رواية لازلت أتنفسك الفصل السابع والاخير
#فلاش بااك .
- بتبصيلي كدة ليه ؟تكونيش وقعتي في حبي ولا إيه ؟
_طيب ماتقولي هو يعني إيه حب الأول ؟
* بصي ياستي .. أمي كانت بتقول لي إنها مشاعر مستحيل تتكرر تاني، بتيجى مرة واحدة في حياة الواحد مننا مع شخص واحد بس أما الباقي فبيكون تعويض .
_طيب هو عيب إننا نحب يازين ؟
* مش عيب خالص ع فكرة، الحب فطرة وغريزة .. والدنيا دي أصلاً اتبنت على الحب لولاه مكنش آدم وحواء هيعرفوا يعيشوا مع بعض ..
_أومال ليه بيخوفونا منه .. ليه كل اللي بيروحله بيوجعه ؟
*ممممممممممممممم .. كنت
قريت حاجه ل ابن القيم قال ما في الحب شيء .. و لا على المحبين سبيل .. إنما السبيل على من ينسى في الحب دينه .. أو يضيع خلقه، أو يهدم رجولته، أو يشترى بلذة لحظه في الدنيا ألف سنة في جهنم .. يعني الخوف مش من الحب .. الخوف من الشخص اللي هيحب ..
رمقته بنظرات إعجاب وانبهار فأردف زين ممازحًا
ما قولت بلاش تبصيلي كدة .! ولا أنتي مش ناوية تجبيها لبر
ابتسم ابتسامته الساحرة التي جعلتها تغرق به من أول نظره ثم قال بفضول
*ممكن أعرف أنتي حاسة بإيه وأنتِ معايا ؟
بدى عليها الارتباك والتوتر البالغ وهى تبعد عينيها عن أسهم نظراته ثم قالت بهدوء
_حاسة إني بقيت أنانية أوي .. زي مايكون في إيدي جوهرة غالية ونادرة أوي .. كل ما أبصلها بتحلو أكتر وأكتر .. مش بستكفى منها حتى ولو كانت قدام عيني ليل نهار .. وأنت كدة مهما قعدت معاك مش بستكفى .. كل ماأقربلك بحبك أكتر يازين، أنت جيت متفصل على مقاس أحلامي بالظبط ..
سحب نفسًا عميقًا محاولًا استيعاب كلامها أردف وهو ينصب عوده باهتمام
*استني بس أنتي قولتي إيييه ؟ عاوز أسمع تاني عشان شكلي سمعت حاجة غلط!
_لا .. سمعت صح يازين .. أنا بحبك من قبل حتى ماأعرفك .. عمري ما كنت أتوقع إني اعترف لولد مهما كان بحبي، بس حبك في قلبي كان أقوى وأكبر من أي توقع .. أنا مش طماعة هستكفى بعشر الحب اللي حساه تحس أنت بيه .. احم، أسأل سؤال ؟
- كُلي آذان صااغية .. هاا إيه هو ؟
_أول ماشوفتك كنت حاسة إني محتاجة أحضنك، حاجة فيك كانت بتشدني ليك، معاك لقيت مكاني اللي كنت تايهة عنه، طعم الحضن حلو يازين !قصدي يعني بيكون عامل إزاي ياترى هو منعش زي ضحكة بنت وسط بار كله رجالة، أو مرعب زي خوف أعرج بيقاوم على سكة حديد ؟ طيب أنا لو حضنتك دلوقتي هحس بإيه ؟
اتفضل يابشمهندس
جملة استغاثة أردفتها الممرضة كانت بالنسبة له طوق نجاة بعدما أوشك جسده على الانهيار .. رمقها بنظرات متراقصة وهو يمد بصره نحو اتجاه كفها الذي يشير إلى باب الغرفة، بلل حلقه الجاف متحمحمًا بخفوت وهو يتقدم بخطوات مُتثاقلة، بدأت روحه تنتقم منه على مهل، كف اخترقت حواجر صدره لتظفر بقلبه فيعتصره بقوة، أغمض عينيه لوهلة ليصطنع شخص مزيفًا لا يُبالي لا يحب لا يحس، ولكن كيف للشخص أن يعود غريبًا مع من رأى روحه ومرر عبق مسكه على جدار القلب !
سنعيش مُتجاهلين الجرح الدامي بداخلنا طويلاً ولكن عُمر التجاهل قصيرًا للغاية، قد يكون للقدر رأي آخر
إتكأ على عكاز حنينه لأنه اُصيب بهرم الأوجاع والذكريات الأليمة، وقف على أعتاب غرفتها يرمقها بنظرات باردة، عيون جف محيطها الدمع، رأى أمامه جسدًا كل جزء به منبسطًا كمن ترك زمان التمسك بالدنيا بكل ما تحتويه، جسد أهلكت روحه تصدعات الحب المؤلمة حتى التزم مرقده مكتفية بمجرد أوهام وذكريات عابرة، شعر بجسده ككتلة متجمدة صلبة مع كُل خطوة يتقدمها نحوه كان يشعر بشيء يفقد منه، أتى اليوم الذي فر منه طويلاً ولكنه أمسك به من ياقته ليسحبه إليها كأن هُناك قوة كونية عقدت قلوبهما، لم يتحمل رؤيتها صامتة صامدة مفتقدًا حوارها مُشتاقًا لنبرة صوتها وثرثرتها، ولكن ما لفت انتباهه سرعة ركض الرسم الإلكتروني لقلبها على الشاشه كأن نفسه كان كافيًا ليدب بها الحياه .
