-->

رواية الحرب لأجلك سلام الفصل الرابع عشر

 

 

 أي حُب هذا الذي يحول حياتنا لكابوسٍ، ويستحق منّا التمسك به؟! والسعى وراءه؟! واهدار العمر فى انتظاره؟!

كتم سباتها فى نفسه ولازال مرتديا قناع الجمود وهتف آمرا
- هتروحى تعملى مع زيدان نفس اللى عملتيه معايا بالظبط، تخلصي اللى هأمرك بيه، ورقة طلاقك هتكون عندك وفوقيهم بوسه، ها قولتى إيه؟!
نظرت له شذرا بعدم تصديق


- أنت عاوزنى ارجع لزيدان ياهشام؟!
- مش هو ده أصلك ولا أنت قررتى تستعرى منه؟! ولا الكام حته النضيفه اللى لبستيهم نسوكى أنتِ مين!

لمعت عيناها بلائلأ حُزنها حتى بدت كسحابه لا تتحمل التمسك بميائها، فردت بحرقه
- أنا اللى المفروض انساه بجد هو أنت، هنسي إنى قابلتك من الاساس..
ثم ولت ظهرها متأهبه للذهاب، فوخز قلبه ألم لا يعلم حقيقته، فهتف قائلا
- استنى!
اوقفها نداءه، فاستدارت بخذلان
- ايه؟! نسيت إهانه كمان!

تجاهل جملتها ثم اتجه نحو سيارته تحت انظارها وصعد وانحنى قليلا صوب صندوق( التابلوه ) كأنه أخذ شيء ثم دلف مرة آخرى وعاد اليها، فسقطت انظارها على يده التى تحتوى رُزمة نقود ورقيه حتى رست اقدامه على بُعد متر منها وقال لها
- خُدى..
ما لبثت ان تقول بدهشه
- ايه دول؟! بتوع ايه مش فاهمه..
تقدم بخطوة سلحفيه وتعمد فتح كفها المرتعش فأثر على سكون قلبه ووضع النقود بداخله، وغمغم.

- ده حساب الليله اللى قضيتها معاكى، تستاهليهم..
ثم اقتربت انفاسه الحارقه من اذنها أكثر
- ده تمن امبساطى، طعمك كان مختلف عن اى واحده نمت معاها قبل كده، لو عوزتك تانى هابقي أطلبك، بس مفتكرش لانى قرفت منك خلاص..
ارتطمت نظراتها المندهشة بابتسامه انتصار مرتسمه على ثغره فرمقته بسهام الخسه التى لم تحرك ساكنا به، وانعقد جبينها بشده وهى تحرك رأسها يمينا ويسارا بصدمة فسقطت امواله ارضا وغمغمت بعتب.

- ياخسارة يا هشام، ياخسارة...
ما كادت لتخطو خطوة للأمام فتوقفت..
- كان جوايا كلام كتير كنت لازم تعرفه، بس بعد اللى قولته فأنا لازم امسحه باستيكه، عشان شكلى كنت عايشه فالوهم لوحدى..
التوى ثغره ساخرا
- هاااه هتكذبى تانى؟! ولا هتخترعى فيلم هنيدى تخُشي عليا بيه!

رمقته بسهام الخسه وشرعت فى ألقاء جملتها الاخيره ولكن ارغمتها نظراته الحاده ان تبتلع ما علق فى حلقها من كلمات وتجر ذيول كرامتها وتنسحب لان الحديث معه أن طال أكثر سيقتله هو بداخلها...

اعتصر قلبها ألما وغادرت من أمامه بخطوات أعرج بُتر قلبه، فظل محافظا على تماسكه الى أن اختفت من أمامه، فصدح صوت صراخ قلبه من شدة الالم والمصائب المنهالة فوق قلبه تحديدا ؛ فقد كل شيء حتى دموعه التى لا تعنى له شيئا فى عالم فقد كل المعانى، فركل رمال الارض بقدمه وكأنه يلومها لانها أتت به الى هُنا..

اغمض عينيه ليرى سواده الداخلى الذي فُجر به بدون سابق إنذار، متعجبا من آداميته التى كان عليها اثناء وجودها وشراسته التى اندلعت به إثر خنجر غدرها، حتى تمتم واضعا لنفسه العذر
(أي إنسانٍ يمكن أن يكون وغدًا، ولا شك أنّنا جميعًا أوغاد بدرجات متفاوتة. ).

- مكنتش مُتخيل أنك تغيرى رأيك بالسرعه دى؟!
بثغرٍ مبتسم أردف سامر جملته الاخيره على آذان بسمه الجالسه أمامه، فأردف بصوت متهدج بالبكاء
- عادى، حسيت إنى كنت قليلة الذوق معاك، وحضرتك ماتستاهلش كده خالص..
انعقد حاجبيه باستنكار
- حضرتك؟! اى الجو ده يا دكتوره؟! أحنا مش فى ندوة حقوق انسان على فكرة..
ابتسمت ابتسامه خافته، وقالت
- مش هرفع اي ألقاب قبل ما تقول لى أنا هنا ليه..

أخرج سامر نظارتها عُلبة فارهه من ( كيس فاخر للهدايا )ووضعه أمامها، فسألته بعدم فهم
- ايه ده؟!
- متتخضيش اوى كده، دا نضارتك ايه مش أنت هنا بسببها؟!
أطرقت بخجل
- لا طبعا، دانا أصلا نسيتها..
- ومعقوله حد ينسي نضاره بالسعر ده؟!
- ياسلام، وانت عرفت سعرها منين بقي؟!
ضاقت عيون سامر اللامعه وقال ممازحا
- جوجل!
عبثت أناملها بالعُلبه وسألته
- مكنش له لزوم من العلبه على فكرة..

- منا خوفت أحسن تتكسر منى، وبصراحه مش معايا الفلوس اللى تجيب حتى التقليد منها..
ضحكت بسمة بصوت مسموع
- مش بقبل العوض على فكرة..
- أى حاجه فيها ريحتك بس متتعوضش يابسمه...
كلماته لم تذب جليد فؤادها ولكنها اصيبت بالخجل، فسرعان ما غيرت الموضوع وقالت
- أنت أخدتها ليه اصلا؟!
- كانت معصبانى، وحرمانى من عيونك اللى زي القمر دول، وحبيت أقولك بشياكه كده أنى هشيل اى عواقب قدامى ممكن تبعدنى عنك..
ثم واصل ممازحا.

- بس شكلك كده لخمه ومالكيش فالرومانسيه خالص...
أمتدت يدها لتسحب حقيبتها وتهرب من تلميحاته، فأوقفها باحتضان كفها متوسلا
- لو كلامى مضايقك قوليلى مش هقوله، لكن ماتمشيش..
انبثقت دمعه من طرف عينيها وقالت بحزن دفين
- سامر أنت عاوز ايه...
- افتحى العلبة طيب، وانت هتعرفى أنا عاوز ايه..

فكرت لدقيقه حائره فاشار لها بعيونه راجيا أن تفتحها وبعد تردد فتحتها فتضاعفت دهشتها عندما وجدت خاتما من الالماس بين عدستى النظاره، فرفعت عيونها مستفهمه، فأكمل سامر وهو يشعل سيجارته
- شوفى يابسمه، أنا هاجى معاكى دغرى، احتراما لهشام صاحبى واخويا وكمان أنا عندى اخوات بنات..
غمغمت بصوت خفيض
- ياسامر افهمنى بس
قاطعها مواصلا كلامه.

- هخلص واسيبك تقولى اللى عايزاه، بسمه انا معجب بيكى جدا وحاسس انى وصلت لدرجه الحب ؛ وسورى لو كنت اجبرتك عالخروجه دى، بس كان لازم اعرف رايك قبل ما اطلبك من هشام..
- ياسامر أنت الف واحده تتمناك، انا منفعكش..
- وانا مش عاوز من الالف دول الا أنت يابسمه..
بسمه بنفاذ صبر
- واشمعنا أنا؟!
- فيكى حاجه غريبه، من أول ما عينى وقعت عليكى جننتينى وقولت ايوه هى دى اللى أنا بدور عليها..
- بس يا ساا
فقاطعها قائلا.

- بصي أنا هتقبل اى عذر حتى ولو مش حابه تقوليه، لكن لو فى حد تاني فى حياتك صدقينى هنسحب ومش هضايقك تاني..
فتحت قارورة المياه الغازيه لتبلل حلقها، وتغتنم وقتا للتفكير، حتى ردد سؤاله بشك
- فى حد تانى..
هزت راسها نافيا بتردد
- لا، لا، مفيش...
نبت الامل بقلبه
- يبقي ايه اللى يمنع، الا ولو شايفه إنى مش أد المقام..
- لا طبعا، انت تستاهل ست البنات كلهم..
انحنى على الطاوله مستندا عليها بمرفقيه، وقال بغمز.

- ماهى ست البنات قدامى أهى، ومستنى منها نظرة رضا وهى تقلانه عليا..
لمعت عيونها وصاح قلبها رافضا ولكنها تعمدت تجاهله وتتبع عقلها تلك المرة، فقالت
- هو الاكل اتاخر ليه..
- من أولها استغلال كده؟! هقوم استعجلهم، بس قبل ما اقوم عاوز اسمعها..
بسمه بعدم فهم
- هى ايه؟!
- نبقي على الاقل صحاب ونسيب مشاعرنا للزمن هو بقي يشكلها بإرادته، وانا هتكلم مع هشام وافهمه كل حاجه...
فزعت بسمه فجاة.

- بلاش هشام يعرف حاجه دلوقتى...
- اشمعنا، هو هيرفض يعنى؟!
بسمه بتوتر:
- لا بس عشان حابه الموضوع يبقي سر ما بينا لحد ما نشوف مشاعرنا هتودينا على فين بعد كده..
اومأ متفهما
- تمام، زى ماانت تحبى، هستعجلهم وارجعلك...

نهضت سامر هتنهدت بسمه آخيرا بارتياح كمن جلس قسر ارادته، اغمضت عينيها للحظه تستمع لنشيد قلبها وقوانين عقلها الصارمه حتى اوشك راسها على الانفجار، فغمغت متحديه قلبها بعدما تذكرت حديث زياد معها وعزمت أمرها أن على قلبها والاقدار، ان تضع هى النهايه لكل شيء ولا تترك نفسها كريشة تتقاذفها الرياح كما تهوى...

تناولت هاتفها لتقتل وقتها، ففتحت حساب الانستجرام الخاص بها فوجدت امامها صوره لزياد بصحبة نانسي ومكتوب تحتها ( نانسي الشاذلى، سعيد بتشريف حضرتك لينا النهار ده )، ورد نانسي عليه ( حقيقي أجمد دكتور نسا فى مصر كلها )...
قفلت الهاتف متأففه لا تعلم سبب رجفه قلبها هل كانت غيرة ام ندم ام سخط ام لا شيء فى اللا شيء يذكر، لم يعد لوجوده فارق، كل ما تدركه أن هناك ألم يحرق بها، فعاد سامر لينقذها من افكارها وقال.

- دقيقتين بالظبط وهيكون الاكل هنا..
ابتسمت بتمرد على قلبها ونطقت بطلب غريب وغير متوقع كانها اعلنت الإنتقام
- طيب يلا ناخد صورة بمناسبة الخروجه اللطيفه دى، ونوثق أول يوم صداقه مابينا...

لم تستطع أن تصبح أي شيء بعده، لا شريرة، ولا خبيثة، ولا طيبة ولا شريفة، ولا حتى بطلة لقصة جديده، هى اليوم في هذا الركن الصغير، تتفقد حالتها محاولةً مواساة نفسها بعزاء لا طائل فيه، معلنه: أن المراة الذكيه لا تفلح قط في أن تصبح شيئًا، وأن الغبيه وحدها من تصل إلى ذلك، فقررت تفعيل وضع الغباء وأعلنت الحرب ضد نفسها أولا متخذه سامر مدرعا لها، فلا يقهر الرجال الا الرجال ولا يشعل الحب فى قلوبهم إلا فى حالة ارتماء انثاه فى حضن غيره، ‏فما اتف الدنيا اذا كانت القلوب تتقلب فى لمح البصر..

- كنت هتجنن عليك؟!
بصوت مرتعد وكله لهفة أردفت رهف جملتها فالهاتف، فخرج مجدى من الصيدليه
- قدر ولطف ياستى..
- احكيلى بس حصل ايه؟!
سب مجدى فى نفسه سرا
- شكله كده حد حب يوصلى رساله بس برخامه شويه وفك لى فرامل العربية..
تجولت عيونها فى ارجاء المكان بدون فهم
- يعنى ايه، وليه يعملوا كده..
تأفف مجدى مختنقا
- المهم أن وش العربيه طار...
فردت رهف بجزل طفولى
- ووشك أنت طيب..!

وضع سبابتها فوق ضمادة الجروح فوق جبهته وقال
- اتشلفط...
ضحكت رهف بصوت عال
- أنت بتشتغلنى ياعم أنت، ماانت زى الفل اهو..
- عاوزانى أموت يعنى؟! اقفلى اروح اشوف العربيه عند الميكانيكى..
نهضت رهف من مكانها معارضه
- تروح إيه، استنى هنا ماما صحيت من النوم وهتتجنن على هشام، وهو تليفونه مقفول..
- بصراحه يارهف، أنا كنت عارف ان عمى متجوز عمتى هاله، بس مكنتش أعرف انها أم هشام، اتصدمت بصراحه..

