-->

رواية الحرب لأجلك سلام الفصل الثانى عشر

 

 

 وخشيتُ أن أقول لك دعنا نبدأ من البداية, فتهرب من ذلك الشارع الذي ألتقينا فيه أول مرة. علاء عبدالعليم.

طُمس المكان بسواد حضوره المبنوذ الذى تعمدت فرار منه دائما، فبمجرد ما فتتحت الباب كمن فتح بيده احد ابواب جنهم ليلقى نفسه بها؛ باتت بمفردها فى مواجهة الاسد، اخر كلمة تفوهت بها اسمه اللعين ومن بعدها اقتحم ساحة البيت بدون استأذان قائلا بصوته الخشن
- واخيرا يابت صبرى!


تكورت اصابع اقدامها وارجلها وهى ترتجف كمن يترقب زُهوق روحه امامه عينيه، فاستدار بظهره آمرا.

- اجفلى الباب عاد! فى حديت كتير لازمًا نقولوه..
ظلت ترمقه بنظره وبنظرة آخرى نحو الباب كمن يبحث عن طريقة للهرب، انكمشت حول نفسها وهى تحكم غلق سترتها وتنتفض تتراجع بخطوات سلحفيه.
فهجمت رائحتها على انفاسها اختصار للوقت وتقدم ليقفل الباب حتى خلى المكان عليهما، تخلص من سترته الفضفاضة والقاها على احد الكراسي وجلس بشموخه قائلا
- كيفك يافجر؟!..
- أنت عاوز منى ايه؟!

اندفعت جملتها من قلبها المرتعد وهى تتقدم نحوه فارتفعت نبرة صوته بشيء اشبه بالسخريه
- جيه وقت الحساب!
زفرت باختناق من ثقل رائحته التى خيمت على المكان
- مفيش ما بينا اي اتفاق، انا خلاص نسيت كل اللى اتفقنا عليه...

- الله! الله! وايه كمان يابت صبرى؟!
تحركت لتجلس على المقعد المقابل له وهى تقول
- مفكر انك لسه هتضحك عليا وتفهمنى أن هشام هو اللى لفق كل حاجه لابويا، فجر العيله بتاعت زمان خلاص عقلت، انا ابويا قال لى كل حاجه.

التهمها بنظراته الشهوانيه، فواصل قائلا بثقه
- وايه كمان! سامعك.
- قوم امشي دلوقتى والا هبلغ عنك؟!
- خبر ايه اومال ما تبلى ريقك كده وتهدى!داخله فيا كيفيك كيف القطر ليه...
زفرت بامتعاض:
- اخلص يا زيدان؟!
- شايفك سبتى بيت السيوفى، شكلك اطلقتى؟!
هبت زعابيب جزعها
- انا اللى هربت، زى ما هربت من ارفك اللى معيش البلد كلها فيه...

شد نفسا من سيجارته ثم تابعه بسعال قوي وهو يقول
- زى الشاطرة هترجعى! عشان يا حلوة متتصرفيش تانى من دماغك...

- انسي!ده لما تشوف حلمة ودنك!
تمالك اعصابه بمعاناة، ثم واصل قائلا
- هاجيلك دغرى وطالما كلنا فى مركب واحده يبقي هرسيكى على الشط عشان احنا ملناش غير بعض، وهتقولى زيدان قال...

انصتت لكلامه بخوف دفيين، فسحب نفسا اخرا من سيجارته ثم القاها فى الارض وفركها بقدمه تحت انظاره وكأنه متعمده بتوصيل مغزى فعلها قائلا
- شايفة السيجارة دى!اهو انت بقي متفرقيش عنها، بشتريها وباخد كيفى منها وفى الاخر افعصها تحت رجلى!

ثم انخفضت نبرة صوته بمكر ثعالب
- متخافيش، انا مقدرش اعمل فيكى اكده، عشان لسه مخدش كيفي منك!
لازالت محتميه فى جدار الصمت تستمع اليه بعيون متأرجحه هنا وهناك، فأكمل حديثه قائلا
- ولد السيوفى مأذاش ابوكى، وابوكى ركب العربية وساقها وعارف ان جواها سلاح بمزاجه ده عشان قرشين يسندك بيهم ويدخلك الجامعه، بس بسبب غباءه وقع فى فخ ولد السيوفى، حتة ظابط كان لسه ماسك عندنا، وكانت ضربة معلم ليا ولجماعتى...

ثم صمت اخذ مهلة من الكلام ليشعل سيجارة اخرى انعقد دخانها فوق راسه قائلا
- ومش بس كده الواد مشالنيش من دماغه وشحنه ورا كانت تبقي فشينك وكل مرة كنت اطلع منها بمعجزة!

هبت رياح غضبها بنفاذ صبر.

- انا ماليش دخل فى ارفك ده، لو كنت طاوعتك زمان عشان كنت مكسوره وعاوزه اى قشايه اتعلق فيها، اما لو وعيت بقي مستحيل لان هشام السيوفى انضف منك ومن اللى مشغلينك!

- للمرة الالف اقولك انه مش بمزاجك يا حلوة!
وقفت ببسالة جندى يرفض الظلم قائله بحزم
- لا بقي بمزاجى يا زيدان! وانا مش عاوزه اشوفك تانى..

وقف بهدوء وهو يخطو متمهلا ليقترب منها حتى وقف امامها؛واهدابه تأكل كل انش بها قائلا بخبث
- هو اللى قصلك شعرك؟! ده حسابه طفح معاى.
صرخت فى وجهه تقاوم انسكاب دموع حزنها
- قولت طلعنى من دماغك وسيبنى فى حالى بقي!
قبض بكفه القوى على ذراعها بغلٍ وهو يرجها حتى بابتت تتلوى من شدة الوجع وهو يقول
- انت مش هتقول لى غير نعم وحاضر وبس، فاهمه والا...
حاولت ان تحرر ساعدها من اسر سياج أصابعه صارخه بوجهه.

- ايه؟! هتهددنى بقتل ابويا زى تانى مرة!
التوى ثغره مبتسما بضحكة خبيثه ثم حرر ذراعها شيئا فشيئا، متحدثا بنبره هاديه تحمل عاصفه عاتيه خلفها
- قواكى ولد السيوفى! وبلعتى سِمه...
ثم ادخل يده فى جلبابه واخرج علبة صغيره وتبدلت نبرته حتى اصبحت كفحيح الافعى وهو يقول
- هطلعك من راسي واسيبك عايشه فى مصر واوعدك مش هقرب من ابوكى!بس قصاد دى!
تأرجحت عيونها بفضول وهى تتابعت انكماش وانبساط تجاعيده، فاكمل.

- ترجعى عند ولد السيوفى وتسميه وتصوريه وهو بيتلوى من الوجع...
اتسع بؤبؤ عينيها بذهول محاوله استيعاب دخان شره الذي نفثه فى وجهها، فأكمل مصطنعا الطيبه
- اوعى تفتكرى انى وحش قوى اكده يافجر!بس ده الامر جاي من فوق، اصله ولد السيوفى مش راسي فى مكان شغال يهبش هنا وهناك ويجر شَكل الكل، وبصراحه زودها...

من هول صدمتها انفجرت ضااااحكة وهى تضرب كف على الاخر وهى تجوب المكان بعبث متمتمه
- ده جنان!لالا دانت مش طبيعى! انتوا مش بشر..

وفى لمح البصر باغتها بانقضاضه عليها من الخلف ممسكا بشعرها كالاسد حينما يصطاد فرائسه فدوى صوت صراخ وجعها فى جميع ارجاء المكان مستغيثه، فكتم نواحها بكفه الاخر حتى سقطت تحت رحمته ودخل حصونه، فغمغم مهددا
- اسبوع زمن لو منفذتيش هتسمعى خبر ابوكى، وبعدها خبر ولد السيوفى، وهختم بيكى...
ثم زاد الضغط على شعرها هتلوت ألما واغتسل كفه من مطر عيونها، فأكمل.

- أنا حذرتك، وانت اختارى، ومتحاوليش تغيري مكانك لانى هجيبك من خشم السبع...
ثم القها بكل قوته فى الارض منحنيا ليصفعها بقوه حتى باتت الرؤية امامها مشوشه وشدها من شعرها للخلف وهو ينهرها ميشيرا اليها بسباابتته وشظايا الشر تحرق فى جسدها هاتفا
- انت مش قدى، وبلاش تتحدينى والا هتكونى انت الجانيه...

انتهى من قذف جمره ثم رمها ارضا كمن يرمى قطعة قماش وابتعد عنها متناولا زجاجة السم ورمها بها فاستقبلتها صارخه وهى تتضور وجعا فى حضن الارضية تراقبه وهو يتناول سارته ويغارد بعد ما صفع الباب خلفه بقوة...

اعتدلت فجر وتكورت حول نفسها باكيه وهى تحتضن نفسها بنفسها، ف كل خطوة تأخذها لا تؤمن لك وديعة سلام فهى تحمل بين طياتها دفاتر دمارك، وهى من تغيب عقلها وبدأت حدوتتها بانتقام فلحق بها قطر الهلاك بدون توقف، فكانت كالغريق الذي سقط فالنهر ولم يجد وسيله لانقاذه سوي التمسك بالافعى.

دوما ما تكون النتائج مقتبسه من خطاوى البدايه، فالبدايه الصحيحه نتيجتها راحتك للابد والخطاوى المقلقه عاقبتها انتهاءك لا محالة...

- زياد اهدى كده وفهمنى عشان اعرف اساعدك.
اردف هشام جملته فى احد المكاتب بالمحكمة، فأكمل مجدى قائلا
- انت كنت عارف باللى بيحصل...
رفع زياد وجهه المدفون بين كفيه بخزى وهو يهز رأسه نافيا
- معرفش، والله مااعرف ايه حاجه يامجدى..

- أوماال بسمة جابت المستندات دى منين؟!
هز رأسه بقلة حيله
- معرفش؟! معرفش!هى معقوله تضيعنى كده وهى عارفه انى ماليش ذنب!

هشام بعجز: -
- وهى كان ايه ذنبها وانت بتلعب بمشاعرها..
وثب زياد قائما ليردف باختناق
- انا مضربتهاش على ايدها ياهشام، وهى اللى كملت معايا بمزاجها..
ثار هشام كالبركان ممسكا بياقة اخيه بعنف، مردفا بلوم
- انت ايه؟! مش بنى آدم!دى بنت خالتك ياحيووان معرفتش تحميها من ارفك، تصدق ياااخى حلال فيك اللى هى عملته، وانا لولا مستقبلى ما كنت عبرك وسبتك للسجن يربيك..

انفجر زياد معترضا
- انا مش فاهم هى ازاى بالانانية دى؟! طول عمرها عارفانى وعارفه انى مش بتاع جواز ولا نيله، كانت تيجى كل ليله تتمرمغ فى حضنى ليه؟! وفى الاخر عاوزانى اشيل مسئوليه هبلها! اى التخلف ده..

لكمة قويه بعد الاخر كانت من حظ فكه من يد هشام الحديديه مما جعلت زياد يتقهقر للخلف بخلل، فصرخ هشام بذهول
- اى القذاره دى، انت ازاى عايش معانا ومتربى زينا، اصلا ازاى تتكلم عن واحده على ذمتك كده..

تدخل مجدى سريعا ممسك بيد هشام واقفا بيده وبين زياد قائلا
- اهدى ياهشام، احنا فالمحكمه
نال مجدى ضربة قويه من غضب هشام وهو يدفعه للخلف
- اوعى من طريقي يامجدى، خلينى افوقه...

مسح زياد دماء فمه قائلا بنفاذ صبر
- أنت اللى اهبل ومش فاهم حاجه!البنت من دول بتاخدك لحم وترميك عضم!عاوزين يقشوا كل حاجه واحنا نتسحل معاهم، اطلع من حياة السجون والمحاكم وروح شوف بنات الجامعاات والمدراس متنطوره ازاى ف الشوارع فى عرض بصه منك ولما يتمكنوا يقلبوا الترابيزه عليك، انت هتفهم امتى!، ماتبقي انانى يااخى وشوف اللى يبسطك وبس...

صرخ مجدى بعد ما طفح كيله
- أحنا فى الورطه اللى انت فيها ولا فى دروسك الهابطة!ما تعقلوا، خلونا نشوف هنعمل ايه
هدأت انفاس هشام تدريجيا كأنه عرف ماذا سيفعل قائلا بحزم
- أنا عرفت هعمل ايه؟!
مسح بكفه على وجهه الذي اشتعل بحمرة الغضب حاسما امره
- الحيوان ده لازم يدوق نومة البرش عشان يفوق، يفوق لنفسه ويرجعله عقله اللى مليان ارف وبس...

حسم هشام قراره بدون رجعة وخرج من المكتب فاستدار مجدى نحو زياد معاتبا بانظاره الحارقه وهو يقول بأسف
- مضطر تدفع تمن تخلفك لحد ما تعقل يابن عمى...

تمكن الألمُ منه الى حد التخدير الكامل لجسده ؛ لا احد يحب تعذيب ذاته ولكنه أدمن الأثرَ الذي يتركه العذاب بداخله ؛ نظراتِ التوسُّلِ وصيحاتِ الرَّجَاءِ، والدموعَ التي ينبعثُ القهرُ منها مع كل فتاة ختمت بنسر غرائزه. منحنه كل هذا إحساسًا بالسيطرةِ التامةِ على ضحايته، هو مَنْ اعتاد أن يضعُ قواعدَ اللعبةِ، ومَن يُمارسها، و صاحبُ اليدِ العُليا التي تُقرر مصائرَهم.

