رواية الحرب لأجلك سلام الفصل الحادى عشر
احيانا لا نريد من الحب الا البدايات فقط.
جُملة وقفت عندها ذات يوم استرجع حكايات الاصدقاء والمحيطين واللاجئين من دروب الوحدة الى بابى لاستمع إلى قصـته ولينفض غبـار الايام من فوق صدره ثم يغادر كأننا لم نلتق من قبل.
احيانًا نمتلأ بشهوة عارمة للتحدث مع اناسي معتقدين ألا نلقاهم مرة ثانيه ! كمستقلين المواصلات والمسافرين ومن تعثرنا بهم على محض الصدف..نحتاج من يستمع إلينا بدون تنكيل او يكون منبه دائم للذاكرة عن أخطاءنا السابقة التى رُبمـا ينساها العقل ولكن لم ينساها البشر مطلقـا.. همسة سرية لعقلك « احتفظ بجرائمك الفادحة لنفسك؛هارد البشر لا ينسي ولا يرحم ».
كل من روى لي قصتـه كنت ارى بعينه لمعة البدايات وسرعان ما تبهت تدريجيا لتنطفىء بلعنة النهايات التى تنحصر فـ « الفراق عمدا او خيارا تحت ظل كراكيب الذكريات .»
- فيالـيت النهايات ما خُلقـت!!
--------------------
انتهى من قراءة خطابها ولم تكن لديه الجرأة الكافيه بأن يقرأه مرة آخرى محاولا تكذيب مفاهيمه او التماس عذرا واحدا لشخص قرر الرحيل عنه بارادته، مرت عليه دقيقة او عدة دقائق او على الاقرب ساعة فبات حسابه للوقت الذي فرغ منها لا يعريه اى اهتمام، كلها عقارب تسير على حواف قلبه لتدغه بسُم الهزيمة للمرة الاولى، او بلغة اخرى يرفضها قلبه كانت «الزمن» الذى حاصره فـهرب إليه من فوضي زمنه القاسي.
زاغت عيونه حد انعدام الرؤيه فقرر الهرب من هواجسه بقفلهما معتقدا أن الاغماض سيمنعه من مشاهدة سحقه الاعظم، وجثث مشاعره الداميه المُلقاه أمامه، اطلق جشأة مكبوته ولكنها مسموعه فـهاجت اشباحه بداخله وثارت عزيمته مرة آخري ونهض بصلابة مُحارب ليواصل المعركه التى خضاها جبرا وانهزم فيها طواعيا ماسحا على رأسه متجها نحو المرآه ليوجه انكساراته بقوة حتى يقتلها بعينه قبل ان تقتله..
ظل يتأمل الفارق بين ملامحه الان وليلة أمس كالفارق بين ليلة ربيع مفعمة بالحنين وليلة خريف نجحت فـ تجرد الشجر من اوراقه كما فعلت به طعنتها، موجها اللوم لنفسه انه استمر مع امراة مثلها فمـن كان لديها القدرة الكافيه على توصيل قلبه لقمة جبال الهوى قادرة عـ الاطاحه به من فوقه بدون معاناة، لذلك اقتنع بأن الرحيل اقل عاقبة ولكن!
فرغ جيوب قلبه منها سريعا فـلا يرهقه الامر كثيرا لان قانونه لم يضب استثمارا للمشاريع الوهمية ؛ كخرافات القلب وهزائمه التى فرضها الضعفاء من البشر عـ قوانينه الصارمه متخذا قرار النسيـان ...
«احيانـًا ما تجبرنـا الايـام عـ الرحيـل بـدون عـودة بـدون التفـات وبـدون نـدم ».
نزع سترته السوداء او ربما تعمد نزع الثوب الذي يحمل عطرهـا والقاه ارضا واتجه نحو المرحاض تاركا للمياه مهمـه اطفاء حرائقه المشتعلة، وبتلقائيه هتف:
- فجر، هاتيـلى هدومى
صمدت اقدامه وصمد فكره وتفرغ فاههُ مذهولا: لهذا الحد خيم على عقله فطر النسيان فانساه فجعة رحيلها ايضا!
ركل وسادة صغيرة ملقاة تحت قدمه ليفرغ شحنته بها محاولا تجاهل صدح عقله الذي يتجلجل قائلا بعتب
- كيف طاوعها قلبها أن تخنق قلبى برحيلها؟!
ولكن جهر كبريائه ليضع حدا ويردد
- ما هى الخطوة القادمه الصحيحه التى تمحو شوائب الاخطاء السابقه؟
اتجه نحو هاتفه الذي اغلقه ليهرب من العالم ليجرى اتصالا بلهفة، فبادره صوت الاخر
- « ايه يا عـم هشام فينك من امبارح!».
اطلق زفيرا قويًا ثم قال: «مش مهم يا مجدى، العملية فشلت مش كـده!»
وضع مجدى سيجاره بفمه وهو يتحدث بخزى
-«واضح أن المعلومات عندك!»
لازال محافظا عـ نبرته القوية: « جايلك، انت فين»
انتهى مجدى من اشعال سيجارته متخذا نفسا طويلا
- «فـ البيت، وكمان خايف حد من رجالة زيدان يكون لمحنى فبقيت كارت محروق مستنى اوامر نشأت بيه؟! ».
-«طيب، ساعة وهكون عندك، بقيت حرب عـ الكل يامجدى ومحدش هيترحم »
لـذة الحب، ليس فقط فـ أنه يجعل الإنسان سعيدًا، هـذه اكبر خدعة..
والحقيقة أن الحب ينهي كل الأسئلة المنثوره بدواخلنا
فوضي الإنسان تجاه قلبه، القلق بشأن المظهر، انعدام الثقة بالنفس، العلاقة المرتبكة مع الجسد..
كل حفر الروح المؤلمة هذه يردمها الحب كأن لم تكن، يردمها ويجعل أرضية القلب خضراء وجاهزة لاستقبال أي سعادة، فترى العاشق يفرحه أي شيء بسيط ولو زقزقة عصفور، أو لعب طفل، أو حتى الفراغ، يفرحه الفراغ..
وعندمـا يغيب بدون سابق انتظار ننطفئ، تنقلب الحاله عن بكُرة ابيها .
« ادخلى الحب كبيره واخرجى أميره لانك كيفما تخرجين ستبقين، »
خرجت بسمة من مبنى المحكمة بشموخ وشعور النصر يتفاقم بجوفها حتى وصلت الى باب سيارتها وهى تهتف بصوت مسموع وكأنه مبررا لفعلها
-« هى دايرة كلنا بلنف فيها، اللى ظلم لازم يدفع التمن حتى ولو كان التمن ده على حاجه معملهاش، انـا كمان دفعت تمن مشاعرى وحبى فى الوجع، وجيه الدور عليك، وداين تدان ياابن السيوفى».
فتحت باب العربيه واوشكت على صعودها ولكنها توقفت اثر صوت انثوى مناديا باسمها
- دكتـوره بسمة!
استدارت بجسدها لتكتشف هوية المناديه، فوجدتها فتاة غاية فالهدوء والجمال، فاردفت متعجبه
- انت تعرفينى؟!
اقتربت منها ( نور) وهى تومئ بالايجاب
- من اول ما خرجتى وانا ماشيه وراكى، ممكن نتكلم!
رفعت حاجبها مندهشة:
- ده شكـل الموضوع كبير!
عقدت نور ذراعيها امام صدرها وخرجت نيرة صوتها حامله انينا من الوجع:.
- ما بينا عامل مشترك! زياد.
تقدمت بسمة بفظاظة وبنبرة تحمل بين طياتها سُم الانتقام:
- غلطانه، مفيش ما بينا عامل مشترك ولا اى حاجه! لان صفحة زيـاد دى أنا حرقتها.
صمتت نور للحظة ثم قالت
- كنت جايه احذرك منه بس شكلك عارفاه اكتر منى!
اشعلت جملة ( نور) لهب الفضول ببسمة فـ شيعتها بنظرة طويله من رأسها للكاحل قائله.
- ملهوش لزوم، كنت جايه احذرك والواضح انى اتاخرت، على كُلِ زياد عند اهلك فالفيوم، حبيت بس ارد له القلم عشان يعرف ان فـ بنات خطوط حمرا ماينفعش تلعب بيها هتكهربك..
