-->

رواية الحرب لأجلك سلام الفصل الثالث عشر

 

 

 قرأت ما يكفى عن أنواع الحب، لكن ذلك النوع الذي يأتى بحُلم لم يصادفنى مرّة، ولكنى عشته، على كلٍ اشعر اننا خُلقنا لنواجه كل ماهو فريد، كل ما لم تتحدث عنه الكتب..


كل ما لم يتوقع سيُأتى به الى الدرب...
كأن الحياه بتختبر علمك بمواقف عمرك ماقريت عنها..
هى لو قاصده تدفننا فى قاعها ما كانت هتقسى كده ولا تعمل فى قلوبنا كده!

- هاى يا سعاد؟! ازيك عاش من شافك؟!
اردفت عايده جملتها الاخيره وهى تختال فى خُطاها امامهم بثباتٍ، ثم وضعت حقيبتها الثمينه فوق الطاوله وجلست ووضعت ساق فوق الاخرى منتظرة ردها، فغادرت سعاد مقعدها واتت لتجلس بجوارها مرحبه بودٍ
- اهلا ياعايده، و الله زمان! فين ايامك وايام الكليه..
- اهى ايام وراحت لحالها، اتبسطت انى شوفتك كده اقدر اطمن على بسمه وهى هنا..
تبدلت ملامح سعاد بامتعاض ثم قالت.

- اهو انا كمان مكنتش مطمنه لوجودها معاكى، واحساسي كان فى محله..
ردت ملتاعة
- مش جايه عشان بسمه! موضوع بسمه له وقت تانى..
ثم وجهت انظارها نحو فجر المنكمشه فى نفسها تترقبها بصمت وعيون حائره، فقالت عايده ساخرة
- ملاحظه انك فتحتى بيتك مأوى يادكتورة بسمه!
تدخلت بسمه سريعا
- فجر هنا صاحبة مكان مش ضيفه ياخالتو..
تمتمت باشمئزاز وهى تتكئ للخلف ناصبه عودها
- جيل غاوى فقر...
قطعت همس شفاها صوت سعاد وهى تقول.

- بس ايه سبب الزيارة المفاجأة دى يا عايده..
فكت عايده انعقاد كفيها واستندت بخفه على ركبتيها متأهبه للنهوض موجهت انظارها الثاقبه نحو فجر كمن يمّن على الفقراء بلقيمه
- جايه لشغل..
ثم اتسعت ابتسامتها الخفيفه مرحبه بفجر
- إزيك يا فجر! شوفتى لينا نصيب نتقابل تانى! انا مش عارفه ليه القدر بيرمى فى طريقنا اكتر ناس بنبقي محتاجين اننا مانشوفهمش تانى؟

احتلتهم نظرات التييه، فوجهت فجر نظرة من عيونها الهالكه نحو سعاد التى تفهمت الامر وهبت معارضه
- أنا بقول كفايه مقدمات وتخشي فى الموضوع على طول..
أومات عايده راسها ايجابا، ثم تمايلت بثقه وقالت
- وانا بقول كده بردو..
ثم سحبت مقعد السفرة المقابل لفجر وقالت باهتمام
- جايه اتفق معاكى اتفاق...
خرجت فجر عن صمتها قائله
- انا بعدت عن هشام ؟! هو في اتفاقيات تانيه حضرتك نسيتى قوليها .

ابتسامه خبيثه شقت ثغر عايده فقالت بمكر
- سيبك من هشام وسيبك من كل كلمه قولتها وطلعت فى محلها، وانى شوفت اللى كان هشام قاصد ميشوفهوش، مممم بس اهو بيدفع التمن...
اسرت فجر مُر كلماتها فى حلقها ثم قالت بحزم مستبدله اخره بنوْنٍ
- الشيء الوحيد المشترك مابينا خلاص بح، مفتكرش ان فى اتفاقيات مابينا..
التوى ثغر عايده ساخرا ثم قالت.

- اسمعينى للاخر، هعرض عليكى عرض يأمنك، يجيبلك شقه وعربيه فى احسن مكان وكمان تفتحى مشروع تكسبى منه وتعيشي ملكه، اكيد مش ناويه تطولى مع بسمه!
ثم صمتت للحظه قاطبه حاجبيها لتلقى رصاصتها فى جمله
- اصلها مش هشام هيضحك عليه بكلمتين؟!
بللت فجر حلقها وجففت قطرات العرق المتصببه من مسام وجهها برغم من برودة الجو تأسر كل كلمه واخرى فى قلبها حتى اوشكت على البكاء، اكتسحتها اهداب عايده مواصله
- قصيتى شعرك؟! ياخسارة!

تدخلت بسمة معارضه
- خالتو لو سمحتى اى اهانه لفجر فى بيتى هعتبرها اهانه ليا..
- متتحمقيش اوى كده يابسمه، انا عاوزه مصلحتها، وبديها خلفيه بس عن هى مين وهتبقي ايه..
هبت سعاد بحزم
- يبقي تجيبى من الاخر وتقولى عاوزه ايه..
اختلج قلب فجر بهزات الالم منتظرة سهما اخرا تصوبه عايده منتصف جوفها، فاكملت عايده قائله
- فجر انا معروض عليا صفقه العمر كله، وعشان الصفقه دى تتم للاسف صاحبها طالبك بالاسم..

تبدلت الانظار حائره فيما بينهم ثم رددت بسمه باستغراب
- تشتغل فالفاشون؟!
اومأت عايده ايجابا
- ايوه يابسمه..
شرعت فجر ان تهب معارضه ولكن كان صوت عايده اقوى منها فاسكتها
- مش عاوزه تهور ولا جنان، وعشان اكون صريحه معاكى ؛ انا مش حابه وجودك فى اي مكان ولا فى حياة هشام ولا فى شغلى..
سعاد باندهاش: يااااااسلاااام؟!
تجاهلت عايده همهماتهم المكتومه ثم قالت.

- وضع مؤقت مش هياخد منك غير ٣ ل ٦ شهور بالكتير، اتمكن من الصفقه وامسكها بايدى، وبعدين انت قادره تنسحبى فى الوقت اللى يريحك، تكونى طلعتى بمبلغ مش بطال وتكملى حياتك بعيد عننا بقا ..
ثم تنهدت بصوت مسموع
- يعنى اعتبرينى جايه امضي معاكى عقد شغل لمده ٦ شهور وامدلك ايدى بفرصه من دهب، ويادار ما دخلك شر بعد كده ..

ظلت ترمقها بعيون منهمكه بحزن لم تذرف دموعه قط، حائره مشتته ما بين العوده والتحدى والاختفاء ايهما سينصفها!، عرض عايده المغرى لم يشغل تفكيرها انشٍ واحد ولكن استحوذتها كل السبل التى تؤدي اليه وما يمنعها منه! وضعته محل اعتبار لكل خطوة ستُخطيها ، متنهده وصوت الامل يصدح من كل قلبها ؛ ماذا لو رتبت لنا الاقدار لقاء اخير! ومنحنا الزمن فرصة اخرى لاحبك من جديد ؛حبٌ عماده قلبى، ومأواه شوقى الدائم لك، ولذته حضنى، وسقفه أنت الذي ستحمينى من قهر العالم! ماذا لو كان مخبىء لنا كوبا جديدا من الشاى الذي لا اتحمل رائحته ولكننى سأشربه لاجلك، سأمنحك حبا يحب كل ماتحبه! هل افترقنا حقيقة ام ثمه الغد لقاءنا؟!

ذرفت دمعه خزى من طرف عينيها وكأن صوت عقلها صدح معارضا تلك المرة، هناك شخص واحد خُلق للحب، التقينا به لنقع بحبه وكل ما بعده قابلا للنسيان ولكن كل هذا ليس سببا كافيا للعوده، هناك رجوع يحرق الحب وهناك فراق قد يزينه ؛ سأحتفظك لك بالصوره الجميله دوما ، واهدم خلفى كل الطرق التى ربما تحمل لنا بين ارصفتها لقاءنا...

نام الكلام على شفتيها فلا تعرف ماذا ستقول وبما ستقرر، فى تلك اللحظه كان صوت طرق الباب نجاتها للتفكير لوقت اطول، فاقت فجر على صوت عايده الذي به شئ من الحماس
- دى اكيد ميان، لانها مصممه تشوفك بنفسها ياستى، افتحى يابسمه...
تحركت بتثاقل نحو الباب وما هى لجزء من الثانيه تحول تباطئها للفزع، فصعقت هاتفه وهى توارب الباب بحذر
- هشام...
ضغط على شفتيه للحظه بتردد ثم قال
- حابب اتكلم معاكى؟!

لازالت تحت هول صدمتها وعجزها عن التصرف، فاصدرت ايماءه خافته ولازالت عيونها تلتقمه بارتباك، ثم اجابت
- طبعا ياهشام...
تردد للحظه ثم قالت
- طيب استنانى فالعربيه تحت وانا هحصلك..
بمهارته العسكريه ألتقمت انظاره دخان نيران خفيه منبعثه من عينيه، ضاقت عيونه الصقريه وهو يسألها
- انت واقفه عالباب كده ليه؟!
حاولت ان تستعيد طبيعتها ثم هزت راسها نافيه
- ها! لالا ابدا، متوقعتش زيارتك بس..

لم يكد هشام ان يُجيبها ففتح باب المصعد وخرجت منه ميان بصحبة البواب وهو يهتف قائلا
- اهى دى ست الدكتوره بسمه ياهانم...
اعطت ميان للبواب بعض النقود الورقيه ثم شكرته ممتنه محاوله تمالك قلبها الذي انتفض بمجرد رؤية هشام امامها فاتسعت ابتسامتها كمن تحقق مراده بس سنوات من السعى قائله
- مش معقول؟! سيادة الرائد هشام السيوفى هنا؟! ده من حسنى حظى!

نزع نظارته الشمسيه وهو يفتقدها من رأسها للكاحل ويتأمل جمالها الاجنبى وفخامه مجوهراتها وطلتها الباهظه، فلم يثيره جمالها اى اهميه سوى أنها يبعث عمن فقدها فى من وجدها، فاجابها بفظاظه
- اهلا وسهلا، حضرتك تعرفينى؟!
- ومين فى مصر مايعرفش البطل هشام السيوفى.!
كان ردها تلقائي حد الاندفاع الذي ثار فضوله الذي لم تجعله يبدء حيث قطعته بمد كفها مرحبه
- هاى انا ميان الشاذلى، شريكة عايده هانم فى المشروع الجديد.

بسمه بحزن بلغ ذروته:
- هو يوم اسود..
ما لبث ان تبادلا السلامات فخرجت عايده وهى تفتح الباب على مصرعيه قائله
- هو في ايه هنا...؟!
ازداد اندهاش هشام ولمعت عيونه بنور الفضول الذي عثر على جوابه فى قلبه ولكنه تعمد تجاهله قائلا
-وكمان عايده هانم هنا؟!
تراجعت عايده بارتباك ملحوظ وهى تتفوه قائله
- هشام!
تدخلت ميان بحماس
- تتصورى يا عايده هانم انه مايبانش خالص ان الرائد هشام ابنك؟!
رمقتها عيون هشام الماكرة بسُم الشك.

- دانت متابعه بقي...
ثم رفع نبرة صوته وهو يفسح مكانا للدخول وكأنه اراد تلك المرة ان يتبع خريطه قلبه قائلا
- جرى ايه ياعايده هانم هو أنا بقيت محل اهتمام لشركائك كمان!
وطأت اقدامه اعتاب البيت الكاشف للرؤيه حيث ألجم الجميع بصاعق كهربي جمد اجسادهم فى مكانها ولم تتحرك سوى اعينهم المتراقصه على حبال المفاجأة...

نبرات صوته من الخلف كانت كزخات المطر التى رطبت عجاف صدرها فاستدارت لتكذب اذانها متبعه بوق قلبها الذي يصدح باسمه، متمتمه بهمس شفتيها
- هشام!
خربشت اهدابها على جدار قلبه بلفتة حب تجاهل باشعال سيجاره بمنتهى الثباب وألقى الولاعه ارضا، قائلا بهدوء تام
- ياخى الدنيا دى صغيره اوى!
اقتحمت ميان بفضولها صالة البيت قبل ما تمنعها عايده لتكتشف ما الامر، فتقابلت نظرات عايده مع بسمه بحيره وقلة حيله..

تدخلت سعاد بعفويه
- مش هتسلم عليا ياهشام؟!
- خلى السلامات لما نكون لوحدنا...
ثم رفع نبرة صوته مناديا
- بسمه، عايزك لوحدنا...
حرقها جمر تجاهله فولت ظهرها متحاشيه النظر إليه، للتو ايقنت انها كانت كضرير بدونه لا ترى من جمال العالم الا لون غيابع فحين اتى صار عيناها التى لا تحلو من بعده رؤيه...