أغلقت الممرضة الباب بحرص شديد، تحدى زين كل جيوش ضعفه ليجلس بجوارها بعيون ثابته لا تصوب إلا نحوها، ظلَ يتأملها طويلًا كالجائع الذي القتى بمائدته للتو، ينظر إليها بعيون نادمة لأنه دفن حبهم قبل أن يحتضر .. نادمًا كمن ضيّع طريق العودة إليها ولكن عقله مازال بها عالقًا وقلبٌ لم يُخلق إلا ليُحبها بصدق، لم يدرك ما مر عليه من الوقت ولكنه كان كافيًا بأن يحيي كل ماهو مدفون بجسده، شعور من الضعف خيم على قلبه تمنى ولو كل مشاعره لها كانت شوكة ينتزعها من أرضية قلبه بسهولة ..
شرع باستجماع الكلمات بحلقه بصعوبة بالغة ولأول مرة بعد وفاة أمه تنسكب دمعة حارة تخدش قلبه قبل وجنته، كان يظن أن لا فراق بعد غيبة أمه ولكنه أخطأ هُناك فراق يسحب الروح وآخر يسحب زهو الحياة، منذ أن فارقت أمه فقد روحه تاركة جسد لا يبالي يجوب براح العالم مستمتعًا بملذاته أما فقدانها هى كان بالنسبة له كل ملاذ يلجأ ويرتمي به لينساها ..
إن حارب هو جيوش نسيانها وانتصر، فما الأمر بالنسبة لجسدها الذي حُفر فوقه كل حروف العشق التي لا تنبض إلا له!
مسك كفها بحنو شاعرًا بصاعق كهربي اندفع بجسده بعد طبع قُبله خفيفة فوقه قائلاً بنبرة ممزوجة بالبكاء
لازم تسمعي الكلام اللي مافيش مخلوق هيعرفه غيرك وبس، داليدا أنا وحش ووحش أوي، وأن تي عارفه دا بس صممتي إنك تتجاهليه كنتي متوقعة إنك هتغيرني وهتصلحيني زي نهاية أي رواية من اللي أنتِ بتقريهم، البطل هيفضل تايه لحد ميلاقي أميرته اللي تشقلب حاله زي ماهى عاوزة، بس نسيت أقولك إن الحياة مش دايمًا هتمشي زي ما أحنا عاوزين !
بس أقولك على حاجة أنتي قدرتي توصلي ليها .. قلبي وصلتيله من غير أي مجهود منك، وقعتيني في صراع مع شيطاني المتمرد ضد قلبي اللي ملهوش حيلة .. أقولك على سر كمان .. أنتي الحب الحقيقي اللي عاشت أمي طول عمرها تشوقني له ..
دخلتي عليا من أقوى نقطة ضعف بالنسبالي وهى أمي، وفاة أمك وعذابك حرق كل شياطين العند والتمرد جوايا .. عشت معاكي أجمل يومين رجعتيني فيهم بنى آدم، بس ياريتك ما رجعتي .. كنت من بعيد أحلى، طول ماأنتِ بعيده عن شري هتفضلب أجمل وأنقى، ياريتك ما قربتي .. أنتي متعرفيش أنا عملت إيه عشان أبعد عنك، حاجة كدة كانت شبه شهقة طلوع الروح، خروج ضفر من اللحم، أنا اتعذبت أضعافك ياداليدا .. ياريتني ولا قابلتك ولا حبيتك ..
أكيد عاوزة تعرفي السبب للحالة اللى أنا فيها، هحكيلك الحقيقة اللي خبيتها على الدنيا كلها، أنا واحد اتولد لأم مابتقومش من على سجادة الصلاه وأب الخمرة مش بتفارق إيده، كنت دايمًا مستغرب هو فين العدل اللي يجمع واحدة من قلب الشرق مع واحد من جذور الغرب، إيه الحكم ة في كدة ! كنت أسأل نفسي دايمًا إيه الخير اللي عمله أبويا عشان يرزقه ربنا بجوهرة زي أمي،،، أو إيه الذنب اللي ارتكبته أمي طول حياتها عشان يكون عقابه راجل مايفهمش أي حاجة غير إنه يرضي شهواته ..
الحياة مابينهم كانت مستحيلة من اليوم اللي السرطان فيه نهش رئة أمي اللي كانت مستحملة كل ألم عشاني، كنت وقتها ١٢ سنة طفل كل اللي عاوزه ينام في حضن أمه بعيد عن عدوان أبوه، انفصلوا وبقيت عايش مع أمي لحد اليوم اللي جات الحكومة فيه وأخدتنى من حضنها بسبب القضية اللي رفعها أبويا، مكنش قادر يستنى أما تسيب الدنيا يسيبلها حاجة حلوة تقاوم مرضها عشانها .. حالتها ساءت أكتر ومفضلش لها غير سجادة الصلاة والسبحة وعماد اللي كان يزورها كل فين وفين ..
عشت مع أبويا في جحيم، مش شايف غير ستات الصبح وستات بالليل، كنت أراقبهم بفضول مع خوف وجسم بترعش، كنت دايمًا متعود على أمي وهى لابسة سدال الصلاة طول الوقت متعودتش أشوف جسم واحدة ست بتمشي قدامي بمنتهى القذارة ... وكانت النتيجة في الآخر أبويا مات على إيد واحدة فيهم، شوفتها بعينيا وهى بتحطله السم في العصير وعملت نفسي نايم خوفت أحسن تشربني العصير معاه، برغم إنها الوحيدة اللي حبها واتجوزها .. موتته عشان شقة تورثها .
