباب فزعت اخته الجالسه امام التلفاز إثر صوت مفاتيحه فاعتدلت في جلستها
- حضرتك جيت ياابيه !

لمست اقدام زياد العاريه المندلفه من فوق درجات السلم ارضيه ساحه المنزل في ذلك التوقيت ليقول ممازحا وهو يصفعها على عنقها
- لا لسه مجاش، بطلي اسئله غبيه بقي.
ليوجه حديثه الي اخيه
- حمد لله علي سلامتك يا ( اتش ) كده تعملها وتتجوز من غير ماتعزمنا ! بس قولي هي مين بقي اللي خطفت قلب ابن السيوفي؟

( هشام ) متجاهلا لحديثهم تماما جلس بجوارهم وهو يشعل سجارته بحنق.. هتفت ( رهف ) بدهشه:
-انت بتشرب سجاير من امتي ياسياده الرائد!
قفز زياد بحركه رياضيه من خلف المقعد جالسا فوقه عاقد ساقيه ممازحا
- بيحاول يعمل زي الرجاله المتجوزين وشايلين الهم وكده يعني هههه.
انفجرت ( رهف ) ضاحكه هى وزياد:
- ياعيني ياخويا حالتك بقيت صعبة اوي.. هو الجواز بيعمل كده في الواحد ؟!

( زياد ) بثقه: عشان تعرفوا انا مقضيها مرقعه وبس ليه.. انا كده باشا في نفسي.
نفث دخان سيجارته بقوه بعد ما نفذ صبره منهم
- انتو بتغنوا وتردوا علي بعض ليه ! ؟!
هتف ( رهف ) لتحسم شُعل فضولها:
-  (Final answer)  حضرتك اتجوزت ولا لا؟!

مد يده ليأخذه مفاتيحه
- لا ياستي متنيلتش.
ردت عليه بفرح
- يعني الفرح علي معاده !
قام متأهبا بالذهاب من ثرثرتهم المزعجه بضيق
- تصبحوا علي خير.
( رهف ) بنبرة صوت مرتفعه: بس مين دي اللي قالت (لمياده) انها مراتك ياابيه ؟!

لم يلتفت اليها قائلا في ضيق: خليكي في حالك يابت انت .
قطبت حاجبيها ممتعضة
- انا غلطانه اني مهتمه بيكم اصلا  
(زياد) سحب من كفها الريموت كنترول قائلا
- انتي مابتذاكريش ليه يابت ؟!
وضعت وجنتها فوق كفها ناظرة اليه بعيونها الغزلاني
- وهو الواحد مننا لما يكون عنده واي فاي شغال وشاحن جمب السرير هيجيله نفس يبص في كتاب ياخويا ياحبيبي ..

رفع حاجبه ساخرا: منا واخد بالي ٢٤ ساعه اون لاين فيس وواتس وانستا.
( رهف ) ارتسمت معالم الجدية علي وجهها: نسيت التويتر والتليجرام يادكتور.. عشان تعرف بس انا مشغوله اد اييه.
ابتسم ساخرا: قابليني لو نفعتي هتبقي صحفية فاشله اصلا.
نظرت له بعيون ضيقه وقالت بثقه اشبه بالغرور
- هفاجئكم كلكم اصبروا عليا بس اتخرج كده وهوصل اسم عائله (السيوفي) لأخبار هوليوود..  
منشغلا في مشاهدة التلفاز بسخريه
* ها هوليوود !.. اتنيلى.

وضعت كفيها علي خصرها قائله..
- الله الله ! انت بتشكك في قدراتي ولا ايه يادوك.
* يحينا ويورينا ياختي !
قطبت حاجبيها مستنكرة
- مع اني شامه (  a sarcastic tone ) بس هعديها عشان انا مليش مزاج اتخانق معاك..
(زياد ) ممازحا: طب خلاص خلاص الطيب احسن.. تعالي نتكلم جد شويه بقي.

( رهف ) بتفكير: نتكلم جد بصلي كده طيب مابحبش اكلم حد مش مركز معايا.. تيجى اعمل معاك حوار صحفى !
( زياد ) مازال مهتما ب التلفاز: اتكلمي سامعك.
( رهف ) باهتمام وهي تُخرج روح الصحفية الساكنه بداخلها: دكتور زياد السيوفى قولي وصلت لفين في بناء مستقبلك  ؟
( زياد) ابتسم بسخريه: اسكتي مش المقاول خد الفلوس وخلع.

دخلا اثنيهما في نوبة ضحك وعلي حدا كان (هشام) قد وصل الي غرفته المظلمه دون ان يهتم بإضاءة نورها القي بجسده فوق مخدعه  بإرهاق شديد شاردا في تلك التي قهرت جيوش قوته ووقف امامها صامتاً عاجزا حتي اندلعت الحرب بينهم بأسوة سيناريو  وثب قائما ينزع ملابسه بضيق الي ان وقف امام ركنه الذي يفرغ فيه كل طاقته بالشجار مع -كيس الملاكمه- العالق انقض عليه بالضرب بكل قوته كإنه ارتسم صورتها عليه يريد ان يفتك بها وهو يصدر صدي اصوات النيران بداخله.

بعد مرور بضعة من الوقت اردفت والدته السيده ( عايدة النورماندي ) ذات القوام الممشوق والوجهه الملاكي النضر فبالرغم من كبر سنها الا انها تبدو فتاة عشرينيه في جمالها واناقتها، صاحبة اكبر شركه في صيحات الموضة والفاشون.
تقدمت نحوه بخطوات ثابته هادئه بلبسها الفاتن الانيق والكندرة العاليه لتقف امامه عاقدة ساعديها
- ايه اللي بيحصل  يا ( هشام ).. ممكن تفهمني اي لعب العيال دا  
لازال غائصا في بحر صراعه وشجاره اجابها بلا اهتمام
- حصل ايه ياماما ؟!

رجعت للخلف تجلس علي حافة مخدعه
- في تسيب واستهتار ودلع.. في ان حضرتك دمرت بريستيجي قدام صحابي والعيله كلها.. في انك مش علي بالك كل دا وعايش بدماغك  
ابتعد عن ركنه المظلم ليقترب من ثلاجته الصغير يخرج منها زجاج مياه يرتشفها بانفاس متصاعده
-اكيد عايش بدماغى اومال هستلف دماغ مين اعيش بيها !
جزت على اسنانها وبصوت نفذ صبره
- هشاااااااااام
- انا بجد مش فاهم في ايه وليه كل العصبيه دي !

رفعت عينيها اليه
- اللواء (كامل ) لسه مكلمني.. وكمان ( ميادة ) خطيبتك منهارة من العياط.. انا مش فاهمه انت ازاي تعمل كده ومين اللي اتجوزتها دي ؟!
اغمض عينيه متأففا
- مافيش ولا حاجه من اللي حضرتك قولتيها حصلت كان سوء تفاهم وراح لحاله.. خلصنا ؟!
* ومادام هو سوء تفاهم ياسيادة الرائد ماروحتش تفهمها ليه.
اقترب من مقبض باب الحمام
- لما افضي هابقي اروح.

جن جنون والدته من اعصابه الثلجيه
- انا مش عارفه اي برود الاعصاب اللي بتتكلم بيها دي.. دي تالت مرة نطبع كروت دعاوي فرحكم ويتلغي بسبب استهتارك  
قطب حاجبيها متساؤلا
- والمطلوب ؟
( عايده ) بنبره آمرة
- تروحلها وتصلح اللي انت نيتله مع ابوها اللي مش ناويلك علي خير دا
اومأ راسه بالموافقه
- حاضر حاجه تاني ؟

زفرت بنفاذ صبر
* بس انت نفذ اللي قولته.
تركها متوجها الي حمامه تاركاً للماء مهمه اضفاء مابداخله من نيران غادرت امه الغرفة وهي مغمومة بفعله تضرب كف علي الاخر
- انا مش عارفه الواد دا هيعقل امتي ؟!
قالت جملتها الاخيره عندما خرجت من غرفته متجه لاسفل نحو ( رهف ) و ( زياد ) تقول متأففه
- انتوا مش وراكم غير الضحك والتفاهه هو دا اللي فالحين فيه.

تضع (رهف) ساق فوق الاخر بفخر
- لعلمك حالة التفاهه اللي احنا فيها دي مش اي حد يوصلها.
نهض ( زياد ) ليجلس علي مسند مقعدها واضعا ذراعه فوق كتفيها
- السيده (ديدا النورماندي ) مين اللي مزعلها بس وبعدين اي الوش الخشب دا ؟!
زفرت بحنقه: اخوكم هيجنني ربنا يسامح ابوكوا زرع القسوة والقياده جواه ونسي يعلمه اهم حاجه وهي الحب والتفاهم.

(زياد) التف اليها
- بس دي حاجه مش وحشه وكانت سبب في تكوين كيان  ( هشام ) ووصوله لمكانه غيره بيحلم بيها في الداخليه في وقت قياسي.
رهف بتلقائيه: وعلي راي المثل ياماما يموت الزمار وصوابعه بتلعب.. وبابا زرع كل دا في ( هشام ) عشان يكمل من بعده وبالعكس انا مع بابا جدا في طقوس تربيته لهشام.

قالت بضيقه ممزوجة  بتنهيده طويله
- علمه ازاي يكون قائد في الحرب وعمله ان الحرب دي مش بتنتهي ولازم يفضل يحارب لاخر نفس في عمره.. بس نسي ان الحرب مسيرها هتنتهي ومافيش حاجه هتستمر حتي بعد موتنا غير الحب.
لم يكد ( زياد ) يجيبها الا ان قطعهم صوت رنين هاتفه الذي اخذه وانسحب سريعا تاركاً مجلسهم.

رهف ساخره:  ياتليفوناتك ياازيزو ! اوعدنا يارب.. سلم لى عليها
تنهدت ( عايده ) تنيهده اقوي علي حال ابنها الاوسط
- حتي زياد حالته بقيت انيل من هشام.. انا تعبت منهم.
التفت اليها رهف بااهتمام: ماشاء الله ياماما ربنا محرمكيش من حاجه عطاكي القفل والمفتاح.. واحد فاتحها كباريه والتاني عايش في صحرا.

تنظر لها والدتها بعيون ضيقه
- وانتي يااخرة صبري مين في دول!
انفجرت ضاحكه لتقول بفخر وغرور
- والله ياكوين السيوفي علميا واللي متأكده منه يعني.. اني مش هتجوز جواز صالونات.
قطبت ( عايده ) حاجبيها مندهشه: اومال ؟!

اكملت ( رهف ) مسيرة الفخر لديها
- ومافيش امل بردو اتجوز علي حب طول مانا اخت سيادة الرائد ( السيوفي الكبير ) والدكتور ( السيوفي الصغير ) لانهم عاملين رعب للي يحاول يقرب مني.
ارتفع ضغط والدتها منهم لتقف متأهبة بالذهاب
=انا همشي احسن ماتجننوني ياولاد (عماد السيوفي).
- ماانتي قااعده يامامتي لسه مشبعتش منك.

توقفت ( عايدة) لبرهه: طب ومجدي؟!
انتفض كيان ( رهف) بمجرد سماعها باسمه
- مجدي.. قصدك مجدي مجدي ؟!  
= اه قصدي مجدي مجدي !
- هو مش حضرتك كنتي ماشيه وكده يعني اتفضلى اتفضلى مش عاوزه اعطلك.

تجاهلت حديث ابنتها مغمومة وواكبت سيرها لغرفته
وعلي حدا تسحبت ( رهف ) علي طراطيف اصابعها للخارج عند (زياد) الهائم في هاتفه حبا قائلا
- طب والله انتي الوحيده اللي لقيت فيها كل حاجه بدور عليها.
لم يكد ينهي جملته الا ان قاطعته ( رهف ) ساخره بصوتها المرتفع
- لا والله الاخت جوجل وانا معرفش!

جز ( زياد ) علي اسنانه بنفاذ صبر وعيون متسعه ليحذرها
- طيب اقفلي دلوقتي انتي عشان في دبور وزن علي خراب عشه دلوقتي  
ابتعدت عن طريقه بسرعه ويعلو صوت ضحكها
- والله بهزر يازيزو انت بس اللي كلامك استفزني انا مش عارفه ازاي في بنات بتصدق الهبل دا !.

اقترب منها وهو يعض علي شفته السفليه
- انتي مالك يارخمه هاا ماالك! اخوكي كل البنات بتحبه وبتجري وراه وانا عشان طيبة قلبي مبرضاش اكسفهم  
(رهف) الواقفه خلف المقعد في الجنينه تحتمي به
- حرام عليك والله يادكتور.. الفليسوفه الصغننه اللي جوايا بتقول لاتزرع ورده في قلوب احداهن الا ان ترعاها.
لم يكد ان يجيبها قطعهم صوت قفل الباب الحديدي بقوه
استدارت ( رهف ) بجسدها للخلف
- هو ابيه هشام خرج ؟!

* الظاهر كده..  بس ياتري راح فين ؟
_ حسي الاعلامي مش مطمن.
اقترب منها بخبث وتوعد
- وانا حسي الطبي نفسه يوصل ناس المشرحه دلوقتي
 *نيم الجزار اللي جواك ياابن( السيوفي) دانا اختك برضو انت هتكفر يا جدع.
قالت ( رهف ) جملتها بثقه وهي ترتسم معالم الغرور رافعة أنفها وانظارها للسماء مستنده بكوعها على كتفه .. ارتفعت صوت شهقتها واتسعت عينيها لفعل ( زياد) المفاجئ الذي سكب كوب الماء فوقها..
- عشان نفوق بس من أحلام اليقظة اللي بقيت اوفر دووز دي.

- وحده
لم تكن قمراً رائعاً لو لم يحاصرك كل هذا الظلام ؛ مر يومها بخطوات سلحفية في الغرفه المعتمه البارده جالسه كالقرفصاء مغرورقت العينين مناجيه ربها طالبه منه صبر ايوب لتحمل هذا البلاء  حتي  اهلك البرد جسدها وعصر الجوع معدتها لتفقد كل قوها وتسقط مكانها مغشي عليها لا حول لها ولا قوه.