اتسعت عيون بسمة بذهول اصابها بربكة فى خروج الحروف فهتف بلـوم
- اهلى؟! ازاى! انت كده طربقتى الدنيا فوق راس الكل، مش زياد بس، ممكن افهم ايه بالظبط اللى حصل؟!
وضعت نور نظاراتها الشمسيه فوق عيونها متأهبه للذهاب
- مش مهم، المهم انى اخدت حقى مهما كانت النتيجه اية؟!
اكتست العصبية نبرة صوت بسمه فاردفت بعتبٍ
- وانت عشان تنتقمى من زياد تاخدينى انا فالرجلين؟! منك لله يا زياد هفضل لحـد امتى ألم وراك...
فواصلت نور حديثها
- ممكن معنديش خلفيه عن عواقب اللى عملته، بس انا مرتاحه جدا، وهقولك حاجه اخيره يا دكتوره يمكن ما نتقابلش تانى محدش عارف بس خليكى متأكده مش لازم كلنا ندفع تمن افعالنا وبس، احيانا بنكون مجبرين ندفع تمن سوء اختيارنا لاشخاص دخلناهم حياتنا، كنت اتمنى اتعرف عليكى فى ظروف احسن من كده، بـاى.
تركتها نور ورحلت امامها متجه نحو سياراتها، تراجعت بسمة تتدريجا حتى ارتطم ظهرها باطار عربيتها وهى تزفر بعجز
- هعمل ايه أنا فالمصيبة دى بس ياربى!
-« هتفضلى تتقلبى كده كتير لحد أمتى، بتفكرى فى ايه؟! »
همس بعطر انفاسه فى اذانها إثر تقلبها الزائد بجواره، فاعتدلت برشاقه وحماس وجلست عاقدة ساقيها، فاردفت مندهشة
- هشام انت لسه منمتش؟!
لحق بها معتدلا، فقال ممازحـا
-« قولتلك مش بعرف انام جمب حد، وخصوصا لو كان الحد ده بيتقلب كتير كده زيك!».
شعرت بوخزة الندم، فاردفت سريعا
- لو مضايقاك امشي؟!
اتكئ على ذراعه الايسر فبرزت عضلاته القوية، ورجع خصله من شعرها خلف اذانها بانامل يده اليمنى، قائلا
-« وأهون عليك تسيبينى أنام لوحدى؟!»
-« وبعدين بقي فالتناقض بتاعك ده؟!»
ضحك بصوت مسموعٍ ايقظ مشاعرها التى لا تنام الا لتحلم به، فاستقبلته بابتسامه هادئه اشرقت شمس حبه الذي تعمد تجاهله، فسألها.
-« كنتى بتفكرى فى ايه بقي؟!»
هزت رأسها بالرفض مصدرة صوتا نافيا
- تؤ، مش بفكر؟!
فكر قليلا ثم سألها مرة اخرى بنبرة منعشة بالحب
-« يبقي للاسف حضنى مطلعش مريح عشان كده مش عارفة تنامى! »
احمرت وجنتيها بحمرة الخجل فاطرقت بحياءٍ
- يوووه بقي؟! وبعدين فيك؟!
فـ كرر جملته بأسفٍ متعمدا اللعب على اوتار قلبها
-« يبقي مطلعش مريح!».
الحب مع من تحب حالة من الذوبان اخذتها لمنتصف ذراعيه تحديدا متخذة نفسا طويله يحمل بين ثناياه نيران مكبوته، فاستندت على صدره قائله
- تعرف إنى معرفتش معنى الراحه اللى بجد غير وانا هنا!
ظل محافظا على صمته الذي كان مظلة للحرب الناشبه بقلبه بين كبريائه وحنينه، فاكتفى بتمرير انامله فوق ظهرها برفقٍ مغمضا كلتا عينيه مستمتعا بتلك اللحظه التى رزعت بقلبه حياه اخرى كان دوما ما يخشاها ويتجاهلها وان علم بمذاق شهدها ما تأخر فى اقتحامها يومـا.
ابتعدت عنه قائلة بحكمة
- مرة كنت قريت جملة (الروح لا تأمن الا بالحب)، وخدتها بتريقه بس لو فى كلمة اعظم من الامان اللى حساه معاك دلوقت هتبقي انت السبب بردو!
- كلام روايات؟!
هزت راسها نفيا:
- ده كلام قلبى، كلام مش هيطلع غير ليك وبس...
تبادلا نظرات الحب بينهم طويلا حتى قطعت صمته قائلة بعفويه
- ما تقول كلمة حلوة نختم بيها اليوم..
ابتسم ساخرا محاولا دفن مشاعره
- لالا، ماليش انا فـ جو الكلام والرومانسيه ده، انسي..
قطبت حاجبيها ممتعضة
- هو أنا ليه حاسه انك مليان اسرار انا معرفهاش..
رجع بظهره للخلف متكئا على الوساده ليقول
- ومش لازم تعرفيها..
تتضاعف الفضول الانثوى بجوفها فهتفت سريعا
- هو ده مش ظلم انك تعرف عنى كل حاجه وانا ما عرفش حاجة عنك؟!
اخذ نفسا طويلا ثم قال
- الظلم اللى بجد انى احكيلك فـتملى منى.
- بردو مصمم تخترع اوهام ومعتقدات من دماغك وتصدقها؟!
- عندك حل يغيرنى؟!
فكرت للحظه ثم قالت بحمـاس مفعم بالثقة
- للاسف لبست فيك، بس عندى حل هـ يقررك..
اعتدل من نومته متعجبا من ثقتها الزائد وهو يداعب وجنتها الورديه بانامله
- هتبطلى امتى تتحدينى!
- لما تبطل تقلل منى
نهضت من فوق الفراش بمنامتها القطنيه القصيره التى تبرز جمال ساقيها، فلمست اقدامها الارض وهى تقول
- جربنى بس؟! فين الكلبشات بتاعتك؟!
ذهل من سؤالها:
- اى الجو ده؟!.
اتجهت نحو مكتبه باحثه عن اصفاده بعشوائيه تحت انظاره الاستكشافيه، فاردف ممازحا
- كلبشات من اولها؟! انت ناويه على ايه يابنت انت؟!
اخيرا عثرت عليهم فلمعت عينيها بانتصار وهى تاخذهم وتأخذ مفتاحهم معها وما ان دنت من مرقده فعادت مرة اخرى جهة (التسريحة) واخذت عطره واقتربت منه قائله بتردد
- ممكن تسيب لى نفسك 10د بس؟!
استقبل حماسها باستخفاف قائلا
- قولت ما تحاوليش، لابد أن يموت الرجل حاملا فى قلبه بعض الاسرار..
جثت على ركبتيها خلفه وهى تستكمل مخططها هاتفه
- اديك قولت بعض مش كل! قولت هقررك
كبلت يده الاصفاد خلف ظهره فاردف ضاحكا.
-وانا اللى دماغى راحت لحته تانى؟!
تحركت لتبقى امام محض انظاره ضاحكه
- هحط القماش دى على عينيك، غمضهم؟!
رفع حاجبه متعجبا
-كمان تقرير بالاكراه! اعترض؟!
اتسعت ابتسامتها ووضعت الشريط الاسود على عيونه وعقدته برفق ثم نثرت نفحات العطر الفاخر الخاص به وكأنها ارادت ان تغلف الذكريات بينهم بعطره كى لا ينساها ابدا، فللعطر سحرٌ خاص تعويذته ضد النسيان دائما..
جلست امامه وبسطت كفيه على ركبتيها قائله.
- هسألك وتجاوب بتلقائيه ولو فكرت هسحب السؤال، اتفقنا؟!
ضحك قائلا: - انت اللى بتقررى لوحدك حتى مش عطيانى فرصه للرفض.
- مش مهم، اول سؤال، مستعد؟!
اجاب بتحدٍ: - جدا.
- بتفكر فى ايه؟!
- فى اللى ناويه تعمليه.
-كنت بتخاف من الحب؟!
- اطمنت بوجودك.
اغرورقت عيونها بدموع حبيسه، فواصلت قائله
- اي السعادة بالنسبالك!
ظل يفكر كثير، فبادرت قائله
- هسحب السؤال، قولت متفكرش..
ابتسم ابتسامته الساحره فقال بتلقائيه
- حضنك...
ضمت كفه بحب ثم واصلت قائله
- عاوزه املى عينيا بهمس شفايفك وهما بينطقوا اسمى، قول لى فجر؟!