أنا كنت خايف من الحب كنت شايف إني لما اتجوزك هتقتلينى زي الست دي ماعملت، بقيت طول مانا عايش مقتنع بإن الحب طريق بيدخلوا منه الستات عشان يقضوا على الرجالة .. بقيت عايش عشان انتقم من كل بنت أشوفها، من كل بنت بتستغلني بطريق الحب، بستلذ بكسرتهم وتدميرهم ..
هكملك .. أمي عاشت طول عمرها تحارب شيطاني والهواجس اللي جوايا عشان أحب وأعيش عيشة مستقرة بس هى كمان ماتت بعد أبويا ب ٦ سنين قبل ما تأدي مهمتها، اكتفت إنها وقفت جنبي عشان أنجح وأدخل كلية كويسة وأبقى البشمهندس زين، بس سابتني في صراع جوايا مابينتهيش ..
أنا جيت هنا عشان قالولي إنك مش هتفوقي غير لما أكون جمبك، جيت أديكي الحياة قبل ماأسيبها وأمشي، وعرفت إنك حامل بابني عاوزك تعتبريها هدية اعتذار مني على كل حاجة عملتها فيكي، هسيبلك حاجة نضيفة تربيها على إيدك أنا مستاهلش أكون أب لابن منك، عاوزك تعرفي إني حبيتك وعشان بحبك لازم أبعدك عني لأنك بقربي هتتأذي .. عاوزك تكرهيني تنسيني تدوري على حد يستاهل حبك، هبعد وأختفي من حياتك .. لازم تصحي وتفوقي وتهتمي بأغلي هدية سبتهالك .. حتى مش حابب إنه يتكتب باسمي أنا أقل من كد ة بكتير .. عشان كدهكة ماشي، هختفي من حياتك للأبد ياداليدا بس أنتي فوقي
يعتقدون أن الغياب والبعد يفقد الأشخاص بريق جمالهم ولكن أي شيء من بعيد أجمل، شكل النجوم القمر، الطائرات المنارات، جميعهم من أعلى أبهج وأروع، البعد لا يزيد إلا جمالًا
تتراقص جفون عينيها بتردد، للتو عثرت على فارسها فلا مجال لتنكر خلف غيبوبة هو بطلها، الحين فهو أمامها واقعًا إذن ظفرت بسبب تحيا لأجله، استشعرت آخر أنفاسه وهى تلمس كفها، كان شيئًا ساحرًا فأنفاس الوجود في بعض الأحيان تُحيي طالما مصدرها هو الحياة، ارتفع صفير الأجهزة المتصلة ببدنها، دمعة ذرفت من طرف عينيها تكاد تكون مسجونة منذ ذلك اليوم الذي اكتشفت به خيانته فكانت سببًا في إفاقتها من غيبوتها الطويلة لتثبت لها العكس ..
انتفض زين من مكانه بقلق عندما رأى الممرضة تركض نحوها بسرعة وخلفها الطبيب مردفًا بصوت عالي
- اتفضل دلوقتي .. اتفضل ...
ملأ قلبه منها وهو يلقي عليها نظرات وداع أخير ة كمن يرمم شروخ داخلية ببدنه، فأي حب مجنون هذا الذي تعجز عن وصفه العيون ! كل ما كان يتمناه قبل أن يغادر أن يتذوق طعم عينيها بقُبلة وداع أخيرة ، حضن أخير يعتذر فيه عن حب دام خمسة سنوات .
ركض زين خارج الغرفة، خارج المبنى كمن يهرب من شبح ما يطارده ولكنه لا يعلم أنه يهرب من شبح حُب يسكنه، يختبئ من شعور يأسره، خرج عماد من خلف ستار الغرفه التى كان بها زين بعدما استمع لكل كلمه أردفها بندم مردد
- طالما وجهت مشاكلك يبقي جيه الوقت اللي هتحاربها وتقضي عليها للنهاية .
فلاش باك
- دكتور مدحت ..! البشمهندس زين احتمال يجيلك دلوقتى .. عاوزك تنفذ كل حرف هو هيقوله وخبرنى بيه .
مدحت باهتمام: تمام متقلقش احنا محتاجينلو أكيد، بس أنت عرفت منين إنه جاي .
عماد وهو يلف مقود سيارته: فضلت مستنيه لحد ماخرج وفضلت ماشي .. وهو في طريقه للمستشفى تقريبًا .. قولت أنبه عليك بس وأي جديد هبلغك
#بااك
ألقى عماد نظرة أخيرة على داليدا التى شبه استعادت وعيها بحسرة مردفًا
- مكدبوش لما الحب حياة الروح !
بعد مرور خمسة أيام
تجلس في منتصف مخدعها بالغرفة التي استضافها فيها والداها المجاورة له في طابق الفندق، تترقب إخوتها بصمت تام، متجاهلة فوضى مشاعرها بالداخل، وملهى الآلاف من الأسئلة التي تركض بذهنها، محاطه بسياج من أنفاسه تطبق على روحها وقلبها في آنٍ واحد ..
دلف فريد إلى غرفتها بهدوء قائلاً بحنان
- نمتي كويس !
دارت وجهها الجهة الأخرى دون أي رد، تلعثمت الكلمات في حلق والدها بخيبة أمل فألقى نظرة إلى إخوتها الصغار قائلاً لهما
- طنط ماري بتسأل عليكم جوه، يلا روحوا العبوا عندها ..
هلل الصغار مغادرين مجلسهم، ثم اقترب فريد منها ببطء شديد ليرقد بجوارها قائلاً
- بردو مش عاوزة تردي عليا !
