-->

رواية الحرب لأجلك سلام الفصل الرابع

 

 

 تعلم أننى اكتب واعلم انك لا تقرأ .. فدعنى استغل الفرصه واخبر الجميع عنك .. رجل يشبه فى جماله كمطلع القصائد .. وفى حديثه انتشاء رهيب كاستماعك لاغان مطربك المفضل .. حضروه طاغى وغيابه  مهلك .. ضمتنا الصدف  وفرقتنا اوهامنا ..  الرجل الوحيد التى اريد ان اكتب له على الطرقات وبأغلفة كتبى واعترف له أن بمجيئه تغيرت الاقدار وتغيرت أنا .. رجل يمثل هدوء القلب وصخبه فى آن واحد ‏أريد أن يتوقف كل هذا القلق، أن يعود قلبي هادئًا كما كان لا بغيابه بل بوجوده الفريد .



وقفت رهف عند باب المكتبه مصدومه محاوله استعاب ما سبب صوت الرصاص الذي زلزل الجدران .. تترقب أنظارهم المتبادله باندهاش .. فقطعت صمتهم قائله
- ابيه .. انت ضربت نار !!
لم يحرك الا انظاره نحو اخته لازال محافظا على ثباته .. فقال
- خلصتى العشا !!
ارتبكت اخته وتلعثمت الكلمات بحلقها
- اصل ماا .. اول ما سمعت صوت النار جريت ووو قولت .. اقصد يعنى خوفت تكون قتلتها. .

ابتسم بهدوء وهو يرمقها بعيونه الصقريه
- هيحصل .. لو ماسمعتش كلامى وفضلت عاقله كده ..
تحركت ببسالة كالجندى الذي ينزل ساحة الحرب حاملا روحه على كفه قائله بتحدٍ
- العقل مع المجانين قلة قيمة ..
رفع رأسه بشموخ مردفا
- شكلك حابه  الرصاصه التانيه تكون فى دماغك .
- ولا تانيه ولا  تالته .. خلصنا انا ماشيه وسايبهالك خاااالص ..

تحرك ليغير موضع اطار معلق ويضعه مكان الرصاصه متجاهلا تهديدها الذي لا يحرك إنش بقلبه
- اتفضلى .. هتحايل عليك يعنى !! بس بشرط ..
تقدمت خلفه متردد حتى اصبحت المسافه بيهم متر قائله بعناد
- وفر شروطك انا كده كده همشي ..
ابتعد خطوه للخلف ليترقب موضع الإطار الجديد .. ثم استدار اليها
- تبقي غلطانه ومتعرفيش مين هشام السيوفى ..
صمتت لبرهه ثم اردفت  : اى شرط حضرتك !!

لازالت رهف تراقبهم باهتمام ولكن زاد اهتمامها إثر جملة فجر الاخيره .. فزمجرت رباح صوت هشام هاتفا
- رهف روحى شوفى وراكى ايه !!
لم يكرر جملته كانت اخته اختفت من امامه .. فدار بانظاره لتلك التى لا تخشاه .. تقف امامه ثابته قويه ذلك النوع الذي يجد فى حديثه لذه تنتشي بها حواسه قائلا بتحدٍ
- القلم بتاع القسم...يترد !! اصلها ديوان وانا مش بحب حد يكون له عندى حاجه !!
انكمشت ملامح وجهه بامتعاض ولمعت اعينها ببريق الخوف تلك المره وسرعان ما قطعت حبال الصمت قائله بشجاعه
- اتفضل ... خد حقك !

عقد كفيه خلف ظهره وهو يشد عوده القوي واقترب منها هامسا بصوت كفحيح الافعى
- للاسف مش بمد ايدى على ستات ..
زفرت باختناق : اول مرة اقابل شخص يبقي مش فاهم هو عاوز ايه ..
- وانا كام مره قولت مابحبش الفلسفه الزياده !!!
- كده متفقين .. هريحك منى ومن فلسفتى ، سلام ياهشام بيه ..

تقلصت المسافة بينهم وهو ينظر لها بازدراء فلفحت انفاسها الحاره ملامحه المثلجه بدماء المكر متخذه قرارها بالرحيل على الفور .. توقف إثر صوت الاسلكى الخاص بهشام
" هشام بيه .. هشام بيه"
اقترب من مكتبه ولكن انظاره لازالت تحرق صدرها .. فرد متأففا
- معاك .. حصل ايه !!
- فى واحد على البوابه ومعاه غفر كتير واسمه زيدان نصير وعاوز  يقابلك ..
توقف خطاويها و اتسعت عينيها من هول ما تلفظ الحارس بها مستديره بجسدها إليه .. قائله بخوف يمزقها لاشلاء
- زيدان !!

تجاهل فزعها لوهله فاجاب الحارس: دخله بس ابعت رجاله معاه ..
ثم القى الاسلكى جنبا واقترب منها  بنظراته الفاحصه سارقا الكلام من شدقيها
- وقفتى يعنى !!
بنبره متغلفه بالخوف حنى اوشكت على البكاء  : هو عاوز اى  !! انت اللى عرفته مكانى!!
مال على أذانها ليبوح لها بسر : عيب لما تكونى فى حمايه هشام السيوفى وتفكرى كده او تخافى !!

تركها بعد ما القى عليها مطر الاطمئنان ، ولكنها استسلمت للبكاء وتركت عبراتها تغسل وجهها جميعنا من نجتاح لماء نقي يتسلل قلوبنا ليغسلها غائصه فى اعماق حيرتها وسريعا ما نفضت تلك الافكار عن رأسها وركضت تتوارى خلف النافذه لتترقب سبب مجيئه ..
وصل هشام للباب فتوقف إثر نداء رهف المهزوز
- فى ايه يا ابيه ..
- روحى صحى مجدى ...

اومأت بطاعه واسرعت الخطى وعلى حدى فتح هشام الباب  كالاسد الخارج من عرينه مزمجرا بمكر
- بقي زيدان نصير بجلالة قدره منورنا!!
دلف زيدان من سيارته وهو يهندم سترته قائلا
- ماهو ماينفعش تمشي من غير ماتسلم علينا !! فقولت اطلع انا اجدع منك واجى اسلم عليك بنفسي ..
شمر كم قميصه وهو يهبط درجه من السلم
- ده العشم بردو ياجناب العمده !!
اقترب زيدان منه مخترقا صفوف غفر
- وعلى كده اتنقلت فين  !!

بثقه اردف هشام : وهو اللى بلغك انى اتنقلت ما قالكش روحت فين !!
صمت زيدان لبرهه وهو يتفحصه بنظرات ماكرة وابتسامه خبيثه
- اااه .. لا قال لى يا ولد السيوفى .. عموما انت قدها وشمال سينا هتنور بيك !!
وقف هشام مقابلا له متحديا
- والله انت اللى نورتنا بزيارتك المفاجأه دى ياعمده ، كان نفسي اقولك اتفضل بس اصلنا بنام بدرى ..

يثق هشام بأن مجيئه لا يثير العواصف ولا يصنع الدوامات وماهى الا رساله كان قاصدا ان يوصلها له بشخصه .. فقطع ذيول سمه بالانهاء السريع للقاء  .. تحمحم زيدان قائلا
- عداك العيب المره الجايه نجيوا بدرى هباب ونتغدوا عشان يبقي مابينا عيش وملح ..
بسخريه وقوة اردف هشام بصوت خفيض
- والله ياعمده مجيتك تزيدنا شرف .. بس احنا  مستغنين ...

آهات مُلتاعة صاحبة نبرة المرتعشه إثر حاصرها القلق من كل صوب وحدب بسبب قوة هشام التى تأكدت منها للتو .. تتواري خلف الستائر بخوف يقرضها على مهل تترقب النيران المتقاذفه من اعينهم ..
احيانا يأتى وقت يجبرنا فيه اننا ننحنى لكى تمر العاصفه ، قدر زيدان حجم خصمه ولازال محتفظا بثباته الى أن تراجع للخلف مناديا على رجاله
- يلا ياولد ... خلينا نعاودوا كده احنا عملنا الاوصول !!

وضع كفيه فوق حزامه الجلدى قائلا
- نورتنا ياعمده ...
تقهقرت جيوش زيدان وراء بعضها وجر الاخير ذيول خيبته متوعدا وهو يتكأ فى سيارته بالمقعد الخلفى
- كيلك طفح ياولد السيوفى ....

- بجد يادكتور زياد تعبتك اوى معايا النهارده .. مش عارفه من غيرك كنت هعمل ايه ...
وصلت نور امام غرفة والدها بالمشفى مردفة جملتها الاخيره بامتنان .. فبادر زياد قائلا  
- انت مش لسه قايله أن باباكى ملهوش غيرك .. فدلوقت مابقاش له غيرنا ولا ايه !!
ابتسمت بهدوء معلنة قرارها
- طيب تعالى اعرفك على بابا .. وبشكرك بنفسه .

لم تترك له نور فرصة للرفض .. مسكته من كفه وسحبته خلفه مهلله بفرح
- الف مليون سلامه عليك يامعالى المستشار .. كده تخضنى عليك !!
تركت يد زياد واندفعت على والدها لتحتضنه وبعد تبادل السلامات والقبلات .. ابتعدت عنه هاتفه
- ويلا بقي ممكن حضرتك تشكر الدكتور زياد على وقفته معايا ..
ابتسم زياد بعرفان
- ملهوش لازمه والله .. دى الانسه نور بتبالغ بس ..

تدخلت سريعا : لا والله يابابى دكتور زياد مسابنيش لحظه وكمان رفض انى ادفع حساب المستشفى ..
رمقه والدها باعجاب : لا ماهو الكلام ده مايصحش بردو يابنى ..
- باعمو اهم حاجه سلامة حضرتك ..
اعتدل المستشار قدرى من نومته قائلا بنبره رسمه
- انت من القاهره!!

شرع زياد ف أن يعرفه بنفسه قائلا
- نص قهراوي على نص اسكندرانى كده .. انا من عيلة السيوفى .. وامى مادام عايده النورماندى ص
خطف الكلام من على شدقه قائلا
- استنى استنى يعنى عمك منير السيوفى !! محافظ البحر الأحمر!!
تبدلت ملامح زياد قائلا بتوتر مخفى
- اااه بالظبط معاليك ..
- لا داحنا طلعنا قرايب بقي !!
نور بفرح : بجد يابابى !!

- جدتك صفيه من عيلة النورماندى...تعالى يازياد يابنى اسندنى للحمام .
استجاب زياد لطلبه ووصله لمقصده ثم عاد متوعدا لنور
- انت ماقولتيش ليه ان ابوكى مستشار !!
انفجرت ضاحكه بصوت مكتوم : هتفرق ف ايه !!
- الا هتفرق كتير ... اسكتى انت ..
- سيبك انت .. انا مبسوطه اوى اننا طلعنا قرايب ..
زباد بحسره : وانا هموت من الفرحه ..

"يامجـدى بطل هزار وقوم اصحى متسبش هشام اخويا لوحده مع الناس دى "
نفذ صبر رهف من إفاقه مجدي الغائص فى بحور بنومه ..فزفت جملتها الاخيره باغتياظ ..فاجابها وهو يضع الوساده على  راسه قائلا
- اخوكى ده يخوف العفريت .. مايتخافش عليه .
- والله يامجدى رخم .. وما عندك دم ..
رفع الوساده من على وجهه قائلا بغضب مصطنع : فكرينى لما اصحى ابقي احاسبك على طولة اللسان دى .

وقفت معانده وهى تضع يدها فى خصرها قائله بثقه
- اهو كلام .. كلكم بتوع كلام وبس ..
بحركه رياضه متمرسه نهض مجدى من فراشه حاملا جيوش غضبه على كتفه يرمقها بنظرات مفترسه وهو يقترب منها  .. تراجعت بظهرها للخلف وهى تردف بتوتر
- ايه ده انت صحيت !! انا كنت بهزر معاك على فكره وووووووو
ثم هتفت صارخه وهى تغادر غرفته : يااااااااهششششام ...

غادر زيدان منزل آل السيوفى .. وعاد هشام الى البيت مره اخرى فى منتهى الهدوء , فوجد اخته تركض من اعلى وبمجرد ان رأته هدأت خطواتها قائله بارتباك
- ابيه !! مجدي مرضيش يصحى والله العظيم .. وووو هما مشيوا صح !
تجاهل حديث اخته وامتدت انظاره الى تلك التى خرجت من الغرفه بنظراتها المنتفضه وجسدها المرتعش قائله
- هو كان عاوز ايه !!
استدار الى رهف وبنبره قويه : هو أنت مش ناويه تعشينا الليله دي ؟!

كالطفله شحب وجهها وهى تركض امامه قائله بترجى : والله خلصت خلاص .. اقعد وانا هجيب الاكل واجى على طول ..
كررت فجر سؤالها ولكن بنبره اعلى : الزفت ده كان عاوز ايه !!
التوى ثغره ساخرا وهو يتحرك نحو الطاوله قائلا
- كان عاوز يوصلى رساله انك موجوده هنا وهو عارف وهيكرر زيارته بس المره الجايه ناوي على ضيافه !!
تابعت خطاه متحديه وفى نفس اللحظه اتت رهف بطاولة الطعام ووضعتها امامه
- انت بتكلمنى بالالغاز ليه !!

شرع فى تناول عشائه ببرود : انت مش كنت ماشيه !!
طافت مقلتيها بحيره : اااه .. بس عاوزه افهم الاول ..
رد بهدوء وهو يتناول ثمره الخيار : مش مهم
ثم رفع نبرة صوته عندما رأى مجدى دلفا حينها من اعلى : هو الواحد لا يعتمد عليك خالص !!