لم يتوقع يومًا أن تتبدلَ الأدوارُ؛ فيجلس فوق مقعدِ الضحية، ليحيدَ عن مَسَارِي، ويخوضَ رحلةً خلال أكثر بقاعِ العالمِ ظُلمةً، وان يدفع ثمن ذنبا بريئا منى ليوم الحساب، أ هل هذا يكون العدل؟! ام هذه عدالة السماء التى تهب ولا تذر؟!

- ياعمو ممكن تفهمنى بس؟!
جلست بسمة بجوار عمها متوسله محاولة اقناعه أن يتراجع عن قراره، فهتف بحزم
- بسمه!متحاوليش؟! وابن السيوفى لسه هيتربى، ويعرف مين هما اهلك صح؟!
بسمة بالحاح
- انا خدت حقى من زياد، وهو دلوقت هيدفع تمن اللى عمله فيا ومشيه مع البنات، يبقي نطلعه من دماغنا بقي..

تأفف عمها بغضب
- بسمه الزفت ده هيطلقك، وحسام ابن هيكتب عليكى اهو دكتور زيك ومكان ماتروحوا روحوا، المهم مفيش قعاد فى مصر لوحدك..

جزت بسمه على فكيها بقلة حيلة
-جواز ايه بس ياعمى؟!
- يبقي تقعدى هنا معززه مكرمه لحد ما نصيبك يجيلك...
هبت معارضة
- لا بقي لحد هنا وانا عندى راي تانى؟! عمو انا مش صغيره انا 25سنه، ولو كنت حضرتك مشيت كلامك عليا زمان دلوقت مش هينفع، لان حضرتك اصلا السبب فى كل ده؟

تبدلت ملامح وجهه من الغضب للاستغراب
- قصدك تقولى ايه يا بسمة؟!
- قصدى اقول ياعمى لو مكنتش حطيت دراستى فى كفه وجوازى من زياد فالكفه التانيه مكنش كل ده هيحصل؟! وزي ما انا اتجبرت على الوضع ده هو كمان اتجبر، وكانت ايه النتيجه؟

يسري ممتعضه:
-ده مبرر يخليه يتسرمح ورا البنات!
- انا وزياد كنا متفقين على كده، وكل واحد يعيش حياته براحته، وده حقنا، ولا ايه راي حضرتك..
استند يسرى على عكازه مفكرا وبعد تردد اردف بخفوت
- جوازك من ابن السيوفى عالورق وبس؟!
فرت دمعه من طرف عينيها بأسف ثم اومأت بالايجاب
- اااه ياعمووو، متقلقش!
-يبقي كده تمام، يطلق وانت تتجوزى وحوار وفض!
وقفت معارضة.

- ياعمى هو الواحده عشان تتعلم وتشتغل لازم تتجوز؟! اى عقل ده؟!
- وهى كلمه واحده يابسمه رجلك مش هتعتب مصر تانى...
هزت بسمة رأسها نافية
- لا ما هو اكيد فى حل؟!
- قولتلك مفيش عندى غير الجواز...
فركت كفيها بارتباك ثم قالت بمسايسة.

- بس انا عندى اقتراح، هى مش عمتو سعاد قاعده لوحدها، اى رايك تيجى تقعد معايا فى بيت بابا وتاخد بالها منى وانا وعد منى اخلص سنة الامتياز وهاجى انا وهى واتجوز حسام بقي واللى حضرتك تأمر بيه...

ألجم بردها فدخل فى دوامه تفكير وحيرة طويله، فقطعت تفكيره مُلحه كى لا يفكر كثيرا
- هاا يااعمو، بتفكر فى ايه ماهى اتحلت اهى، ولا حضرتك بتحط عواقب وخلاص!
تنهد يسري بتفهم
- تمام يابسمه، هروح اكلم عمتك عشان مش عاوز اظلمك للمرة التانيه!
تنهدت بسمه بارتياح وارتسمت ابتسامة الانتصار على ثغرها كمن انتصر فى معركه اوشك احد أطرافها على الهلاك فهى التى قادتها بمفردها وظفرت...

- هشام انت هتفضل ساكت كتير كده؟!
اردف مجدى جملته على اذان هشام الذي يقود سيارته لا يدرك امامه الا خلو الارصفه اما عن عقله فمتشتت هنا وهناك، دار بمقود السياره اقصي اليمين حتى اعتدل مسار سيارته فقال
- انا حاسس نفسي 30سنه كنت فى غيبوبه لسه صاحى منها بتعرف على الناس من اول وجديد...

مجدى بهدوء
- طب ايه مش هتحكى لابن عمك وصاحب عمرك؟!

صمت دقيقه وربما اكثر ثم ارتسمت ابتسامه الوجع على ثغره قائلا
- والله ياخى الواحد ما بقي فاهم حاجه، من الثقه اللى كان بيتكلم بيها زياد خلى ثقتى فى نفسي تتهز وانى انا اللى غلط، هو انا غلط يامجدى؟!

- كل واحد بيشوف الدنيا دى بمعدنه، لو من جواك ابيض هتشوف الدنيا كلها بيضه والعكس! شوف نفسك الاول قبل ما تقرر تفتح عينك وتشوف الدنيا..

ركن سيارته اقصي اليسار ثم اتكئ بظهره للخلف متنهدا باختناق
- بكرة هنزل تدريب فى الجهاز!
مجدى بذهول:
- جهاز ايه يا هشااام!موضوع زياد ده لو وصلهم فى امن الدوله لو مسكونا فالمرور يبقي كرمونا والله...

تنهد باصرار:
- لما التحقيق يكمل، يبقي ربك يعدلها!
رمقها مجدى طويلا ثم قال بخبث
- هى فجر راحت فين...

تلون وجهه بحمرة الغضب ثم قال
- ينفع ما تجبش سيرتها تانى؟!
- ياعم رسينى طيب، يمكن تلاقى الحل عند اخوك...
بابتسامه حزينة اردف
- ابن عمك ملهوش حظ مع الستات، بالمختصر كده اخره بندقيه يمسكها يفجر بيها دماغ اتخن مهمه، غير كده فاشل انا فالحوار ده...

- هفضل اسألك كام مرة حصل ايه..
- الهانم طلعت مطبخاها مع زيدان وباعتها تتجسس عليا...

تفوه ثغر مجدى بعدم تصديق وهى ينفض غبار ما فهم عن راسه
- هى قالت كده بنفسها ولا ده استنتاج عبيط من بتوعك!

- قالت كده ومشيت..
مجدى باهتمام
- راحت فين؟!
هشام بقسوة
- راحت في ستين داهيه ولا تفرق معايا!
مجدى متمتما بصوت مسموع وسحب الفضول تقطر بالاسئله فوق راسه
- هشام انت لو مصدق الهبل ده تبقي اتجننت؟! وهى ايه اللى يخليها تعمل كده! اكيد ليها مبررات، وبعدين البنت هتروح فين فالقاهره وهى متعرفش حد كده!

زفر باختاق وهو يعاود ليدير سيارته
- يووووه بقي يا مجدى قولتلك غارت فى ستنين داهيه مش عاوز اسمع اسمها، ولو شوفتها فالشارع ورحمة ابويا هفرمها تحت عجل عربيتى...
- انا شايف انك المفروض تسمعها وتديلها فرصتها؟

صرخ فيه هشام قائلا
-مش هى دى اللى ما كنتش انا مرتاحلها من الاول؟! مش هى دى اللى قولتلك اسأل لى عليها، مش هى دى اللى قولتلك حوارها مش مطمنله، فضلت تقول لى طيبه وغلبانه وبلاش سوء النيه لحد ما انا اللى اخدت فوق دماغى...

ثم زفر دخان شحناته المحرقه وهو يعصر بانامله مقود السياره متمتما
- من النهارده هشام بتاع زمان اتحرق ودينى الكل هيدفع التمن غالى اوووى.

ظل مجدى يرمقه صامتا وتعمد هشام تجاهل النظر إليه شارد فى الحوار بين صوت قلبه الخافت امام صراخ عقله..
-كان الحب بينى وبينها جميلاً حد السُكر...
فصرخ عقله معارضا
-ولكنه كان قاتلا، وجب عليك دائماً أن تخفي أمرك، وأن تكتم شغفك، وأن تثبت باستمرار قوتك لها.
فتسلل اليه صوت قلبه منكسرا.

- وعليّ ايضا أن اضمد ألمها واحتوى أحلامها، وأن اشعر بالذنب أن ابكيتها، ها هو واجبى أن احببت، انا ملك لك إلى أن التقى بامراه تسرقنى منك إليها فلا تلومنى...
فضحك صوت عقله قائلا
- الآن كل التعب فهو لك ولم تبقَ منك الا حطاما، هذا هو جزاء كل من يعتنق الهوى!

ففاق من معاركه الداخليه على صوت صراخ مجدى
- حاسب يااااااهشام...
انحرف بسيارته اقصي اليمين مما اصدرت سيارته صوتا مزعجل ليتفادى الاصطدام بالرجل الذي يعبر الطريق متنهدا بارتياح، فردد مجدى بشكر
- الحمد لله قدر ولطف، هشام اسوق مكانك لو مش مركز!

(مساءا)
غرق قرص الحب الدامى ف بحر حماقتها، دائما ما تجبرنا الحياة على اختيار السيء لتجنب الاسوء حتى انهال الاثنين فوق رأسها، تتقلب على الفراش ممسكه بزجاجة السم كمن يتقلب على جمر مشتعل، ف أكثر شيئا يرعبها جهلها بمن تكون، فى عدم معرفتها بما ستفعله مستقبلا بل ايضا عدم معرفتها حتى بما ستفعله الآن في هذه اللحظة تحديدا، فكل منا بداخله ندبة اكبر من قلبه.

فهمس صوت قلبها معاتبا: كم كنتِ جبانه حتى انك لم تعطيه عنوانا لكِ لتحمى نفسك من لوعة انتظار الرسائل التى لم تأت وروعة طلته حتى وان كانت تحمل عتابا وسخطا! اغمضتت عينيها متذكرة لحظه ما بينهم
#فلاش.

- الاول كُنت شاكك فيك وبفكر فى اي مصيبة تبعدك عن طريقي، كنتى لما تقفى قُدامى وتعندى كنت عاوز اكسر دماغك، بس دايما كان فى مرحله معينة وبقف عندها ماينفعش انفذ، أما دلوقت حاسس بندم شديد إنى بظلمك معايا، أو زي ما قولتِ حاسس إنى اخدت حاجه مش بتاعتى..

ضغط على كفه اكثر ثم قالت: أنت كده جهرت بكل الخطايا، وكتمت أهم حاجه، ممم مشاعرك..!

تعمدت ان فتح باسئلتها قلبه الموصد، فالعاشق يعطى كل مفاتيحه بدون تفكير، لا يخجل ان يُعرى روحه أمام من أحب، فماذا عنه؟!

اتكىء للخلف وهو يبحث عن رد يطاوع غروره ثم اطال النظر إليها، قائلا بتردد
- اقولك على حاجه!
ردت بدون تفكير وهى تنقل كفه التى تحتضنه من فوق فخذه لفوق ركبتها قائله
-انا هنا عشان تقول لى على كل حاجه...

احتضنت بشدقيها شيئا بقلبه لم يكن عالما بوجوده من قبل فتنهد قائلا
- حاسس إنك أمى، لقيت فيك دفء وحنان الام اللى عشت ٣٣ سنه محروم منه..
#باك.

فدفنت وجهه بين كفيها باكيه
- ياريتك بعدتنى عن طريقك ياهشام ولا كان كل ده حصل!
نهضت من فراشها متخذه قرار ان تهاتفه تطمنئن على حاله وكيف حال صوته، فخرجت لصاله الشقه وفتحت الدفتر الجانبى باحثه عن رقمه لتطلبه وما أن وجدته وشرعت بالاتصال به توقفت اثر صوت مفاتيح بسمة التى اخترقت الباب، فوضعت سماعة الهاتف وتصلبت فى مكانها، فاستقبلتها بسمة بابتسامه مشرقه
- معقوله لسه ما نمتيش؟!
هزت راسها نفيا.

- حمد لله على سلامتك...
انحنت بسمه لتسحب حقيبه عمتها وهى تعرفها بفجر
- دى بقي ياعمتو فجر اللى حكيتلك عنها، ودى عمتو سعاد يافجر هتقعد معانا وانا واثقه انك هتحييها اوى زى ما انا بحبها...

سيده فى اول الخمسينات تحمل نفس ملامح بسمه الهادئه ولكنها بلون قمحاوى فارسلت ابتسامه ترحيب لفجر استقبلتها بايماءه عرفان، فهتفت بسمه بحماس
- انا بقول ننام كلنا بقي، والصبح نتعرف وندردش..

قفلت سعاد الباب جيدا ثم اخذت المفاتيح واحكمت غلق الترباس قائله بخفه ظل
- بما اننا احنا التلاته ستات لوحدنا يبقي الترباس ده مش هيتفتح خالص، عشان الحراميه هنا مابيرحموش...
تبادلوا ضحكاتهم الخارج من بركة الحزن الراكده بجوفهم وذهبوا متأهبين للنوم...