- أنا قلقانه اوى عليه يا مجدى، مش عارفه هيلاقيها منين ولا منين، ملحقش يفوق من موضوع فجر ده...
- متقلقيش اخوكى جبل، هينزل مهمتين بس يفجر روس صحابها وهيبقي زى الفل، الله يكون فى عونهم بصراحه..
جففت دمعه بطرف كُمها
- صعبان عليا اوى، هشام طيب مايستاهلش كل ده..
- اديكى قولتى ما يستاهلش كده، يبقي اكيد اللى حصله ده بيرتبله أقدار وصدف أحسن...
رهف بتفكير
- أنت صح، المهم هتيجى ازاى وعربيتك باظت...

استند بكفه على جزع شجرة ثم قال متأففا
- والله يا رهف المصايب شغاله تتحدف فوق راسي من هنا وهناك وانا واقف مكانى مش عارف اتصرف...
- أنت أدها يامجدى، وبعدين يابنى عيب لما تكون تربية هشام السيوفى وتقول كده، أجمد بئا..
- ااه هشام السيوفى! رهف، أنا محدش عقدنى غير هشام السيوفى واخت هشام السيوفى وانا بصراحه جبت آخرى منكم...
بصوت خفيض
- ليه بس؟! وانا كنت عملتلك حاجه؟!
شاور لتاكسي وصعد فى المقعد الامامى.

- انا تعبت والنهارده هفاتح ابويا واجى اخطبك، أنا شاب ٢٩ سنه وعاوز يتجوز ياجدعان، هو مش كفايه ذل بقي..
صمدت فى مكانها وعلقت كلماته فى حلقها فتمتمت
- أنا، تخطبنى انا..
مجدى باستنكار: أنت هبله يابت!
- مجدى، هو أحنا مش اتكلمنا فالموضوع ده...!
ألقى نظرة خاطفه على السائق، ثم عاد وسألها
- موضوع إيه؟!
لكت الكلمات فى فمها..

- اصل، مجدى أنا بحبك والله، وبشوفك صاحب جدع، بس مش بحبك الحب اللى هينتهى بجواز وبيت وكده، أنت فاهمنى؟!
- وحياة أمك...!
- أهدى بس وانا هفهمك، وبلاش ألفاظ وحشه..
نفذ صبر مجدى، وانفجر قائلا
- من غير تذويق فالكلام، خلاصة كلامك أنك مش عاوزانى..
أومات رأسها ايجابا كأنها فقدت قدرتها عل النطق، فنهرها بقوة إثر صمتها الذي طاله
- ما تنطقى، اتخرستى ليه...!
- اأاااااأا، ايوة، يعنى، هو انا شايفه اننا مانفعش لبعض؟!

جز على اسنانه، وحاول تمالك اعصابه
- اتنيلى، وانت من أمتى بتشوفى أصلا..
تم تفعيل وضع الغباء وقالت
- يعنى اي؟
تأفف باختناق
- يعنى تمام يارهف..
بفرحة مشوبة ببعض الخذلان
- تمام، يعنى وافقت..
مجد ساخرا
- أنك تتجوزى حد غيري؟!
- ايوه، واننا ما ننفعش لبعض...
اومأ راسه متعودا، ثم اردف بنبرة مغلفه بالتهديد.

- لا للاسف الاوبشن ده مش عندنا لانك لو وقعتى مع الغريب هيمسح بيكى الاسفلت يا مهزأة وهتضيعى، وبعدين مش أنا اللى اسيب بنت عمى تترمى فى حضن واحد غريب، انسي..
ضربت الارض بقدميها كالطفله
- ايه هو الظلم ده؟! لا طبعا، انا مش موافقه بالهبل ده..
نفذ صبر مجدى
- ماهو مش بمزاجك يابت..
اغتاظت من استهزائه بها.

- انت ازاى تتكلم معايا كده، بص يا مجدى أنت لو آخر راجل فالارض مش هتجوزك، لانه سورى يعنى مش الجاريه اللى جابهالك سياده المحافظ عشان تكلمها كده، وعند بعند، مش بايره أنا عشان تاخد ابن عمها اللى اتربت معاه، انا من حقى اختار يااخى
ببرود وهو يشاور للسائق ان يقف يسارا
- خلصتى؟!

- هعملك بلوك من كل حته، ومش هكلمك تانى، وهقول لهشام عنك، عشان انت بارد ومتربتش ازاى تحترم بنات الناس، ووووووو وبس كده، وانا هقفل فى وشك..
لم تستطع أن تنتظر منه رد، فأنتهت المكالمه فورا ثم بحثت عن كل مواقعه وقامت بتفعيل وضع الحظر ولكن كل هذا لم يُطفىء نيرانها، بل اشتعل الغيظ فى رأسها حتى جنون عقلها، ألقت الهاتف على سرير بغل وهى تهذى صارخه.

- انسان متحكم غبى فاكر العالم كله ماشي بأمره، مش بحبك أنا يابنى آدم، افهمه ازاى ده ياربي...
سحبها شيطانها لفحل شرورها، فعادت لتمسك الهاتف مرة آخرى واتصلت بفارس وبمجرد ما قال ( ألو )، هتفت
- فارس لازم اشوفك دلوقتى؟!
تمرس ترخيم صوته كمن يغلبه النعاس وقال
- تمام يا رهف، تعالى لى البيت مستنيكى..
بدهشة كررت جملته
- البيت؟!
- اااه يابنتى الخدم هنا واختى فريده كمان عاوز اعرفك عليها؟!

تذكرت تحدى مجدى لها واتهامه بضعفها، فارادت أن تثبت لنفسها أنها قوية وحزمت امرها معانده
- تمام، مسافه السكه...

الحب ليس فقط أنه يجعل الإنسان سعيدا، هذا تبسيط مضلل عن طيران روحك فالسحاب، أنه ينهي كل أسئلة الإنسان تجاه نفسه، القلق بشأن المظهر، انعدام الثقة بالنفس، العلاقة المرتبكة مع الجسد، كل حفر الروح المؤلمة هذه يردمها الحب كأن لم تكن، يردمها ويجعل أرضية القلب خضراء وجاهزة لاستقبال أي سعادة تنبت فيفح عطرها، فترى العاشق يفرحه أي شيء بسيط، ولو زقزقة عصفور أو لعب طفل، أو حتى الفراغ، يفرحه الفراغ، لذلك، عندما تعبث بقلب إنسان أو إنسانة بدعوى الحب، وتدخله تلك الجنة الوهمية ثم تخرجه منها فجأة، فالموضوع أكبر من حزن عابر، هو لا يصبح حزينا بل اشبه بازهاق الروح، هذا أيضا تبسيط مخل! ما يحدث حقيقة أن كل الحفر القديمة في نفسه تعود لتظهر مرة أخرى ومضخمة عشرات المرات هذه المرة! يعود قلقه ونظرته الدونية لنفسه، وأسئلته التي تؤلمه، كل هذا يعود ووبحجم أكبر، الحياة، كل الحياة، تدور حول أن يحبك شخص واحد فقط، تكتفي به ويكتفي بك، لذلك لو لم تكن ترى في الشخص المقابل اختيارا مناسبا ودائما فلا داعي حقيقة للعبث بقلوب الناس..

ترتعش فى حضن سعاد وتهذي
- أنا خذلته، بس هو دبحنى...
اخذت نفسه عنوة ثم قالت
- هو ده جزاتى إنى حبيته؟! انا جيت وفى نيتى اوقعه فى شر اعماله عشان مكنتش بحبه، بس لما حبيته مشيت عشان ماوجعوش..
ربتت سعاد على كل إنش بجسدها..
- اهدى، اهدى متعمليش فى نفسك كده..
ابتعدت عنها وهى تنحر وتنتفض كطائر ذبيح يتمتع بحلاوة روحه.

- رجعتله عشان اطفى نار حبى معاه ولو بليله أفضل عايشه عليها العمر كله، يقوم يدينى فلوس تمنها وكأنى جاريه..
ثم وقفت متعكزه على انتفاضه ساقيها وصوتها
- هو ليه الحب بيذلنا كده، ليه وهمنى، طالما مش بيحبنى عمل فيا كده ليه، طيب بلاش بلاش الحب والكلام اللى يوجع القلب ده، تيجى نتكلم بالعقل...
وقفت سعاد امامها محاوله احتنضانها ولكنها أبت وابتعدت عنه صارخه وهى تتحدث لاهثه.

- طيب أنا كنت جايه انتقم من غير مااعرفه، لكن هو بعد ما عرفنى وملكنى كنت هصحى تانى يوم ألقاه رمينى فالشارع، يبقي مين فين اللى وحش؟! مين فينا اللى قتل التانى..
التقطت انفاسها بصعوبه
- كان نفسي احضنه، واقوله وحشتنى انا اسفه، كان نفسي يسمعنى، يدينى فرصه، ده حتى مرحمنيش، وبقي هو والزمن عليا، انا مابقتش عاوزاه ولا عاوزه حبه، انا ههرب، ههرب من كل مكان شايل ريحته، لا انا هقتل نفسي..

صرخت سعاد بوجهها مع انخراط دموع عينيها
- اسكتى بقي، وبطلى جنان وفوقى، فوقى لنفسكككك، وخدى من كرباجه حبل عشان توصلى وساعتها تدوسي على الكل..
جلست فالارض وهى تحضن قلبها بكفها وبتعب تمتمت
- مش عاوزه غير انى انام اصحى انساه، انساه وبس!

من أصعب الأمنيات التى يقف أمامها الانسان عاجزا، هى لعنه النسيان التى تتجاهل كل من يُناديها، لماذا لم يخلق النسيان كسجارة!، نأخذ منها ما يرضينا حتى تختفى وكأنها لم تكن بين اصابعنا من قبل!، ارى دائما النسيان سلطان عنيد يرفض مقابله كل من يطلبه...
جثت سعاد امامها وهى تأخذها فى حضنها.

- عارفه هتنسيه أمتى؟! لما تاخدى حقك منه، لما تبقي أحسن منه، لما قالك يافلاحه وياجاهله اثبتيله أن الفلاحه دى هتجيبه راكع تحت رجليها، وهتقوله لا..
ابتعدت عنها وهزت رأسها نافيا
- انا مش عاوزه اشوفه تانى، لا..
سعاد بجبروت أمراة
- لا، لازم تشوفيه دايما وتشوفى وجعه وتكسري هيبه طلته فى عينيك، البعد بيحافظ على جمال النجوم، لكن أنت تقربى وتحطى عينك فى عينه لحد ما يبقي هو والعادى واحد..
بصوت ضعيف.

- أنا مش هقدر، لا..
- بطلى سلبيه، واسمعى كلامى، وخدى اهانته ليكى تحدى، بصي يافجر بابنتى، انا واحده اتحرمت من الخلفه ومن جوزها وحب عمرها النار أكلته قدام عينها وهى لسه مكملتش ال٣٠ سنه وبعدها ابويا مات، ومع ذلك كملت ووقفت وبقيت اشغل نفسي حتى بضفرى اللى اتكسر، عشان رياح الوجع بتتلكك وما تصدق ان فى شباك مفتوح متقفلش، قفلى وقتك وشبابيكك واتحصنى...
ربتت سعاد على شعرها وواصلت.

- عارفه انك مش مستوعبه كلامى، وان الوجع بيحرقك من جوه لدرجه أنك فلتتى ايدك من الحياه دى كلها، بس لا انا مش هسمحلك تاخدى ساعه من وقتك عياط وتندبى حظك..
هدا اضطراب دواخلها ولم تهدا ارتعاش شفتيها وهى تنصت لسعاد التى حضنت كفها وقالت بهدوء.

- هشام قوى، وانا عارفاه، واللى شافه هيحول كل الجمال اللى جواه لجبروت مش هيرحم، بس الرجاله مش اغبيه زينا يروحوا يحضوا مخدتهم ويختفوا من العالم فى حضن سريرهم، عمرك شوفتى راجل بيلازم سريره حدادا على واحده؟!
اخذت سعاد نفسا مسموعا ثم اكملت
- بعد شهرين من النهارده هتلاقى الصحف والاعلام بيحكى عن انجازات الرائد هشام اللى مش بعيد يعلق مُقدم فيهم، اما أنت لو سبتى نفسك لاطلاله مش هتتحركى من مكانك...

مسحت سعاد رأس فجر بكفها ثم تابعت قائله
- خديه قدوتك، وشوفى هو هيحط وجعه فين، وانت اعملى زيه، وراس براس ووجع بوجع وشوفى مين اللى هيغلب فالاخر...
شعرت بقليل من الارتياح إثر حديث سعاد فغمغت بعجز
- هو أنا هقدر انساه طيب...
- مش عاوزاكى تنسيه، عاوزاه محفور جواكى وهدفك الاكبر للوصول عشان تستقتلى وتوصلى..
تسكعت عيون سعاد فى ملامح فجر الذابله
- فجر حبيبتى، اتسندى عليا واسمعى كلامى مش هتندمى..

فرت اخر دمعه من عين فجر، فقالت متسائله
- وحضرتك هتستفادى ايه يعنى من كل ده، انا هرجع البلد واكمل حياتى هناك واريحك من كل ده..
ابتسمت سعاد بانكسار ثم قالت بعيون موشكه على البكاء
- شوفت فيكى بنتى اللى مش هرضالها بالذل مهما حصل، عاوزه انت كمان تحرمينى منك..
زاحت دمعه عينيها ثم واصلت بنبره متحشرجه
- انت مش واخده بالك إن القدر خد مننا كل حاجه وجمعنا سوا؟! مش يمكن له حكمه فى كده! عاوزه تعانديه هو كمان!

