-->

رواية لازلت أتنفسك الفصل السادس

 

 

 كل ما في الأمر أنني أحتاج أحبك ككاتبة , ذروة الحب بالنسبة لها التفاصيل , جميع الكُتاب مرضى تفاصيل , فمثلًا سأدون لك أخطاءك الفاحشة التي اقترفتها اليوم , نظرة عينيك انحدرت خمس مرات عني لتشاهد شاشة التلفاز اللعينة  , تركت يدي لمدة ثلاث دقائق  يعني مائة وثمانون ثانية أليس ذلك وقت كافي ليُصاب كفي بأنفلونزا الهجر , اليوم ناديتني باسمى ولم تُنادينىحبيبتي , آخر مكالمة أجريتها

استغرقت أربعة دقائق وخمس وثلاثون ثانية أليس من حق قلبي ذلك الوقت المنهدر عبثًا , إنك لم تلتفت للون طلاء أصابعي الأحمر الذي استبدلته باللون النبيتي , نسيت أن تُقبل أناملي مع كل لقيمة تدلف فمك ألم يكن ذلك كلامك أنك تود أن تعطرها بعبير يدي قبل ما تسكن داخلك تود أن تحمل تيار حبي لك لينتقل بجوفك , إنك لم تلتفت لخلخال قدمي الذي لم يتناسق مع منامتي القصيرة وتقل لي إنها غير مناسبة ف عليكِ بارتداء الأخر الذي أحضرته لكِ بعيد ميلادك الأخير , كل ما أريده فقط أن أكون كوكبًا في مدارك إليك المتسع من الوقت لتمرح فيه كما تشاء إلا أن يأت وقتي فهو لي , وأنت لي بكل كيانك , فتذكر أمر غيري في وقتي يعد خيانة لي وأنا سيدة لا تقبل الخيانة ياعزيزي.

تجلس داليدا بجوار المكتب الخشبي الموجود بجانب مخدعهم تدون بعض الخواطر التي تدور برأسها وهى تراقب زين بملامحة تشتاظ غضبًا , تحك قدميها ببعضهما بعنف وهى تزفر بقوة مما جعله يلتف إليها لينهي مكالمته الهاتفية قائلا بفضول
مالك ! أنتي زعلتي عشان سبتك

اصطنعت عدم الاهتمام مردفة
- مش زعلانة خالص .. براحتك .
دنا منها بخطوات ثابتة بعدما ألقى هاتفه فوق الأريكة قائلًا
- طب وريني كنتِ بتكتبي إيه .
طافت عيناها يمينًا ويسارًا ويبدو عليها بوادر الارتباك , كان زين يقرأ بكتاباتها بعيون ضيقة وتتبدل ملامحه مع كل كلمه يقرأها , فرفع عينه نحوها قائلا بشك
- كل دا حصل في الخمس دقايق دوول !
نصبت عودها بتلقائية حتى أصبحت واقفة أمامه مردفة
- عشان نتجنب النكد والخناق بس بتاع كل ليلة لازم تاخد بالك من كل الحاجات دي .
دخل زين في غيبوبة ضحك ثم أردف قائلًا بسخرية
- واحنا هنركز في إيه ولا إيه بس ! احنا صحتنا على أدها والله ..

لكمته برفق على كتفه بسخرية مردفة
- ياسلام ! لا ماينفعش معايا أنا الكلام دا .. طالما اخترت تحبني يبقى تحبني زي ما أنا عاوزة مش على أد مقدرتك .. فاهم ؟
التقط أناملها سريعا ليطبع قبلة عليها قائلًا
- ياسيدي أنت تأمر أمر .. بس وريني كدة وهو أنتِ لابسة خلخال أصلا !
زفرت بنفاذ صبر على بروده أعصابه ومزاحه الساخر من طريقة حبها قائلة
- شووفت ! ما أنت لو مركز مكنتش هتسأل ! عموما الاهتمام ما بيطلبش يابشمهندس .

طبع عدة قبلات متوزعة على وجهها وهى واقفة بثبات منتظرة رد فعل منه ليطفىء براكين الغضب بداخلها , أمسك ذقنها برفق ليرفع وجهها لأعلى قائلًا بمزاح
- اسكتي مش طلع بيطلب عادي .. بس أنتي اللي شكلك نايمه على ودانك .
تغنجت بين يديه بدلال مردفة بنبرة ساخرة
- رخم أووي على فكرة .. صالحني دلوقتي حالًا ..
ضحك بصوت مسموع ثم ألقى نظرة على الورقة الموضوعة فوق سطح المكتب قائلًا
- بطريقتك دي محسساني إني مشتري تلاجة بالدليل ولا الكتالوج  بتاعها
رمقته بنظرات غاضبه وأنفاس متصاعدة تريد أن تحرقه ثم تحركت متأهبة للمغادرة
- كدة! وكمان بتهزر ! طيب ابعد بقى .

احكم قبضته عليها سريعا ليجذبها نحوه
- خدي هنا أنتِ هتستهبلي .. ليا ساعتين بهد في أخواتك عشان أنيمهم وفي الأخر تقوليلي ابعد ! إيه الجحود بتاعك دا .. ماهو دا مش أسلوب خالص بردو .

رغم عنها أطلقت ضحكة عالية كأن روحها البرئية تجسدت بها فكانت كافية أن تشعره بأنه للتو أمسك الدنيا بين يديه , كان تأثير ضحكتها عليه كسهم دخل من جهه وخرج من الأخرى بصحبة قلبه تاركًا روحه فارغة تلهث تشتاق لجيوش متتالية من الأسهم المصوبة من ثغرها إليه لأول مرة تمنى أن يكون ممتلئًا بالأسهم  فبدون تردد جذبها إليه ليسد ما فرغه سهم ضحكتها فكان له بمثابة رحيقًا تنتشي له حواسه يرتوي منه حبًا كل لحظة مرددًا بلهفة.
- إيه اللي أنت عملتيه دا !

حاولت أن تتحرر من قبضته القوية ولكن بدون جدوى فقالت
- معملتش حاجة .. أنت بتتلكك !
نظر لها بعيون متسعة بهما نبرة شوق
- خدتي روحي مني وأنا لازم أرجعها دلوقتي بطريقتي ..

قرعت طبول قلبها ما بين الشوق واللهفة والخوف والارتباك فقالت بتلقائية وهى تبتعد عنه
- زين صح .. أنا جعانة أوي أوي أوي .
- كلنا جعانين والله ..
ركضت نحو الباب مردفة
- لا أنا جوعت يلا روح هاتلنا أكل من برة حالًا ..
دنا منها وهو يعض على شفته السفلية بنفاذ صبر
- الدلع دا هيستمر كتير !

زمت شفتيها بحركة طفولية ثم أردفت قائلة
- والله جعانة بجد .. وبعدين أنت يرضيك مراتك حبيبتك تنام بالجوع !
- هو أنتي مش لسه أكله من ساعتين ..
لاحت له بأصابعها بتلقائية قائلة
- تؤ تؤ .. هو أنا ماقولتلكش مش أنا بجوع بسرعه وبشبع أسرع .. وبعدين أنت هتحسب عليا اللقمة من أولها .. كدة أنت هتعصي ربنا .

نظر لها بصدمة قائلًا
- لا إله إلا الله ! أنت هتركبينا الغلط من أولها ليه وأنا نطقت .
أومأت رأسها بعناد مردفة
- لما ربنا يقول
} لينفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا {
وتيجي حضرتك تحسب عليا الأكل وتقولي لسه أكله من ساعتين وتسيبني بالجوع كدة يبقى ربنا هيحاسبك على الغلبانة اللي معاك وهى أنا .