وصل ( هشام ) الي فيلا اللواء ( كامل بشير ) داخل اكبر منتجع سكنى في مدينه نصر.. دلف من سيارته وتقدم بخطوات متثاقله ليدق جرس الباب
فتحت له ( house keeper ) الفلبينيه لتشير له بكفها
- اتفضل  
دلف ( هشام ) داخل المنزل ذو الطراز الحديث شاسع الاتساع جالسا علي اقرب مقعد في بهو الفيلا أتاه ذلك الصوت القوي من الخلف
- وكمان جاي بنفسك لحد هنا ياهشام!

وقف (هشام)  في ثبات والقي عليه التحيه
- سياده اللواء اهلا بحضرتك.. لو سمحت اسمعني.
نهره اللواء ( كامل ) بقوة
- مش سامع حاجه يا(هشام) ولو كنت استحملت كل اللي حصل.. دا اكراماً  لسياده الجنيرال (عماد السيوفي) واخواته.. بس عند بنتي ومش هعمل اعتبار لحد ياهشام  
هشام مقاطعا
- معاليك افهم بس وانا جاي عشان اتكلم مع (مياده) وافهمها سوء التفاهم اللي حصل.

سياده اللواء بنبره تحذيريه
- خلاص ياهشام كل حاجه بينك وبين مياده انتهت وانا معنديش بنات للجواز.
اقتحمت مياده مجلسهم تلك التي اهلك البكاء عيينها وشحب وجهها
- بابا لو سمحت ممكن اتكلم مع سياده الرائد شويه  
نظر لها والدها بحده فقابلته  بنظرة توسل وعيون راجية.
- لو سمحت ياسياده اللوا..

ترك والدها مجلسهم وغادر متأففا.. جلست مياده بجواره وهي تستجمع شتات قواها
- جيت ليه ياهشام بيه  
قطب هشام حاجبيه 111
- اي السؤال الغريب دا واي الطريقه الرسميه دي!  
- معلش استحملني وجاوب.. جيت ليه ياهشام ؟!

فرك كفيه ورفع عينه اليها ببرود
- انا مش فاهم حصل ايه لكل دا ! ومش ملاحظه كمان كل ما معاد فرحنا يقرب خناقتنا بتزيد.
(مياده) ساخره
- لا شكلك انت اللي مش ملاحظ ان موضوعنا من اول مابدء وهو علي الحال دا.. هي دي طبيعة علاقتنا من الاول ياسيادة الرائد.
حدق النظر اليه بعيون متسعه بسخرية: لا أفهم بقي.

عقدت ساعديها واتكأت علي مقعدها للخلف
- افهمك ايه بالظبط ؟! انت شايف نفسك انك طبيعي !
زفر بنفاذ صبر: ياريت تتكلمي دغري عشان انا مش فاضي لكلام الالغاز دا.
ردت بسخرية : دانت كمان مكابر ومش عاوز تعرف خطأك او عارفه وعامل مش واخد بالك.

مازال محافظا علي هدوءه
- لا شكلك انتي اللي مش واخده بالك من طريقة كلامك يابنت اللواء.
* علي فكره احنا في البيت مش فالقسم ولا اجتماع في الداخليه عشان الرسميه الكدابه دي.
قام متأهبا بالذهاب بعد ما اشتعلت النيران بداخله
- شكل اعصابك تعبانه وانا غلطان اني جيت اشوف مالك.

وثبت قائمه امامه بتحدي
- لا استني اسمع كلامي للاخر عشان هتكون اخر مرة نتكلم فيها.
ابتلعت ريقها واكملت حديثها
- هشام لازم تعرف انك مش مخليني اعيش معاك ولا مع غيرك..
كاد ان يحرك شفتيه للرد عليها ولكنها وضعت حداً لكلامه بكفها.

- سيبني اكمل لو سمحت.. هتعامل معاك انك مش واخد بالك من تصرفاتك مع اني اشك!.. بس عاوزاك تتأكد اني عملت المستحيل عشان استحملك طول ١٥ شهر اللي فاتوا.. يعني ايه ارن عليك متردتش وبعدها لما تفتكر تكلمني بعد اسبوع كده ولا حاجه سوري يامياده كنت مشغول.. ومياده مغفله طبعا وبتحبك بتنسي كل دا بمجرد ماتسمع صوتك.. بفضل كل يوم مستنيه منك مكالمه تطمني عليك او حتي تطمن عليا ودا مابيحصلش.. نروح فرح طيب قوم نرقص ياهشام ولا بتبعرني بحجه انك مابتحبش الرقص ولا الهيصه.. طيب نخرج لوحدنا نتكلم في مكان هادي تقولي مش فاضي يامياده وغيرو وغيرو..

( هشام ) مقاطعا: والله انتي كنتي عارفه طبعي وشخصيتي من الاول ووافقتي واتقبلتي دا.
استدارت حوله نصف دورة
- كنت مغفله ومستغربه ازاي تخطب مرتين  قبلي وكلهم مايستحملوش طريقتك دي كام شهر.. قولت لا هستحمله لحد مايتغير واقف جمبك.. بس اكتشفت اني مش مجبره علي كل دا انا من حقي اتحب زي مابحب.
رفع حاجبه مستنكرا
- والمطلوب ؟!
ابتلعت ريقها
* انت حبتني ياهشام ؟!

صمت لبرهه يستوعب صاعقه السؤال ذلك الشخص الذي لا يؤمن بوجود ماتتحدث عنه الا انه وهم اخترعته قلوب النساء لتقيد به عقول الرجال.
اكملت ( مياده ) كلامها
- طبعا مكابر ومش هتجاوب!.. عارف ليه لانك ماحبتش ياهشام اللي بيحب بيتغير.. وانا بجد مابقتش عاوزه العلاقة دي.
قطب حاجبيه مستفهما
- انا مش عارف الصراحه اعملك اي عشان اراضيكي.
ارتسمت ابتسامه باهته علي ثغرها
- اللي كنت عاوزاك تعملهولي ميتقالش ياسياده الرائد.. بس هسيبك للايام وهي تجاوبك وهتعرف كويس اوي انا قصدي ايه  
اومأ راسه ايجاباً في هدوء تام
- خلصتي كلامك ؟!

نزعت كلبشاته المتجسده في محبسها العالق بين اصابعها لتفتح كفه وتضعه بداخله
- دبلتك اهي ياهشام.. وبجد من كل قلبي بتمنالك كل خير، انا خلصت كلامي تقدر تتفضل.
تجمدت الدماء في عروقه ليشعر بخيبة امل جديده، ليس هناك من تتحمل طِباعه.. لم يجد التي ترك ادم من اجلها الجنه، مازال في انتظار التي يفتح لها باب قلبه علي مصرعه ولكنه عجز عن ايجاد ذلك في اغلبهن.. انصرف من امامها حائرا في بحر افكاره ومازالت رأسه مرفوعه علي يقين شديد بان شىء جميل يكمن بداخله لم يلتق من تستحقه.

- انتقام  
جالسا في بهو قصره الضخم يضرب الارض بقدمه ويخرج دخاناََ من جميع اجزاء جسده .. اقتربت منه تلك السيده الاسكندرانيه ( مهجه ) زوجته بدلال وفخر
- اخير العزا خلص... ما ياحبيبي بس ماعاش ولا اتخلق اللي يشغل بال زيدان نصير كده ويعكر وشه  
قالت ( مهجه ) جملتها الاخيره وهي تدنو منه وتجلس بقربه
نفث دخان شيشته بقوة
- حتة بت تضحك عليا انا ياموهجه.

ردت بمداعبه: لعلمك بقا محدش مبسوط باللي حصل دا غيرى والله ياحج اقلها هتكون في حضن مهجتك حبيبتك علي طول.
شاردا في بحر السحب الدخانيه التي ينفثها من فمه وانفه معا
قطع شروده صوت  الخفير ( سيد ) ليضرب له التحيه
- جناب العمده عرفنا الست ( فجر ) هربت فين ومع مين.
اعتدل ( زيدان ) في جلسته باهتمام وبنبرة
- انطج ياولد المحروق انت لسه عتحكي في حواديت.

ارتجف جسد ( سيد ) ورجعَ خطوتين للخلف ليجيبه بصوت مهزوز
- هحكيلك يابيه اصل انا خدت الواد ورحت اطقست وعرفت البت (فجر) هربت مع مين.
قام ملتهفا بعد ما نفذ صبره منه ممسكا بلياقته
- انت هتنقطني بالكلمة ياواكل ناسك انطج.
ابتلع ( سيد ) ريقه بعد ما هلع جسده
- هربت في عربية ظابط من القسم ودا اللي اطقست وعرفته من العساكر لما وصفلهم الواد شكل العربيه
نظر له باهتمام
- ومين الظابط دا ؟!

* يبقي ابن السيوفي.. اسمه هشام السيوفي الظابط اللي مستقصدك من اول ماجيه.
(مهجه) بقلق: انت متأكد من الكلام دا ياغفير الغبره انت.
اتسعت حدقة عيني (زيدان) وهو يجلس علي مقعده
- الظابط دا تجيبلي قراره وتعرفلي اي ميته فهمت عشان حسابه تقل قوي معاي ؟!
* اؤامرك يابيه اؤامرك.
انصرف ( سيد ) من امامه يلملم شتات شمله تاركاً (زيدان) في شروده
مهجه: مالك يازيزو بتفكر في ايه !

( زيدان ) بحسره: مصيبه لو طلع الظابط دا ملهوش تمن ومعصلج كيف ابوه.
ازداد فضولها
- ماترسيني علي الفوله يمكن اساعدك ياابو( ايوب)  
رفع عينيه اليها بعيون ضيقه غارقا في تفكيره فاردف
- ناديه عامله اى !

- ايوووووه مالنا بالسيرة العكره دى.. بتها وماتت خلصنا تحزنلها شويه وهتفوق وترجع اقوى من الاول.. خلينا فى موضوعنا...
- خلينا فى موضوعنا يا مُهجة
تمزحا سويا وهما يضحكان بصوتٍ مكتوم فى حديقه المنزل الى أن قطع خلوتهم قدوم خالد المنبوذ.. ركل المقعد الخشبي بقدمه قائلا
- اختى مااتت ازاى !...

- ومين الظابط دا ؟!
* يبقي ابن السيوفي .. اسمه هشام السيوفي الظابط اللي مستقصدك من اول ماجيه.

(مهجه) بقلق: انت متأكد من الكلام دا ياغفير الغبره انت .
اتسعت حدقة عيني (زيدان) وهو يجلس علي مقعده
- الظابط دا تجيبلي قراره وتعرفلي اي ميته فهمت عشان حسابه تقل قوي معاي ؟!
* اؤامرك يابيه اؤامرك .
انصرف ( سيد ) من امامه يلملم شتات شمله تاركاً (زيدان) في شروده
مهجه: مالك يازيزو بتفكر في ايه !

( زيدان ) بحسره: مصيبه لو طلع الظابط دا ملهوش تمن ومعصلج كيف ابوه .
ازداد فضولها
- ماترسيني علي الفوله يمكن اساعدك ياابو( ايوب)
رفع عينيه اليها بعيون ضيقه غارقا في تفكيره فاردف
- ناديه عامله اى !
- ايوووووه مالنا بالسيرة العكره دى .. بتها وماتت خلصنا تحزنلها شويه وهتفوق وترجع اقوى من الاول .. خلينا فى موضوعنا ...
- خلينا فى موضوعنا ..

تمزحا سويا وهما يضحكان بصوتٍ مكتوم فى حديقه المنزل الى أن قطع خلوتهم قدوم خالد المنبوذ .. ركل المقعد الخشبي بقدمه قائلا
- اختى مااتت ازاى !

اعتدلت مهجة فى جلستها متظاهره بالفزع
- ايووه ! ياقاعدين يكفيكوا شر الجايين !
تكورت يده بغل ابرز عروق عنقه من شدة الضغط على فكيه قائلا بنبرة اقوى
- اختى ماتت ازاى يازيدان !

- الطب الشرعى لسه مكلمنى ومأكد انها ماتت بسبب لدغه تعبان !

- يعنى مش بسبب واحد من رجالتك بس الزفت اللى بتاجر فيه !
وقف زيدان مستندا على عكازه بهدوء وهو يعدل سترته الفضفاضه وشرع بالتحدث الى أن قطعه هتاف زوجته وهى تقف بينه وبين خالد واضعه يدها اليمنى على خصرها وتلوح له بالاخرى قائلا
- لا بص ياحبيبي متجيش ترمى بلاك علينا انت وامك ست الحجه مش كفايه لامينكم من الشوارع ... اما عن المرحومه اختك قولنا ماتت بلدغة حيه واصلا هى كده كده ميته دى واحده صاحبة مرض خبيث فهيفرق بايه ميته بتعبان ولا غيره ..

ثم ربتت على كتفه بقوة
- اخزى الشيطان ياعين امك وروح ادعيلها واقرأ لها قران وخلى امك ستنا الشيخه تدعلها بدل تلقيح الجتت اللى انت فيه ده ...
حر كلماتها اشعلت صوابعه كعشر صوابع ديناميت يود ان يحرقها بهم تلك الانثى تعرف متى تكون السم ومتى تكون الافعى .. ظلت ترمقه بتحدٍ الى ان قرر الانتصار عليها بانسحابه .. فالمعركه معها هزيمه لا محال ..

تراجع خالد شيئا فشيئا وهو يشيع عمه بتيار من نظرات التوعد والتهديد والعتب فى آنٍ واحد .. اردفت مُجهة بكهن ستات
- ماتبحلقش ياخويا .. يلا عشان تلحق تعيط شويه فى حضن امك ...

ثم استدارت نحو زوجها تعاونه فى ترتيب سترته بميوعه مردفه
- حقك عليا لو كان عكر دمك ..
بادلها بضحكه شريره: دانت عطيتى الواد من المتنقى خيار .. عفارم عليك يابت..
- تربيتك ياسيد الناس ..

ادلي الليل ستائره ليتربع القمر فوق عرش سماؤه
في قصر سياده اللواء ( كامل بشير ) جالسه تبتلع غصة احزانها والامها تتألم عينيها المتورمين .. تترقب مجري الدموع منهما الاتي حفروا وديان الحزن علي وجنتيها ..هناك لبعض الأشخاص الذين نلتقى بهم على خط الصدف ان يشكلوا حيواتنا من جديد .. بشخص جديد قد يدهشك انت ..