( صباحا)
فى احد القصور الفارهه تجلس « مايان» فى الحديقه ترتشف قهوتها وتتصفح الاخبار فالجرائد تعد من الوسائل التى تشبع دواخلها عن تصفح الانترنت، فاقتربت منها ابنة عمها وهى تتحرك بتقاعس شديد وتفرك عينيهة لتفيق، فضحكت مايان على هيئتها الفوضاويع وتركت الفنجان من يدها
- يابنتى انا هفضل لحد أمتى افهمك فوايد الصحيان بدرى!

جلست نانسي بجوارها وهى تلقي جسدها بتثاقل متأففه
- ومين قالك انى عاوزاهم، ياستى انت واحده بتاعت فاشون وبشرة ونضاره اما انا واحده بتاعت هلس ولا ليا فالكيان ولا فالكاريير، طموحى هفطر ايه واقصاهم هتغدى ايه! ليه الزن ده بقي..

- يعنى مفيش امل انك تتغيري يعنى؟!
اردفت مايان جملتها وهى تتناول فنجان القهوة مرة اخرى وارتشفت منه رشفه وهى تستمع لنانسي
- كأنك بتتأملى تنشفى البحر بقماشه!
انفجرت مايان ضاحكه
- لالا دانت حالتك صعبة اووووى!
ثم اعتدلت بتكاسل وهى تاخد هاتف مايان قائله
- ورينى اشوف الفيديو بتاعى عمل كام فيوووه...

فتحت نانسي الهاتف وهى تتكئ بحريه على المقعد فأول صوره وجدتها كانت ل « هشام السيوفى» فتأففت بامتعاض
- يادى النيله عليا وعلى سنينى السوده يابنتى انت ما بزهقيش من صور الواد ده؟! 5سنين يا مايان متابعاه وكل يوم تفتحى الجرايد تدورى على صوره! اى ما تغييرى ما زهقتيش! دانا زهقتلك وتعبتلك..

سحبت مايان الهاتف منها بضيق
- وانت مالك يارخمه، متمسكيش موبايلى تانى..
زفرت نانسي قائله
- يابنتى افهمينى! وخدينى قدوه؟! لو ركزتى مع واحد بس من الصنف البشري الذكورى ده هتتعبى، بصي ماهو مفيش غير حلين...

مايان متأففه
- ايه هما يافالحه!؟
- هقولك بس هاتى القهوة دى الاول تفوقنى...
اخذت نانسي الكوب من يد مايان رغم عنها وهى تعتدل فى جلستها بشموخ.

- الحل الاول طالما هتمشي فى سكة الرجاله يبقي هتضطرى عالاقل تحبى 5فى وقت واحد، واحد يعكنن عليكى التانى يطبطب واحد مطنشك غيره يهتم، واحد خلع اربعه يسدوا واحد خزوقك هتلاقي غيره يهون عليكى، وده ليه؟! هقولك، احنا كبنات تفاصيلنا كتير واهتماماتنا اغرب فرجل واحد لا يكفى، حبايبي فلاشهم على ادهم الرجاله دول...

جزت مايان على فكيها بغيظ ثم قالت
- والحل التانى؟!
تجرعت نانسي اخر رشفه فالفنجان قائله
- انك تفكك منهم خالص ولا تعبريهم، سيبيهم كده يجروا وراكى واللى يقرب يتكهرب، لعبه مسليه اسألينى انا، اصل الرجاله دول مشاكلهم كتير وحوراتهم تقرف، والبعد عنهم غنيمة.

-خلصتى؟!
هزت نانسي راسها نافيا وهى تشير بسبابتها
- نسيت اقولك ملحوظه على النوع الاول، لازم وحتما ولابد انك تحبيهم كلهم زى بعض ما تحبيش حد اكتر من التانى عشان لما تتخزوقى جرحك يداوى ونعرف نلمه بسرعه...

تناولت مايان الواساده من خلفها بنفاذ صبر ورمتها فى وجهها قائله
- تصدقى انا غلطانه انى بسمع كلام عيله زيك!

ضحكت نانسي بصوت عال
- دى دروس من ذهب، طبقيها انت بس وهتدعيلى..
- قولت اخرسي...
- طيب مينو بجد يعنى، ناويه على ايه فى حوار الواد ده...
فكرت مايان للحظه ثم قالت بثقه
- هجيبه؟!
نانسي بخبث: اشمعنا هو يعنى، ماانت الف مين يتمناكى؟!
تنهدت مايان بتحد
- الالف دول ولا يفرقوا معايا، تقله وشخصيته ونجاحه وثقته الزياده فى نفسه جماله مجننينى، راجل اوى وبصراحه النوع ده بيعشش اوى فى دماغى وبيكيفنى..

- مممممم ياسيدى وايه كمان يا ست جوليت...
وضعت مايان ساق فوق الاخرى بثقه عارمه
- هجيبه، هجيبه لحد عندى وكمان يترجانى عشان اتجوزه...

- انت مش هتطبل رن عليا..
بعد مرات عديده من الاتصال لم يمل فارس من محاولاته التى تنتهى بالفشل الى أنها ردت اخيره مردفه جملتها، فبادرها قائلا
- اوووووف اخيرا رديتى!
- هتبطل امتى تتصل بيا..
فارس بحنو:
-لما تفهمينى مالك، روفا هو انا لما عبرتلك عن حبى ده زعلك..
نهضت رهف من مجلسها بغيظ وهى تجوب بخطاوى عابثه
- يابنى انت ليه مش عاوز تفهم اننا هنا فى مصر مش فى امريكا...

اتكئ فارس بظهره على وسادته وهو عاري الصدر يتخذ نفسا طويلا من سيجارته
- فلنفترض انك صح، طيب بذمتك احنا لو كنا اتنين ابطال فى روايه الناس بتقراها والكاتب مخلانييش اعبرلك عن حبى بالطريقه دى كانوا القراء اتهموه بالجنان والهبل...

شددت رهف شعرها صارخه من شدة الاغتياظ
- ااااوووف ياربي، افهمه ازاى ده؟! فارس انجز كنت عاوز ايه...

سحب نفسا اخرا من سيجارته
- وحشتينى على فكرة!
تلعثمت الكلمات بحلقها فاكتفت ان تتفوه صامته فواصل فارس عزف لحن خدعته
- وياستى انا اسف مش هعمل كدا تاني، ولما اشوفك هحاوب نفسى عشان امنعنى عنك، حلو كده؟

اتسعت ابتسامة رهف بجزل طفولى
- اه حلو كده...
اتسعت ابتسامة رهف بدلال ولاول مره يدق قلبها بدربكة الحب قائله
- مش هتيجى بيتنا تانى؟!
- بشرط...!
- لالا بقولك ايه ماعاش ولا كان اللى يتشرط على رهف السيوفى...
التوى ثغره بضحكته المخداعة
- هو لا عاش ولا كان فعلا، بس انا غير يا روفا...
- بلاش الثقه دى ياعم انت، انا مبادئ ما بتتجزأش..
فارس متحديا.

- بقولك اايه، اول ما اديكى تليفون انى عاوز اشوفك بدون نقاش القاكى قدامى، كلمه كده ولا اعتذار كده هتلاقينى عندك وفى اوضتك وهعبرلك عن حبى كمان بطرق الامريكان...

شهقت رهف بذهول من وقاحته فانتفضت وكل ما بيها تلجلج
- انت قليل ادب
ما لبثت أن دخلت امها فى كامل اناقتها قائله
-كويس انك صاحيه، انا رايحه اطمن على زياد قبل مااروح الشغل لان هشام ومجدى محدش فيهم بيرد، وانا هتجنن عليه من امبارح...
اومأت رهف ايجابا محاولة اخفاء دربكتها
- ااه ايوه يا ماما وانا كمان هروح عند بسمه اطمن عليها...
- تمام، وحاولى هاتيها وتعالى، يلا باى ياقلبى عشان متأخرش على الشغل.

- العرق فالتدريب بيوفر الدم فى المعارك، واظن كلكم عارفين مين هو هشام السيوفى وانه فالحرب مابيرحمش عدو وفالتدريب مابيعتقدش جندى...

صوت رخيم اندلع من جوف هشام وهو يتسلل بشموخ بين صفوف العساكر والظباط، فارتفعت نبرة صوته اكثر وكأنه قرر ان يخرج غضبه الدفين فى صوته الامر الناهى، فأكمل قائلا
- الخليه اللى رايحينها من اصعب المجموعات اللى ممكن نقابلها طول فترة شغلنا هنا، يعنى كل واحد قرر يطلع المهمه دى قبل ما يلبس الافرول بتاعه يلبس كفنه، احتماليه رجوعنا من المهمه دى صفر فالميه..
توقف للحظه امام احد الجنود هاتفا.

- واى عمليه بنطلعها هدفنا فيها عشان تعيش البشر ويموت فيها الشر...

واصل تفقد اوجه المحاربين وكأنه قرر ان يلعن نفسه او منتحر لاجل الحرب او عالاغلب الحب فباتت دواخله تتصارع فما الحال بالنسبه لخوارجه، فهتف نابحا
- الا ولو كان ربنا كاتب لحد فينا عمر تانى او قدر تانى، بس على كل انا بوعدكم انى هضحى بنفسي قبل ما واحد فيكم يتأذي، جااااهزين يا رجاله!

هتاف جمهورى قوى تهتز له الجبال مرددا جملته
- جاهزين يافندددم...
فرفع النقيب تامر يده لياخذ الاذن بالتحدث، فاشاره له هشام بالموافقه فقال
- كل زمايلنا اللى بتروح هناك ما بترجعش، احنا عاوزين خطه حتى ولو مش هنرجع نخلص عليهم ونموت معاهم...

جهر هشام بثقه
- ده هيحصل لو هندق الطبول فوق الجبال، لكن عشان نرجع من الحرب دى منتصرين، نرمى نفسنا فالحرب دى كرجاله وهنطلع منها ابطال بعون الله...

تقهقر احد من قادته مجريا مكالمه تليفونيه هامسا
- نشأت بيه اللى بيعمله هشام السيوفى ده اسمه انتحار.

كل الاشياء قابلة للتّخلي إن لم تسعدك، كل العلاقات دون استثناء قابلة للتخلي إن لم تؤمنك، كل الأعمال والفُرص قابلة للتبديل إن لم تعجبك، نعم، كل شيء قابل للتبديل إن لم يرفعك، حتى الحب قابل للتخلى إن لم يشبعك.

هبت انفاس الصباح مغبره بحرائق ليلة الامس، استيقظت فجر بعد صراع طويل مع النوم لتغفو بعض سويعات متغيبه عن العالم ولكن لم يكُف قلبها وجعا ولا عيونها مطرا، فقد كان يقاسمها ألم الحب نصف سريرها نصف نومها نصف طعامها وكل قلبها...

اعتدلت بكلل كمن حرك جبال الارض بيديه هاربه من حضن الفراش الذي يشعله فى ذاكرتها أكثر، لمست اقدامها العاريه ارضيه الغرفه واتجهت نحو المرآه تتفقد هالاتها السوداء وكأن رماد الفراق رسي تحت عينيها ثم اغمضت عينيها للحظات راجيه ربها
- يارب صبرنى، انا ماليش غيرك..
جرت ذيول وجعها وخرجت من الغرفه بخطوات متثاقله؛ فوجدت سعاد فى المطبخ تعد فطارا، ألقت عليها التحيه بصوت خافت
- صباح الخير..

ابتسمت سعاد بابتسامه حب أم لأولادها وهى تقفل صنبور الميه قائله باشراقه
- صباحك بيغنى يا حبيبتى، شوفتى بقي وشك منور ازاي مش قولتلك تبات نار تصبح رماد!
جلست على احد المقاعد التى تحيط برخامة المطبخ متنهده بيأس
- معاكى حق...
ثم تفقدتها لبرهه قائله
- حضرتك بتعملى ايه؟! اساعدك فى حاجه!
شرعت سعاد فى تجهيز الاطباق قائله.

- بحضرلكم فطار يجدد نشاطكم وحيويتكم كده عشان تنزلوا الجامعه مصحصحين! وكمان عملتلكم شويه كيك هتاكلوا صوابعكم وراها
لاول مرة يرد فى قلبها ألم فقدان الام الذي فرغ قلبها فلم يبقي منه سوى عظام، اخفت بظهر سبابتها دمعتها فقالت بصوت يكسيه الحزن
- بس انا مش فى جامعه!
اعطتها سعاد بعض الاطباق لتضعها على السفره وهى تحاورها بصوت عالٍ
- بتشتغلى!
توقفت على حافه السفره وهى تضع الاطباق
- ولا بشتغل...
فهتف سعاد معاتبه.

- وليه حياة الاموات دى يابنتى...؟! وهى الواحده ايه غير شعله نشاط وشغل!
اخذت الكلمه بوجع فى صدرها وعادت لتأخذ باقى الاطباق
- هما ولاد حضرتك فين؟!
اختفت ابتسامة سعاد الواسعة كاختفاء الشمس فى غسق الليل وهى تقول
- ربنا مكرمنيش! كانوا يموتوا فى بطنى قبل ما عيونهم يشوفوا نور الشمس..
تجمدت خطاوى فجر وهى ترمقها بنظرات أسف وندم
- مكنش قصدى، انا اسفه..
عادت ابتسامه الامل على ثغر سعاد مرة آخر وهى تقول لها.