صمت تام خيم فطره عليهم كل منهما غاص فى دوامات فضوله وحيراته واسئلته المجرد من الاجوبه، فضول ميان المشتعل برأسها، خوف عايده من العاقبه، ارتباك بسمه، عيون سعاد المستكشفه، حروب فجر المندلعه اندلاع النيران بجوفها وشوقها المتدفق إليه، تجاهل هشام ل امراة تحيطه من كل الاتجاهات،.

سحب نفسا طويلا ثم اتجه نحو غرفة الجلوس فى انتظار بسمه، اشارت لها عايده متفهمه لتفهم ما الامر، فتقدمت خطوات بسمه بثبات مصطنع وجلست بجواره وقالت
- تشرب حاجه ياهشام..
رد بفظاظه
- مش جاى عشان اشرب..
بللت بسمة حلقها ثم قالت بتردد
- يبقي جاى عشان حوار زياد..
اجابها بثقه عارمه
- اللى هنقفله دلوقتى وهتيجى معايا عشان ننهيييه خالص..
شرعت براثين الانتقام تتوالد من جديد فى قلبها، ثم ردت متحديه
- وده امر ولا طلب..

اغمض عينيه للحظه وبنبره مخيفه قال
- ده اللى هيحصل دلوقتِ، اعتبريه زى ما انت عاوزه بقي..
فكرت للحظه
- بس أنا لسه مخلصتش حقى من زياد!
تحولت نبره صوته من الهدوء الذي يسبق العاصفة لنبرة مغلفه بالجزع
- اللى بينك وبين زياد مش المفروض اتحمل نتيجته انا معاكم، يطلع وشالله تولعوا فى بعض المهم شغلى رقم واحد فى حياتى مايتأثرش..
تسكعت عيناها بين دروب وجهه متحديه
- وان قولت لا يا هشام هتعمل ايه؟!

انحنى ليطفىء سيارته فالمطفأه متنهدا بثقه
- بس انت مش هتقولى لا...
اجابته معانده
- لا بقي اللى متعرفهوش، انه لا فعلا ياهشام، واخوك لازم يتربى...
اومئ رأسه بتفهم وكمن يحضر افكاره الشيطانيه، فرفع انظاره نحو التى لازالت تقتنصه بشوق فاسقبل نظرتها بشوك سخطه، وعاود النظر لبسمه، ثم قال متسائلا
- هى دخلت عليكى بالشويتين بتوعها؟!
ضاقت انظارها بعدم فهم، ثم قالت
- قصدك مين؟! مش فاهمه!
تنهد بارتياح مواصلا.

- بصي يابسمه حل من الاتنين ياما زى الشاطرة كده تقومى تلبسي وتنزلى معايا نقدم أدلة براءه زياد، يأما هقوم اجيب البنت دى من شعرها وساعتها الجن الازرق مش هيعرفلها طريق...
صمت لبرهه يستجمع هدوء المغلفه بنيران التهديد والتوعد واكمل بسخريه واضحه
- على كُلٍ أنا مش هنزل من هنا ايدى فاضية، قولتى ايه؟! هى ولا أنت؟!
تزودت منه بأخر نظرة معاتبه
- أنت اكيد مش هتعمل كدده؟!
رد بثقة اشبه بالغرور.

- تحبى تشوفى؟! وساعتها محدش هيستجرى يوقفنى!
استقرت فى حلقها غصة الخيبه والعجز، ثم سالته متعجبه
- ليه؟! وهى اي ذنبها تساومنى بيها؟!
تحدث بفصاحه لا تخلو من الغرور
- بالظبط نفس الموقف ، ليه اتحمل عك زياد؟!
حسمت بسمه أمرها ثم وقفت متخذة قرارها وقالت باستسلام
- تمام ياهشام هلبس واجى معاك، تقدر تستنانى تحت...
ثم لكت اخر عباره فى فمها وهى تقول بنبرة تهديديه
- لانى مش هسمح لاى ضيف عندى يتهان فى بيتى..

القت جملتها وتركته مغادرة بخطواتها السريعه لتحضر نفسها تحت أعين الجميع التى لم تخل من الذهول، تايع هشام خطواتها ولكنها كانت اكثر اتزانا، حتى وصل الى مجمعهم والتقت اعينهم المفعمه بالعتب والتعب وتعمد هشام تجاهلها لحد انها شكت ان نسائهمها لم تمر على قلبه من قبل..
كانت تعتصر من لحظات اللقاء الفقير بينهم قطرات تملا قناة حبها الذي كان السبب فى حفره قسوة تجاهله، تشعر برجفه الحمى التى كان سببها رعب رجل..

فاضت العيون بينهم بعتب لم ينطق ولكنه أن قيل سيحطم كل الاسوار الحصينه بينهم، كانت تتهامس عينيها لعينيه متوسله ؛كيف اغيرك بالعودة لسماع قصتى، او قصتنا التى خلقتها بك!، فتجيبها عيناه الاشد قسوة ؛ عليك ان تنسي انك مررتى من هنا...
أمسكت قلبها عنه وهى تضور وجعا وشرعت أن تهمس بجملتها لتحاوره فتدخلت ميان لتعوق سيره قائله
- هشام بيه، ممكن رقم حضرتك، عشان حابه اخد رايك فى كذا حاجه كده؟

اشتعلت فى قلبها نيران اشد قسوه من رحيله وهى نيران الغيره التى تبخر قلب حواء، فضاقت عيونها منتظرة رد فعلها على طلبها، فتدخلت عايده لتوضيح الصورة
- هشام، الانسه ميان الشاذلى غنيه عن التعريف تبقي شريكتى فالصفقه الجديده..
كثرة التجاهل اهتمام وهذا ما وقع فيه هشام عندما كان يحاول اشغال قلبه وعيناه عنها، فرد
- موفقين ان شاء الله..
تدللت ميان أمامه بخبث انثوى وكأنها ادركت على اي حبل ستشده، وقالت.

- وفجر الموديل بتاعت المهرجان، اى رايك فى اختيارى!
فرت دمعه مكابره طويلا من طرف عينه فتدخلت فجر معارضه
- انا لسه ماوفقتش؟!
ارتعاشت نبرة صوتها لم تحرك له جفن، وحافظه على ثباته وتحاشي انظاره عنها وماهى الا ثوان والتهمت سعاد القرار من ثغرها وقالت بتحد مفتعل
- لا ياعايده فجر وافقت،
رمقتها فجر بدهشة استقبلتها سعاد بنظرة تحذيريه، ثم هللت ميان قائله بفرح
- اهو هو ده الكلام..
شد عوده متأهبا للذهاب.

- تمام، هستأذن انا..
اوقفه نداء ميان وهى تمد له هاتفها
- والرقم؟!
نظره استكشافيه القاها علة فجر التى تتوق بنيران الغيره كبركان اوشك على الانفجار، فلمس زر الانتقام قائلا بابتسامه شائكه مرت على حواف قلبها مزقته وهو يتناول الهاتف منها ويكتب رقمه واعطاها الهاتف مرة اخرى بهدوء استقبلته ميان بابتسامه انتصار وعشم زائد
- هتسمحلى اكلمك فى ايه وقت؟!

فكرة للحظه كأنه ينتظر هبوب رياح اعتراض فجر لتخلصه من المأزق، وما لبث طويلا ثم قال بفظاظه
- تحت امرك فى اي وقت..
حفظت ميان الرقم ثم قالت بحماس
- يبقي هكلمك بالليل...
ولى هشام ظهره بدون اى رد فأوقفه نداء فجر الذي حرك قلبه الذي تعمد تجاهله من مكانه وكأن حبالها الصوتيه روضت قلبه وبنبره مرتعشه، ملتاعه نطقت نار حواء
- هشام، احنا مش هنتكلم!

تجمدت فى انتظار رد، التفاته، كلمه، فكان قادرا ان يغير الحياه بنظره من مقلتيه، وربما كلمه بشدقيه، وربما وجوده شيئا استثنائيا كافيا ان يغير حياتنا، كانت تنظر اليه مرتعشة، مرتبكه، بها شخص يخشاه وآخر يتمنى ان يضُمه لاخر الحياه..

فحسمت خطواته الرحله الامر، فلم يتكرم ويجيبها ولو كان نفيا حتى اصيبت بخيبة أمل آخرى اثبتت لها ان العوده بينهم مستحيله كعلاقه مسن بفتاة بكر، اصابها تجاهله فى مقتل حتى اهزت اقدامها فلم تعد تتحملها هى وفوضي قلبها المربكه وصخور تجاهله التى انهالت فوق رأسه...

- يابنتى طب ردى عليا هتفضلى مبلمة كده كتير؟!
جلست ناديه بجوار قمر تتوسل اليها بالنطق والخروج عن صمتها، فتدخلت امها باكيه
- ما تردى يابتى حصل ايه وريحى قلب امك؟!
باتت كجماد لا يري لا يسمع لا يتكلم، لا تشعر الا باختناق روحها والتفاف دومات الحياه حول قلبها، اعتدلت بهدوء لتأخذ وضع النوم منكمشه حول نفسها ولازالت تحت تأثير حدث سلب منها الحياه ولم يترك لها سوى ظلمة القبر..

انفجرت امها باكيه على حال ابنتها الى أن دخل زيدان بابتسامته الصفراء ناصبا عوده مستندا على عكازه هاتفا
- كيف حال قمر دلوك؟!
نهضت ناديه بنيران غضبها محاوله تمالك اعصابها لتقول من خلف فكيها
- وكمان ليك عين تيجى لحد أهنه؟! يابجاحتك..
انحنى قليلا هامس فى اذانها
- ما بلاش أنت ياناديه، واطلعى منيها؟!
اتسعت عيونها المحاطه بكل الانتقام.

- عارف كل مخاليق ربنا ليها يوم تترد فيه المظالم الا أنت ليك عمر تانى، هتمشي تسف تراب الشارع ولا حد هيرحمك..
رمقها بنظر شر اخرستها
- لمى دورك؟! واقصري الشر عشان يوم ما الحساب يتفتح البدايه هتكون بيكى!
تجولت انظارها على ملامحه التى تشتعل بالشر فواصل قائلا
- فكرك حوار التعابين هيعدى اكده؟! تبقي متعرفيش مين هو زيدان نصير..
ثم تنحنح بشر دفين وواصل قائلا.

- وفكرك لما تبعدى خالد عنى كده يدى مش هتطوله؟! تبقي غبيه...
ألجمها بصاعق كلماتها التى ادخلتها فى دوامه من الحيره والخوف وظلت تحرق ظهره بنظراتها الساخطه وتتمتم بقله حيله
- منك لله، ربنا ينتقم منك يابعيد، هو القادر على كل شيء...
ثم اقترب من قمر الراقده لا حول لها ولا قوة وتعمد ان يلمس بيده جبهتها فانتفضت من مرقدها كالملدوغه وهى ترتعش كمن تخرج روحه، فاقتربت امها منها لتربت على كتفها.

- اهدى يابتى، مالك بس؟!
تسلقت نظراته طبقات حزنها بلذة انتصار ثم قال
- يلا عاد ياقمر قومى اكده وشدى حيلك عشان عاوزك معاى الفترة الجايه.
تطلعت نظرات امها اليه بحيره
- قصدك ايه جنابك!
القى نظرة تحدى لناديه ثم واصل قائلا بحزم
- طالب منك يد قمر ياام قمر..
فزعت ناديه مذهوله على وقاحته منفجرة بتعجب
- يخربيتك، الله يخربيتك يابعيد؟! انت مصنوع من ايه؟!

اغمضت عينيها عن شرور العالم حولها وهى تشعر بكل ذرة رحمه فى قلبها تتفتت وتنبت من جوانب سريه من جسدها مخالب شرسه قادره على قتل كل من أدى بها لهنا، ‏لينعث توسل خافت من باقيا الانسانيه بها اجعلوا الحياة من حولنا معقولة، ‏لكي نظل بشراً،
فى حضرة غيابك سأصبح كاتبة تناديك بين النقطه والنقطه، الفصله والفصله، الكلمه والاخرى ...

ما وعدتك أننى سأظل أحبك للابد واخبرتنى ان السرمديه هى الشيء الوحيد الذي يليق بقلبين مثلنا، قلنا لن نفترق إلا بالموت، تأخر علينا الموت، وافترقنا ومر كل منا مرور الكرام تحت انظار الآخر كأننا لم نلتق يوما، حتى جعلتنى اتسائل اهذا هو الذي كنت تحت معطف ظله منذ ايام؟! اهذا الذي اخبرنى بأننى أمه عصانى وتجاهل رجائى حتى بتُ اندب حظى وحبى بعده ؟!