اردفت سيده في كامل اناقتها راسمه ابتسامه باهته
- وبعدين بقي يا(مياده) ! هتفضلي حابسه نفسك في اوضتك كده كتير ؟!
قالت السيده ( سالى ) جملتها الاخيره وهي تغلق باب غرفة ابنتها برفق .. صفف عبراتها باناملها سريعا
- ابدا ياماما .. حابه اقعد مع نفسي شويه بس

دنت ( سالي) منها وربتت علي كتفيها بحنو:
- ماينفعش يابنتي حالك دا .. مادام خدتي قرار ابقي قده، وانتي عارفه ياحبيبتي عمر سعادتك ماكانت هتبقي مع ( هشام ) وانا اضطريت اوافق علي الخطوبه دي عشان مامته ولقيت من ناحيتك في قبول

ابتلعت ( مياده ) غصة احزانها بعدما وضعت كفها فوق كف امها باستسلام وضعف
- معاكي حق ياماما كده احسن ( هشام ) محبنيش عشان ازعل علي فراقه .

= اديكي قولتيها ياحبيبتي محبكيش .. يبقي مموته نفسك من العياط ليه ؟
- بس انا حبيته ياماما .. ومكنتش ابدا استاهل منه البرود واللامبالاة دي .. دا حتي محاولش يتمسك بيا .
احتضنتها والدتها بحنان وهي تقاوم اندفاع مياه عينيها
ثم ارتسمت ابتسامه باهته
- طيب يلا تعالي اتعشي معانا تحت .. عشان باباكي يطمن انك بخير .

اومأت ( مياده ) راسها ايجاباً
- حاضر ياماما .. اتفضلي انتي وانا هغسل وشي وافوق كده وهنزل وراكي
ربتت الام باسمه علي كتفيها: متتأخريش .. !
- ماما ..
استدارت نحوها بتلقائيه: مالك ياحبيبتي ؟!
- انا عاوزه اسافر امريكا عند مايسه اختي ممكن !

داخل كل انسان وطن خاص به.. يجوب بسيارته بين الطرقات و شوارع القاهرة وهو يستمع لمطربته المفضله ( لارا فايبان ) الفرنسيه وكأن لا شيء غريب حدث فى يومه يستحق ان يشغل تفكيره للحظه .. تجرد من كل المشاعر بداخله للحد الذي ظن ان اعضائه توقفت عن مهامها والتقاط انفاسه لتلك اللحظه ماهى الا محاولة فاشله للحياه ...

صف بسيارته فوق كوبرى قصر النيل يمشط الطرق باحثا عن شيء لا يعرفه .. اشعل سيجارته ثم هبط من سيارته يراقب حركه المارة والسيارات بوجهه مكتظ لم يمر على شريط عقله اى ذكرى من يومه .. كان يحرق كل شيء فى لفافة تبغه .. رجل غريب للحد الذي يجعلك تظن انه خُلق من طينٍ لم يخلق منه بقية البشر .. رجل سيكوباتى بطبعه ..

عطل عقله العاطل اثر صوت رنين هاتفه .. فرد باهتمام
- هااا يامحمود .. وصلت لحاجه !
- تقرير الطب الشرعى ظهر ...
- واييه ؟!
فاطرق باسف
- لدغة تعبانه ههه .. زى ما زيدان قال .. اوووو امر..

- هنفضل نسكت على الفوضي دى كتير واحنا شايفين كل يوم بنت بتتدبح من القريه !
- النيابه مش عاوزه غير ادله ..
القى سيجارته وفركها تحت قدمه بغل
- ودى هتكون عندك قريب .. قريب اوى ...

قفل هشام مع وكيل النائب العام .. شرع للذهاب فتوقف إثر رنين هاتفه مجددا .. فرد قائلا
- خير يامجدى ..
ركل مجدى باب الثلاجه بقدمه وبيده الاخرى زجاجه المياه
- ياااتش .. ليك عندى خبر طازه ..
- ابشر ..
قهقهه مجدى ساخرا: كان على عينى ابشرك .. بس للاسف مش المرة دى !

- حصل اى انطق ..
- حماك ونسيبه موصين عليك توصيه جامده.. ومش بعيد تلاقي نفسك بكره على الحدود ولا فى حلايب وشلاتين ..
- اااه مااهى كملت ..
ااردف مجدى ممازحا: خناقه جديده مع مياده .. !
اجابه بسخريه: تؤ فسخنا ..
- كده انا اطمنت انك هتروح تشتغل مع الهانم سالى النورماندى .. هتبقي مدير اعمال قمر قوى ياهشومى ...

- ااه ياخويا اقلها هتترحم منى .. ابسط ..
- ابسط اى بس روح اتنيل وصلح اللى انت عملته .. انا اشتريت بدلة الفرح ياجدع ..
- وانا البس طول حياتى عشان انت تلبس بدلة الفرح !

- والله خايف عليك .. وابويا كارهنى وكارهك وقابلنى لو وقفلنا فى حاجه تانيه .. لانه مقنع انك مثلى الأعلى فى عطلة الجواز ..
- مستغنين عن خدمات سيادة المحافظ .. اخلع يلا ..

- بكرة الشوق يجيبك ياابن السيوفى ... وساعتها هقولك لا شطبنا ..
صمت هشام للحظه وبدون اى رد قفل الهاتف فجاة وبنبره ساخره
- الواد لسع فى عقله ! فاكرنى خطيبته انا !
تعبث فى طبقها الفارغ بشرود تحت انظار والديها اللذان ينظران لبعضهم بيأس وقلة حيلة .. هتف اللواء كامل بتوعد

- وحياة كل دمعة نزلت من عيونك لاوريك هشام ده هعمل فيه ايه ..
لم تجرؤ على رفع انظارها اليه اكتفت بأن تنهمر فى مياه حزنها بعجز .. فواصلت سالى قائله
- انا مش عارفه انت بتعيطى على ايه ! فى ايه هشام ده عشان تحبيه ولا كان قدملك ايه ! انا اتصلت بمامته وفهمتها انى اللى هشام عمله مستحيل يعدى على خير ..

رجعت للخلف حامله قفة احزانها لتغادر مجلسهم الذي باتت بطلته .. فوجئت بعايده امامها وخلفها خادمه منزلهم .. فتوقفت للحظه اثر المفاجاه قائله بهمس
- طنط عايده !
تقدمت عايده خطوة للامام لتقف امامها قائله بحنان
- ممكن تلبسي وتيجى نخرج سوا ..

تدخلت سالى امها بحزم: الموضوع اتقفل خلاص ياعايده .. وياريت تحافظى على ذرة الصحوبيه اللى مابينا ... كفايه اللى هشام عمله ..
اردفت عايده بثقه: سالى ... مياده بنتى زى هشام ماهو ابنى .. فأنا هستأذن سيادة اللواء ساعه بس هخرج فيها مع مياده نتكلم ..
اطرق كامل باحراج: لولا معزة عماد الله يرحمه كان هيبقالى تصرف تانى .. غيري هدومك يامياده وروحى مع ام هشام ..

تدخلت سالى معارضه ولكن نظره واحده من عيون كامل كانت كافيه ان تُسكتها .. فهتف قائلا
- اتفضلى ياعايده هانم ارتاح على بال ما مياده تجهز ...

#فلاش بااك
دخل هشام منزلهم متأففا ثم ركل الباب بقوة ويجر فى ذيول قواه لتعاونه على الوصول لغرفته .. ولكنه فوجئ بامه تنادى عليه بنبرة صوته القويه

- انت عاوز تجننى ! غاوى قلة قيمة يعنى ..
اغمض عينيه متأففا مقاوما لارهاقه
- خير ياست الكل .. صوتك عالى ليه !
اشارت اليه بسبابتها محذرة
- كلمه مش هتنيها .. هتيجى معايا حالا لبيت اهل مياده نشرح لهم سوء التفاهم ..
التوى ثغره ساخرا
- ده فالمشمش ..

صرخت بنبرة اعلى جرى صداها: هشاااااام .. هتيجى معايا ..
اصطنع التجاهل والبرود
- عاوزانى اجى معاك فين ..
تدخلت رهف سريعا
- عند مياده ياابيه ... انت لحقت تنسي ..
- ااه مياده ! الحقيقه فعلا انا نسيت ؟!
ظلت تقاوم بركانها المتوق الذي اوشك على الانفجار إثر بروده
- ورحمه ابوك الجوازه دى هتم يعنى هتم .. واعلى ما فى خيلك اركبه

ابتسم ببرود: وماله .. تمموها وهاتوهالى اوضتى فوق .. عشان مش بحب جو الافراح ..
أعلنت امه عليه الحرب قائله بتوعد
- خليك فاكر انت اللى بدأت ..
#باااااك

- طنط .. طنط عايده انا جهزت .
اردفت مياده جملتها برسميه ممزوجه ببعض من الخجل .. فنصبت عايده عودها متناوله حقيبتها الشخصيه وبابتسامه واسعه
- اى الجمال ده ..
- مرسي يا طنط ..
رفعت عايده انظارها نحو سالى التى تغل دماؤها على مراجل الغضب
- هخطف القمر ده منك نص ساعه وهنرجع الضحكه منوره وشها ..
ثم عادت الى مياده وهى تحتضن ذراعها بحب
- يلا ياحبيبى...

بعد دقائق عديده من التردد والوقوف خلف باب جحره امه .. استجمع قواه اخيرا وفتحه مطأطأ الراس .. حزنه محفور على معالم وجهه مغمض مقلتيه المتورمتان خافيا دموعه خشية من أن يحمل امه فوق طاقتها ... ولكنها دوما ما تهزم خوفه .. تخشي ان تكون حملا عليه .. هى النهر الذي يعود اليه لينضفىء ..

فوجئ بابتسامه باهته مشقوقه من صخور الحزن الصلبه وهى تقفل المصحف وتقبله متمتمه ببعض الادعيه .. فقالت
- تعالى ياحبيبي .. واقف عندك ليه ..
تعكز على دعم صوتها ليصل لبين ذراعيها مجهشا بالبكاء
- معرفتش احمى خديجه ياام خالد .. انا وعدتها انها هتبقي بخير ومنفذتش ..

كتمت وجعها كعادتها وهى تربت على كتفه
- اجمد ياخالد ... اختك اترحمت ياحبيبي .. كان عاجبك وجعها وصراخها فى نص الليل .. انا كنت بدعى ربنا يرحمها مم وجعها .. كده هضمن انها مش هتتوجع تانى .. افرحلها ياخالد

- كنت حاجزلها بره وهنسافر .. بس هى سافرت وسابتنى ! مكنتش عاوزه تشيلنى همها ..
اخرجته من حضنها بقوه .. واردفت بصوت مفعم بالجبروت
- اختك مااتت بسبب لدغه حيه ! صح ياخالد ..
- ده كلام جوزك .. ياعالم اللى مستخبى ... بس ورحمة ابويا ما هسكت غير لما اعرف الحقيقه .. وحق اختى هيرجع تالت ومتلت ..

- ماهو الحق هيرجع ياحبيبي بس مش كيف ماانت مفكر ..
- خالد ياولدى قلبى عيقول لى اختك مامتتش زى ما قالوا .. اختككك
هتف مقاطعا: وغلاوتك لو اللى فى بالى صح .. ساعتها هحرق بنى سويف بناسها .. ولا هيوقفنى حد ...

اخترقت باناملها ذقنه مكابحه دموع قهرها
- وده هيحصل وانت ضل لعمك اللى بارك على مال ابوك .. استقوى ياخالد واخلع توب القيم اللى ربيتك عليه .. داب فى ايامنا دى ..
ثم حضنته مرة اخرى وفيها انفجر باكيه بلهفة وشوق ام
- متخليش الحزن يكسرك .. خليه قوتك .. بناره احرق بيه الكل ..

ربت على كتفها مستمدا قوته منها
- هو ده اللى هيحصل ...

تتسلل رهف على اطراف قدمها بحرصٍ شديد تترقب ثبات عيونه المنغلقه وانفاسه الخارجه بهدوء فتأكدت من غوصه فى بحور النوم ... اقترب من ( الكمود ) الموضوع عليه اغراضه الشخصيه وهاتفه فتناولتهم بحرص شديد وانظارها متعلقه به ..

اخذت غرضها وبدون مقصد سقطت مفاتيحه ارضا فتجمدت فى مكانها إثر حركه وانقلابه على الجانب الاخر متمتمه كثير من الادعيه بدون فهم خشيه من ينكشف امرها .. واصلت مهمتها بحرافيه ونجحت فى ان تنجو من أسوار غرفته المخيفه واقفه بجوار السلم متخذه انفاسها كشخص نجا من الموت تابعتها بابتسامه واسعه وهى تجلس فوق درجه السلم متابعه مهمتها ...

فى احد المطاعم الفخمه على النيل تجلس عايده برفقة مياده محاوله خروجها من حالتها البائسه ... قائله
- بصي ياديدى .. هشام حوليه بنات كتير اوى .. وكل واحده بتفكر ازاى تخطفه .. وانت بانسحابك هتسهليلهم الفرصه ..

اطرقت بمرارة خُزى: طنط هشام محاولش حتى يفهمنى .. انا مش فارقه فى حياة هشام .. ومش مجبره افرض نفسها فيها ..
نهضت عايده من فوق مقعدها لتجلس بجوارها
- بس ياعبيطه .. بلاش الشيطان يضحك عليك .. واحده زيك تاخدها حرب .. وهشام لو مكنش بيحبك كان هيستمر معاك كل السنين دى ليه !

- هشام فاقد نفسه مش عارف هو عاوز اى .. اهى اى جوازة والسلام وكمان دعم بابا وجدى .. هشام مش شايفنى اكتر من صفقه ...
شرعت عايده بالتحدث ولكن اوقفها صوت هاتف مياده .. تراجعت عايده بثقه وهى تضع ساق فوق الاخرى
- شوفى مين باعتلك مسدج ..