استدارت بجسدها متخذه وضعيه النوم بصمت تام وهى ترمقه بنظرات معاتبة، مسك كفها بحنان ليطبع فوقه قُبلة متوسلا إليها
- أنا آسف، سامحيني، كنت متخيل إنك مع أمك في أمان أكتر، أنا عيشتي كلها تعب وسفر وأن تي محتاجة هدوء واستقرار، بس كنت غلطان وندمان على كل دقيقة قضيتها بعيد عنك، كنت أناني مش شايف غير حلمي ودلوقتي أنا حلمى اللي هعيش ندمان ومكسور طول عمري لو محققتهوش، اتكلمي قولى اللي جواكي عاوز اسمعك واسمع صوتك، عُمر السكوت والهرب ماكان حل،، زعقي واصرخي لكن متسكتيش كدة .. داليدا سامحي أبوكي يابنتي ..
بلعت غصة أحزانها وذرفت دموع عينيها التى تحفر وديان فوق وجنتيها مردفه بنبرة ساخرة
- أبويا ! بأمارة إيه ؟ اديني دليل واحد تستحق الكلمة دي .. الأبوة يامايسترو مش شوية دم منك ماشيين جوه جسمي، أنت عامل بالظبط زي اللي كان معاه بذرة ورماها في قلب الصحرا وسابها ومشي عشان كان خايف عليها أحسن تقع منه، بس معملتش حساب المكان اللي أنت رميتها فيه خوفت عليها تقع منك فرميتها بمزاجك ! والمفروض بسهولة إني أسامح ؟
- يابنتى افهمي بس ..
قاطعته بنبرة متحشرجة بالبكاء
- افهمني أنت، عارف يعنى إيه أكون بدور على حضن وقت تعبي وملاقيش ! جربت إنك تعيش ١٥ سنو خايف مستخبي ورا بابك، جربت تمشي وأنت مغمض عيونك عشان محدش يشوف ضعفك، كنت من غيرك ضعيفة لدرةه لو حد طبطب على كتفي هيتخلع، لو كنت موجود مكنش كل دا حصل، مكنتش هدور على الحب والسند برة، وأدي النتيجو حامل ونفس الغلط هيتكرر ابني أو بنتي هيطلع من غير أب، هيطلع مكسور وسط الناس، بيقولوا إن الأب معلم دروب الحياة وأوجاعها، أنا ملقتش اللي يرشدني ويوجهني ملقتش أب يقول لي ورا الباب دا وحوش ادخلي عليهم بقلب جامد وأنا في ضهرك، ملقتش أب يرفض يخليني أمسك إيده عشان يمسكها هو مؤمن بقوته إنه عمره ما هيفلت إيده عني عكس لو أنا مسكت، بس أنت رميتني رخيص أوي، طيب خلقتني ليه ! اتجوزت ليه أصلًا مادام مش حمل تفتح بيت وتربي، حرام عليك كل وجع أنا فيه بسببك حياتي بقيت جحيم عشت طول عمري بضهر مقطوم، كنت أتمنى إنك تكون ميت ولا إنك مسافر، على الأقل الموت الحاجة الوحيدة اللي تغفر للبعد لإنه عمره ماكان بايدينا ..
احتلت قلبها حالة من الانيهار والجسد المرتجف المنتفض كطائر ذبيح يرتطم بتراب الأرض، فجرت بركان توق بداخلها طويلاً حتى أضفىء بريقها، انفجرت لتطيح بالكل فلم تستطع كتم وتحمل المزيد بجوفها، للتو فاق والدها من غيبوبته التي كانت سببها صدمات كهربائية اشعلت لداخله نيران الماضي .
وضع أنامله فوق فوهة بركانها المنفجر من ثغرها بتوسل
- بس كفاية يابنتي، ياريتني موتت ولا سمعت كلمة من كلامك ..
شهقت بصوت عالي وهى ترتمي في حضنه برجاء
- لا .. ماينفعش تسيبني تاني بعد ما رجعت مش هسمحلك، بالرغم من كل اللي عملته بس كل حتة في جسمي محتاجة تحضنك محتاجة تطمن .. والنبي متسبنيش أنت الوحيد اللي باقيلي ...
روى روحه من صغيرته حتى أزهر بأوجاعها وآلالمها التي ألقتها فوق عاتقه كمن وجد مأمنه للتو فتحرر من كافة أوجاعه، تنهد في حضن صغيرته بشوق هامسًا في آذانها
- عمري ما هسيبك أنتي روحي اللي عشت أدور عليها طول فترة غيابي .. ووعد مني هعوضك عن كل ثانية وأنا بعيد عنك .. أنا آسف يابنتي .. آسف .. هنسافر ونسيب هنا هنبدأ حياة جديدة أنا وأنتي وبس .. كل وقتي وحبي هيكونوا ليكي بس أنتي سامحيني .
أدي أخرة اللي يسمع كلامك .. زين سافر يافايز بيه .. هو دا اللي استحمل وعديها عشان ميحسش بحاجة وأنا هتصرف بطريقتي !
أردفت فريدة رشوان جملتها بنبرة نارية وهى تقتحم مكتب فايز نصر الله بغل واغتياظ، اطفئ فايز سيجارته بهدوء تام قائلاً
- قريتي جرايد الصبح!