كنت مليئه برسائل اود ان افرغها بين يديك ولكنك خذلتنى، وخذلت أملى فى أن اودعك بلطف فى آخر لقاء بيننا، بخلت عليا بنظرة طويله اتجرع ملامحك فيها دفعة واحده للحد الذي يجعلنى اواصل طريقي لوحدى مستنده على طيف صورتك الاخيره المطبوعه بى؟! بخلت حتى بالوجع الذي سينتهى يوما ما وتركت لى الحيره التى ستجعلنى أجن عن قريب...

لاول مرة اعط قلبى سن قلمى واتركه يبكيك غيابا وعتابا، تركته يدون الاشياء الحميمه التى لازالت أحيا عليها واقدم للعالم كله اعتراف صامت بألمٍ نخره تجاهل رجل فى عظامى، ويتوسل الى ملك الموت بأن يعرف طريقه إليّ ليخلصنى من حياة خاليه منك، والى أن يستجيب سأكتفى باختراع شخصك الذي احببته حتى العبودية وادونه على ورق يؤنس وحدتى ويشاركنى لحظاتى، سأحكى لك أمرى واتخيل مواساتك وردودك اللطيفه التى كانت ذات يوم تحتوى قلبى، سأقتل شخصك الذي قابلتنى به اليوم واكتبك كما اريد أن تكون معى، هى وسيلة اشد قسوة للونس ولكنها ارحم من فكرة نسيانك، قلبى لم يتقبل سخافات النسيان، لا يشفى المرء من ذاكرته مهما حاول الركض منها دوما، لهذا قررت اكتب.

《غب متى شئت وسأحبك كيفما اريد، كل منا قلبه طوعا له فلا تلومنى 》
قطعت سعاد خلوتها وهى تقول:
- وبعدين فيك!
غمغمت بشرود
- بس غريبه حكايه ان يكون العالم مختصر فى وجود شخص ؟!
- ولا غريبه ولا حاجه العالم بأكمله شخص واحد وبس، ودى القاعدة اللى اتبنت عليها الارض من زمان ..
- هتفضلى كده كتير؟!
تركت فجر الدفتر من يدها ورفعت عيونها الهالكه من اثر البكاء
- تقومى تاكلى وتغسلى وشك وتفوقى، ليه الحاله دى؟

تدرج صوت بكاءها قائله.
- شوفتى عاملنى ازاى؟!
- حبيبتى انت متخيله أن هشام اول ما يشوفك هيقولك معلش سماح يلا نبدا من اول وجديد ..
مسحت دموعها بطرف كمها وهى تهز رأسها نافيا
- بس مايعاملنيش كده؟!
- وهو الراجل اتكلم؟! قومى كده ننزل نشترى لبس ومن بكرة تنزلى وانت حاطه رجل على رجل عند فى عايده والسلعوه اللى معاها دى..
هبت معارضه
- انا مش عاوزه اروح فى حته؟!

- عاوزه تقعدى جمبى كده تندبى حظك؟! وتسيبي الحيه اللى بتتلوى على رقبة الواد دى تاخده منك..!
رمت الدفتر من يدها بقله حيله
- تشبع بيه بقي، انا مابقتش عاوزاه ولا طيقاه،
احتضنتها سعاد بحنان ثم ربتت على كتفها وقالت بمكر
- واى دخل انك مش عاوزاه ومش طيقاه ان الحربايه اللى اسمها ميعان دى تاخده منك، لالا يبقي فايتك كتير، ولازم تفهمى...
ابتعدت فجر عنها مستغربة
- افهم ايه؟!

- هفهمك، هو في حد فالزمن ده هيشارك حد مش هيعرف عنه تفاصيل حياته...
هزت فجر راسها نفيا: لا...
- حلوووو، واحده زى البنت دى داخلة الصفقه وطالباكى بالاسم، واول ما تشوف هشام تتدحلب واش رقم تليفونك وايش معرفش اي؟!
تمتمت فجر بتفهم
- تمام...
فواصلت سعاد حديثها
- وانا فاكرة ان خبر جوازك انت وهشام اتعمله ضجه وحوارات كتيره، يبقي هى اكيد عارفه علاقتك بيه وفى دماغها هدف معين ..
فكرت فجر قليلا ثم قالت.

- اي هو ياترى...!
اجابت سعاد بنفاذ صبر
- ماهى واضحه وضوح الشمس، عاوزه تاخد هشام وتذلك أنت بفلوسها وتحطكم انتوا الاتنين تحت عيونها عشان تلعبها صح بنت الايه...
شردت فجر طويلا تقلب الحديث براسها، ثم قالت بشك
- وافرضي ان الكلام ده صدفه مش اكتر..
فاردفت سعاد بثقه
- مش صدفه، والدليل انك لو روحتى وحطيتى رجل على رجل وطلبت ضعف اجرك ولا هتقدر تتكلم وهتوافق لان زى مابقولك فى دماغها هدف تالت...

ثم سكتت للحظه وواصلت بنفس الثقه
- البت دى يافجر وراها حوار، وحوار كبير اوى ؛ بس من سوء حظها وقعت مع اللى مابيرحمش..
تضرجت وجنتها بحمره قانية غائصه فى الابواب التى فتحتها سعاد امامها على مصرعيها وغمغمت
- وانا حاسه كده بردو ..!
- حاسه؟! انت هتشلينى بابنتى؟! قومى قومى معايا..
- هنروح فين؟!

- هنجيب لبس واغلى واجمل لبس، وهوديكى بيوتى سنتر يريحنى من الهالات اللى تحت عيينك دى ، بصي انت متتكلميش خالص تقولى حاضر وبس..
كانت سعاد تسحبها خلفها بحماس زائد فاوقفتها فجر متسائله
- استنى بس انا مش معايا اى فلوس لكل ده.
تأففت سعاد جازعه
- ياستى وانا هلفهملك، واول ماتاخدى فلوس من ست ميعان دى هاخدهم منك، يلا بلاش لوكلك كتير وانا معاكى لحد هشام مايجيلك لحد عندك...
اتسعت ابتسامت فجر بنور الامل.

- بجد، هشام ممكن يرجع لى!
رمقتها سعاد بخبث
- هو انت مش كنت مش عاوزاه ولا طيقاه؟! اما عجايب؟!

- تمام ياهشام، انا نفذت اللى طلبته وكلها كام ساعه ويكون فالبيت بس ورحمه ابويا ماهعتقه..
خرجت بسمه بصحبه هشام والمحامى خلفهم من المحكمه بعد ما قدمت التسجيلات التى تثبت براءته وادانه نهى وعلوى، واردفت جملتها بنبرة قوية لم تحرك شعره بجسده ولكنه تجاهله عندما استدار بجسده ليشكر المحامى
- تاعبينك معانا يامتر!
اجابه ممتننا
- احنا تحت امرك ياهشام بيه، الف مبروك على براءة الدكتور...

بادله هشام التهنئه حتى غادر ثم عاد لبسمة قائلا
- سبق وقولتلك ولعوا فى بعض ، بس بعيد عنى وعن شغلى..
تنهدت بسمه باختناق بعدما اكتسحت المكان بعيونها ثم قالت بحيرة
- هشام انت هتعمل ايه مع فجر..
ارتدى نظارته ليخفى عيونه التى ستفضحه بالكاد، وقال بتجاهل يثير الغرابه
- لو وقعت تحت ايدى هنفذ تهديدى اللى قولتهولك..
بسمه بشك
- وهتقدر.!
رفع سبابته محذرا وهو يقول.

- بسمه، عقليها وقوليلها احسنلك متروحيش مكان فيه احتمال ولو واحد فالميه اننا نتقابل، عشان ورحمة ابويا ما هرحمها...
رمقته بسخط حد الاهانه ترجمته عيونه وقالت ساخرة
-كنت فكراك غيره لكن اخوك زياد ، وانا هستغرب ليه، ماهى نفس البطن! سلام ياابن خالتى...
تركته بسمه ونزلت درجات سلم المحكمه جعلته يضور ألما وغضبا فلم يجد سوى قطعه حصا صغيره تحت قدمه يفرغه بها غضبه متجاهلا نزيف قلبه وقال
- بكرة القلم هيترد قلمين!

قطعه صوت رنين هاتفه، فاجاب متأففا
- ايوة؟!
- ايه ايوه دى؟! لالا اللى يتكلم معايا لازم يفصل نهائيا عن تعامله مع المجرمين ومع ميان الشاذلى..
اصدر ايماءه خفيفه عندما تعرف على هويتها فشرع فى النزول قائلا بتسائل
- ومين طلع قرار اننا هنتعامل..
اطلقت ضحكه عاليه لم تحرك انش بجسده وقالت بتحد
- وهنتغدى كمان؟!
فكرر جملتها متعجبا من جراءتها
- كمان!
- ماتخفش، هعزمك...
فتح باب سيارته وهو يقول بلامبالاه
- وان قولت لا،.

واصلت بثقه وهو تنحرف اقصي اليسار بمقود سيارتها
- هقولك مستنياك فى العنوان اللى هبعتهولك...
دور سيارته وقال
- وان مجتش؟!
- هتيجى!
- انتى يابنتى مش عارفه بتتكلم مع مين؟!
اطلقت ميان ضحكه خبيثه وقالت
- ماانا عزماك عشان اعرفك...
- وانا مش حابب اتعرف لان جو التعارف ده مش تبعى..
ضغطت على شفتيها بنفاذ صبر ثم قالت بجراءه
- ابقى ماعجبتكش؟!
قطب حاجبيه من حد جراءتها وقال
- وايه العلاقه؟!

- يوووه كتير وانا بردو اللى هقولك يا هشام بيه؟!
تأفف ممتعضا ثم قال متحججا
- معايا مكالمه مهمه على الويتنج، مضطر اقفل؟!
- هستناك !
اجابه بحزم قبل ما ينهى المكالمه
-هتستنى كتير!
القت الهاتف من يدها على المقعد المجاور متأففه وشظايا الغضب تتناثر هنا وهناك من بروده، فما زادها التجاهل الا تحدٍ، فغمعمت متوعده
- انا تقول لى لا؟! طيب ياابن السيوفى؟! اما عرفتك مين هى ميان الشاذلى مابقاش أنا؟!
منذ اللحظه التى توقفت فيها على شفا مُحادثتك ولم استطع ان اُخبرك بإننى لست بخير بإننى اشتاق لك، عندها تاكدت بأن الطريق إليك بات منقطعًا، لأول مره أشعر بأنك لا تخُصني، لأول مره افنى عمرى انتظارا فى وهم نسجته من صُدف لقائى بعيناك

(صباح يوم جديد )
وصلت فجر لمبنى شركة النورماندى متأخرة عن معادها قرابة النصف ساعه، فدخلت بمنتهى الهدوء مكتب عايده التى اثير فضولها جمال واناقة وفخامة الصورة التى طلت امامها..
جلست على الاريكه الجلديه ووضعت ساق فوق الاخرى، وبثقه اشبه بالغرور
- صباح الخير!
رمقت ميان عايده بنظرة حائره ألتقمتها عيون الاخيره متفهمه، فتركت القلم من يديها وقالت.

- من اولها تأخر فالمواعيد كده؟! ياريت نلتزم بمواعيدنا! بحالك ده مش هنمشي شغل!
بهدوء اردفت فجر:
- قولى ان شاء الله..
استدارت ميان بكرسها الجلدى ونهضت بحماس وهى تتفقد هيئه فجر الباهظه وتقول متغزله
- هاى، الكاجول لايق عليك جدا..
التوى ثغر فجر مبتسما بثقه
- أنا كل حاجه واى حاجه بتليق عليا؟! انا فجر النورماندى، هى طنط عايده ماحكتش ليكى عنى؟!
تراجعت عايده بمقعدها للخلف متأهبة للوقوف.

- مفيش وقت لكل الكلام الفاضي ده..
ثم امسك بالهاتف متحدثه مع مديره مكتبها
- هاجر، هاتى العقد للانسه فجر تمضيه..
هبت رياح فجر معارضة وهى تحدق النظر بميان متعمده اشعال النيران التى قذفتها بالامس فى قلبها
- مادام فجر يا عايده هانم، حرم الرائد هشام السيوفى؟!
تأفف عايده جازعه وهى تقفل الهاتف باختناق، فاردفت محذره
- وبعدين؟!
لم تعر فجر اى اهتمام لنظرات عايده التحذيريه ثم قالت ببرود.