- تؤ، قدرى الجميل..
تنهدت بوجع ثم قالت: - عاوزه اسمع اسمى يا هشام..
رد بهدوء: فجـرى.
مسحت دمعة فرت من طرف مقلتيها فاستكملت اسئلتها
- احساسك اول مرة اتقابلنا..
رد بدون تفكير:
- كنت عايز احضنك، ممم معرفش بس حسيت بكده..
احتضنت كفه بكلتا يدها وشرعت فى القاء سؤالها الاخر، فقاطعها قائلا
- وانت؟! كنت حاسه ايه؟!
- انا بس اللى بسأل على فكرة!
- استثناء!
ساد الصمت طويلا بينهم فبدأت تمرر اناملها على ملامح وجهه وبالاخص سبابتها التى رست على شفتيه فقالت معاندة
- قولها لى، بحبك يافجر..
اجاب بشموخ:
- ما بعرفش اقول حاجه مش متأكد منها، او بمعنى الاصح معرفهاش!
ملأت صدرها باكسجين انفاسه الحامله ثانى اكسيد الكبرياء..
- تعرف أنى ممكن قلبك يقولهالى ويخرج عن طوعك؟!
ثم بسطت كفها فوق قلبه تحديدا تتحسس نبضه الخافت للحظات؛ وبعد تفكير استمر لدقيقه او اكثر نهضت لتجلس على ساقه وشرعت فى لمس عنقه باناملها ثم عانقت شفتيه بتردد قطعه الشوق ولازال كفها منبسطا فوق قلبه يستمع لدقاته التى تتصاعد شيئا فشيئا حتى وصل صوت صخبه لاذانها، كتبت على قلوبنا الهزة العاطفيه كما كتبت علينا الهزات الارضيه التى لا مفر منها وان حاولنا الهرب منها دومـا!
كانت تُجاهد لتهدأ باتت المشاعر بينهم مشتعله للحد الذي يريد سيارة اضفاء لانقاذ قلوبهم فلم تكف دموعها، فعادت روحهما اليهما بقبلة، فابتعدت عنه هامسه له بصوت مثير
- قلبك قالها ياابن السيوفى، على فكـرة دا كان احساسي اول مرة شوفتك متعصب فيها مع مامتك، شعور من جوايا كان بيحركنى اعمل كده وكنت واثقه انك هتهدى بعدها، بس كنت متكتفه كده زيك...
ثم ابتلعت ريقها بخزي ومرارة وجع
- هفضل أحبك للابد ياهشام..
فاق من سطو حبها الطاغى قائلا
- فى معنى افضل من الابديه..
- ايه هو؟!
- السرمديه، دوام ملهوش اول ولا آخر، زيك كده بالظبط..
زالت من على عينيه الغمامه وتشبثت بكفه اكثر، فحرك عينيه بتثاقل ليري النور مرة اخرى فـ كم كانت الحياة جميلةٌ عندما نستطيع أن نحب من يستحق الحب، فتنهد قائلا
- طيب فكينى عشان اعرف ارد عليكى بطريقتى، عشان اللى بتعمليه ده خارج فطرتى ياهانم.
يقف امام المرآه بعدما انتهى من ارتداء ملابسه فى كامل اناقته، ونفحة عطر واحده كانت كافيه ان تسكب عليه تفاصيل ليلة أمس، فاق من سطو عطرها وذكرياتها التى صبت فى شراينه وهو يلقى الزجاج من يده ويلقيها فى المرآه لينتشر فتاتها هنا وهناك كفوضي مشاعره تماما، ويتردد فى ذهنه سؤالا واحدا:.
ف كيف دونما يدك، أعيد حياكة اوجاعى التى حفرتها بجلدى؟! لم تكن ممحاة لماضيه اللعين بل اصبحت قلما لحاضر ومستقبل بهما يتجدد الوجع فى كل لحظه..
فرفع انظاره ليرى صورته المعكوس فى الزجاح المهشم وهو يقول فى نفسه بتوعد:
-( نسيان امراة لأنها تكذب، هو بمثابة مغادرة وطنك لأنها تمطر، الى اين ستذهب؟ إنها تمطر في جميع الأوطان.! فجميع النساء كاذبات).
- تمـام كده يا طنط، انا حاجاتى جاهزه.
اردفت ميادة جملتها عندما انتهت من ارتداء حذائها بعناء اثر ساقها المكنونه فى بيت الجبس، فساعدتها رهـف فى تصفيف شعرها سريعًا، وعلى حدا انتهت عايدة من اجراء مكالمتها قائله
- والسواق جاهز هيوصلك للمطار ورهف هتيجى معاكى..
ابتلعت مرارة الخزى بحلقها قائله
- ملهوش لزوم يا طنط، كفايه انكم سهرانين معايـا من امبـارح، خلي رهف تروح..
اقتربت منها عايدة بخطواتها المختاله لتربت على كتفها بأسف
- ميادة، حقك عليا؛واسفه على كـل وجع كان بسبب هشام.
اغمضت مياده مقلتيها للحظه تمنع فيها انسكاب الحزن من قنواتها الدمعية
- كلنا غلطنا، وكلنا هندفع التمن.
تدخلت رهـف فى الحوار سريعا، لتردف معارضة
- لا يا دودو انت مغلطيش، متحمليش نفسك ذنب مالكيش دعوة بيه..
ابتسمت مياده برضـا قائله:
- لا غلطت، مش هكذب واقول انى محبتش هشـام بالعكس؛ بس الفرق بقا انى حبيتوه بشروطى بالشخصيه اللى رسمتها له فى دماغى وعلى أمل انى اغيرها واشكلها زى ما انا عاوزه، وده مش حـب..
ثم اتخذت نفسا طويلا مواصله حديثها
- الحب بيتاخد باكيدج كده بالمساويء والحسنات ياما بيتساب زى ما هو، امـا اوبشن التغيير ده لسه منزلش..
ربتت عايـده على كتفها بحب
- معاكى حق ياحبيبتى وانا واثقة ان ربنا هيعوضك، يلا عشان طيارتك..
كانت اخر جملة اردفتها عايدة قبل ما تقتحم سالى غرفة المشفى بنيرانها هاتفه بعصبيه
- وانت مفكـرة انك هتيجى مصر وترجعى من غير مااعرف يامياده..
صاعق كهربي نزل على الجميع إثر صدمتهم، فتدخلت عايده سريعا لتلطيف الجو
-سالى، محصلش حاجه لكل ده؟!
نهرتها عايدة بغضبٍ
- ممكن متدخليش بينى وبين بنتى يا عايده هانم ياصاحبة العمر..
اقتربت ميادة من امها متوسله
- ماما من فضلك، الموضوع انتهى خلاص..
ارتفعت نبرة صوت سالى اكثر:
- مفيش حاجه انتهت، قدامى يلا، لسه فى حسابات متصفتش، والكل هيدفع التمن غالى، اتحركى...
انصرفت مياده بصحة والدتها بعد ما ودعتهم بنظراتها الحائره فـ اقتربت رهف من امها واحتضنت ذراعه لتطيب خاطرها
- هى متعصبه بس وهتروق..
صمدت عايده فى مكانها محاوله تجاهل الموقف تماما حتى رن هاتفها فاجبت على الفور
- ايوه يا هاجر، خير؟!
- المهندسة مايـان الشاذلى هنا، وشكل حضرتك نسيتى المعاد..
تأففت عايده بقلة حيله
- ياربي، بصي ياهاجر قدميلها حاجه تشربها وانا جايه حالا...
تناولت عايده حقيبتها موجهه حديثها لرهف
- روحى مع السواق وانا رايحه الشغل..
اعد مجدى كوبا من القهوة واخر من الشاي الذي ينافس حبر القلم فى ثقله ولازال محتفظا بسيجارته فى فمه مقتربا من هشام الشارد بعيد بذهنه امام النافذه فقال مجدى ممازحا
- ايه يا عريس اللى واخد بالك؟! دانـا من امبارح بقر عليك؟!
اخرج هشام كفه من جيبه وهو يتناول منه كوب الشـاى قائلا
- ماهو قرك ده اللى مش مخلينى اشوف يوم عدل..
تحرك مجدى خطوة ليقف امامه قائلا
- انت مش مظبوط ليـه؟! ومن الصبح ساكت!
ارتشف هشام رشفة صغيره من الكوب محاولا تجاهل صخبه
- ما تكلم سيادة اللواء، شوفه فين؟!