زفرت فجر باختناق وعزمت امرها على الرحيل حتى وصلت الى باب الفيلا فبطئ خُطاها شيئا فشيئا وتكاد انها بدات تتراجع .. ظلت تحت انظارهم طويلا حتى عادت مره اخرى موجهه حديثها لهشام مطرقه بخجل
- طيب هو انا ممكن اقعد للصبح .. عشان زيدان ده ممكن يكون سايب رجالته بره ووكده يعنى ..
اتسعت ابتسامه هشام التى لا يعرف سببها ربما شعوره بالانتصار ام فرح بعودتها لان بداخله شيء ما يأبى رحيلها .. اقترب مجـدى من رهف هامسا
- ابقي مفهمش حاجه لو البت دى مجابتش اخوكى على جدور رقبته ..
لكزته فى كتفه باغتياظ : طب وطى صوتك عشان لو سمعك هيطيرلك التلات نجوم اللى فرحان بيهم ..

( صباحا )
هناك فتاة جميله ذات الشعر الغجرى المصبوغ باللون الاشقر تمجد حبها بالرسم كأنه سلاحها الاوحد الذي تحارب به روعة قلبها  الذي فاض حبا .. لم تمتلك الا فرشاه تُشكل من قطرات عيناها وجعا مرسوما..

تقدس الجلوس فى حديقه المنزل صباحا والكل نيام لتتخلص سرا مما نقشه الليل من شوق على جدار قلبها هذه الفتاة التى تعمد الحب ان يتجاهلها لترتشف كوب من القهوة الخالى من سكر الحضور وتعود لتستكمل لوحتها التى ينفرد بها اللون الاحمر لتجعل كل من يقف امامها يتسائل " اهذا حبا ام حبرا " ولكن فى الحقيقه هو دم تسرب من بين اصابعها ليتخلص من لعنة والحب ولكن كيف التخلص من شعور فكرة النقص منه زياده !!

ان غرقت كاتبه بالحب ستمنحك وسام الخلود بين حروفها .. فالحروف لا تموت وان مات اصحابها .. وان غرقت فنانه بك تكتفى بأن ترسم اوجاعها فقط  فحبها اسمى من ان يدون او يرسم وكأنه شيء له قديسيه لا تسمح لالسن الفرشاة ان تنناقله فالحب بالنسبه لها كضمة رحم تجعلك دافئا طول عمرك ..فكل شيء يختلف حسب الطريقه التى تنتظر بها الشيء ذاته .

واصلت بسمة رسمتها العشوائيه التى تبدو فى صوره مُخيفه ربما يعكس ما بداخلها حتى فاقت على صوت رجولى كظيم من الخلف قائلا
-  مستنيانى !
تجاهلته انظارها مزفره بضيق قائله بسخريه
- من حبك مش عارفه انام الليل ..
استند على جدار لوحتها قائلا بثقه
- منا عارف ..
انعقد حاجبيها : عارف ايه !!

بسخريه واصل حديثه : انك مش بتنامى الليل !!
انكمشت ملامح وجهها : زياد روح شوف وراك ايه ..
جذب كفها الملطخ بالالوان الى ثغره ليطبع عليه قبله خفيفه
- احنا ليه علاقتنا مابقيتش زى زمان!!
سحبت كفها بقوة وهى تردف من خلف فكيها المنطبقين
- زمان ده لو رجع انا هحرق فيه تفاصيل كتيره واولهم انت !!
اشتعلت دماء الرجل الصعيدى فى راسه قائلا
- ماتجيش تلومينى على حاجه انت اختارتيها بمزاجك ..

اقتربت منه متعمده خفض صوتها الذي اشتعل بالغضب
- بين الخطأ والصواب يقظه العقل .. ووقتها قلبى اللى كان سايق ..
- يبقي متلوميش غير نفسك .. انا ما أجبرتكيش على حاجه يا حلوة ..
الصبر على الهوى أشق من الصبر في المعركة وأعظم أجراً .. تكدست الدموع فى قنواتها الدمعيه مردفه بحزم تسترد به كرامتها قبل ان تتركه وتغادر
- بكرهك يا زياد .. وبكره اليوم اللى اتكتبت فيه على اسمك ..
تركته بعد ما فتحت جروحه الداخليه وهو يركل كل ما يعوق طريقه باغتياظ عابثا بانامله ف خصيلات شعره بغضب .. يكفيك من الحب برد الاطمئنان ويكفيك من البُعد نار الوجع ولكل خطا ضريبته ...

- انت رايحه الجامعه !
القت فجر سؤالها بتردد على آذان رهف التى شرعت فى ارتداء ملابسها .. فاجابتها
- بصي البيت كله هيفضالك ياجوجو .. متقلقيش مفيش حد هيضايقك ..
- طيب حتى بسمه خارجه !!
- اكيد عندها نبطشيه .. بصي انت خليك فى اوضتى هنا متخرجيش وماما فى الشغل وهتتاخر .. وهشام عنده اجتماع فالوزاره .. وزياد مممم مش محتاجه اقولك ..
فاردفت فجر : طيب ممكن متتاخريش !!
لملمت رهف اشيائها وهمت بالغادرة وهى ترفع شعرها على هيئة  ذيل حصان بانسيابيه وتقفل الباب خلفها
- باي باى يا جوجو..

ظلت تجوب الغرفه ذهابا وايابا الى ان وجدت كتابا لاحسان عبد القدوس  فعزمت امرها على أن يونسها وحشيتها .. لم تدرك كم مر من الوقت إثر ما سلبه الكتاب من عقلها .. ولكنها انتفضت مذعوره إثر نداء ذلك الوحش الذي اهتزت له الجدران .. ظل ينادى على رهف مرارا وتكرارا دون جدوى ... اغلقت الكتاب الذي بيدها ثم خرجت مقاومه جيوش الخوف بجوفها
- رهف راحت الجامعه ..

زفر باختناق قائلا : وبسمه !!
- نزلت المستشفى .... فى حاجه ..
اعتلت نبرة غضبه : اه ان البيت مكركب وفى ضيوف جايين بعد ساعه ومش هلحق اتصل بخدامه ..
فكرت للحظات ثم قالت
- خلاص انا هنزل ارتبه ..
صمت لبرهه ثم اردف بنبره متملكه
- وانت اصلا ازاى سايبه البيت كده !! انت هتعملى فيها ضيفه بحق وحقيقي!!
عزمت امرها وهى تدلف من اعلى بخطوات واسعه
- انا هعمل كده عشان ده كرم أخلاق منى مش عشان حضرتك امرت ..

بمنتهى الهدوء الذي يسبق العاصفه
- وايه كمان !!
تراجعت متدليه اجنحه تمردها
- هما الضيوف هيقعدوا فين !!
بنبره آمرة القى عليها جملته
- نضفى هنا واوضة المكتب مش قدامك غير ساعه ..
جزت على فكيها اغتياظا وهى تحرق ظهر الذي صدره  بانظارها متأففه
- صبرنى عليه يارب ...

فى مصنع عايده دلفت السكرتيره الى مكتبها الفخم قائله
- عايده هانم .. فى واحده بره عاوزه تقابلك ..
رفعت عايده انظارها عن الاوراق التى بيدها
- فى معاد سابق !!
هزت مديره مكتبها راسها بالنفى
- للاسف .
االقت عايده القلم من يدها بغضب : ما انت عارفه التعليمات ياهاجر ..
هاجر مبرره : والله عارفه .. بس هى مصممه ..
- هى اسمها ايه !!

فحصت هاجر الاوراق بيدها  : اسمها مهجة الصياد .. وباين عليها ست تقيله اوى ..
اتكات عايده بظهرها للخلف
- تقيله ازاى يعنى !!
- معرفش بس الحرس والدهب والعربيات .. باين عليها مراة شخص مهم ...
- طيب دخليها يا هاجر ... اما نشوف اخرتها ..

القى الصغير القلم من يده موشكا على البكاء
- ياخالد هو الكلام اللى بينزل تحت السطر لوحده !
ابتسم خالد ابتسامه شاحبه : لا نجمد كده ونثبت ايدنا !!
اردف ايوب باختناق : لا هو القلم اللى وحش .. انا هكتب بقلمك ..
داعب خالد شعر ايوب ممازحا : اكتب بقلمى ياسيدى لما نشوف اخرتها ..

عاود ايوب محاوله الكتابه ولكنه فشل كعادته واتخذ الكلام منحنى اخر كان سببا فى انفجار خالد ضاحكا ..  زفر ايوب بنفاذ صبر
- طيب اعملى نقط وانا همشي عليها زى ما خديجه كانت تعمل ..
طلب بريء من طفل كان كافيا ان يشعل الحزن بقلبه مرة اخري .. اغمض عينه للحظة ليمنع قنواته الدمعيه من الانسكاب إثر ما فاض بها ولكنه قال بابتسامه مزيفه
- تيجى نلون !!

- اااه يلا نلون ... فجر كانت بتحب تلون قوى  
اطرق خالد بمزاح يخفى خلف جبال الهم قائلا
- انت حد موصيك عليا ياايوب النهار ده!!
بلماضه اجابه خالد : عشان فكرت بفجر ..
داعب شعره بحنان : فجر ما تتنسيش يا ايوب ..

" ولقلبى عزيزا لايزل نافرا فكيف لى ان اجيبه ولو ادفع الثمن نصف عمرى والنصف الاخر فهو له !!"
واصل ايوب اسئلته قائلا : انت مش بتحبها .. متجوزتهاش ليه !!
- عشان هى ما حبتنيش !!
- بس هى حبت ابوي ..
- وانت اي عرفك يافالح !!
- ما كانت هتتجوزه!! يبقي حبته ؟!

اتسعت ابتسامه خالد الخارجه كالزهر من صخور الحزن
- انت جبت اللماضه دى منين ياض انت .. بقولك اى كفاياك كده وتعالى نركب خيل ..
تعلق ايوب على كتفه مهللا : يعيش خالد ...
العواطف كالعواصف كلاهما يهبا بنا الى حيث لا نهوى فلا نجد سبيلا سوى الهرب متوارين خلف انشغالات الايام...

مرت حوالى ساعه كانت فجر انتهت من تنظيف ما امرها هشام به .. وتلملم ادوات النظافه وهى تلتقط انفاسها بتعب ويتصبب العرق من مسام جبهتها .. وف تلك اللحظه خرج هشام من المطبخ بعد ما اعد لنفسه كوب من الشاى الثقيل وهو يفحص حالة البيت الجديده قائلا بتناكه
- احييكى .. خلصتى فى معادك بالظبط ..

اعتدلت فى وقفتها وهى ترمقه بشموخ
- اعتبرها رشوة  مقدمه عشان  تنفذلى طلبى ..
اخذ نفس من سيجارته وهو يتكأ على سور السلم قائلا
- بتساومينى يعنى !!
تركت ما بيدها ودنت منه بعدما اُصيبت بقشعريره خفيفه اجتاحت جسدها .. ازدردت ريقها بخوف
- عاوزه ازور ابويا ..
صمت للحظه قائلا : ولو رفضت !
انتابتها عاصفه من الخوف رجت قلبها تحديدا
- وهترفض ليه ..

- عشان انا شايف الصح دايما ..
صراع عنيف اندلع بداخلها : انت مش شايف اي حاجه اصلا ..
اتخذ نفسا طويلا من سيجارته متطلعا اليها بنظراتها الثاقبه
- بلاش تتعدى حدودك معايا ..
صاحت بصوت مجلجلٍ:
- طالما على حق مفيش اى حدود هتهمنى ...

لم يبد اى ذرة اهتمام بصوتها المرتفع  ولكنه اكتفى بأن يسقط كوب الشاى من يده متعمدا حتى ارتطم بالارض متناثرا هنا وهناك ..استمتع بطعم الانتقام حيث كان لذيذا وهو يرى عيونها المتوهجه بنيران الثأر يراها تتقلب كالمد والجزر.. وقف منتظره ردها وهو يقول
- نضفيها ..

وخز قلبها باشواك العند معلنة عليه الحرب وهى تنحنى قليلا لتسكب دلو الاناء المتسخ ارضا مردفه جملتها ببسالة قائد فى قلب المعركه ُململمه امانه ضحايا كرامتها
- نضفهم انت بقي ..
وسرعان ما تحولت الى قطه اليفه تأكل خطاوى الارض لتأمن من عدوها .. وقف مصدوما من رد فعلها الغير متوقع .. عاد ندائه عليها  مرارا وتكرارا دون جدوى حيث انها ظفرت فى احكام غلق غرفة رهف .. وفى ذات اللحظه رن هاتفه فارد قائلا بتافف.

- ايوه ياعم مجدى
- هشام انا عالبوابه مع اللواء نشأت وباقي الظباط ..
جهر صوته مناديا عليها وهو يصعد لاعلى محذرا
- قولت انزلى نضفيهم والا هطربق الباب فوق دماغك ..
وقفت خلف الباب معانده
- بدل ماانت هتكسر الباب كده وتضيع وقت انزل نضفهم ياسياده الرائد ..

كسا الوجوم ملامحها : ورب العزه ما حد هيرحمك منى .. بس افضالك ..
كتمت فجر صوت ضحكتها وهى تقفز كالطفله بالداخل وبجوفها شعور بالانتصار عجيب .. حتى سقطت صورتها امام المرآة
- هو اللى بدا .. الصنف ده مش عاوز اللى يحترمه ..

عاد هشام سريعا لموقع الجريمه محاولا اخفائها بكل الطرق بسرعه وبخطاوى تنافس البرق .. ابتلت اطراف بنطاله وشحب لو حذائه الاسود وهو يتوعد لها .. نجح فى لملمت ما هو ظاهر سريعا ممسكا بالأشياء والقاها امام باب المطبخ .. فارتفعت انظاره لاعلى إثر ضحكتها التى  انطلقت على هيئته المضحكه .. فالقوة لا تعنى مناطحه الرجال بل هزيمتهم بأقل الحيل .. عض على شفته السفليه بغل يود ان يضعها بين فكى انيابه ومن حسن حظها نجت من براثن شروره على صوت مجدى وهو يتقدم الضيوف قائلا
- اتفضلوا اتفضلوا ... يا هشششام ..