فتحت مياده هاتفها متأففه كأنها تؤدى مهمه رسميه مجبره عليها .. الى ان رات اسم المرسل فاتسعت حدقة عينيها وعاد سيال الحب يتسرب من تحت جلدها مرة اخرى .. رفعت عيونها لعايده للحظه ثم عادت بشغف تفتح رسالته باصبعها المرتعش إثر اقتحامه عالمها مرة اخرى

( اسمحيلى اعترفلك للمره الاولى واقولك بحبك .. وحقك عليا بس والله كل اللى حصل كان سوء تفاهم .. مش هعرف اشرحلك غير لما اشوفك .. متزعليش وانا واثق فى كوين عايده انها هتقنعك لحد ما ارجع من المهمه اللى طلعت فجاة دى مش عاوز اروح وانت زعلانه منى طلقه تيجى فى نص دماغى معرفش اصالح بعدها .. استحملتى الكتير فعدى دى كمان ياستى .. miss U my little princess.. اعتبريها تصبيره لحد ماارجع .. )

لم تعلم كم من الوقت استغرقته فى قراءة الرساله ولا عدد المرات التى تحاول فيها استعاب هوية المرسل ! ذلك الرجل غريب الأطوار .. شهيا بغموضه اغرقت به حد النخاع بدون ادنى مجهود منه .. فبرسالته هذه قطع مسافه هائله بينهما اعتادت ان تسيرها لوحدها ... اتسعت ابتسامه عايده لبوادر نجاح خطتها التى بدت على معالم وجه مياده ..

فاطرقت عايده بغرور
- انا شايفه مفيش لازمه من القهوة اللى طلبتيها ونطلب عشا حلو كده ..
رفعت مياده عينها بذهول
- طنط .. دا هشام ! معقوله ...
اتكأت عايده بمرفقيها على سطح المنضده
- ولسه .. هخلى الباقى مفاجأه .. نطلب عشا !

اومأت مياده ايجابا بفرح شق قلبها وثغرها لنصفين .. عجيب سحر الرسائل الغير متوقعه من اشخاص غير متوقعين، قادره على خلق جناحين بدلا من ذراعيك لتنقلم من قاع الحزن لقمم قصور الحب .. ان تشعل بك الف ساكن تعمدت اخماده طويلا حتى ظننت انه انتهى .. باتت روحها تغلى فلا تعلم هل كل هذا من غيابه ام من وجوده المفاجئ ..

- هتصل بهشام الاول اسمع صوته!
اردفت عايده بسرعه: هشام فى مهمه .. واكيد هيخلصها هتتكلموا .. المهم انه رضاك ..
- اااه ياطنط .. ممتصوريش بحبه اد اى الغبى ده !
اردفت عايده بخبث: ااه ما هو باين .. كام كلمه نسوكى الدنيا بدل منا بهاتى مع نفسي من الصبح على الفاضي ..

احتضنتها مياده بحب وقبلتها
- والله انت اجمل طنط فى الدنيا ...
عودة الى رهف التى تتجول بهاتف هشام بحريه فى متجرات البيع لاحدث الماركات العالميه متحدثه مع نفسها
- مممم ااه الفستان ده كان عاجب ست مياده ورفضت تجيبه ... ثم قالت مقلدة طريقه مياده فى التحدث ..  اصله غالى اوى على هشام روفا  ...

ثم اغمضت عينيها لبرهه بتوعد وهى تؤكد حجز الفستان باسم هشام
- طيب ادفع ياهشام .. عشان تزعل صحبتى تانى ..
ثم فتحت حافظه نقوده مستخرجه ( الكريديت كارت ) لديه ودخلت رقمها حتى اعتلى على ثغرها ابتسامه انتصار وهى تضع ساق على اخرى لتردف بغرور
- والله جيش مصر خسرك يابت ياروفااااا ... ربنا يستر على هشام لما يصحى ومايروحش فيا السجن

عند زياد الذي يتجول فى المستشفى الخاصه التابعه لعائله السيوفى فتوقف متأففا إثر نداء نهى
- زياااد يااا زياد .. انت ما بتردش عليا ليه .
- اووووف خير يانهى .. انت معندكيش شغل !
وقفت امامه مغلوبه على أمرها
- زياد انت وحشتنى .. ممكن اعرف اى سبب المعامله دى !

- نهى بقولك اى فكك منى ..
- اللى كان ما بيننا !
- اى اللى بيننا ؟
ردت بنبره اقوى: متستهبلش ! زياد انا لسه بحبك ..
- ااه ماهو باين !
القت نظره سريعه خلفها لتتأكد من عدم وجود احد ثم امسكت بيده وسحبته خلفها لمكان آمن .. تابع سيرها متسلحا بالتجاهل .. فاردفت بغيظ يتناثر من كل انش بها وهى تقف امامه

- زياد ! انت مش شايف علاقتنا بقيت بارده ! والسبب من مفيش ؟!
دنى منها خطوة هامسا فى اذنها بمنتهى الهدوء
- بارده ! غطيها يانهى ... يلا عشان انا عندى شغل ومش فاضي للوكلك الكتير !

تجمدت الدماء فى عروقها وهى تشعر بالعجز فقدت القدره على النطق الاستعاب الحركه .. دار بجسده متأهبا للذهاب .. فاوقفه ندائها
- ولو قولتلك موافقه على طلبك !
دار برأسه اليها وعلى ثغره ابتسامه انتصار مردفا
- وقتها الكلام هيتغير .. وهتبقي نهى البنت اللى حبيتها بصحيح ...
- طيب يازياد انا موافقه .. المهم اننا نرجع لبعض زى الاول ...

- حفيدة ابليس
جالسه بالقرب منه عاقده ساقيها في منتصف مخدعهم مرتديه زيها القصير اللامع وتنظر له بعيون متسعه كالمها .
- فهمتني يازيدو عاوزه اوصلك ايه!

ابتسمت ماكره: نقول تاني العقل بيقول امشي سنة ولا تخطي قنة .. بمعني بلاش تضرب ضربتك القوية دلوقتي طلع كميه السلاح ع الاد ياخويا بلاها الضربه القويه وفي التأني السلامه .
اعتدل في جلسته باهتمام
- استني بس فهميني .. قصدك ايه
دنت من اذانه اكثر
- قصدي صيد الحكومه قبل ماتصطادك .. قدام الناس كلها زيدان نصير بيشتغل في ايه ؟!
رد بتلقائيه: في الارض والمحاصيل
هزت راسها نفيا: واي غيرها ؟!

قال متمتما: الخشب وجذع النخل .
لتقول بحماس: عليك نور .. يبقي تاهت ولقيناها من النجمه تجيب نجار شاطر كده ويفرغ جذوع النخل ويترص السلاح جواه وبنفس الشطارة يقفل عليه .. وعمر الحكومه ماهيخطر علي بالها ان جوه الخشب دا سلاح .. اي قولتك ياابو ايوب !
غرق في بحر افكاره ثم نظر اليها بعيون لامعه
- يخربيت دماغك .. اي الدماغ دي !
تمايلت عليه بدلال: عشان تعرف بس انك ملكش في الدنيا كلها غير مهجه حبيبتك وروحت جريت ورا عيله كده

احتواها بذراعه في حنو: ماانتي عارفه كلها مصالح .. بس بت الكلب دي لعتبها صح ومسيري هوصلها ومش هرحمها
- طب واللي يقولك تجيبها ازاي .. تعمله ايه ؟!
قهقهه بصوته الاجش: اللي يعوزه بس اوصلها
نظرت له بعيون ضيقه بدلال: هقولك بس خليها بكرة عشان النهارده بتاعي اما وانت بس
غمز لها بعينه وهو يدنو منها اكثر: تعجبيني

{ فى صباح اليوم التالى }
رفعت ناديه رأسها اخيرا من فوق سجادة الصلاه حاضنه قلبها راجيه منه الصبر والسلوان ... وشلال من الدعاوى لابنتها بالرحمه والغفران .. اتكأت على عكاز الانتقام لتواجهه بشاعة العالم خارج غرفتها .. شرعت لفتح الباب ولكنها توقفت فجاة إثر صدى كلمات زيدان مع مهجه ..
- وانت كده ياخوى ناوى تعمل ايه !
- هروح ابلغ عن الظابط .. اهو الهييه عنى هبابه .. عشان يعرف هو خطف مراة مين
باعجاب اطرقت قائله: هو ده الكلام ..

انتظرت ناديه اختفاء صوتهم حتى فتحت الباب متجهه نحو غرفة ابنها لتستفسر منه عما سمعته ..

- كإنكِ تزدادي في البعد اقترابا فأحببتك بقلب يريد وزمان يرفض فلا اجد حل لذلك الحب سوي ان اكرمه بدفنه
جالساً في غرفته امام النافذه ينفث دخان سيجارته بضيق وحنقه .. امام عينيه يتفقد صورة اخته خديجه سابحا فى ذكرياته معها .. والصوره الاخري صورة محبوبته ... فكلاهما اعلنوا الرحيل فى نفس الليل حتى بات قلبه من شدة الهجران عشًا لمساكن العنكبوت

دخلت امه ( ناديه ) بحنو: انت قاعد ليه وحدك يا ( خالد ) .. هو ده اللى اتفقنا عليه ياحبيبي ..

القي سيجارته من النافذه واستدار الي امه مبتسما ليري علي وجهها اجمل ابتسامه لم يراها علي امرأة بعد، ذلك الملاك الذي لم يترك الزمن آثارا علي ملامحها بل ترك اثاره علي روحها الحزينه وقلبها المتهالك دائما قائلا
- مافيش حاجه ياست الكل .. عادي كنت بفكر في كذا حاجه كده
تنظر له بعيون ضيقه ممازحه: كل حاجه دي اللي هي ( فجر ) ! ولا خديجه !
تنهد بوجع وهو يجلس علي المقعد المجاور
- عادي بقي اهم مشيوا وارتاحوا من قرف البلد دي

- طيب خديجه وكانت كل يوم تفتح شباكها للموت لانها كانت مستنياه .. فجر بقي اللى غريبه !

رمقها بدهشه: بحسدك على ثباتك لدرجه انى بشك انها بنتك!
- ايمانى ياخالد ... ربنا احن من الكل .. وواثقه انه حقق لاختك دعاها ..
ثم جلست وهي تربت علي كتفه في حنو
- اما فجر عملت الصح ياولدي البت غلبانه ومكسورة الجناح ومكانتش هتخلص من ظلم( زيدان )

شرد قليلا: عشان كده مقدرتش اقف في طريقها .

التفت لحديثه باهتمام: انت اللي هربتها يا ( خالد ) ؟
ارتبك ( خالد ) من سؤالها يريد ان يقص عليها مافعله لكنه تراجع في اخر ثانية
- متقلقيش ياامي .. لو كنت عاوز اعملها كنت عملتها من زمان علي الاقل كنت خلصتك انتِ من ظلم (زيدان)

هلع قلبها من كلماته
- متقولش كده يا(خالد) دا مهما كان عمك وهو اللي رباك ياحبيبي .
كانت انفعالاته مكبوته من ذلك الرجل معاون ابليس الذي طفح كيله منه ومن تصرفاته قائلا لها بعصبيه
- انت لسه هتقولى عمى وتدافعى عنه ! رباني من تجارة السلاح والناس اللي بتموت كل دقيقه بسببه! .. كون ثروته دي من قلوب اهل البلد اللي لحد دلوق الميه النضيفه موصلتش بيوتهم! .. اشتري كل الاراضي من الفلاحين بسعر التراب وشغلهم خدم فيها! بت اخوه لسه مدفونه وبيتمرمغ فى حضن بت بحرى !..

لا وكمان مرحمش راح يتجوز البت اللي حبيتها ليا ٤ سنين ولما راح معايا نتقدموا لها عجبته اتجوزها هو! .. ولا انتي ياما بنت عمه اللي استولي علي ارضك وارض ابويا وبقيوا في حسابه و(خالد) بقي شغال عنده مرمطون في اراضي ابويا ومقدموش غير يقول نعم وحاضر والا هيكون ناكر لجميل عمه! .. اللي عملته (فجر) هتعمله غيرها الف وانا واحد من الناس دي مع اول فرصه همشي ومش راجع .

انخرطت عينيها من البكاء علي حال ابنها
- كل دا في قلبك ياولدي وساكت !
قام يجوب غرفته ذهابا وايابا متوعدا
- كل دا كلام ياما .. لسه الفعل ! مصير الحق هيرجع لصحابه وانا وراه اذا كنتي انتِ ضعفتي بعد وفاة ابويا ووافقتي تتجوزي اخوه، انا مش هقبل انك تعيشي الباقي من عمرك في سجن (ابن نصير )

احتضنته وهي غارقه في بحور دموعها متوسله اليه
- بلاش ياولدي بلاش تقف في وش القطر وسيب المُلك للمالك .. انا لما فكرت حسيت انر برميك ف النار
ربت علي ظهرها في حنو
- قلقيش عليّ ياام خالد ولدك رجل ومستقوي بالحق
كلماته جعلتها تحتضنه اكثر فأكثر كإنها تود اطفاء نيران قلبها بماء حبها له ذلك املها وفلذة كبدها تعويضا عن ما فقدته

اقتحمت فجر غرفة هشام الذي يقف امام المرآه ينثر عطره الفريد ويهندم ملابسه .. فاردفت قائله بمرح
- اتش اخويا حبيبي .. شوفت مش النهارده كتب كتابك ..
رمقها بنظرة فى المراة ساخرا
- انت لسه مصحتيش من حلمك ..

اتكأت امامه على طرف التسريحه بثقه
- لالا ماانت اللى ما تعرفش انى حققت احلامى وانت غرقان فى النوم ..
نظر اليها بعيون ضيقه محاولا فهم مغزى كلماتها قائلا
- ما تصطبحى !
لم تكد تجيبه ... فرن هاتفه قطع حديثه .. القا الاثنين نظرة واحده على شاشه الهاتف .. استقبلتها رهف بابتسامه انتصار مشيرة بكفها بثقه
- ميااااده ..
انعقد جبين هشام مندهشا
- مياده !

عقدت ساعديها بتفهم: رد رد ...
رمقها طويلا حتى امسكت هى بهاتفه وفتحته ووضعته على اذنه هامسه
- رد ...
صدر صوت مياده المتيم بعدما فتحت رهف مكبر الصوت
- كل ده فى المهمه وسايبنى هتجنن عليك ..
اتسعت حدقة عينى هشام مذهولا محاولا ادراك ما حل فوق راسه .. فتقطرت الاهات من فمه .. فاشارت له رهف بمسايره حتى بدا كطالب بليد فى لجنه امتحان لم يعرف اسم الماده ..

بعدت رهف الهاتف عنه هامسه: قولها بحبك يامياده ..

جز هشام على فكيه للحد الذي شعرت فيه رهف بأنه سيضعها بينهم .. فعاود هشام الحديث معها قائلا
- يعنى انت مش زعلانه ..
إجابته بحب: تؤ .. ماانت صالحتنى خلاص ..
تحركت عينيه بحركه عشوائيه واقطبا حاجبيه بجهل تام عن ما تتحدث عنه قائلا بهمس
- مصالحتش حد انا !
رهف بثقه: مانا قومت بالمهمه دى بدالك.