غمغمت بعدم فهم وهى تقترب منه قائلة
- لا مش بقرأ جرايد ! حصل إيه ؟
فتح فايز صفحة معينة في الجريدة بفظاظة ثم أعطاها إليها فألتقته بفضول قائلة
- حصل ااااااا ؟
لم تكمل جُمتلها التي انتهت بشقهة عالية وعيون متسعه قائلة
- حريق هائل بمصنع AZ لإصلاح شركات الحاسوب بسبب ماس كهربائي ..
رددت فريدة العنوان لأكثر من مرة بصدمة مردفة
- أنت اللي عملت كدة !
اشعل فايز سيجارة أخرى متحدثًا وهى بين شفتيه قائلاً
- أنا وعدتك هاخدلك حقك .. وفايز نصر الله لما بيوعد بيوفي، كدة زين مابقاش حيلته أى حاج. يتسند عليها لأن حسب مصادري إنه حط آخر قرش معاه في توسيع المصنع دا .. إيه بقى أنا نفذت وأنتي مش ناوية تنفذي !
ضحكة مغرية اعتلت ثغرها وهى تلتقط نفسها باسترخاء قائلة
- عيوني ليك ! فين العقد ...
سارة جهزتي عمود بكرة !
أردف فؤاد رئيس الجريدة سؤاله بطريقة رسيمة ثم أردفت سارة قائلة
- في خبر لسه واقعة عليه هيعمل ضجه كبيرة، وهو وفاة إحدى الفتيات أثناء إجراء أحد أطباء النساء والتوليد معدومين الضمير عملية إجهاض .. الحادثة دي كانت إمبارح بالظبط .
فؤاد باهتمام
- حلو عاوز كل التفاصيل آخر اليوم .. اسمها إيه البنت دي .
نظرت في الأوراق التي فوق ساعدها قائلة
- اسمها جهاد محمود من إسكندرية، واحدة صحبتى جارتهم لسه قايلالي الخبر ..
- احم تمام شوفي شغلك .. اااه سارة مافيش أخبار عن داليدا ؟!
هزت رأسها بالنفي قائلة
- للأسف اختفت خالص حتى موبايلها مقفول .
- تمام اتفضلي أنتِ ..
رسالتي لكِ
مر على غيابك ستة أشهر منذ اليوم الذي تركت فيه يدك ورحلت، رحلت كي أصنع مني إنسان جديدٍ يليق بنقاء قلبك، كنت أتمنى لو أضع صورتك بجوار صورتي عسى أن تلتقطنا عدسة الحب الصافي ولو لمرة، اليوم وأنا على حافة انتحاري ساترك لكٍ رسالتي الأخيرة ربما تكون جُرعه مسكنة لضجيج روحك .
حملتُ قلبي على كفي قاصدًا غسولة بماء الحب، لجعله منبعًا لا يتدفق منه غير وديان العشق لكِ، ولأول مرة واجهت بالحب مصائبي وأعلنت موعد للقضاء عليها، منذ ذلك اليوم الذي وطأت قدمي على أعتاب مشفى الأمراض النفسية بأمريكا عازمًا على قتل وحوش عشقي الكارهه لكِ وأنا أقاوم بمجاديف الأمل في أمواج متراسخة كالجبال ومازال شادوف قلبي خير جندي يحارب ببسالة كي يظفر بسكونه في أحضانك .
خشيت عليكِ مني فالمحب على من يحب رحيمًا، جيوش نفسي مغسولة بماء بحر التمرد عندما يوصل لمراده يلقيه خلفه ولكنك كُنتي أثمن من أن أصل إليك، جئتِ أنتِ، فكنتِ كالماء الذي ركض عليه قلبي بعد أن ضُمر من عطش انتظارك .. فأرتوى بكِ كنتي تملكين القدرة على إحياء فؤادي بعد أن قتله اليأس ..
على ناصية انتحاري أعدك كنتي لي الحياة التي لا استحق أن أعيش بها فأنا الجرثومة الضالة التي تُعيبك، عجزت بأن أشفى من أوهامى كان مرضي النفسي أقوى .. استمروا في علاجي طويلًا ولم يعلموا بأنك الدواء الذي انتظره .. كل ليلة يرسمك لي خيالي المريض كطريق ممهد علىّ أن أسلكه بخطاوي قدم، أعلم الأعيب الدنيئة سبق وأغرقنى بها ولكني لم أتبع هواه تلك المرة، مشيت عكس رياحه قاصدًا انتهاء روحي بارداتي كي تشفي مني، كي لا تبحثين عني مرة أخرى وفري مجهوداتك للبحث عن من يعطيك من حدائق الحب بُستانًا فأنا قولي عاقر مهما رويت بمياه الحب لم تنجب اهتمامًا، وأظن كل ما تحتاجين إليه هو الاهتمام وليس الحُب .
تخطو أقدامي ببطىء فوق نهر إشيكاري .. نسيت ان اُخبرك بأنني هربت من موطن علاجي لأنني فشلت، فشلت في كل شيء لم أحقق حُلمًا واحدًا مما سعيت لأجله، حتى أنتِ لم أصل إليكِ، أنا فاشل فاشل جدًا في تحقيق سعادتي، ولذلك أردت أن أنهى حياتي بشيئا يُخلد، موطن للفخر وحدها اليابان التي تُقدس الانتحار فهى ترى أن الإنسان الذي يمتلك القدرة لإنهاء حياته قويًا وشجاعًا وأنا أردت أن أصنع لي مجدًا لم أستطع بناؤه في حياتي لتتحدث عنه الناس ولكن سيصنعه موتي متبعًا مقولة فلقلبك عليك حق .. فلا حياة لمن خالف الهوى وأنا كنت ألد عدوًا لهواكِ وعلي بدفع الثمن .