- ماتتأسفيش يابنتى، انت ماقولتيش حاجه ومفيش اعتراض على حكم ربنا، هو يعنى لما يحرم عباده من حاجع كده بيأذيهم؟! بالعكس...
ثم تناولت اخر الاطباق وتحركت ناحيه السفره وهى تقول بحكمه
- المال والبنون زينة الحياة، ومش معنى انى فقدت حاجه منهم اتقهر وازعل وانى احس بالنقص! الكمال فى الرضا والطاعه..
اختلجت روح فجر راضيه
- حضرتك صح؟!
جلست سعاد على مقدمه الطاوله وهى تقول
- احكيلى بقي حكايتك ايه؟! وانت مين؟!

تابعتها فجر وجلست بجوارها وهى تقول بمرارة فقد
- أنا مراة هشام السيوفى..
قطعتها سعاد بذهول
- هى مش مراته كانت اسمها مياده تقريبا؟!
هزت رأسها نافيه وهى تكتسح الاطباق الشهيه بعيونها المتورمه
- ماهى مراته هى كمان...
اتسعت عيون سعاد باستغراب
- طيب فهمينى؟!

خرجت بسمة لتقطع حديثهم وهى فى كامل اناقتها ولأول مرة تضع مساحيق التجميل كامله كأنها ارادت ان تضع قناعا من الجبروت على وجهها أم تخفى خلفه حب كبير اعلنت الحرب على دفنه، نحن كنساء ندافع عن حبنا بالسيف ونقتله بفرشاة تجميل! فاردفت بهدوء
- ايه الصباح القمر ده؟!
سعاد بحنان: القمر الحقيقي اللى لسه طالع من اوضته، يلا تعالى افطرى..
احتضنت اصابعها حزام حقيبتها الجلدي وكأنها تتأهب للذهاب قائله.

- لا معلش مستعجله هحاول نتغدى سوا ان شاء الله؟!
سعاد بعتاب
- بردو هتنفذي اللى فى دماغك؟!
- لازم ابرد نارى ياعمتو...
فجر بعدم فهم:
- هو فيه ايه؟! حاسة انى مش فاهمه حاجه...
اتسعت ابتسامه بسمه بانتصار
- رايحة لزياد فى المحكمه، يلا باى!
فجر بذهول: زياد فالمحكمه ليه؟!
بسمه بعجل
- عمتو بقي تحكيلك، يلا باى باى...
سعاد بتعجب وهى تضرب كف على الاخر.

- اول مرة اشوف واحده فرحانه اوى كده انها حبست جوزها ووديته فى ستين داهيه؟!
تمتمت فجر باستغراب
- معقولة الكراهيه توصلها لحبس زياد؟!
اردفت سعاد من خلال خبرتها فالحياه قائله
- اللى بيكره مابينتقمش يابنتى؟! ولا بيحط فى دماغه انتقام؛بسيب عداله الايام تاخدله حقه! لكن دى بتحبه ودايبه فيه وعاوزه تكون جمبه حتى ولو هتأذيه لان قلبها رافض حتى البعد فبيتلكك، وبيفهمها انها كده بتبرد نارها...

ثم سكبت الشاى من الابريق واكلمت
- اللى بيكره بيكون قرفان من ايه سكة هتجمعه بالشخص التانى، بيكون جواه شعور انه عاوز يختفى من كل الاماكن اللى شايله ريحته، بيقفل كل الابواب اللى ممكن ترجعه تانى لحياته...
اقتطب حاجبى فجر بدهشه
- معقوله لسه بتحبه؟!
سعاد بثقه:
- هتشوفى، وابقى قولى سعاد قالت، سيبيها بس كده شيطانها سايقها لحد ماتهدى وكملى كلامك...

صفت سيارة عايده امام سيارة فارهه يتبعها سيارة سوداء تابعه للحرس، دلفت من سيارتها وعلى حدا فتح الحارس باب السيارة الاخرى فدلف منها صاحبها بكامل شموخه وهيبته، فاردفت بنبرة اشبه بالسخريه
- بقى منير السيوفى بنفسه جاى يطمن على زياد!
قفل منير احد ازرار بدلته السوداء بفظاظه ثم اردف بثقه
- عايده! هو انا لحد امتى هفضل اقولك ربى ولادك كويس بدل ما هما هيودونا فى داهيه كده!

عقدت ساعديها امام صدرها ومعالم الغضب تكسو وجهها ثم قالت
- زياد مش محتاج مساعدتك!انا ابنى هعرف اطلعه..
- ده بأمارة ان هشام ومجدى سابوه امبارح وحلفوا ما هما واقفين له فى حاجه!عموما انا هنا عشان احافظ على اسم العيله اللى بنبنى فيه سنين مش هيجى حتة عيل زيه يهده؟!
تركها منير وغادر بخطاوى متزنه تلقى تعظيما من كل ما مر عليه حتى وصل الى احد المكاتب التى يقطن بها زياد الذي وقف مذهولا
- عمى!

صافح منير وكيل النائب العام وطلب منه ان يتركه مع زياد لمفرده وما لبث ان لحقت بهم عايده متجاهله اى امر واقترب من ابنها وعانقته بلهفه هامسه
- متقلقش! يومين بالكتير وهخررجك؟!
ثم ابتعدت عنه تتفقد اثر الكدمه الزرقاء بوجهه، فاردفت بخوف
- زياد حبيبي مين عمل فيك كده؟!
رد زياد ممتعضا: روحى اسألى هشام ابنك..
قطعهم صوت منير الرخيم وهو يقول بغضب مكتوم.

- ما هو ده اللى عاوز اعرفه! هشام ومجدى سحبوا ايدهم من القضيه ليه؟!
زفر زياد باختناق ثم اردف بضيق مغيرا مجرى الحديث
- لازم تفهموا انى متورط فالحوار ده كله ومعرفش عنه حاجه؟!
نهره منير بعد تصديق
- دا عذر اقبح من ذنب؟! فكرة انك مش عارف اللى بيحصل فى مكان انت مسئول عنه دى جريمه؟!
تدخلت عايده معاتبه
- منير، انت جاي هنا تساعده ولا تقطم فيه؟!
تدخل زياد متحديا
- وانا مش عاوز مساعده من حد..
طفح كيل منير صارخا.

- انت تخرس خاالص، وتجاوب على كلامى وبس فااااهم...
ضغط عايده على كف ابنها ليهدا وارسلت له نظرات توسل ثم سحبته خلفها لتجلسه على اقرب مقعده قائله
- معلش يا زياد، اسمع كلام عمك!
استغفر منير فى سره محاولا تمالك غضبه ثم جلس بجواره قائلا
- الدكتوره اللى اسمها نهى والمساعد بتاعها نوصلهم ازاى؟!
صمت زياد للحظات يستوعب هول سؤال عمه، ثم تمتم باسمها مفكرا
- نهى...
اطلق جشأة مكبوته ولكنها مسموعه مقاطعا.

- اوعى تكون فاكرنى مغفل ومش عارف اللى بتهببه، انجز البت دى نوصلها ازاى...
اردف زياد متجاهلا اتهام عمه
- فى مكان هى دايما بتروحه...
ربتت عايده بحماس على كتفه
- ايوه هى يا حبيبي، يمكن دليل براءتك معاها...
فكر زياد طويلا ثم اردف بعد تردد قائلا
- بار كبير فى وسط البلد...
وقع زياد فى شر اعماله فبات هو المتهم الاول والاخير عن كل ما فعل وكل ما لا يفعله، ضرب منير كف على الاخر موجها جملته لعايده.

- شايفه تربيتك يا عايده هانم، بيقولك بار!
تلعثمت الكلمات بحلق عايده، فنهض منير متاهبا للذهاب وهو يلقى جملته الاخيره
- انا هحاول اساعدك بس عشان خاطر العيله واكراما لابوك، لكن غير كده الود ودى اسيبك هنا وسط المجرمين تتربي...
ولى منير ظهره متجها نحو الباب، فاحتوت عايده كتفى ابنها بذراعها لتطمئنه ثم ابتعدت سريعا لتلحق بمنير وهى تقول بصوت متلجلج
- حبيبي اطمن، انا معاك، همشي دلوقتى واجيلك بكرة...

اسرعت عايده خطاها لتلحق بمنير حتى اوقفه ندائها فالخارج وهى تقول بنبرة عتاب
- معقوله مش عارف تنسي الماضى ولا تنسانى يا منير؟!
غلبت دهشته على ثقتها وهو يقول بتأنى
- اللى مش ناسي بجد هو اللى بيفتح فيه كل ما يشوفنى ياعايده، مش انا خالص...
تهجمت ملامح وجهها بغضب ثم قالت معقبة على كلامه
- لسه بردو زى ماانت بغرورك وكبريائك وانك مابتغلطش؟!
رفع رأسه شامخا
- دى حقيقه، لانى مابغلطش فعلا...

كانت متعمده ان تفتح باهدابها قلبه الموصد ولكنه كعادته ولى ظهره وتركها بمفردها فى دوامتها التى لا تستطيع النجاة منهت ومن هذا الحب العتيق المسور بالصمت الى أن ذبحته سكينة العمر والعند، فزفرت باختناق
- طيب يا منير!لسه بتهرب من المواجهه بعد 35سنه؟!

“لقد عشتُ اكثر من ثلاثين عام و أنا أركض خلف سراب، فى العمل و النضال واثبات الذات ووراء أهداف لم أعد أتذكرها ولم تنسينى ما تعمدت نسيانه، ألاحق شيئا بلا اسم لكى انسي ويمر اليوم خاليا من اي ذكريات، وها أنا الآن مضطرة البقاء ساكنة و صامتة بنفس ذات القوه لاستمرار كل ما بداته لاننى اذا ركضت فلن أصل إلى أى مكان، و إذا صرخت فلن يشعر بى أحد.

- دانت حوارك طلع حوار؟!
اردفت سعاد جملتها مصطحبة بتنهيده عاليه بعد ما انتهت فجر من روايتها التى تجرعتها بكل ما تحمل من مرارٍ، فاطرقت فجر باسف
- انا مكنتش عامله حساب لكل ده ولا كان قصدى احبه ولا اعلقه بيا، انا فجاة لقيته هو المكان اللى بدور عليه عشان اتحامى فيه بقية عمرى...

- ومين قالك ان الحب بيتعمله حساب، وبيجى وقت ما نعوزه؟!لو كانت قلوبنا بمزاجنا مكنش حد غلب والله، اعرفى أن كل حاجه بتحصلنا بسبب ولسبب الا الحب مقطوع من شجره يجى يعلق قوبنا كده فالهوا ويجرى...
اردفت سعاد جملتها وهى تربت على كتف فجر بحنو، ثم قالت بخبث
- اقولك على حاجه؟!
- اكيد طبعًا، اتفضلى انا اصلا حبيت الكلام اوى مع حضرتك...
نظرت لها سعاد بعيون ضيق مشعه بنور الفضول.

- هو انا ليه حاسه انك ما قولتيش كل الحقيقه؟! حاسه فى سر كده مخبياه غير تهديد زيدان ليكى؟!
زاغت انظارها بارتباك والتزمت الصمت كأنها تهرب من سر تعمدت اخفاءه، اطالت سعاد النظر بحركتها العشوائيه ثم تفهمت الامر قائله
- يبقي فى سبب تانى؟!
اومأت فجر بالايجاب؛وبصوت خافت
- بصراحه آه، فى سبب تانى؛حتى هشام نفسه ما يعرفهوش!
- حابه تحكيه؟!
التزمت الصمت مرة اخرى فاستنتجت سعاد الجواب وقالت متفهمه.

- بس اكيد معندكيش مانع تقوليه لهشام؟!
اشرقت انظارها بلهفة كالغريق فى قلب النهر يبحث عن اى شقايه يتعلق بها وان كانت افعى، قائله بتردد
- تفتكرى هيبجيب نتيجه؟!
- انت هان عليكى تمشي وتسيبيه كده فى بدايه الطريق ومستكترة عليه محاوله؟
هزت فجر راسها نافيه
- هشام صعب اوى؛ مش زى ما انت متخيله؟!
ابتسمت سعاد بثقه.

- مفيش رجل سهل ورجل صعب، بس فى ست غبيه وفى ست ذكيه تعرف تقلب الامور كلها لصالحها! وفى ست سلبيه زيك كده تفضل ساكته عشان خايفه من رد الفعل!
انتفض قلبها كحمامه مذبوحه بصدرها، ثم قالت بحيره
- يعنى اعمل ايه؟!
استدارت سعاد وامسكت بريموت التلفاز وتعمدت اللامبالاه
- كلميه!
- ايييه!
بهدوء تام كافى ان يشعل بركان بجوفها قالت سعاد.

- خلاص اندبى حظك كده جمبى لحد ما النار ما بينكم تزيد بالايام وتاكل كل لحظه حلوة فيجى اليوم اللى ترجعى فيه على أمل انك تلاقى ذرة ود، هيتقالك كان فيه وخلص...
غاصت فى صمت طويل وكأنك العالم بسكانه تآمروا على قلبها، فنشبت حرب قويه بين عقلها وقلبها وخوفها فهتفت بحزم متصنع
- لا، مش هكلمه انا...