- قولت ايه  يا ست عايده !!
اتكات مهجة للخلف وهى تلقى اخر جملتها على آذان عايدة المصغية لها .. فسرعان ما راق لها الكلام فبادرت الرد بابتسامه اتفاق قائله
- عرض ما يتفوتش يا مهجة هانم ..
- يبقي اتفقنا .. الصعيد كله هنغرقه بماركة النورماندى .. وبدل ما نصدر بره وبس تبقي بره وجوه والتوذيع عليا ..
عقدت عايده ساعديها امام صدرها وهى ترجع بظهرها للخلف
- طول عمري عاوزه اعمل كده .. بس ملقتش اللى يشجعنى على الفكره .. دانت جتيلى من السما ..

وسرعان ما اخرجت مهجة شيك ورقي واعطته اليها قائله
- وده مبلغ اتفاق ما بينا على بال ما نمضي العقود ..
غزت الدهشه عقلها وهو تقرا قيمة المبلغ قائله
- بس ده كتير اوى ..
مهجه بضحكه انتصار : منا لسه قايله الشغل كتير يا عايده هانم ..
- اتفقنا ...

فى غرفة المكتبه عاد هشام بعد ما بدل ملابسه معتذرا وهو يسحب كرسي الطاولة التى ينعقد فوقها الاجتماع
- اسف على التاخير يافندم ...
اردف اللواء نشات برسميه : مش مهم يا هشام اتفضل ..
تدخل مجدى سريعا فى الحوار
- طيب دلوقت ياجنيرال بنقل هشام كل مخططنا نزل على مفيش .
- ده السبب اللى مجتمع بيكم عشانه .. مجدى ومدحت قدمت طلب نقلهم لبنى سويف ..
مدحت باهتمام  : اوامر معاليك يافندم .. بس اى المهمه المرة دى ..
اتكئ اللواء بظهره للخلف
- تختلف ...

لازال هشام يراقبهم بصمت باهتمام .. فواصل اللواء نشأت وهو يمد لمجدى هويه جديده
- خد يا مجدى .. انت من النهارده النقيب آدم فياض .. هوية ولاد السيوفى لازم تختفى نهائيا من بنى سويف  ..
تبادلت الانظار فيما بينهم حتى عششت الحيره فى عقولهم .. فاكمل اللواء قائلا
- مجدى ومدحت مش هيمشوا على نهج هشام ..
مجدى : بمعنى ..

- انتوا هتروحوا عشان تبقوا يد العون والسند اللى فى القسم لزيدان .. لحد ما نوصل من خلاله على مقر الخلايا الإرهابيه اللى بيمولها .. لو كان خاف من هشام .. فاحنا مش لازم نحسسه بده معاكم ...
رد مدحت بتفهم : من الظباط اللى بتبيع ذمتها وكده ..
اومئ اللواء بالايجاب فبادر هشام بالرد
- وده اللى فشل يعملو معايا زيدان طول التلات سنين اللى فاتو ..

ثم مد اوراق اخرى لهشام بصمت تاركين لاعينهم زمام الامر .. فتفهم هشام ما يشير اليه اللواء فالتقط الاوراق على الفور بسريه تامه ...
- سمير انت هتطلع مع الظابط هشام العريش ..
اردف نشات جملته الاخيره فتقبلها سمير بصدر رحب وهو يبتسم له بفخر ..

كان هشام تاركا باب غرفته مفتوحا ..فأثناء سيرها امامها توقفت غير قادره على ايقاف رغبتها فى اكتشاف زنزانته .. ساقتها قدميها الى الداخل  .. ما كادت لتخطو خطوة للأمام فتوقفت فهى لا تجرؤ على التقدم ولا الرحيل .. فرصتها الوحيده فى اكتشاف عالمه الخاص ..

استمر الاجتماع قرابة ساعه يتفقون ويوذعون المهام بينهم حتى انصرف هشام ليخيىء اوراق الخاصه بغرفة نومه بعد ما رحلوا وانتهى الاجتماع الخاص بهم .. ولكنه  توقف على عتبة غرفته فوجدها تقف امام مكتبه الخشبى تعد ترتيبيه مره بعد ما انتهت من ترتيب الغرفه الاشبه بزيبة للحيوانات ..يترقب شعرها الطويل اللامع  فتعمد تجاهل تلك المشاعر التى لا تليق برجل ناضج مثله .. فاردف بنبره مغزاها بث الرعب بجوفها فاستدارت شاهقه ..  سقط قلبها بين يديها
- انت تعرفى بيقولوا ايه فى بلدكم على البنت اللى بتستجرى وتدخل اوضة شاب!..

أيها البعيد كالشمس والقمر والنجوم، أنت منقوشٌ كوشم على صدري.. فأي مركبة فضائية استقلها كي أصل لعينيك تحديدا...

- زياد بقولك عربيتى عطلت وانا مش عارفه اتصرف إزاى !!
بعد ما ضربت رهف بقود السيارة بيدها متأففة بنفاذ صبر وصوت اوشك على البكاء مستغيثه بأخيها .. زفر زياد قائلا
- انزلى وخدى اوبر وانا هبعت المكانيكى ياخد العربيه ..

انخفضت نبره صوته لتصبح كصوت طفله تستغيث
- ما أنت عارف يا زياد بخاف اركب مع حد ..
- اوووف انت عاوزه ايه دلوقتى يارهف ..
اردفت بدلال : تعالى خُدنى .. مستنياك ..

عض على شفته السفليه مغتاظا وهو يطيل النظر فى الفتاهالتى يجلس معها فى المقهى
- رهف .. مش فاضي لدلعك روحى شوفى هشام او مجدى ..
- يوووه بقي يازياد .. مش بيردوا .. خلى عندك دم وتعالى ..
باستسلام : طيب طيب يارهف

بنبرة انتصار : هتيجى !!
- هتزفت .. اجى ..
اردف جملته الاخيرة وهو يلملم اشيائه من فوق الطاوله ويضع النقود معتذرا من تلك الاخيره التى معه ..

توقف على عتبة غرفته فوجدها تقف امام مكتبه الخشبى تعيد ترتيبيه بعد ما انتهت من ترتيب الغرفه التى كانت اشبه بزريبة للحيوانات، يترقب شعرها الطويل اللامع فتعمد تجاهل تلك المشاعر التى لا تليق برجل ناضج مثله، فاردف بنبره مغزاها بث الرعب بجوفها فاستدارت شاهقه .. سقط قلبها بين يديها
- انت عارفه بيقولوا اى فى بلدكم على البنت اللى بتستجرى وتدخل اوضة شاب !!

اعتلت انفاسها وتراقصت اعينها على حبال خوفها قائله بتقهقر
- هشام بيه !! اصل اصل ..

بساقه ركل الباب بغرفه واحكم غلقها بالمفتاح مما قذف الرعب بقلبها اكثر .. و حجبت الدموع عنها الرؤية وهى تراه يقترب منها بيهئته الضخمه مقارنة بضآله جسدها .. شرع فى خلع حذائه ثم حزامه الجلدى فلم تجد مفرا منه سوى الانكماش فى ستائر الغرفه منتظره انتقامه .. زفر بهدوء قائلا
- ها عارفه ولا مش عارفه !!

نظرت له بعدم فهم وعيون متسعه ثابته
- هو ايه !!
كرر جملته مره اخرى : البنت اللى تدخل اوضة شاب عازب بيقولوا عليها اى فى بلدكم سمعينى !!

حل الصمت كضيفا مرحبا بهما ولكن لم تكف عيناها عما تفيض به من خوف منبعه رجلا .. بللت حلقها عدة مرات مستجمعه قوتها لتقول بتحدٍ
- بيقولوا أنى لما اشوف اوضه متفرقش عن الزريبه فى حاجه من واجبى انضفها !!

تعجب من وقوفها امامه متحديه .. فأخذ يسب فى نفسه سرا
- انا طلبت منك تنضفيها !!
ثم ما لبثت ان تقول بدهشه وهى تهم بالمغادره : انت مكبر الموضوع ليه !! اوضتك عندك مش ناقصه حتة ..

بقبضة يده القويه تناولها من معصمها كالثماله واوقفها امامه قائلا بعدم تصديق
- وهشام السيوفى اهبل عشان يعديلك موقف زى دا !!
رفعت انظارها اليه معانده: والمطلوب !!

- " هنفذهولك "
اردف كلمته الاخيره وهو يفك فى أزرار قميصه بعشوائيه امام جسدها وانظارها المرتعشه فقدت كل قدرتها على إيجاد حلا للخروج من الأزمة سوى ان تكبح انظاره الشرسه التى تنوى الشر رافعه كفها لتصفعه بقوة وما لبث وافشل مخططها عندما قبض على كفها الصغير وهو يلف جسدها امامه فاتسعت عيناها هلعا .. وارتسمت ابتسامه واسعه على محياه وهو يضغط على ساعدها قائلا
- دانت ايدك طولت اوى !! وشكلك عاوزه تتربى .

تتقلص ملامح وجهه ألما تحت يديه قائله بتوجع
- لما تتعلم ازاى تتعامل مع بنات الناس الاول ابقي تعالى اتكلم ..
خرج صوت غضبه ممزوجا بصوت الزجاج المهشم الذي أطاحته يده اليمنى بكل ما فوق مكتبه قائلا
- مالك اتقمصتى اوى كده !! اى كلامى مش صح .

- همجى ومتخلف ومريض !!

تصرخ متوسله متضرعه كى يتركها .. اتخذت من بين ذراعيه تلك المرة ملاذا لاهاتها المكبوته ووجع ذراعها الملتوى .. وما كادت لتخطو خطوة للأمام فتوقفت إثر غزو انفاسه وجنتها حتى اوشك على تقبيلها فجاة تذكرت كل غدده الصماء وظائفها الادميه لينقض عليها كم تنقض الاسود على فرائسها .. تجمد كل شيء بها حتى عصيانها .. مغمضه عينيها كالاطفال منتظره رد فعله المحتوم فهى اضعف من ان تحاربه جسديا .. ارتسمت ابتسامه واسعه على محياه عندما راها تحولت لطفله صاحبة العشر سنوات ترتعش بيده .. فاردف بصوت كفحيح الافعى
- متخافيش !! انت مش النوع اللى يهز هشام السيوفى.. اعقلى ياحلوة وشوفى بتتعاملى مع مين عشان حسابك معايا تقل ...

رمقتها بسهام الخسه التى تحرق ظهرها وهو يبتعد عنها مطلقا صفيرا هادئا ويقترب من خزانته ليبدل ملابسه .. قائلا
- اوضتى لو مكنتش زريبه للاسف معرفش اقعد فيها ..
تلتقط انفاسها بصعوبه بالغه محاوله استيعاب ما مرت به .. فأى ريح القت بها بين ذراعيه واى عاصفه انقذتها من براثينه الادميه !! تشعب الغضب بجوفها وتكاثر بلا رادع حتى تناثرت افكار قتله فى خلايا عقلها..

تجاهل هشام وجودها وخلع قميصها بشموخ فبرزت منحنايات جسده الرياضي فتلك المرة حالت نظراتها من القلق الى الشوق فتمتمت بكلمات استياء محاوله ابتعاد انظارها عنه بصعوبه
- عاوزه اخرج ..
- مش ماسكك على فكرة !! ماليش مزاج اعرفك انت بتتحدى مين دلوقت ..

تردف بجزل طفولى : انت قفلت الباب لو كنت ناسي !!
اقتررب من الباب بثغر مبتسم هدوء تام وفتحه بمنتهى السهوله قائلا
- شوفى بقي مين فينا اللى بيتلكك .. !!

غزا رأسها صداعا قويا إثر بروده .. فاطاحت بكل ما يقابلها رأسا على عقب حتى وقفت امامه بثبات
- اهو صلحت غلطى ورجعتلك الاوضه زريبه تانى عشان تليق بسكانها !!

تسلطت عيناه على شفتيها المرتعشه باسما وهو لا يعلم من اين أتى بكل هذا الهدوء متناسيا تاره معها مستلذا بملامحها التى تعانى بحثا عن لُبنات القوة بداخلها .. عزمت امرها على ان تفر من شظايا غموضه المتناثره راكضه لتختبىء بغرفه رهف قبل ما ينفلت زمام امرها و تتحرش بذعره فلا تجد مهرب ولا نجاة منه تلك المره .. ولكنها توقفت للحظه مشيرة إليه بسبابتها
- وعلى فكرة مش أخلاق ظباط دى انك تستفرد ببنت و تقفل عليها الباب ياحضرت الرائد !!

ضحك منه ملء السمع وبنبره كالجليد اردف بسخريه
- و هى فين البنت دى !!
كانت اخر جملته قبل أن يلقى بصدره ارضا متمرسا تمرين الضغط بمنتهى المهارة والخفه .. اشتعلت اغتياظا فلم يعد بوسعها البقاء للحظه معه فى مكان واحد !!

{ أنــــا أنا كلي ملكك .. أنا كل حاجة حبيبي فيا بتناديك .. أنـــا أنا مش بحبك .. الحب كلمة قليله بالنسبة ليك}

اخذ منقار الذكريات ينخر فى رأس بسمه بمجرد ما اقتحمت شيرين لحظات خلوتها فجأة فلم تتحمل ان تسمح لشرين تجلد روحها اكثر من ذلك قفلت SoundCloud مزفره باختناق مقاومه شلال المشاعر التى تدفقت تحت جلدها سابحه على بحور الذكريات التى تُحينا .. ذكريات بمثابة سماد لارواحنا نتغذى عليها لنتنفس .. فتحت الهاتف على صوره تسترجع معه الذكريات

#فلاش باك قبل اربعة سنوات
- ياسيدى على الروقان .. صوت شيرين وو بحر وميه وهوا _ ثم انحنى غامزا بطرف عينه _ وقمر ... قلبى اضعف من انه يتحمل ده كله ..