استند بكفها على حافة الباب ليضعها تحت سطوته وحصارة قائلًا بغمز
- طيب ولو كانت بتعاند وبتيجي على جوزها الغلبان اللي هو أنا بردو نعمل فيها إيه ياست الشيخة !
عقدت ساعديها أمام صدرها وهى تنظر في عينيه بتحدٍ قائلة
- والله كله وشطارتك يابني .. بص هى نصيحة كدة على الماشي ربنا يجعلها في ميزان حسناتنا وشكلك غلبان فأنا هساعدك ..
رفع حاجبه وهو يرمقها بنفاذ صبر ويزفر بقوة مرددًا
- والله ! كتر من أمثالك .. هاا قولي النصيحة حق أنا محتاس .

ابتسمت بحب وهى تكتم صوت ضحكتها مكملة في مسرحيتها مرددة بثقة
- بص كان في حديث عن النبي بيقول إيه
} إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ، وَإِنَّكَ إِنْ تُرِدْ إِقَامَةَ الضِّلْعِ تَكْسِرْهَا، فَدَارِهَا تَعِشْ بِهَا {
بمعنى هفهمك بس متبصليش بجهل كدة .. الرجل الغبي يابيه هو اللي يحاول يعدل تفكير ونمط الست مراته .. المفروض إنك تطلع ناصح كدة أو صايع بمعنى أصح وتستغل عنادها وعوجها في حاجات تانية وتضلل عليهم بضلعها المعوج اللي مش عاجب معاليك ,, فهمت .

جز على أسنانه بنفاذ صبر قائلًا
- أنا دلوقتي مش فاهم أي حاجة غير إني عاوز أشوفك في حضني .
احمرت وجنتها بخجل قائلة بعناد
- وأنا مابعرفش أفهم أي حاجة وأنا وجعانة .
ضحكا سويًا بخفوت ثم أردف زين قائلا
- وحشتيني , أنا بلوم نفسي على كل لحظة قضتها في بعدي عنك , البني آدم دا غريب أوي بيفضل يعاند ويضيع وقت في أكتر حاجة هو محتاجها , مصمم يعيش تعبان محتار ومع إن راحته واستقراره في حضن واحدة بس , الغبي بقى اللي يكابر ويبعد وينسى إن كل دا بيتقسط على حساب قلبه وسعادته .

تنهدت بحب وهى تعبث بأناملها في ملابسه بدلال
- أنتوا كرجالة بتبقوا حلوين أوي لما بتحبوا .
نظر لها بعيون ضيقة ممازحا
- وأنتِ عرفتي كل الرجالة فين ياست هانم .
رفعت حاجبها بصدمة وهى تحرك حدقة عينيها يمينًا ويسارّا بارتباك قائلة بهمس
- شكلي كد. وقعت نفسي في فخ .. -ثم رفعت عينيها إليه لتغير مجرى الحديث قائلة- وأنت كمان وحشتني أوي .
نظر لها نظرات ساخرة قائلًا
- اممم اهربي اهربي .. أول مابتزنقي بترجعي لورا ..
فركت كفها بارتباك وهى تقرب منه لتقول بغمز
- أو نرجع لقدام عادي جدًا هههههه .

لم تشعر بقدميها إلا وهما يجذبونها بداخل أحضانه وتستند برأسها على جدار صدره الصلب لتضع روحها في أكثر الأماكن الضيقة اتساعًا فجميعنا حينما يصيبنا الحب لانريد اتساع الأرض وما بها فقط كل مانريده عالم يتكون من جسدك وذراعيك الملتفين حولي ذلك يكفيني ف أنا لا أريد عطرك , همسك , أنفاسك , نبض قلبك .. أريد أن أمزج أنفاسنا معًا حتى أعجز عن التفريق بينهما , فقربها بالنسبة له بم يعد كافيًا لف ذراعيه حولها ليقربها منه أكثر فأكثر كأنهم جسد واحد بنفس واحد بنبض قلب واحد بقربها أدرك أن الوطن الحقيقي هو ضمة حضن .

    همس زين بأذنها قائلًا بمزاح وأنفاسه الحارة ترتطم بعنقها:
- طيب طالما حضني مريح أوي كدة وعاجبك ليه العناد والمكابرة !
ضربته برفق على كتفه وهى تبتعد عنه قليلًا مردفة
- والله بني آدم فصيل .. روح هاتلي أكل يلا .
لازال يحكم حصار ذراعيه حولها ليقول بغمز
- والله أنتِ اللي فصيلة .. لسه كنت بفكر في غزو كدة .
ضاقت حدقة عيونها باستغراب قائلة
- غزو ! قصدك إيه .

فكر لبرهه وعينيه تجوب يمينًا ويسارًا ليقول
- فتحي مخك معايا مش كل كلمة هشرحها بقى !
أشارت له بسبابتها بحيرة وشك
- مش مرتحالك !
تنحنح بخفوت وهو يغمز لها بطرف عينه مرددًا
- أصل كنت عاوز أطبق نظرية كدة قولت يمكن تجيب نتيجة .
- ياسلام ! والنظرية دي اسمها الغزو !
أومأ رأسه إيجابًا وبثقة مرددًا
- أصلهم علمونا في المدرسه إن القبلة تمهيد علوي للغزو السفلي وكدة أنتي طربقتي النظرية خالص .. ارتحتي !

شهقت كشهقة الولادة تكاد أنها سحبت أكسجين الغرفة وهى تنظر له بعيون متسعة
- أنت فظيع ! أوعى كدة لما تتربى أبقى نتفاهم .. روح هاتلي أكل ومتكلمنيش تاني .
كتم صوت ضحكته قائلًا
- أنتِ ليه مصممة ترسخي في ذهني إني شاقطك من المقطم !
كتمت صوت ضحكتها وركضت أمامه مغادرة غرفتها لكي تبتعد عن أسهم نظراته التي تخترقها .. خشيت أن تضعف أمامه وتهد جبال عنادها , ضرب زين كف على الأخر وهو يهم بتبيدل ملابسه
- ننزل نجيب عشا أما نشوف آخرتها إيييه !

أمام إحدى شقق إسكندرية
تصف سيارة بداخلها فريد بصحبة مراد وعماد أمام منزل أكرم
فريد بقلق: أنا عاوز أفهم بس .. إيه علاقة بنتي بالولد دا !
زفر عماد بضيق: حضرتك دي أسرار مريض .. احنا طاوعنا حضرتك إنك تيجي معانا بس عشان أنت أب ومن حقك تطمن على بنتك .

فريد بتوسل: طيب هو ممكن يعمل فيها إيه
مراد بهدوء وحكمة: ادعي بس نلاقيهم وإن شاء الله مش هيحصل حاجة .
دلف عماد من السيارة متجهًا نحو المبنى العالي المطل على بحر إسكندرية , اتبعه مراد وفريد إلى الداخل .. طرق عماد على باب الشقة ففتحت لهم سيدة في عقدها السادس قائلة
- أفندم ! أنتوا مين ؟
عماد بهدوء: البشمهندس أكرم موجود .
أجابته السيدة بتردد
- ااه هو جوه بس بياخد دش .. اتفضلوا وأنا هديله خبر ..
تبادلوا الأنظار بحيرة ثم دلفوا بخطوات متثاقلة نحو أقرب مجلس , أقفلت السيدة الباب خلفهم وتوجهت نحو غرفة ابنها ,, وبعد عدة دقائق أقبل أكرم عليهم ولم تخل نظراته من الحيرة والدهشة
"دكتور عماد ! حصل حاجة ! _ثم أرسل نظرة نحو مراد قائلًا_ هو مش أنت الولد بتاع المطعم اللي اتخانق زين معاه !"