مياده بتساؤل
- فى حد معاك ..
ارتفع صوت رهف قائله
- الفستان اللى طلبه هشام وصل !
- ااه ياستى وصل وكنت مكلماه اشكره ...
تدخل هشام سريعا ليهرب من المأزق: مياده سيادة اللواء بيرن اقفلى وهرجع اكلمك ..
- طيب يا هشام.. هستناك ...

بمجرد ما قفل مع مياده القى هاتفه ارضا قابضا بغل على شعر رهف التى حاولت التملص صارخه تحت يده مناديه على امها ..
- فهمينى هببتى ايه .
اجابته بارتباك وجسد مرتعش: كلمت بسمه عشان تيجى تحضر كتب كتابك ...
ضغط على شعرها اكثر
- بت انت اتعدلى وجاوبى عدل والا هكسر عضمك فى ايدى ..

حاولت ان تلطف الجو متواريه خلف فزعها
- اتش انا صلحتلك الدنيا ووفرت عليك مهمه تقيله اوى .. اشكرنى مش تكسر عضمى ..
زاد من ضغطه على شعرها فارتفع صراخها وهى تضرب الارض بقدميها متوسله
- شعرى ياهشام حرام عليك .. اااه يااماما .. افتح تليفون وانت تفهم ..

دفهها فى منتصف مخدعه متناولا هاتفه فأخبرته بفتح الرسائل ... مرت عينه على رسالتها التى ارسلتها لمياده فشعر بأن شعر رأسه يحترق .. كل ما بداخله يثور
- نعمممممممم ياااختى ! اى المحن والكلام الفارغ ده ... miss u .. داحنا اللى هنقرا الفاتحه على روحك لحد ماتبقي miss u ...
زحفت رهف سريعا من فوق الفراش صارخه هاربه من حصار عينه المشعه بالشرار ... هتف هشام متوعدا
- والله ياارهف لاربيك .. هتروحى منى فين !

{ عودة للوقت الحالى }
- ايوة ياعلى .. خير !
- انت فينك ياعم الحق مصيبه !
نهض مفزوعا فلحقت به مياده بعد ما شُحنت بفضول لمعرفة هوية المتصل
- فى حاجه يا هشام!
اشار اليها بكفه لتصمت مواصلا استماعه لحديث( على) المنفعل
- طيب طيب انا جايلك حااالااا ...

قطعه (على) الذي يلهث وياخذ انفاسه بصعوبه وهو يقود سيارته بسرعه جنونيه وتكاد نيران صوته تخترق الهاتف
- يا ( هشام ) البت اللى جبتها من يومين مغمى عليها وقاطعه النفس ..
يرد (هشام) مندفعا وهو يغارد كتب كتابه بدون حساب لاحد
- نهارها اسود ومنيل دانا لسه مفوقتلهاش ولا شوفت شغلى معاها
نهره رفيقه بقوة وبنفاذ صبر
- البت مغمي عليها او شكلها ماتت يا( هشام ) .

ثم اكمل ( علي ) حديثه مذعورا
- العسكري لقاها مرميه في الارض وببترعش وطبعا انت عارف ماينفعش اوديها مستشفي السجن ولا ايه مستشفي .. هندخل في س وج واساءه لاستعمال السلطه ياسياده الرائد ..
- حاضر ياعلى قولت هتصررف...

كانت صدفة بمثابة وعكة برد سأشفى منها .. الامر لست بالخطورة المسيطرة عليكم ... لأتمتم سرًا صدفة بمثاية وعكة حب ولا اريد الاستشفاء منها .. الامر فاق ذروة خطورته عليك ان تأت الآن لاخبرك دب النبض فى قلبى بك

جميع المعازيم وقفوا إثر لفت اتنباههم برحيل هشام المفاجئ يتهامسون فيما بينهم عن حدث التاريخ .. اقتربت عايده من رهف ومياده باستغراب
- هشام راح فين !
اُصيبت مياده بوعكة خذلان افقدتها القدره على الكلام وهى تراقب العيون حولها تأكلها باهدابهم .. كورت اصابع قديمها وكفها وظلت تُبلل حلقها الجاف عده مرات بدون جدوى .. غاصت فى دومة الجنون التى سببها رجل يثير الجوارح لاكتشافه ..

تقدمت سالى وحضنت ذراع ابنتها لتشعرها بالامان .. موجهه حديثها لعايده باسف
- للاسف هشام هد كل حاجه ما بيننا ..
عايده بهدوء: يا سالى متقوليش كده .. اكيد فى ظرف طارئ..

شيئا فشيئا تغيب مياده عن عالمهم .. تصيب بوعكة صمم تتوقف جميع حواسها لا ترى الا خذلان ولا تشعر الا بألم ينخر بقلبها .. شاقاه على هوى مُعلق بسماء التمنى ولم تلمع نجومه بعد .. حسم الامر دخول كامل والدها المفاجئ
- هو كفايه كده فعلا .. بنتى استحملت من ابنك اللى ما يستحملوش حد .. واحنا النسب ده ما يلزمناش ..
تدخل زياد: ياعمى لازم نسمع من هشام الاول ...

بنبره آمره: زياد خد اهلك واتفضلوا .. وبنتى انا هعرف اطلقها من اخوك ازاى زى ما هخليه يقول حقي برقبتى ..
اقتربت رهف من مياده بعد ما اغرورقت مقلتيها بمياه الخذل
- ديدى .. اكيد هشام غصب عنه .. بلاش تتسرعى فى حكمك عليه .
رفعت مياده انظارها لرهف التى يسحبها زياد خلفه رغم عنها وكانها تتوسل اليها بعدم المغادره .. شيء ما يبقى حاملا لعطره ورائحة وجوده على قدر الامها فهى لا تطمح فى الشفاء منه ابدا ..

انصرف آل السيوفى فردا وراء الاخر بهدوء ولم تطأ أقدامهم عتبة المنزل فسقطت مياده مغشيا عليها .. فالتفوا جميعا إثر صراخ امها .. عادوا جميعا اليهم فوقف كامل بكل قوته متجاهلا ابنته الملقاه ليضع حدا لهم قائلا
- محدش له دعوة ببنتى ..

تدخلت بسمه سريعا: عمو انا بس هطمن على نبضها ..
ارتفع صوت كامل وهو ينادى على زياد بحزم.. فوقفوا بايدى مغلوله واعين منتفضه هنا وهناك .. لم تعر بسمه اى اهتمام لاوامره .. فكسرتها واندفعت من جانبه لتجث على ركبتيها تفحص مياده بعنايه .. فالقت نظرة على زياد الواقف مكانه قائله
- جالها هبوط ..

ثم رفعت صوتها للخادمه: هاتى ميه بسكر بسرعه او عسل نحل ..
مرت بضعة دقائق ففاقت مياده اخيرا تترقب حلقتهم المنعقدة حولها محاوله الاسترجاع بذكرياتها فلم تكبح دموعها على التوقف .. فاقتربت عايده منها تحتضن كفها
- حبيبي انت كويسه !
سات الصمت للحظات فاردفت بصوت خافت
- ماما عايزه اطلع اوضتى مش عاوزه اشوف حد ..
تدخل زياد سريعا: خلاص ياجماعه احنا اطمنا انها كويسه .. يلا بينا بقي...

وصل هشام الى مقصده .. فوجد ( على ) فى انتظاره على مراجل القلق وهو ينظر فى كل الاتجاهات كالسارق .. دلف هشام من سيارته .. فدنى منه قائلا
- فينها ...

فتح له ( على ) باب العربيه مشيرا على تلك الحوريه التى لا حول لها ولا قوة .. يحدث ان تغادر الروح ويظل الجسد متمسكًا بايام قاحله .. ثنى ركبته داخل السياره ليتحسس بانامله نبضها .. مسك كفها باحثا عن مصدر النبض ولكن دون جدون .. فانتقالت انامله لعنقها وتلك كانت اول مرة تلمس انامله امراة بهذه الحريه ..
ظلت انامله تتنقل ببطء جانب وخلف عنقها وفى نفس اللحظه تقلب التذكار والنسيان امامه كفقاقيع المياه المغليه .. خرج من السيارة لينصب عوده مرة اخرى وهو يخلع سترته السوداء
- نبضها بطئ اوى ..

- انت عارف اننا كنا هنروح فى داهيه بسببها .. كان فى حمله تفتيش لولا العسكرى نبهنى قبلها .. المهم هتتصرف ف المصيبه دى ازاى !
اشتعل عقله بأنات الحيرة .. ثم اردف
- متعرفش مستشفى تحت السلم متسألناش س و ج .
ضغط( على) ع فكيه
- هشام متجننيش .. اتصرف ف البت دى مراتى لو شمت خبر هروح فى داهيه ..

دار حول نفسه حائرا الى ان توقف فجاة وكأنه وجد ضالته
- زياااد .. او بسمه ... التليفون فين !
اجرى هشام اتصاله بهم جميعا بدون فائده .. من اغلق هاتفه ومن لا يرد للحظه شعر بأنه فى حاجه لحرق شركات الهاتف .. فعاد لرفيقه قائلا
- معلش اخر طلب .. وصلها على البيت وانا هاجى معاك .. عارف انى تقلت عليك .. بس مش قدامنا غير كده ..

بعد مرور ساعتين من البحث عن المستشفيات إثر رفض هشام الذهاب بها على منزله بعد ما ادرك عواقب الامر ... فنوصل الى انه لا يوجد حل آخر ... وصل (هشام) بيته مع ( علي ) فهبط من السيارة مناديا علي اخيه فتحت ( رهف ) باب غرفتها لتحدثه من اعلي: في حاجه ياابيه ؟!
رفع راسه اليها واضعا كفيه علي خصره
- ( زياد ) فين ؟!

تجيبه بتلقائيه
- حسي الاعلامي بيقولي انه بيتسرمح مع بنت مايعه من بتوعه
زفر بنفاذ صبر مشيرا لها بسبابته
- قدامك خمس دقايق ويكون واقف قدامي اتصرفي
وقفت تعد علي اصابعها ثم عاودت النظر اليها
- اللي هو ازاي دا يابيه حد قالك اني هاري بوتر ؟!

اخذت رياح صوته تزمجر بحده ارعبتها نظراته الحاده لتجيبه بتلقائيه
- خلاص خلاص هتصرف .. طيب حاولت تكلمه ؟!
* كلمته وتليفونه مقفول .. وبسمه مش بترد .
اجابته رهف: بسمه عندها نبطشيه .. خلاص هتصرف متقلقش ..
دلفت الي غرفتها مفكره باحثه عن هاتفها محدثه نفسها..

- ياتري مع اي واحده دلوقتي يادكتور ! انا اييه هتصل بكل اللي عرفهم اليومين دول ويارب يكون مع واحده فيهم وملحقش يتعرف علي حد جديد .. بس هو هشام عاوزه ليه ياترى ؟
خرج (هشام ) متأففاً .. هبط ( علي ) من سيارته ثم قفل الباب خلفه
- هاا لقيت زياد ؟

فتح ( هشام ) باب سيارته وانحني قليلا حملها بين ذراعيه ثم ركل الباب بقدمه
( علي ) متسائلا: ايه حكايتها البت دي ياهشام
هشام شرع بالانصراف من امامه: انا نفسي معرفش اي حكايتها .
رفع ( علي ) نبرة صوته: طب خلي بالك ياصاحبي لتفتح عليك ابواب جهنم .
دلف بها (هشام) الي بهو الفيلا مناديا علي اخته بصوته الاجش وهو يصعد السلم ركضت (رهف) نحوه بتلقائيه قبل ما تعلو صوت شهقتها
- والله يابيه مش مع ولا...

تراجعت للخلف مع اتساع حدقة عينيها
- مين دي ياابيه !
وصل ( هشام ) الي الطابق العلوي وبصيغه آمرة
- افتحي باب اوضتك التاني يلااا .
نفذت اوامره علي الفور وهي في كامل دهشتها اراح ( هشام ) جسد ( فجر ) علي مخدع اخته بحنو .. ( رهف ) لاول مرة تراقبه في صمت وذهول لاول مرة يعرف الصمت طريقها ولكن لم يستمر الوضع كثيرا .. فاردفت قائله
- هي مين دي يابيه ؟! وهي مالها .. هى ميتة ؟!

( هشام ) وقف حائرا يتأمل ملامحها ثم وجه حديثه الي اخته
- الزفت دا راح فين ؟
- هو في اي هنا ومالك يا __
اردفت ( عايده ) علي ارتفاع صوته وقالت جملتها الاخيرة التي لم تكملها بمجرد ان وقعدت عينيها علي تلك الملقاه علي مخدع ابنتها
-نهارك اسود .. مين دي ياهشام؟

زفر باختناق: مش وقته .. المهم اجمعولي( زياد ) من تحت الارض .
ارتجف جسدهم جميعا بمجرد سماعهم صوت قفل الباب
ركضت ( رهف ) خارج غرفتها وهي تقول
- دا اكيد ( زياد ) رجع !
( زياد ) ممازحا: مين بيتكلم علي (زياد) .. انا مش عارف الشهرة عاوزه مننا اي !.

( رهف ) بعفويه قبل ما تعود الي غرفتها: تعالي يازياد بسرررعه .
مط ( زياد ) شفته لاسفل: مالها دي !
سار خلف فشوله حتى وصل الغرفه: مالكم متجمعين ليه كده ..!
وقعت عينيه علي ( فجر ) النائمه
- مالها دي ! ومين دي اصلا ؟

(هشام) بصيغه امريه: مالها دي انت اللي هتقولنا يادكتور .. يلا شوف مالها .
جثى ( زياد ) علي ركبتيه بجوارها يتحسس نبض شريان معصم كفها وعنقها
- رهف روحي هاتيلي جهاز الضغط من اوضتي بسرعه .
جميعهم يترقبون الوضع في صمت وذهول
- هشام هات كرسي التسريحه دا وحطه عند رجليها
قال (زياد) جملته وهو يضم قدميها ويضعهم فوق المقعد الذي اتي به ( هشام ) لزيادة كمية الدم المتدفق نحو المخ .