تركت بسمه فرشاتها ونهضت بدلالٍ ناشده قلبه ان يذهب اليها بكل اوتى من حب
- صباح الخير ياحبيبي !!
دنى منها خطوه ليقف قصادها قائلا بخبث
- منا لو حبيبك بجد مكنتش هربتى وجريتى منى ليلة امبارح!!
- وهى طنط عايده لو عاوزانا نبقي مع بعض كانت هتحجزلنا ليه اوضتين !

حاوط خصرها بشغف ليدنوها منه اكثر
- يابسمه ااه منك يابسمه ، واى دخل خالتك بس فى الموضوع !! احنا جايين نصيف مش جايين جحيم !!
احمرت وجنتها بحمرة الخجل وهى تطرق انظارها ارضا هاربه من مغزى كلماته فهو لم يستح ان يخفى عنها رغبته فيها .. هامسا فى اذانها
- مش هتشغلى شيرين ونكمل رقص !!

وقفت تبثه بعيونها الغزلانى .. فلا ينتظر منها ردا سوى يده التى امتدت الى ( الكاست ) واعاد تشغيله وهو يقربها منه اكثر شارعا بالرقص والتمايل على الحان شيرين يدفء قلبها بقربه مس كيانها بعطر كلماته
- تعرفى انك اول ما اتولدى أنا اول واحد بوستك ..
عانقته بدلال مردفه بعدم تصديق
- انت هتسرح بيا ياعم انت !!

- والله ما بكذب .. حتى ابقي اسألى خالتك .. جابولكى وانت لسه نونا كده عشان اشوفك وانا وقتها كنت طفل عياره فالت حبتين فكنت ببوس عادى !! وعندى استعداد اكررها وانا وكبير عادى !!
ضغطت علي مشط قدمه بغل : بطل قلة أدب ..

- انت مراتى ياهبله !! نسيتى ولا ايه !!!
- ااه ده على ورق وبس ، ومامتك قالت مفيش جواز غير بعد الجامعه !!
انعقدت ملامح زياد بضيق
- مش فاهم بصراحه نظرية خالتك دى ، ياجدعان انا وبنت خالتى دايبين فى بعض ، هى معقده الامور ليه !

احتضنته اكثر فالعناق افضل وسيله للبوح عما لا يقال متنهده بين يديه
- هى نظريتها صح بردو .. شايفه اننا لسه عيال ، واننا اتجبرنا على الوضع ده والقلوب بتتقلب والنفوس بتتغير !!
تعمد ان يدفن انفاسه فى عنقها اريت كيف يلتقى طرفين عند نقطه واحده !! قائلا بأعذوبه
- بس انا عمرى ما هبطل أحبك ..

سقط عقلهم من بين يديهم وارتفعت راية القلب .. راية عشقها الاول فهو الشخص الوحيد التى ترتكز عليه دوما .. سرت قشعريره خفيفه تجتاح جسدها وهو يهمس لها بهيام قائلا
- انا متفرجتش على اوضتك !!

#بااااااك
أطاحت بهاتفها وبكل شيء امامها على المكتب ليتناثر ارضا .. لم تتحكم فى جسدها المرتعش وشفتيها التى اسودت غيابا وقهرا .. دفنت رأسها بين كفيها منفجرة فى البكاء .. الم حارق يتوهج دخانه من قلبها فلا تطفأه دموعها ولا برد الايام .. تزوم افكار جرائمها حول راسها كذبابه لزجه تأبى ان تفارقها .. مردفه بندم
- منك لله يا زياد .. منك لله بكرهكككككككك ..

- خالد بيه .. تحب اجيبلك حاجه تشربها .
اردف قمر ابنة خادمة قصرهم المتيمه بخالد فى صمت يأكل فى حواف قلبها إثر تجاهله ، رد اثناء انشغال بتصليح عجلة ايوب قائلا
- كتر خيرك يا قمر .. متشكر .

توقفت للحظه تراقبه بصمت باحثه عن اى موضوع ليطيل الحديث معه
- هو انا ممكن اطلب طلب !؟
ترك ما بيده رافعا انظاره بدون ما يحرك جمالها إنش بقلبه قائلا
- خير ياقمر !!
- كنت عاوزه اروح الجامعه اقدم .. وكنت عاوزه حضرتك تيجى معايا !

للتو أخذ باله من تلك الطفله التى كانت تمرح في منزلهم منذ الصغر بأنها كبُرت .. قائلا باندهاش
- كبرنا وهنروح جامعه اهو ياقمر .. وناويه على كليه ايه !
اجابت سريعا بفرحه احتلت كيانها إثر اهتمامه لحديثها
- آثار .. برغم ان مجموعى اعلى بس حابه كلية الاثار عاوزه ابقي دكتوره فى الجامعه ..

القى عليها نظرة انبهار قائلا
- برافو عليك ياقمر .. شوفى عاوزه تروحى امتى وهاجى معاكى .. انت فى مقام اختى الصغيره ..
نصب عمود كلمته الاخيره فى منتصف صدرها .. تصارع لتبدو اكثر من العادي .. ولكنها قررت الانسحاب قبل من تنفجر قنواتها الدمعيه ... قائله
- اختك .. ااه .. ماشي .. هابقي اقول لحضرتك قبلها ...

انسحبت بمنتهى الهدوء حاملة قلبها على كفها ، فكيف لامراة عاشقه تجذب انتباه رجل إليها لا يراها ، كيف تمنع اعينها من ان تراقبه دوما وتتبع خطاه ، طرقات كعب حذابها تتناسب مع اضطراب صوت قلبها الذي يطرق ألما .. خُلق العقل واحد والقلب واحد وما الهوى الا لواحد ليس له ثانى عندما يتفقان العضوان عليه ..

دلف من سيارته مهجم الملامح التى ينفجر من حمرة الغضب كالقابض بيده على جمرات الفحم الملتهبه وهو يركل الباب خلفه بقوة ذاهبا نحو سيارة رهف التى فتح بابها بقوة .. وشرع على الانفجار بوجهها ولكنه سرعان ما توقف عندما وجد رفيقتها تجلس بجوارها .. سرعان ما تحولت نيرانه لجليد .. تهجمه لابتسامه خلابه قائلا
- رهف .. مش تقولى أن فى ضيوف معاكى !!

استدارت الاعين نحوه .. فهللت رهف فارحه
- شكرا يازيزو عشان متاخرتش عليا ..
استند على نافذه السيارة قائلا بهدوء وهو يلقى بانظاره على صديقتها قائلا
- مش هتعرفينا ! ولا نتعرف فى العربيه وانا بوصلكم !!

تحمحمت رهف بخبث وهى تقول
- كامليا .. كاملياااا .. كاملياااا صحبتى واللى فرحها الاسيوع الجاى وكلنا هنروحه إن شاء الله ..
ثم ارتسمت ابتسامه مكر على وجه رهف قائله
- مش كده يا زيزو ..
تجمدت ملامحه مرة آخرى وهو يركل سيارتها بقدمه
- يلا ياختى ... انزلى ..

استدارت رهف الى كامليا قائله
- نوصلك فى طريقنا يا كوكو !!
اسرع زياد فى الرد قائلا ممتعضا
- مش السواق اللى جابهولك ابوكى ليك ولصحابك .. انزلى ياختى ..

شعرت كامليا بالحياء ثم قالت : لا ياروفا هتمشي البيت مش بعيد .. انا محبتش اسيبك لوحدك بس ...
هبطت رهف من سيارته وهى تلكز زياد ف كتفه
- خلبوص انت .. منشار نازل واكل طالع مابترحمش ..
ضربها على رأسها بغل : طب اتحركى ياختى ... هوريكى فى البيت .. وبعدين انت مصاحبة ليه مرتبطين !!
ضربته على كتفه بمزاح وهى تضحك بشماته
- مالكش دعوة ياخى ..

سيجاره وراء الاخرى تحرق فى جوفه وهو يقرأ ملف القضيه التى اخصه اللواء نشأت بتنفيذها .. فسرعان ما اعتلت وجهه ابتسامة انتصار عندما قفذت الفكرة فى رأسه .. وسرعان ما سقطت عينيه على ما بعثرته تلك المتمرده على قوانينه بدون خوف او ذعر.. الوحيده التى رأته بعين العادى ، رجل عادى غير مثير للدهشه ، للتعب ، للمجهود العنيف الذي تقضيه الفتيات فى الايقاع بقلبه ، اشعر وكأننا لا يجب أن نبالغ فى رؤية الاشخاص كى لا نضيعهم من ايدينا اما لتمردهم او لصغر حجمنا مقارنة بهم ، هى الوحيده التى اعلنت عليه الحرب حتى وقف مسلوب القوة والاراده .. ان قوانينه لا تشمل تمرد النساء وان طبقها عليها ستقتل بيده .. وان تجاهل غروره سيقتله ... فالوم ليس عليها اللوم على رجال لم يعرفوا للهوى سبيل !!

زفر دخان سيجارته قائلا لنفسه : اى الحكايه ياابن السيوفى !!

كامنه فى حجرها تاكل خطاوى الارض اغتياظا وهى تردد اخر عباره حرق بها كبريائها .. فهو لا يراها اساسا .. اشعر بأن اكبر اهانه تواجه المراة هو التجاهل ، التقليل من انوثتها ، جمالها ، ضعف اسلحتها التى تسلحت بها لتجلب اقوى رجلا مجرورا من قلبه ، نحن نستقوى باسلحتنا الخاصه من مسن نظراتكم .. فالمرأة لا تزداد قوة الا برؤية الضعف بعينيك أمامها ..

تقطم على اظافرها وقلبها معا .. رجل رات في عيونه القسوة وفى قلبها الوجع .. اشتعل عقلها بها معتقده انها نيران الحرب التى ستأكله ولكن نيران الحرب ما هى الا خطوة اوليه لتفجير راء الحب التى ستأكلها معه !!

القت نظرة على نفسها فالمرأة قائله بتوعد
- فاكر نفسه مين يعنى !! طيب ياابن السيوفى !!

انتهى نجار زيدان من تنفيذ ما امره به على أتم وجه وهو ينفض غبار جلبابه مشيرا على جذوع الشجره المحشية باقوى انواع الاسلحه قائلا
- رايك ياجناب العمده !!
انتهى من تفحص الشغل الذي لم يخطر على بال انسان ما يخفيه قائلا
- بانبهار عفاررررم عليك يا ولد ... تسلم يددك ..

- احنا خدامين جنابك بابيه ..
هتف زيدان مناديا على شيخ الخفر قائلا : عاوزكم تبسطوه وهو يستاهل كل خير ...
ثم ابتعد عنه مجريا مكالمه تليفونيه
- سلطان بيه ... تمام .. البضاعه هتكون عندك الليله .
سلطان بفرحه : والله ما عارفين نودى جمايلك فين ياابو ايوب ، عشت يارجل ..

وصلت عايده الى منزلها مناديه على هشام بصوت عالٍ .. فتقبل حرائق ندائها بروده المعتاد دون ان يجيبها نزل فى هدوءٍ تام متأففا فى نفسه
- خير !!
- انت هتسافر شغلك امتى !
جلس على الاريكه بفتور : انت عامله الحفله دى كلها عشان تقوليلى هتروح شغلك امتى !!

احتل الغضب كيانها مزفره بضيق
- انت كل كلامك اسئله !! مابتعرفش تجاوب زى البنى آدمين !!
استند بمرفقيه على ركبتيه رافعا انظاره لاعلى
- كنت عايزه تقولى ايه !!

- كنت عاوزه اقولك انى مسافره اسكندريه اسبوع .. عشان قررت اشغل المصنع اللى هناك .. عاوزين نشوف حل للبت اللى بقيت صاحبة بيت فوق دى !!

اردفت جملتها وهى تلقى حقيبتها بجواره وتجلس على جمرات من الغضب تلقاها بهدوء يحرق الأعصاب
- كلنا مسافرين اسكندريه .. جاتلى مهمه هناك !!
انعقد حاجبيها : كلكم ازاى !! بقولك تتصرف فالبت دى وتمشيها ..
- البت دى شغلى يا عايده هانم .. ولو كان وجودها مضايقك هوديها تقعد فى البيت اللى فالجنينه .. بس مش هتمشي الا اما اخلص شغلى ..

رمقته بدهشه : أنت ايه حكايتك !
- اى اسئله تانيه ؟!
هبت معارضه : انت ناوي تشلنى .. تموتنى بجلطة !!
اتكا بظهر للخلف وهو يبسط ذراعه بهدوء
- انا شايف انك عاوزه تتخانقى وانا بصراحه ماليش مزاج ..

فركت كفيها بنفاذ صبر : عرفت ان مياده سافرت الصبح !!
اومئ ايجابا : اااه منا اللى مشتلها الاوراق ..
- يابروودك ياااخى ..
دلفت رهف بصحبة زياد الى المنزل ولحقت بهم بسمه التى تحولت ملامحها 180 درجه عندما رات زياد .. فاردفت متأففه
- مساء الخير ..

همت بالذهاب ولكن توقفت إثر نداء هشام قائلا
- بسمة .. استنى ..
توقفت منتظره متحاشيه النظره عن زياد .. فواصل هشام قائلا
- رايحين كلنا اسبوع اسكندريه .. هتقدرى تيجى معانا ..

قطعته رهف معارضه : ودراستى يا ابيه !!
زمجرت رياح غضبه غير قابلا اى نقاش
- رهفف .. مش هنستهبل على بعض .. دفعتك متخرجه ليها سنتين ..

القى قذيفه كلماته فى حلقها فصمتت متأففه ولكن تدخلت بسمه سريعا
- بس انا مش هينفع اسافر ..
صُوبت الانظار نحوها بتركيز .. فاكملت
- مش هينفع اخد اجازات وكمان عاوزه اذاكر دى اخر سنة امتياز وصعب جدا .