‏أحيانا يكون الفراق هو الطريقة الوحيدة لنحتفظ بالصورة الجميلة التي رسمها لنا الحبّ، حين نحتاج لتفسير كل كلمة، كل ضحكة، كل تصرف، و كل صمت، حين يكون العتاب شكًا لا خوفًا، وحين تتولد بيننا اسرار لا نستطيع البوح بها، حين تصير الأسئلة اتهامًا لا اطمئنانًا، علينا أن نحتفظ بسلامة هذا الحب قبل أن يصير مريضًا، مشوّها، بُني قرارها على اسس عقلها الرافضة دوما لاهواء القلب، ثم فركت كفيها بتردد قائله بصوت هدر.

- طيب ممكن موبايل حضرتك!
رمقتها سعاد بنظرة خبيثه ثم قالت
- اهو عندك؟!
تناولت الهاتف بدون تفكير او تردد مرة اخرى وقطعته باتصال غير متوقع متجاهله صوت قلبها الذي وصل صداه لاذان سعاد ورعشه شفتيها وكفها وهى تمسك الهاتف وما أن تنهدت ارتياحا وتحول ما بداخلها لقلق
- موبايله مقفول...
ما كادت سعاد ان تجيبها فقطع حديثهم صوت طرق الباب فقامت فجر بحماس
- هفتح انا...

توجهت نحو الباب وصدى صوت قلقها والاسئله بجوفها يتردد بدون رحمه، فكم كان مؤلمًا ان نكون فى مدينة واحده ولم اراك، فتحت الباب فاتسعت عينيها بذهول
- رهف؟!
ولم يقل ذهول رهف ايضا قائله
- فجر، انت هنا؟!

- انا استنيت عمك ومامتك يمشوا عشان نعرف نتكلم على روقان...
جلست ووضعت ساق فوق الاخرى بقوة هزت شيء بصدره ثم واصلت قائله
- ايه يا زيزو هجرت ولا وصلت يعنى؟! فضولك مااخدكش لساعه تيجى تطمن عليا فالمستشفى؟! داحنا بينا عيش ودم يابن خالتى؟!
اعتدلت من نومته فوق الاريكه وجلس بشموخ وقال بنفس نبرتها الساخره
- كمنك صونتيه؟!
- ده ولسه، جبتلك حلاوة كمان، عشان تحلى بعد العيش اللى انت طفحته...

اخرجت من حقيبتها سله بلاستكيه بها انواع رديئه من الحلوى ووضعته على الطاوله، ثم قالت
- للاسف محترمينك اوى هنا وكمان مقعدينك فى مكتب وتكيف ولا كأنك نزيل عندهم مش متهم، سيادة المحافظ شكله موصى عليك جامد، بس متقلقش كنبة البرش تحت بتتفرشلك...
تغلفت روحها بابتسامه مفرحه تحمل بين طياتها دخان الشماته ووقفت لتدور امامه برتابه وبثقة محارب مستمتعه بطعم الانتقام حيث كان لذيذا وقالت.

- مكنتش بصراحه اتوقع منك المستوى الحقيره ده!كده تخون وظيفتك وتقوم بعمليات مشبوهه!للاسف كنت مفكرة اخرك بنت شمال وسهره حلوة وده اخرك، لكن توصل لبيع الضمير، تؤتؤتؤ وحشه اوى فى حقكك...
ثم اشارت بسببابتها كمن تذكر شيء وقالت
- قبل ما انسي جبتلك جرايد النهارده عشان اوريك صورك فيها حلوة ازاى، تعرف انى اخترتلك احلى صوره، يارب ذوقي يعجبك...

تناول الجنزال من يدها ووقعت عينه على عنوان بالخط العريض باسمه وبجريمته الملفقه فجز على فكيه بغضب واحمرت عينيه بنيران الشر والقى ما بيده ارضا، هاتفا باختناق
- اوعى تكونى مصدقه نفسك؟! انت عارفه انى معملتش كده..
ارتفع صوت ضحكتها الساخرة وهى تتدلل فى خطواتها امامه.

- بصراحه انا مصدقه ومعايا الدليل اللى يخلى الدنيا كلها تصدق، بس الحكومه والناس مش مصدقين عشان انت فى نظرهم دكتور من تحت السلم صاحب العمليات النص كُم!
ظل يحرق ظهرها باهدابه المشتعله بالعجز متعجبا من جبروتها، واين اخفت ملامحها الرقيقه التى كانت تصرخ بحزن يتجاوز ال٩٠ عاما؟! وكيف لرجل ان يحول امراة اليفه لحيوان ذو انياب هو من يخشاه اولا؟!

كانت كلماته كاشواك تتناثر على مسامعها، ف حانت منها التفاته الى عيناه قائله
- بص انا سألت وعرفت ان قضيتك دى فيها من 7 ل 15 سنة سجن، وكمان فصل ده غير كيان العيله اللى هيتهد، وبصراحه دى حاجه بسيطه ممكن تطفى ناري؟!
هدأت نبرة صوتها وبدا فى نسج خيوط سيطرته عليها قائلا برجاء
- واهون عليك اتعاقب على حاجه معملتهاش؟!
لم تبد اى ذرة اهتمام لاستعطافه، ف صاحت بصوت مجلجل
- زى ما أنا هونت عليك...

- أنت ليه مش حاسه بيا ولا عاوزه تفهمينى؟!
- والله كلنا عايشين فى معارك وحروب محدش حاسس بيها ولا فاهمها...
حاول تهدأتها وسلب لهب حرقتها بتفهمه انه على خطا
- عارف انى غلطت فى حقك وانك متستاهليش منى كده، بس وعد منى او مااخرج هصلح كل حاجه ما بينا؟! قوليلى بس انت عاوزه ايه؟! انت عارفه انى لسه بحبك وانت كمان بتحبينى
تعودت على وعوده الخاليه من الالتزام فضحكت متعجبه وهى تتصنع التمثيل قائله ببرود.

- قولتلك قبل كده ان الحب لوحده مش كفايه تقوم عليه اي علاقه...
- تمام، تقدرى تمشي وانا هطلع منها وهتشوفى وساعتها هعرفك مين هو زياد السيوفى...
انفجرت ضاحكه كمن القى على مسامعها نكته سخيفه ولكنها مضحكه ضحك منها ملء السمع، فقالت بسخريه
-وكمان بتهدد وانت فى حالتك دى؟! ياسيدى انت بس اطلع منها واوعدك هتلاقى المصيبه التانيه فى وشك...
نصبت عودها ببساله ثم قالت.

- جيتلك هنا عشان اعرفك انى دخلتك الحبس بمزاجى ولما يجيبنى هوايا بردو اخرجك ممكن اخرجك، واقولك انى هخلعك عشان انت غير مناسب ليا بالمرة؟! سورى مش انا اللى اكون متجوزه واحد رد سجون زيك...
كسا الوجوم ملامحه وعششت الحيره فى عقله واعلن عليها حربه قائلا بتحد لم تتوقعه منه.

- واتاكدى انى هخرج من هنا واحد تانى خالص هيفرم اي حد يقف فى طريقه، واولهم اللى كان السبب فى وصولى للمرحله دى، فأحسنلك اتقى شري لان انتقامى مش هيرحم...
فلا تزال نظراتها غامضه وماكره وقالت بشجاعه وتحدى
- وانا مستنيه، والميدان واسع وفارس لفارس بس اللى ما يرفعش رايته ويستسلم فى نص الطريق...
لم يعد بوسعها البقاء حملا معه فى مكان واحد، بل تقهقرت متراجعه وولت ظهرها وتناولت سله الحلوى ساخرة.

- تصدق حتى دول كمان خسارة فيك؟!

( فى بنى سويف)
دخل زيدان الغرفة عند مهجة فاستقلبته بآهات المكر والتمثيل وبعض دموع التماسيح...
- شوفت شوفت مرتك عملت فيا آيه؟!
سند عكازه جانبا ودنا منها قائلا
- المهم سلامتك يا مهجة..
نهضت من فراشها كالملدوغه، وبصوت عال هبت معارضة
- سلامتى؟! افهم من كده انك مش هتجيب لى حقى؟! لا والنعمه مااقعدلك فيها يا زيدان...
كتم بيده باقى سم فاهها ثم قال محذرا.

- اهدى وحقك هيرجع، انا عرفت ان التعابين دى اتحطت بفعل فاعل؟!
- حركه متطلعش غير من العقربه مرتك اللى عامله فيها ستنا الشيخة؟!
- قولت اهدى يا مهجة، وحقك هيرجع، والله هيرجع
هبت متحديه
- ويمين على يمينك يا زيدان ما هيرجع غير لما اقولك هتعمل ايه؟
نهض ليبدل جلبابه مزفرا باختناق
- قولى، سامعك...
نهضت خلفه وتابعت خطاه بفضول
- الاول قول لى عملت ايه مع الحرباية بتاعت مصر؟!
اردف واثقا.

- هتنفذ، خلال اسبوع هنسمع خبر ولد السيوفى...
وقفت مفكرة للحظات ثم قالت بخبث
- ولو منفذتش؟!
انحنى لينزع شرابه قائلا
- هنفذ انا، وتبقي هى اللى ابتديت بالشر...
تفاقم الشر من عيونها ثم قالت بغل
- تعجبنى، وكده تبقى هى اللى جابته لنفسها بت السواق...
انتهى زيدان من ارتداء جلبابه البيتى وساعدته فى شده ثم قالت بصوت اشبه بفحيح الافعى
- المهم خالد واد اخوك لسه نفسه فى الدنيا وباقيله جرعتين كمان ويسلم نمر...

تحرك ليتكأ على فراشه
-زين زين، هو اللى جابه لنفسه، فيها ايه لو مشي جنب الحيط، طلعلى فيها زى اخته وعملت راسهاا براسي وكان ايه جزاتها مشت بدرى بدرى...
ذهبت نحوه لتجلس بقربه وتربت على صدره بفخر
- البت دى لو كانت قعدت يوم كمان كان زمان حبل المشنقه ملفوف حولين رقبتنا...
- يووووه عاد يا مهجة، راسي وجعانى وايه لازمته الحديت الماسخ ده والهرى فى اوهام...
وضعت ساق فوق الاخرى.

- بعرفك ياحبيبي انت من غير مهجه كنت هتبقي فين؟!
- طيب يا ستى، متشكرين، ممكن تسيبنى أنام بقى..
ارتفعت نبرة صوتها معارضه
-تنام كيييف حقى مين هيرجعه، بقولك ايه صحصح لى كده عشان ده انسب وقت تعمل فيه اللى هقولك عليه...
اعتدل رغم عنه مستندا بمرفقه على ركبته
-ها احكى، قولى يا مهجة اللى عندك...
-البيت فاضي، مفيش غيرنا وغير البت قمر اللى لازقه للواد خالد...
- اومال راحو فين؟

-ياخويا راحو يوزعوا صدقه على روح ست خديجه...
زفر بنفاذ صبر
-هاتى اللى عندك وانجزى...
انحنت لتخرج حقنه مملوءه بالمخدر من الدرج وقاالت
- تروح توذع البت اللى عنده وتديهاله...
اخد منها الحقنه مفكرا
-سهله...
ثم هتفت قائله
- المهم البت متشوفكش فاهمنى...
اغمض عينيه متفهما: هاتى يا مهجه، حق الواد ده انا مغلول منه...
أكبر شر عدا الظلم هو أن لا يدفع الظالم ثمن ظلمه.
افلاطون.

حلقه منعقده من القاده والنقباء حول بؤرة متقده من النار مشتعله للتدفأ، فلازالوا يواصلون الحديث والتحاور الا هشام الشارد بعيدا عن مجرى حديثهم، فنادى عليه النقيب طارق
-هشاااام بتفكر فى ايه؟!

تناول عصا من اقصي يمينه وظل يعبث بطرفها بين جمرات الفحم المشتعله تحت استغراب ودهشه من زملائه، وتعمد ابتعاد واحد من الفحم عن اخوتها ثم ظل يترقبها طويلا حتى انطفأت، فرفع انظاره التى تحمل بين طياتها علامات الاستفهام قائلا
-فهمتوا حاجه؟!
تقاذفت الانظار الحائرة بينهم ثم واصل هشام حديثه
-لما بعدت الفحمه عن اخواتها وبقيت لوحدها انطفت، لكن لو حركتها ورجعتها تانى هتولع...

ما لبث ان رجع جمرة الفحم المنطفأه الى اخوتها وسرعان ما شرعت فالتوهج مرة اخرى؛فأكمل هشام قائلا
-انا لو فرقت كل جمرة لوحده بعد دقايق هيضعفوا، وينطفوا كلهم...
لازالت علامات الحيره والتعجب تتقاذب من اعين الجميع، فسأله النقيب تامر قائلا
-انت بتخطط لمهمة بالليل ياسيوفى...
اومئ ايجابا وهو منغمسا فى تفكيره ليردف بحزم
-العمليه دى هنروحها كلنا وهنرجع منها منصورين كلنا...
اردف طارق ممازحا.

-اي ياعم انت عاوز تحرمنا شرف الشهاده ليه!
فرد عليه بثقه
- عيب تقول كده لما تطلع مهمه بقياده هشام السيوفى، انتصارى مش قتل عدوى لا انتصارى الاعظم انى ارجع برجالتى مفيهمش خدش...
ثم وثب قائما ليبث الحماس فى نفوسهم
-الارض دى شربت دم اكتر ما شربت ميه، كفايه اوى كده ونرفع راياتنا على كل شبر فيها، احنا عشان نقضى غلى خليه بالقوه دى يبقي لازم نواجهها بنفس القوة...
فتابعه طارق مكملا
-قصدك زي الفحم كده...