ارتمت فجر بكل اوجاعها فى حضنها وغمغمت
- أنا بحبك اوى...
حاوطت سعاد خصرها وضمتها
- وانا واثقه انك مش هتخذلينى ابدأ، وهنكون أد الحرب اللى هنخوضها سوا...
لكى تُعيدَ إنسانًا للحياة، ضَع في طريقه إنساناً يُحبّه، ويؤمِن به، ويسانده ويتحمل معه سهام الحياه المسممه بخذلان البشر...

وصلت رهف لفيلا فارس متجاهل صراخ خوفها ومتبعه خريطة عنادها حتى وقفت على بابه، وبعد تردد دام عده دقائق ولت ظهرها وتأهب للمغادرة فاوقفها ندائه
- اييييه رايحه فين؟! دانا مستنيكى من بدرى؟!
اغمضت عينيها لبرهه ثم استدارت نحوها وقالت بارتباك
- افتكرت انى نسيت حاجه فالعربيه كنت راجعه اجيبها...
نظر لها بعدم تصديق
- رهف، مش عليا انا الحركات دى، ادخلى يلا، الخدم كلهم جوه اصلا
- طيب واختك؟!

استند على طرف الباب وقال
- لااسف مالكمش نصيب تتقابلوا جالها تليفون مستعجل، وبتتأسفلك كتير..
ثم فتح الباب على مصرعه واشار لها بالدخول
- هاا يلا بقي بطلى خوف..
تغيرت نبرة صوتها
- لا انا مش خايفه ولا بخاف، وهدخل أهو...
وطأت أقدامها اعتاب زنزانته فقل الباب ومن خلفها حرق ظهرها باهدابه اللعينه، فرفع نبره صوته آمرا
- إيلى ( drink juice ) للانسه رهف...

جلست رهف على اقرب أريكه وظلت تشيعه بنظرات حائره، سقطت عيونها على قميصه المفتوخ وصدره العاري فانكمشت حول نفسها وقالت
- بيتك حلو..
- دا مش بيتى.
ثم اخذ الريموت وجلس ملاصقا فيها فابتعدت قليلا وبادلته بابتسامه مرتعشه
- اومال بيت مين؟!
- دا بيت العيله، وكلهم مسافرين دلوقت..
اومأت راسها ايجابا ثم قالت
- تمام..
- روفا، شكلك مضايق..
- ااه، ومخنوقه وملقتش مكان اروحه غير هنا، ممكن تسمعنى وانا هحكيلك كل حاجه؟!

تفقد كل إنش بها بنظراته الشهوانية فقال
- آه طبعا احكى واحنا ورانا حاجه!
شرعت رهف فالحديث فانصت لها فارس باهتمام مصطنع قطعه للحظه قدوم الخادمه عندما وضعت العصير ثم عادت تحكى مرة آخرى ولكن اوقفها صوت هاتفها الذي بيدها، فتفوهت
- دى ماما!
- هتردى؟!
- سورى يافارس هرد...
فتحت المكالمه وتمتمت: الوو
اتاها صوت عايده مختنقا
- رهف أنت فين؟!
فزعت رهف كالملدوغه من مكانها
- مالك ياماما...
اتاها صوت عايده بصعوبه.

- قلبى واجعنى اوى، مش قادره اتنفس، الحقينى...

- ولد المحروق فلت منيها؟!
اخر جمله أردفها زيدان بعدما انهى تليفونه، فأتت مهجه وجلست بجواره
- زيدان، اى حوار المفعوصه اللى أنت عاوز تتجوزها دى؟
زام ما بين حاجبيه وهو يقول
- حرام يا مهجة البت غلبانه واهو نستروا عليها..
شيعته بنظرة محذره
- زييييدان، بلاش جو السهوكه ده عليا، على جثتى تتجوز البت دى..
- هتعملى ايه يعنى يا مهجة؟!

- وشرف ابويا لاقتلهالك يازيدان، واقتلك معاها، دانا ماصدقت اطلع من راسك البت فجر
اهتزت انظاره بقلق ثم غير مجري الكلام وقال
- انت عتاكلى من الحديت داهون؟! انت اللى فالقلب ياست الستات..
اوشك أن يقبل كفها ثم سحبته وقالت
- انسي، مش انا اللى اتراضي ببوسه
زفر بضيق
- مهجة، راسي مش فاضيالك عاد، اتمسي الساعة دى...
سحبت منه خرطوم (الشيشه) واخذت نفسا عميقا ثم قالت.

- المهم، فات اسبوع ومسمعناش خبر ولد السيوفى، والمقصوفه التانيه عجبتها عيشه القاهره، وانت سايبها بالصلاه عالنبى كده دايره على حل شعرها...
فكر للحظه وكأنه يقلبها برأسه
- من حسن حظها إنى داخل على انتخابات مش عاوز شوشره، نسيبها الشهرين دول لحد مأوصل ونحارب الروس دى كلها من فوق...
ضربت على صدرها
- وانت هتسيبها وتسيب ابن السيوفى شهرين، والجماعه موافقين؟!
اخذ خرطوم ( الشيشه ) منها وقبل ما يأخذ نفسه قال.

- هما نفسهم اللى طلبو منى اهدى اللعب، عشان بيخططوا لحاجات اتقل واولهم دخولى المجلس، اللعب التقيل لسه جاى يا مهجة، فتحى راسك معايا وسيبك من اللى مااتسمى فجر وقمر دلوك...

صفت بسمه سيارتها أمام منزلها فاتكأت للخلف متخذة نفسا طويلا مفكرة فيما تفعله، هل فيه ظلم لسامر؟! أم ظلم لنفسها ان تفوت شخص مثله...
تناولت هاتفها وفتحت صورتها التى انزلها معه على حسابها واخذت تتبع التعليقات حتى فوجئت باسم زياد أمامها على الشاشه كمتصلا..
ارتسمت ابتسامه انتقام حواء على ثغرها، فقبل ما ترد عليه سبقها بزمجرة صوته
- اى المسخرة وقلة الادب دي ياهانم..
بدت بوادر نجاح مخططها فتسلحت بالجمود.

- مالك بس، ايه الدخلة دى يادكتور؟!
هب صارخا
- دكتور ايه وزفت ايه، كنتى بتعملى ايه مع الزفت ده بره!
تعمدت التجاهل وواصلت ببرود
- قصدك النقيب سامر؟! ااه كان عازمنى على عشا كده عشام ندردش سوا..
- بسمه، انت واعيه لكلامك! شكلك نسيتى انك ست متجوزه ولسه على ذمتى ياهانم..
تاففت بامتعاض، وبهدوء
- اااه بصراحه نسيت، ومش عاوزه افتكر..
اشتعلت بجوفه نيران الغيره او على الاغلب نيران الامتلاك التى تحرق كل رجل.

- ده لما تكونى متجوزه اريل؟! لا فوقى كده يابسمه واعرفى انت مراة مين، ومش زياد السيوفى اللى يتختم على قفاه وتبقي مراته متسرمحه مع ده وده..
اعتادت ان تمتص غضبه بشعوره المستمر انه على حق حتى فى انتقامها
- انت معاك حق طبعا، انا ازاى واحده حقيرة اوى كده؟!
توقفت عن الكلام للحظه واكملت بهدوء كافى ان يفجر بجوفه بركانًا
- زيزو سورى بس مضطرة اقفل ؛ سامر معايا عالويتنج لانه بيطمن عليا وصلت ولا لا، باى باى.

لم تمنحه فرصه للرد، للاعتراض ولكنها تذوقت لاول مرة لذة الانتصار على رجل حتى حطامها لم ينج منه ومن براثين آوامره، تناولت اشيائها وتأهبت للنزول وعلى محياها ابتسامه واسعه بطعم الإقتصاص..

الرجال ايضا لابد انهم يشعرون بما نشعر به، فلا يوجد انثي كُتبت للوجع ورجل معصوم منه، إن اردتى الانتقام من رجل هناك اختيارين، أما أن تكونى مرآة لافعاله تسيري على خُطاه فيري بشاعته بك، وإما ان تناطحيه نجاحًا، فالنجاح أشد انتقام لرجل رأكى بعين الخسه ذات مرة، اثبتى له مدى غباءه بقدرات انثى خُلقت قوته من ضلعه، وواجهيه بحقيقه كونه ( ضريرًا ) لم ير من قبل...

( بعد مرور شهرين )
بعد شهرين من المهمات المتتاليه حد الهلاك والانتصارات المستعصيه والتدريبات الشاقه، ومحاربة جسده باصعب ألعاب القوة حتى فى وقت فراغه، بات ينتقم من كل إنش بجسده ارغم بها، وخضع لها، تغيرت هيئته قليلا عن السابق لشخص اشد حدة وطباعه لأكثر غرابة، وكبُر شاربه بعض الشيء واشتدت سُمرة جسده وقوته عما كان..

تم تريقيته إثر نجاحاته الاخيره لمقدم فى الجهاز الوطنى ( لامن الدولة ) وكُرم من رئيس الجمهوريه اكثر من مرة، بات حديث الساعه فى الصحف والمقالات وانجازاته فالقضاء على اكبر الجماعات الارهابيه فى مصر...
عاد ليله أمس الى شقته التى تمنى ولو كانت هى أول من يدخلها معه، ولكن كعادتها الاحلام تُحال لكوابيس إن حلمنا بها، فكل ما هو منتظر لم يأت...

استيقظ على صوت رنين هاتفه المغلق شهرين متتابعين، وبصوته الرخيم المغلف بالنوم، اجاب
- أيوه!
- شهرين قافل تليفونك ومش عارفه اوصلك ياهشام..
لازال تحت تاثير نومه، فقال مستغربا
- مين بيتكلم..
- نهارك مش فايت؟! وكمان نسيت صوتى ياسيادة المُقدم؟!
اعتدل من نومته، ونهض متجها نحو المطبخ وقال بتردد
- ميان؟!
- طيب كويس منستنيش اهو..
فتح الثلاجه وتناول زجاجه المياه وقال
- الداخليه علمتنى منساش الناس الحلوة؟!

- لا بقي دانا محتاجه اشكر الداخليه بنفسي، وبردو زعلانه منها فى نفس الوقت
ارتشف رشفه مياه ثم قال بهدوء
- ليه بس؟!
- وخداك مننا..
صمت كعادته عندما لم يجد ردا، فواصلت ميان
- عامل ايه..
- أنا تمام الحمد لله...
- مبروك على النجاحات دى كلها، ينفع كده اتابعك من الصحف والمجلات..
ألقى جسده فوق الاريكه قال
- دول عالم فاضيه، سيبك منهم...
- هسيبنى منهم، وهخلينى فيك...
- ليه كده؟!
ميان بدلال.

- بص ياسيدى انت مزعلنى ووحشنى فى نفس الوقت، ومش قدامك غير حل واحد عشان تراضينى..
سكتت منتظرة رده، ولكنه خيب أملها بصمته المتكرر، فقالت بضيق
- ايه مش عاوز تعرفه؟!
- هااه؟! لالا معاكى، بسمعك..
- هتيجى حفلة افتتاح المشروع الجديد بتاعى انا ومدام عايده..
انكمشت ملامحه
- تؤؤؤؤ، انسي الموضوع ده، ماليش أنا فالجو ده..
- هشششام، بابى هيكلمك ويعزمك بنفسه ولازم تيجى..
- قولت لا يا ميان..
زفرت باختناق
- عشانها؟!

تعمد التجاهل
- مراتك؟!
- متهمنيش..
- يبقي تيجى وتثبتلها بنفسك الكلام ده بدل ما هى فرحانه اوى بيك وماشيه تعرف الشركه كلها انها مراتك..
اختتق من حديثها ثم حزم امره
- ميان، انا ماليش فى الجو الفاضي ده...
تدللت فى صوتها
- هشام، بابى عاوز يتعرف عليك، بليز متحرجنيش ومتحرجهوش، هستناك..
- متستننيش...
- هششام، متتحدنيش عشان انا مجنونه..
ببرود
-مجنونه على نفسك، سلام...

التف اسمها الذي حاول التخلص منه دوما حول قلبه كشبكه عنكبوتيه لا مهرب منها، شعر بأن فى قلبه وجعٍ يؤلمه وفى ذات الوقت يضع شريط لاصق على فمه كى لا يتخلص منه صارخا، لذلك خاض سبيل اكثر وجعا للبوح به تقتص منه روحه، وهو ارتداء ثوب الاستسلام والسير مع الموج وفعل كل ما كان ينهاه العقل منه ليتخلص من كل الاوجاع التى تتكاثر بداخله كفطر ارتفعت درجه حرارة آلامه..

تجلس فوق مكتبها فرفعت فجر رأسها من كتابها الذى سهرت عليه الليل بطوله وهى تحفظ كل سطر فيه وتكرره، فارتشفت رشفه من القهوة واتكأت للخلف وفتحت هاتفها وتفقدت صوره بخليط من المشاعر المبهمة..
وشرعت تلوم غيابه معه بهمس.

تنمو بذرة النسيان بعقلى طيلة النهار وعندما يحل الليل تعصف رياح القلب اشتياقا فتقلع البذرة من جذروها لتلقى بها بين جبلين، فاقف حائره ؛ ما الذي فعلته بقلبي كى يأبى فكرة نسيانك لهذا الحد!، لازال مذاق تفاحتك يداعب لعابي ممزوجا بشهد ذكراك..
فاحتضنت فجر قلبها بكفها وهى تنظر للسقف بعيون مثقله بندوب الانتظار:
- وما نفعى من حب لا يُرى ولا يُلمس!، ولكنه مازال يُتوقنى، لازلت فى حضرته احترق.

ثم وقفت ولازالت تحمل كوب القهوة واقتربت من زوج عصافير الكناريه ووقفت امامهم مبتسمه وهى ترى الذكر يتداعب انثاه التى لازالت تتدلل عليه، فغمغمت بمرح للعصفوره
- ياستى حنى عليه، هو بقي فى رجاله بتصالح الايام دى!