احضرت ( رهف ) جهاز الضغط شرع (زياد) باستكمال عمله وفحصه وبعد مرور عدة دقائق تنهد وهو ينزع رابط الجهاز حول معصمها .
( هشام ) باهتمام: مالها يازياد!
- ارهاق شديد وهبوط مفاجيء في مستوي الدم وكمان شكلها ماكلتش حاجه ليها كتير هنزل اجيبلها مقويات واركبلها جليكوز ولازم تروح المستشفي الصبح لربما يحصل مضاعفات لو زاد عن كده يعمل ضمور ف أجزاء لو موصلهاش اكسجين.. بس مين دي يا ( هشام ) ؟!

عقدت ( عايده ) ساعديها امام صدرها رافعه حاجبها الايمن
- ها جاوب ياسياده الرائد مين دي ؟! مين اللى سبت كتب كتابك عشانها ؟
تفتن نظراتهم الموجهه نحوه محاولا الهروب من ذلك المأزق
- ( رهف ) خلي بالك منها اول ماتفوق تصحيني حتي ولو في نص الليل .. يلا تصبحوا علي خير .
تركهم في حيرتهم واندهاشهم وغادر
( رهف ) بذهول: حد فاهم حاجه ؟! ماما انت ساكته ليه ؟!
وثب ( زياد ) قائما: حسي الطبي بيقولي ان دي مراة سيادة الرائد ..
قطبت ( رهف ) حاجبيها Reasonable!)
زفرت والدتهم بضيق..

- انا حاسه اني عايشه مع ناس معرفهمش حتي ولادي كل واحد منهم في وادي .. تصبحوا علي خير ياولاد السيوفي احسن ما تجرالى حاجه منكم
خرجت ( عايده ) وهي تضرب كف علي الاخر وخلفها ( زياد ) وهو يشير لاخته
- رهف اعمليلها اي حاجه بسكر او عصير اول ماتفوق تشربها
مطت ( رهف ) شفتها لاسفل: اخرتها ممرضة ياروفا !

وصل ( هشام ) غرفته ثم ركل الباب بقدمه دون ان يهتم باضاءة نورها واضعا مفاتيحه علي التسريحه ثم القي بجسده في منتصف فراشه مفكرا
- وبعدين يا( سيوفي ) هتفضل تايه كده لحد امتي .. امتي هيجي اليوم اللي ترسي فيه علي بر .. طول عمرك رافض الحب والارتباط لحد ماجيه اليوم اللي يرفضك فيه
ثم ضحك بقايا ضحكه متحصره تعكس فوق ثغره وقلبه هموم .. الي ان خلد في سبات عميق .

انتهي يوم مليء بالاستفسارات والحيره .. لا زالت ( فجر ) غائصه في نومها نتيجه المخدر الذي اعطاه لها ( زياد ) .. كانت ( رهف) جالسه بجوارها طوال الليل تتصفح هاتفها .. وعلي المقابل كان ( هشام ) خالدا في سبات عميق .. ومازال ضيف بيتهم ( الدكتور زياد ) الاشبه برياح امشير يأتي ساعات محدوده في اليوم ثم يختفي بقية الاسبوع .. ولم تكد ( عايده ) تجوب غرفتها ذهابا وايابا حتي قضت علي حرب الافكار التي نشبت بداخلها باقراص منومه..

تحطمت جيوش الليل امام جيوش شمس النهار .. استيقظ (هشام) بمنتهي الهمه والنشاط نحو ركن غرفته الرياضي ( كيس الملاكمه ) العالق لتهب عاصفه قوته وتفريغ كامل طاقته وبعدما انهي جولته وانطفئت نيرانه اردف الي الحمام ليترك للماء مهمه ذوبان الاملاح المترسبه نتيجه تصببه لبحور العرق المنبعثه من مسام جسده
انهي حمامه الدافيء وارتدي زيه الانيق عباره عن قميص اسود وبنطلون جينز اسود ومعطفه الرمادي الانيق ثم وضع سلاحه خلف ظهره ورش نفحات البرفيوم الفاخر
وتوجه خارج غرفته بخطوات ثابته كأن ايامه تسير كما يهوى ولا يحدث اى شيء يعكر صفواه..

وقف امام باب غرفة اخته ثم طرق الباب برفق وابتعد قليلا
فتحت ( رهف ) التي لم تنم منذ ليلة امس
- صباح الخير يا ابيه
استدار اليها بجسده بعدما تجاهل عبارتها
- صحيت اللي جوه دي ؟!
دارت ( رهف ) رأسها ناظرة لها بشفقه .. ثم عادت النظر اليه وهزت رأسها نفياً..

- ( زياد ) اداها حقنه منومه وعلقلها محاليل قبل مايمشي .. وقالي اي حاجه تحصل اكلمه .. بس صعبانه عليا اوي ياابيه طول الليل تقوم تصرخ وتنادي علي اسماء غريبه كده وتنام تاني .. هي مين دي يا ابيه؟!
تحمحم ( هشام ) الذي كان ينصت اليها بااهتمام ثم ادار ظهره مجددا نحو السلم ويقول بنبره آمره
- عندي اجتماع مع سياده اللواء ساعتين وراجع .. عارفه يا( رهف ) لو رجعت وملقتهاش هيبقي نهارك مطلعتلوش شمس .
اتسعت عيني اخته بذهول وركضت خلفه..

- استني بس يا ابيه فهمني .. يعني هي متهمه والمطلوب مني اني احبسها صح ومخلهاش تهرب !
وصل ( هشام ) الي الباب الكبير وهو يفتحه قائلا
- تحبسيها تراقبيها المهم اجي القيها هنا فهمتي !
ضربت له اخته التحيه العسكريه وهي ترتسم الجديه
- علم وجار التفيذ يافندم .
القي عليها نظرة ساخره قبل مغادرته جعلت جاحبيها ينعقدا مستفهمه..

- هو ماله دا ! دايما بيبصلي بأرف كده ويمشي كإنه لاقيني علي باب ملجأ .. باااس دلوقتي ياشويش رهف عندك مهمه لازم تقوم بيها عالوجه المظبوط والا حظابط هيخلي نهاري مطلعتلوش شمس
قالت ( رهف ) ذلك متمتمه مع نفسها قبل ان تأت والدتها وتقطع جولة افكارها صوت امها الواقفه بجوارها
- هو ( هشام ) دا اللي خرج ؟!
فاقت ( رهف) من شرودها: اه ياماما هو هشام
-فلت منى ! والبت اللي فوق خدها معاه ؟!

هزت رأسها بالنفي: لا ياماما دا قالي اخد بالي منها لحد مايرجع وكمان اكد عليا
زفرت ( عايده ) بضيق وحنقه: انا مش عارفه اي التسيب والاستهتار اللي بيحصل في البيت دا .. طبعا ماينفعش اخرج اشوف شغلي واوقف كل اشغالي عشان ضيوف سي هشام اللي مش عارفينلهم اصل من فصل وياعالم جايبها من اي داهيه
ربتت ( رهف ) علي كتفه في حنو..

- الموضوع مش مستاهل كل دا ياماما اتفضلي انتي اخرجي وانا اجازة النهارده من الجامعه ماانتي عارفه وهقعد معاها عشان شكلها تعبانه اوي
اجابتها امها في امتعاض
- انا بجد محتارة في المصيبه دي وكمان ( بسمه ) مش معاكي ومضمنش اسيب واحده زي دي في بيتي دي شكلها بيئه وسوباج خالص .

دنت من امها اكثر في هدوء:
- ياسيدة مصر الاولي محدش مكبر الموضوع غيرك .. دي واحده بين الحيا والموت فوق الموضوع مش مستاهل .. اتفضلي انتي وانا كمان هطلع انام فوق لاني خلاص فصلت وجبت اخري
قالت (رهف) جملتها الاخيره وهي تطبع قبله علي وجنتها قبل ان تنصرف من امامها
انعقد حاجبي والدتها حائره وهي تفتح الباب لتغادر: اما نشوف اخرتها معاك ايه ياابن السيوفي

- الصياد الشاطر يغير الطعم مايغيرش الصناره ياجنرال
خرجت تلك الجمله من بين شفتي ( هشام ) الجالس مع اصدقائه الظباط وامامهم سياده اللواء في غرفة الاجتماعات يخبرهم بمهمتهم الجديده .
التفت اليه الجميع ثم اتاه صوت اللواء ( نشات )
- قصدك اي يا ( سيوفي )
اعتدل ( هشام ) في جلسته قائلا..

- حضرتك بتقول ان العمليات الارهابيه في البلد لازم نعرف مين وراها .. ودا هيكون من خلال الهجوم علي احدي خلايا البدو الممولين او الجماعات الارهابية ومن خلالهم هنقدر نوصل لراس الافعي يعني قصدك نبتديها بحرب ويانجحنا فيها يامنجحناش .. والاغلب مابننجحش لاننا حاولنا الهجوم اكتر من مرة وللاسف بنروح نلاقي المكان فاضي كإنهم بيكونوا عارفين مخططنا !

انصت له كافة الموجودين باهتمام ثم اكمل ابن عمه النقيب ( مجدي ):
- (السيوفي) قصده نبدا الحرب علي البارد ياجنرال !
اومأ ( هشام ) راسه بحماس
- معاليك عارف ان ممولين الجماعات الارهابيه غالبا بينحصر في اهل الوجه القبلي .. واحنا لو قدرنا نوقع احد الممولين ليهم هنقدر نصطادهم واحد ورا التاني وبما انهم في كار واحد فاكييد اباطرة السلاح عارفين بعضهم .

جلس اللواء علي مقعده المحتل مقدمه المنضده
- عاوز تبدا ( بزيدان نصير ) ياهشام ؟!
اجابه بتلقائيه وعفويه
- ودا السبب اللي خلاني اطلب نقلي [لبني سويف ] يافندم وبالفعل اتوصلت لمعلومات كتير بخصوص الرجل دا وانه من اخطر الممولين للجماعات الإرهابية وانه خصوصا انه ناويلي بعد ما كنت سبب في ضرب اخر عمليتين له
ظابط اخر معاندا.

- انا شايف اننا نهجم علي الخليه اللي اجهزتنا قدرت ترصدها وكانت سبب في ضرب كمين العريش وكمان سبب في خطف اخر اتوبيس للاخواتنا الاقباط
هشام متحديا:
- غلط ياسياده النقيب .. طول ما الاكل شغال الصحه عال .. لو قطعنا المم التعابين هتجوع وتخرج من جحرها عشان نصطادها واحد واحد
- بس انت فاكر منظمات بالقوة دي ممولها شخص واحد بس ؟! تبقي غلطان .

* انا بتكلم في حدود مهمتي والدايره المسئول عنها ياسياده النقيب ولو كل واحد التزم بكلامي في حدود دايرته خلال سنه مش هنشوف وش ارهاب في البلد دي ..
ثم وجه كلامه نحو سياده اللواء
- راي معاليك ( ياجنرال ) ؟
اومأ راسه ايجابيا ثم وجه حدقة عينيه اليهم
- ودي هتبقي مهمتكم ياولاد السيوفي .. سياده الرائد ( هشام ) والنقيب ( مجدي ) السيوفي .. وخلال ٦٠ يوم لو المهمه ماتمتش هضطر اتدخل بطريقتي
اجابه ( هشام ) بثقه اشبه بالغرور.

- من امتي نصول السيوفي بيمسكوا مهمه مابيطيروش رقبتها معاليك !
ابتسم اللواء ومجدي وبعض الظباط الموجودين
فرك ( مجدي) كفيه فرحا وهو يربت علي كتف ابن عمه
- استعنا علي الشقي بالله يابن عمي .
ربت ( هشام ) علي كتفه بحماس ثم وجه كلامه نحو سيادة اللواء
- طيب (صبري) اخباره اي معاليك حاليا
وطأه راسه في شده وضيق
- للاسف مغيب عن الوعي تماما وهو تحت الاجهزه حاليا .

قال ( مجدي) في حماس: انا متاكد ان صبري دا طرف خيط قوي في القضيه دي
جنرال ( نشأت ): اللي يخلي واحد يعترف بجريمه معملهاش واضعف من انه يعملها يبقي اكيد وراه سر ولحد مايفوق بقا احنا نشوف شغلنا .
انتهي الاجتماع وغادروا جميعا الا الرائد ( هشام) الذي اوقفه نداء اللواء
- اقعد يا سيادة الرائد عاوز اتكلم معاك شويه لوحدنا
جلس (هشام ) بعد ما القي نظره حائره علي ابن عمه الذي ربت علي كتفه بعفويه
- هستناك تحت ياسيادة الرائد ..

- دهشه
يتحركا طرفا عينيها ببطء شديد كأن جبال الهموم تراكمت فوق جفنها سرعان مااذابته بدمعه محتبسه داخلها .. طافت عينها في جميع ارجاء الغرفه للتفاجئ بآخري تجهلها تماما راقده بجوارها محتضنه _دبدوبها_ الذي لديه عينين مرعبتين
اعتدلت (فجر) في جلستها حائره تزداد دهشتها عندما رأت كفها المكبل بقماشه عالقه في كف الفتاه النائمه بجوارها للتسعا عينيها اكثر عندما وجدت كفها الاخر عالق بالمحاليل..

شرعت بفك عقدة كفها المقيد بكف (رهف)
سرعان ما تراقصت عينا الأخيره ب دهشه
- انتي صحيتي!
اصابت (فجر) الحيره والدهشه متسائله
- هو انتي تعرفيني ؟!

اعتدلت (رهف) بتلقائيه واضاءه نور الاباجورة
- يخيل لي انك انتي كمان مش عارفه حاجه .. يعني علي كده انتظاري جيه علي فاشوش كان عندي امل انك ترضي فضولي وترسيني علي الفوله بس الظاهر كنت مستنيه علي الفاضي.

هزت (فجر) راسها بعدم فهم: لا بجد فهميني انا مش فاهمه اي حاجه .. انتي مين وانا ايه اللي جابني هنا ؟!
وضعت ( رهف ) ابهامها وسبابتها بزاويه قائمه علي وجنتيها بتفكير.

- ممم هقولك اللي حصل ليلة امبارح .. انتي كنتي تعبانه او بتموتي تقريبا و(هشام) اخويا جابك هنا و(زيدو ) كشف عليكي وهو اللي علقلك المحاليل دي .. وانا فضلت سهرانه جمبك طول الليل عشان اول ماتفوقي آكلك او اشربك حاجه زي ما الدكتور (زياد) امر .. بس انتي كنتي تقريبا ميته ! مصحتيش .. المهم بقي ان الاوامر اختلفت و(السيوفي) باشا الكبير امر اني احرسك وممنوع تهربي والا هيخلي نهاري ماطلعوش شمس وانا كنت هموت وانام، فملقتش حل غير اني اكلبشك في ايدي كده وبس
رفعت ( فجر ) حاجبها بتعجب: كل دا وبس !