- ولا قبلين؟! ايه ما وضحش الصورة يعنى؟!
- لا يااختى مش وقته؟!
داعبت ميان خصيلات شعرها ثم استدارت نحو عايده قائله بهدوء اشبه بالغيوم التى تسبق المطر..
- تعرفى يا طنط ان هشام طول الليل امبارح بيتكلم معايا، وقال لى انه ناوى يطلق قريب؟!
فزعت فجر من مجلسها هاتفه
- اى الجنان ده؟! هشام مستحيل يعمل كده؟!
هزت ميان كتفيها لامباليه
- وانا مالى؟! انا بقول اللى حصل وبس..
هبت فجر بثقه
- كذب!

- هاا براحتك بقي، شكلك من الناس اللى بتحب تعيش على الوهم كتير!
ادركت عايده للتو أن انها وضعت الكبريت بجوار البنزين وستنشب نيران ستحرق كل شيء ولا ترحم، فكزت على اسنانها غضبا
- وبعدين بقي دى مش طريقه شغل؟!
نظرت لها بازدراء ثم عادت لتجلس على مقعدها مرة آخرى، وحينها دخلت هاجر حامله بعض الاوراق واعطتها لفجر، فهتفت ميان قائله بنبره آمره
- يلا أمضى عشان ننجز ونبدا نشوف شغلنا..

شرعت فجر فى تقليب الاوراق لتقرأهم قائله بتجاهل
- لما اقراه الاول؟!
حدجتها بنظرة حاده واخرى جازعه لعايده التى اومأت اشارات اليها ان تهدا، اكتفت ميان بأن تعود مرة اخرى لشغلها وتراجع بعض التصاميم على الحاسوب الخاص بها..
مرة قرابه العشر دقائق حتى تفوهت فجر، وقالت
- اى فساتين قصيره او مفتوحه اوفر مش هينفع ألبسها..
اتسعت عيون عايده غاضبه
- نعم؟! ده اللى هو ازاى؟!

فجر ببرود: معرفش، بس الشرط ده لازم يتلغى من العقد..
تشاورت بالاعين مع ميان حتى اتفقا بالاشارات بينهم على تقبل الامر، فأغمضت عايده عينيها باستسلام
- تمام؟! حاجه تانى؟!
اومأت راسها ايجابا ثم فنطت الاوراق فى يدها وقالت
- انا اللى اختار التصميم اللى ألبسه، وأظن ده حقى، يعنى محدش يقول لى ألبسى ده ولا ده لا!
تأففت عايده محاوله تمالك غضبها.

- انت ليه مش عاوزه تفهمى انك اللى هتكونى البرنساس بتاعت العرض، يعنى اكيد مش هنلبسك ايه حاجه..
وضعت القلم فى فمه للحظه مفكرة ثم قالت
- معلش عشان بس قلبى يكون مطمن، اصل ذوق مدام ميان مش اد كده ولا بالعاه؟!
غضب عنيف اندلع فى جوفها قائله بحزم
- آنسه؟!
تسلحت فجر بالبرود ثم قالت غير مكترسه للامر
- آنسه آنسه! مع انك كبيره شويتين على آنسه دى..

لم تعط الفرصه لعايده للانفجار بوجهها بل لحقت نفسها، وألقت اخر طلب وهى تضع الاوراق بلا اهتمام فوق الطاوله
- آخر حاجه سورى الاجر قليل جدا، يعتبر ملاليمم بالنسبه لمستوى الصفقه، ولمستوايا انا، فجر النورماندى! إضافه لا مكان تنضم له
هبت عايده معارضه فقد تناست كل شيء
- انت هتنسي نفسك يابت انت؟!
خفضت رجلها من فوق الاخري وتناولت حقيبتها بهدوء وتأهبت للمغادرة وهى تقول.

- شكلنا مش متفقين؟! معطلكمش عشان تلحقوا تدوروا على حد غيري..
خرجت عايده عن هدوئها
- انت واعيه لكلامك؟!
- للاسف لسه جايلى عرض من شركه منافسه اضعاف الرقم اللى انتو حاطينه..
ثم تقدمت عده خطوات لتقف امام عايده متحديه
- وانا مش شويه بردو يا طنط، واحده زيي قضت حياتها كلها فى باريس والفاشون يعنى اى مكان هو اللى يتشرف بيا، وحضرتك شاهده! ولا عندك كلام تانى؟! اصلا مش هو ده كلامك؟

اغمضت عايده اعينها محاولة الحفاظ على مظهرها اكثر، ثم جلست على مقعدها متخذه عدة انفاس متتاليه، فهتف ميان بسياسه
- عاوزه كام؟!
- مش كتير، الرقم اللى مكتوب × 2.
- تمام، وانا موافقه، ممكن تمضي بقي؟!
وضعت فجر حقيبتها على مكتب عايده وقالت بفظاظه
- مش لما تعدلوا العقد وتكتبوا شروطى؟!
واصلت عايده قائله باستسلام
- تمام ياهاجر نفذى طلباتها.

( اكبر مشكله بتواجهنا أحنا كستات وبنات، أننا بندى كل حاجه حقها لدرجه المبالغه فيها ؛ فالحب لو نطول نوهب قلبنا على طبق من فضه للشخص التاني مش هنتاخر، لما بنكره مابنعرفش نسقط مرحلة الشخص ده من حياتنا الا لما نخلص كل طاقتنا فى كُرهه والانتقام منه ودايما محل نفكيرنا، ولما نغير بنخلى نارنا تحرق الكل بدل ما تحرقنا لوحدنا، مش عارفه لحد امتى هنفضل ندى المشاعر كده اكبر من حجمها هنتعلم امتى نطلع من الحاله زي مادخلنا فيها، لحد امتى هننضج وندرك أن كل حاجه لازم شعورها يكون أقل من العادى ).

- يابنتى متحسسنيش إنى خاطفك وبطلى تبصي حوليكى كده زى الحراميه!هيفهموكى غلط وانا مش مسئول!
اردف فارس جملته الاخيره ساخرا من صورة رهف المرتابه، والمرتعده من شده الخوف، فغمغمت قائله بتوتر
- معلش اصلى أول مرة اخرج مع حد ؛ ووو بصراحه خايفه أحسن حد يشوفنى..
ارتسم على ثغره ابتسامه الخديعه وتعمد لمس كفها ولكنها سحبتها كالملدوغه، فتجاوز الامر قائلا.

- طيب اهدى، منا مش هعرف اقعد مع حد وهو هيموت من الخوف كده.
ارتشفت رشفه من المياه ثم قالت
- فارس، ممكن تقول عاوز ايه عشان انا مش هينفع اتأخر..
اتسعت عيناه بنور الكذب وهو يقول
- وحشتينى..
فاجابت على الفور بغباء طفولى
- بجد؟!
انخضت نبره صوته هامسا
- واوى على فكرة، وطول الفتره اللى مكنتش تردى عليا فيها كنت هتجنن عشان أوصلك...
تبدلت ملامحها سريعا عندما تذكرت فعله السمج، فقالت ملتاعه.

- فارس اللى حصل ده لو اتكرر انت مش هتشوف وشي تانى..
هبت شفتاه بهمس لتعترض ولتسميع اسطوانته القديمه، فخطفت الكلام منه وتبدلت الادوار قائله
- ولا تقول لى أمريكا ولا زفت، احنا حاجه وهناك حاجه تانيه..
اومأ فارس بطاعه:
- تمام ياستى، تحت امرك، حتى سلام بالايد مش هسلم..
ثم رفع كفيه مستلسمًا
- عدانى العيب أنا كده!
ضحكت ببراءة وهى تومئ ايجابا..
- لا ما مش للدرجه دى عشان ما تقولش عليا معقده!

- انت احلى معقده فالدنيا، واختلافك ده هو اللى مخلينى هتجنن عليك كده..
لُطخت وجنتيها بحمرة الخجل، فقررت أن تغير مجرى الحديث
- بقولك اى أنت موترنى اوى بكلامك ده، وانا لما بتوتر بجوع، مش هتطلب لنا اكل؟! ولا شكلك بخيل؟!
- لا ياستى بخيل اى؟! شوفى عاوزه آيه ويجيلك حالا...

اخذت رهف وقتا طويلا الى أن اختارت اخيرا وجبتها حتى نفذ كيل فارس متأففا فى نفسه ويلعن الحظ الذي جمعهما، فأخذ المنيو وذهب نحو ( الكاشير )، وفى تلك اللحظه صدر صوت رنين هاتف رهف الذي جعلها تنتفض من مكانها، وتناولت اصابعها المرتعشه الهاتف واجابت برعب
- ألو، مجدى!
جلس مجدى على مقعد مكتيه بعد ما اخرج السلاح من وراء ظهره ووضعه على المكتب قائلا بعصبية
- انت فين من الصبح يا هانم؟!
لكت الكلمات فى حلقها وهى تقول.

- انا؟! روحت الجامعة عشان الامتحانات قربت وكده يعنى ولازم احضر!
- وبتعملى ايه دلوقتى؟!
زادت نبرة صوتها ارتباكا، وقالت
- انا! انا قاعده فى كافيه مع جماعه صحابى؟!
- نعم ياختى؟!
اشتعل العرق الصعيدى فى رأسه فهتف جملته الاخيره بنبره عاضبه تجاهلتها عندنا لاحظت رهف قدوم فارس الذي ضاعف الخوف فى قلبها، فهتفت منحججه
- مجدى، هقفل دلوقتى ولما اروح اكلمك...

لم تعط له فرصه للرد وسرعان ما اغلقت الهاتف وابتسمت إثر جملة فارس وهو يجلس أمامها
- اتأخرت عليكى؟!
- ها، لالا ابدا، بس يارب الاكل ما يتأخرش.
- أنت موترانى على فكرة..
اطرقت بهدوء مفتعل
- أنا ممكن امشي..
فبادرها قائلا
- لا أحنا هنمشي سوا..
قطبت حاجبيها مستفهمه
- والاكل؟!
- هقولهم يلفووه وناكله فالعربيه، وبالمناسه افرجك على شقتى اللى هتبقي شقتك بكرة..
بللت رهف حلقها
- نعم؟! لالا طبعا، مستحيل..

- أنت هتفضلى على طول كده تقاطعينى وتاخدى من كلامى اللى يعصبك وبس! اولا ياستى شقتى لسه تحت التشطيب، وثانيا أحنا هنلف حولين المكان بالعربيه، هااا قولتى ايه؟!
فكرت لبرهة ثم قالت باستفهام
- هنلف بس!
نفذ صبر فارس متأففا
- ياستى هعمل فيكى ايه يعنى؟! ماتبقيش خوافه اوى كده!
احتلتها نظرات التييه للحظات ثم اومأت بالموافقه وهى تلملم اشيائها وتغمغم
- تمام...

أما عن مجدى فلم يزيد الامر الا حيرة، نهض من مقعده وفرغ كل هواياته وشمر كٌمه متأهبا للوضوء وهو يتمتم
- طيب يارهف، اللى فى بالى لو طلع صحيح، وشرف أمى ما هرحمك..
دخل إن ذاك العسكري حاملا كوب الشاي، فأمره مجدى وهو يتجه نحو المرحاض مشير لمكتبه
- حطه هنا..

وضع العسكرى الشاي، فلفت انتباه هويتين بصورته ولكن واحده باسم آدم فياض والاخرى باسم مجدى منير السيوفى، فتسلل بخفه خارج المكتب حتى توارى وراء احد الجدران متحدثا فالهاتف بهمس
- زيدان بيه! الظابط اللى ماسك جديد، طلع ولد عم هشام السيوفى..
نهض زيدان من مجلسه مفزوعا، وهو يسب فى نفسه سرا
- ااااه يا ولاد ال؟! هما عيال السيوفى مش هيسيبونى فى حالى! طيب أنا وراكم والزمن طويل ويانا يانتو..

ثارت حيرته فضول مهجه التى اقتربت منه متسائله
- هو في ايه؟! بتكلم نفسك يا زيدان؟!
- ولاد السيوفى مش ناويين يجيبوها لبر..
وقفت امامه متسائله
- احكيلى...
- مش وقته، البت فجر لو منفذتش خلال يومين، هنفذ أنا..
فكرت مهجه للحظات ثم اردفت
- بس اللى شاغلنى غير كده...
زيدان بشك: أومال؟! بتفكرى فى ايه يامهجه..
بنبرة مغلفه بالشر قالت.