تنهد عماد بنفاذ صبر
- أكرم اقعد بس ! هنفهمك.
رمقهم أكرم بنظرات تعجب وهو يجلس بجوارهم مرددًا
- زين بخير ..
عماد بعفوية: زين فين ؟
هز أكرم كتفه بنفي قائلًا
- معرفش .. أنا شايل شغل الشركة كله على كتافي لوحدي .. وأهم الشحنات اللي المفروض يكون هو في تسليمها مكانش موجود .. وحقيقي أنا قلقان عليه ..
رمقه عماد بنظرات شك قائلًا
- أكرم ... زين فين !
بدي عليه ملامح القلق والاربتاك مردفًا
- معرفش !

مراد بسرعه: أنت صاحبه وأكيد الوحيد اللي تعرف هو فين !
وثب أكرم واقف لينهي الجلسه قائلًا
- معرفش .. ولو سمحتوا اتفضلوا عندي شغل بدري .
نهره عماد بقوه
- يابنى افهم زين في خطر .. قولنا مكانه فين ! كده أنت بتضيعه ياأكرم .
ارتبك أكثر متذكرًا جملة زين التى اردفها بنبرة تحذيرية
"أوعى ياأكرم حد يعرف أنا فين .. أنت فاهمني
وجملة عماد الأخرى التي تدور بذهنه
"زين في خطر .. زين في خطر
رج أكرم رأسه بقوة مردفًا
- المقابلة انتهت ..
نفذ صبر عماد عندما تأكد من ظنونه
- كدة أنت بتضره .. قولنا هو فين وإلا ذنبه هيبقى في رقبتك !

التزم أكرم في عناده وصمته قائلًا
- اللي عندي قولته
فريد بتوسل: يابنى لو تعرف حاجه قولنا .. كدة هتنقذ روحين .. الدكاترة بيقولوا إن تواجد صاحبك مع بنتي فيه خطر .. أرجوك ساعدني نوصله .

دار أكرم بجسده متكأ على عكاز صمته وعناده .. رمقه عماد ومراد بغل أوشك عماد على الانفجار في وجهه ولكن مراد وضع كفه ليمنعه وهو يرمقه بنظرة خاطفة توحي بالتريث .. شرع كلاهما بالتحرك نحو الباب .. كان أكرم استجمع شتات قوته وافكاره مردفا بتردد
- زين في شرم الشيخ .. مع داليدا ..

صاعق كهربي مر على قلوبهم جعلهم يصابون بالشلل في أماكنهم لتحمل ما أردفه أكرم , اقترب فريد منه بتوسل
- بنتي داليدا معاه ! ريح قلبي يابني ..
أكمل عماد بلهفة
- يلا تعالى معانا لازم نروحله دلوقتي !
ألقى أكرم نظرة علي ملابسه ففوجئ بعماد يجذبه من ياقته
- مش وقته ياأكرم .. يلا على كدة ..

( في شالية شرم الشيخ )
شعور ما أجبره للخروج من المنزل ملبيًا مطالبها محاولًا السيطرة على أحاسيس معينة مربكة بداخله لم يحدد هويتها، واقفة تراقبه خلف النافذة وهو يصعد سيارته باستسلام , تضحك بصوت مكتوم وهى تضع يدها فوق صدرها مناجية ربها
_ ربنا يخليك ليا ياحبيبي ..
اقتربت من هاتفها الموضوع جنبًا فالشبكة لم تكن بجودة عالي. مردفة لنفسها
- حاسة جوايا كلام كتير عاوزة اكتبه ,, هكتبه وبعدين أطلع فوق عشان أشغل النت ..

فوجئت باتصال هاتفي من رفيقتها التي انقطعت أخبارها منذ أشهر شروق، ركضت داليدا لأعلى كى تتيح الفرصة لهاتفها أن يلتقط الشبكة الهوائية ثم أجابت بلهفة وهى تقف بجوار النافذة
- طب والله ندلة .. فينك كل دا ! وحشتيني أوي ياحيوانة ..
تنهدت شروق بكلل
- وحشتيني أوي ياداليدا .. اااه لو تعرفي الزمن عمل فيا إيه .. كل يوم بضرب نفسي ألف جزمة إني ماسمعتش كلامك ..

انعقدت ملامح داليدا بغضب قائلهة
- متقلقنيش عنك .. مالك ! دانا اللي بقول البنت مدلعة في السعودية مع جوزها ..

ضحكة ساخره شقت شفتي شروق رغم عنها قائلة
- دلع إيه بس، حياتي ادمرت وكل أحلامي اتبخرت، بقيت زي جارية بالظبط، أول شهر أخدني معاه وتمام وزي الفل بس طول اليوم محبوسة فالشقه مابشوفش الشارع غير مرة كل أسبوع، قاعدة في سجن بالظبط، ولما زهقت واتخنقت قولتله أنا عاوزة انزل مصر تعبت، ونزلت هنا بقيت شغالة خدامة لأمه وأخواته وكلمة من هنا وكلمة من هنا ومش بلاقيه جمبي، دانا لما أتعب بالليل وأكون هموت على برشامة مش بلاقي حد ينزل يجيبهالى، كل اللي بيعمله بيجي ١٥ يوم كل ست شهور ويسافر تاني، اسكتي ياداليدا دانا بقيت شاربة المر من كعاني .. كنت شايفة إن الشخص اللي بيشتغل بره دا مالك الدنيا واللي فيها طلع كله هوا، مافيش قرش بيدخل إلا ومدفوع تمنه وزيادة ...

أصابها الضيق لحال رفيقتها وطريقة حديثها العادية، أين ذهب دلالها وشغفها وتفننها في انتقاء الألفاظ التى تعكس صورة راقية عن تربية أهلها، أصبحت اليوم مثلها مثل أي سيدة آتيه من قلب الأحياء الشعبية، اليوم أدركت أن وجود الزوج مع زوجته ما هو إلا زهو ونضارة لها فبغيابه تضمر هى وتتلاشى سعادتها وتتحطم معالم البهجة بها، وجود الرجل يهب زوجته كل ما هو جميل، كل ما هو مفرح، كل ماهو مريح، فمن أكبر النعم التي جعلتها أن ترفع عينيها لبروج السماء تحمد ربها وجود زوجها بجوارها، متى احتاجته وجدته، ومتى طلبت فهو يُلبي، ابتلعت داليدا ريقها لتبلل حلقها الجاف مردفث
- مش وقت ندم ياشوشو، عيشي والوضع اللي شايفة إنك مغصوبة عليه خديه بالرضا، كنتي دايما بتتمني حياة معينة وربنا استجاب ليكي، اتحملي نتيجة ما اتمنيتي، عشان كدة كنت دايما أقولك ادعي ربنا يكتبلك الخير وبس وسيبي الباقي على القدر ..

تنهدت شروق بمرارة وحزن
- الحمد لله، كل واحد بياخد نصيبة، طمنيني عنك فين أراضيكى !

ابتسمت داليدا بخفوت قائلة بصوت هادئة
- أنا وزين اتجوزنا ..
اتسعت حدقة عيون شروق بدهشة وهى تردد جملتها الأخيره محاولة استعابها
- لأ .. زين زين .. زين بتاع الجامعة ! بتهزري صح ..

ضحكت داليدا بصوت عالي قائلة
- والله بجد .. اتجوزنا إمبارح، اسكتي ياشروق حاسة قلبي بيرفرف جوايا، عمري ما كنت اتخيل إن الجواز هيكون حلو أوي كده .

- الجواز حلو لو مع اللي بتحبيه ياديدا، أما لو كنتي مجبرة وباصة على مديات وأوهام زيي معتقدة إنها هتسعدك، ساعتها هيتحول لجحيم ..