ضحكت( رهف ) بصوت عالي: لعلمك مابحبش الرغي خالص .. المهم دلوقتي اني لازم انفذ كلام الدكتور زيدو واعملك حاجه تاكليها او تشربيها .. تاكلي اي بقا
سحبت ( فجر ) كفها المكبل بهدوء
- المهم انتي بقي تسبيني امشي من هنا عشان ماينفعش اقعد اكتر من كده .
شهقت ( رهف ) واتسعت حدقة عينيها
- هاار اسوح عليا .. دا كان ابيه( هشام) دقني في خازوق عداله معتبر
ضاقت عيون (فجر) متسائله
- هشاام؟ الاسم دا مش غريب عليا .

* منا هقولك اخويا هشام دا كان نقيب في امن الدوله .. وبعدين اترقي بقي رائد ومعرفش بقي حصل اي فساب امن الدوله وبعدين راح المباحث في الصعيد .
قالت بنبره متحشرجه
- ااااه هو انتي اخوكي الظابط اللي سجني .. دا بني ادم متخلف وراجعي ولو شوفته هفتح دماغه ..
- سجنك ! لالا شكل الموضوع كبير وانتي اصلا جتيلي من السما .. قوليلي ليه ؟ انا هقولك اصلا (بسمه) بنت خالتي كانت مسافره بلدهم وانا مافيش حد يرغي معايا في البيت دا وهى جات وفالمستشفى فأنتِ مضطره تستحميلني لحد ما ترجع من النبطشيه .. و للاسف اتورطت فيكي واتورطتي فيا .. قومي يلا نعمل فطار واكله معتبره كده وتحكيلي الموضوع بحذافيره .

قالت (رهف) جملتها الاخيره وهي تنهض من فراشها بعفويه وحماس وحركاتها الطفوليه .
اوقفتها (فجر) متوسله: بصي سبيني امشي قبل مااخوكي المجنون دا يرجع وانتِ كملي نومك ولا كإنك شوفتيني .. اي رايك.
- بترغي كتير عالفاضي يعني .. ولو كنتي بتقولي علي اخويا مجنون .. فأنا معاكي .. هو مجنون فعلا .. بس انا بقي اجن من مستشفي مجانين بحالها .. خليكي حلوة وهاديه معايا عشان احبك .. يلا يلا قومي نعمل اكل عشان انا جوعت اووي .

نظرت لها باستغراب ودهشه علي اسلوبها التلقائي العفوي قائله
- اي بيت المجانين اللي انا وقعت فيه دا بس ياربي !
دلفا سويا الي اسفل ومازالت ( فجر ) مكبله الكف العالق بكف (رهف) ..وقفا علي اعتاب [ المطبخ ]
- بصي انتي هتقعدي هنا علي الكرسي دا عشان شكلك لسه تعبانه .. ومتقلقيش هفكلك الربطه دي ! عشان طبعا مش هعرف اعمل اكل وانا مربوطه كده !
حررت ( رهف ) كف ( فجر ) ثم دارت بجسدها محذره..

- مش عاوزه حركه كده ولا كده .. انا كنت هجيب الكلبشات من اوضة (هشام) واكلبشك بس باين عليكي سو كيوت وهتسمعي الكلام يا__، اسمك ايه صح؟!
زفرت ( فجر) بضيق: اسمي فجر
مطت رهف شفتها لاسفل: اسم حلو انا بقي اسمي رهف .. في تالته جامعه كليه اعلام وناويه ابقي مذيعه مبهره حديث الساعه كده زي مابيقولوا .. وطبعا لسه عندي احلام وطموحات كتير هابقي احكيلك عنهم .. سيبك مني واحكيلي كل اللي حصل بالظبط بينك وبين (ابيه هشام )وانا هعمل السندوتشات اهو

خرج من ذلك المبني الضخم بخطوات متزنه في ظل الجو البارد الممزوج بقطرات المطر ورائحه الارض، اقترب من السيارة التي يجلس بداخلها النقيب ( مجدي ) متصفحاً هاتفه باهتمام، جلس (هشام) بجواره
- بتعمل ايه ؟!

رفع ( مجدي) عينيه مع احمرار وجهه الذي يتوهج بالغضب
- مش عارف (ياهشام ) ايه اللي بيحصل فينا دا .. بجد الواحد مش فاهم اي حاجه .. خد شوف منزلين ايييه
نظر في شاشة الهاتف باهتمام مع تغير ملحوظ في معالم وجهه قائلا بضيق
- هجوم مفاجئى علي اتوبيس الاقباط بمدينه المنيا في طريق دير الانبا صموئيل ؟!

وطاة ( مجدي ) رأسه: خد عندك بقي فتن وخراب وزعزعه امن واستقرار وفتح باب ملهوش اخر
اعطي ( هشام ) هاتف ابن عمه بضيق
- عاوزين يوقعونا في بعض ولاد الكلب ..
استدار ( مجدي) بجسده نحوه
- ياتري مين اللي ورا تفجير الكنائس والاعتداءات علي الاتوبيسات والهجوم علي كمين كل يوم..

اغمض ( هشام ) عينيه بحنقه وضيق
- الله اعلم يا(مجدي) .. محدش عارف هي رايحه بينا علي فين .. بس اللي اعرفه ولازم يتعمل السلاح يتمنع من البلد وكل المساهمين في تجارته يتعدموا .. دول بيدمروا شعب بحاله .
اعتراهما حاله من الضيق والحزن وقليل من الصمت الذي قطعه (مجدي) متسائلا
- (نشأت) باشا كان عاوز ايه ؟!

قطب ( هشام ) حاجبيه متأهبا للذهاب
-بعدين هقولك .. هنزل انا هروح البيت وبالليل هستناك نتكلم ونشوف هنعمل ايه .. يلا سلام
رفع (مجدي) حاجبه الايسر متعجبا
- تمام ياسيادة الرائد .

اردف( هشام) من سيارة ابن عمه متوجهاً نحو سيارته ومازال غائصا في بحور كلمات اللواء ( نشأت) اليه .. صعد سيارته متأففا الي ان تذكر تلك التي تطاولت علي اشواكه ليعض علي شفته السلفي بقوة متوعدا وهو يتحرك بسيارته [ الجيب شيروكي ] التي اصدرت صوتا مزعجا جعلت (مجدي) يلتفت اليه قائلا
- ناوي علي ايه ابن عمي !

- ولاد السيوفي
تنهيده حاره تزامنت مع خواطرها المؤلمه ثم ابتلعت غصة حزنها قائلا
- انا كده حكيتلك كل حاجه وراضيت فضولك ! تسمحيلي امشي بقي ؟
قالت ( فجر ) جملتها الاخيره بنفاذ صبر من جيوش الاسئله التي وجههتها لها ( رهف ) .
ابتسمت ( رهف ) ساخرة
- هااهاا انسي خلاص انتي دخلتي زنزانه (هشام السيوفي) وشكله كده ناويلك
نظرت لها ( فجر ) بعيون ضيقه قائلا
- هو ممكن يعمل فيا اييه ؟!

نهضت ( رهف ) مسرعه
- خليها مفاجاه .. قومي معايا يلا اديكي حاجه تلبسيها بدل الفستان دا .
زفرت بقوه متوسلة اليها
- ياستي انا مش عاوزه حاجه غير اني امشي وماشوفش وش اخوكي دا تاني عشان لو شوفته هرتكب فيه جناية .
غمزت لها (رهف ) ممازحه
- اتش ! دا قمر ..
اجابتها بتلقائيه: قمر بالستر ياختي .

انفجرت ضاحكه ثم قبضت ( رهف ) علي معصمها وسحبتها خلفها
- طب تعالي اديكي حاجه من عندي تلبسيها الاول عشان شكلي كده لقيت حاجه هتسلي عليها اليومين دول .
ركضت ( فجر ) خلفها لتلحق بخطواتها الواسعه .
في الغرفه بعدما افرغت ( رهف ) محتوي خزانتها علي مخدعها والارضيه قائله لها بنتهيده لما فرطته من مجهود
- هااا ياستي ! قررتي هتلبسي ايه؟

نفذ صبر ( فجر ) وامسكت بثوب قطني طويل
- خلاص هلبس دا .. ممكن بقي تخرجي عشان اغيره .
( رهف ) بخبث: هخرج ماشي .. بس اوعي __
(فجر) مقاطعه: عارفه .. اوعي شيطانك يوزك تروحي كده ولا كده والا … هسيبهالك انتي تتخيليها بقي.
ابتسمت ( رهف ) بفخر: شاطرة .. حفظتي بسرعه وكده كده في معتقل بيت (السيوفي) المقاومه مش هتفيدك بحاجه .
ثم تركتها وغادرت
تنهدت (فجر) بضيق: بيت المجانين دا بس ياربي ! .

بعد مرور عدة دقائق كانت مرتدية ( فجر ) ثوبا انيقا فضفاضا ووضعت شالها فوق راسها ومازال شعرها الكستنائى ينسدل اسفله
اقتربت من النافذه واخرجت مااستطاعت من جسدها لتتفحص المكان بعيون تائهه ثم عادت تنظر الي نفسها في المرآه كالمحارب المستعد لخوض حربه .. وقفت حائره في منتصف الغرفه ..
- اهرب منها ازاي انا دي ؟!

اقتربت بخطوات متباطئه نحو الباب فتحته برفق تترقب وجود ( رهف ) .. غمرت السعاده قلبها عندما لم تجدها بالخارج .. انسحبت بخطوات هادئه الي ان وصلت مقدمه السلم ارتاح قلبها اكثر عندما مُحي اثر عدوها تماما
ظلت تبارز خفقان قلبها كصبر الجندي الذي يستوطن الايمان قلبه ويلهج لسانه بالدعاء خشية من انكشاف امرها وفشلها في الهروب .. طافت بعينيها يميناً ويساراً حتي اطمئن قلبها اكثر .. ركضت نحو الباب بخطوات مسرعه امسكت بمقبض الباب حتما فأوشكت خطتها بالنجاح.

الا ان احتشد الهلع في حنجرتها شعرت بجفاف حلقها كهائم علي وجهه في قلب الصحراء شهقت بفزع وتراجعت خطواتها للخلف بمجرد ان فتحت الباب الحديدي
وجدت امامها شاب في اواخر العشرينات ذو بشرة بيضاء طويل عريض المنكبين وصدره المتناسق ذو شعر اسود قصير، وعينين زرقاوتين .. انفه طويله ذو شارب و لحيه سوداء قصيره وكثيفه، علي قدر عالي من الوسامه يتفتنها من اعلي رأسها لقدمها باطلاقه لصفاره مرتفعه تخرج من بين شفتيه .
- هو انا غلطت في العنوان ولا اييه ؟! بس انا قلبي بيقولي اني مغلطتش .. مين القطه بقي ؟

تراجعت للخلف وهي تنظر له بعيون دامعه
ركل ( زياد ) الباب بقدمه وهو يعض علي شفته السفليه بتوعد
- طيب ايه هتسبيني اكلم نفسي كده كتير ؟ يرضيكي !
ابتلعت (فجر ) ريقها
- حضرتك مين
دنا منها (زياد) اكثر
- اسمي زياد وبيدلعوني بزيزو بس انا بحب زيدو اوي وحابب اكتر اسمعها بصوتك .

دقت طبول قلبها رعباً من نظراته
- لو سمحت ممكن امشي
هام في سحر عينيها قائلا
- عاوزه تمشي من بعد ما لقيتك .. طب ليه القسوة دي طيب ! هان عليكى قلبى!
ابتعدت عنه سريعا بخطوات مرتجله
- افنندم!
اتسعت ابتسامته قائلا لها
* عينيكي دي ؟!

كاد ان ينشق قلبها هلعا وخوفا
اكمل ( زياد) جوله غزله واسطوانته المحفوظه
- اصلهم جبارين .. فيهم تيار كهربي حرق كل مقاومات قلبي .. تعالي كده حسيه .
بلغ الخوف بداخلها لذروته ثم قررت استجماع شتات قوتها
- في حاجه حضرتك !
* في انك نجمه من السما نزلت وانا اتلقيتها .. مش هتقوليلي اسمك بقي .. ولا اقولك سبيني انا اخمن .
خطر في ذهنها انه معتوه .. شخصا فاقدا لعقله ثم ارتسمت ابتسامه ساخره علي ثغرها
- لا هو بيت مجانين فعلا ! مجاتش عليه !

دنا منها (زياد) هائما:طيب ممكن اعرف القطه بتعمل اي هنا في بيتنا .. بيت المجانين
لم تكاد ان تحرك ثغرها لتجيبه آتت ( رهف ) الخارجه من المرحاض بخطوات مسرعه
- اي دا ! زيزو انت جيت
قبض اصابعه بضيق إثر قدومها
- دايما اوقاتك زي وشك يازفته انتِ ..

اقتربت من (فجر): اعرفك بقا ياجوجو دا (زياد) اخويا .. ويستحسن مالكيش دعوة بيه خالص .
اكمل زياد اسطوانتها المحظوظه بامتعاض
- سكته شمال وبتاع بنات ولف ودوران والله يخرب بيته نفهوش ميزه ممكن اقولهالك .. كملي كملي ياست هانم اسطوانتك المشروخه دي.
ثم ميل نحو ( فجر ): يرضيكي الكلام دا !
اجابته اخته ضاحكه: زي ماانتي شايفه .. ماجبتش حاجه من عندى
دنا من ( فجر ) قاطبا حاجبيه بعيون ضيقه
- طب ما لكي عليا حلفان ياقمر انت .. انتِ رابع واحده قلبي ينشرحلها طول حياتي .

ضربت اخته كف علي الاخر ساخره
- انت هتسرح بينا ياعم دي رابع واحده قلبك ينشرحلها النهارده يا ( زياد) .. بس بس ماسورة الكدب ضربت في وشي.
انعقد حاجبيه منذرا بعاصفه عاتيه من الغضب
- حسابك لسه مجاش .. ها بس متعرفناش مين الحلوة بقي
اجابته ( رهف ): دي بقي (فجر) اللي كشفت عليها امبارح يادكتور .
ضرب جبتهه برفق: وانا اقول الجمال دا مش غريب عليا .. طيب اي الحال دلوقتي !