- خالد، خالد اللى مش عارفينله طريق! لو خف ورجع اتأكد انه هيكون زى التتار هياكل اي ريح تقف قصاده، فعشان كده لازم نتغدى بيه قبل ما يتعشا بينا...
دار حول نفسه غائصا فى بحيرة افكاره حتى تفوه
- العيال دى حواراتها زادت وبقيت توجع الراس ؛ وانا لازم اتخلص منهم اول بأول..
دنت مهجه منه:
- وأنت ناوي تبدا بمين...
- باللى تحت يدى، وبعدين هنصطادوهم واحد واحد...

انهت بسمة يومها الجامعى ثم اتجهت بعده الى المشفى لتُكمل فترة تدريبها، دلفت من سيارتها فأوقفها صوت رنين هاتفها الذي لم يشغلها كثيرا بل واصلت السير الى المدخل، وهى تقول بخفه ظله
- لو كنت متصل عشان تفكرنى بالمعاد فأنا أحب أقولك اى مش ناسيه...
ابتسم سامر لذكائه فقال
- للدرجه دى باين عليا مدلوق اوى كده!
نزعت بسمة نظارتها الشمسيه بمجرد ما وطأت اقدامها مبنى المشفى.

- عشان كده تسمحلى اعتذرلك عن معاد النهارده..
قطبت ملامحه بأسف
- ليه بس؟! مااحنا كنا حلوين..
- سامر من فضلك، فى حاجات كتير انت متعرفهاش وعشان كده أنا مش مستعده انى ادخل فى اي علاقه حاليا..
نهض من فوق سريره وتناول سيجارة من فوق مكتبه ووضعها فى فمه، وقال
- ومين جاب سيرة العلاقات بس؟! ده مجرد تعارف..
حزمت بسمه أمرها باصرار
- سامر، كده احسن ليا وليك..

لم تكمل جملتها ولكنها فوجئت باحد اشخاص الامن ينادى عليها من الخلف
- دكتوره بسمة..
عاودت حديثها مع سامر بعجلٍ
- هقفل دلوقتى باى باى..
ثم استدارت نحو افراد الامن متعجبه
- فى حاجه..
تبادلت الانظار الغامضه بينهم الى أن اردف احدهم قائلا
- حضرتك ما ينفعش تدخلى جوه؟!
هزت رأسها بعد فهم
- نعم! اللى هو ازاى يعنى؟!
واصل الحارس حديثه بخجل
- معلش يا دكتورة دا أمر الدكتور زياد، وكمان نزل كل حاجاتك هنا، دقيقه هجيبهملك..

فجرت غضبها فى رجال الأمن هاتفه
- دكتور زياد مين وبأى حق يطلع أمر زى ده؟! انتو اتجننتوا..
ثم استدارت متأهبه للدخول فعاق طريقها الحارس متوسلا
- دكتوره اسف، بس احنا عبد المأمور..
صرخت بوجهه قائله
- بقولك ابعد من قدامى الساعة دى..
- فى ايه يا دكتوره، عامله دوشه ليه؟!
ثم اتاها زياد من الخلف فتوقفت عن صراخها وأغمضت عينيها لبرهه مستجمعه شتات ثباتها ودارت نحو مصدر الصوت، وبغضب مكتوم قالت.

- ممكن أعرف ايه اللى بيقولوه الامن...
نزع زياد نظارته الطبيه بمنتهى الفظاظه وبنبره تجاهل مصطنعه
- اااه قصدك قرار الاستغناء عن خدماتك؟! معلش بطلنا ندرب طلبه..
كورت اصابع قدمها ويدها إثر اكتظام غيظها مردده
- وده من أمتى؟!
- من النهارده، بصراحه مش عاوز مكان يجمعنا سوا مرة تانيه..
جزت على اسنانها بنفاذ صبر.

- تمام يا زياد، همشي، بس عاوزاك تعرف حاجه واحده بس انك لولايا مكنت هتشوف وش المستشفى دى تانى، لكن تمام، لازم ادفع تمن غلطتى انى طلعتك..
بهدوء اقترب منها قائلا بصوت منخفض
- كده كده كنت طالع، بس كون انك كنتى سبب فى طلوعى بسرعه ده شفعلك شويه وخليتهم ينزلولك حسابك..
ثم قطب حاجبيه مع صدور إيماءه خافته
- يعنى اليوم فالحكومه ب ٤ ج اضربيهم فى آخر سنتين اشتغلتيهم، هتلاقيه حسابك وفوقيه بوسه..
ثم هب مذعورا.

- تقدرى تنزل فى اي مستشفى حكومى تدربي، هيستفادوا من خبرتك كتير..
اخذ نفسا طويلا بارتياح وعادت ابتسامته الماكرة فتتطاولت انامله حد خصيلات شعرها
- لازم أمشى، عندى نبطشيه، باى باى يا دكتورة..
ثم اشار لاحد افراد الامن آمرا
- وصل حاجات الدكتوره على العربية يابنى...

تشعر وكأن رأسها تدور حول الكرة الارضيه وليست العكس ؛ برغم القسوة والمعاناه التى صدرت منه إلا أن نبضات الحنين لازالت مفتعله بداخلها او عالاغلب بينهما، وربما كلمه منه كانت ستُنسيها مر سنوات...

تحرك من أمامها بشموخ ومع كل تلك القسوة فلم ترض غروره ولا كبريائه، كان هناك صخب عبارة عن نوبات ندم لا تهدا الا بانتقام ما؛ وهو انتقام الاحبه، أما عن انتقام الاعداء هذا لا يطفىء نيرانهم بل لا يزيده الا اشتعالا حتى أعمى دخانها اعينهم وقلوبهم عما يجب أن يفعلوه...

ارى إنه من المفيد أن يُعاني الانسان بين حين وآخر آالامًا ونكبات حتى تبدو له الصوره واضحه، ان يتعثر بحواف القسوة فى فراش الحب احيانًا، لأن ذلك يذكره بأنه منفي في هذه الأرض ويصنع منه شخصا اكثر نضجا ووعيا، وعليه ألا يبني أية آمال على شخص ولا حب ولا أمل فى عودة احدهم، ويؤمن كل الايمان أن الارض التى يخرج منها الورد هى ذاته التى تطرح شوكا،.

- تمام كده يا فجر، فهمتى طبيعة الشغل!
على طاولة الاجتماعات اردفت عايده جملتها الاخيره ممتعضة وهى تقاوم لتنسي حقيقة من تتعامل معها، فأومات فجر بتفهم
- تمام، هو أمتى المهرجان...
رفعت عايده عينيها عن الحاسوب لتقول بأمل
- بعد شهرين، يارب نلحق بس..
ثم وجهت نظرتها لميان وقالت.

- ميان هتقعدى مع المهندسين بتوع الشركه وتختاروا التصاميم اللى هننزل بيها، لاننا لو ما فوزناش فى المهرجان ده هيبقي ضاعت علينا فرصة العمر..
حركت ميان رأسها متفهمه وبنبرة حماس
- تمام يا مدام عايده، متقلقيش خالص، المهم..
ثم صوبت نظرتها نحو فجر وقالت بحماس
- لازم تشتغلى على السوشيال الفتره دى يافجر...
ارتبكت فجر قليلا، فلاحظت عايده ذلك فأعفتها من الرد وقالت.

- هتنزلى تقعدى مع مدير التسويق والاعلانات، وهو هيظبظ الدنيا..
اومأت فجر بهدوء حتى رن هاتف ميان الذي كان اشبه بصاعقه قوتها كافيه ان تعرقل الكلمات فى حلقها وهى تقول مستأذنه
- طنط عايده، ٥ دقايق هرد على الرائد هشام وراجعه..
اندفعت نيران الغيره من ثغر فجر قائله باستنكار
- هو أحنا مش لسه بنقول مستعجلين ومفيش وقت! ليه الدلع ده من اولها..

اتجهت نحوها عيون عايده محذرة فى ذات الحين الذي صوبت ميان نظراتها الساخطه المغلفه بلذة الانتصار، وهى تجيب على الهاتف بعشم
- كل ده يا هشام؟!
تهامست فجر مع عايده بضيق حتى اوشكت عالبكاء
- ممكن افهم البت دى عاوزه ايه من هشام...
تعمدت عايده أن تشغل نفسها فالحاسوب وقالت لامباليه
- انتو مش سبيتوا بعض مالك بيه بقي؟!

اهتزت ساقها اليمنى كأنها موضوعها فوق فوهة بركان اوشك على الانفجار، فقالت وهى تخفى غيرتها التى تأكل فى ظهر ميان الواقفه تتمايل على اصوات ضحكها المبالغ فيه
- ولا يهمنى طبعا، خليها تنفعه..
وصل هشام الى بوابه فيلتهم وهو يشعر بالجبال رست على قلبه، فما اشد ثقل مكالمتها عليه، فقال بحزم
- ٥٠ مرة تتصلى ممكن افهم في ايه؟!
انخفضت نبرة صوت ميان المتدلله
- يعنى لو متصلتش كل ده مكنتش هتكلمنى!

دلف من سيارته مجيبا ببرود
- ااه، مكنتش هكلمك..
- يابنى أنت ما تعرفش تجامل ابدا!
فتح باب فيلتهم ولازالت نبرته جافه
- قولى أنك عاوزانى ضرورى، ممكن اعرف كنتى عاوزه ايه؟!
فكرت للحظه ثم قالت
- مانت لو وافقت على عرضي امبارح كنت هتعرف؟!
- قولتلك ماليش أنا فالجو ده؟!
تأففت ميان بنفاذ صبر ثم قالت
- طيب والحل!
- تقولى اللى عندك دلوقتى ده لو كان فيه، ولو مفيش هقفل...

تعالت صوت ضحكتها الذي زلزل بدن فجر فأدى الى انسكاب دمعه من طرف عينيها، ثم أخفضت ميان صوتها قاائله
- هشام، بجد نتقابل بكرة ضرورى!
تخلص من ازرار ستره حتى بانت تقسيمات عضلات صدره قائلا
- بكرة رايح الجهاز ومعرفش هقعد أد ايه ولا هرجع أمتى..
- يبقي نتقابل النهارده، صدقنى الموضوع مش هيستحمل أى تأخير...
اشعل هشام سيجارته متحدثا بها وهى فى فمه قائلا
- انت اللى مش عاوزه تقولى، هتحايل عليكى يعنى؟!

فكرت للحظات ثم قالت
- ينفع اجيلك البيت طيب..
ابعد هشام الهاتف عن وجهه متأففا باختناق ثم عاده مرة آخرى متحدثا بامتعاض
- تمام، الساعه ٨ هتلاقينى، وياريت مش قبل عشان بنام بدرى...
اتسعت ابتسامه ميان بانتصار قائله
- وقبل ٨ هكون عندك..
- لا هى ٨ انا بحب الالتزام بالمواعيد...

غلت دماء الجزع فى رأس ميان التى تتلون لتصل للون يناسبه، فأنهت معه المكالمه وارتسمت ابتسامه واسعه على محياها وعادت الى فجر التى اوشكت على الانفجار، فسألتها بمكر
- شايفه انكم بقيتوا صحاب انت وهشام، لعله خير؟!
وضعت ميان هاتفها على الطاوله واومأت وقالت بثبات
- إتش شخصيه لذيذه وشرف ليا إننا نكون صحاب..
كررت فجر جملتها بنبرة أكثر اختناق وتحمل بين طياتها استغرابا.

-شخصيه لذيذه؟! اه عندك حق، هو أنا حبيته من قليل..
تلونت نبرة صوت ميان حتى اصبحت كفحيح الافعى
- جوجو اوعى تكونى مضايقه بعلاقتى مع هشام، احنا صحاب وبس..
عقدت فجر ساعديها أمام صدرها وقالت
- ااه منا عارفه، ومتخليش طموحك عالى فى هدف اكتر من كده لانى واثقه فى هشام جدا...
حاولت ميان اخفاء غيظها وقالت
- طنط هلحق أنا اروح الكوافير واجهز نفسي عشان هشام عازمنى عالعشا فالييت عندكم، باى باى..

دهشة عايده لم تقل عن ذهول فجر التى طفح كيلها من كيد ميان التى انصرفت قبل ما تستمع لرد عايده، فلحقت بها فجر متأهبه للذهاب
- وانا كمان ماشيه، عشام اتخنقت...
قفلت عايده جهاز الحاسوب وقالت بحزم
- شوفى مستقبلك بعيد عن هشام يافجر، ومتبقيش غبيه، اللى ملاحظاه انه بدأ يشوف مستقبله هو كمان...
اومأت فجر بتوعد، كمن انتوى واخذ القرار، فأخذت حقيبتها ونصبت عودها متأهبة للذهاب، متمتمه
- ده بعينه...