ثم سقطت صورتها على المراة لتتفقد ملامحها التى لازالت محمله بوجع غيابه وكلماته، وتتمتم سرا، لو كان جنيًا لصرفته، ولكنه شبح بشري يقطن اقصي يسار جسد متمرد استطاع ان يخضع مل جيوشه له، ناثرا عطر تملك مستلذ على جميع اعضائه من الغباء ان ينتشي جسد لوجود محتله، وينتظر عودة جلاده حتى وان رحل للابد..
تفقدت فجر صورة هشام مرة اخرى وحدثته بصوت مسموع.

- قلبي مايستاهلش منك ان تسيبه متعلق كده، ياما تيجى وترد له النبض من جديد، يا اما متجيش وساعتها هجيلك انا وكلى شوق واياك ترده زى كل مرة، بص في كل الحالات انا وقلبي اتورطنا فيك ومافيش مفر منى غير ليا، ومش بمزاجك على فكرة...
ثم وقفت وعادت الى مكتبها مرة آخرى وفتحت صورته الورقه المندسه فى دفترها وقالت بأمل.

- انا لسه فاكرة صوتك، لسه منستش ضحكتك، عاوزه اقولك انى لونت كل الذكريات الجميله اللى انت رسمتها على قلبي من غير ما تحس، عاوزه اقولك انى لسه مستنيه وتعالى بقي عشان لو اتاخرت اكتر من كده قلبي هيعند ويستنى اكتر..
دخلت سعاد بابتسامتها المشرقه وبيدها فستانا، فوضعته على اقرب اريكه وهى تقول
- جابولك الفستان بتاعك، بس اي الحيويه والنشاط ده كله..!
نظرت لها فجر بعيون ضيقه.

- وان قولتلك إنى منمتش من إمبارح اصلا، هتزعقى؟!
- نهارك مش فايت يافجر..! ليه كده ياحبيبتى؟!
وضعت الكوب من يدها واقتربت منها وقبلت وجنتها بحب
- معلش بقي يا دودو، ماانت عارفه الامتحانات كمان اقل من شهر وانا لازم اخلص كل اللى ورايا عشان الشغل كمان..
ربتت على كتفها واخذتها فى حضنها
- مش على حساب صحتك ياحبيبتى..
- متقلقيش هنام دلوقت واصحى قبل ما عايده هانم بتعتلى الميكب ارتسيت اللى مابحبهاش بتاعتها..

ضحكت سعاد وتابعت ممازحه
-قصدك البنت اللى على طول مكشرة دى وبوزها شبرين؟! ولا انا كمان بحبها، هو مفيش حاجه كويسه ابدا تيجى من ورا عايده..
هزت فجر راسها نافيا ثم انفجرت ضاحكه، دخلت بسمه ممازحه
- طيب ضحكونى معاكم، لا بقولكم ايه العلاقه دى بدات تتطور وانا بدات اغير على عمتى...
احتضنت فجر سعاد اكثر وقالت ضاحكه
- لو سمحت بقي يابسوم علاقتى بماما سعاد محدش له دعوة بيها..
رفعت بسمه حاجبها مستنكرة.

- بقي كده يا ست فجر!قصدك اطلع منها يعنى..
سعاد بضحك
- ااه اطلعى منها..
تبادلوا الحديث لعدة دقائق حتى غمغمت فجر بتردد
- تفتكروا هشام ممكن يجى الحلفه دى؟!
عصرت بسمه رأسها بنفاذ صبر
- اااه يانى يا دماغى منها، دى بتقولك هشام ياعمتو، الحقينى...
فكرت سعاد للحظه ثم قالت
- هو العقل والمنطق عندى بيقولوا مستحيل، قبلك انت بقي يا جوجو بيقولك ايه..
طافت عينيها بحيره ثم قالت
- حاسه انى هشوفه، معرفش ليه..
سعاد بثقه.

- طالما قبلك قال كده، يبقي مش هيحصل غير كده..
فجر بحيره: تفتكرى!
اتسعت حدق عين بسمه بذهول ونفاذ صبر
- لالا انتو حالتكم بقيت صعبه..
ثم علت نبرة صوتها معاتبه
- فجر انت اصلا واحده مهزاة، انت كمان بتفكرى فيه و عاوزه تشوفيه؟! يالهوووى، لالا انا همشي بعقلى أحسن يجرالى حاجه...
رفعت فجر عيونها المتردده نحو سعاد التى حولته ليقين وقالت.

- طالما قلبك حاسس انه جاى، يبقي عاوزاكى تنفذي بالحرف اللى هقولك عليه لو شوفتيه هناكك.

البعض يظن أن الحب يُقاس بكثرة ما يتلذذ به من الشهوات، والبعض الآخر يرى أنه يُقاس بباقات الزهور أو بأقوال من قبيل (إلى الأبد)، لكن الحب لا يمكن أن يقاس إلا بالافعال، بل ربما يكون الحُب أمراً صغيراً، كأنك تقشر برتقالة لشخصٍ تحبه، فقط لأنك تعلم أنهُ لا يحب فعل ذلك.
الكاتبة الإيرلندية ماريان كييس.

مجموعات متتابعة لاهالى القريه من الهِتافات المتجمهرة باسم زيدان الذي انضم اسمه رسميًا لمجلس النواب بالاحتيال والخديعة وشراء اصوات الاهالى بمقابل مادى ليصل لما يسعى إليه..
رُدد هدير الفرحه فى حلق مُهجة بصورة ( زغاريد ) عالية وبلذة انتصار
- البلد كلها تشرب شربات وتتعشي لحمه سبع ليالى..
هرولت ناجيه خادمتها بفرحة
- دانت تأمرى ياست الستات..
شيعتها نظرات نادية الساخطه من أعلى ورددت بقهرة.

-بقي طمعك وجشعك سايقك بلا وعى وياريته هينفعك كان جاه ومال فرعون نفعوووه، نهايتك قربت قوي يا زيدان أنت والغازيه اللى ممشياك..
رفعت مهجة رأسها لاعلى تتفقد شرود نادية، وتلوى خصرها كالحية وهى تقول
- مش فرحانه ليه لجوزك يا أم خالد، ايه خايفه متقدريش تقفى فى وشه بعد النهارده...
داعبت انامل ناديه فصوص سبحتها وزفرت مُختنقه
- المهم تقدروا أنتوا تقفوا فى وش ربنا لما يسألهم عن ذنب الناس دى كلها..

تأففت مهجة بتهكم، وهتفت
- جرى ايه ياختى، انت متعرفيش تفرحى خالص؟! السلكان ده مايعرفش طريقك، صفى نيتك شويه عشان السواد ده مش هيأذى حد غيرك..
ما كادت نادية أن تُجيبها فأوقفها وقع اقدامه الثقيله وزمجرة رياح صوته متنحنحًا وهو يهندم سترته الفضفاضه
- جرالكم إيه عاد..
اندفعت مهجة نحوه وأخذت تنفض بعض الاتربه من فوق كتفه
- ده كلام حريم ياسيادة النائب ؛ متشغلش بالك، مشاغلك كتيره الله يقدرك ويكون فى عونك..

رفع رأسه بشموخ نحو ناديه، وقال
- ايه مفيش مبروك ياام خالد؟!
شاحت بوجهها مع ضحكة خبثيه سبقت جُملتها..
- فيه ربنا يقدرك على مابلاك و انك متاخدش من المنصب السلطة وتنسي الواجب ياابن عمى، الايدين ما بتبقاش طايله غير لما حسابها بيتقل وموازين الرحمه تخف..
ألتوت ملامح مهجة وهى تضرب على فخذها بجزعٍ، وتتمايل معارضة.

- أهو جينا بقي للكلام اللى يسم البدن ويحسسك أنك كافر اعوذ بالله، ما تخفى علينا شويه يا ستنا، ايه احنا نعرف ربنا بردو وبنصلى..
تجاهلت ناديه جملتها، وتقهقرت نحو غرفتها فألتفت زيدان نحو مهجة هامسا
- لسه معرفتيش ولدها فى أى داهيه..
- تقلقش أنت ياسيادة النائب بس ؛ وكله هيبقي تمام، يلا روح شوف أهل بلدك وناسك أحنا مالناش غيرهم دلوقتى..
اومأ رأسه متفهمًا، ثم أطلق هامسًا بتوعد.

- كده هنرجعوا ونحطوا النقط فوق الحروف، وهنلعب وأحنا تحت شمسية الحكومه والقانون...
قيل بأن الحرية الحقيقية هى كل شيء يُلائم اهواء ومصالح الحكومه ؛و دوما ما تستهدف قوانينها عظمه الشعب وسلطة حكامه بدلًا من حسن ادارته، ستحول لقيود ملتفة حول أنفاس الشعب الذي لا حول له ولا قوة...

- يعنى يا سيادة المحافظ أكون ابنك ومعرفش اشوفك غير بمواعيد؟!
اقتحم مجدى مكتب والده بعد قرابة الساعة من الانتظار مُردفا جملته الاخيره بنبرة معاتبه بنكهة الممازحه، فرفع منيره رأسه عن الاوراق التى امامه، وقال بفخر
- طيب سيبنى اباركلك الاول عن منصبك الجديد؟!
اقترب مجدى من والدها وعانقه بحبٍ
- تربيتك يا سيادة اللواء..
ابتعد عنه ثم أشار له والده بالجلوس وهو يتمتم.

- معاون مباحث بنى سويف، عاوزك ترفع راسي يا بطل..
جلس مجدى أمامه وهو يقول
- يعنى مش عاوز تفرح بيا؟!
- ده يوم المُنى يا بنى، أنت اختار بس وانا اخطبهالك من دلوقتى، ولا اقولك سيبنى أنا اختارلك وشوف ذوق ابوك بقي..
اكتسي الفضول معالم وجهه، ثم سأله ممازحا
- اي معاليك؟! حاطط عينك على حد؟!
- بصراحه بنت اللواء علاء تناسبك جدا، وانا لمحت لابوها بحاجه زى كده وحسيت انه مرحب جدا بالفكرة..

تململ مجدى فى جلسته مرتبكا للهروب من ذلك المأزق، فغمغم بتردد
- بصراحه يا بابا انا اخترت، وجاى عشان افاتحك فالموضوع ده...
- حقك يابنى طبعا، ها وعينك على مين؟! حد نعرفه؟!
اندفع مجدى فى رده وقال بفرحة
- ايوة، رهف بنت عمى..
سقط القلم من يده منير واحتل الغضب ملامحه فجاة
- أنت لسه عينك منها..
- وهصرف نظر ليه! بنت عمى انا أولى بيها من الغريب، ورهف طيبه يابابا وتربيتنا..

وثب منير معارضا ليضع حدا لحديث ابنه، وهتف رافضا
- لا دى تربية عايده، مش تربينا، وبعدين هو ده النسب اللى هيشرفك يابنى؟! اخوها اللى مطلعينه بمعجزه من قضيه لسه متحكمش فيها، ولا اخوها التانى اللى متجوزلى واحده ابوها محكوم عليه بالاعدام! ولا أمها عايده هانم صاحبة الموضه والتفاهه..
وقف مجدى أمام والده متحديا.

- ملاحظتش فى كلامك انك جبت سيرة رهف بحاجه تعيبها، وكلها مبررات هى مالهاش ذنب فيها، يبقي ليه تاخدها بذنب اللى حوليها..
قرب منير من ابنه وربت على كتفه ليلقى على مسامعه نفايات تجاربه السابقة ؛ وقال
- شوف يابنى ممكن يكون معاك حق، بس أنا مش موافق على الجوازه دى، وكمان البنت دى تافهه وساذجه وعديمه مسئوليه، تقدر تقول لى هى ليه متخرجتش لحد دلوقتى! غير انها بنت مستهترة ومش عارفه مصلحة نفسها..

ارتسم الغضب باديًا على وجهه، فاطرق رأسه بخجل ليرفض حديث والده بأدب ثم هز رأسه رافضا
- بابا انا جيت أعرفك هخطب مين وهبدا حياتى مع مين ؛ لكن ما جتش اقول لحضرتك تعالى نتناقش فى اختيار عروسة، لانى بالفعل اخترت..
اثار هدوء مجدى سخط والده الذي صُبغَ وجهه بحمرة الغضب، فارتفع صوته منفعلًا
- يبقي روح شوفلك أب غيري بقي يقف معاك..
اومأ مجدى بالموافقه ونصب عوده متأهبا للمغادرة وهو يقول جملتة الاخيره بحزمٍ.

- المهم أن حضرتك عندك خبر، عشان ماتتفاجئش بكرة..
انعقد لسان والده فلا يجد ما يفرغ غله به سوى سطح مكتبه الذي ضربه بكل قوته، ومن بعدها حسم أمره ليُهاتف عايده المنشغله فى اعداد حفلتها، فتوقفت على طرف حمام السباحة وردت بغرور
- ألو...
اتاه صوته كالرعد وهو يلهث.

- شوفى ياعايده هما كلمتين، خلى بنتك تبعد عن مجدى أبنى ومش معنى أنك مقدرتيش توقعينى فى شباكك زمان وروحتى تلفيها على اخويا فأنا مش هسمحلك تعملى كده مع ابنى، انسي..
تقاذفت افكار عايده هنا وهناك بعد فهم، فتحولت نبرتها لتساؤل
- ابنك وبنتى ايه يا منير؟! أنا مش فاهمه اي حاجه..
استراح على اقرب مقعد وهو يفك رابطه عنقه ليأخذ نفسه وقال بفطنة مبنيه على أسس اوهامه.