رمقه بنظرة اعجاب بذكاء مؤيدا بملامح وجهه
-بالظبط، طول مااحنا متجمعين قوتنا اكبر وتزلزل اي عدو والرصاصه مننا تخرج مدفع!
تابعه تامر قائلا بحماس
-كمل ياسيوفى...
تحرك فى رتابه وفظاظه
-هننقسم فريقين، فريق جوى وفريق ارضي وابقي يوريونى هيفلتوا منها ازاى المرة دى!

-اقولك على حاجه!تعرف انك فارس احلامى من وانا بنت عندها 10سنين، كنت بقول لامى انا هتجوز خالد لما اكبر كانت تتمقلد عليا وتقول لى انت فين وهو فين!كنت اشوفك دايما سيد الرجاله كلهم واقواهم؛حتى وانت نايم كده بردو نظرتى ليك متغيرتش...
تجلس قمر بجوار خالد على الفراش وتحتضن كفه بقوه وقررت ان تفجر كل دواخلها المدفونه له، ابتعدت عنه للحظه ثم اخذت عبله الدوا والقت نظرة سريعه عليها قائله بحنان.

-جيه معادنا، يلا خدها وهتنيمك...
ساعدت جسده الهالك فالنهوض ووضعت الوسادة خلف ظهره واعطته جرعة الدواء مصطحبه بابتسامه أمل وهى تسأله ممازحه..
-ماقولتليش طعمها ايه...
انشق ثغره مبتسما بتنهيده قوويه نابعه من صدره، مغمضا عينيه لبرهه فعادت لتحتضن كفه قائله
-استنى انت هتنام ولا ايه؟!انا لسه محكتش حكايتى، واسمحلى اعترفلك بقي...
فتح عيونه الذابله بصعوبه شديده وهو يستمع اليها مبتسما.

-اسألك سؤال الاول وتجاوبنى بصراحه...
اتسعت انظاره اكثر متنظرا سؤالها باهتمام، فاطرقت بشيء من الخجل
- لما حضنتك امبارح حسيتك هديت، انت ارتحت فى حضنى ياخالد يعنى هو فين داوى جرحك ولا انت كنت مصدوم؟!..
يصمت كمن فقد القدره على النطق، ظلت تراقب همس شفتيه ولكن بدون فائده فانخفضت عينيها على كفه الذي احتواه بحب فاتسعت ابتسامتها واشراقتها وواصلت قائله.

- انا كمان هديت، وحسيت انك كملت نقص كبير فى روحى، خالد انا بحبك، وعاوزاك تشد حيلك وتخف عشان تعوض قلبى اللى فضل مستنيك السنين دى كلها...
ثم رفعت جسدها قليلا لتتحسس حرارته فقالت بتشجيع
-حرارتك كويسه، خالد، اوعدنى انك تقوم وتخف عشانى وانا اوعدك انى هخليك اسعد راجل فالدنيا كلها بس انت قوم...

اومىء راسه ايجابا وهو يقاوم صداع راسه القاتل فاحييا الامل بقلبها فلم تشعر بنفسها غير وهى تلقى بجزءها العلوى بين يديه وتحتضنه وتسند رأسه على صدره تستمع لصوت قلبه وشعرها الطويل الاشبه بستارة سوداء يغطيهم معا..
للحظه اقتحمت رائحة زيدان المكان عندما فتح الباب بدون سابق انذار ففزعت من بين يدى خالد كالملدوغه مردده
-جناب العمده...!

تفقد هيئتها وجمالها وفستانها الذي ينحت جسمها كحورية البحر بنظراته الشهوانيه قائلا
-سيبينى مع ولد اخوى هبابه يابت...
شمت رائحة العذر من نظراته وكلماته وسرعان ماهزت رأسه نافيه
-لا، ستى ناديه امرتنى مااهملهوش لحاله واصل...
التهبت اعين زيدان بحمرة الغضب وارتفعت نبرة صوته
-أنت عتقوليلى لا يابت المحروق انت؟!
تراجعت للخلف وهى ترمقه بعيون مرتعده وتبلل حلقها الذي جف من شدة الرعب
-اسفه جنابك، بس مش هينفع...

نظرة ثاقبه من عيونها التقمتها من راسها للكاحل ففجرت كل مهامه الاداميه، فاستدار بجسده ليحكم غلق باب الغرفه بالمفتاح وهو ينزع جلبابه متأهبا لفعله الشيطانى
-انا هوريكى كيف تقولى لزيدان نصير لا...


كل خطاوينا تحمل سلاما، منا من يكمن سلامه فى سقوطه فى جب البئر، ومن يكمن سلامه فى الوحده ، ومنا من يلقى سلامه بكلمه تبث نسائم الامل بجوفه، ومنا من يكون سلامه فى شخص يملك بين مرفقيه حياه اخرى غير التى هلكت منا اثناء الرحله، ومنا من يمتلك سلامه فى قرار عفوي اُخذ بدون تفكير على امل انه يصل لما يريد فى النهايه، على كُلٍ افعل ما شئت فجميعنا سنسافر لوحدنا فى نهايه الامر!

التهبت اعين زيدان بحمرة الغضب وارتفعت نبرة صوته
-أنت عتقوليلى لا يابت المحروق انت؟!
تراجعت للخلف وهى ترمقه بعيون مرتعده وتبلل حلقها الذي جف من شدة الرعب
-اسفه جنابك، بس مش هينفع...
نظرة ثاقبه من عيونها التقمتها من راسها للكاحل ففجرت كل مهامه الاداميه، فاستدار بجسده ليحكم غلق باب الغرفه بالمفتاح وهو ينزع جلبابه متأهبا لفعله الشيطانى
-انا هوريكى كيف تقولى لزيدان نصير لا..

تتراجع للخلف حتى ارتطمت ساقها بحافه المنضده الصغيره التى تتوسط الغرفه وتملكت الهواجس الشريره عقلها وهى تترقب هجومه نحوها بصدمه وعيون منتفضه، فقالت
- جنابك هتعمل ايه؟
تفقد جسدها الممشوق والذي ينحته ثوبها الازرق المصنوع من القطيفه مما جعلها اكثر جمالا، فالقى جلبابه ارضه وهو يهذي
-مش كنتى لسه راميه نفسك فى حضنه؟! هتعملى عليا انا الخضرة الشريفه يابت!

ارتعشت احبالها الصوتيه وهى تشير له بسبابتها مهدده وتقول
-محصلش، ولو قربت منى مش هيحصل طيب..
ضحك منه ملا السمع خرج من فاهه، فقال
- وكمان عتهددينى يابت انت؟ والله زين..
ما لبث ان انتهى من جملته حتى انقض عليها بمخالبه فصاحت مستغيثه
- الحقوووونى...
دفعته بكل ما اوتيت من قوه فتقهقرت قوته قليلا وفلتت منه جريا نحو الشرفه وهى تقول لاهثه
-لو فكرت تقرب منى هرمى روحى من اهنه...

تباطئت خطواته شيئا فشيئا ثم قال مستعجبا
-يلا اقتلى روحك وانا اقولهم انى قفشتك بتعملى الحرام مع ولد اخوى ولما هددتك انتحرتى...
ثم اطلق ضحكه عاليه
- وترجع الجرانين تتحدت عنى من تانى وابقي على لسان كل واحد...

ارتفاع وهبوط صدرها الواضح من شدة الخوف كان مثيرا له بأن يلتهمها بين ذراعيه، ظلت تترقب نظراته المقززه طويلا وخطواته السلحفيه التى تحاول الامساك به الى ان عزمت قرارها وقفزت فوق السور وجلست عليه صارخه ومحذره
-قولتلك اوعاااك تقرب منى، هرمى روحى.

بات حال خالد اشبه بقماشه هالكه كلما تحاول نصبها تسقط كما لم تكن، تارة يستجمع قوته ويقاوم تاثير المنوم الذي تملك من جسده فيسقط حيثما كان، وتارة يتمرمغ فى الارض محاولا النهوض حتى شلت حركه جسده تماما فلم يبقي سوى انظاره الرافضه الاغماض...
ظلت قمر تكتسح المكان خلفها واسفلها بعيونها المرتعشه وهى ترتعد فلم تستطع البقاء مع بشري مثله فى مكان واحد، برزت عروق عنها من شده الخوف وهى تتمتم بحذر.

-قولتلك بعد، هرمى روحى..
طاوعها وهو يرفع يديه مستسلما ويتقهقر بخطوات متردده قائلا
- اهو اهو، يلا انزلى ومتوديش نفسك فى شربة ميه عاد..
صرخت جازعه
-قولتلك بعد واطلع بره الاوضه خالص..
اؤمى رأسه ايجابا وهو يلهج قائلا
- هرجع، بس يلا انزل..

استدارت برأسه للخلف فتكوم شعرها الطويل على كتفها فازدادت فى عينيه جمالا، فلا تزال نظراته غامضه الى ان خرج من الشرفه وتوجه نحو الباب فتحه ثم قفله بقوة، فاطمئن قلبها قليلا لصوت الباب فسقطت عينيها على خالد الملقى ارضا، فدلفت ملهوفة وهى تركض صوبه صارخه باسمه
-خالد...
ما لبث ان جثت على كلتا ركبتيها فالتفت ايدي زيدان المختبئ خلف الخزانه وكتم انفاسها قائلا بصوت شرير.

-فكرك بت يومين زيك انت هتمشي كلامها على زيدان نصير...
رفثت ساقيها سجاده الغرفة وهى تتملص من تحت يديه الخاليه من الرحمه ودموعها التى كست كفه صارخه بصوت مكتوم، فسحبها بكل قوته واوقفها امامه ليصفعها على وجنتها بكل ما اوتى من شر ناهرا
-بتتحدينى يابت المحروق...

لمطه واحده من كفه كانت كافيه ان تسقطها ارضا، بمجرد ما لمس جسدها الارض رفعها من شعرها وكان لخدها الاخر نصيبا من شر يديه التى لا ترحم صوت نحيبها وصراخها الذي بكت لاجله الجدران...
كل هذا بدى لخالد عباره عن صورة مشوشه لشخص كسرت نظارته الطبيه، ارتفعت اصوات عرائزه التى تجاوزت اصوات استغاثتها وصوت هد الباب من الخارج بواسطه مهجه الصارخه بتوسل
- افتح ياازيددان..

سحب قمر من شعرها كما تسحب البعير وبكل قوته القاها على الفراش فارتطمت رأسها بحافته وفقدت وعيها فالحال، باتت وليمته جاهزه على النهش وماتت كل عواطفه الانسانيه ولم يبق سوى عواصفه الشيطانيه...
ركل خالد الملقى ارضا بغل متابعا بسبه سرا وانحنى باحثا عن شيء ما حتى أمسك بسكينه فوق طبق الفواكه ولمعت عينه بداء الانتصار...

عاد الى قمر التى لا حول لها ولا قوة مرة اخرى وشرع فى تمزيق الفستان كمان تمزق النسور جلد فرائسها، ما هى الا لحظات قليله امتلأت عيناه بمراده حتى شعت لهفة الافتراس من عينيه وهى يمرر كفه على كل انش بها كمن ملك اللؤلؤ تحت يديه...

- المفروض عليا انى اراقبك يعنى عشان اعرف اشوفك..
اردف سامر المتكئ على سيارة بسمه جملته الاخيره بنبره ممازحه، استقبلتها بسمه بابتسامه هادئه
- سامر بيه، اخبار حضرتك؟
-أنت لو كنتى عاوزه تعرفى اخبارى كنتى هتتكلمى او تردى على مكالماتى..
بدت بهدوء غير معهود وهى ترتدى نظارتها السوداء
-سورى انا حقيقي كنت مشغولة جدا الفترة اللى عدت..
تطاولت انامله لترفع نظارتها السوداء عن عيونها قائلا بغزل.

- العيون در اللى منوره قلبى والدنيا كلها حرام تستخبى..
تعجبت من جراءته الزائد ودخلت فى حرب بين المحافظه على هدوئها وبين وضع حدا له، فبادرها قائلا ليثبط حيرتها
-سورى، بس هما عيونك اللى حلوين واجبرونى اعمل كده..
ضغطت على ريموت عربيتها فاصدرت صوت الكترونيا يشير بفتحها فلحقتها نبرة صوتها
- سامر انت عاوز ايه، ممم ده مع حفظ الالقاب طبعا..
اتكئ بذراعيه على سيارتها قائلا.

-هقولك عاوز ايه لما تقبلى عزومتى على الغدا..
اطرقت بخجل وهى تفتح سيارتها وتضع الحقيبه بداخلها لتهرب من عرضه رافضه
- بس اسفه، مش هينفع ...
وضع يده كحدا لها ليمنعها من صعود السيارة مصرا
-ياستى وابقي حاسبى انت واسمك بتعتذريلى على مكالماتى اللى مش بيترد عليها دى.
عاندت قلبها صائحه:
- حضرة الظابط ممكن توسع والا هتصرف تصرف مش هيعجبك..
غمز بطرف عينيه قائلا بثقه بعثرت عقلها لاشلاء.