مع كل خطوة أخطوها نحو عالمي الأخر وصدى صوت الذكريات مازال يتردد بداخلى ..
(ضحكتك .. صوتك .. كلامك .. هزارك .. عيونك .. )
كُل كُلك
وكُل كُلي يسألني عنك
ألم يؤلمك قلبك عتابًا لأنه أحب من لايعطى إلا وجعا! أعلم انكِ أحببتينى أكثر مما ينبغي ولكنني طبقت مقولة كن خائنًا تكن ... أغفري لي ياداليدا ..
في آخر رسالتي قبل رحيلي عن عالمك
أعلم جيدًا أن قلبك لازال ينبض لي طالما أنفاسي تختلط بالهواء وربما نفسًا منهما سافر عبر محيطات العالم مخترقًا حواجر رئتك ليلقي عليكِ مني كل الحب، سأحررك من حبل مشنقة أنفاسي كي تعيشين وتزهرين بحب يعتني بقلبك جيدًا، سأخلصك مني للأبد من اللحظة التي ألقي بها حدفي ستصرخين صراخة واحدة لتحرري منك للنهاية وبعدها ستستكين روحك لقتل جنها العاشق ..
سأترك عنوانك في نهاية الورقة ليشهد العالم على أن هناك حُب جديد قتل صاحبه .. اعتنِ بابننا جيدًا وأخبريه بأننى لازلت أعشق أمه ولكني خشيت عليكما من لعنة عشقي .
ترك رسالته بجانب أقدامه واضعًا فوقها حجرًا صخريًا صغير وهو يتأمل نزيف خط قلبه بنظرات وداع متقدمًا نحو حافة الصخرة ليحلق في حدائق الانتحار متحررًا من كافة همومه، بسط ذراعيه للريح متأملًا بأن تحلق به وبحبه كطيور فيستطيع تناثر أحزان فوق مرتفعات العالم ولكنه خزلته فعل الجاذبية لتلتهبه بكل قسوة وجفاء في بؤرتها، سحبته لأعماقها وقبل ارتطامه بسطح المياه تبسم قائلًا
- أخيرًا هرجع لوطنى الاول .. حضنك يااما ..
تناثرت قطرات المياه هنا وهناك وابتلعته دوامة المياه كالجائع الذي التقى بطعامه للتو، بدون أدنى مقاومة منه ترك جسده يتراقص مع المياه غائصًا لأعماقها متأملًا أسماك النهر الذي رأى في أعينهم نظرات انتصار عجيب ..
صدى صوت صراخ ينفذ من جدران إحدى الشقق في برج شاهق الارتفاع بباريس، تتلوى داليدا في فراشها بتوجع وألم يهرب العرق من مسامها بغزارة، تشعر بشيء بداخلها سينطلق مع براكين تتوق بداخلها لم تمتلك إلا نداء استغاثه، خرجت صوتها ممزوجة مع مقاصات أوجاعها الذي اجتمع عليه أهل المنزل
ماري بقلق: ديدا ! ما بيك ؟
داليدا بصراخ وهى تضع كفها فوق بلونتها المنتفخه
- مش قاااادرة .. شكلي بولد الحقيني ..
خرج فريد من المرحاض راكضًا
- داليدا مالك ياحبيبتي في إيه ..
ارتفع صوت صراخها أكثر وأكثر وهى تتقلب في مخدعها كالطائر الذبيح
- الحقني ياابابا .. االحقني مش قادرة اااااااااه ..
فريد بصوت عالي ومفزوع لزوجته
- هى مش لسه في السابع !
مارتن بجسد مرتجف
- سأتصل بالطبيب ...
انكمش عمر وزينه حول بعضهما يزيلون دموعهم بكفوفهم الصغيرو ويترقبون أختهم وهى تتأوهه أمامهم، انحنى والدها ليحملها بين كفيه بدون تردد
- أنا هوديها المستشفى مش هستنى الدكتور ..
ركض والدها بها لأسفل وهو يلهث ويرمقها بنظرات المستنجد ليهمس لها بصوت مرتجف
- هتبقي كويسة .. متخافيش ..
امسكت زوجه بكفوف عمر وزينه وركضت خلفه بعدما التقطت مفاتيح شقتهم مرددة
- الرب سيحميكي داليدا ..
بعد مرور ثلاثة أعوام تجلس داليدا أمام شط إسكندرية لتدون آخر خواطرها التي ستختتم بها روايتها التي شرعت في كتابتها منذ اليوم الذي غربت فيه شمس حبيبها عنها، قررت أن تدونه بدموع حبر على ورق كي تأنس به في كل مكان وزمان، كي لا تخلو منه إلا إليه .
على ناصية حُبنا كُنت جبانة لا أمسك إلا بمظلة قلمي لأكتبك وأكتب عنك وعن حُبي لك بحبر باهت كفراقك ، كُل ما كنت أريده هو إقامة دائمة في قلبك مُحاطة من مخاوف العالم بسياج صدرك كل ما تمنيته أكتب على صوت لحن قلبك بدلًا من لحن القهر والألم الذي يُناديك، وإنك لا تأتي، أصبحت هرمة ضحية حب قُتل أصحابه قبل أن يحتضر .. أصبحت معلقة في حبال انتظار من لايعود اليوم أخبرك بأن حبالي قد هُلكت ولكنني لم أيأس استبدلتها بحبال أقوى لتحمل انتظار أطول .