-هشـام انت بتهرب من ايه؟! مالك!
تحرك هشام بتكسل ليجلس على الاريكة
- انت هتعمل لى فيها محلل نفسي هسيبك وانزل..
- فجر زعلتك؟!
رفع هشام انظاره بتثاقل قائلا بثبات
- فجـر مين؟! هشام السيوفى مايعرفش حد بالاسم ده؟!
- اوبـا ده شكل الموضوع كبير!
ادرك مجدى انه عندما يتحدث عن نفسه بصغة الغائب فبات الامر يفوق طاقته؛ انحنى ليترك الكوب من يديه ويضعه فوق المنضدة وهو يتأمل ملامح ابن عمه وصديق طفولته التى خيم فطر الوحده عليه كقطعة من حطام سفينة غارقة في منتصف المحيط الأطلنطى، ساد الصمت للحظات وما شرع مجدى أن يتفوه فسبقه صوت رنين الباب، فتبدل لسانه ناطقا
- ده اكيد سيادة اللواء..
بعد مرور لحظات الاستقبال والسلامات وهشام الذي لازال شاردا فى دوامته تحت انظار مجدى واللواء نشأت التى سادة لغة اعينهم المكان، فقطعه مجدى قائلا
- هــا يا سيوفى، نشوف شغلنا؟!
بهدوء تام اردف: معاكم...
تناول اللواء الملف الذي بيده وفتحه وشرع فى القاء تعليماته قائلا
- هشام انت هترجع بنى سويف تكمل شغلك هناك، وبالنسبة لمجدى هيتنقل من الجهاز خالص...
لازال هشام محافظا على صمته الذي كان يدرك حقيقة ما فاق عليه، فواصل اللواء حديثه قائلا
- منصور الشاذلى، اكبر راجل اعمال فى السوق، شخص نازل بتقله وثروته ومشاريعه اللى هتنقل البلد دى فى مكان تانى خالص، وبالاخص مسك اكتر من تلت مقاولات الجيش والدوله فالبلد، وراجل زى ده لازم نضلل عليه ونحطه فـ عينيا، عشان كده مجدى هيتولى المهمه دى ومن بكرة هيصدر امر نقلك لجهاز الامن الوطنى..
بدا هشام فى نفض غبار ذكرياته منغمسا فى معهم فالحديث وصوت الصبر يصدح من جوفه بان خسارة بعض البشر مكاسب لصحتك، وبنبرة حاسمه اعلن
- نشـات بيه، انا عاوزه اتنقل أمن الدوله، ومتنازل لمجدى عن قضية زيدان وغيره...
اتسعت انظارهم من هول ما قيل، فادرف نشأت بذهول
- دانت حاربت عشان تمسك القضية دى يا هشام!جاى تتنازل بسهولة كده!
وقف شامخا وهو يعلن الحرب عن نفسه اولا، فقيل
- كمان الرائد طارق بيعتذر عن مهمة قتلى ضحايا مسجد الروضه عشان مراته بتولد، وانا قدمت طلب انى اطلع المهمه دى بداله..
ذعر مجدى قائلا بغضب
- ده انتحار رسمى؟!
نشات بنبرة امرة: استنى يا مجدى!
ثم وقف امام هشام قائلا بذهول
- انت اتجننت!مدرك لكلامك؟! ومدرك كمان ان اللى بيروح هناك مابيرجعش؟!و انهم من اخطر الجماعات الارهابيه اللى لو اتمسك فيهم واحد بيفجروا الخليه كلها! انا مستحيل اوديك للموت بايدى؟!مش هى دى وصيتى لابوك...
ببرود اجابه: وانـا مش صغير عشان حد يكون واصي عليا..
تدخل مجدى سريعا ليلطف الوضع وعيونه المعاتبة تحرق هشام
- ما تصلى عـ النبى يـاهشام وتفوق لكلامك!
تناول مفاتيحه من فوق الطاولة متأهبا للذهاب او الهرب على الاقرب، فاوقفه مجدى ناهرا
- هشام! ارجع لعقلك، واستنى هنا..
نشأت بضجر:
-سيبه، سيبـه يا مجدى، سيادة الرائد شكله محتاج يراجع نفسه..
تبادلت نظرات الاعتذار من مقلتى هشام فاستقبلها نشأت بتفهم الى ان قطعها صوت رنين هاتفه، فاجاب هشام ممتعضا
- ايوووة...
وسرعان ما تغيرت نبرة صوته من الضيق للفزع
- نعم؟! يعنى ايه طالع امر بالقبض على زياد؟! وبتهمة ايه...
مجدى محاولا التدخل ليفهم
- ماله زيـاد يا هشام؟!
اشار اليه بكفه ليصمت مرددا باندهاش وهو يتحرك صوب الباب
- بسمـــــــة!
هتف مجدى راجيا: « استنى طيب ياسيوفى البس واجى معاك».
استدار مجدى صوب نشأت الذي قال
- اى اللى شقلب حاله الواد ده؟!
مجدى بتلقائيه: مش عارف اخر حاجه سيبته مع فجر بالليل وكنت مفكر انه هيبقي احسن، سيادة اللواء الموضوع ده فيه لغز...
- مهما كان هشام متهور وماينفعش يرجع الامن الوطنى مهما حصل! كده انا برميه فى النار!
( فى بنى سويف)
يبدأ المرء بتنازل بسيط، ثم تتحوَّل حياته كلها إلى استسلام.
~ أحمد خالد توفيق.
يحرك خالد جفون عينه الثقيله المصبوغة بحمرة الادمان كأن دماء طائر ذبيح صُبت فيهما محاولا استيعاب ما القى به الى مرقده، فازاحت «قمر» ستائر الغرفه قائله بهدوء
- خالد، يلا عشان تفطر وتاخد الدوا...
لم تلق منه اى رد، فاستدرات مواصله حديثها
- انت سامعنى!
نهض من مرقده كالملدوغ وهو يحك جسده بعشوائيه.
- هاتيلى حقنه من عند مهجة...
عاقت قمر طريقه متوسله وبنبرة اشبه بالصراخ
- ورحمة ابوك لتهدا يا خالد، وسيبك من الزفته دى، استهدى بالله...
حاول ابعادها عنه بكل ما اوتى من وجع
- وسعى عن طريقى يا قمر...
رسخت امامه كالجبل متشبثه بكلتا معصميه لاهثه وهى تضع يدها على فمه ليصمت
- هتاخد الدوا هتبقي كويس، اقعد بس...
خرج وجعه من ثغره فى هيئة صراخ قوى اهتزت له الجدران وهو يحدفها ارضا
- قولتلك بعدى عنى، ياااا مهجةةةةة..
لم تستسلم وتابعت خطاه متجاهله الم كدمتها متكئه بظهرها خلف الباب وبدموعها التى كست وجهها
- ياخالد متفضحناش ده مفعول الدوا، واستحمل..
صرخ بها قائلا: قولتلك اوووعى...
بسطت ذراعيها على الباب متحديه
- قوولت لا، مش هسيبك تودى نفسك فى داهيه...
فاق غضبه والمه تحكمه بنفسه، فانفلت زمام عقله وهاجت مكنوناته وخرج حيوانه الشرس الذي اتلهم فستانها بيديه ليشقه لنصفين حتى بزر نهديها امامه فاصيب بصدمة من نوع اخر ظلت تأكل بجسده بطريقه اكثر وحشيه...
لاول مرة يرى الجمال منشقا من عتمته كشقوق القمر من جوف الليل كانت جميلة بصورة غير محددة، بصورة خاصة انسته صدح جسده، لا يمكن شرحها بالكلمات، مثل بيت شعر يفلت معناه من المترجم...
لملمت شق فستانها وتحركت نحوه بعاطفه ام تحتضنه لاول مرة وكأن الفرصه قُدمت اليها على طبق من ذهب، فبرغم من جسدها النحيل الا انها استطاع صدرها ان يأوى رجلا صخريا مثله حتى هدأ تماما وهدات انتفاضه جسده، هامسه له بتوسل
- ساعدنى عشان نعدى المحنه دى بالله عليك...
وعلى حدا تتحقق عداله الزمان صـوت صراخ على غير العادى اهتزت له الجدران واجتمع عنده كل الخدم بالخارج، صدح صوت مهجة مفزوعة من مرقدها إثر لذعة الثعبان فى ذراعها..