وجه هشام انظاره الاستفهاميه لزياد
- وانت؟!
- وانا كمان مش هينفع روحوا انتوا .. عندى شغل كتير ومناقشه الماستر بتاعى قربت ..

نصب هشام عوده على الفور متخذا القرار
- خلاص زياد خليك مع بسمه وانت يارهف روحى حضري الشنط وبلغى _ صمت للحظه من الزمن موشكا على نطق اسمها ولكن كبريائه منعها مواصلا بحزم _ البت اللى فوق دى عشان هتيجى معانا...

تناولت عايده حقيبتها قبل ما اسلاك مخها تنفجر إثر قراراته التى لا رجعه فيها .. وعلى الفور لحقت رهف بعايده وبسمه .. فاقترب هشام من زياد قائلا
- هتصيع عليا ياابن السيوفى !! مش عاوز تيجى معانا ليه !!

ابتسم زياد بلوم : يابنى انت مركز فى حياتى اكتر منى ليه !!
غمز له هشام بطرف عينه : لما عرفت أن بسمه قاعده !!
فرك زياد كفيه بحماس : هحاول اصلح علاقتى معاها .. وبصراحه حاسس انها وحشتنى ..

اتسعت عينيه من هول ما تلفظ به اخيه قائلا
- طب خلى بالك عشان المره دى أنا اللى هقفلك يازياد .. ورحمة ابوك لو ما اتعدلت مع بنت خالتك هتشوف شغلك منى .. وانت مستضعفها عشان مفيش حد فى ضهرها..هنسي وقتها انك اخويا ...

لكزه زياد ممازحا : خلاص ياعم قولتلك هصلح كل حاجه .. وبلاش النبره دى ..
رد عليه هشام بنبره محذره
- طيب .. خليك فاكر انى نبهتك ...
زفر زياد بارتياح عندما غادر اخيه بعد ما انتهى من جملة تهديده قائلا
- اوووووف .. هشام السيوفى اتدخل فيها يبقي ربنا يستر ..

فاق من شروده على صوت هاتفه قائلا
- نور !! بنت حلال لسه كنت هكلمك
اجابته بدلال : وده ليه بقي !!
تحمحم بخفوت وهو يذهب نحو الجنينه قائلا
- عشان وحشتينى ..

احمرت وجنتها خجلا وهى تغير مجرى الحديث سريعا
- طيب يا دكتور معالى المستشار مصمم انى لازم اعزمك عل. العشا فى اليوم اللى تحدده عشان يشكرك بنفسه
مس قلبها باعذوبة كلماته : انا عينى لمعالى المستشار وبنت معالى المستشار .. وانا اطول
- احمم يبقي بكره الساعه ٧ كويس !!
- كوويس جدا .. اتفقنا ..

تدق باب غرفته بقوة .. ففتح الباب متأففا بعد ما انتهى من انتهاء ملابسه التى عباره عن قمص كحلى يرسم منحنايات جسده ببراعه وبنطال جينر بنفس اللون .. فهدأ روعة قليلا عندما رأها رافعا سيفه الثلجى وهو يقول
- انت شكل رجلك اخدت على المكان اوى .. هو عجبك !!

بللت حلقها الجاف إثر جملته الحارقه المزوجه بنظراته اللعينه وهى تتراجع خطوة للخلف قائله بحزم
- مين قالك انى عاوزه اسافر !!
اتكئ على مقبض بابه قائلا : مش محتاجه تقولى .. هنا انا بس اللى بقول ..

ردت بسخريه : لا منا مش لعبه فى ايدين سعتك .
ثنى شفته لاسفل وانعقدت ملامحه وجهه : متحاوليش تفكرى أنا شايفك ازاى عشان ساعتها هتقرفى من نفسك ..

ألجمها بصاعق كلماته فخيم فطر الحزن فوق قنواتها الدمعيه حتى اوشكت على البكاء .. وقف معاتبا لنفسه للحظه فهو لا ينتوى اهانتها ولكن شيء ما بداخله يتعمد اخفاؤه خلف ستائر التصغير من شأنها .. فنصب عوده مرة اخرى راسما ملامح الجديه ليعوق رحيلها
- هنتفق اتفاق ..
توقفت إثر جملته .. ولكن لجم لسانه لم يكف عن الصليد
- مع انى مش متعود اتفق مع عيال ..

اتسعت حدقة عينيها مزفره بنفاذ صبر : ومش مجبر ع فكره ... لحد هنا وشكرا .
استند بظهره على الحائط عاقدا مرفقيه ليردف بصرمٍ
- هخليك تشوفى ابوكى !!
لمعت عينيها ببريق الامل متناسيه فكره الرحيل : بجد!!
- الموضوع مش بالسهوله اللى متخيلاها .. محتاج وقت وتأمين خاصه ان ممكن زيدان ده يكون مجند حد فى القسم بيوصله الاخبار .. وممكن يوصلك بسهوله ..

سكتت لبرهه متمتمه : اااه وانا مجاش فى بالى حوار زيدان ده خالص ..
فواصل حديثه : عشان لما اقولك انك مش فاهمه ولا شايفه حاجه تبقي تسكتى .

شرعت بقذف قنابل شجارها .. فبادر بحزم وهو يقول : ثانيا لازم اضمن انك فى مكان آمن وعيون زيدان فى كل مكان فأنا مضطر اخدك معانا اسكندريه ..

حركت شفتيه لتجيبه ولكنه بنفس النبره الحازمه واصل حديثه
- ثالثا مش عاوز اسمع لا وجدل مفيش منه اى لازمه .. والكلمه اللى اقولها تتسمع .. فاهممه !! تقدرى تروحى تغيري لبسك عشان مش بحب استنى كتير ..

اردف عريضه اوامره وحدجها بنظره حاده ثم عاد الى غرفته وقافلا بابها بقوة متجاهلا وجوده وعلى محياه ابتسامه انتصار عجيب .. تعالت انفاسها ودخان غضبها متعجبة من وقاحته الزائده وهى تكز على فكيها بقهره
- والله العظيم ما طبيعى !!

بعد مرور 4 ساعات .. وصل هشام بصحبة اخته وامه لمنزلهم الصغير مقارنة بفيلا القاهرة الذي عبارة عن شقه واسعه فى احد الطوابق للابراج السكنيه المطله على البحر .. ما لبث أن فتح لهم باب الشقه وقام بإدخال أغراضهم قائلا
- هسيبكم انا ورايا شغل ..

اوقفه نداء رهف : شغل الساعه ٢ بالليل ياابيه !!
- خليك فى حالك ..
تحاشي النظر عن فجر نهائيا التى لم يغفل جفنها عنه ملتزمه الصمت تراقبه وهو يتحدث .. تغير ملامحه عندما يكسوها الضجر .. ابتسامته الساخره التى لم تغادر وجهه ..
اوقفه نداء عايده : هشام .. خلى البواب يبعت مراته من تحت تنضف الشقه ..

تدخلت فجر سريعا فى الحوار
- حرام .. ممم قصدى يعنى الساعه ٢دلوقت اكيد الست نايمه .
عايده باختناق : انت باى حق تعارضي قراراتى ..

وللمره الاولى ينصفها هشام قائلا
- فعلا عندها حق .. الست زمانها نايمه دلوقت ..
انكمشت ملامح عايده وهى ترمق هشام بعتب وارتسمت فجر ابتسامه رضا على ثغرها وسرعان ما تقلصت عندما واصل هشام حديثه وهو يدنو منها بمكر قائلا
- وفجر راحت ... اهى قاعده هتنضف .. بتنضف حلو اوي ..

عبث بمفاتيحه واتسعت ابتسامته إثر لف حبل كلماته حول عنقها هامسا بخبث
- حبيت افكرك بمكانتك ..
ثم رفع صوته ولازالت انظاره تحرقها : طيب تصبحوا على خير وانا هحاول متاخرش عشان لسه عندى شغل كتير ...
" بعينه نار الغضب والتيه معا ‏تكادُ ان تنفجر فى وجهه ، لكنها تحمل هم إعادة تجميعها "

( فجرا )
جميعنا لا نُخلق الا مرآيا , بعضنا مرايا للمصائب والبعض الاخر مرآيا للقضاء عليها .. وعندما خلق الله الحياه زرع بنا " الحب والشهوة والخوف والطمع والشفقه " وكل منا له دور فى استكمال دورة الحياه , فلا تلومن من جاء قدره كمرآه للمصائب لتتعلم منها انت .

فى احد اماكن محافظه الاسكندريه المُطله على البحر هناك شخص جعله الله مرآه للشر وسولت له انفاسه باختطاف صغارها ومساومة امهاتهم على مبالغ ماليه .. ومن لم تدفع يقوم بذبح صغارها كعقابا لفقرها !! يقطن فى احد الجزر التى تتوسط البحر , شخصا لديه فطنه هائله غُرست فى اراضى الشر مما جعل الاجهزه الامنه تفشل لذلك الوقت لتتخلص من شره .

سكون تام لمجري البحر عكس عادته ممزوجا بصوت ملحوظ من حفيف اجنحة الطيور التى تطوق المكان فخرا بجنود الارض .. ظلت الماء محتفظه بسكونها حتى خرج منها رأس بشريه تابعته عدة رؤوس من الجنود خلفه ليكمل ما تبقي بينه وبين ضفة النيل سباحة ولست غوصا .. وبعد قليل لمست اقدامه الارض المبلله ليخرج منها ملتقطا انفاسه بصعوبه .. فلحق به عدد من الرجال فى زيهم الخاص بالسباحه الا قائدهم فكان يرتدى بنطال من القماش السميك ويعلوه قميصه الكحلى يبرز معالم جسده الرياضي .. داعب خصيلات شعره النائمه على جبهته بعنف حتى لفظ مغتاظا
- هموت واعرف مين بيبلغه اننا جايين ؟

رد عليه احد رفاقه قائلا : ياهشام اهدي بس .. اكيد هنوصله .
تحرك نحو سيارته المصفوفه بعيدا ولا زال سقيع الشتاء يلفح فى جسده المبلل قائلا
- أمتى يا اشرف ! لما يخلص على باقى عيال البلد !!
توقف هشام إثر جملته الاخيره التى القاها على اذان الملازم اشرف الذي اردف فى خزي
- هنشدد الحراسه حاضر ونغير الطاقم كله اللى معانا ! اي اوامر تانيه معاليك ؟!
اشار الرائد هشام بسبابته وبنبره آمره : اشرف .. الموضوع ده خد اكبر من حجمه ولازم ينتهى ونخلص على البنى ادم ده .. انت فاهمنى .

كانت تلك اخر كلمات القاها الرائد هشام على اذان مساعده قبل ان يُغادر من امامه ليستقل سيارته الجيب السوداء وبداخله بركان من الغضب يتوق به حتى اوشك على الانفجار ..
- مسيرك هتقع يا مدبولى زفت .... يعنى سبت بنى سويف وجيت على هنا !! بردو مش هرحمك ....

عاد زياد فجرا الى المنزل فوجد الظلام يخيم عليه الا غرفة بسمة التى لازال النور ينبعث منها .. فجاة شعر بأن كل مشاعره المدججه حييت فجاة .. وحبها الذي عافر ليدفنه بات يدفنه بها .. عزمها امره على اقتحام غرفته ماشيا خلف دقات قلبه وفتح بابها بدون استئذان قائلا بشوق يتقاذف من ثغره وعيناه
- بسمة انا طلعت عيل ومش اد الاتفاق وكده كتير .. أحنا لازم نشوف حل .

أشد أنواع الابتلاءات ان تُصاب بشخصٍ لا يراك ، فتندفع إليه بكل ما اوتيت من ضعفٍ كمن رمى شباكه بالبحر ولا يهتم بجمعها .. يجعلك تُصاب بلعنة الاسئله الخالية من أى إجابات حتى لا تستطيع أن تنجو من نفسك ولا من افكارك المعلقة بذيول الاحلام التى رُسمت معه ، يجعلك تضور ألما ، أتشكوه أم تشكو إليه !! فمنه الداء واليه الدواء ..
تظل تجوب بمركبتك حوله كطفل عابث يجهل طريق الشاطئ حتى ولو ستهلك وأنت تحاول الوصول إليه مؤمنًا بأن " أى نجاة بدونه هلاك ..

- بسمه .. أنا طلعت عيل ومش أد الاتفاق وكده كتير ، أحنا لازم نشوف حل .
اخر عباره اردفها زياد قبل ما تنهض بسمة من فراشها كالملدوغه وتلقي بكل ما بيدها من كراسه الرسم والالوان بعشوائيه .. قائله بعتب ممزوج بنبره غصب
- انت ازاى تستجرى وتيجى هنا ، أنت مش هتبطل الهمجيه دى !!

تقدم خطوة للداخل قائلا بتوسل : بسمة عشان خاطرى نتكلم .. أنا اكتشفت إنى فعلا مكنتش استاهلك من البدايه .
حكت رقبتها بظفرها برفق متأففه وبنبرة صارمة
- اطلع بره يا زياد .. او روح شوف جاى من اى خرابة وارجعلها .

ترك ما بيده من هاتفه ومفاتيحه فوق الكومود الخاص بها قائلا بهدوء
- بسمه .. مين فينا وصلنا للمرحله دى ، لمرحلة إننا بقينا مش طايقين نبص فى وش بعض !!
هتفت بنبره ساخره اقرب من الهذيان وهى تجوب غرفتها بخطاوى عشوائيه
- اااه .. وانت ايه اللى فكرك بالموضوع ده !! جاي تاخد بالك منه بعد ٤ سنين !! يا دكتور جاي على نفسك ليه ، ما لسه بدرى !!