منذ ثلاثة أعوام أخبروني بأنك رحلت عن العالم، تركت عالمي وتركت روحي وقلبي للأبد ولكن شيء ما بداخلي كان يُربت عليّ بلُطف ملائكة الرحمة، أول مكان لجأت له هو قلبي لأطمئن على دقاته ونبضه، إنها تدق بهدوء مستريحة لم يُصيبها فزعة الفراق والوحدة، لم تقف للحظة حدادًا على روحك، مازال الدم يتدفق في مجرى شراييني باسترخاء، أنفاسي لم تخلط إلا بنيران اشتياق خاليًا من لهيب الموت، تلقيت خبر أكذوبة وفاتك بجسد لا يُبال ولكن سرعان ما أخذني قلبي نحو النسخة المُصغرة منك لأتحسس نبضه .. إذن فهى خالية أيضًا من أي ضجيج مُريب يعلن فجعة مغادرتك، اكتفيت باحتضان ابننا لأختبئ فيه بعيدًا عن هراء العالم .
اليوم تم ابننا الثلاثة أعوام، كنت أود أن نحتفل به سويًا لنخلد ذكريات كل ما مضى ولكنني اليوم احتفل به بمفردي معك .. أقصد مع شبحك المُختبئ بين حروفي .. اسميته زين كي أزرع فيه هوية من أحببت، عزمت على أن أجعل أوهام عشقي لك حقيقة أتحسسها كُلما اشتقت، ولكن يؤسفني أن أخبرك باسمه الحقيقي فاسم ابننا يليه نفس كنيتى زين فريد نور الدين لأم فرنسية مارتن ترامب هذا يحزنني ولكنك أنت من تركت يدي قبل العتاب، رحلت قبل ما تترك لي عذرًا واحدًا كي أغفر لك، اكتفيت بتركي في نيران الفراق والوجع مولدًا شعور ناحيتك بالكره الشديد .. تنافري منك، في لحظة ضعفي حاولت كثيرًا هدم آخر جسر بيننا وهو قتل ابنك كي اتحرر من أسوار سجنك اللعين، ولكن إرادث القدر كانت أقوى، وبمرور الأيام اكتشفت أنني لم أكرهك ولكنني كرهت بعدك .. فراقك .. يدك التي لم تثنى للحظة كي اتشبث بها .
بالرغم من قسوتك وبعدك وأنانيتك إلا أنني لازلت أحبك، عزمت ألا أعود إليك حتى ولو نسجت خيوط حُبك حول الكرة الارضية وجذبتها بين يدي لم أغفر لك .. واليوم أعترف أنني كاذبة كونى دومًا أبحث عما يجعلك في مُخيلتي بأسمى صورك حتى عرفت من طبيبك النفسي أنك مريض، مشاعرك وتصرفاتك خارج السيطرة، كنت أخبرتني وأنا ما تركت يدي حتى ولو تركتها أنت ؛ خشيت علىّ من بقائك ولم تخش علىّ من أشباح فراقك ! أقسم لك بأنني لو خُيرت بين نار قربك أم جنة بعدك لأخترت نارك وأضفتها برياح ولهى لك لتحول لجنة لم تسع سوانا، كنت أود أن تبسط لي ذراعك لأستند عليه في حين سأحاوطك بأجنحة امتلاكي لك ..
ولكنك نفذت الحكم قبل بدء جلسة المحاكمة، حاوطت عنقي بحبال البعد في حين أن الحكم كان قابلًا للنقض من إعدام بُعدك للتخفيف وهو السجن المؤبد في حضنك، أعلم أنك قريب مني جدًا .. عد مازال باب قلبي مواربًا، اقتحمه بدون استاذن كما فعلت سابقًا ..
تنهدت بقوة وهى تضع قلبها بين صفحات دفترها عندما استمعت لنداء صغيرها يهلل نحوها بمرح
- ماااام يااامام .. شوفتي أونكل ( مالك ) جابلي إيه ؟
التفتت إليه بحب وهى تنظر للحلوي بين كفي صغيرها مردفة
- قولتله merci ياأونكل ..
أومأ الطفل إيجابًا ببراءة طفولية، اقترب منه رجلاً في أواخر الثلاثينيات مرتفع القامة .. مفتول العضلات ذو الجسد المتناسق مرتديًا قميصًا باللون الأبيض وبنطال فضفاض باللون البيج وهو يصفف شعر الصغير بحب ويجلس بجوار داليدا مرددًا
- زين باشا بس يطلب واحنا ننفذ على طول ..
نظرت إليه بيأس لتقول
- مالك أنا بجد مش عارفة أودي جمايلك عليا فين، أنت قدمتلي مساعدات كانت سبب إني أحقق نجاح في وقت قياسي .. أنا لو عشت عمري كله لوحدي مش هحقق جزء من النجاح دا .. أنا من أول ماحطيت رجلي في باريس وأنت واقف جنبي وساعدتني إن مقالاتي توصل لبلاد كتير وتترجم بلغات أكتر .. أنا ممتنة ليك جدًا .
ابتسم بفظاظة مردف.ا
- ساعات مفاتيح حياتنا بتكون مع ناس غيرنا، عشان كدة القدر بيكون قاصد يجمعنا بالناس دول بس لو خسرناهم مش هنعرف نكسب حاجة لآخر العمر .. فاهمة قصدي!
أطرقت عينيها لأسفل ثم أردفت بخفوت
- صح .. بس اللي عاوزة افهمه أنا لقيت مفتاح نجاحي معاك .. أنت بقى لقيت إيه معايا ؟!
رمق أمواج البحر المُتلاطمة بنظرة خاطفو ثم قال
- لقيت معاكي روحي اللي عشت أدور عليها أكتر من تلاتين سنة .. ودا سبب كافي يخليني مااسبكيش حتى ولو هعيش العمر كله استناكي مقابل نظرة رضا منك .