يجلس زياد على مقعد مكتبه يتصفح هاتفه وكم المباركات الهائله التى استقبلها على حسابه الشخصي( الانستقرام ) بابتسامه مزيفه يختفى حولها متاهات مبهمة وبين كل لحظه وآخرى يعاود الدخول على حساب بسمة، فقطع شروده دخول فتاه خفيفة الظل، ذات ثغر مبتسم وملابس فارهه وهى تقول
- ينفع المرمطه دى كلها عشان اوصل لحضرتك؟!
ترك الهاتف من يده واعتدل فى جلسته واخذ يمشط اهدابه على جسدها ولبسها المثير لغرائزه وقال.

- هو بعيد عن إنها مش اوضة الكشف، بس لو اعرف أن الجميل بنفسه بيدور عليا كنت نزلتله بنفسي..
تحدثت بفصاحه لا تخلو من الثقه وهى تتقدم مختاله الخطى أمامه
- من اولها بكش كده؟! شكل كلامهم عنك هيطلع صح؟!
اتكئ زياد بمرفقيه على سطح المكتب وقال بفضول
- وياترى كلام حلو ولا وحش..
جلست أمامه ووضعت ساق فوق الاخرى بغرور
- متعودتش احكم على حد من كلامهم، أحنا ممكن نتعرف عادى...

سقطت عيون زياد على لمعان نهديها التى تعمدت ظهورهم فاشتعلت رأسه بداءه المهنى وقال
- تعجبينى، ها والمدام بتشتكى من ايه؟!
سكن الوجوم ملامحها فجأة ثم قالت
- مادام؟! هتزعلنى ليه يادكتور!
فلحق نفسه قائلا بخبث
- يبقي آنسه؟! وبصراحه ده يبقي يوم المنى!
مدت يدها لتصافحه
- اعرفك بنفسي، نانسي الشاذلى، وطبعا حضرتك غنى عن التعريف...
مد يده ليبادلها المصافحه
- ده شرف ليا اوى...
سحبت يديها ثم أطرقت بحمرة مصطنعه من الخجل.

- انا كنت جايه فى مشكلة صغننه كده
- ياباشا أحنا تحت امرك، اتفضلى على الشازلونج وسهله باذن الله..
- وانت عرفت انا جايه ليه؟!
وضع السمعات فى اذنه وقال بتخمين
- آنسه، هتبقي مشكلتها ايه يعنى غيرررر...
قطعته مبتسمه بخجل مفتعل
- خلاص خلاص ياعم انت ماصدقت! اكشف وانت ساكت...

- رهف عربية مين اللى نزلتى منها؟!
امام باب فيلا آل السيوفى، تضرجت وجنة رهف بحمره قانية محاولة اخفاء الحقيقة، ثم تراجعت خطوة للخلف وقالت بخوف
- ده؟ ده يبقي اخو واحده صحبتى، ووو وهى كانت معانا فالعرييه؟!
لاحظت فجر ارتباك رهف وكذبها المتراقص على شفتيها ؛ فقالت بعدم تصديق
- وانت تقعدى قدام ليه؟! مقعدتش ليه اخته؟!
فركت رهف كلتا كفيها ببعضهم واطرقت عينيها بأسف حتى اوشكت على البكاء، حتى واصلت فجر جملتها.

- أنا مش هشام ولا زياد عشان تكذبى عليهم؟! عموما خلى بالك..
تشبثت رهف فى ساعدها بتردد، ثم قالت بصوت طفولى
- هتقولى لهشام؟!
ربت فجر على كتفها بحنان، ثم دنت منها خطوة وداعب وجنتها وقالت ممازحه
- ليه وانا زيك، مش أنت بردو اللى روحتى وقولتى لمامتك على مكانى؟!
تقهقرت رهف خطوة للخلف وأطرقت باسف، ثم رفعت انظاره مرة اخرى وقالت
- يووووه بقي انا شكلى قدامك بقي زى الزفت اوى، بس والله ده كان لمصلحتك..

ضحكت فجر بصوت هادىء ولكنه مسموع
- ولا زفت ولا حاجه، المهم اى حوار الواد ده؟!
- بيحبنى؟!
- ياسلاااام! ومجدى اى خلاص كده؟!
مطت شفتها لاسفل ثم قالت بعجز
- وهو كمان بيحبنى..
فجر بهدوء
- والمهم فى كل ده، أنت بتحبى مين؟!
اجابت بتلقائيه
- ما بحبش حد فيهم...
- لالا دانت حوارك حوار، احنا عاوزين قعده...
فزعت رهف فجاة كمن تذكر شيء، وقالت بخوف
- يانهار مش فايت! أنت ايه اللى جابك هنا، مش خايفه هشام يشوفك؟!

- لا ياختى ما هو شافنى، والبركه فيك...
رفعت سبابتتها واردفت بنبره سريعه
- والله و الله والله يا فجر أنا ماحكيت لهشام عنك خالص، حتى اساليه وهو هيقولك..
فاجابتها فجر بيأس
- ياستى، اهو هعمل محاولة اخيره ويارب يسامحنى..
مدت رهف انظارها للداخل ثم قالت
- دى عربيته هنا، ادخلي له يلا، وانا هقعد فالجنينه..

اومأت فجر باستسلام وهو تستجمع شتات قوتها وتاخذ عدة انفاس متتاليه لتقضي على ألحان خوفها التى تندلع فى حضور رجل..

وطأت اقدامها اول درجات السلم فتوقفت بتردد وهى تتفقد كل زوايا البيت وفيلم ذكريات كل مكان تدور امام عينيها، اول قبله بادرت هى بها، ثم توقفت بانظارها على الباب وتذكرت اول كلمه ( بحبك ) التى قذفت من قلبها، وأطول حضن اختلسته من بين ذراعيه مودعه، فرت دمعه من طرف عينيها، ثم حزمت أمرها وتتبعت مصدر صوت تأوهاته وصعدت خطوه ثانيه...

فتوقف تسأل نفسها ( عما ستقول له )؟! فمن أعلى مراحل التعب النفسي الوقوف فى منتصف الطريق حائرًا بين عقلك وقلبك، ويتصارع كل منهما بحججه القويه، فاحتضنت قلبها بكفها وهمست متوسله للقدر (أريد أن يتوقف كل هذا القلق والخوف فى كل خطوة اتقدمها نحوك، افتقد ابتسامتى كثيرا والنسخه المُضيئه منى بوجودك، اتمنى أن يعود قلبي هادئًا كما كان، أن يقتحمك كلما اشتاق بدون اى معادلات حسابيه معقده كتلك التى لم تستطع أن تقودنى درجه ثانيه..

شتان بين الخوف والحب والشوق الذي انهمر علىّ فجاة، بت اموت خوفا بدون حبك، وارتعد بوجودك، على كلٍ اشعر بإننى فى حضرتك كُتب علي أن اخافك واخاف غيابك..
حسمت امرها الى أن وصلت لباب غرفته، وانصت اذانها على الباب فارتفع صوت صراخته فتأكدت انه يمارس رياضته، بانتفاضة قلب لمست يدها مقبض الباب، فكان ضجيج دواخله اعلى من التفاته لصوت الباب...

تسللت بهدوء ووضعت حقيبتها على مخدعه وظلت تتأمل تقسيات جسده التى اشتاقت إليها كثيرا، فادركت حينها كم كانت حمقاء عندما تركت العنان لانظارها تتساقط عليه كأمطار ديسمبر على اراضيك حتى ذابت بتُربتك فلا يستطيع أحد الفصل بيننا..

فبث الامل فى جوفها مردده همسا (تحرر من خوفك وانفض غباره اللعين عن روحك وافصح ما تخفيه بين ضلوعك إلى صاحبه، تحرر من غزو أوهامك قبل فوات الاوان، ) حتى تركت العنان لكفها ان يتصلق كتفه، كان شعور اشبه بوضع الجمر المشتعل فى التلج..
بلمسة يديها علم هويتها، وحدها من لها الحق فى لمسه بتلك الحريه ووحدها التى لها سطو طاغى على قلبه حد هدوءه التام بلمسة منها..

توقف هشام عن ممارسه رياضته ووقف متجمدا فى مكانه، فهمست بشوق ارتسم على شفاها المرتعش
- عيونك وحشونى، مش هتبصلى طيب؟!
انتظرت طويلا أن يلتفت إليها، ولكنه خيب أملها عندما تقدم نحو المقعد وتناول منشفته ليجفف قطرات العرق، ثم قال
- وكمان جايه لحد هنا؟! اي البجاحه دى؟! مش خايفه منى؟!
تقدمت خطوة متردده نحوه وبللت حلقها الذي جف من عطش الفراق وقالت بضعف
- بقولك وحشتنى..

تجاهل جملتها ووضع سيجاره فى فمه واشعلها، ثم تحرك نحو النافذة وشرع فى تحضير ملابسه لاخذ حمامه، ولكنه وقفت معارضه وبتبره مهزوزه لحق بها البكاء
- هشام بلاش التجاهل ده، انت كده بتقتلنى، ممكن نتكلم شويه، وانا متأكده انك هتعذرنى..
بكاؤها لم يغمض له جفن الرحمه فهتف قائلا
- مش عايز اسمع منك حاجه، وانسي انك عرفتينى ده احسنلك..
دنت منه حد اختراق قوانين المسافات واحتضنتت كفه الصلب بيدها المرتعشه.

- انسي؟! انسى حبك اللى مطبوع زى الوشم على كل حته فيا؟! انسي حضنك اللى كان بيخطفنى من العالم، أنسي انك اول راجل يسكن قلبى واخر رجاله الارض فى عينيا، هشام من فضلك نتكلم، عاوزه اشوف هشام حبيبي اللى سبته و رجعتله مجروره من قلبى..
سحب كفه متجاهلا ودخل المرحاض وشرع فى تعليق ملابسه فلحقت بخطاه وقالت باكيه متوسله
-حرام عليك يا هشام ماتعملش فيا كده..

تجاهلها وخرج من الباب الى غرفته مرة آخرى ليتناول المنشفه، فلحقت به صارخه بجزع
- مش اسلوب ده ياخى ما تقف وتسمعنى زى البنى آدمين..
وقف موليا ظهره وباصرار
- قولت اطلعى بره ومش عاوز اشوف وشك تانى؟!
تعمدت لمس أناملها ظهره، فما يقتله الكلام يحييه اللمس وقاالت
- طيب انا وحشتك؟! بصلى وقول لى قلبك ده مش بيلح عليك انك تكلمنى؟!
بثبات انفعالى رد
- قلبى ده مع نفسه بقي..

استدارت امامه ووضعت كفها على قلبه ورفعت عيونها الهالكه الى عيونه المتجاهله التى تحوى نار الغضب والحب معا
- طيب بتعمل فيه وفيا كده ليه، هشام انا اسفه، بس أنا كان قصدى احميك منى، مش عاوزه اخدعك، بس والله حبيتك وحبيت كل لحظه معاك، وانت كمان حبيتنى صح، انا حاسه قلوبنا مش بتكذب...
- كفاية كذب بقي...

لم تكبح أن تبتلع حلقها ففاجئها بلطمه قويه مباغته على وجهها اوقفت لسانها عن الكلام حتى دخلت فى صدمة فعله حد نسيانها عقلها فانفجرت صارخه فى وجهه ومتألمه
- ايوه بقي قول أن الموضوع له علاقه بالبت المايصه بتاعتك دى اللى اسمها ميان..
لمس اوتار انتقامه، فاردف متحديا
- اااه هو زى ما قولتى كده بالظبط، ميااااان الله ينور عليكى...
ارتفعت نبرتها صارخه ومترنحه
- على جثتى ياهشام، اقتلها ولا أنها تقربلك..

فاجابها ساخرا
- تقتلى؟! هى حصلت! يلا ما تلاقيكى متعوده؟
فردد كلمته من هول الصدمه وقالت بنبرة لاذعه
- للدرجه دى ياهشام أنا وحشه فى نظرك..
رفع رأسه بشموخ ليدارى نار الغيره و نظر لها بازدراء قائلا
- ااه وابقي اتمرقعى كويس اوى وانت بتفرجى الرجاله على جسمك، خلى عايده هانم تنفعك...
قطع حبال شجارهم دخول رهف وهى تحمل صندوقا خشبيا قديما وقالت بتلقائيه.

- سورى ياهشام، بس عمو اسعد الجناينى لقى الصندوق ده مدفون تحت شجره...

‏عندما تُقلِع عن إدمان شيء ما، أول ما ستواجهه هو التّفكير به في أوقات الفراغ، فإن قتلت الفراغ، انتصرت.