-هتصوتى وتقولى متحرش؟! اهون عليكى اخد علقة موت وانا ظابط ملوى هدومى كده..
ثم قفل باب سيارتها مخترقا قانون المسافات حتى لامست انفاسه وجنتها قائلا بغمز
-ولا هتقولى خاطفنى وفى الحاله دى القانون عنده الحل هتجوزك واطلع منها وده بصراحه يوم المنى!
كانت كلمات كاعصار بعثر افكارها فاردفت بتردد
- طيب ممكن نأجلها..
- لامتى، معلش لازم تقولى معاد عشان اسيبك..
تشاجرت مع خصيلات شعرها بنفاذ صبر.

-سامر، انا مش مناسبه ليك...
- ولو مكنتش انت مش مناسبه!مين هيكون مناسب؟
ثم نظر فى ساعته قائلا
- هاا يااما معاد محدد واجى اخدك من تحت البيت بفستان قمر وزى جو الافلام والروايات ده. ياما زى الشاطرة تيجى تركبى جمبى نروح نتغدى وارجعك مكان ما اخدتك، قولتى ايه..
فكرت طويلا ثم قالت متأففه
- تمام، الخميس اخر الاسبوع كويس!
اتسعت ابتسامته منتصرا
- حلو، يبقي كده لازم تاخدى العرض كامل؟
رفعت حاجبها مستفهمه
-ازاى بقي؟

نصب عوده كأنه فى مهمة رسميه وهو يطبق نظارتها قائلا بثقه وبنبرة اشبه بالامر
- يوم الخميس الساعه 7 هعدى عليكى وتكونى لابسه فستان لو مكنتيش لابسه فستان هضطر بقي ااجل الخروجه لحد ما تلبسي فستان..
ثم وضع نظارتها فى جيبه قائلا
- ودى هتفضل معايا لحد الخميس، كضمان انك هتيجى عشان تاخديها..
ثم انحنى قليلا ليفتح لها باب سيارتها ويشير له بكفه بفظاظه لتصعد وابتسامه خلابه تشق شفتيه قائلا ممازحا.

- نسوق بشويش، عشان لو الرخص اتسحبت مش هعرف اساعدك..
تتقلب عيونها كالمد والجزر من هول افعاله التى ثارت اعجابها، تعمدت تجاهل تلك المشاعر التى لا تليق بأمراة ناضجه حد الاستواء من افعال رجل شوى قلبها على نيران خديعته فاكتفت بنظرة رضا وهى تركب سيارته متحاشيه النظر اليه...

تقود سيارتها مفكرة فى حديث سامر الفكاهى بصرف النظر عن ابتسامتها التى بخلت بها فى وجهه، باتت تتسائل كيف تنجو من براثين رجل اهلكتها؟ هل برجل مثله أم بمقاطعه رجال الارض! كيف تسد فراغ قلبها ووحدتها القاتله من بعده؟ هل بالسعى وراء الموت والسير مع التيار الى أن يلقى بها الى الحافه املا فى تعثرها باصفاد اوجاعها فتهوى من فوقها أم بالتعويض وفتح بوابات قلبها كغرفه فى فندق تستقبل كل نزلائها بصدر رحب وتحويهم ايضا حتى تتولد بقلوبها القناعه التامه بأنه الاول والاخير! حائره هى كعش دبابير وافكارها تحوم حولها بدون مأوى...

- رهف بليز مش هوصيكى، محدش يعرف انى هنا؟!
اردفت فجر متوسله وهى تصطحب رهف الى الباب، فاومأت رهف متفهمه
- يعنى انى كذبتى على هشام عشان مش عاوزه توجعيه؟
كتمت الحقيقه فى نفسها ثم اومأت بالايجاب
-اعتبريها كده..
اتسعت ابتسامه رهف بحماس
- واعتبرينى انا كمان معرفش اي حاجه، بصي سرك فى بير اصلا...
رمقتها فجر بخوف وعدم تصديق
- ياخوفى! ربنا يستر..
ضحكت رهف بصوت عال ثم تأهبت للمغادره.

-ابقي سلميلى على بسمه كان نفسي اشوفها اوى، وكمان انا كل يوم هتلاقونى عندكم هنا..
اقتطب حاجبى فجر ممتعضه وحاولت اخفاء دواخلها وقلقها بابتسامه خفيفه، استقلبتها رهف بحضن ثم قالت
-متزعليش من ماما هى طيبه اوى والله وعاوزه مصلحتنا.
- معاكى حق..
ولت رهف ظهرها ثم وقفت كانها تذكرت شيء فقالت بلهفه
- جوجو، انت عرفتى ان هشام طلق مياده !

يبعث الله من يحتضن قلبك بجملة ويرد روحك بخبرٍ، بعيدًا عن نيران هذا العالم والالم الذي يسكننك في كل زاوية منك، اشرق وجهها الذابل بابتسامه أمل متمتمه
-ده بجد..
اومأت رهف بالموافقة وعلامات الخزى تقاسم ملامحها
- ايوة، زعلانه عليهم جدا بس يلا ربنا يعوضهم هما الاتنين...

انصرفت رهف بعد ما ثقبت بجملتها قلب فجر التى انعقدت اشواقها فوق قلبها ووقفت عند ذكريات ليله بمثابه عمر، قلبها يقرضها الما لانه باع الدنيا لاجلها ولم تبتاع حبه، وتارة اصبح فارحا لخلو حياته من اجناس حواء فبرغم من اقناعها التام ان عودتهم سيكون من احدى عجائب الدنيا الا أنها تود ان تسطو بحبها على قلبه دهرا ولا انثي غيرها تقاسمها، استندت على الباب شارده وهى تحتضن قلبها المتراقص على اشواق واشواك الحب متمتمه مع نفسها.

- قالولنا زمان ان المشاعر عامله زى الورد بتنبت ببطء جوانا لحد ما تملا قلوبنا بريحة حب نحييا بيها بقية عمرنا، بس اشمعنا حبك انت اللى خلف كلامهم و جيه على قلبى زي القنبله فجرت كل المشاعر دى ليك لوحدك لدرجه انى ماشيه بلملم فى كل جزء منى عشان ارجع زى الاول؟!
فاقت من دوامتها التى اخذتها بين ذراعى هشام تحديدا على صوت سعاد المازحه.

- طيب ايه هنقف على الباب كده كتير نفرق الناس علينا واحنا غرقانين فى بحور الحب!
لاول مرة منذ أن غابت شمسه عنها ان تضحك وهى تقفل الباب وتقول بتفاؤل
- حضرتك معاكى حق، ماينفعش الناس يشوفونا والحب مبهدلنا كده..
ولت سعاد ظهرها وقالت بخبث مفتعل
- لو اعرف ان رهف هترجعلك ضحكتك دى كنت كلمتها من امبارح!
لحقت بها فجر وهى تمط ذراعيها بحماس
- بحب اى حد من طرفه ومعاه ريحته..
ثم صمتت للحظه وتابعت بحزن.

- تفتكرى هقضي عمرى كله كده على انتظار ريحته فأى حد من قرايبه!
جلست سعاد وشرعت فى تنقيه الرز وهى تقول
- او تحاولى؟
جلست فجر بجوارها حائره وبنبره استياء
- اعمل ايه بس، طنط انت ليه مش مستوعبه قوة شخصيه هشام، لو عتر فيا بعد اللى عملته هيدفنى حيه...
توقفت سعاد عن تنقيه الرز قائله بحكمه
- ما انت لو ذكيه وعرفتى تدخليله صح ساعتها كل قوته دى تبقي ملكك مش عليكى..
ضرب الارض بقدميها بقلة حيلة.

- يعنى اعمل ايه بس ياربى؟! انا خايفه اقرب، والبعد راعبنى...
- فى كل الحالات خوف! النتيجه واحده لو مش واخده بالك...
فكرت طويلا ثم قالت
- هو انا ليه حاسه نفسي حماره مش عارفه افكر فى اي حاجه؟!
ضحكت سعاد واجابتها ممازحه
- حاسه؟! ياحبيبتى انت لو مش حمارة كنت حبيتى واحد حلوف كده زي هشام..
رمقتها بنظرات ساخطه ووجه مكفهر ثم بعدها انفجرت ضاحكه وهى تقول
- انت صح...
ثم وثبت متحمسه.

- انا هروح اكلمه واستحمل اى زعيق منه وخلاص، اهو اهون من حرقه قلبى عليه دى..
اوقفتها سعاد بصوتها الذي صدح معارضا
- استنى هنا؟! يعنى اتصرفتى بغباء وضيعتيه عاوزه تكملى غباءك وانت بترجعيه فهتضيعه منك اكتر..

تسمرت فجر فى مكانها كانسان آلى فى انتظار امر التوجيه؛عجيب امر قائد الحب يحولنا ل عرائس خشبيه يلاعبها من اعلى ويكشف خبايانا ويشاهد عبثنا ويسخر منها وهو من يحركنا، قائد ذو مزحه سخيفه حقا، يتخذ من قلوبنا كأسا ليسكر به ويلهيه!
تابعت سعاد بفطنه
- اقعدى كده واسمعى كلام واحده شعرها شاب فى قراية الكتب ودراسة الرجالة...

فضحكت فجر منتظره رسم خريطه الوصول التى سنترسمها لها سعاد ولكن دخلت بسمه لتقطع حديثهم قائله باعجاب
- الله الله، دانتو بقيتوا صحاب بقي؟!

انتهى زيدان من فعله الخارج على قوانين العداله والرحمه وهو يلملم ملابسه ويترقب بانظاره ضحاياه مغيبين امامه فتعلو شدقه ابتسامه انتصار، عاود مرة اخرى لقمر التى بدأت ان تسترد وعيها تدريجيا فظل يتأمل اثار جرائمه الفادحه على جسدها وبالاخص شفتيها المرتعشه التى ينبثق منهما قطرات الدماء ؛ غمض له جفن الرحمه والقى ستره على جسدها ثم ولى ظهره خارجا بارتياح..

استقبلته عيون مهجة قبل صوتها الذي فقد بحته اثر النداء والرجاء من الخارج، فنهضت من فوق الارض متعلقه بذراعه قائله ببحة خافته
- عملت ايه؟ حصل ايه جوه؟
ببرود ثلجى اردف
-خشي استرى البت اللى جوه دى.
ندبت على صدرها مذعوره
-ياحزنى عملت ايه؟
اكتفى بكلمه واحده كى لا يفسد سكر يومه الذي اختلسه بقسوه
- ربيتها..
انصرف زيدان فحلت محله اقدام ناديه اللاهثه وهى تدقع مهجه من الخلف صارخه
- عملتو ايه فى ولدى؟!

غزا الصداع رأسها واتسعت حدقة عينيها حد الجحوظ عندما رأت اجساد بدون روح ملقاه، فقدت قدرتها على الاستغاثه على الصراخ على النجاه، وذلك لم يقل ذهولا عما شعرت به مهجه، وسرعان ما استردت وعيها وقفلت الباب وركضت نحو قمر لتخفى اثار الجريمه ولكن كانت الصاعقة عندما انقطعت انفاسها عن الحياه، فلطمت على وجهه صارخه
- يامصيبتى!

جثت ناديه على ركبتيها محاولة إفاقة ابنها تارة وتارة اخرى تحاول ايقاظ قمر ولكن بدون فائده حتى انفجر بوق الوجع من حلقها صارخه
- حسبي الله ونعم الوكيل فيك ياازيدان، منكككك لله..
نهضت مهجه محذرة
- هطلب الاسعاف، بس حسك عينك تنطقى بكلمه فاهمه والا هسيبك تتفرجى على ولدك وهو بيموت ويحصل البت دى!

قديما كلما ضاقت علينا الايام تمنينا ولو يعود بنا الزمن حيث ما كنا صغار، اليوم تحققت احد ماقولات الزمان، نحن نعيش فى غابه حيواناتها تسكننا حتى باتت الدنيا بتلك الصورة المؤسفه، ضاقت حد الاختناق للدرجه التى تمنينا فيها ولو لم نخلق ما كان قد خُلق كل هذا الوجع!

(بعد مرور ثلاثة أيام )
-بونجور على حبيبة قلب بابى!
تركت مايان الحاسوب الخاص بها جنبا ثم اردفت مترحيب
-بونجور داد...
جلس بجوارها بفظاظه قائلا
- ها ايه الاخبار ؛ شغلك تمام..
استغرقت بعض الثوان فى التفكير ثم قالت بشك
- هو هيبقي تمام فعلا لو اللى بخططله حصل؟!
رمقها بنظرة تحذيريه
- مينو، عاوز عينك تبقي فى وسط راسك، هنا الغدر بيتنفسوه ..
اردفت بثقه اشبه بالغرور.

- متقلقش يابابى، هو انا اول مرة انزل السوق ولا ايه، ده حضرتك مجربنى..
اومئ راسه بفخر ثم تأهب للذهاب قائلا
- انا واثق فيكى.
تفقدته بعيونها الضيق متسائله
- بابى وشك باين عليه انه مضايق! حصل حااجه.
حاول رسم ابتسامه مزيفه على ثغره قائلا
- مشاكل فالشغل، متحطيش فى بالك...
قطعت نانسي خلوتهم بعفويتها وهى تقبل وجنة عمها قائله
- هاى اونكل..
- هاى بحبيبة اونكل اللى جايبه حسابه ارض..
جلست بخفه وهى تردف بتأكد.