فهمت مغزى كلماته فحاولت التهرب من أسهم نظراته التي لم تراها في أعين رجلٍ من قبل التفتت إلى ابنها قائلة
- زيزو مش يلا نروح عشان نجهز لحفلة جدو بالليل .
وضع ابنها قطعت الحلوى في فمه قائلا بنبرة طفولية
- لا هلعب مع أونكل مالك شوية .
بللت ريقها بحسرة قائلة
- زينه وعمر في البيت هيلعبوا معاك .
فوجئت بكف مالك تلمس كفها بحنان قائلاً بلوم
- زين مالهوش ذنب في اللي ما بينا .. مهما حصل هيفضل أغلى حاجه عندي .
نظرت لكفه المحاصر لكفها الصغير بفتور، ظلت جفون أعينها تتراقص بين كفه وعنينه، سحبت كفها بهدوء واصطنعت ابتسامة مزيفه
- أنت بجد تستاهل واحدة أحسن مني .
- حتى الأحسن منك مش عاوزها .. أنتي أثمن وأغلى من إنك تتحطي في مقارنة مع حد ..
كانت جملته باندفاعية من بين ثغره كمن يكمن بين طيات قلبه كلمات حب تملأ قلوب عشاق الأرض .. لاحظ مالك صمتها فسرعان ما غير مجرى الحديث قائلًا
- خلصتي الرواية بتاعتك ؟!
ابتسمت بخفوت وهى تومئ بحماس
- خلاص خلصتها ..
- طيب وإيه كانت النهاية، البطلة اتحررت من عشقها وقررت تسمح للزمن يصلح أخطاءه السابقه معاها ولا لسه بتجدف بمجاديف مركبتها فوق رمال الصحرا .. !
تعبث بأصابعها بارتباك ملحوظ، انعقد لسانها عن الرد اكتفت بالاتكاء على عكاز الصمت والهروب من جيوش أسئلته التي تزلزلها .. أكمل مالك حديثه بيأس قائلاً
- تعرفي أنا اسمي مالك وملكت كل حاجه اتمنيتها إلا حاجه واحدة بس وهى أنتِ .. ولو خيروني بين كل حاجة وبينك ! هرمي العالم كله ورا ضهري وأجيلك .. ليه أنا لأ مع إنك بتقول لى ألف واحدة تتمناك اشمعنا أنتِ !
رفعت عنينها لبرهه في بحور عينيه الهائجة بأمواج العشق فقالت بثبات
- ساعات بيصعب علي العاصي يتمنى دخول الجنة .
- حتى ولو كنتِ في النار هسيب جنتي وأجيلك ..
- المشكلة إن القلب المستعمر بشخص مستحيل يكون ملك حد ..
احمر وجه مالك بغضب مردفًا بنبره مرتفعة قليل.ا تحمل وتيرًا من نفاذ الصبر
- ليه مستحلية عذابك ! داليدا أنتي حبيتي بكيانك كله وملقتيش البدل .. وربنا عادل وبيعوض أنتي من حقك تتحبي أضعاف ما تحبي، من حقك تاخدي أضعاف ما تدي .. ساجنة نفسك في أسر أوهامه ليه وأنتي عارفة إنه ملهوش وجود ..
ابتسمت بثبات وهى تقبض على كف ابنها بحنان متأهبة للذهاب
- له وجود في قلبي .. وجوده وشم ملعون طابق على روحي مانع دخول حد غيره .. أنا مقيدة بيه ودا غصب عني .. أنا حبيته أظن إن القلب مابينبضش في العمر غير لشخص واحد بس حتى ولو كان سبب كل الغُلب في حياتي .
لملمت شتات شملها سريعًا متأهبة للمغادرة تحت أنظار مشتعلة بالحب وأخرى باللهفة ردد مالك قائلا بصوت مرتفع ممزوجًا مع هواء البحر .
- بس أنا مش هيأس وهفضل مستنيكي لآخر عمري .. مش بتقولي القلب مابينبضش غير لشخص واحد ! وأنا قلبي مادقش غير ليكي ومسيرنا هنكون لبعض مهما عاندتي وكابرتي .. !
تجاهلت كلماته وهى تمشي فوق صخور إسكندرية متذكرة مقططفات معسولة من حياتهم سويًا منذ اللحظه التي اقتحم فيها حياتها لللحظة التي خيم فطر غيابه على روحها شاكية شوقها للبحر بصوت عالي وهى تنظر لابنها الذي يرث ملامح أباه المتمردة قائله
لازلت أراك .. لازلت أتذكرك .. لازلت أحبك .. لازلت أتنفسك ... لازلت اكتبك حتى أتفرغ منك
-لازلت أقرؤك حتى امتلئ بكِ أكثر فأكثر
صوت آخر لفت انتباه قلبها مختفيًا خلف جريدته ونظارته السوداء يراقبها منذ اليوم الذي فشل فيه حتى في محاولة انتحاره .. يحاصرها بشبح وجوده ويأسرها بنار بعده لم يقترب ليضفي نار شوقها ولم يبتعد ليفك قبضته عليها .. خلع نظارته السوداء التي تكمن خلفها هوية المجهول قائلاً
- فأنا المنتظر الذي لا يعود .. والساكن الذي لم يقيم في موطنه سوى ليلة واحدة، ملأت عيونى بكِ حان الوقت لأملئ قلبي منكِ.
تمت
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
النهاية ◄ لازلت أتنفسك