قطع حبال شجارهم دخول رهف وهى تحمل صندوقا خشبيا قديما وقالت بتلقائيه
- سورى ياهشام، بس عمو اسعد الجناينى لقى الصندوق ده مدفون تحت شجره..
تابع حديثه بصوت خفيض وهو يقترب منها متجاهلا تلك التى باتت تحت تأثير صدمة فعله الغير متوقع
- وايه ده كمان؟!
هزت رهف كتفيها بعدم فهم
- معرفش، انا خوفت أفتحه يكون فى قنبله ولا حاجه..
رمقها بنظره سريعه مغلفه بالسخط وتمتم قائلا
- تقومى تجيبيها هنا؟! ورينى...

اعطت الصندوق لهشام، ثم رفعت انظارها الفضوليه نحو فجر وقالت
- جوجو، أنت واقفه عندك ليه؟! انت كويسه؟!
اطرقت بصوت كسيح محاوله الافاقه من صدمتها
- هااا! انا لازم أمشي..
اقتربت رهف منها بنظراتها الاستكشافيه
- وشك مخطوف كده ليه؟!
ثم استدارت نحو هشام متوسله
- هشام ممكن تسمع فجر للاخر، هى معملتش حاجه وحشه بليزززززز..
آهات مُلتاعة صاحبت نبرة صوتها المرتعشه، وبأسف
- سيبي سيادة الرائد براحته، شكله مش حابب يسمع.

اصابهم تجاهله القاسي فى مقتل، حيث جلس على حافه فراشه وفتح الصندوق، فوجد به بعض الاوراق القديم منها والحديث بعض الشيء...
سحبت رهف فجر من كفها واقتربت منه وقالت بنبره فضوليه
- هشام انت لقيت إيه!
لم يبد أى رد فصمته زاد من فضولهم واتساع حدق عينيهم، حيث شرع فى فحص الاوراق وسقطت فى يده صورة بالابيض والاسود لوالده فالصغر بصحبة امرأه تحمل بعض ملامحه..

قلب الصورة على ظهرها ووجد رسالة بخط اليد مكتوب فيها ( هاله، ١١/٢/١٩٨٥ )، قرأ العبارة أكثر من مرة ثم وضع الصوره بجانبه وتفقد الصورة الثانيه باقتطاب لم يغيره سؤال رهف التى جلست بجواره وتفحصت الصوره
- مين دى اللى مع بابا...
للحظه تذكرت فجر جُملة عايده لها
((((- أنا لو خليتك مع هشام هيكرر تاريخ ابوه، هيوجعك زى ما وجعنى، فجر الحقيقه اللى لازم تعرفيها إن هشام مش ابنى. )))).

هزها ما تذكرت وما سينكشف امامه، وبدون تفكير انحنت بعجل وقفلت الصندوق على كفه وقالت راجيه
- هشام عشان خاطرى بلاش، بلااااش..
زادت حيره رهف وتضاعف فضول هشام، فأكتفى بارسال نظرة واحده ثم كلمة كانت كالسيف على قلبها
- أنتى لسه هنا بتعملى إيه؟!
نار سؤاله لفحت قلبها فانخرطت باكيه
- طيب بلاش تشوف اللى فى الصندوق..
رهف باستغراب: أنتى عارفه جواه ايه؟!

رمقتها فجر بأسف ثم أومات ايجابا وهى تحبس اناتها الموجعة، ففتح هشام الصندوق مره أخرى ولكن تلك المرة فرغ كل محتوياته امام عينيه فوجد أمامه خطابا وشهادتين ميلاد وبعض الملفات الاخرى التى تعمد تجاهلها..
تناول الخطاب وفتحه أولا...

- عاوزك تسامحنى ياهشام، مكنش قصدى أكذب عليك يابنى، بس مكنش عندى الشجاعه أقولك وأنا حى وده سبب قسوتى عليك طول السنين اللى عدت كل مااضعف قدامك وأحس انى لازم اقولك بستقوى عليك أكتر عشان اكتم جوايا ومضعفش، وكمان مكنتش عاوزك تتوجع عليا لما اسيبك وأمشي وتحس بيُتم الاب والام، كنت عاوز اصنع منك رجل زى الجبل مايتهزش لاي ريح وخاصة اللى هتعرفه دلوقتى، هشام، عايده مش أمك، أمك ماتت وهى بتولدك، متزعلش من عايده أنا اللى كنت مأكد عليها انها متعرفكش حاجه، وهى طلعت عند وعدها ووفت...

عصر الورقه فى يده مذهولا، سبحت بعينيها الباكيتان فى بحور خذلانه، فتحركت بتثاقل وجلست بجواره فرأته يتفقد شهادات الميلاد، واحده بأسم الام ( هاله السيوفى ) وآخرى المزوره باسم ( عايده النورماندى )..
ازدردت ريقها برعب وتركت عبراتها تغسل وجهها وهى تربت على كتفه
- هشام، عصبيتك وغضبك مش هيغيروا حاجه، اهدى...
كان هدوء وسكوته مُرعب اشبه بالهدوء الذي يسبق العاصفه، فغمغمت فجر حائره
- اتكلم طيب ماتبقاش ساكت كده؟!

تناولت رهف منه الاوراق وقرأتها بتمتمه ثم تفوهت بصوت مسموع
- يعنى مامتك واحده تانيه غير مامتى! طيب أزاى..
وقفت فجر وجثت على ركبتيه تحت انظاره وهى تقبل كفه الذي تغلف بدموع حزنها، وقالت بانتفاضه
- هششام، بلاش تكتم فى نفسك كده! بص قوم اتعصب كسر أعمل اى حاجه، بس بلاش سكوتك ده...
ثم نقلت اصابعها لوجهه واحتضت ملامحه بتوسل
- قول اي حاجه طيب!
اقتربت رهف منه وهى تجفف عبراتها السائله.

- هشام، بليز، ممكن ماتزعلش، اصل اللى حصل حصل.
انخفضت انظاره لعيون فجر الهالكه وسألها
- كنتى عارفه؟!
ذهول ثم ارتباك ثم حيره ثم أسف فأومات بخذل
- ايوه، مامتك، ممم عايده هانم قالتلى..
غرزت آخر خنجر منها بقلبه فتمتم بغضب
- مش عايز اشوف وشك تانى، اطلعى برا...

رفسها بركبته فسقطت ارضا وهى تراقب خطواته الجنونيه وهو يرتدى ملابسه بعشوائيه وبدون ما يهتم لقفل آزرار قميصه، وخز قلبها بأشواك التجاهل، فاقتربت منه رهف متوسله
- طيب انت رايح فين بس، استنى ماما تيجى ونفهم منها...

دفع اخته بكل قوته حتى ارتطم ظهرها بالخزانه فأصدرت صوتا متأوها، وما هى الا لحظات وقُرع صوت قفل الباب، فأخذ فحل شروره وغضبه واتجه نحو الباب كالثور الهائج وبيده شهادتي الميلاد وغادر، لحقت به رهف ثم فجر صاحبت الخطوات المتردده..
- أهلا، اهلا بعايده هااانمممممم..
بهدوء اردفت
- هاى ياهشام...
ثم رفعت انظارها لاعلى وجدت فجر
- ما قولتيش أنك جايه هنا؟!

لم تلق ردا على سؤالها، فتوقفت إثر ثوران صوت هشام الذي لحق بمسامعها
- كنتى مستنيه تقوليلي أمتى؟!
انعقد حاجبيها باستغراب
- مالك ياهشام، هى تعصبك وانت جايه تطلعهم فيا؟!
- أنت فاهمه كويسه أوى أنا قصدى إيه، بلاش تلفى وتدورى..
ألقت نظرة معاتبه نحو فجر ثم قالت بهدوء
- اااه أنا اللى قولتلها تمشي..
ثم بللت حلقها وعادت متحدثه بنبرة اشبه بالصراخ
- ماتنفعكش، والله ما تنفعك ياهشام...

لمست اقدامه آخر درجات السلم، وبهدوء
- الواضح أن فى حاجات كتير اوى معرفهاش فالبيت ده..
ثم نصب عوده بشموخ واقترب منها بخطوات ثابته
- سرك انت وعماد السيوفى اتكشف ياعايده هانم...
أغرورقت عيونها بدموع ثم رفعت انظارها المتسعه من هول الصدمه نحو فجر مغمغمه
-أنت قولتيلو؟!
رفع رأسه صوب فجر وقال بعتب
- ياريتها كانت قالت، على الاقل كانت هلاقى حاجه تشفعلها عندى..

اقترب منه عايده وحاولت ان تلمس اى جزء منه ولكنه رفض بحزم أن تقترب منه، فانفجرت باكيه وهى تلهث قائله
- وانا ايه ذنبى طيب؟! كلنا ضحايا لافعال ابووك، ومكنش قدامنا غير السمع والطاعه، هتاخدنى ليه بذنبه...
حولت مرة آخرى أن تتشبث بكفه ونحبت متوسله
- عمرى ما حسيت أنك مش ابنى، هو أنا قصرت فى تربيتك طيب! قول لى؟! هشام حبيبي ماتسكتش كده واتكلم واجهنى، عاقبنى لو قصرت لكن متعاقبنيش انى حفظت السر..

- سؤال واحد وبس، خبيتى عنى ليه؟!
كانت نبرته متزنه، هادئه، ثارت نيران لا تنطفىء فى قلوبهم، دلفت فجر بصحبة رهف لاسفل ووقفا خلفه ينتظرون رد عايده التى كانت تصارع لتبدو أقوى، تصارع نفسها لتبحث عن رد يرضيه..
صمت استمر للدقيقه أو أكثر، فالتوى ثغر هشام ساخرا ومنبره مغلفه بالحزن.

- طبعا معندكيش رد، وانا اصلا مستنى رد منك ليه على حاجه انا كنت عارفها وبتجاهلها ٣٣ سنه، مكنتش عاوز منك غير كلمة تأكد الحرب اللى جوايا بس...
فردت عايده ذراعيها واقتربت منه لتحتضنه وانفاسها تلعو وتهبط أمام عينيه فلم تغمض له جفن، ابتعد عنه والقى فى يدها الشهادتتين، وشيعها بآخر نظرة ساخطه وولى ظهره مغادرا...
لحقت فجر خطواته الواسعه راكضا وهى تنادى عليه متوسله
- ياهشام، متمشيش وانت فى حالتك دى..

وصل الى باب سيارته ثم استدار نحوها وتعمد القاء الجمر بحلقها وقال
- مش عاوز ألمحك تانى بعد النهارده، أنت فاهمه..
انخرطت عبره من طرف عينيها
- هتحكم عليا من قبل ما تسمعنى ياهشام...
- قولتها كلمه واحد، مش عايز اشوفك فى حياتى تانى، اختتفى، ولا اقولك أنا اللى هريحكم منى واختفى خالص..

ألقى مخدر كلماته عليها فتجمدت فى مكانها، فسحب ذيول خذلانه وصعد سيارته بعد ما ارسل عليها بعض النظرات الساخطه، تركها وترك روحها تغلى، فهى لاتعلم هذا بسبب غيابه الابدى ولا حضوره القاتل؟!
تقهقرت وخرت قوتها فدفعها قلبها للجلوس بجوارها فلم تجد منه أى اعتراض، دور سيارته وهب معارضا
- قولت انزلى.

التزمت صمتها ولمعت عيونها بنور الانكسار والرفض معا، فحركت رأسها نافيه وكأنها تندب لعيناه حظها وتعاتب القدر الذي حشد كل اقدارها فى ظل رجل! جرت دموعها فصبت فى قلبه، انكمشت حول نفسها على باب سيارته والتزمت الصمت.

لم يجد اى رد فعل منها فتعمد تجاهلها الذي يتفنن فى اصطناعه، تحرك بسيارته والتزم هو الصمت آيضا على عكس حروبهم الداخله بالرغم من كل النواطق التى كان يتلفظ بها ليبعدها عنه ألا أن دواخله هدأت اضطرابها بوجودها، فاستسلم للمرة كمن فقد كل سُبل التمرد..

- بتى جرالها ايه ياست ناديه، انا ما بقتش قادرة اتحمل الحاله اللى هى وصلتلها؟!
هتفت نعيمة أم قمر بجملتها الاخيره بعد ما نفذ صبرها من صمت بنتها الذي استغرق ايام بدون جدوى، قفلت ناديه المصحف ووضعته بجوارها
- أنت مش سمعتى الدكتور بنفسك وهو بيقول أن وضعها على إكده ممكن يطول على حسب حالتها النفسيه!
جلست نعيمه بجوارها متوسله
- طيب وحياة ما بتقولى يارب يردلى غيبه خالد، بتى حصلها ايه وانت مخبيه علىّ.