- الحمد لله ياشوشو، أنا أصلا مكنش ينفع اتجوز غير زين، أنا منه وليه وعشانه هو اللي ربنا خلقه عشان قلبي يدقله بس .. أنا لقيت نفسي مع زين وفي حضنه، اللي هو بعد لف وغربه طويلة أخيرًا رجعت وطني ومأمني

شعور بالحقد وبعض الغيرة احتل قلب رفيقتها، فهى أيضًا متزوجة ولكنها لم تستحس بما تقصه داليدا، حياتها مقارنة بحياة داليدا جنة ونار، حاولت أن تخفي غيرتها بتغيير مجرى الحديث قائلة
- المهم احكيلي اتجوزتوا إزاي !

أجابتها داليدا بتلقائية
- عادي روحنا عند المأذون واتجوزنا ..بس .
اعتدلت شروق في جلستها لتسائلها بفضول
- أنتي هتاخديني في دوكة، احكيلي اتقدملك إزاي وطنط سعاد كان إيه رد فعلها وإيه اللي حصل .. احكي تفاصيل يابنتب .

دمعة فرت من طرف عين داليدا بمجرد ذكر اسم أمها فاجابتها بألم
- ماما تعيشي أنتي ياشروق، وأول ماتوفت مالقتش قدامي غير زين رجليا وقلبي اخدوني لعنده، بس بعدها خدني وروحنا للمأذون وكتبنا الكتاب وحاليا أنا مراته ..

شروق بتعجب وهى تفكر في كلمات داليدا ثم أردفت بتساؤل
- ديدا هو مين كان وكيلك !

هزت داليدا رأسها بالنفي قائلة
- مش فاهمة، قصدك إيه ؟

- قصدي إن عشان جوازك يبقى صحيح مش هيكفي مأذون وشهود، طالما إنك بكر ودي أول جوازه ليكي فربنا كرم المرأة بإنها تتجوز بوكيلها فهمتي،، عشان كدة بسألك مين كان وكيلك !

ضحكت بسخريه وعدم استعاب
- يابنتي هو مش اللي يعدي ٢١ سنة يبقى وكيل نفسه، مش دا الشرع والقانون !
أجابتها شروق بنفاذ صبر
- ياغبية اسمعي بس .. أمال عامله فيها شيخة وحافظة قرآن وأحاديث على إيه، بصي الست اللي اتجوزت قبل كدة عادي تجوز نفسها بنفسها، أما البنت مش مستحب في الدين إنها تجوز نفسها وتكون وكيلة نفسها، وإلا كان جوازها عرفي مش رسمي .. أنتي إزاي الفرحة عمت عيونك عن حاجه زي دي !

جيوش من الفكر هجم عليها كانت كافيه أن تفتك بها، حاولت تكذيب ظنونها وأقاويل رفيقتها لها ولكن سرعان ما أرسل الي ذهنها إشارة عبارة عن إحدى الجُمل التي أردفها الإمام في خُطب الجمعة
( لا نكاح إلا بولي ) ..
شروق بفضول: زوجتي فين يابنتي ..
تنحنحت بخفوت محاولة إخفاء خوفها وقلقها
- شروق هقفل دلوقتي .. تصبحي على خير .

قبل أن تنتظر منها ردًا أنهت المكالمة ثم سبحت في بحر دموعها المنهمرة على وجنتيها، محاولة التماس الأعذار له مرددة في ذهنها أن الحب الصادق لم يكتب له نهاية حتى  بعد الموت والدليل أن الله عز وجل سيجمعهما في جنة الخلد، فليس للحب نهايهة، ولكن لماذا أشباح النهاية تراود حبها لتحكم عليه بانتهاء تاريخ صلاحيته وظهور تجاعيد الألم فوق روحها، ألم يعد حُبها كافيًا أم أنها لم تتألم بالقدر الكافي كي تظفر بحب يدوم لا ينتهي ..

عجيب قصر الحب فإنه يقتنص سكانه ببراعة ليأسرهم بداخل أسواره، فالباقية إما تائهين يبحثون عن طريقه، وأخرون وصلوا ولكنهم وجدوا أبوابه انغلقت كأنه اكتفى بعشاقه رافضًا تسلل غيرهم، والأغلب منهما لا يبالون له أي أهمية، فهو بالنسبة لهم سراب يركض نحوه الفارغون المستعبدون تحت رحمة مخلوق واحد يظنون أن العيش في ظل أسواره الثليجة جحيم سيفتك بهما وإن حرية الصحراء الملتهبة حرارة وقحدًا أهون من العبودية في كنفه.


يجوب زين بسيارته في شوارع شرم الشيخ المُختلفة، ويشعل رأسه التفكير بتلك التي اقتحمت حياته، الوحيدة التى انخضع لها كبريائه ملبيًا لها كل أوامرها، أهذا  حُب أم حيل الأمراء قبل غزو أي معركة، فهو لم يُنكر الهدف الوحيد الذي راوده لكي يصل لها ولكن ما يشتت تفكير أي قوة ساحرة تمتلكها سطو عينيها لتأسره لتجعله خاضعًا ذليلًا مجيبًا لدلالها وتمردها، معها يفقد سيطرته على أفكاره قلبه لسانه بمجرد رؤيتها لم يدرك إلا شعور الاشتياق لها فقط .

وقف بسيارته جانب الطريق فجأة وهو يلتقط أنفاسه بصعوبه، تبدو عليه معالم الحيرة والارتباك، فهو استغل كل الحيل للوصول إليها واليوم نال مراده، ظل يبحث بداخله عن شعور النفور منها بداخله فلم يجد له أثرًا، كان اقتحامها كتسلل رائحة المسك بداخله فمُلأ بها حد الاكتفاء متسائلًا من أي ثقب خفي تسللت هى .

رج رأسه بقوة لتشتيت أفكاره المتهجمة عليه قائلًا بحزم
- زين ما بيحبش حد، زين أقوى من إنه يعيش تحت رحمة واحدة ست، وقتك انتهى معايا ياداليدا .. يمكن اللي جمعنا تاني ظروفك الصعبة اللى تشبه ظروفي بس دا مايمنعش إني اتخلى عن مبادئي عشانك، لازم تختفي واختفي من حياتك .. كفاية .

حسم أمره فعاد ليقود سيارته مرة أخرى متجاهلًا تيارات الألم المتدفقة من خلايا جسده التي لا تحن إلا لهفة وحبًا لها رافعًا رايه كبريائه وعناده .

صوت دق على باب منزلها ليقطع حبال حزنها متأملة
- دا اكيد زين .. منا لازم أفهم منه إزاي المأذون مقالوش حاجه زي دي، أنا كنت زي الغبية الفرحة عمت عيوني ..

تحركت بتثاقل وجسد مرتجف نحو الباب لتفتحه فوجئت بسيده أنيقة ممشوقة القوام ترتدي ملابس باهظة ذات شعر مصبوغ بألوان مختلفة، بعدما تفتنتها بدهشة نظرت إليها بتساؤل
- مين حصرتك !
رمقتها فريدة بنظرات ساخرة قائلة
- أنتي بقى اللى يسيبني عشانك ..
ضاقت حدقة عينيها بتعجب مردفة باستغراب
- أفندم ! أنتي تعرفيني ؟
ضحكة أخرى ساخرة شقت شفتي فريدة وهى تدفع داليدا عن طريقها مرددة بكبرياء
-اجري يابت قولي لزين إن فريدة هانم مستنياك تحت ..
تركت داليدا الباب موارب لتتبع تلك السيدة التى اقتحمت منزلها بتساؤل
- ممكن أعرف أنتي مين .. وبأى حق تتهجمي على بيتي كدة .