اومأت راسها ايجابيا: بخير الحمد لله
- بخير ميين لازم اطمن عليكي وعلي نبضك بنفسي .
نكزته ( رهف ) بضيق: ماخلاص ياعم النحنوح .. نتلم بئا وبلاها الشهامه والجدعنه الاوفر دي
رمق لاخته نظرة محذرة ثم ارتسم علي ثغره ابتسامه واسعه نحو ( فجر ): هو انتي متأكده اننا متقابلناش قبل كده ياجوجو
اؤمات راسها نفيا باستغراب علي تحوله المريب
اكمل (زياد) بتلقائيه: خلاص عرفت انتي اللي بدور عليها من زمان وخلاص لقيتها..

لم تكد شفتيه ينغلقا حتي اتاه من باب المنزل الخلفي زمجره رياح صوت ( هشام ) المرعبة التي قفزت الهلع بداخلهم .
- هو انا مش عارف انت هتبطل الداء اللي انت فيه دا امتي ! مش تبقي تستنضف الاول!
نصب ( زياد ) عوده مرتجلا الي غرفته وهو يتامل شاشة هاتفه: احم احمم معايا مكالمه بس بعد اذنكم
سرعان ما اختفي من امامهم كي يضع حدا للحرب التي ستنشب بينه وبين اخيه .
اخذت رياح صوته تزمجر من جديد وهو يقترب منها بخطوات متزنه
- ماشاء الله .. فوقنا اهو !

( رهف ): المتهمه اهي ياابيه شوفت انا انفع عسكري شاطر ازاي ..!
تجاهل كلمات اخته تماما ومازال يحدق النظر اليها بعيون متوهجه بالغضب التي جعلت قلبها ينشق خوفاً قائله بصوت مهتز
- هو حضرتك قابض عليا ؟!
اومأ ايجابيا: حاجه زي كده دا لو معندكيش مانع
عقدت ساعديها امام صدرها بعدما امتلأ كيانها بدماء العناد والقوه التي تسوطنها بمجرد ان تراه
- بتهمه اي بقي ؟! علي فكرة انا ممكن انزل اعملك محضر عشان اللي عملته انت وصاحبك .. بس انا هتكرم واتغاطي عنه وهنساه .. مقابل انك تسيبني امشي
انفجر ضاحكا: لا دانتي بتساوميني كمان !

حاصرتهم ( رهف ) بنظراتها الاستكشافيه
- هو في ايه .. انا من الصبح بحاول اربط الخيوط ببعضها مش عارفه اوصل لحاجه !
قبض ( هشام ) علي معصم ( فجر ) الصغير بقوة جعتلها تلتوي من شده الالم وهو يجذبها خلفه نحو غرفة المكتبه
فزعت ( رهف ) لعنف اخيها الذي يخرج دخان الغضب من اذنيه ركضت تجاه غرفة ( زياد) تستنجده وعلي المقابل ركل ( هشام ) باب غرفة المكتب بقدمه بقوة .. مازالت تترجاه بآهات مكتومه..

- سيب ايدي بقي .. انت مش طبيعي
دفعها بقوه للامام حتي ارتطم جسدها بالاريكه .. اتسعت حدق عيناها عندما رأته ينزع حزامه الجلدي من وسطه .
- انت هتعمل ايه
ثني حزامه بنظرات ناريه ثم جلس علي كرسي مكتبه
- هااا احكي بقي ..
اعتدلت في جلستها: احكي اقول ايه ؟!

ضرب كفه الاخر بالحزام برفق
- كله كله .. مين زاقك عليا يابت انتي .
ابتعلت ريقها وهي تستجمع شتات قوتها
- والله انا حكيتلك كل اللي حصل .. عاوز تصدق صدق مش عاوز براحتك .
مط شفته لاسفل وهو يشعل سيجارته
- شكلك هتغلبيني معاكي .. بس هطول بالي شويه اسمك كامل بقي ؟!

ساد الصمت لبرهه ثم قالت
- اسمي فجر .. فجر صبري مزيون .
قام مفزوعا من مقعده بمجرد سماعه للاسم
- بتقولي مين ؟! انتي بنت صبري مزيون !
انتفض جسدها عندما راته يدنو منها بخطواته المتمهله
اومأت ايجابيا: هو حضرتك تعرفه ؟!

جلس (هشام) بجوارها: مش هو دا اللي متهم في قضية تهريب سلاح وقتل عساكر الامن ؟!
هربت دمعه من عينيها بضيق
- والله ماحصل .. ابويا مستحيل يعمل كده .. هو كان شغال سواق بينقل الخشب والمحصول من عند العمده
نظر اليها باهتمام
- العمده ايووه قوليلي بقي اي حكايته الراجل دا .
ابتلعت ريقها ومسحت بانامله جبهتها التي تصببت عرقا..

- رجل من كبار البلد كل مشيه بطال .. الف مين يخافه ويعمله حساب .. متجوز ٣ ستات واحده كانت بنت عمه ومراة اخوه الله يرحمه والتانيه عجبته .. والتالته من اسكندريه ابوها صياد .. وانا __
تلعثمت الكلمات بحلقها، قال لها باهتمام
- انتِ ايه بقي !
تنهدت بضيق وحزن: وانا ابقي الرابعه .
اتسعت حدقة عينيه: واي اللي جبرك علي كده .؟

فركت كفيها ثم اكملت حديثها
- كان جاي يخطبني من جوز مراة ابويا لابن اخوه ( خالد ) واول ماشافني طلبني ليه .. انا اعترضت طبعا ورفضت حط براءة ابويا في كفه وجوازي منه في الكفة التانيه .
ارتسمت ابتسامه ساخره علي ثغره
- انتي هتاكل بعقلي حلاوة يابت ! ابوكي كان هيتنفذ فيه حكم الاعدام امبارح
انهمرت الدموع من عينيها وابتلعت غصة حزنها
- هو دا اللي عرفته متأخر وان ( زيدان ) كان بيضحك عليا . هربت منه عشان اشتغل واقوم لابويا محامي للنقض في الحكم .. والقدر وقعني في سكتك .
نظر لها في شك وبنبره مسايسه..

- بصي طبيعة شغلي علمتني دايما افرض سوء النيه حتي يثبت العكس .. ومش العكس .. متأكد ان أفق عقلك مش مستوعب كلامي بس ركزي معايا
رفعت حاجبه مستنكره: افق عقلي ! كمل حضرتك
وقف( هشام ) يجوب امامها ذهابا وايابا بخطوات متباطئه
- هساعدك عشان شكل هدفنا واحد .. بس بشرط !
شعرت بثقل شديد هجم فوق صدرها
* ايه !

اكمل هشام كلماته بنبرته الهادئه
- هحميكي من الزفت دا لحد مااوصله لحبل المشنقه بايدي .. وهقوم لابوكي اكبر محامي .. مقابل انك تحكيلي كل كبيره وصغيره عنه .
فرت دمعه من عينيها متسائله
- لسه حضرتك قايل فرض سوء النيه حتي يثبت العكس .. ازاي هتساعدني وانت مش واثق فيا .
دنا منها ثم انحني اليها مخترقات قانون المسافات هامسا في اذانها
- دا مايمنعش ان ترمومتر الثقه فيكي اقل من الصفر .

تبادلت اعينهم بنظرات متشتته حتي اتمزجت انفاسهم المتصاعده .. ارتسمت علي ثغره ابتسامه ساخره قائلا
- وهتنازل واسمحلك تشتغلي خدامه عندنا لحد ما مهمتك تخلص .. بس دا مايمنعش ان عيني هتكون عليكي ٢٤ ساعه .
ضحكت بصوت مسموع: خدامه ! لا والله مش عارفه اودي خدمات معاليك فين !
ثم قامت ووقفت امامه منتصبة القامه تبادره
- تسمحلي اسأل سؤال .

اجابها ببرود: لا .. هنا انا بس اللي اسأل .
- مغرور .
اجابها بهدوء: مش عاوز قلة ادب ياريت عشان متغباش عليكي ..
- انا مش قليله ادب .. انا بس واجهت غرورك وكبريائك من غير مجامله .
مازال مؤشر الهدوء عنده ثابتا: مش عاوز اسمع كلام انتي مش اده .. يااا ولا بلاش يلا روحي اعمليلي حاجه اشربها واعملي بلقمتك.
- بتتكلم بثقه فظيعه محسسني اني وافقت علي عرضك
 تحرك مؤشر الهدوء عنده لثقه اشبه بالغرور..

- مقدامكيش حل تاني .. عاوزه تخرجي اتفضلي مش همنعك
محدق النظر في عيونها التائهه وكإنه يتلذذ بثوران غضبها
- هو انا مش امرت تعمليلي حاجه اشربها .. واقفه ليه بقا .. ولا هي الوقفه عجبتك
فاقت من جراءة كلماته مذعورة يرتعد قلبها كالريشه في الهواء وهي تهم بالمغادره من امامه قائله بضيق
- انت مريض والله ولازم تتعالج
قبض علي ساعدها بقوة جعلتها تدوي صرخه قويه احتشدت العبرات داخل مقلتيها
همس في اذانها قائلا
- لسانك الطويل دا لو متلمش هقصه ..

شعرت بتحطيم كبريائها علي صخور عناده دفعته بكل قوتها مبتعدة عنه
- تحب اقصلك مترين تستر بيهم كرامتك اللي هتتمرمط دلوقتي ؟! قال خدامه قال !
ضم قبضته علي ذراعها اكثر
- من حسن حظك ان ( هشام السيوفي ) مش بيمد ايده علي حريم بس شكلك كده بتلعبي في عداد عمرك.
دخلا اخوته عليهم الحجره
رهف وهي تقترب نحوهم: صوتكم عالي كده ليه .. ماتفهمنا ياابيه !
زياد باستغراب: ماتفهمنا في اي ياهشام واي حكايتها البت دي .

اتزن مؤشر هدوئه مجددا وراتسمت ابتسامه ساخره علي ثغره قائلا
- دي الشغاله الجديده ..
بات الخوف يسيطر على كيانها
- انت عاوز منى ايه ..
اقترب منها منحنيا لزاويه اذنها قائلا بنبرة كلها شر
- القلم بتاع القسم ... ممم هطفحولك .
- عرضك مرفوض ...

ساد الذهول والدهشه بينهم ثم المقت عينه نظره قاسيه قبل مغادرته علي صوت نداء والدته المفاجئ .
( رهف ) بتلقائيه: ماما شكلها رجعت .
ترك (هشام) مجلسهم .. تراقصت حواجب ( زياد) فرحا قائلا: الله ! دي شكلها احلوت اوي .
تقافزت افكار ( فجر ) هنا وهناك مابين كبريائها وعنادها وبين الفرصة الوحيده التي ستنقذ والدها
انبأتها ( رهف ) بنظراتها الفضوليه
- اقولك علي حاجه .. انا مش متفائله خالص
- اللي عاوزه افهمه .. اخوكي دا بيفكر اززااي ؟!

لم تكد ان تجيبها الا ان التفوا جميعا الي نبرة صوت ( عايده) المرتفعه بالخارج
- مافيش فايده فيك طول عمرك هتفضل اناني زي ابوك ياهشام مش شايف غير نفسه وتصرفاته هما اللي صح الباقي مابيشوفش بتكابر فالغلط .. انا خلاص تعبت من اسلوبك واهمالك
ركضوا جميعا للخارج الا (فجر) التي اختبأ جسدها خلف الباب تستمع لحوارهم .

قطب (هشام) حاجبيه بهدوء ولم يبال اي اهميه لصوت امه المشجون غضبا منه
رهف بلهفه: مش وقته ياماما !
اطلقت (عايده) ضحكه ساخره: تعالوا شوفوا اخوكم مراته طالبه الطلاق .. نسب عمره ماكان يحلم بيه
فهم ( زياد) محور حديثهم فلم يبال هو الاخر لهم اي اهميه
ارتدي [ الهاند فري] وصعد لغرفته بهدوء .

رهف بصدمه: يااالهووي اززااي .. بصراحه بعد اللى هببه اخويا هو يستاهل ..
مازال (هشام) يراقبهم بنظرات اللامبالاة
زفرت ( عايده ) باختناق: البيه خلي سيرتنا علي لسان .. وخسرني صاحبة عمري .. لا وكمان ولا هامه عشان واحده شحاته منعرفش جايبها من اى داهيه
اقتربت منه ( رهف ): بصراحه يابيه مياده استحملت كتير .
وقع الاسم علي اذان ( فجر ) كالصاعقه
هز ( هشام ) كتفيه ببساطه ثم اردف قائلا..

- انا ماسبتش حد .. هي اللي سابت وانا مش هتمسك بواحده مش عاوزاني اكيد .
نفذ صبر امه: ولا هي هتتمسك بلوح تلج زيك .. انسان معدوم المشاعر والاحاسيس .. مابيفهمش غير لغة المجرمين والبلطجه ..
اخرج سلسله زفير متواتره قائلا ببرود: الموضوع خلص .. ولو علي الجواز والارتباط انا خلاص اتجوزت مصر عن اذنكم .
طافت (عايده) بعينها يمينا ويسارا بذهول وعصبيه
- شايفه اخوكي وتصرفاته ! هيجنني..

توجهت (عايده) الي غرفته وهي تضرب الارض بقدميها غضبا .. ركضت ابنتها خلفها وعلي حدا توجه (هشام) الي حديقه منزلهم الصغيره ينفث دخان سيجارته .
احتشدت الذكريات داخلها فإنها تتذكر هذا الاسم جيدا .. انغمست في بحور الذنب وعذاب الضمير
اقتربت ( فجر ) منه بخطوات متباطئه وفي عيونها اثار البكاء قاطعه حبال شروده..

- انا اسفه..لم تلق اي جواب او تعبير بعد علي اعتذارها .. فركت كفيه واقتربت من مجلسه قليلا وهي تستجمع شتات قوتها
- علي فكره لو انا السبب في كل اللي حصل مع مراتك ممكن اروح اكلمها وافهمها اللي حصل .. انا والله معرفش عملت كده ازاي ومجاش في بالي خالص كل دا ممكن يحصل
القى عليها نظره متغطرسه
- قهوتى اللى طلبتها فين !

تاااابع ◄