- لا مش بدرى يابسمه ، ولسه الوقت مفاتش ..
بللت شفتيها الاتى جفت إثر انطلاق انفاسها الحاره المتتاليه متذكرة عجاف أيامها .
- طيب .. شكلك حابب ترجع للدفاتر القديمة عشان نفتحها ..
هتف معارضا وهو يحاول أن يقترب منه شيئا فشيئا
- بسمة .. انسي ، القديم ده فات وانتهى وعرفنى غلطى معاك ، وانى غبى عشان سبتك ..

انفجرت بوجهه كالبركان الثائر .. صارخه مترنحة
- انسي !!! انسي انى قتلت ابنى بسبب انك مش أد المسئولية ياحرام !! انسي انى كنت هروح فيها بسببك والبيت كله مقتنع انها عمليه زايده !! انسي انى كنت اجيلك زى الحراميه كل ليله وقلبى هيتخلع من الخوف أحسن حد يشوفنا !! انسي صورك اللى كل يوم تتبعتلى من بنت غير التانيه !! انسي انك استغليت ضعفى وحبى ووفاة ابويا وامى عشان تتسلى !! انسي قهرة قلبى وانت ولا على بالك وكل ليله اصحى بصرخ من الكوابيس اللى بشوفها وصوت ابنى اللى قتلته مش مفارقنى ومش بلاقي ايدك تطبطب عليا حتى !!!

تفاقمت الاحزان والليالى المؤلمه فوق قلبها، وهى تعانى كى لا تكون وجبة دسمة لشراسة الليل فأشد مراحل التعب تركه.. صمتت للحظه ثم اردفت بصوتٍ هادر بث الرعب بجوفه
- عمرك ما فكرت تشاركنى وجعى .. كنت تيجى فى اللى على مزاجك وبس ..

ارتعش كل إنش بجسدها حتى كوب الماء الذي اقتربت منه وشرعت بارتشافه اوشك على السقوط من شدة انتفاضة يدها وقلبها التى بات كطير ذبيح .. قائله وهى تلهث
- سكتت صح !! معندكش كلام تقوله طبعا !

اقترب منها بندم بدا على ملامحه مرتبا على كتفها ليحد من ثورانها المكبوت .. وسرعان ما دفعته بعيدا عنها
- اطلع بره ياابن خالتى ، طريقنا بقي مقفول ..
بهدوء اجابها : مفيش حاجه اتقفلت طالما الحب جوانا لسه موجود..
- عارف يا زياد ، الحب الحاجه الوحيده اللى عمرها ما كانت بينا برغم كل اللى حصل ..

ظل يرمقها طويلا وظلت تتحاشي انظاره وهى تلملم اشيائها المبعثره فأشد انواع الابتلاءات أن تبتلى بحبيب هَكِم .. فالحب من طرف واحد كالرعد لا ماء به ولا يأتى بعشبٍ ..

يأس زياد من إرضائها ، فخيبت آماله تلك المره .. باتت محاولة إرضائها امر صعب الوصول اليه ، جر ذيول أخطائه مغادرا بصمت تحت انظارها التى تاكله شوقًا وشوكًا ..مُلقيه بكل ما لملمته ارضا مرة آخرى .. منكمشه حول نفسها منفجره فى بحور بكائها الراكده ..

- " مثلك لا يُترك ابدًا "
نزهر بعباره ونموت بخطوات الرحيل ..
كانت البدايه كشمس اذار وكانت النهايه لا شيء فاللاشيء يُذكر ..
لدى مقالا اجابة عن" كيف ابتدت حكايتكما " أما عن " *انتهائها!!* "
فكان كالبرق اشتعل وسرعان ما ذاب فى حضن السماء كأن لم يكن بدون أى سبب يُذكر ... لو كنت اعلم خاتمتنا ما كُنت بدأت حكايتى معك .

مر ما يقرب من نصف ساعه فكان هشام يصف سيارته تحت شقتهم التى لازالت رهف تنظره من نافذه غرفتها حتى هدأت تماما بمجرد ما رأته يدلف سالما من سيارته .. فواحده مثلها تخشي الفقد وتخشي مرارته .. سبق وتجرعته من قبل عند وفاة والدها ثم خالتها فى عامٍ واحد ركضت مسرعه نحو الباب لتستقبل اخيها بلهفة أم .. بمجرد ما انفتح باب المصعد امامها .. القت بنفسها بين ذراعيه لتردف بنبره مختنقه
- كنت هموت من الخوف عليك .. تانى مرة لما تروح مهمات ماتقوليش ..

ربت هشام على ظهرها بحنو ليطمئنها .. مردفا بمزاح : يابت مش هتقلى قلبك !! سبق وقولتلك احنا رجاله نفوت فى الحديد !! وبعدين انا قولت رايح شغل مش مهمه !!
ابتعدت عنه اخيرا لتردف بحب : وسيد الرجاله كلهم ياهشام .. انت هتسرح بيا ياسيادة الرائد ما بعد ١٢ معروفه انها مهمه مفيش شغل بالليل كده ..

ضربها برفق على رأسها : لا مصحصحه معايا ..
- عيب عليك .. وبعدين هدومك كلها مبلوله تعالى تعالى غير بسرعه احسن ياخدك برد ..

سحبته خلفها كأم تسحب صغيرها حتى لمست اقدامهم اعتاب شقتهم ذات الطراز الحديث .. اسرعت الخطى لتحضر له ملابسه فى الوقت الذي تأهب لخلع حذائه وملابسه المبلله .. فهتفت قائله وهى تحمل على ساعدها زيه
- ياهشام حرام عليكم بهدلتكم دى .. يعني عاجبك كل مرة ترجع كده هدومك مطينه والجو تلج خلاص ياخى سبووه لربنا ..

تناول ملابسه من يدها وشرع فى ارتدائها ليردف بمراره
- والام المسكينه دى مش نبرد نارها ونجيبلها حق ابنها اللى ادبح !! وبعدين لو السفاح ده فضل حر كده هيحرق قلوب امهات كتير !! انت لسه صغير بكرة تفهمى ان مرمطتنا دى ولا حاجه ..
- يعنى هتفضلوا كده لحد امتى بس !

عقد مابين حاجبيه : لحد ما نرجع حق كل طفل خطفه الحيوان ده ودبح وحرق قلب امه عليه .. علينا التأقلم مع كل ريح عشان نوصل للهدف ياهانم .

لم يفشل فى مره ان يطمئن قلبى فى عز نيرانه .. شغفه وحبه لشغله كان اكبر من اي خوف يملأنى كان يوصلى بصيغه غير مباشره " مثله لا يخشي الموت الذي يعتبر له مكافأته المنتظره .. فالموت عنده كالميلاد كلاهما يأتيان بشخص يفتخر به كثيرا "
اتكئ على اقرب مقعد متنهدا حتى ثارت جيوش غضب اخته قائله
- ابيه .. انت كلمت مياده !!
اتسعت ابتسامته لانه يعلم مجرى الحديث الذي حفظه قائلا : رهف .. واقع من الجوع !

جلست بجواره متوسله : والله طيبة وبتحبك ..
- رهف !!
- مافيش رهف .. عارف ياهشام انت جواك حنية الدنيا كلها ويمكن محدش يعرف الموضوع ده غيري حتى ماما دايما بتعاملها وحش .. عاوزه اشوفك مبسوط زى ما بتفرحنى دايما..

لم يبد اى اهميه لحديث اخته المدجج بالحب فتأهب قائما : شكلك معندكيش اكل هروح انام ..

تجاهل ثرثرة اخته التى لم يفتح لها مجالا لتعكر جوفه اكثر متجها نحو غرفته حاملا بقلبه سر لا يعلمه غيره .. فرجل مثله اعتاد ان يصمت اكثر ما يتحدث يحتفظ بآلامه لنفسه وافراحه الشحيحه لا تعد حدثا مهمًا كى يتحدث عنه .. شخص مات التاريخ بعينه فلازال يحمل الموت على كفه .

كانت فجر تتواري خلف الحائط تنصت لحديثهم بفضول القى بقلبها فى حقل صبار متذكرة سواد ايامها .. وما فقدته .. رأت تعامله مع أخته بدفء افتقدته منذ اعوام .. من رحيل أم ثم أخ ثم اب اوشك على ان يسطر التاريخ نهايته .. حديث فتح بابا جديدا للغوص فى اعماق ذكرياتها مع اخيها يوسف .

#فلاش باك
- مخلوقات رقيقه مثلكن خُلقت كسكر بهن يحلو مذاق الحياه !لماذا يحزنن ؟!
لتقفل خزانتها الهالكه وتستدير نحوه قائله : ومخلوقات مثلكم خُلقوا ليقضون على سكرها !
استند بظهره على الخزانه ليقول : لست ذنبنا اطلاقا ان اخترتن من يُذيبك ولست من يذوب فيك حبا !

تطلعت لطبقات غزله الذي لم يكف عنه قائله : يبدو انك جائعا كعادتك تغلف طلبك بحديثٍ معسول ؟!
- ألا يأتى بنتيجه ؟!

- بلى .. يأتى بشعور اخر وهو جوع يتأكل احشائى لهفة لاضمك .
- اذا حديثى اتى بحب من نوع خاص اقصده دومًا ..

تنهدت من سكر ذكرياتيها مع يوسف على مُر الواقع الذى يخلو منه .. دوما ما تمنيت ان تكبرنى بخمسة اعوام ولست العكس ولكن اتى بي التمنى للحظة التى اتمناك ان تبقي هنا على اى حال .. فاقت على نداء رهف

- فجررررر !!!!!! انت نمتى وانت واقفه !!
- هااا .. لا ابدا .. بس استغربت اول مرة اشوف اخوكى بيتكلم بهدوء كده ..

اطلقت رهف ضحكه خفيفه
- والله اتش ده سكر .. هو بس اللى مصمم يبوظ سُمعته .

رمقتها فجر بعدم تصديق
- ده سكر !! اومال السم الهارى طعمه اى !! يلا مين يشهد للعريس ..
قهقهت رهف بصوت عال وهى تضرب كف على الاخر
- اختتتته
ثم اتاها زمجرة صوت هشام من غرفته اسكتتها قائلا بتهديد
- اتخمدى يارهف وبطلى مسخرة ..
رمقتها فجر بشماته قائله بصوت خفيض : اتش ده سكر !!!!! اتفضلى .. دانا من ساعة ما جيت هنا وهو بيشخط وبينطر !!

-بس سووكيوت والله .. اشششش تعالى نخش جوه أحسن يقوم يفجرنا .

( صباحا )
نهض هشام على صوت رنين هاتفه المزعج التى لا تحمل رسائله الا مصائب .. تناول هاتفه من فوق الطاولة وهو يرد بصوت مفعم بالنوم
- ايووه ... مين ..

- هشام بيه !
اعتدل هشام فى جلسته : مين بيتكلم ..
واصل المتحدث كلامه الخافت
- احنا الاتنين مصلحتنا واحده .. كنت عاوز اشوف حضرتك ..
- بخصوص!!
بنبره خافته اكمل خالد قائلا
- زيدان نصير !!
ابتسم هشام ساخرا : ااه وده ملعوبه الجديد !!
- هشام بيه .. انا خالد ابن اخوه ، والوحيد اللى هيقدر يساعدك توصله لحبل المشنقه ..

لازالت نبرة صوت هشام مغلفه بالسخريه
- اثبت !!
- الليله فى شحنة عربيات نقل خشب هتطلع من هنا وتوصل لسينا ...
اشعل هشام سيجارته مردفا وهى بين ثغره قائلا
- قضيتى مش الخشب ..
- قضيتك اللى جوه الخشب ، زيدان مفرغ الخشب ومصدر اقوى انواع الاسلحة والمتفجرات جواه ..
- ولو كلامك ده مطلعش صح !!
- متثقش فيا تانى .. زى ماقولت لجنابك مصلحتنا واحده ..

انهى خالد المكالمه سريعا إثر نداء احد الخفر عليه .. نهض هشام على الفور واضعا سماعة ( البلوتوث ) ليهاتف مجدى وخرج للمطبخ ليعد مشروبا دافئا كعادته ..
- مجدى وصلت ولا لسه !!
ارتدى مجدى قناع شخصيته الجديده
- مجدى مين يا استاذ .. معاك النقيب آدم فياض !!

ابتسم هشام قليلا وهو يحضر الكوب من الرف العلويه
- تبقي وصلت ... طيب فتحلى وادنك ياسيادة النقيب !!
- قلبى كله معاك يا سيوفى ... الا بالحق هو عامل ايه عندك !!
بنبرة تهديديه : اتلم وركز معايا والا ....

- ايه يااتش ما تبقاش قماص ياجدع .. بلطف الجو بس ..
- لا ياخويا هو متكهرب لوحده .. سيبه فى حاله ... المهم ..

كانت تقضي ليلتها متقلبه على جمرات الحزن وتنهض صباحا كأميرات ديزنى ملامحها المتغيره دوما لا تشير الى عمر محدد تارة تبدو كطفله لم تتجاوز العشر اعوام .. وتارة اخرى يخيم عليها تجاعيد الحزن فتبدو ككاهل سرقته سكينة الايام .. اعتادت ان لحزنها قديسيه لا يحق لمخلوق أن يتطلع إليه .. داخل كل إنسان مننا وطن خاص ينتمى إليه ..

وضعت بسمه اخر لمسات مستحضرات التجميل التى تخفى هالات لياليها البائسه وألقت نظرة تفصيليه على ملابسها قبل أن تغادر غرفتها ..

وقفت للحظه على درجه السلم ملقية نظرة طويل على باب غرفته المفتوح .. فبرغم من كل آلامها التى اُنجبت بسبب رجل الا أن وجوده يمنحنها شلالا من الامان للحد الذي يجعلها تظن بانها غزيت مدينه باكملها وباتت خاضعه لها .