- الحقنى يا زيدددااان، الحقنىىىىىىى..
خرج هائما على وجهه من المرحاض متسائلا
- فى ايه يابت انطقى...
تقبض بكفها على ذراعها بقوة باكيا وبنبره متحشرجه
- تعبان، تعبان يااخويا مشي من هنا، الحقنى يا زيدان همووت...
تناول شالها سريعا وهو يفكر علنا ويردف وتيرة من الاسئله المبهمة وشرع فى ربط ذراعها بقوة ليمنع انتشار السُم بجسدها وركض ناحية النافذة يصرخ مناديا على رجاله
- هاتوووو الحكييييم حالا يا ولد...
بدأ العرق يتصبب من جسدها وتفقد قوتها شيئا فشيئا وهى تاخذ نفسها بصعوبه بالغه فعاد نحوها منحنيا براسه صوب ذراعها ليمتص السم بفمه، ويربت على راسها متوسلا
- اهدى اهدى، الحكيم زمانه جاى، متقلقيش واجمدى..
تفوهت بانفاسها المتقطعه:
- هـ مـ وت، همـــــــــ وت يا زيدان...
هبت زعابيب صوته صارخا من النافذه مرة اخرى:
- استعجل ياااااااولد المحررروووق...
- « سورى يا بيشمهندسه على التأخير»
اردفت عايده جملتها وهى تجلس على مقعدها الجلدي وتضع حقيبتها جنبا، فجلست مايـان امام مكتبها بابتسامة هادئة
- حصل خير، اصلا كنت مستمتعة جدا بالديزاين والموديلات، ريلر شابوه عايدة هانم...
بادلتها عايده بابتسامه امتنان قائله
- دى شهادة يعتز بيها كيان النورماندى كله..
فواصلت مايان مدحها قائله
-وهو ده السبب اللى شجعنى اخد خطوة زى دى واجى هنا لحضرتك..
نصبت عايده عودها بشموخٍ لتسمتع اليها باهتمام
- اتفضلى كملى يا بيشمهندسة..
وضعت مايان نظارتها الشمسيه الفارهه على سطح المكتب؛وشرعت بالحديث قائله
- طبعا حضرتك عارفه ان والدى منصور الشاذلى، وانـا تخصص فاشون وازياء يعنى مفهمش حاجه فى شغل العقارات وغيره، وعشان كده اخدت من بابا السيوله الكافيه اننا نعمل ماركه عالمية خاصه بينا...
قاطعتها عايدة قائله
- بس ده اوريدى اللى مجموعة شركاتى محققاه...
هزت مايان راسها بالنفى، فاكملت معارضة
- انا قبل مااجى هنا عاملة دراسة شامله عن نشاطات المجموعه ومالقتش اللى جايه اقوله لحضرتك...
تناولت مايان سيجارة وهمت باشعالها مواصله حديثها
- عاوزين نعمل براند عالمى، ما يقلش عن اى براند زى جوتشي ونايكى، وخطة المشروع عندى جاهزه وممكن نبدا من بكرة، وصدقينى مش هتندمى...
فكرت عايدة للحظات لتعبر عن رايها ولكن لم تعطها مايان الفرصه فهمت باستخراج الاوراق اللازمه وقالت
- مش عاوزه اي رد غير لما تقريهم...
تناولت عايده الاوراق منها بحماس:
-تمام يا مايان، هرد عليكى فى اسرع وقت..
- عارفه انه مش وقته بس عشان حضرتك تكونى مجهزة كل حاجه، انا ليا شرط...
استغربت عايده قليلا: ايه هو؟!
- البنت بتاعت مهرجان الموسم اللى فات هى اللى تبقي الموديل بتاعت المشروع، البنت جمالها عربى ساحر...
تفوهت عايده بذهول فكيف لها ان تتفادى شرطا فى عرض مغري كهذا، انقذتها من تفيكرها جملة مايان الاخيره
-رقمى مع السكرتيره بره، هنتظر ردك وان شاء الله خير انا متفائله جدا...
- تعالى يا فجـر واقفة عندك ليه؟!
اردفت بسمـة جملتها بعد ما فتحت باب شقتها منتظرة دخولها فـ كانت فجر حائرة متعبة، كانت تريد أن تقول أشياء كثيرة، و كانت تريد أن تبقى صامتة للابد من ثقل ندوب قلبها، خطت ببطىء دخل الشقه وهى تتفحصها بانظارها، وتترقب حركة بسمة العشوائية فالمنزل وهى تقول
- بصي احنا هنطلب اكل كده وندردش شويه يكون جيه، تعالى متتكسفيش، اعتبرى نفسك فى بيتك...
قفلت فجر الباب خلفها بهدوء وقالـت
- مالقتش غيرك اروحله..
اخرجت بسمة موبايلها وهى تقول
-بيتزا؟!
- اى حاجه مش هتفرق...
ابتسامه رقيقه حفرت على ثغر بسمة وبعد ما طلبت الغداء جلست بجوار فجر قائله
- احكيلى، عرفتى عنوان المستشفى منين بقي، واى ضمنك انى هروح على هناك...
- عرفته من الورق اللى متعلق فى اوضة زياد، واى ضمنى! مممم معرفش بس مقداميش اختيار..
اومأت بسمة بهدوء ثم قالت
- حابه تحكى؟! ولا هكون بضغط عليكى؟!
صمتت فجر طويلا حتى تفهمت بسمة الامر، فاردفت مدركة
- بصي احنا قاعدين هنا مع بعض مطولين وقت ما تحبى تحكى، هسمعك..
انبثقت دمعة خرى من مقلتى فجر بضعف والم وهى تقول ببكاء
- كـان طول الليل متبت فى حضنى زى العيل الصغير، قلبه كان حاسس حبيبي انه هيصحى ما يلاقينيش..
بسمة بتساؤل واستغراب
- هو مين؟! قصدك هشام! انت سبتيه ليه
انفجرت فى بحور المها وارتفع صوت قفصها الصدرى من حجم كوارث الفراق التى شحنت فى قلبها، فنهضت بسمة سريعا لتجثو على ركبتيها امامها وتربت على كتفها برفق
- بصي خلاص اهدى وقومى خدى شاور دافى كده وكله هيبقي تمام، ممم يلا بلاش الحزن ده.
سحبتها من كفها نحو المرحاض وشرعت فى ملأ حوض الاستحمام وقالت بحنو.
- سيبى جسمك للميه وهى هتنسيك كل حاجه، ومتتاخريش عشان الاكل على وصول هااا..
خرجت بسمه وتركتها لوحدها ترى هيئتها الشاحبه فالمرآه، وتتأمل ملامحها التى كانت تترعرع منذ سويعات بريان حبه وسرعان ما ذبلت، شرعت فى خلع ملابسها بتعب وتثاقل حتى سقطت عينيها على جسدها الذى اصبح خريطة حبه، غاصت فى كينونة الحب الحالك بينها مع مقتطفات عابرة من خُمرة قربه التى تجرعتها لاول مرة بالعمر، ظلت تقف باناملها على كل انش مر عليه بشفتيه وتستنشق رائحة عطره الفائح منها حتى اصيبت بسُكرٍ افقدها اتزانها فجلست فى الارض تندب حظها وقلبها وتلعن حماقتها مرارا وتكرارا، وظلت تتساءل: كيف خضعت لى عيناك التى لا تؤمن بالحب!
- كنت عامله حساب كل حاجه الا انى احبـك يا هشام، يارب سامحنى وهون عليا وجع غيابه.
احيانا الحب لم يجعل منا الشخص الاجمل فربما يخلق منا الاقبح للحد الذى نلعنه ونلعن انفسنا ونلعن اللحظة التى احببنا فيها، فـ ثمة خطايا لا تغفر وثمة حب لا ينسى!وانا غـرقت فالاثنين.
- انا اديتها حقنة تقتل مفعول السم، كام ساعه وهتبقى احسن.
- يعنى مفيش خطر على صحتها يادكتور؟!
قفل الطبيب حقبته قائلا
- متقلقش جنابك، هتبقى عـال..
- الله يطمنك قلبك داكتور...
ثم نادى على خفر قائلا
- ياا ولد تعالى وصل الدكتور...
خرج الطبيب بصحبة احد الخفر؛ واستدار زيدان نحو الاخر قائلا
- تجيب حاوى يطلع الحي اللى فالاوضة فوق، ويعرفلى جاى هاجج ولا مقصود، فاهمنى؟!