ضحكت فريدة بصوت أنثوي ساخر وهى تجلس فوق أقرب أريكة واضعة ساق فوق الأخرى مردفة
- أنتي مين ياشاطرة ؟!
زفرت داليدا بنفاذ صبر قائلة
- أنا مراة زين، أنتي مين بقى .
فزعت فريدة من مكانها بغضب وبراكين تتوق بداخلها لتنفجر بوجهها قائلة
- مراة مين يابت أنتب ! أنتي جرى لعقلك حاجة ؟ زين خطيبي أنا هيتجوزك إزاي ؟

صاعق كهربي أخر صفعها على قلبها بقوة فلم تتحمل أكثر، شعرت باختلال توازنها ودوران برأسها أوشك أن يحط جدران المنزل فوقها، استجمعت شتات قوتها قائلة
- أنا معرفش أي حاجة عن كلامك دا .. وزين مش هنا .. لو سمحتي اتفضلي .

دنت فريده منها بخطوات متباطئة وهى تربت على وجهها بقوة
- هيسيبك ياحبيبتي تلاقيه بس أكل بعقلك الحلاوة يومين وهيدور على غيرك ... اااه ورسالة أخيره تبلغيهالوه أنه لو مظهرش لحد بكرة الصبح هطربقها على دماغه .. باي باي يامدام .

جسد متجمد لم تتحرك إلا عيناها التى ظلت تناشدها هنا وهناك حتى اختفت من أمامها، فلم يقتلها الشوق لم يقتلها البعد بل قتلها الكذب والخداع، استندت على جدار السلم بجسد هذيل محاولة استعاب الصدمات المتتالية نحو قلبها بدون رحمة، كل ما كانت تريده هو الحب معه وله بكل لحظة، أصبحت تُعاقب على ما اشتهت وهو لم يقصر فكان جلادها القاسي .

نسيت باب منزلها مفتوحًا ثم ركضت لأعلى لتهاتفه مرات متتالية في كل مرة كانت تصاب بخيبه أمل بثقل نيزك فوق قلبها، كل مرة تجيبها رساله مسجلة
الهاتف المطلوب مغلق أو غير مُتاح عليك باعادة الإتصال في وقت لاحق

ألقت هاتفها بعيدًا بصراخ، فكل ما تمنته غرز حضوره في شرايينها كي تتغلب على مصاعب الحياة ولكن ما فعله هو غرز ورد الحب بداخل جرحها الدامي فتجاهلت نزيفها منبهرة بجمال ورائحة الورد، فغادر هو تاركًا جرحها ينزف والورد الذي زرعه يذبل، اليوم فاقت من غيبوبتها الطويلة التي كان سببها رجل، رجل خداع لم يعرف للحب سبيل سوا الكذب للفوز بمطالبيه الدنئية، أصبحت هى إحدى ضحياه الآن، طير اقتنصه صياده لإرضاء أهوائه فتركه يتلطخ في دمائه بدون رحمة، فهو لم يتركه يتسمتع بحريته ولم يخلصه من ألمه للأبد ويأكله، تركه يتراقص في بحور دمائه ويراقبه بابتسامة نصر تنتشي له حواسه .

ركز ياأكرم فين الشالية
أردف عماد جملته بتوسل وهم يترقبون الأماكن في الظلمات، التفت أكرم ليبحث عن المنزل الصيفي لدى صاحبه مردفًا
- أنا فاكر كان قدام البيت شجره صغيرة وزيرتين مربوطين فيها ..
عماد بنفاذ صبر
- طب ارجع يامراد نبدأ من تانى .. يمكن يفتكر ..
فريد بتوسل: ركز ياولدي الله يرضى عنك ..
أردف أكرم بسرعه
- مراد امشي علي طول افتكرت .. يلا .


تتوالى النوبات صوب قلبي حتى أصبحت مليئة بسهام الوجع، جروح روحي دامية تنزف استغاثة في عالم أعمى عن تأوهات الآخرين، كانت كمخدر على عقلي حتى أصبحت كالهائم على وجهه أتوسل للمارين حذاي أن يمسكوا بيدي ويضعوا أقدامي على طريق الفرح حتى خضعت روحي لمصرعها فقدت بريق الأمل فاستسلمت للمزيد من أسهم اليأس.

نعيش جميعًا على شعاع خافت من الأمل، أن الزمان دائمًا مُتقلب تارة حزن تارة فرح وتارة أخرى اختبار علينا أن نعي اجتيازه بنجاح، همس لي عجوز ذات يوم قائلًا أن ؛ الأرض التي ينبت منها وردًا  نفسها التي ينبت  من رحمها شوكًا .. فلا تتعجب لأفعال الدنيا مهما قست .. ربما تمنحك ما يبهرك كجمال الورد فيهوي بك إلى حصار أشواكها .. ورُبما شوكه تنبهك فتعرقل طريقك لتنقذك من فحل شرها ..  ارضَ بما قسمه الله لك .. فلا ورد بدون شوك ولا حلاوة بدون نار واعلم أن من اعتاد على طعم الحلوى لم يستلذ بالعسل ..

صوت ما يرتعد من جوفها ممزوجًا بلحن قلبها المنبعث من شاشة تلفزيونية أقصى يسارها، كلماتها تتقاذف بين أربع جدران لترسُ أخيرا على شواطئ آذانها قائلة:

في تلك الليلة المفعمة بجيوش الحزن فلم يقودني قلبي إلا للهرب أريد أن أختبئ مني ومن عشقي الكاره له، تلك المشاعر المؤلمة التي بات جسدي يتعامل معها وهو تحت تخدير قوي من التصدعات التي جعلتني متغيبة عن الوعي كل السبل لا تؤدي إلا للانتحار، أصبح الانتحار بالنسبة لي شهيًا للغاية أود أن احتضنه بجسد هزيل مُتهالك حطمته الطبيعة، ظللت أجوب غرفتي يمينًا ويسارًا بشيء أشبه بالجنون مابين قلبي الذي يتمزق بصدري بعدما التحم بعناق الروح وقبل أن يطيب هشمت جبال من الزجاج فوقه فساءت حالته، ظللت أبحث عن طريقه للموت مرضية لآلامى أفرغ بها كل ما يعبث بداخلي لأتخلص للأبد من انهيارات الزم...

أود أن أرتمي بين أحضان الموت خالية فمهما قسى علىّ قسوته لي طبطبة هادئة على جدار قلبي، شيء ما بداخلي يقودني إلى حدائق الانتحار المزين بألطف أنواع الورد، أقبلت عليه متبسمة وأنا أتمسك ببقايا الزجاج المهشم تحت قدمي الذي لم يختلف كثيرًا عن تهشم قلبي وتناثر فُتاته بداخلي، وضعت حدًا لنهايتي استكفيت من اختبارات الزمان حتى ظفرت اليوم بالنتيجة ( راسب لايصلح للحياة )، كل ما بداخلي يتشاجر يلهث أي جزء من جسدي ستمر فوقه قطعة الزجاج لتقضي على آلالمها المبرحة أولًا، شهيق آخر نفس فر من فمي مبتهجًا ناجيًا من نيران احتراق جوفي، ذرفت عيناى بشلالات من الدموع كانت كافية أن تعلو منسوب مياه البحر ورفع نسبة ملوحته للقضاء على أسماك قاعهُ، غرقت في مياه دمعي كما تعكس الطبيعة قوانينها وتغرق المياه سكانها فأصبحت عاجزة مثلهم...