فى حين ما كانت تتفقد باب غرفته اتاها صوته المفعم بالدفء بالنسبة لقلبها قائلا بمزاح
- فى تأخير عن معادك 7 دقايق يادكتوره!!

انعقدت ملامح وجهها متجاهله حديثه وشرعت فى هبوط السلم بشموخ وعودا منتصبا كأنه لم يمر عليه ثقل الايام مرتديه نظارتها الشمسيه .. اقترب منها زياد حتى عاق اخر خطوة من السلم قائلا

- صباح الفل على القمر اللى هرب من فلكه واتربع فى قلبى..

عيناه وحديثه تجعلها تتجرد من كل مشاعر الحب التى اخفيتها عنه وتعمد قلبها تجاهلها للحد الذي تري فيه اتساع العالم بين يديه .. زفرت باختناق
- زياد عاوز منى ايه ..

مسك كفها برفق بعد ما قبل اناملها قائلا
- تتكرمى وتتفضلى تفطرى معايا فطورى المتواضع ..
سحبت كفها سريعا وبدا عليها الارتباك
- متأخره يازياد .. وسع كده لو سمحت ..

- والفطار اللى حضرته بنفسي!!
نفذ صبرها فزفرت باختناق بتعارض مع دواخلها
- زيااااااد !!
- والله هقعد ساكت ومش هضايقك .. قولتى ايه !

أطالت النظر فى عيونه فرأت نظرة افتقدتها منذ اعوام ، لهفة الحب والحنان .. لهفه البقاء واختلاس الفرص لتقبل اهدابه ملامحها .. كانت تتعمد بإغلاق عيناها التى تحمل تعويذه بقبول اي شيء يتغلف برائحته ..ولكنها انهزمت امامه كعادتها فأومات ايجابا وهى تسير امامه مجبره وسرعان مااعتلى وجهه ابتسامة انتصار قائد فى معركه سلاحها الاعظم هو اللين ..

انتهى هشام من اجراء مكالمته السريه مع مجدى واستدار بظهره بغتةً فوجدها تقترب من عتبة المطبخ متجاهلة تواجده بالداخل .. ارتطمت انظارها بعيونه الصقريه وصدره العاري وعضلاته المتناسقه فيظن من يراها أنها نُحتت على يد فنان عالمى عادت متقهقره للخلف قائله باستيحاء

- اسفه مكنتش اعرف أن حضرتك هنا !!
تناول هشام كوبه الساخن وتقدم نحوها بخطواته الثابته .. لاعننًا عشوائيه الصدف التى تحدث ربكة مجهولة بين ثنايا صدره قائلا بتعالى
- شاطرة .. صاحيه بدرى تشوفى شغلك ، بحترم الناس دى جدا ..

كانت تتحاشي الحديث معه قائله بإيجاز
- تمام ..
اصابته رغبه عارمه فى ان يطيل حديثه معاها قائلا
- هو ايه اللى تمام !!

- هروح اشوف شغلى ..
ارتشف رشفه خفيفه من مشروبه متعمدا إثارة غضبها
- ااه وبعد ما تخلصي تبعتى رهف تاخد هدومى عشان تكويهم ... مش معقوله تكون عندنا شغاله بالشطارة دى واودى الهدوم لمكوجى ..

صنع ببروده من اعصابها حبالا يتسلق عليها ليصل الى جزء خاص بها يربكها كثير .. ولكنها تجاهلت كل هذا بعناد انثى
- انا شغاله فى البيت مش الشغاله الخاصه لحضرتك !!

رفع حاجبه مستنكرا : منا اللى هقبضك ..
- ومين قالك انى هقبض منك !!
لم تعطيه فرصه يجيبها .. اتخدت عدة انفاس متتاليه وهى تحاول تمالك اعصابها قائله بهدوء يتوارى خلفه بركان غضبها
- ينفع اقول حاجه ..

- فى السريع ياريت .. عشان خدتى اكتر من وقتك معايا ..
- اووووف ، زى ما حضرتك قررت انى اقعد هنا لسبب ما انت بس اللى شايفه ، يبقي حافظ على ذرة الاحترام ما بينا .. مش كل ما تشوفنى تعاملنى كده !!

ثم زاحت دموعها بطرف كمها بعشوائيه وهى تلهث وجعا
- انا ما سبتش ذل البلد عشان حضرتك تعيشنى فيه .. ولو على وجودى فأنا ممكن اعفيك منه .. رصيف الشارع ارحم كلامك ده !

لاول مرة تلين قلبه دموع امراة للحد الذي شعر بأنه فقد صوته المهين الذي كان سببا فى فتح جروحها .. ظل يرمقها طويلا حتى حالت نظرته من القسوة للندم .. ولكنها تعلم انه يحرق كلمات الاعتذار والترجى الفائضه على شفتيه .. رجل فى مكانته لايعترف بخطأه كي يعتذر عنه .. هذا الوضع لم يستمر طويلا.. لحظات وعاد الى حالته المروعه .. مردفا بصوت هدر
- ممكن تترحمى من كل ده فى حالة أنك تتجنبى اى مكان ممكن يجمعنا سوا .. خليكى ذكيه وحافظى على خطواتك فى وجودى..

جزت على اسنانها بغيظ يود ان يلتهمه .. تعمدت اخفاء انظارها عنه حتى لا يصاب القلب بجلطه عاطفيه إثر وجوده الاستثنائى الغير مفهوم .. فعزمت على الانسحاب من امام جبل الجليد الذي القى بها الريح بين يديه ..

- اكلى عجبك !!
لازال يتفحصها زياد بنظراته الثاقبة ولازالت تقتله بتجاهلها .. اردف جملته الاخيره كى يكسر حاجز الصمت بينهم .. تركت ما بيدها قائله
- ممكن اعرف اى سبب الحنيه المفاجاه دى !!

بدون استئذان تطاولت يده على نظارتها الشمسيه التى تأكل نصف وجهها ليفسح المجال لانظاره تتنقل فوق ملامحها بحريه قائلا
- طول عمرى حنين يابسبوسه .. عيونك وحشونى .
رسمت ابتسامه تحدى : انسي يا زياد ..
انعقد ما بين حاجبيه : منا نسيت !!

- برافو عليك ..
واصل قائلا : نسيت اتفاقنا .. بسمة انا مش هطلق ..
لم يهمها قراره المفاجاة ولكنها تلقته بابتسامه ساخره
- عادى ... هخلعك ..

بغتة قبضة يده على كرسها الخشبي وسحبه بصورة مفاجأه تحرشت بجدار قلبها وعقلها إثر افعاله الغير متوقعه حتى وجدت نفسها بجواره وهو يهمس فى اذنها قائلا
- دانا اللى ممكن اخلعك من على وش الدنيا لو فكرتى تعمليها .
- مش بسمة رشدى هى اللى يهيزها كلامك ..

اردفت جملتها وهى تهم بالذهاب لتهرب من حصار انفاسه التى تفاقم الذكريات فوق قلبها ولكنه تسبث بساعدها ليعوق رحيلها قائلا
- بسمة رشدى الوحيدة اللى وقعت زياد السيوفى ..
اتسعت ابتسامتها بمكر : انت واقع من غير اي مجهود يادكتور اى نظرة بتجيبك وتوديك .. وبصراحه مش دى مواصفات الرجل اللى ممكن اكمل معاه حياتى .

تدللت انامله على خصيلات شعرها الفوضويه وهو يقول بصوت ناعم
- انتِ ما بتكدبيش .. بس كله كوم ونظرة بنت عمو رشدى .. دى جابتنى على جدور رقبتى من غير رجوع ..

اصيبت بنوبه ضعف اقر لمساته الخفيفه .. انفاس التى تعمد تصويبها على ملامحها .. كلماته التى تزرع بقلبها ورد يفوح عطره فينسيها عفن ما خيم على ماضيها .. ولكنها قررت الصمود هاربه
- خلينا صحاب واخوات احسن يا زياد.. اكراما لخالتك الله يرحمها ..

القت جملتها سريعا وفرت من لهيب حبه الذي اشتعل بجوفها .. اما عنه زفر مختنقا وهو يتسائل : كيف يقدر الرجل على مصادقة امرآه اشتهاها يوما !!
لم يستمر التساؤل طويلا بل قطع حباله اتصال نور .. فرد قائلا
- ياحسن حظى انى افطر على صوتك القمر ..

- يابنى انت مش هتبطل معاكسه !! انا ممكن اشتكيك لمعالى المستشار وهو هيتصرف معاك بقي .
- ياستى منا معذور بردو .. بنته اللى حلاوتها مش طبيعيه ..
احمرت وجنتها بحمرة الخجل وهى تدير مقود سيارته مغيره مجرى الحديث
- حبيت افكرك بمعادنا ..
- ودى حاجه تننسي .. دانا كنت هكلمك عشان نقدم المعاد شويه .. اقولك على سر اصلك وحشتينى اوى ..

- احمم .. الساعه ٧ يادكتور .. باى باى .
انهت المكالمه سريعا لتفر من سطو اعذوبة كلماته.. وغزو الف سؤال خلايا رأسها عن اقتحامه المفاجىء لعالمها ولكنها سرعان ما نفضت غبار الاسئله مردده علينا ان نرتضي بمصادفات القدر .. ان نعشق بعضنا بدون هلك فى البحث عن الاسماء والعناوين وذيول الماضي الطابعه فى ذكرياتنا كوشم لعين يأبى المحو .. ارى فيك من الحياه التى تمنيت أن انتمى لها كل شيء ولكنى لا اعرف عن هذه الحياه شيئا ...

دكتوره نهى : كده تمام يادكتور .. ولا من شاف ولا درى ..
تفقد العينة التى بيده باعجاب وهو يقول
- نهى .. احنا فالسليم ؟!
اتكات على طرف المكتبه مردفه بثقه
- طبعا يا دكتور علوى .. المسؤول عن معمل الاجنه والحقن المهجرى دكتور زياد .. ودكتور زياد مش فاضيلنا والساحه واسعه قدامنا نلعب براحتنا ..

اقترب منه بخبث يتناثر من شظايا اعينه
- حرص ولا تخون يا دكتوره .. اللى بنعمله مش سهل .. دا اختلاط انساب وفيها حبل مشنقه ..
- دكتور علوى .. انت معاك دكتورة نهى يعنى المفروض تحط فى بطنك بطيخه صيفى ..

قبل كفة يدها بنظرات دنيئه
- كل يوم بتأكد انى اخترت الشخص الصح..
تدللت امامه بخبث انثوى متجاوزه حاجز المسافات لتعانقه
- اوعدك.. طول ماانت معايا هناكل الشهد ..

بنبرة اكثر تدنى وهو يصوب انظاره على مثلها العلوى من هرمه المبتدا بشفتيها لقاعدته قائلا
- حلاوتكككككككك

( ظهرا )
وصل زياد الى شغله للمشفى الخاصه لدى عائلتهم والتى تتدرب بها بسمه قاصدا غرفتها و علقم مذاق التمرد انثى رفضته ف وقت فقدانه حاسه التذوق ينخر فى حلقه .. دخل مكتبها ولكنه لم يجدها بداخله .. فعزم امره على ان ينتظر مجيئها ...

لم يكبح ان ينهى مكالمته الغراميه الا ان اتت بسمه التى شهقت عندما راته .. فاخر شيء تتوقعه هو اقتحامه غرفة عملها .. قفلت الباب خلفها وهى ترمى أوراقها على الطاولة وتترقب جلسته المفعمه بالشموخ والثقه .. قائله بنفاذ صبر

- يابنى أنت ما بتزهقش ..
انزل ساقه من فوق الاخرى ووقف بهيئته التى تذيب قلب اى امراة قائلا
- وهو فى حد يزهق من طعم العسل بالشكولاته ..
- اوووف وبعدين فيك يا زياد ..
- وبعدين فيك انت .. !

- قولت لا ..
اقترب منها خطوة : مش زياد السيوفى اللى يتقاله لا ..
- ما كفاياك غرور بقي وتخلى رجليك تلمس الارض شويه ..
دنى منها اكثر وهو يداعب بظهر انامله وجنتها برفق
- ومين قالك دا غرور !! دى ثقه فى حبك بس ..
رجل سيكوباتى مثله يهوى السيطره ... عندما تأباه انثى يصبح تنين مجنح لارضائه وارضاء غروره اولا .. زفرت باختناق
- جيت هنا ليه ..

تناول كفها ووضعه فوق قلبه قائلا
- عشان اسمعك عامله فى قلبى ايه !!
احببنك بطريقه كنت اترجى فيها القدر انه يجمعنى بك كى اوهبها لك .. لكنى لا اعلم ما حدث أكان حسن حظى ولا من سوء حظك .. رجل اعتاد ان يفقد كل ما يمهد له سبل السعاده ..

فعله لمس نقطة ضعفها ورج كل مشاعرها التى تعمدت ان تخفيها عنه .. هربت دمعه من طرف عينيها
- زياد .. سيب جروحنا لاايام يااما تداويها .. يا تموتها ..
- مش هكرر غلطى واسيبك مرتين .. الايام دى بتبعدنى عنك اكتر ..

- ولو قولتلك مش عاوزاك ..
- كدابه .. عينيكى قايلين كل حاجه ..
خفضت انظارها لاسفل وسحبت كفها المرتعش لتهرب من اتهامه الصريح الذي اصابها فى منتصف صدرها .. ولكنه تلك المره أبى رحيلها وقربها منه بغتة وهو يحتوى خصرها كطوق من الورد انعقد حول بساتينه هامسا
- اوعدك اخلص الماستر وهنعلن جوازنا للدنيا كلها .. بسمه انا فضلت اتجاهل معاملتك لحد ما فاض بيا ..

انثى اضعف من ان تقاوم رجل لم تعشق سواه .. اعتراها ضعف الحب حتى هُزمت وهى تقول
- تماما على بال ما ده يحصل احنا زى مااحنا ..