تتوارى نادية خلف احد الاعمده بعيونها التى يشع منها الشرار قائله بتوعد
- فلتت منها يا زيدان، بس وغلاوة عيالى ما حد هيقتلك غيري..
ماهى الا لحظات واتاه اتصالا تليفونيا من احد رجال فاجابه
- قول اللى عندك يافقرى...
- جناب العمده البت بت صبري سابت قصر السيوفى وهى دلوق فى شقة مع واحده...
لم تخل ملامح زيدان من التعجب والامتعاض والتساؤل، فهتف بنبره قويه
- بقولك ايه تثبت عندك وعينك ما تتحركش من عليها، وانا جايلك حالا...
- امرك جنابك...
قفل الهاتف متوعدا
- طيب يا ست فجر وعد منى انك انت وولد السيوفى هتدفنوا فى تربة واحده..
وصلت رهف لفيلاتهم الخاليه من اى جنس ادامى وهى تتفقد معالم البيت قائله
- اى الصحرا دى؟!
خرجت هاتفها وشرعت فى تشغيل اغانى اجنبى تارة وعربي تارة اخرى ودخلت المطبخ لتعد كوبا من القهوة وهى تتمايل على الحان الموسيقي بمرح حتى انتهت من اعداده...
فتحركت نحو غرفتها وهى تدندن مع عمرو دياب وتقول ( حلفتك بيا وبالغالى، رجعنى لاحلى ليالى وحشانى اجمل ايام) حتى وصلت الى غرفتها وفتحت الباب وهى لازالت تحت مخدر قهوتها وصوت عمرو الى أن تبدل حالها للحظة عندما وجدت ظهر رجل يتوسط غرفتها فسقط الكوب من يدها شاهقة بذهول
- فـارس!
فاستدار ببرود ليقول
- بقي هيلامان السيوفى ده كله معندهمش حتى حارس على الباب!
- خير يا هشاااام، ماله زياد؟!
نزل مجدى من سيارته وتحرك بسرعه نحو درجات سلم المحكمه التى يدلف منها هشام، فاجابه بقلة حيله
- روحنا كلنا فى داهية!
- فهمنى بس كل حاجه وليها حل!
- بسمة ياسيدى مقدمة بلاغ بالادله انه بيتم تحت اشرافه عمليات مشبوهه واختلاط انساب..
اطرق مجدى بعدم تصديق
- بسمـة! وهى ليه تعمل كده، وفين زياد!
تأهب هشام للمغادرة
- معرفش بس القوات بتدور عليه فى كل مكان...
اترفع نداء مجدى: طيب انت رايح فين..
لاح له هشام بعدم اكتراس
- لاززززم اشووووف بسمة ضرورى...
-لازلنا نقف على محطات الفراق نتساءل عن ندوب ارواحنا وصدح صوت بوّق الشوق المندلع بقلبنا ؛ فهل هى احن شدة ام اشد حنين! ف خلاصةُ تَجَارب الحبّ التى رايتها أنّك لا تُحب عندما تَختار ولا تَختار حين تُحب، ولا نمتلك الخيار بمن سنلتقى ولِمَ التقينا، فنحن ملكٌ للقضاء والقدر حين نُولد، وحين نُحب، وحين نفارق، وحين نُموت. نهال مصطفى.
- ممكن تقول لى انت دخلت هنا ازاى؟! وليه اصلا؟!
تجمدت الدماء ف عروق رهف من هول صدمتها، فخرجت جملتها متزعزعه، محملة بنبرة الرعب كمن التقى بشبح، فاقترب فارس منها ضاحكا
- ايه يا بنتى الخوف ده كله، اهدى!
بللت حلقها ولازالت تتفقده بعيون متسعه مغلفه بضباب الصدمة، فقالت بنبرة مرتجفة
- انت عايز منى ايه؟!
اكتسحت اهدابه جدران المكان قائلا
- جميلة اوضتك، ديكورها مجنون وطفولى زيك...
فاردفت بتلقائيه.
- متشكرة، بس مالكش دعوة بردو...
اقتطب حاجبيه مستغربا وبنبره مغلفة بالسخرية
- انت متوترة كده ليه!
استدارت بجسدها لتغادر الغرفه وهتفت بصوت عال
- متوترة! لا خالص؟! هو حصل ايه عشان اتوتر؟! شاب غريب فى اوضتى وانا وهو فالبيت لوحدينا والمفروض انى اكون عادى!
تابع خُطاها حتى لمست اقدامه اعتاب الغرفه قائلا ببرود
- وفيها ايه؟! هو احنا مش صحاب؟! فى امريكا كنا بننام سوا..
أُلجمت بصاعق جملته، وما ينتويه شيطانه، صارخه بحزم
- فارس! أطلع بره...
دنا منها بخطواته الواثقه وهو يضع كفه فى جيب بنطاله قائلا بهدوء
- ما بترديش على مكالماتى ليه؟!
ثم تتطاولت انامله مداعب ذقنها برفق وعيون مغلفه بانوار الخدعه
- ولا انتى زعلانه منى!
زاحت يده بهلعٍ وهى تأكل خطاوى السلم ركضت لتهرب من كهربة عيناه التى اصابت قلبها وبتهديد طفولى
- انت هتمشي دلوقت ولا اطلبلك البوليس؟!
لحق بخطواتها السريعه مترسيا واثق الخطى وهو يقول
- ما فكك من الجو ده وتعالى نتكلم شويه بما ان مفيش حد هنا هناخد راحتنا...
لم تجرؤ على نطق كلمه آخرى بل كان صوت طرق الباب الذي اوشك على الانخلاع خير رد عليه، وكأن هزات الكرة الارضية اندلعت من جوفها إثر خوفها الذي بلغ ذروته حتى اوشكت على البكاء، فاقترب منها متفهما
- هدخل جوه وانت شوفى مين! واجمدى كده.
دخل فارس المطبخ وتعكزت رهف على بقايا قوتها متجه نحو الباب بذعر وهى تناجى ربها
- استر يارب، انا طيبه والله...
لم يهدأ ذعرها بل تضاعف عندما رات رجال الشرطة امامها، وهتف النقيب قائلا
- معانا امر بتفتيش البيت..
بللت حلقها الجاف وهى تقول بانتفاضة
- ليه، هو فى اي؟! انتو مش عارفين ده بيت مين؟!
- عارفين يا انسه ولو سمحت سبينا نشوف شغلنا، انا معايا امر بالقبض على الدكتور زياد...
رددت بعدم استيعاب
- زياد!
تجاهل النقيب خوفها هاتفا للعساكر
- شوف شغلك يابنى؟!
انخرطت دمعه من طرف عين رهف بخوف وهى تضع كفه المنتقض على ثغرها خشية من انكشاف امرها، وما لبث ان تحركوا رجال الشرطه فى ساحة البيت فجاء امر للنقيب بالانسحاب فورا، فبقلة حيلة عاود النداء على العساكر قائلا
- اجمع يابنى..
اوقفه نداء رهف قائله بخوف يتفاقم بجوفها
- ممكن افهم اخويا عمل ايه؟!
اجابها برسمية: فى النيابه هتعرفوا ثم رفع صوته قائلا اجمع يااااابنى هنااا...
انصرفوا رجال الشرطة واحد تلو الاخر وظلت رهف محتفظه بثباتها الى أن قفلت الباب خلفهم فخرت بضعف باكيه على حال اخيها...
خرج فارس من المطبخ فوجدها غارقه فى بحيرة حزنها وتجلس كالقرفصاء ارضا، فدنا منها وجلس بقربها وشرع فى تهديتها
- طيب فهمينى؟!
فتفوهت باكية: اخواتى بيضيعوا منى..
ربت على ظهرها بلطف.
- اهدى اهدى والموضوع اكيد سهل وهيطلع منها..
باتت امامه كطائر ذبيح يتمرغ فى تراب الالم وهو يفقد روحه ويعافر لالتقاط نفسا آخرا من الهواء، مسح فارس دموعها بابهامه وهو يداعب شعرها بمهارة صياد يعرف كيف ينثر شباكه لتكون فخا لسمكته، فابتسم متغزلا
- يخرب بيتك حتى قمر وانت بتبكى، انت ناوية تعملى ايه فى قلبى؟! الرحمه لاهل الارض يا سمو الملكه...