- لا، أنت فاهمه كُل حاجه، وعلى جثتى الجوازه دى تتم يا عايده، أنت فاهمه! مش هخليكى تنتصري المرة دى كمان...
اغمضت عايده عيونها وهى ترى أوجاعها تتقلب أمامها كفقاقيع المياه المغليه وقالت بغرور انثوى
- على الاقل ابنك أحسن منك بيحارب، مش بيستخبى فى اوضته زي ابوه يامنير، طلع العيال من مشاكلنا وسيبهم يختاروا حياتهم..
زفر بعجز وأشار مهددا بيده قبل ما ينهى المكالمه
- عايده أنا حذرتك، خليكى فاكرة...

قفل المكالمه بدون سابق انذار واشعل فى قلبها دخان الماضي التى تعمدت أن تطفىء نيران لسنوات..

#فلاش باك..
ركبت سيارته وألقت حقيبتها بالمقعد الخلفى وزمجرة
- منير، ابوك واخوك عماد كانوا عندنا امبارح وطالبين ايدى للجواز..
اوما بعجز
- عارف، عارف يا عايده...
- طالما أنت عارف؟! ماتتصرف، ماتقولهم أنك بتحبنى وتيجى تتقدملى..
تصلق الحزن ملامحه وقال
- اللى عرفته ان عماد اخويا معجب بيكى من زمان وساكت وكان مستنى يخلص كليته عشان يتقدم، وانا لسه طالب مفيش فى ايده حاجه..
احتلت الصدمه ملامحها وهى تنهره بوجعٍ.

- أنت بتهزر مش كده! يعنى هتسيبنى اتجوز اخوك يا منير؟!
طأطأ بخزى
- ومش هخسر ابويا واخويا عشان واحده ياعايده، عايده انا اسف..
ازفت لحظه انفجارها وهى تبتلع جمراته بحلقها، وصرخت معانده
- تمام، أنت اللى اخترت، وحق حرقة قلبى دى هخليك تحس بيها أضعاف، واقولك هوافق على أخوك ولما تشوفنى فى حضنه أبقي ساعتها هاجى اقولك أنا اسفه إنى دغدغت قلبك، طيب يا منير...
#باااك.

كل شيء حولنا يصنع من ماء، الغيوم، النهر حتى نحن ممتلئون بدموع لا نعلم من اي وجهة تسربت، حاربت لكى تمنع تساقط دموعها وعصرت هاتفها بيدها واستدارت نحو القائمين على الحفله تلقى عليهم بعض اوامرها الخاصه..

وطأت اقدام مجدى سيارته وهو يتشجار من الهواء وكل ما يقع فى طريقه مستقرة فى حلقه غصة الخيبة فالجميع وقف فى طريق أمنيته الوحيده حتى هى لم تريده ؛ اتدرك ما قسوة أن يحارب الانسان لاجل شيء لا يتمنى سواه وهو لا يريده؟! كمن لفظته أمه العاهره من رحمها وتركته وبات يُناديها صارخا و لم تعره أى أهميه! هكذا ما كان يشعر به...
انقذه من فحل افكاره اتصال هشام، فأجابه متنهدا
- خير ياهشام...

قفل هشام باب الثلاجه بقدمه وبيده بعض الاطعمه
- اى خير دى؟! محسسننى انى كنت بايت فى حضنك أمبارح؟!
دور مجدى سيارته بعد ما ارتدى سماعة ( البلوثوت ) وقال
- كفايه اخبارك اللى كنت بسمعها من التلفيزيون زيي زى الغريب...
وضع هشام ما بيده على رُخامة المطبخ، وقال ممازحا
- لا دانت شكلك شايل ومعبى جواك..
- ولا شايل ولا حاجه، المهم إنك تكون بخير بس..
تحرك هشام ليجلس على احد مقاعد مطبخه وتمتم.

- اهو بنحاول نكون بخير، عاوز اشوفك..
- فين، انا اصلا اجازه..
فكر هشام طويلا محاولا البحث عن حجة يتوارى خلفها قلبه المُشتاق، فقال
- جاتنى دعوة مخصوص من منصور الشاذلى أحضر حفلة عايده هانم النهار ده، وبفكر يعنى اروح..
احتلت الغرابة رأس مجدى وهو يسأله
- أنت عارف الحفله دى هيكون فيها مين؟!
رجل مثله يعشق الايجاز فى كل شيء الا حبها الذي امتدت مخالبه لخلايا عقله فاخضعتها له...
- اااه، عارف..

- يعنى عندك استعداد تواجه امك؟!
بحنقه أردف سريعا
- مش أمى...
فرد مجدى بحكمه
- يبقي خليك مكانك يا هشام لحد ماتشوف الحقيقة كامله..
لمست قدمه اليمنى الارض وشرع فى اهتزازها بما يوحى بارتباك، وقال متأففا
- بقولك ايه أنا رايح الحفله دى يعنى رايح قولت اكلمك تيجى معايا تتقل بيا بدل مااقف لوحدى كده..
نفذ صبر مجدى واردف معاتبا
- يبقي ايه لازمتها تروح؟! ولا، رايح لهدف تانى..!

- اه يا مجدى، انا لسه مخدتش حقى من البت دى، لازم اعرفها مقامها وانها لعبت مع مين...
- تعرفها مقامها! ولا وحشتك وبتتلكك..
انكمشت ملامحه بضيق لانكشاف أمره، فنفاه قائلا
- مجدى، بلاش كلام فلسفه ماليش فيه، انت عارفنى كويس..
- وانت كمان ياهشام عارفنا كويس اننا مالناش فى جو الحفلات ده..
هشام بتأفف: يعنى مش هتيجى...
فكر مجدى للحظه ثم قال مستسلما
- لا ياهشام هااجى، هاجى لحد مانشوف أخرتك إيه...

انتهى حديثه مع مجدى واندلعت حربًا مع نفسه الى أن اتفقت كل حواسه وبما فيهم قلبه الذي يسايسه طوعًا ليصل لمراده وهو اللقاء بها، حتى همست شفتيه متوعده
- دأنا هردلك القلم عشرة بس اشوفك..
سحبت اصابعه شاشة هاتفه وتفقد بعض حساباتها باحثا عن نظرة خذلان وانكسار فى عيونها فلم يجد سوى أمراة قوية بجمالها قادرة على اخضاع جيش من الرجال لها، قفل هاتفه ووضعه على وجهه متأففا.

- هى فاكرة نفسها مين الفلاحه دى؟! وايه الارف اللى هى عاملاه ده..
ليصدح قلبه متمردا وهامسا
- بس هى اتغيرت كتير، مم للاحلى اووو يعنى عادى دى كلها فوتوشوب وفلاتر..
فزع وركل المقعد الذي كان جالسا فوق بقدمه مزفرا
- حتى صورها كذب زى حياتها بالظبط...

يهذى كالمجنون وهو يلعن نفسه، أو يلعن الحظ الذي جمعها به أو يلعن الحياة، ولكن اللعنة الكبرى للحب الذي ذل سلطانه المتكبر لاجل عيناها متيما، يسير وهو سئم كل السأم، ومحبط، ومتألم؛ لأنه لم يستطع التخلص منها حتى الان ولازال يحاربها كل ليلة كما يحارب الجماعات الارهابيه ولكن الفارق هنا أن لكن حرب نهايتها الا حربها هى البداية لكل حنين وشجن وشوق للقاءها...

اندمل قرص الشمس بحُمرة الغروب التى تنزف ألما على عدم مشاهدها للقرارات التى اتخذت تحت نورها، هل ستنفذ أم لسحر القمر والليل رأيٌ آحر!
- تمام كده أنت خلصتى شغلك، اتفضلى...
اردفت فجر جُملتها على آذان تيسر ( الميك اب ارتسيت ) الخاصه بها بعد جدل استمر لساعات للاتفاق على إطلالتها، تلملم تيسر ادواتها وهزت رأسها نافيه
- عايده هانم باعته السواق ومأكده عليا اننا نيجى سوا..

وقفت فجر تتفقد الفستان المصنوع من ( الستان) والذي ينحت جسدها ببراعة ويصل لفوق رُكبتها بكثيرٍ وشعرها القصير المموج الذي يعطيها إطلالات نجوم هوليوود فقالت
- تيسير، الحفله لسه بدرى عليها، وانا لسه هستنى بسمة وطنط سعاد..
غمغمت تيسير بتردد
- حضرتك ما ينفعش..
تأففت بجزعٍ
- اتفضلى، مش هكرر كلامى أكتر من كده...

لم تجد جدوى من النقاش معها، بل لملمت اشيائها بخذل وانسحبت بهدوء وما هى إلا لحظات ودلفت سعاد وبيدها فستان ضخم تحمله بصعوبه، فاسرعت فجر نحوها لتساعدها فى حمله ووضعته على الفراش واستدارت ممتعضة
- شايفه الفستان الزفت اللى ست ميان زفت بعتاهولى، ده انزل بيه ازاى اصلا؟!
- والله انا قولت انها ميان محدش ضدقنى، المهم فكك واقلعى يلا، وشوفى الفستان اللى اختارتهولك..

لملمت شعرها واعطت سعاد ظهرها لتفتح لها جرار الفستان، وشرعت فجر فى تبديل فستانها القصير بإطلالة سندريلا وفستانها الذي اشرفت سعاد على تصميمه شهرين..
انتهت فجر من ارتداءه فبدت كأميره من أميرات ديزني فاستدارت امام سعاد وقالت بتردد
- وهو مش أوفر؟! وكنت لبست أى حاجه تانيه أهدى..
لمعت عيون سعاد بانبهار ثم هزت رأسها نافيه.

- بصي يا جوجو ياحبيبتى أنت برنسس الحفله دى، وبقميص النوم اللى باعتاهولك ست ميعان دى تلبسيه كده قاصده انها تخليكى زيهم وماتبقيش مُلفتة، عاوزه تطفيكى بمعنى الاصح..
همت سعاد بتظبيط شعر فجر وأكملت
- لكن بكده هتجبرى الاعمى أنه يتنح في جمالك وانك مختلفة، والاهم أحنا اتفقنا هحاول نرضي ربنا فى لبسنا لحد ما نسيبلوهم العك ده كله ونركز فى دراستنا وبس..

أومأت فجر برضا ثم ارسلت نظرة خاطفه على نفسها فى المرآه، فزادها شعورا بالفخر جملة سعاد
- هشام لو شافك كده حقيقي الله يكون فى عونه، انا لو منه اخطفك واخبيكى عن كل الناس..
- على أد منا موجوعه منه، بس خايفه اضعف واسيب الحفله كلها واحضنه وبعدين ارجع اتخانق معاه تانى، تعرفى انا اتمنيت انه مايجيش اصلا، خايفه قلبى يخوننى ويروحله...
امتلأت عيونها بمياه الحيره التى حسمتها سعاد مكذبة صدح قلبها هى الاخرى.

- بلاش نفكر فى وهم أحنا استنتجناه، ما يمكن مانشوفهوش هناك، اهدى كده وخدى نفس وزى ما اتفقنا حتى ولو ما شوفناهوش هناك اعرفى أن معاد اللقا لسه مجاش، يلا اسيبك تتظبطى وانا هروح ألبس..
ما كبحت سعاد أن تولى ظهرها فاوقفها نداء فجر
- استنى..
- مالك ياحبيبتى؟!
- أنا مش هروح الحفلة دى فى معادها...
اقتطب حاجبى سعاد وقالت مستفهمة
- ليه، اشمعنا يعنى..
اقترب فجر من المراه واخذت فرشاة التجميل تتدلل على وجنتيها وقالت.

- يعنى الحفله هتبدا ٨ انا ممكن اروح هناك على ١٠ او ١١...
ضحكت سعاد ممازحه
- هنبتدى نعمل فيها سندريلا من دلوقتى!
ألقت لها فجر نظرة لامعه فالمراة وضحكت بثقه
- بالظبط ولازم قبل ١٢ امشي من هناك..
قلبت سعاد الجمله فى رأسها وقالت بخبثٍ
- ده لو كان الامير هناك، قصدى سي هشام يعنى..
تعمدت اللامبالاه كأنها لا تتمنى رؤياه، وقالت متدلله
- ممم هناك بقي او مش هناك لازم الكل يستنانى..
ضحكت سعاد بفخر وقالت مؤيده.

- أنت صح، أنا عاوزكى تثبتى على كده بقي طول الحفله، تبصي عليهم من فوق، او متبصيش يبقي أحسن بردو...
تدللت كفوفها على خصرها ورفعت رأسها بشموخٍ
- هبهرك...

‏المؤلم ان تقرر بنفسك ساعة الحرب على مشاعرك، أن تٌوئدها حتى تتساءل بأى ذنب قُتلت؟!، ثم بعدها لا ينتبه المقصود كما كنت ترغب، تشعر بغضب لا يمكنك تبريره وألم لا تعلم من اين أتى إليك؟!، فتجد نفسك تقول كلاماً لم تكن مستعداً لقوله تتصرف تصرفات لم تكون بالحسبان، تتفاجئ من نسختك الجديده المروعه، كل هذا لأنك قررت مسبقاً أن تكون بلا مشاعر آدامية أن تسترد عزتك التى دنسها الحب...

صرحٌ ضخم من كبار رجال وسيدات الاعمال يطوقه سورا ملتفا بالانوار الكثيره التى تعطى صورة مشرقه لفخامة الحفل، يأتى زائر ومدعو وراء الاخر وتقف عايده وميان باستقبالهم...
دخل اكبر رجال الاعمال بصحبة زوجته وابنته وتبادلوا السلامات والترحبيات حتى اشارت لهم عايده بالدخول والتفت نحو همس ميان التى بدَ عليها القلق
- هى البنت دى مجاتش ليه لحد دلوقتى؟!