فالأسماك لا تحمل جوازت سفر لتغيير مستنقعها وهى أيضًا فقدت روحها جواز سفرها لذلك قررت الهجرة الغير شرعية لتنجو من صراعات الزمان المؤلمة .. عزمت قراري لأطيّب جروحي مرت قطعة الزجاج فوق شرايني ولازلت استقبلها بابتسامة متسعة كمن ينتشي لملذاته، قطرات من الدماء تراقصت فوق معصمي جعلتني اعتصره بقوة لأرض غرور عيناي، قطرات متتالية ارتطمت بالأرض فلطخت الزجاج المتناثر، قررت استودع جنتي التي عشت بها أجمل دقائق معه، تحركت ببطء نحو مخدع عشقي له لألقي بجسدي في أحضانه فهو خير شاهد على ملحمة الحب التي كانت تلتهمنا بدون رحمة، بسطت جسدي فوقه منتظرة ملك الموت يحملني لمكان آخر، آخر شيء مر على جدار قلبي وهو يطبع قُبلة الحب على وجنتي تمنيت أن يقف الزمن عند تلك اللحظة حتى ارتوى منه قبل مايتركني، أعوض سنين صبري التي ما تمنت بها غيره، جيوش من النمل تحركت من قدمي متجهه لأعلى ببطء ما يؤلمني أود الركض أود الاستعجال للذهاب لعالم الغيب، لم أدرك ما مر علي من الوقت حتى أصبحت أسيرة لغيبوبة حتى الآن لم استفق منها، ولا أود الاستيفاقه لأنها معك وحدك، اكتفيت بك في أحلامي طالما صفعنا واقعنا بحقيقة الغياب.

بعد مرور خمسة أسابيع

يتوسط مكتبه الخشبي الكبير وأمامه مجموعة من الأوراق يتفتنهم بعناية، دلف أكرم بفرحة قائلًا
- وكدة خلصنا من أكبر شحنتين واسمنا سمع والطلبات علينا مش ملاحقينها ..

رفع زين عينه برزانة وثبات مردفًا
- تمام .. فريدة رشوان استلمت شحنتها !
جلس أكرم أمامه بتلقائية مرددًا
- كله ميت فل وعشرة ياهندسة .. إنما أنت مطلعتش سهل أبدًا، أنت عملتلها إيه عشان تطويها تحت جناحك كدة !
التوى ثغره جنبًا بابتسامة ساخرة وهو يتكئ للخلف قائلًا
- الستات دول كلهم عجينة واحدة، طول ماأنت عارف تشكلها صح هتكسبهم كلهم ..

هلل أكرم بإعجاب قائلًا
- والله يابني أنت مدرسة .. ما تعلم أخوك أي كلمتين كدة .. دانا بنت الجيران ساكنة قدامي ١١ سنة يازين مش عارف ألفت نظرها ..

أجابه بسخرية
- عشان غبي، الستات مش عاوزين لفت نظر .. دول عاوزين بلطجي يهجم على حياتهم ويملكها، عمر ما واحدة ست هتحبك وأنت متكتف ومقضيها نظرات، ادخل عليهم بقلب جامد ومهما كان عنادها وتمردها يومين بالكتير وهتلاقيها بين إيديك يامعلم .

أطرق أكرم بأسف
- عارف الفرق بيني وبينك إيه ! إني بدور على الاستقرار والأبدية مش علاقة ليلة وأقلب، وعمري ما هابقى مبسوط وأنا جابر واحدة على الحب، الحب لو مخطفهاش ليا من أول نظرة نبقى مش لبعض، شعور إنك تايه بتدور على حبيبك واللي منك وفجاة قلبك يلتفت لنصك الثاني اللي ضايع منك من زمان هو دا الحب اللي بيبدأ بنظرة وينتهي بحضن ومش العكس اللي بتتكلم عنه أنت حطب مش حب هو اللي يبدأ بحضن وتكسير وعفويو وينتهي بنظرة مشتعلة بنار الندم والحسرة .. فهمتني !

اعتدل زين في جلسته بعد ما تنحنح بخفوت متفهمًا مغزى كلمات رفيق قائلًا
- ياخي أنا كل ماأحاول أنسالك عملتك المهمببة بتفكرني ليه !

- لولا اللي أنا عملته كان مين هيلحق البنت اللي اتصفى دمها دي وبين الحياة والموت ! أنت ممكن تنسى أي حاجة إلا كسرتها ووجعها اللي أنت كنت سبب فيه .. بلاش توهم نفسك أنت مش ناسي أنت بترضي غرورك وكبريائك بس ..

اقتضبت ملامحه بضيق وضجر مردفًا بنبرة تحذيريه
- أكرررررررم ! متحاولش تهد علاقتنا عشان بنت لاراحت ولا جات ..
ضحكة ساخرة شقت شفتي أكرم مردفًا
- أنت اللي بتهد نفسك، أنا ياصاحبي معاك وأفديك برقبتي وعمري ما هسيبك حتى لو أنت سبت لإنى باقي عليك ومقدر حالتك .. اااه صح وأبقى روح القسم شوف القضية اللي رافعاها عليك ( جهاد محمود ) وبتدعي إنك أبو اللي في بطنها .. واجه نفسك يازين وامشي عدل عشان ربنا يفتحها في وشك .. عن إذنك هشوف اللي ورايا..

غادر أكرم وترك أمامه أبواب الجحيم على مصارعها، كلما يدير ظهره لباب يُفاجئ بالأشد أمامه، رج رأسه بقوة لتشتيت أفكاره التي لازال يتخطاها ويلقي بها في بئر النسيان ولكن إذا نسي العقل فما الحال لقلب لاينسى حبيب لمس صميمه !

فلا صوت يعلو فوق صوت العدل، فالعدالة تتبرأ من كل مكان يضعف العدالة في أي مكان، فهى الوسيلة الوحيدة التي تنتشل الظُلم من جذوره .

في جلسة المحاكمة الشاغلة ببضعه من الأناسي يتنظرون النطق بالحكم في قضية الزوج الذي قتل زوجته لصراع المال والتملك، يقف إسماعيل ذليلًا محاطًا بسياج حديدية يود أن تنصهر كي يظفر بحريته، يطرق رأسه بندم وحسرة، يشعر وكأن حقول صبار أفرغت في فمه فأصحبت الحياة ممزوجة بطعم العلقم ..

صدر الصوت اللعين الذي اعتاد على سماعه مردفًا
- محكمةةة .
ليتقدم القضاة خلف بعضهم مستقلين مجالسهم، وعضو النيابة العامة الذي يشعل الجلسة، ارتجف إسماعيل من مكانه منتظر النطق بالحكم وهو يعتصر من الداخل ويتصبب عرق الهلع والرعب..

شرع القاضي بالنطق بالحكم قائلًا
- وبعد الاطلاع على الأوراق وسماع شهادة الشهود، حكمت المحكمة حضوريًا وبإجماع الآراء على المتهم إسماعيل محروس القط بتحويل أوراقه إلى فضيلة المفتي .. رُفعت الجلسة .

نطق قاضي الأرض انتهاء حياته قبل قاضي السماء، المتبقي من أنفاسه قليلًا سيعيش مهددًا بالزوال بالرعب، بانتظار سجان الموت يأخده في أي وهلة إلى منصة الموت، سيعيش منتظرًا لأمر نظنه نحن في أغلب الأحيان وهم، من حكمة المولى على العباد لم يُخبرنا بميعاد لُقائه كي لا نعيش في أسر الحياة بدلاً من رفاهيتها، إن كنا نعلم متى سنقف أمامه لما خُلقت الجنه والنار .. الثواب والعقاب، تركنا نجوب الأرض ببراحها متجاهلين حقيقة ما ينتظرنا بالرغم من أنه يُرسل لنا كثير من التنبيهات يوميًا .

"وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ"

ترك لك مُتسع الحياة افعل بها كما تشاء ولكنك ستعود إليه آجلاً أم عاجلاً .. إننا على لقاء لم ندرك أوانه كن مستعد دائما ولا تغفل ولا تؤجل ..