انشقعت غمامة حزنها للحظه وهى تجفف دموعها قائله بجزل طفولى.
- قووم امشي...
- واسيبك كده؟ بتحلمى؟! لالا احنا رجالة اوى على فكرة وبنفهم فى الاصول..
ثم نهض بمهاره وخفة ومد لها كفه ليساعدها على الوقوف، فتجاهلت يده ووقفت بمفردها وهى تضع حدا له قائله
- هتطلع بره ولا...
ف رد مقاطعا بسخريه
- ولا هتطلبى البوليس؟! البوليس كان هنا عندك على فكرة...
ضربت الارض بقدميها
- فارس!
تطاولت انامله لخصيلات شعرها وهو يرجعهم وراء اذنها وتتراجع خطواتها معهم حتى التصق ظهرها بالحائط وهى ترمقه بعيونها المنكسرة وهو يقول
- عيون فارس اللى سلمتلك...
ارتعشت شفتيها حتى فقدت النطق على الكلام، ففاجئها بقبلة بدأت بهمس شفتيه التى تلامس جدار شفتيها المرتعشه وكفه الذي حاوط عنقها بلين خدرها حتى اصبحت تحت رحمته، شيئا فشئيا التهم شفتيها بشدة وهدأ ارتعاش شفتيها، ف من هول الفعل تجمدت...
ابتعدت عنها يتطلع هيئتها التى اصبحت ك طفلة فاقده عقلها، لاتدرك ما قام به باتت صامته تماما لم تجد لهفة القبلة التى كانت تحلم بها ورسمتها مرارا فى ذاكرتها مع مجدى! وضعت سبابتها على ثغرها محاوله ادراك ما حدث فلم تجد سوى رائحة السجائر التى قتلت عذرية شفتيها، تراقب كل انش فالبيت وتسمع بهمسات اثاثه وهما يعاتبونها، بصمت تام رفع فارس رايات انتصاره موليا ظهره للخلف ليغادر وابتسامة الرضا تتراقص على محياه...
كيف ستكون ايامى وساعاتى وانا اهيىء لقلبى هذا الرحيل الهالك به؟! كان صعبا، واصعب ما مررت به ولا احس سواه وهو شعور الفقد؟! كنت مسكنا لاوجاعى وها أنت لم تعد هنا! وها هو فراقك يحيي ما مات بى من اوجاعٍ، وها انا اصارع لاجيد فن الكذب بأنك لا تهمنى، وفن النسيان بأننى لم اتذكرك بعد، وفن التجاهل؛تجاهل الالم الذي ينخر فى عظامى لحاجته أن يترمم بك...!
انتهت فجر من ارتداء الملابس التى احضرتها بسمه، ثم اخذت معطفا طويلا من الحرير لتغطى حبات التوت المنتشرة على جلدها بنكهة حبه وهى تمشي فى ارجاء الغرفة كعجوز يبحث عن قبر يأويه، وقفت امام المرآه طويلا حتى تناولت مصقا وشرد بخيالها للحظه كانت تريد ان يقف الزمان عندها...
فلاش
-ايه اللى خطفك منى فجاة كده
اردفت جملتها عندما وجدته شرد للحظه وتوقف عن ضحكه ومداعبتها فاجابها مبتسما
-بتأمل قدرة ربنا يااستى، فيها حاجه دى؟!
التقت عينه التى تعتلى عينيها بنظرات الشوق قائله
-اللى هو ازاى بقي؟!
ازاح خصيلة من شعرها بغزل
-حاسس انى واخد السما فى حضنى؟!
رمقته بعدم تصديق فقال وانامله تتدلل على وجهها بلطف.
-سواد الليل فى شعرك والبدر منور فى وشك ولمعة النجوم مستخبية فى عيونك!كنت بحب البنت اللى شعرها طويل وعليكى عشقته،
باك.
فاقت من شرودها على سقوط شعرها الذي لمس اقدامها وتكوم تحت رجلها بحزن وكأنها اعلنت التخلى عن كل ما كان يعشقه فيها حتى يطيب قلبه ولم يُذكرها ما كان يحبه به مرة ثانيه..
دخلت بسمه الغرفه متعجبه من الشعر الذي يملا الارض قائله
- فجر، انت كويسة.
فاجابتها باستسلامٍ اشبه بالانكسار
- كل ما اتجاهل انى مش كويسه، صراخ قلبى كل شويه يفكرنى...
- طيب احكى، سمعاكى! طلعى اللى جواكى هترتاحى...
غرق وجهها فى دموع وجعها.
- اللى جوايا عشان يرتاح عاوز حاجه واحده بس!
- ايه هى! احكيلى عن اللى مشقلب حالك كده!هشام زعلك طيب؟!
- حالى بقي عامل بالظبط زى اللى هرب من الموت ووقع فى يد قباض الارواح...
سحبتها بسمه برفق نحو الفراش وجلست مقابلها
- لا حول ولا قوة الا بالله، ليه بتقولى كده طيب..
بللت حلقها وهى تجهش لتمنع انسكاب دموعها
- هربت من هشام ووقعت فى فخ قلبى وشوقى له وكل حته فى جسمى بتعاتبنى عن اللى عملته...
ربتت بسمة على فخذه بحنان وببسمة مشرقة كأنها لم تر عتمة من قبل
- لو عاوزه تتخلصى من وجع طولى فى صلاتك على اد ما تقدرى لحد ما ربنا يردلك قلبك خالى، الصلاة بتغسل القلب، عن تجربة والله، ويلا قومى ناكل...
سحبتها رغم عنها للخارج وجلسا معا على الطاوله وما لبث ان تجلس فقطع هدوئهم الخارجى صوت رنين هاتف بسمة، فاجابت قائله
- اتفضل يا عمو...
انفجر يسرى قائلا
- قبل غروب الشمس تكونى عندى والا هجيلك...
- خير يا عمو...
انفعل قائلا: فينك، الحكومه جااات وخدت جوزك من عندى..
ببرود مثير للغرابة
- ااه يا عمو، ما انا اللى بلغت عنه..
فزع يسرى مندهشا
- ايييه؟! ازاى يعنى؟! بسمة لازم تيجى ومفيش رجعة على القاهرة تانى انت فاهمه...
جلست بسمه على المقعد متأففه
- انا جاية لحضرتك عشان نتكلم بالعقل، ونتفق...
انهت المكالمة سريعا وارتدت حقيبها الجلديه وهى تتحدث
- فجر البيت بيتك، مشوار الفيوم والصبح هكون عندك...
نهضت فجر مفزوعه
- بسمة، مش عاوزه حد يعرف انى هنا، من فضلك..
بسمة بخبث: حتى هشام...
- بالاخص هشام...
ربت بسمه على كتفها بتفهم
- انا حاسه بوجع جواكى شبه وجعى عشان كده بساعدك وهسيبك الليله تقضيها لوحدك وتفكرى انت عاوزه ايه، ولما ارجع الصبح هنتكلم...
تقدمت خطوة وما لبثت ان توقفت كانها تذكرت شيئا
- فالدرج هتلاقي فلوس لو احتجتى حاجه ربما اتاخر عليك، ادعيلى بقي اقنع عمو انى ارجع..
احتضنت فجر بامتنان.
- مكنتش متخليه انك طيبه اوى كده...
- هونى على نفسك وكل حاجه هتبقي تمام...
و حتى عند هدم ذاتى لم يهتز اليقين بى، لأنني ساذجة؟ لأنني متفائلة إلى حد البلاهة؟ لأنني أؤمن بقشة الغريق فلا أفلتها أبدا من يدي؟ لاننى عالقة بين الكلمة والاخرى! ف إن كنت لا أعتقد ذلك لأن الحياة في نهاية المطاف س تغلب و إن بدا غير ذلك...
- أنت بتتصل بيا ليه! ايه البجاحه دى؟!
هتفت رهف بانفعال جملتها ردا على مكالمه فارس الغير متوقعة؛ فاستقبلها بهدوء تام وهى يلف دلكسون سيارته قائلا
-كنتى ويتنج مع مين؟!
- مايخصكش...
- وانا كنت عملت ايه؟!
بنرفزه:
- ياااسلام؟! انت مين اداك الحق تقرب لى اصلا!
- عينيكى...
تأففت بنفاذ صبر
- انا غلطانه اصلا انى رديت عليك...
- استنى بس، افهم انت متعصبه ليه؟! عشان بوستك يعنى؟!