- يووه يا نعميه عااااد! أنت مزهقتيش من حديتك ده..؟!
فرت دمعة من عين نعيمه وقالت
- بس أنا قلبى متوغوش لييييه، قلبى بيقول لى أن حصل واللى حصل تقيل جوى!
كانت تنصت لهم مهجة من بعيد التى كانت تلقم اظافرها، فنهضت متدلله الخُطى، وهتفت
- أخص عليكى يا حجه ناديه؟! مش عيب وانت ست عارفه ربنا وكُبره كده اهوو وتكذبى، ما تريحى قلب نعيمه..
التفتت إليه نعيمه بلهفه الغريق الذي وجد طوقًا لنجاته وقالت.

- ما تريحى قلبى انت ياست مهجة، وتقوليلى هى جرالها ايه؟!
تمايلت مهجة حتى جلست مقابل ناديه وقالت بخبث
- لا مقدرش، لازم أخد اذن ستك ناديه الاول...
دارت نعيمة نحو ناديه مستغيثه
- ارحمى قلب واحده زيي يا ست ناديه، وقوليلى جرى ايه، حرام عليكى..
وثبت ناديه قائمه لتضع حدا لنقاشهم وقالت
- بتك مستحملتش تشوف خاالد وعمه بيتخانقو فطبت ساكته يانعيمه، كام يوم وهتعاود احسن من الاول..

ثم برقت عيونها نحو مهجة وكأنها تحذرها وواصلت قولها ناصحه
- متخليش الشيطان يلعب فى راسك، واعقلى...
تركتهم ناديه وغادرت ثم لحقت بها مهجة التى انحنت قليلا على آذان نعيمه وهمست بشرٍ
- لكل شيء مقابل، مستعده أقولك اى اللى حصل فى بنتك مقابل ما تعرفيلى خالد راح أى مستشفى بالظبط، فكرى وقوليلى...
نصبت عودها مرة ثانية إثر هتاف زيدان من الخارج وهو يقول
- فى ايه إهنه؟!
- مفيش ياعمده، اى رجعك بدرى كده ياخويا؟!

تجاهل زيدان سؤالها ووجه حديثه صوب نعيمه
- ها يانعيمه بتك عامله ايه..
رفعت انظارها الى مهجه التى خطفت الكلام من شفتي نعيمه
- بنتها بقيت زى الفل يازيدان..
زيدان: طيب زين، خيلها تجهز نفسها إكده عشان عاوزين نكتبو آخر الشهر..
ندبت نعيمه على صدرها
- بس انا لسه مخدتش ماشورة البت ياعمده..
- ومن ميته أحنا عناخدو رأي بنات؟! أنت امها وواعيه لمصلحتها، وعيها هى كُمان...

تسمرت مهجة فى مكانها، فلم تكبح أن تنفجر فيه معاتبه فأقتحم مجلسهم أحد الغفر وهو يقول
- كله تمام ياعمده، حصل كيف ما أمرت؟!

أمام قسم شرطة بنى سويف شجار هائل بين الاهالى وحشد رهيب مختلط من سكان البلده والعساكر اللذين بذلوا قصارى جهدهم لفض الشباك بينهم..
خرج مجدى من القسم رافعا سلاحه وهب صوته جاهرا مع صوت رصاصات مسدسه
- لم لى يابنى الناس دى على جوه..
اخترق صفوفهم حتى فُسح له طريقا ووابتعد الرجلان عن بعضهم بمجرد وصوله، فاسألهم مزمجرا
- مفكرها هنا زريبه أبوكى يابنى آدم انت وهو؟!
فهب الرجل قائلا.

- هو اللى واخد اتنين متر من أرضي ظلم..
فنهرهه مجدى
- تقوموا تيجو تقتلو بعض هنا؟! دانتو ليلة اللى جابوكم سوده...
طأطأ الرجلان رأسهم، فهتف مجدى للعساكر
- دخلوهم جوه لما نشوف اخرتهم ايه، يلاااااه، ومشيلى الناس دى..
تشتت الجماعات فى لمح البصر وما هى الا لحظات ورنت رهف، فاجابها مختنقا
- عاوزه ايه يارهف دلوقتى بمواعيدك اللى شبه وشك دى..
ألقى جملته بشيء من المزاح، فلم يجد منها رد سوى لهفة الاستغاثه.

- ألحقنى يا مجدى، ماما منهاره، وهشام مشي مش عارفين راح فين، وانا مش عارفه أعمل أيه...!
- طيب اهدى اهدى وكلمى زياد على بال ما اكون جيتلك..
ضربت الارض بقدميها
- وحتى ده كمان تليفونه مقفول، ومش عارفه اوصله، مجدى أنا تعبت بجد، ومش عارفه اتصرف..
نادى على أحد العساكر وأمرهم قائلا
- ودى الرجاله دول عند النقيب حسن فوق..
ثم ركب سيارته وواصل
- رهف اهدى واحكيلى براحه اى اللى حصل وأمك مالها..
زفرت باختناق.

- مجدى؟! اى أمك دى؟! انت بقيت بتتكلم بالطريقه اللوكل دى ليه؟!
- جز على اسنان بنفاذ صبر
- ماتنجزى، وده وقتك بروح امك انت كمان! لسه طالع من خناقه لمصيبه ومستنيانى احب فيكى؟!
- اووف طيب ممكن متتعصبش..
اشعل سيجارته متابعا
- أحكى يارهف، احكى في يومك اللى مش باينله ملامح ده...
حكت رهف بأدق التفاصيل ما حدث منذ لحظه ألتقاءها بفجر لتلك اللحظه التى تناولت عايده فيها حبوب منومه حتى لاحظت سكوته التام فقالت.

- مجدى انت سكتت ليه، هو أنا رغيت كتير؟!
شرع أن يجيبها ويهدا السرعه ل يحرك مقود سيارته، فردد بدهشه
- رهف، العربيه مفيهاش فرامل؟!
فزعت من مجلسها صارخه
- الوووووو، يعنى ايه؟! ازاى؟! مجدى متقلقنيش عليك رد بليززززززززز..

صف هشام سيارته فوق جبل المُقطم ثم دلف منه بتجاهل تاام لتلك التى تخنقه انفاسها، فمررت اهدابها على ظهره المنتصب أمامه وتفتنت تقسيمات عضلاته ثم حسمت أمرها ولحقت به بخطوات متردده..
- على فكرة مكنش ينفع أقولك..
القت جملتها على مسامعه وهو يبعد عنها بقرابة المتر، تجاهل جملتها كعادته ثم اقتربت خطوة آخرى وغمغمت
- طيب اتكلم قول لى في إيه طيب، عارفه أن موضوع والدك ده مش سهل، بس مفيش فى ايدنا حاجه نغيرها..

ملأ صدره من هواء المكان ثم قال
- انت هنا ليه؟! مش مشيتى؟! ايه اللى رجعك؟!
فركت كفيها بتردد ثم دنت منه خطوة سحلفيه وبصوت كسيح سألته
- أنت مش حابب وجودى؟!
استدار نحوها بهيئته التى باتت تخشاها كثيرا، وقال
- ايوة، مش طايق اي حاجه فيه ريحتك، ممكن تحسي بقي وتمشي..!
سالت مياه عيونها وانفها ف آن واحد، وباتت جملته كنار تحرق وتحترق بهما، تحركت امام عينيه كرائد فضاء بدون جاذبيه، وقالت بحزن.

- مكنتش عامله حساب إننا هنتجمع تانى..
- بس انا شايف انك مرجعتيش للكلب اللى مشغلك، ايه الحوار ولا هو افتكر حاجه جديده عاوزك تنفذيها! ممم مايكونش عاوزك تقتلينى المرة دى..
جزعت من قسوة اتهاماته فصرخت بوجهه متوسله
- ما كفايه، كفايه تقترح أوهام من دماغك وتصدقها، هو أنا ما بصعبش عليك..؟!
استدار نحو الخلاء أمامه وهو يتفقد هيئه المنازل الاشبه بعُلب كرتونيه مرصوصه وقال.

- عارفه، لو بايدى ارميكى من هنا واخلص منك، عالاقل اضمن انى مش هشوفك تانى...
اجهشت بالبكاء أمامه، فاردفت بخفوت
- للدرجه دى؟! عاوز تخلص منى ياهشام؟!
سيف جملتها شق قلبه لنصفين، نصف يريدها والاخر يريد أن يتخلص منها للحد الذي يؤد أن يقتلها بيده حتى لا يلاحقه شبح وجودها مرة ثانيه، فالقتل هو النتيجه الحاسمه لعدم رؤيتها مرة ثانيه لانه مهما انكر وتجاهل وجودها فذلك لا يمحو حقيقه وجودها..

اغمض عينه بقسوة وتحدث بصوت محشو بالوجع
- وانت مستنيه منى إيه، مستنيه منى اى وانت وخدانى تمثليه، نايمه فى حضنى بالليل اصحى القاكى بمنتهى االبساطه سيبالى حتة ورقة كتابه لى فيها سورى اصلى ضحكت عليك وطلعت خاينه، باى باى ياهشام...
ثم اقترب منها وقبض على رسغها ورجها أمامه
- عيل هشام السيوفى بيلعب معاكى عشان تعملى كده؟! دانتى يابت مااشغلكيش جاريه عندى..
تتقلص وجعا تحت يده فهبت صارخه.

- عارفه انى غلطانه وكلنا بنغلط، ايه انت مابتغلطش؟!
- لا، أنا مابغلطش...
- طيب حتى ادينى فرصه تسمعنى..
دفعها بكل قوته
- ولا هسمعك، انتى بالسبه لى كارت واتحرق، مش هرجع ادور على رماد!
تصلقت انظارها الراجيه نحو عيونه فرجت قلبه من مكانه حتى الانخلاع فارتخت قبضه يده تدريجيا، واخذ يستغفر سرا، حتى هدأ وابتعد عنها قدر لا تطولها يده، واشتعلت انفاسها هى بألم يحرق بقلبها فحاولت تشتيت فكرها عن الالم، وقالت بعجز.

- والله أنا غلطانه، ومستعده اعمل اي حاجه أنت تقول لى عليها عشان تسامحنى، هشااااام ؛ أنا بحبك..
عاد هدوءه مرة اخري وقال ساخرا
- مابقيتش تأكل عيش..
ثم اقترب منها ولازال محافظا على هدوئه
- عارفه انت مش غلطانه، الغلط عندى أنا؟! هو فين العقل والمنطق اللى يخلينى ادخل واحده فلاحه هاربه جاهله بيتى، واتجوزها وأمنها على نفسى وهى لا بيئتها نفس بيئتى ولا مستواها نفس مستوايا...

ثم ضغط على شفتيه واكمل جلد فى روحها وهمس
- عارفه عندنا كأغنيه اللى زيك بيحطوهم فين؟! لو عطفنا عليهم وعطناهم أوضه فالمطبخ بتاعنا يبقي كرمناهم، بس ياخسارة أنت كلتى اليد اللى اتمددتلك واثبتيلى إنى مستحيل أأمن للى زيك، انتو طول العمر هتفضلو تحت رجلينا...
ضاعت فى ضباب قذائف كلماته، التى انهاها بجمله
- اوعى يابت تصدقى إنى بحبك ودايب فيكى، دانت كنتى مزاج ليله واتنين وهرميك، زيك زي اللى قبلك..

طفحت نفسها من علقم كلماته فرمقته بنظرات ساخطه وابتعدت عنه وقالت باشمئزاز
- طلقنى حالا يا هشام..
التوى ثغره ساخرا، ثم قال بثقه اشبه بالغرور
- هيحصل، بس بشروطى وبالوقت اللى احدده أنا..
اختلج قلبها من مكانه وقاومت لمنع تدفق عبراتها وبحدة
- بقولك طلقنى يا هشام...
- لما تعملى اللى هقولك عليه...
صرخت جازعه.

- لا أنت اتاكد انى بعد النهارده لو فى مكان أحتماليه انى اشوفك فيه واحد فالميه أنا مش هروحه، لانى قرفت منك ومابقتش عاوزه اشوفك تانى..
كتم سباتها فى نفسه ولازال مرتديا قناع الجمود وهتف آمرا
- هتروحى تعملى مع زيدان نفس اللى عملتيه معايا بالظبط، تخلصي اللى هأمرك بيه، ورقة طلاقك هتكون عندك وفوقيهم بوسه، ها قولتى إيه؟!

 

تاااابع ◄