حاولت عايده اخفاء ارتباكها بابتسامه مزيفه للحضور وقالت هامسه
- هتجنن الساعه داخله على ١٠ وهى لسه مجتش، ومش بترد على تليفوناتها..
نظرت ميان فى شاشة هاتفها متأففه
- هنعمل ايه لو مجاتش..؟!
ردت عليها عايده بنبرة جازعه
- ميان، انت السبب فى وجود البنت دى هنا، فأى عواقب واستهتار أنا مش مسئوله عنه...

رفعت انظارها فوجدت هشام فى بدلته ( الكُحلى) التى تتضاعف وسامته بصحبة مجدى الذى ارتدى بدلة باللون ( البيج )، اندفعت هائمه على وجهه لتستقبله بنفسها مرحبه..
فمدت يديها لتصافحه ولم لبث أن مد كفه متجملا ففاجأته بقبله سريعه فى وجنته وابتعد باسمه
- كنت متأكده انك هتيجى..
تجمدت الدماء فى عروق هشام إثر فعلها الغير متوقع وألقى نظرة غاضمه نحو مجدى الذى حك ذقنه متفهما وهمس لنفسه سرا
- اللى اتوقعته شكله هيحصل..

لكزه هشام ليفيق من شروده ثم قال متحججا
- والله مجدى اللى ألح عليا، مكنتش عاوز أجى، ولا ايه يا مجدى...؟!
رفع مجدى حاجبه مستنكرا
- لا والله؟!
انكمشت ملامح مايان متظاهره بالزعل
- يعنى مش عشانى ولا عشان بابى..
اتسعت ابتسامة مجدى فارحا تمتم
- ألبس بقي، ورينى هتطلع منها ازاى؟!
تضرجت وجنته بحمره قانية، ثم هرب من سؤالها متحججا ليعرفهما ببعض
- النقيب مجدى السيوفى ابن عمى، مجدى ؛ دى ميان اللى حكيتلك عنها..

هز مجدى رأسه بتجاهل
- بس أنت محكتش عنها ولا حاجه...
ضغط هشام على مشط قدمه مغلولا، وحدقه بنظرة حاده جعلته يردف متفهما
- ااه اااه، ميان! حكالى عنك، معلش اصل من كتر البنات اللى بيحكيلى عنها شكلك توهتى فالزحمه...
تفاقم الامر سوءا، فلحق هشام نفسه من لخبطة مجدى المتعمده ونظرات ميان التى اوشكت على الالتهام، فسحبه وقال
- طيب ياميان احنا هناك...

لم يعط لها فرصه للاعتراض حيث انسحب من أمامها متجاهلا ردها الذى اردفته بصوت عال
- راجعلك ياهشام...
ميل مجدى على آذان هشام مشمئزا
- ايه البنت الرخمه دى، واى العشم ده اللى بتكلمك بيه؟!
- المهم حد خد باله من اللى هى عملته؟!
ضاقت عيون مجدى لاعبا على وتر مخابئه
- اي حد، اى حد، ولا قصدك حد معين...
جز هشام على فكيه مغتاظا
- ولاااه ما تتلم وتتعدل كده، مالك من الصبح مش مبطل عك...

- بصراحه، كنت قاصد ؛ البت دى مش سالكه وابقي قول مجدى السيوفى قال...
وقف الاثنان على حافة البار المُلتف حتى اتكئ هشام عليه بظهره وقال
- يا سلام؟! وجايب الثقه دى منين؟!
هندم مجدى بدلته بتفاخر وتحمحم قائلا
- هى نفس الثقه اللى لما شوفت فجر، وقولت محدش هيوقعك على جدور رقبتك غيرها...
ألتف هشام للنادل وطلب مشروبا كأنه يهرب من هول الجمله خشية من انفضاح امره، ثم عاد إليه ساخرا من كلامه.

- لا لا مش أنا ده، طلعت خايب ومش بُرم ومتعرفش ابن عمك...
وقف مجدى نفس وقفته وعقد ساعديه وقال بخبث
- بأمارة عينك اللى مسحت المكان كله وبتدور عليها، طيب ما تقول لى أدور معاك...
اردف بصوت هادر مغلف بالتهديد
- أنا مش جايبك هنا عشان تقرفنى، كلمه كمان وهديك فى سنانك عشان تتلم وتخرس...
انقذت رهف مجدى من تهديدات هشام الحانقه وهى تركض نحوه بلهفه وترتمى بين ذراعيه باكيه.

- هشاام، أنا مصدقتش أنك هنا، هونت عليك؟! هانت عليك رهف أختك..!
طوق أخته بحبٍ ثم انحنى ليُقبل رأسها
- وحشتينى يابت أنت ووحشنى هبلك..
اندست فى حضنه وهى تضمه أكثر وتجهش قائله
- منا لو وحشتك بجد مكنتش هتسيبنى كله ده...
ثم ابعدت رأسها عن صدره وتصلقت نظراتها الحزينه ملامحه وقالت
- كنت كل يوم بستناك تكلمنى، تطمنى عليك حتى، وانت مكنتش بتتصل، كنت محتجالك أوى ياهشام، طيب أنا ذنبى ايه تسيبنى كده وتمشي..

احتضن وجهها بين كفيه وقبل جبهتها بدفئٍ ثم ضمها مرة آخرى اليه وقال لها هامسا
- بقولك ايه سيبك من العالم دى تعالى اقعدى معايا فى شقتى..
تقازفت فرحا فى حضنه وهى تردد جملته
- اجى اقعد عندك؟ بجددد، طبعا أنا موافقة ؛ بص انا هروح من هنا اجيب هدومى اجي اقعد معاك عشان انت وحشتنى اوى...
ثم ابتعدت عن حضنه وظلت تتحسس كل انش به بلهفة أم.

- ورينى ورينى عامل ايه، أنت خسيت صح؟! مابتاكلش ولا ايه، لالا انا هاجى افضل ااكل فيك كل ساعه لحد ما ترجع هشام بتاع زمان...
تدخل مجدى فى حوارهم ممازحا
- هتقضيها كل ساعه دليفرى مش كده!
التفا كلٌ من رهف وهشام فى آنٍ واحد نحو جملته الاخيره، وانكمشت ملامح رهف مضجره
- مالكش دعوة، ماتتدخلش بينى وبين اخويا، ولا ايه ياهشام..
رفع هشام كفيه مستسلما
- بصي انت تاخدى حقى وحقك منه بقي عشان هو خانقنى من الصبح..

لكزه مجدى محاولا تلطيف الجو و:
- ايه ياعم انت، ماتهدى النفوس، وبعدين ايه مش واخده بالك انك حتى ماقولتيش هاى يا مجدى؟!
- بص يامجدى انت اركن دلوقتى وسيبنى اشبع من اخويا حبيبي عشان مش فاضيه اتخانق معاك..
داعب هشام ذهن أخته وسألها
- هو كان مزعلك الواد ولا ايه...
لاحت بكفها بتفاخر
- ولا هو ولا عشرة زيه يقدروا يزعلونى، دانا أخت هشام السيوفى...
مجدى بضيق
- مالك يابت، ولا انت وجود اخوكى جمد قلبك..

طلعت له لسانها بحركه طفوليه
- انا قلبى طول عمره جامد على فكرة، ولا ايه ياهشام؟!

صوبت انظارهم ناحية هشام الذي سكت فجاة وانسحب من عالمهم لعالمه الذي أتى لاجله، فك انعقاد ساعديه لاإراديا فسبحت عيونه بعيدا نحو سندريلا التى خطفت كل الانظار، شيءٌ ما في عينِيْها أو وجهِها أو كلها يفتحَ لك بابًا فتدخُل مِن الظّلام إلى النّور، وهذا أول ما دب بقلبه الذي خُطف إليها بكل ما اوتي من تمرد حد شعوره بأن لا يوجد فى المكان غيرهما..
رفعت رهف صوتها مناديه
- هشااااااام، روحت فين..؟!

رمى مجدى انظاره جهه ما رست عيون هشام وهز رأسه متفهما فعاود النظر لرهف غامز ومشيرا لها بحاجبه ناحية فجر التى اقتحمت بجمالها الحفل، فهللت رهف فارحه
- الله..! فجر جااات، أنا هروح اسلم عليها...

ألتقمت أعين قلبها وجوده بالرغم من ابتعاد المسافه بينهم إلا أن نظراتهم التقت فى فضاء فراقهم الذي استمر لشهرين كاملين من الحرقه والفُرقة ومناجاة الصبر طوعا او اختيارا، بللت حلقها فبرزت عروق عنقها وبمعاناة سحبت عيونها بعيدا عن مرمى انظاره التى تحرقها ونجت من براثن عيناه التى شقت قلبها لنصفين وبدَ ذلك فى رعشة كفها وشفتيها التى تتمتم مرحبة بالضيوف...

إن استطاعت كرامتها ان تسيطر عليها بالانسحاب فشوقه كان اقوى من أن يغمض جفنه عنها للحظه، شرد وشرد فى كل لحظه اجتمع بها، هاجت كل مشاعره نحوها فتولد بجوفه شعورا من التملك والاختفاء معها لما هو آخر الدنيا ليعاقبها بطرقه الخاصه التى ترمم حفر غيابها..
اقتربت ميان التى اوشكت على الانفجار من شده الغضب لتجلس بجوار عايده وهتفت
- اى الارف اللى لابساه الهانم؟! أحنا متفقناش على كده..

استدارت عايده بجسدها كله وقالت باختناق
- كويس انها جات، حسابها معايا بعد الحفله..
اتت سعاد من عايده وصافحتها
- ازيك، قولت بما ان عينى جات فى عينك ومسلمتيش اطلع احسن منك واجى اسلم أنا...
تنهدت عايده باختناق
- هاى يا سعاد، سورى الحفله وترتيباتها مخليانى مش شايفه قدامى..
تدخلت ميان فى حوارهم
- ازيك ياطنط، فكرانى؟!
بحنقة اردفت سعاد
- اه طبعا ميعان!، مممم مايان مش كده؟!
احتضنتها ميان بتلقائيه وقبلتها.

- أنا بحبك جدا من كلام فجر وعايده هانم، وكان نفسي اوى اشوفك تانى، واهو حصل
تجملت سعاد بابتسامه مزيفه
- ماتشوفيش وحش ياحبيبتى، هروح انا اشوف فجر عشان متقفش لوحدها...
تفعمت نظرات بالحقد وتلوت كالحيه نحو هشام الذي يفترس فجر بعيونه، فاندلعت نيران حواء واوشك مخططها أن ينقلب ضدتها، فعزمت أمرها قررت استكمال حربها التى حتما ستخرج منها منتصرة..

فاض قلب عايده بالعطف وزخر بحنان، فحسمت أمرها وذهبت ناحية هشام، حتى وقفت أمامه بعيون منكسرة وتلعثمت الكلمات فى حلقها فلم تعرف أن تنطق سوى
- وحشتنى..
ولى وجهه الجهة الاخرى متجاهلا كلمتها، فتدخل مجدى فالحوار وقال متغزلا
- والله ياكوين عايده انت احلى واحده فالليله دى كلها، كل الناس بتكبر الا أنت بتصغري..
تقبلت مدحه بابتسامه لطيفة، ثم اقتربت من هشام خطوة سلحفيه واغرورقت عيونها بالدموع
- طيب حتى سلم عليا..

زفر متجملا فبادله مجدى بنظرة معاتبه ارغمته على الالتفات، فقال
- ازى حضرتك يامادام عايده..
فرت دمعتها التى حبستها طويل إثر خنجر كلمته
- مادام عايده ياهشام؟!
ثم احتضنت كفه بكفها المرتعش بقوة ورجته بلومٍ
- أنا أمك، امك ياهشام ودى الحقيقه اللى مش هتغيرها مهما تجاهلتها..
لازال محافظا على هدوءه واردف من وراء فكيه المنطبقين ؛ فاجابها فى تؤدة
- انا امى اسمها هالة السيوفى، وخلاص ماتت...

ضربه مجدى فى كتفه معاتبا ليكف عن سم حديثه، فلم يجد مفر سوى الهرب من كل هذا، لان ما اعترى داخله بلغ ذروته، ‏ يكادُ ينفجر، لكنه يحمل هم إعادة تجميعه..
حاول مجدى تلطيف الامر وربت على كتفها بحنان
- هو هيهدا ويرجع احسن من الاول، هشام مهما قسي بيحن فالاخر، متزعليش نفسك الصدمه شديده عليه بس..
تشبثت عايده فى كفه متوسله
- خليك معاه متسبهوش يامجدى..

وقف هشام فى رُكنٍ هادئ بعيد عن الانظار الا تلك التى لازال قلبها يقتنصه بمهارة مُحارب وهّم باشعال سيجارة، واخذ ينفث دخانها حتى انعقد فوق راسه كسحابه سوداء شبيهه بسواد احزانه...
اخذت تراقبه بشرود عن بعد وتستمع لصدح قلبها الذي تحدث قائلا:.

- بات قلبى يرتعد بمجرد رؤياك وعجزه عن الاقتراب منك، وقع تلك المرو ضحية بحر الصُدفه كما غرقت ببر النظرة من قبل، وها هى انطوت خطاوى الارض وجمعتنى به، وجعلتنى اُطيل النظر به ككفيف يرى لاول مرة شُعاع الشمس، أتنهد بارتياح مُتسابق فى ماراثون لمست اقدامه اعتاب خط النصر..