- جيب السبع ما يخلاش يا شاذلى بيه..
ضحك منصور على جملتها ثم لملم هاتفه واشيائه من فوق الطاوله قائلا
- خير يا نوسا! مايحسد المال الا صحابه! انا همشي احسن لو قعدت دقيقه كمان هلاقي اسهم البورصه جات فى دماغى؟
انفجرت نانسي ومايان فى بركان الضحك ثم تابعته صوت نانسي مودعه وهى تاخذ انفاسها متقطعه
- لازم تطلع صدقه عشان العين مترشقش...
ثم خفضت صوتها بمجرد رحيل عمها قائله بعتب
- شوفتى ابوكى خايف منى لاحسده..

تجاهلت مايان جملة نانسي وهى تسحب اللاب توب بلهفه
- هشام السيوفى طالع تريند على كل المواقع، يخربيته هيجننى...
انفجرت نانسي ضاحكه بسخريه
- وياترى ممسوك فى ايه هو كمان؟
لم تفهم مايان مغزى جملتها ولكنها اجابت بتلقائيه.

- قضي على اقوى خليه مموله للجماعات الارهابيه، والعظيم فى كده انه رجل برجالته من غير خدش واحد، واللى عرفته ان الجماعه دول من اخر الناس عالدولة وكل مجموعه تروح هنا مترجعش، الا هو جابهم للدوله فى كيس هدايا..
ثم سكتت للحظه تستجمع حديثها
- واحد من صحابه كان بيتكلم عنه في فيديو وبيقول انه كان بيرمى نفسه قدام الرصاصه وبيواجهه العدو حتى من غير درع والغريب انه كان راسم خطه لفريقه، وخطه تانيه نفسه..

ثم فكرت لبرهه متعجبه عليه
- واحد مقسم فريقه لجزئين وفعلا كل بيتحرك بحسب الخطه المرسومه الا هو كان فريق مع نفسه لدرجه انهم محسوش اختفائه غير وهو طالع من قلب مبنى الارهابيين..
نانسي بانبهار
- يخربيته! ده قلبه ميت ده ؟!
اتسعت ابتسامه مايان بفخر
- شايفه صورته قمر ازاي ، واقف وسط رجالته وقفه تزلزل قلب اتخنها عدو..
تأملته نانسي باعجاب ثم قالت.

- جاتهم الارف فى حلاوتهم، تعرفى ان زياد اخوه هو كمان قمر قمر يااالهوووووى، دانا نمت وانا حاضنه صورته.
قفلت مايان اللاب توب متعجبه
- وانت عرفتى اخوه منين..
قهقهت نانسي ضاحكه وبنبره ساخرة اردفت
- ما اصلو هو كمان تريند...
رفعت مايان حاجبها متعجبه توحى بعدم فهمها ثم واصلت نانسي حديثها قائله.

- هفهمك، اخوه طلع دكتور و متهم فى قضيه اختلاط انساب، بس انا قلبى بيقول لى ان القمر ده مش مجرم لااا، يااخرابى على لون عيونه..
ثم نهضت مفزوعه وهى تتناول الهاتف تبحث عنه وتكمل تغزل
- انا اليوم كله امبارح قاعده فى بروفايله ، ياختاااى على ماسوره البنات اللى عنده ، بس الواد مطرقع ، انت متخيله اخر صوره منزلها معديه ال20الف ريأكد!
اردفت مايان بلوم
- يعنى الواد محبوس وده كل اللى هامك؟

وضعت نانسي ساق فوق الاخرة وهى تقول
- ده حالى، مابعرفش احب انسان طبيعى ابدا، ماشاء الله عليا احسن واحده تنشن على المقعدين والمطلقين والمحبوسين بصي انا اختياراتى مبهره فالرجاله، ربنا يحفظنى بجد...
ثم نهضت بصرم لتضع حدا لحديثهم
- نانسي خلصانه، ولاد السيوفى دول مش لازم يفلتوا مننا! انا قررت..
تناولت مايان مفاتيح سيارتها بحزم ونهضت سريعا
- وانا كمان قررت...

- يامامى سرحانه فى ايه بس؟!
تركت الاوراق من يدها متأففه بكلل ثم قالت
- الزفته نهى واللى معاها اختفوا، وقلقانه اوى على اخوكى، وهشام سارح فى دنيته مع نفسه، ومعروض عليا صفقه العمر وصاحبة الفكرة مصممه على فجر هى اللى تبقي الهييد للموديل، وست زفته دى انا مش عارفه اجيبها منين..
شردت رهف طويلا ثم قفزت بعفويه فوق الفراش وعقدت ساقيها وقالت.

- زياد كده كده هيطلع منها بس بسمه بتربيه شويه، وهشام تريند عالسوشيال كله و الله يسهله، نيجى بقي لست زفته اللى مضايقاكى، عيدى كده حوارها تانى!
فاضت الحيره من داخلها فقررت ان تتخلص منها فى دخان غضبها، تناولت سيجارة من الدرج واشعلتها ثم قالت
- مايان الشاذلى عاوزه تعمل بريند عالمى وطالبه الست فجر هى اللى تكون الوجهه..
قلبت رهف الحديث براسها ثم قالت
- يعنى دى فكرة كويسه لفجر؟
نفثت دخان سيجارتها بغل ثم قالت.

- وهى كانت تحلم بيها، دى طاقة قدر واتفتحت لها! المصيبه انى مش عارفه هى فين ولا عارفه اقول ايه لمايان!
اصدرت رهف ايماءه طويله ثم قالت
- يعنى لو لقيتيها هتشغليها عادى ومش هتعملى اعتبار لهشام..
نصبت عايده طولها وتحررت من منامتها ثم اطفأت سيجارتها وهى تأهب لتغير ملابسها
- الشغل ما يعرفش عواطف...
قفزت رهف كالملدوغه نحو امها ثم قالت بحماس
- طالما فرصه كويسه ليها يبقي...

قاطعتها نظرة عايده الثاقبه ثم اكملت رهف جملتها متوسله لربنا سرا
- انا اسفه ياربنا سامحنى سامحنى!
ثم اتجهت نحو امها مرة اخرى متوسله
- هقولك هى فين، بس ايه كأنى مش قولتلك حاجه، اتفقنا!

-ياحجه البنت كانت هتروح فيها دى قعدت يوم كامل في غيبوبه ومن بعدها صدمه عصبيه ومش بتنطق..
همس الطيب لناديه بجملته الاخيره فضربت على صدرها هاتفه
- ياكبدى يابتى على اللى جرالك...!
ثم قفل الطبيب دفتره بحزم
- انا مضطر ابلغ عن الجريمه دى!
تشبثت ناديه بساعده متوسله
- بلاش يابنى انت لسه فى بدايه حياتك، متقفش فى وش زيدان..
لم يستطع الطبيب بالتفوه الى ان لحقته زمجرة صوت زيدان من الخلف.

- اهو اسمع اللى قالتلك عليه الحجه ناديه..
اشتعلت نيران ناديه بالغل متفوهه بتمتمه
- انت منك لله، قادر يارب عالظالم والمفترى..
تجاهل زيدان سبات ناديه الخافته، ثم مسك بمرفق الطبيب وسحبه خلفه بحذر
- عاوزك لحالنا،
انصرفا الاثنين تحت انظار ناديه التى تلعنه بعدد دقات ثوانى الساعه، ثم اتاها صوت مجدى من الخلف
- خالتى اقدر اقولك اطمنى على خالد، دخلته مستشفى عسكرى فالقاهرة يعنى ولا زيدان ولا الف غيره هيوصله..

تشبثت ناديه بقميصه كمان تشبث بطوق النجاه وهى تلهج بتسبيحات صاحب الحوت
- الحمد لله، روح ياولدى ربنا يعز مقدارك ويكرمك ويبعد عنك شر عباده..
ثم فزعت خائفه
- زيدان هنا، امشي امشي قبل ما يشوفك..
ربن مجدى على كتفها بحنو متفهما الامر ثم قال
- حبيت اطمنك بنفسي ومن النهارده هتابعك على التليفون اللى عطتهولك، سلام دلوقتى..

تنهدت ناديه بارتياح ثم رفعت كفيها لابواب السما ذاكره مجدى فى دعواتها التى لم تكف عنها طوال الثلاثه ايام...
- يعنى مثلا يرجع اوضته يلاقيكى مستنياه وانت بدر منور يقوم يطفى ناره منك فيكى، تتصل بيه تعيطلى له انك وحشتنى، تخطفى رجلك كده فى نص الليل وتروحيله يصحى يلاقيكى فى حضنه، وياسلام لو عملتيله اكله بيحبها دى بقي كافيه انها تنسيه كل اللى مزعله منك...

اردفت سعاد جملتها بدلال على اذان بسمه وفجر الاتى استقبلن حديثها بمنتهى السخريه، فهتفت فجر قائله بصوت ضاحك
- ما تلحقى تشوفى عمتك بتقول ايه؟
تمسك بسمه بطنها من كثرة الضحك وهى تقول
- ياريته كان نفع، ده صنف منيل مالهوش غير مزاجه وبس، بت يافجر سيبك من الكلام ده كله وتعالى نتكلم جد...
سعاد ساخره
- ما بلاش انت؟!
بسمه متحديه
- مالى منا زى الفل اهو...
ثم القت نظره على فجر لتسائلها
- بذمتك مش زى القمر...

ربتت فجر على كتفها قائله
- قمر يا روحى، اى هو المهم بقي؟
-تفكك من نصايح عمتى دى كلها، وتتبعى اسلوب جديد خالص مع هشام، التحدى...
تدخلت سعاد سريعا معارضه جملتها
- تتحدى مين؟!هى اللى غلطانه وعاكه الدنيا وليها عين تتحدى، اتنيلى انت يابتاعت التحدى..
هزت بسمه رأسها نافيه وهى تعقد ساقيها فوق المقعد قائله
- لما يلاقيكى مستقويه هيتجنن، هيكون عاوز يقرب منك بس عشان يكسرك قدامه...

ثم رفعت نبرة صوتها ساخره وهى تتحدث من بين فكيها
- لكن لو اتمسكنتى وحضنتى وانى يابيبي ماقدرش اعيش من غيرك كده هتشبعى غروره فهوووب ياخد ديله فى سنانه ويخلع، ماانت خلاص ساهمتى فى تحقيق رجولته ورد اعتباره...
فجر بتفكير
- حاسه انك بتقولى كلام مهم..
تدخلت سعاد بحزم
- قولت سيبك من ست رضوى الشربينى دى وخليكى معايا تكسبي..
بسمه متحديه
- نظريتى انا اللى هتكسب وهتشوفوا!

قطع حديثهم صوت جرس الباب فنهض بسمه بعفويه لتفتح وهى تقول
- ده اكيد بتاع السوبر ماركت..
ماهى الا لحظات وخاب ظنها عندما تفوهت قائله بحيره
- خالتو؟!

- الف الف مبروك ياهشام، على اد ما كنت مرعوب عليك بس كنت واثق انك ادها.
اردف اللواء نشأت جملته بنبرة فخر على اذان هشام الذي يقود سيارته التى لمست خطوط ارض القاهرة، ثم قال بعرفان
- تلاميذ حضرتك يا نشأت بيه..
- انت مكافح وبطل وتستاهل كل خير،
- ده من كرم معاليك بس ياجنيرال..
لاحظ هشام بحسه القانونى فى نبرة صوت اللواء سرا مختبئا فاردف بثقه
- هو فى حاجه تانى معاليك عاوز تقولها ومش عارف تقولها ازاى ...

تنهد نشأت بارتياح لتفهم هشام نبرة صوته ثم قال
- اايوه ياهشام فيه،
- خير يافندم..
- طلب نقلك الأمن الوطنى اتعلق وفى كلام انهم هيوقفوك عن العمل كمان!
وقفت سيارته فجاة فى منتصف الطريق ثم أصدرت صخبا لا يقل انش عن صخب رأسه وصدره قائلا
- مفيش حاجه هتتمضي غير لما موضوع زياد يخلص، ويكلع براءه، و كمان الدكتوره واللى تبعها مختفيين ومحدش عارفلهم طريق، بكده زياد هيشيل الليله دى كلها لوحده..

عاود تشغيل سيارته اثر تلكسات السيارات خلفه، ثم قال متأففا
-والحل معاليك، ان جيت للحق هو يستاهل اكتر من كده وانا سايبه يتربى...
اردف نشأت بحكمه
-يتربي، لكن مايضركش ياهشام...!
زفر هشام مختنقا وهو ينحرف يسار ثم قال
- يعنى كل المحاميين اللى معاه محدش فيهم عارف يطلعه!
اتكئ نشأت على مقعده للخلف وهو يقول بهدوء
- انا قابلت اخوك امبارح وحكيت معاه، ومفيش غير حل واحد وبس
- الحقنى بيه يافندم،.

- قال لى ان بسمه بنت خالتك معاها دليل براءته..
اغمض هشام عينيه بعجز لصعوبه الحل فكيف يطلب من شخص ذُبح ان يكف عن النزيف! واصل نشأت قائلا
- حاول تتكلم مع بسمه وتقنعها ولو فى ايديها حاجه فعلا تعملها وخلافاتكم دى تحلوها بعيدا عن المحاكم...
اومئ هشام رأس بخزى وهو يشعر بقله حيلته ولكنه قرر ان يحاول محاولة اخيره ربما تصيب نتيجتها، فتمتم قائلا
- تمام معاليك، انا رايح لبسمه دلوقت اتكلم معاها...

 

تاااابع ◄