في المستشفى

احنا سلطنا على عينيها كمية ضوء كافيه إنها تنور مصر كلها .. لكن مافيش أي استجابة إنها تفوق
أردف أحد الأطباء المشرفين على حالتها بأسف، فتلقى فريد قذائف كلماته بمرارة وحزن بالغ وهو يحاول استجماع شتات قوته، ربتت مارتن على كتفه بحنو مردفة:-
- هل يمكننا أن تستكمل علاجها بالخارج .!

أطرق الطبيب بأسف قائلًا
- نفس المجهود اللي بنعملوه هنا هيعملوه برة، وخصوصا إنها حامل وعدم استجابتها للعالج فيه خطر على صحة الجنين .

قذيفة نارية أخرى سقطت على قلب فريد مردد بصدمة
- حامل ! إزاي ! هى داليدا متجوزة ؟
رمقته زوجته بنظرة اطمئنان وهى تضغط على كفه برفق مردفة
- اهدأ فريد ..
أكمل الطبيب حديثه قبل مغادرته قائلاً
- الحل الوحيد عشان تفوق وجود أقرب شخص ليها، هيكون عامل أساسي في علاجها ..

انصرف الطبيب فاقترب عمر من فريد قائلاً بصوت طفولي
- هى ديدا مش هتفوق تاني خلاص ياعمو !
جثت مارتن على ركبتيها مرددة بحنو
- لا تقلق .. ستشفى قريبًا .
ابتعد الصغير عنها محاولاً إخفاء دموع عينيه، نصبت مارتن عودها مجددًا وهى تقول لفريد
- عليك أن تبحث عن أقرب شخص لقلبها ..
أردفت زينه ببراءة قائلة
- أونكل زين، هو الوحيد اللي هيقدر يفوقها عشان هى بتسمع كلامه ومش بتحب تزعله .

التفتا إليها الاثنان باهتمام فأردف فريد قائلًا
- زين دا اللي كنتوا في شقته !
أومت زينه إيجابًا، فنهض فريد مسرعًا
- أنا لازم أكلم دكتور عماد ..

في أحد أقسام الشرطة
- زين اللي في بطني دا ابنك وأنت لازم تصلح الغلطة دى ابننا ملهوش ذنب .

أطفأ سيجارته في المطفئة مرددًا بسخرية
- كله بمزاجك ياحلوة والله مضربتكيش على ايدك، وبعدين مش زين السباعي اللى يتجرجر على الاقسام بالطريقة دي .

وثبت قائمة بذهول وهى تقترب منه بتوسل
- هو دا كل اللي هامك ! وحياة ابنك وأنا في داهية ! زين أرجوك اتجوزني قدام الناس ٢٤ ساعة بس قبل بطني ما تكبر وبعدين أوعدك مش هتشوف وشي تاني .

دفعها بعيدًا عنه بنفاذ صبر قائلاً بصوت عالٍ
- أنتي اتجننتي ! أنا اتجوزك أنتي؟ وبعدين أنا مايشرفنيش أكون أب لابن من أم زيك .. أصل بصراحة اللي تسلم بسهولة متلزمنيش ..

رفعت كفها لتصفعة بمرارة خزي وسرعان ما شل حركتها بقبضة كفه الحديدية وهو يرمقها بنظرات تحذيرية مرددًا
- اقصري شري ياحلوة واتنازلي عن المحضر لأنك مش هطولي مني حق ولا باطل .
ارتجفت أمامه بهلع وهى ترمقه بعيون مُتراقصة، أصبحت أنفاسها تتزاحم لكي تخترق أنفها، بللت حلقها بسائل صباري يجوب بداخل فمها، في ذاك الوقت دلف الشرطي مكتبه مردفًا
- يارب تكونوا اتصالحتوا ..
ابسم زين ساخرًا
- ااه هتتنازل دلوقتي، اللي بينا أنا وجوجو ميستاهلش يوصل للمرحل ة دي، _ثم غمز لها بطرف عينيه قائلاً_
مش كدة ياروحي !"
رمقته بنظرات اشمئزازية ثم صرفت نظرها نحو سلاح الظابط الموضوع خلف ظهره بنظرات توعدية وهى تلهث تحترق براكين كلماته تتوق بداخلها، كرر الظابط سؤاله
- هتتنازلي !
أومأت إيجابًا بأسف وخزي ثم أطرقت بندم
- هتنازل ..


دكتور عماد أنا محتاج أقابل اللي مايتسم زين دا ضروري

أردف فريد جملته في الهاتف بنبره متلجلجة مختلطة بالقلق والهلع، انتفض عماد من مكانه قائلاً
- داليدا حصلها حاجة ؟
زفر فريد بحنق قائلاً
- داليدا حامل .. وصاحبك دا لازم يظهر أنت أكتر واحد عارف أهمي ة العنصر النفسي في حالة داليدا .. أرجوك يابني ساعدني ألحق بنتي ..

ارتبك عماد أكثر مدركًا مغزى كلمات فريد، مستنتجًا حالة الصراع التي تدور بجوف زين، وضع بين اختيارين أصعب من بعض، إنقاذ حياة فرد على حساب تسليم الأخر لصراع الموت .. انعقدت الأفكار حول رأسه كالسحابة السوداء، التزم صمته لبرهه، أطرق فريد بتعجب
- أنت معايا يابني !
تحمحم عماد بخفوت مردفًا
- طيب سيبلي الموضوع دا .. أنا هتصرف .
فريد بإصرار
- قولت لا .. هاجى معاك بنفسي، ساعة وهكون عندك .. سلام ..
أنهى فريد المكالمة قبل أن يتلقى أي جواب من عماد الذي تركه في دوامة أفكاره المتأرجحة.

وصل زين إلى مكتبه بعدما أنهى إجراءات المحضر الذي تنازلت عنه جهاد تحت إكراه زين وجبروته، جلس فوق مكتبه يعبث بهاتفه، يبحث عن شيء ما بعناية بالغة، وبعد برهه انحنى ليمسك بقلمه ويدون شيء ما باللغة الانجليزية، دلف أكرم عليه بقلق
- عملت إيه ! مش كنت تروحلهم بدل البوكس اللي جيه لحد هنا !

أضفىء نور شاشته ووضعه على وجهه فوق سطح المكتب مردفًا بنفور
- كل حاجه اتحلت خلاص ..
أكرم باهتمام
- إزاي !
- عادى ياأكرم فكك عطيتها قرشين تصرف نفسها بيهم، المهم أنا مسافر ..

صدمتان أشد من بعضهما ألقاهم زين على آذان أكرم، فتجاهل فيما يخص جهاد مردفًا بهدوء
- مسافر فين !
فكر زين لبرهه ثم أردف
- أمريكا .. في شغل مهم هناك وجديد وهسلمك أنت الإدارة لوحدك هنا، وأنا مش هرجع من برة غير لما أكون واحد تاني !

حاول استيعاب كلمات رفيقه الغير متوقعة قائلاً بنبرة مهتزة
- أنت واعي لكلامك ! إيه القرارات المفاجئة دي .
شرد زين لوهلة فأردف قائلًا
- ساعات بنضطر نغير أماكن عشان ننسى أوجاعها، وأنا مش هنجح غير لو سبت مصر، برة هلقى كل حاجة عاوزها بدون قيود، ويمكن دا السبب اللي مخلينا منتقدمش طول عمرنا وهو القيود ..

نظر له بدون تصديق متجاهلًا مغزى كلماته
- زين حالتك بتسوء !
رمقه بنطرة نارية محذرة
- أكرم متخليش قوة الصداقة مابينا تسمحلك تدخل في حاجة تخصنى !
ألقى عليه بسمة ساخرة قبل مغادرته
- وهى الصداقه فيها يخصك ويخصني ! براحتك ياصاحبي ..