اود ان اركضه إليه واقف امامه لاعوق طريقه باشارة متوسله من عينى ان ينتظر، سترتعش شفتي قبل الحديث كإثر واضح على ارهاق ليالٍ من الانتظار، ساخبره بأن بُعده علمنى الصبر حتى ان الجزع فر منى هاربًا، ساحضنه كأن لم احضن رجلٌ بعده، سأضمه كحُلم عافرت لاجله حتى هُلكت، ستمطر عيناى بغيوم الشوق على ارض كتفه عتبًا لعلها تنبت زهرًا يطوق ايامنا المُقبله،
ثم بللت حلقها متوسله للنجوم:.

أخبروا صاحب تلك النظره التى تهزمنى فى كل مرة لُفحت بنسيمها اننى انتظرته كثيرا ولازلت، اخبروه اننى احببته اكثر فأنه لا يعلم، حدثوه عن كلماتى التى تسللت خفية لكم ولم تمر امام عيناه ابدًا، اقنعوه بإننا احيانا ما نجتاحُ فرصة واحده للبوح بخبايا القلب، ربما بعدها نحيا عمر او نسلُك طريق النسيان بلا ندم بلا رجعه...

أغمضت عينيها مستقويه وتعمدت ارتداء قناع التجاهل فإن كل الجبروت لإخفاء قلب هش ووضع مكانه هرم صخرى، تعمدت السير واكتساح المكان بخطواتها كالفراشه، تسلم على هذا وهذه وبات صوت ضحكاتها يتنافس مع الاغان، ولازال يحرقها بلفات التبغ الواحده تلو الاخرى حتى قطع مجدى شروده
- كفاية، كفايه تدخين هتموت نفسك...
لم يكبح ان يجيبه فاقتربت منه سعاد مبتسمه ومرحبه.

- ومن أمتى هشام السيوفى له فى جو الحفلات، ازيك ياهشام عامل ايه..
مد يده ليصافحها
- تمام وازى حضرتك..
- مبروك يابطل، انا كنت متابعه كل أخبارك على فكرة..
بثقه اجابها
- الله يبارك فى حضرتك، ده واجبى..
تدخل مجدى فى حوارهم
- هو أنا ليه محدش بيقول لى، ازيك يامجدى؟!
ضحكت سعاد وهى تصافحه وقالت ضاحكه
- ومبروك ليك أنت كمان ياسياده النقيب..
ثم هتفت مناديه على فجر التى مرت بقربهم
- فجر، يافجر...

غيرت فجر مسارها قاصده، ثم اقتربت منهم بابتسامه حرقة قلبه وقالت بترحيب لمجدى
- ازيك ياسياده النقيب، منور الحفله..
فتفقد مجدى ملامح هشام المتغطرسه التى أبت الالتفات إليها، ثم هتفت مادحا
- والله ما حد منور الحفله و الدنيا كلها غيرك، ايه الجمال ده؟! انت مش هتبطلى هتحلوى بقي!
فجر بامتنان: شكر لذوقك ياسياده النقيب..
هبت عواصف غضبه وهو يكز على اسنانها غيظا، فلاحظت سعاد امتعاضته فتبسمت، ووجهت سؤالها الى هشام.

- ماقولتش ايه رايك فى فستان فجر يا هشام..
لم تلتف ولم تعر رايه اي اهتمام بل اصابته بلعنة التجاهل وشهقت مرحبة بشخص آتٍ من بعيد وانسحبت بدون استاذان او تقدير
- يووونسسس؟!
اسرعت خطاها نحوه فلحقت انظارهم تحرق ظهرها فغمعم هشام بغل يتقاذف من عيناه
- ومين يونس ده كمان..
صافحته فجر بود شديد ثم استدارت واحتضنت كف سعاد وسحبتها خلفها وهى تقول بعفويه
- طنط، طنط تعالى اعرفك على يونس...

اخذتها وغادرت وغادر معها قلب هشام ليحل محله جمره مشتعله من الغيره، فغمغم مجدى بحسرة
- اهو جيه يونس شال الليله..
فرغ هشام غضبه فى مجدى
- اما ربيتك...!
للحظه سمع هشام اسمه ينادى فى الميكرفون بصوت ميان بعد مقدمه طويله لتشريفه فى هذا الصرح، فطلبت منه بثقه
- سيادة المقدم، ممكن تتفضل هنا..
تعجب مجدى من وقاحتها الزائده فضحك ساخرا
- قابل يا معلم...

حدج فجر بنظرة حاده فوجدها تتمايل ضاحكه مع يونس، فقفل زرار سترته وتقدم مختالا مُلبيا نداء مايان حتى وصل لخشبة المسرح ووقف بجوارها، فشرع والدها بالتحدث والترحيب به، فانحنى هشام ليهمس فى آذنها معاتبا
- عملتى كده ليه؟!
- مكنتش متوقعه انك تيجى وجيت فكان لازم ارحب بيك بطريقتى...
تابع حديثه بصوت خفيض
- ميان، انت مش واخده بالك أنك بتتعاملى مع هشام السيوفى..
اتسعت ابتسامتها المزيفه وقالت بثقه.

- وماله هشام السيوفى! هو مش راجل زي بقيت الرجاله؟!
شبك كفيه امامه وهتف بغرور
- لا، أنا مش زى اى راجل، انا غيرهم..
فرمقته باعجاب
- وهو ده اللى جابنى لحد عندك طالبه نظرة رضا..
ثم سحبت المايك مباغتة من والدها وهتفت
- تسمحولى بقى ارحب بسياده المقدم بطريقتى واطلب منه انه يسمح لى ب الرقصه دى...

اتسعت عينيه من هول ما تلفظت به وتأكد للتو انه سقطت اسيرا لمخالف كيد إمراة، وايضا هز قلب فجر طلب ميان الذى تردد فى صدرها فالتفت مذعورة تترقب رد هشام الذي لم ير من الحفل سواها وبمجرد ما رأى اللهفة تفيض من عيناها تقدم بكفه لميان يدعوها للرقصه..

حدجتها سعاد بنظرة حاده بأن تولى ظهرها متجاهله حريقة قلبها فاستجابت بسرعة ويتردد صدح اوجاعها فى صدرها متعجبه: عندما ينسجم شخصان، ويشعران بالسعادة حين يكونان معًا، ويحسان بالوحدة حين يفترقان لماذا تتحد الظواهر الكونية ضدهم ليفترقا، ليتحولوا اعداء بعد ما كانت قلوبهم إن احتضنا يدقان بنبضة واحده!

لمست انامل هشام ظهر ميان العارى، وطوقت عنقه منتشية بلذة انتصار فتجاوب معها راقصا على ألحان الاغنية، فدندنت له
- انا كده فرحتى كملت، بنجاحى وبيك..
ابعدها عنه ورفع ذراعها يدورها امامه ثم ارجعها لحضنه مرة اخرى وغمغم
- طيب كويس...
- هو ايه اللى كويس!
رفع انظاره باحثا عن قمره فلم يجدها فى اى مكان، فرد على ميان قائلا
- متاخديش فى بالك...

سحبت كفها من يده لتعانقه بكلتا يديها وتقترب منه اكثر، وغير جهته باحثا عن فجر فمبجرد ما ألتقمتها عيناه ضم ميان بمعصميه وتعمد دفن انفاسه فى عنقها فانتشت لقربه ولكنها لم تعلم أن دنوءه منها لغاية ما، فهمس فى آذنها بجملة كان تاثيرها كالصاعقة
- متحاوليش تاخدى مكانها، لانك هتفشلى...
ثم بعدها عن حضنه ورفع كفها لمستوى ثغره وطبع قُبلة خبيثه وتركها تحت تاثير صدمتها وغادر مستمعا لصوت قلبه وهو ينشد قائلا:.

أتمنى أن تظلي عالقةً بي ولا تُنسيك الأيام بهجة قلبي معك حتى وان قسوت وألا تُمحي الطرقات صوت أملي فيكِ أن تبقي عالقةً بي حتى وان انكرت ذلك كما لو أن هذا المكان مكانكِ الوحيد..
تجاهل تام تسلح به الاثنين معًا، كل منهما يحاول اثبات عكس دواخله للاخر معاتبين انفسهم عن كارثة الإفراط، الإفراط في الأمل، في الحب، في التوقعات، في الإنتظار، في كل شيء..

كانت نظراتها خاطفه وكانت نظراته ثابت كليزر بندقيه قنص، كانت ضحكاتها متلألأه كانها راق لها الغياب ولم يمر عليها سواد الليل المحمل بندوب ذكراه، كان يحرق تجاهلها بسجائره التى فرغ آخر واحده منها فى يده..
‏باتت ملامحها، أجمل مكان تتنزهُ فيه النظرات، ويمرح له القلب، وتنتشي به الروح، ولكنه لازال رافضا فكرة الاعتراف بحبها وانها مجرد شبح بشري يسكنه او لصا يسرقه منه إليها..

وقفت بحماس يتقاذف من عينيها على طرف خشبة المسرح ؛ تنصت لحديث يونس المفعم بمدحها ومدح جمالها وما كانت كلماته سوى لهب محرق يتقاذف على راس هشام، حتى توقف على آخر جملة وقال بحب
- طبعا أنتو عارفين أن الانسه فجر محضرة مفاجاة للحفله، بس أنا كمان محضر لها مفاجأة وحابب اقولها قدامكم كلكم، فجر..

انخطفت ملامحها وارتعد قلبها خائفه من تحول شكوكها ناحية نظرات يونس ليقين ولكنه ضحك فى المايك ممازحا واقترب منها وقال
- متتخضيش كده، مالك!.
فاحتضن كفها ووجه حديثه للعامه واخرج خاتمها من جيبه وقال
- انا بطلب ايد الانسة فجر قدامكم كلكم وحابب اخد منها الموافقه دلوقتى وتبقي حفلة خطوبتنا والافتتاح فى وقت واحد، ها يا فجر إيه رايك...




غادة السمان ل غسان كنفاني
أعلمُ أنّك تفتقدني لكنك لا تبحَث عنّي
، وأنّك تحبني ولا تخبرني، وستظل كما أنت، صمتُك يَقتلني
يردّ غسان
ولكنني متأكد من شيء واحد على الأقل هو قيمتكِ عندي
كل ما بداخلي يندفعُ لكِ، لكنّ مظهري ثابت.

- طبعا أنتو عارفين أن الانسه فجر محضرة مفاجاة للحفله، بس أنا كمان محضر لها مفاجأة وحابب اقولها قدامكم كلكم، فجر!
انخطفت ملامحه وارتعد قلبها خائفه من تحول شكوكها ناحية نظرات يونس ليقين ولكنه ضحك فى المايك ممازحا واقترب منها وقال
- متتخضيش كده، مالك!.
فاحتضن كفها ووجهه حديثه للعامه واخرج خاتما من جيبه وقال.

- انا بطلب ايد الانسة فجر قدامكم كلكم وحابب اخد منها الموافقه دلوقتى وتبقي حفلة خطوبتنا والافتتاح فى وقت واحد، ها يا فجر إيه رايك؟!
كانت جُملة يونس اشبه بقنبلة موقوته تفجرت على مسامع الحاضرين تابعته بشهقات متتاليه، وعيون بارزه حد الانخلاع وكل منهما يتهامس مع الاخر بدندنات سريعة ولكنها مسموعه.

( هى وهشام اطلقوا؟!)، ( ازاى يخطب واحده متجوزه؟! )، ( مين ده؟! ) وغيرهم وما شابه من الاسئله التى تفتقر أجوبه ؛ لاحظ يونس الفوضي المبالغ فيها حوله ولكنه تعمد تجاهلها وصوب انظاره الى فجر متنظرا ردها...
سقطت السيجارة من يد هشام وتوهجت نيران الغيره والغضب من كل إنش بجسده ؛ فخطت اقدامه خطوة وهو يسب فى نفسه
- ايه التهريج ده؟!

كان كف مجدى له حاجزا على صدره ليثبط افعاله الجنونيه التى يتنوى اقترافها، فترجاه قائلا
- بلاش تحرجها وتبوظ الحفله وسيبها تتصرف..
اكتظم غيظه وتقاذف الجمر من حلقه
- تتصرف ايه! أنت مش شايف العك والاستهبال، دى آكيد تمثلية من الست هانم...

وقف مجدى أمامه كالحصن المنيع بعدما ما تفقدت عيونه اوجه الضيوف وقال بحذر
- العيون كلها عليك، اهدى وبلاش غضبك يسوق حكمتك، وزى ما قولت حتى ولو تمثليه بلاش توصلها النتيجه المنتظرة..
دب اصابعه فى جيب مجدى وأخرج عُلبة السجائر خاصته وسكب محتواها فسقطت فى بؤرة كفه اثنين فاشعلهما معًا، ورسخ مكانه كالصخره لم يتحرك فيه سوى قدمه التى حفرت الارض إثر حركتها الدائريه بكعب حذائه...

حلقة منعقدة من الصحافة والاعلام التفت حول المهندس يونس مدير التسويق والاعلانات الموكل بادارة حسابات فجر الالكترونيه، ثم خطفت أحد المراسلات الانظار بسؤالها
- فجر، هو صحيح أنت والمقدم هشام انفصلتو..
دلو مياه مثلج انسكب فوق رأسها فطالعته بحب يحوى قلبها وعيون مستغيثه تعمد تجاهلها خلف سُحب الغضب المندلعه من انفه وفمه فكلما تظاهر بهجرها يأتى قلبه إليها مهاجرا..

وقف الحضور منتظرين رد فجر على سؤال الصحفيه، ووقف يونس حائرا محاولا استماع ما قُذف على آذانه، فغمغم متجاهلا
- الكلام ده صح؟!