زهرت ملاامحه بابتسامه لا يعرف مغزاها أ هل هى ابتسامة حب ام انتصار فى المعركه ؟! تجاهل ثوران سؤاله واشعله بقُبلة مفعمه بنبض الحياه بمثابة اعتذار رسمى عن كل ما صدر منه من جفا الايام .. لم تكبح ان تقاوم قربه او مشاعرها فالحب ليس مجالا للمساومه ولا المقاومه .. ان عزمت على النزول فى ساحته ستلحق بك لعنة الاستسلام التى عزت كيان بسمه ..

قطع خلوتهم دخول نهى المفاجئ التى ثارت بنيران الانتقام عندما تاكدت ظنونها من ثمة علاقه سريه بينهم .. ابتعدت بسمه عنه كالملدوغه بمجرد سماعها صوت نهى مناديه عليها بانظار تحرق زياد قائله
- دكتوره بسمة .. دكتور علوى بيسأل عليك ..

تعمد زياد ان يزيد من لهب نهى الذي راه يتدفق من كل انش بجسدها فدنى من بسمة واضعا قبل خفيفه على جبهتها وبنبره مليئه بالحنان الذي يكمن خلف مكره الرجولى
- متروحيش لوحدك استنينى ....

" لم يتبق على نقطة النهايه الا خططوة واحده"
هذا ما انتوته لهما نهى سريا وهى تحترق بنيران كافيه ان تفجر بركان خامد ....

انتهى النهار بدون حدوث اى مواقف مُلفتة تذكر .. الى أن يجوب هشام غرفته يعد عدته متأهبا لمهمته التى اقسم على نحر رقبتها .. لم يقطع انشغاله صوت طرق الباب ودخول رهف حامله ملابسه المكويه ..
- احطهم فين يا ابيه !!

انتهى من ربط حزام ساقه ووضع السلاح الابيض بداخله قائلا
- عندك يارهف ..
وضعتهم فى صمتٍ وشرعت بالمغادره ولكن اوقفها سؤاله الغير لائق بوضعه الحالى قائلا
- رهف .. هو مين اللى كواهم ..

- فجر ...
التوى ثغره باسما وهو يتذكر جملته التى اعلنتها بنبرة صارمه
- "على جثتى .. لو كويتهم اتاكد انى هحرقهملك "
لاحظت رهف شرود اخيها قائله
- انت سرحت فى ايه ياهشام ..
تناول قميصه الاسود ليرتديه قائلا
- رهف .. انتوا كبنات قرارتكم مهزأه ليه !!

ردت بتلقائيه : احنا كبنات اصلا مهزأين .. فده العادى
- طيب امشي يا لمضه و 5 دقايق كده وناديلى البت اللى جوه ..
- اقولك على سر ...

انتهى من ربط ازرار قميصه رافعا حاجبه منتظرا سرها التى لا تستطيع ان تحتفظ به اكثر من ٣ دقائق .. قائله
- هى فجر رمتهم فالارض وقالت مش هتكويهم .. فأنا عشان متحصلش مشكله وكده قولت اعملهم انا .. بس للاسف كانوا هيتحرقوا منى ومكنتش عارفه اكويهم اصلا .. فهى قامت مغلوبه على أمرها وعملهم حلو اوى حتى شوف كده فى المرايه ..

عض على شفته متوعدا : بت ال **** .... رمت هدومى انا فى الارض ..
- اتش انت عارف انا قولتلك عشان مش بعرف اخبى عليك حاجه .. فبليززز يعنى متعملش مشكله ..
- دانا هعمل منها شاورما .. روحى ناديها بس ..

وصل زياد فى تمام الساعه السابعه لشقه والد نور .. التى فتحت له الباب فاستقبلتها انظاره بصفير قوى وهو يفحص فستانها القصير الذي يزيدها جمالا قائلا
- انا مغلطش فى الشقه صح ..

ضحكت بدلال اثار صخبا بداخله
- اتفضل يادكتور .. بابا فى انتظارك ..
تقدم خطوه ليردف : وانت ...
اطرقت بخجل : مالى؟!
- مش فى انتظارى بردو ؟!
ارتفع نداء والدها الذي كان كلها كطوق نجاه قائلا : مين يانور ..

ابتعدت عن زياد سريعا : ده دكتور زياد يابابا ...
- خليه يتفضل يا نور ..
وجهت كلامها لزياد بمزاح : يلا بقي اتلقى المحاكمه العسكريه بتاعت معالى المستشار وانا هكون جهزت الاكل ..
بدى القلق عليه : ربنا يستر ....

وصل زياد الى ما اشارت له نور وهو يهلل مفرحا ويصافحه
- سعت المستشار .. حمد لله على سلامه معاليك ..
- الله يسلمك يا دكتور .. نورتنا والله .. اتفضل اتفضل ..

شرعوا بالتحدث عن افراد العائله وتبادل الاسئله ومعرفة تفاصيل العائله التى تفنن معالى المستشار فى معرفتها بطرقه الخاصه ، حتى شعر زباد بالاختناق من كثرة ما بات مفضوحا امامه فلا مجال للتلاعب .. ولكنه اصيب بصاعق اخر إثر سؤاله الغير متوقع ..

- وبسمه بنت رشدى بيه ... كنت اسمع عماد بيه انكم ناويين ترتبطوا رسمى ..
انقذته نور من كرباج السؤال التى نخر حواف راسه قائله
- العشا جاهز يابابا ...
نهض قدرى على الفور متناسيا سؤاله : يلا يادكتور قبل الاكل ما يبرد ..

رفضت فجر بكل اساليب الاقتناع التى استخدمتها معها رهف ان تذهب لترى ما الذي يريده منها .. هاتفه بحزم
- قولت لا يارهف .. اخوكى ده هرتكب فيه جنايه لو شوفته تانى ..

تحمحم من خلف باب غرفتها المفتوح .. فارتعدت إثر اقتحامه المفاجىء .. فهتفت رهف بسذاجه
- اتفضل يا ابيه .. دى دى حتى فجر لسه كانت جيالك حالا ..

بادرت معارضه : لا مكنتش هاجى اصلا ..
لكزتها رهف بنبره مرتعشه : ما تتلمى انت كمان ...
يرتدى ثوبه الاسود الذي لا يليق الا به ويسير بطرقات تعكس صوت قلبها قائلا
- دماغك دى لو ما اتعدلتش معايا هكسرها ..

- بحاول انفذ كلام معاليك...
- اللى هو ؟!
- تحاشي ممر القِطاع ..
همست رهف بعدم فهم : اى القطاع ده ؟!!!!!
بات وجهه متقد بالنار إثر مغزى جملتها .. فنهر اخته قائلا
- اطلعى بره ..

- ليه ؟!
بنبرة اخترقت الجدران : رهففففف .
- فجر انت. شتمتى يعنى ؟؟؟!
نظرة واحده من مقلتيه القت بها خارج الغرفة راكضه .. ركل هشام الباب بقدمه قائلا
- الود ودى اطير دماغك دى دلوقت.. بس مش انت اللى تستاهل اودى حياتى فى داهيه بسببها ..

عقدت ساعديها امام صدرها متحديه ثوران قلبها
- فكرك هخاف يعنى .. !!
- لما تقفى قدام هشام السيوفى لازم تخافى ..
- الحاجه الوحيده اللى مش عارفه احسها .. انى اخاف منك ..

باحت بشعورها ولكن خانها التعبير فرجلا يخشاه الخوف فكيف يتجرأ ويقترب من انثي تحرشت بقلبه وكونت مستعمره فى خلايا مخه .. رجلا كالبحر يمتلك هدوءه وصخبه فى آن واحد .. اتسعت ابتسامته قائلا
- مستغربك !!
- طلبت تشوفنى عشان تقول لى مستغربك !!

لعبت على اوتار كبريائه حتى امتعض من داخله عن الشيء الذي يحركه كالطفل الساذج الذي لا يدرك عاقبة امره قائلا
- مش فاضي ارد على تفاهاتك وكمان ليك عليا جميله انك عرفتيتى مقر مخازن زيدان ...وكمان عندى مهمه وبعدها طالع يومين العريش .. ويوم السبت هاخدك ونروح نزور ابوكى وكمان فى مشوار تانى هتعرفيه فى وقته ..

اقترب منها بهدوء ممسكا بذقنها ليطيل النظر بعيون بثت بجوفه شعور لم يزوره من قبل .. ولكن كان التجاهل سيد الموقف وفر قلبهم من ساحة التقلب لحافة التعقل ليسود العقل الموقف
-مش عاوز الشارع يشوف ضلك .. تمام يا قطه !!
بال نظرته المرتجفه بابتسامه ساخره قبل ان يغادر ويمسك بحقيبته الجلديه .. فاوقفه نداء رهف وهى تركض نحوه وتحضنه بحب
- خلى بالك على نفسك ياهشام عشانى والنبى ..

قبل رأس اخته بحنان جرى مجرى الدم داخل جسد فجر التى تترقبهم من بعيد.. فاردفت رهف معاتبه
- هشام فين الواقع بتاعك !!
- والسلاح فى ايدى بيعمل ايه عشان البس واقى !!
- بتخاطر ياهشام ..للدرجه دى بايع حياتك!!! البسه والنبى عشان خاطرى ..
- بيخلى حركتى تقيله يارهف .. ويلا وسعى كفاياكى رغي .. هروح أطير رقبة المهمه دى واطمنك ..
- لا اله الا الله ..

داعب وجنتها بحنو : سيدنا محمد رسول الله..
شعرت فجر بندم رهيب ياكل حواف قلبها .. اتت عايده من شغلها فعاقت سير هشام قائله
- انت رايح فين ..
- عندى مهمه .. وبعدين مسافر العريش يومين وراجع ! اى اوامر تانيه ؟!
احتضنته عايده ولكنها احست ببرود حضنه فوقف ثابتا دون اى رد فعل فلم تطيل مدته اكثر
- ربنا يقويك يا حبيبي ..

تناول حقيبته وغادر على الفور مجريا مهاتفه تليفونيه
( اشرف انا قربت اوصل .. مش عاوز طاقم من الرجاله يشم خبر .. جهزهم بس وانا جاى حالا والخطه هنعرفها هناك )
******** احداث الواقعه الحقيقيه فى اسيوط ( القويصيه ) فبراير 2019 *******

تحرك زيدان تجاه انوار سيارات الشرطه التى صفت امام مخازنه اثناء تعبئة سيارات النقل قائلا بقلقٍ
- خير يا بيه !!
قدم النقيب آدم فياض( مجدى ) إذن النيابه قائلا
- عندنا امر بالتفتيش هنا ... ممكن!
تلعبكت الكلمات فى فم زيدان واحتل القلق كيانه قائلا
- ليه يافندم احنا شغلنا فالسليم طول عمرنا ..
- إجراءات أمنية مش اكتر جنابك .. يلا يا رجاله شوفوا شغلكم ..

انتشروا رجال الشرطه فى جميع ارجاء المخازن بسرعه كخلايا النحل ، اما عن مجدى فتمهل في سيره حتى وقعت عينه على جذع الخشب .. اخرج هاتفه وانار كشافه ليفحصه بعنايه بثت الرعب بقلب زيدان اكثر .. رفع الخفير فوهة بندقيته من الخلف نحو مجدى ليغدر به ولكن سرعان ما اوقف زيدان بيده فعله ..

لاحظ مجدى الفصل بين الخشب والجزء المُلصق به فهتف مناديا على رجاله
- خلاص اجمع هنا ....
جمعوا العساكر اثر نداءه فهتف بنبرة آمره : كلكم على العربيات .. استنونى ..

تابع العساكر اوامر فهدا قلب زيدان قليلا فواصل مجدى فعله وتناول الفاس وبكل ما اوتى من قوة ضرب فوق فاقسم الجذع لنصفين وتناثرت الاسلحه ارضا .. فرفع انظاره نحو زيدان قائلا
- فرش اسنان وقصفات دى ياعمده !!

- بقولك اتصرف با جرجس .. مفيش قدامنا وقت ..
هتفت عايده بنفاذ صبر وهى تاكل خطاوى الارض ذهابا وايابا .. ثم زفرت باختناق
- بكرة تكون لقيت الحل يلا ...

القت هاتفها على الاريكه متأففه : ياربي اى العقد دى بس ..

كانت فجر قد بدلت ملابسها لتبدو اكثر راحه من ما كانت ترتديه الاول .. فبرز جمال جسدها الممشوق فى ملابس رهف الضيقه لانها اكثر سمنه عنها مقارنته بنحافتها .. فكانت تلملم اجزاء كوب الزجاج الذي وقع منها تحت انظار عايده التى اكلتها بنظاراتها ... ثم نادت عليها قائله
- خدى هنا ..
جلست عايده وهى تضع ساق فوق الاخرى
- هعرض عليك عرض ..
رمقتها رهف باستغراب .. ثم رد فجر قائله
- افندم ؟! مش فاهمه ..

تغيرت نبرة صوت عايده من الصخب للين
- هشغلك عندى فالشركه .. وهديكى مرتب عمرك ما حلمتى بيه ..
- اشتغل !! .. هشتغل ايه ..
وقفت عايده لتدور حولها نصف دائره وهى تفحصها بانظارها الحاده
- موديل ..

انفجرت رهف ضاحكه وهى تضرب كف على الاخر وترفع ساقها من فوق الارض
- ده كان هشام يفجرنا
رمقت فجر رهف بتساؤل
- ليه يعنى ... ؟!
- مش لسه قايلالى بنفسك انه نبه عليك ظلك مايشوفش الشارع !

تدخلت عايده : سيبك منه .. خليك معايا انا .
دارت نحو رهف قائله : يعنى الحوار ده هيعصب اخوكى؟!
- بقولك هيفجرنا..
ثم وجهت حديثها لعايده قائله بتحدٍ
- أنا موافقه ...

تاااابع ◄