اشعل زين سيجارته التي ينفث بها دخان احتراقه من الداخل فسقطت عينه على صورة مصغرة لداليدا ملقاه بداخل الدرج المفتوح جزئيًا أمامه قائلًا بنبرة ندم
- هرجعلك إنسان تاني !

وصل عماد بصحبة فريد أمام شركة زين العملاقة قرابة غروب الشمس واحمرار لونها الذي يحاوطهم من أعلى، دلفا سويًا من سيارتهما فردد عماد بنبرة شبه آمرة
- ممكن تسيبنب أنا اللي أتكلم معاه ..
تحركت شفتي فريد بضجر قائلًا
- تمام ...
اندفعا سويا إلى مكتبه بعدما تأكدا من وجوده بالداخل من حارس البنيه فوجدها شبه فارغه من حركة العمال، وعدم وجود مديرة مكتبه بمكانها، مط عماد شفته لأسفل مندهشًا ثم فتح باب مكتب زين بدون سبق استأذان، تراجع زين بظهره للخلف بمجرد اقتحام عماد لمكتبه قائلًا
- عماد ! في حاجة ..
شيء من الارتباك والحرج أصاب بدن عماد فأردف بهدوء
- محتاج أتكلم معاك شوية ..
أطرق زين بلا اهتمام
- مش فاضي عندي سفر بكرة وفي شغل كتير لازم أخلصه ..
رمق فريد عماد بنظرة لوم فأردف سريعًا
- يابني أنا بترجاك زي أبوك اسمعني بس ..
نصب عوده بقوة ليضع حدًا لحديثهم بنظراته النارية قائلاً
- معنديش أب، عماد اتفضل وخده معاك أنا مش عاوز أسمع كلمة من حد .
نفذ صبر عماد مردفًا
- زين داليدا بتموت فالمستشفى .. محتاجالك ! صلح اللي أنت عملته فيها بإنك توهبها الحياة، قلبها وعقلها مش قابل أي استجابة للعلاج، أنت الحاجة الوحيدة اللي لو حسها قلبها هيأمر عقلها يفوق ! البت في غيبوبة ليها أكثر من شهر .. حرام عليك ..

بتحركات ثلجية أمسك سماعة هاتفه ليضغط على زر الإتصال بالحرس
- ابعتوا حد ياخد الناس دي من هنا .
انفعل عماد أكثر مما جعله يتحدث متسلحًا بزيه الطبي قائلا بنبرة تحذيريه
- زين أنت كدة بتجبرني اتصرف معاك كدكتور ومريضه ! أرجوك ما تجبرنيش على حاجة أندم عليها ..
أكمل زين حديثه بالهاتف وهو ينظر لهما بشموخ قائلاً
- بسرعة يابني عشان أنا مش فاضي للأوهام دي !
ثم رفع عينيه نحوهم بتحدي
- بقول تتفضلوا من غير شوشرة .
فريد بانفعال
- أنت شيطان ! بنتي بتموت وحامل في ابنك وأنت رافض حتى تساعدهم .

تقاذفت على آذانه كلمة حامل كحجارة سجيل فعصفت بقلبه كالتبن المنثور، اقتحم رجال الأمن مكتب زين فأردف أحدهما وكان سبب في إيقاظه من غفوته
-أوامرك يازين باشا ..
تجاهل تناثراته الداخلية مردفًا بقوة
- وصل البهوات لبرة ..
صرخ عماد بوجهه
- بتخليني أندم إني اتعاملت معاك من باب القرابة وظنيت إنك ممكن تخف بالحسنة، بس شكلي ارتكبت غلطة مشواري الطبي كله مستحيل يغفرهالى .
رمق زين رجاله بنظرة آمرة فهموا مغزاها، فأمسك أحدهم بذراع فريد والأخر بذراع عماد .. استدار زين بجسده ليبعد أنظاره عنهما منتظرًا خروجهم، فمجيئهم كان بالنسبة له مفاتيح اخترقت أبوابه المغلقة بداخله، شرخ ما بقلبه يؤلمه، مقتطفات من فيلم سنيمائي تدور أمام عينيه متذكرًا لحظاته المعسولة معها، تغنجها بدلال بين ذراعيه كطفلة مدللة للتو ارتمت بداخل أحضان من أرادت، صدى صوت ضحكتها كان كافيًا أن يشطر قلبه ألف شطر، شعاع حب منبعث من عينيها لم يراه من امراة غيرها، يقال أنها التهبت به حبًا حتى أضاءت ولكن كان يرى أنه اشتعل بها عشقا ككرة ملتهبة فخشي عليها من الاقتراب لكي لا تحترق ..

مرت عدة دقائق بعد ما انصرف عماد وفريد بتأفف وبغض، على أعتاب باب مكتبه بصوت عالي  مجريًا عماد مكالة هاتفية لإحدى المستشفيات النفسية التي يعمل بها قائلاً بنبرو لاهثه آمره قاصدًا إيصالها لآذان زين
- تجهزولى عربية بأكبر عدد ممرضين ممكن وأنا جاي حالًا ..


في المساء
وجود حضرتك مع المريضة مالهوش &ي فايدو، حضرتك ممكن تتفضل دلوقتي وتيجوا الصبح
أردف الطبيب المُعالج لداليدا جملته الأخير ة وهو يخرج من باب العناية .

اقترب فريد منه بصدمة
- احنا موجودين معاها طول الوقت ! إيه اللي جد يعني .. أنا مش هقدر اسيب بنتي .

زفر الطبيب بنفاذ صبر مردفًا
- أنا مقدر الحالة اللي حضرتك فيها، بس وجودك معاها مش هيفيد بحاجة، ولو كنا وافقنا على وجود حضرتك هنا دا عشان مقدرين قلقك على بنتك، لكن هنا مستشفى ليها قواعد وقوانين ..
ثم رمق الممرضه بنظرة آمره قبل مغادرته، ربتت مارتن على كتفه قائلو بحنو
- فريد هيا بنا الآن وسنعود إليها في الصباح لأجل الصغار يبدو عليهما الإرهاق الشديد .
نظر إليها بعيون دامعة وأوشك على الحديث ولكنها قطعته
- سنعود الصباح .. هيا الآن .
طأطأ رأسه بخُزي ثم تأهب للمغادرة وهو يمسك بكف إخوتها الصغار بحنان، أردفت زينه ببراءة
- هى ديدا هتمشي وتروح عند ماما ؟!
نظرة أسف سيطرت على ملامحه مردفًا بيأس
- ادعيلها ..

انصرفوا جميعًا من باب المستشفى تحت أنظار الممرضة التي تترقبهم بحرص، وبمجرد مغادرتهم أسرعت نحو غرفة الطبيب قائلة
- يادكتور أهلها مشيوا خلاص ..
وجه الطبيب حديثه نحو زين قائلًا
- اتفضل يابشمهندس مع الممرضة .
لوهله شعر بأن قلبه ينخلع من موضعه، طافت عيناه يمينًا ويسارًا محاولًا استجماع شتات قلبه المُتناثر قائلًا وهو يستعد للمغادرة
- أنا متشكر أوي إنك قدرت الحالة اللي أنا فيها .
ابتسم الطبيب مجاملاً
- المهم عندنا صحتها .. أتمنى كل دا يجي بفايدة. ..
التقط نفسًا طويلًا وهو يكور أصابعه بقلقٍ بالغ ويتبع الممرضة نحو غرفتها ذكرى خاطفة تابعت ذهنه للحظاتهم الجميلة سويًا وقتما كان يلعب على أوتار الحب ليظفر بلحن انهيارها أمامه...

تاااابع ◄