لكت الكلمات فى فمها.
- كمان! ايه البجاحه دى؟!
- وفين المشكلة انت عارفه انهم فى امريكا لما واحد يشوف حبيبته بردانه بيحضنها بتدفئ، وكمان لو زعلانه ومتعصبه بيبوسها تهدا...
زفرت باختناق
- يابنى انت مُتخلف! ف امريكا حاجه وهنا حاجه تانيه؟!
- ومين قال؟! احتياجات البنات ومطلباتهم واحده...
-اووووف، ممكن ماتتكلمش معايا تانى؟!
- موعدكيش؟!
ردت متحديه
- مش بمزاجك!
- لا دى وصية ماما الله يرحمها، اول بنت مصرية ابوسها لازم اتجوزها...
طفح كيلها من بروده فقفلت الخط بدون سابق انذار، كانت جالسه على احد درجات السلم وسرعان ما نهضت عندما اتت امها متأفف
- مالك ياماما؟!
- زفت، زفتتتتت..
- اووووف!انت كمان عرفتى اللى حصل لزياد؟! لسه مجدى قافل معايا...
عايده باستغراب
- ماله زياد؟!
رهف باسف
- بسمة بلغت عنه وملبساه فى حوار كبير اوى..
سقطت حقيبتها ارضا هاتفه
- نهار اسود؟! ماله اخوكى!
- اهدى بس ياماما، هشام ومجدى معاه وهيخرجوه اكيد، متقلقيش!
اجابت بلهفه: لالا اتصلى بمجدى او بهشام يطمنونى على اخوكى...
- لو فى جديد يا ماما هيبلغونا اهدى بس؟!.
نزعت تنورتها بكلل متأففه
- ياربى انا القاها منين ولا منين بس؟!
تابعت رهف خُطاها بفضول ثم قالت
- وفى حاجة كمان!
- خير، خير يارهف...!
القت عايده جسدها على اقرب اريكة بتعب ثم لحقت بها رهف وهى تقص عليها ما حدث بسذاجه.
- مجدى لما كلمنى وقع بلسانه معايا وهو بيسالنى عن اللى حصل مع هشام لانه متغير ومش طبيعى، فهووووب بقى فى وسط الكلام قال لى انه ساب فجر مع هشام امبارح ومشي، فهو عاوز يعرف منى ايه اللى حصل، يس تعرفي ياماما الغريب فالموضوع ايه؟!
مسكت عايده رأسها متألمه
- مش باقى غير ست فجر اللى اسمها بيجرى ورايا فى كل مكان، اخلصي وكملى انت كمان...
فركت رهف كفيها بحماس.
- أنا لما جيت مالقتش فجر فالبيت، لا ومش بس كده، دانا كمان لقيت الورقة دى جمب سرير هشام...
عايدة باهتمام:
- فيها ايه الورقة دى؟!
- اتفضلى اقرى بنفسك!
قرأت عايده الخطاب بذهول ألجمها كصاعق كهربى محاولة تكذيب ما فهمته فرفعت رأسها بعدم تصديق
- ايه ده؟! طلعت جاسوسه؟!
رهف باسف:
- كنت حاسه ان وراها سر كبير، بس للاسف هشام شكله حبها...
القت الورقه بشماتة.
- اخرة الرمرمه بتاعته كان هيموت بسببها، قال ربنا نسيب بنت الاصول والنسب اللى يشرف ونجيب بنت هربانه من الشارع! خليه يشرب!
- مامى! انا حاسه انى عاوزه اعيط؟!
- مش وقته الكلام ده، اتصلى ببسمه اطمن على اخوكى...
نزلت بسمه من المصعد فوجدت امامها هشام بهيئته الشامخة، فتراجعت خطوة للخلف هامسه بفزع
- هشام؟!
رفع حاجبه الايسر واخرج يده من جيبه قائلا
- كويس انى لقيتك..
خرجت من باب المصعد وهى تلملم شتات قوته
- خير ياهشام؟!
تفقد المكان بنظراته الصقريه
- نتكلم فوق ولا تيجى فالعربية؟!
- لو جاي بخصوص زياد، فانا معنديش كلام..
اعلنت رايات التحدى عليه، فسرعان ماهبت زعابيب غضبه التى سببت انتفاضة جسدها هاتفا.
- بسمة! اقصري الشر وبلاش غضبك من زياد يعميكى وتهدى العيله كلها...
التوى ثغرها بسخريه وهى تعقد ساعديها امام صدرها ببساله
- اااه ياحرام؟! كله الا كيان آل السيوفى، وهو برستيج العيله كان يسمح لك تتجوز واحده زى فجر؟!
هل تعرف أجمل ما في القلوب المحطّمة؟ أنها تحطّمت بالفعل مرةً واحدة فقط، وكل ما يحلّ بها، بعدئذٍ، مجرد خدوش، هكذا ما اصاب قلبه بفجة رحيلها واما بعدها مجرد محن وابتلاءات، تجاهل جملتها واسمها الذي رد فيه بكتمان الوجع فى صدره وهو يجز على اسنان محاولا تمالك غضبه
- طيب فهمينى؟! زياد له دخل فالحوار ده؟!
ببرود هتفت.
- والله مش شغلى انا قدمت الادله والنيابه هى اللى تقول اذا كان له دخل ولا لا، مممم بس احب اطمنك انها لابساه لابساه، عن اذنك ياسياده الرائد...
اوشكت بسمه على المغادرة فوقف امامها ليعيق طريقها قائلا بغل
- سبق وقولتلك هجيبلك حقك!
انفجرت بوجهه معاتبه
- ايه كنت هتخليه يتجوزنى شهر قدام الناس ويرمينى!
ثم واصلت بخزى
- بعد وفاة ابويا مستحيل اثق فى حد تانى يجيبلى حقى، حقى انا هرجعه بنفسي...
ثم اخذت نفسا طويلا مواصله حديثها بسخريه
- عارف البوليس جاب اخوك منين؟! من الفيوم من عند عمامى عشان بنت كان بيتسلى بيها، وانا اللى رجعت ودلتهم على مكانه، معلش بقي اصله اتسلى كتير وجيه الوقت اللى يدفع فيه التمن...
ثم ربتت على كتفه
- بدل وقفتك معايا دى روح دورله على محامى يقف جمبه لان مناصب عيلة السيوفى مش هتنفعه، سلام ياابن خالتى...
”حينما يكتمل وعي الإنسان و إدراكه للمصائب، ويقابل عدة صدمات متتاليه تعمى عينيه عن انوار الحياه وتفقد شغفه فى البقاء فتكون العاقبة إمّا أن يعيش في الصمت إلى الأبد،
أو أن يصبح بركانا ثائرًا في وجه كل شيء. “.
تركته فى نيرانه التى زادتها اشتعالا بجوفه، حتى بات يتشاجر من الهواء حوله، تابع خطاها متجها نحو سيارته وهو يشعر بمصايب العالم كحيوانات شرسه تلحق به، عجبى ف كيف يفرض انسان سلطته على انسان اخر؟! هل بطبع بعض الذكريات المفرحه بقلبه يعود اليها كلما قنط من بؤس العالم ام يجعله يعانى دائما؟!
على حدا يتوارى زيدان ورجاله فى سيارتهم بعيدا يترقبون رحيل هشام وما لبث ان انطلقت بسمه بسيارته ثم تابعها هشام فاستدار احد الخفر لزيدان قائلا
- اهى ركبت مع البت دى جنابك، وشقتها فالدور التانى، انا مشيت ورا بتاع الوكل.
فتح زيدان الباب ودلف من سيارته وهو يعدل سترته بفظاظه
- خليكم اهنه...
تلفت حوله حتى تاكد من خلو الطريق مستكملا سيره ناحيه البوابة فلم يجد حارسها فاصحبت مهمة دخوله ميسره، صعد درجات السلم درجه تلو الاخر حتى وجد نفسه امام الشقه التى وصفها الخفير وقام بالطرق على الباب بخفه...
نهضت فجر من مقعدها بتكاسل وهى تجر فى ذيول خيبتها هاتفه
- ياترى يا بسمة نسيتى ايه؟!
وكانت الكارثه عندما فتحت الباب فوجدت امامها عزرائيل سعادتها فاندلعت من جوفها شهقه عاليه محمله بلهب الخوف والصدمة.
-هااااا، زيدان؟!
تاااابع ◄ الحرب لأجلك سلام