ارتعشت عيونها وشفتيها وهى تناديه بسيال العجز، فلا تريد أن تصرح بعلاقة دُفنت باعماقه ولا تود انتسابها له قهرا، كانت تنظر منه ردا يحسم الوضع ولكنه خذلها كعادته وولى ظهره الجهة الاخرى متظاهرا باجراء مكالمه تليفونيه فلا يوجد سبيل لانتصار الرجل ع امراة سوى الفرار منها..
التقت اعين فجر بسعاد التى أومات لها ايجابا بأن تنطق، فاخذت نفسا طويلا وهى وقالت بتردد.

- يونس سورى، بس أنت كان لازم تقول لى حاجه زى دى الاول...
ثم اطرقت انظارها بخجل وواصلت قائله
- البيشمهندس يونس من أكتر الناس اللى وقفوا جمبى ووصلونى للمكان دى، ويمكن متعرفناش على بعض كويس بس أنا فخورة جدا بوجود شخصيه جميله زيك فى حياتى..
قفل عُلبة الخاتم وطأطأ متفهما محاولا اخفاء احراجه، فأعطاها الميكرفون وتقهقر معتذرا.

- شكلى فعلا اتسرعت زى ما بتقولى، أنا اسف، وده ما يمنعش اننا صحاب وانى فى ضهرك دايما..
اقتطم هشام شفته السفليه إثر كتم غيظه ألقى السيجارة تحت قدمه وأعلن الحرب مترنحا
- ما بدهاش بقي...
مجدى مناديا: يا هشام، خد هنا ماتبوظش الدنيا يخربيتك!
انعقدت حلقه من الصحفيين والمراسلين حول فجر التى اعتصروها بالاسئله عن هشام وابتعاده عنها فالحفل، فسألها الصحفى قائلا.

- ممكن توضحى لمتابعينك اسباب انفصالك عن المقدم هشام السيوفى؟!
هزت رأسها نافيا
- انا وهشام منفصلناش؟!
آخرى و:
- طيب حضرتك تفسري بأيه سبب اختفائه معاكى في صورك عالسوشيال..
انصتت لصخب قلبها وكبحت جريان دموعها
- لا بس هشام مالهوش فى جو الميديا وكده..
آخر اشعل هشام بسؤاله
- ايه تفسيرك على اللى حصل من البيشمندس يونس وازاى ما يعرفش خبر إنك متجوزه؟!
هزت كتفيها لامباليه حيث اوشكت على الاختناق من حدة اسئلتهم.

- العلاقات فالشغل مالهاش دخل بعلاقاتنا الخاصه...
آخرى و:
- بس تصرف البيشمهندس بيأكد الخلافات اللى ما بينك انت والمقدم هشام والدليل إنك مش لابسه محبس جوازكم؟!
تلألأت عيونها بضعفٍ وألتقت عيونها بعيونه الصقريه التى تقف بقربها، فأجابت للتنكيل به
- معنديش رد...
- اخر سؤال تحبى تردى تقولى إيه على اشاعات انفصالك من سيادة المقدم؟!

شردت للحظات وهى تفكر انتهي الكلام بيني وبينك و تقطعت سبل الوصال و افترقنا و عدنا غرباء هل يحق لى أن استرجعك ولو كذبًا؟!
كان يتنظر ردها بشغف ويقاوم شهوته الممتلئه بها، تفقدته حائرة خائفه، مضطربة، حيث استقوت وقالت بتحدٍ
- اهو عندكم، تقدروا تسألوه أنتو...
فى لمح البصر تفككت الدائره من حولها وانعقدت حول هشام الذي وقف مصدومًا غير مستعدا لاى لقاء، فوجهت المراسله سؤال بصورة فلسفيه.

- هناك حب خُلق للبقاء وهناك حب خلق لكى لا يبقي منه شيء، ياترى حبك لفجر اى نوع؟!
اقتربت سعاد من فجر وبات الاثنين يراقبا هشام الذي فقد قدرته على الحديث ولكّت الحروف بفمه ؛ هل يبوح بخبايا قلبه ويتعرى أمامها ام يُنفى انتماءها له بصورة نهائيه، صمت طويلا حتى غير الاخر لهجة السؤال وقال
- ترد تقول ايه على اشاعه انفصالكم...؟!
نظر فى عينيها حائرا فاستدل، وسلك طريقه إليه ومد لها كفه مبتسما وقال بشياكة.

- انا مش هرد، انا هخطفها منكم واقولها ؛ تسمحيلى بالرقصة دى؟!
ثم دنا منها بضعة خطوات ولازال محافظا على ابتسامته والتقت اعينيهم للحظه فتتدخل القلب حينها وافسح مكانا له بعيدا عن جبروت العقل وكأن فرصته قد سنحت، لوهلة تناست اهانته بمجرد ما رمقها بلمعة حب فغمغم شوق قلبها وقال لعينيه سامحتُ هذا الزمانَ بعد ما كانت عليه طويلَة العَتَبْ..

وهو ايضا لم يُرحم من جلد قلبه الذى تعمد دفنه لايام واقنعه متحججًا ( تلك عدة دقائق لتجاوز الموقف لا أكثر )..
حركتها سعاد وهى تضربها بخبث فى كتفها فأمتد كفها المرتعش ليلامس كفه المتقدم لها فجذبها إليه وانصب فى حلقهم مذاق القُرب الذي لا يفرق كثيرا عن مذاق غزل البنات عندما يداعب حلقها..
ألتف ذراعه حول خصرها بعد ما احتضن كفها وشرعا بالتمايل على ألحان الاغنية تحت عيون تحاصرهم كالنيازك تحرق وتحترق...

استند مجدى على جذع شجرة وحك ذقنه متفهما
- مكنش هيهداله بال غير لما يعمل كده، فالح بس يعمل فيها الجبل اللى مبيهزهوش ريح على مجدى...
فاقتربت منه رهف غير مقتنعه
- هو ايه اللى بيحصل؟!
مجدى بتركيز
- اهو ادينا بنتفرج وبنتعلم؟!
تتوق شظايا الغيره رأس ميان التى اطلقت جشأة مكبوتة وهى تتجرع كأس النبيذ دفعة واحده وتقول متوعده بدخان سيجارتها
- طيب ياهشام انت والسنكوحه بتاعتك دى...

فاقتربت منها سعاد بابتسامة انتصار وقالت بخبث
- ايه ياحبيبتى الحريقه اللى انت قاعده فيها دى! قومى قومى ابوكى كان بيدور عليكى، عشان النفس بس وكمان العين وحشه اوى..
رمقتها ميان من أعلى لاسفل بسخط ثم تركت الكأس بقوة وانسحبت بسكوت، فقهقهت سعاد بشماته وقالت
- لعبتك اتقلبت عليكى، اشربي بقي!
تجوب عايده مرحبه بالضيوف محاوله اخفاء مخاوفها من افعال هشام الجنونيه ثم اقتربت من بسمه
- ماشوفتيش زياد؟!

رمقته بسخريه وقالت
- ولو شوفته هعمل نفسي معرفهوش..
لاحت عايده بكفها متأففه: يوووه أنت كمان..
فوق ساحة الرقص التى تتدللت عليها ميان منذ دقائق باتت تحتضن قلبين التهبا من شدة عشقهما وتمردهم، امتزج عطرهم سويا حتى لفح بريحتها كمن لُفح بعطور الجنة فتدللت تحت يده وكسرت حاجز الصمت قائله
- مكنتش مجبر أنك تعمل كده على فكرة؟! ولا أنت حابب تعمل كده؟!
أومأ بهزة متثاقله وعيون ثابته تلتهب قرصي عيونها وقال.

- ولا أنتى كمان كنتى مُجبرة تقصي شعرك؟! فاكرة إنك كده هتتخلصي منى بسهولة؟!
ثم دنا بانفاسه منها وقال واثقا
- تؤؤؤ، تبقي عبيطة...
قطمت شفتها باغتياظٍ لم يدم طويلا وسرعان ما تفوهت بابتسامه مزيفه
- العبيط اللى بجد هو اللى بيخترع أوهام من دماغه وووو ياحرام بيصدقها...
ثم تمايلت بدلالا لتدنو منه اكثر واضعه مرفقها على كتفه وقالت بخبث.

- لو الموضوع زى ماانت مفكر، كان زمانى ماسكة نفس المقص وبشيل أثر كل حته فيا أختمت بحبك...
نظر فى عينيها بوقار ثم قال بفظاظه
- شوفتى بقي مين فينا اللى عايش على وهم التانى؟! انت لسه عندك أمل إنى ارجعلك؟! بتحلمى..

ثم رخى قبضته عليها ودورها كسندريلا تحت انظاره فباتت كفراشه عنيده رفضت جميع البساتين وأقامت فوق عرشه خصيصًا، فجذبها إليه عنوة حتى ارتطمت بسياج صدره وتفقدت الحاضرين سريعا وعادت عيونها ترسو فوق اهدابه واجابت بجبروت حواء تأبى الهزيمه
- منا سبق وحلمت بنفس الرقصة دى، واهى اتحققت ؛ يبقي مفيش حاجه بعيده بعد كده..
ثم طوقت عنقه بكلا يديها حتى باتت المسافه بينهم لا تُذكر وتمتمت بغرور.

- بس ياترى ساعتها لما نفس الموج يجيبك على بابى هوافق ولا أرفض؟! أنت ايه رايك؟!
تركت النار تتغلل فى عظامه فطوقت عيناه بلهب الغضب والفرعنه فاعتصر خصرها بقبضته القويه وقال ليطفىء ناره
- أنت ليه مش عاوزه تخرجى من وهم إنك كنتى مجرد ليله ومزاج وبس، ليه مستهونه بذكائى للدرجه دى؟!

باتت طريده ذاكرة وقلب لم تكف عن الهرب منهما، فرفعت انظارها معاتبه فاستقبلتها اعينه معتذره عن جفاءه، فاخذت نفسا طويلا لتستعيد كرامتها وضغطت على مشط قدمه بقوة وقالت
- كل ما زاد ايمان الراجل بذكائه، سهل جدا على الست انها تخدعه..

ثم فكت انعقاد كفيها من حول رقبته ودفعته بكل قوتها التى لم تهزه قط، بات الفاصل بينهما مسافة ذراعيها ثم استدارت وتركته ورحلت مبتسمه بعد ما لملمت بقايا كرامتها من مخالب رجل يهوى الانا ويتنفس السيطرة، وصدح صوت كبريائها قائلا
-احيانا الحب مش بيخلينا الاجمل ده ساعات بيخلينا الاقبح للدرجه اللى نلعن فيها الحب وذله واللى بيحبوا كمان...

قررت ايلامه بسلاح التجاهل وتركته واقفا بمفرده تحت انظار الجميع فأغمض عينه مستقويا فالضعف ثمة بريئه منه، رجل مثله كالزواحف يتخلص من جلده وماضيه وهزائمه الشحيحه بدون عناء، فعاد الى مجدى مبتسما وسأله
- ايه أنت عجبك الحال هنا، مش يلاا..
- ماانت رقصت وحضنت واتكيفت..! يبقي يلاه.
حدجه هشام بعيونه الحادة: لم نفسك...
ثم زفر مختنقا محاولا المحافظه على هيبته وسأله بغرور.

- مجدى، هو أنا لو عاملت فجر كده، ابقي بظلمها؟!
تفقدتها أعين مجدى فكانت كأميرة أتت لعالمهم عن طريق الخطأ، ضحكتها لم تفارق ثغرها، جمالها فائق حد انخضاع اعظم الرجال لنيل رضاها، لاحظ تجاهلها التام لهشام حتى بد وجوده وغيابه سواء، فاردف بفطنه
- تعامل مين ياعم انت، لو مش واخد بالك البت هى اللى مش عاطياك وش، انت هببت لها ايه؟!
كور هشام قبضة يده مكتاظا واوشك على ضرب مجدى الذي هتف متوسلا وممازحا.

- عيب لما برستيج ابن عمك يتمرمط كده قدام امة لا اله الا الله، نتكلم جد...
حاول هشام تمالك اعصابه مزفرا
- مش عاوز اسمع صوتك...
- جربنى...
هشام بحزم: قولت اخرس..
لكزه مجدى: هتندم..
تجاهله هشام: والله ماانت نافع...
فهمس له مجدى من خلف فكيه المنطبقين وهو يخرج له منديلا
- طيب امسح جزمتك عشان محدش ياخد باله من اللى فجر عملته ويبقي شكلك مش لطيف..

فتذكر لحظة تأوهه عندما ضغط على اصابعة فاستدار بنيران غضبه كنظرة الاسد عندما ينتوى افتراس ضحاياه، فحاول مجدى كتم ضحكاته وتمتم قائلا
- عيب ياسيوفى المفروض تفرح إنى تربيتك وباخد بالى من الحاجات دى، المهم طلعت انفع ولا...
تأفف هشام مختنقا وهى يزيح كوعه من فوق كتفه
- هسيبك وامشي..
تجاهل مجدى جملته، واستند بكوعه فوق كتف هشام وسأله
- المهم، أنت عطيتها فرصه تحكيلك هى عملت كده ليه؟!
سكتت للحظة ثم اردف.

- ماهى لو عندها مبررات كانت حكت..
- يا هشام، سؤالى واضح أنت عطيتها فرصة تحكى؟!
بحزم:
- مش عاوز اسمع منها حاجه، اللى بيكذب مره يا مجدى بيكذب عشرة..
هندم مجدى جاكت بدلته بفظاظة
- تبقي ظالمها..
تعجب هشام من جملتها بذهولٍ
- ابقى ظالمها؟! كمان، أنت جرى لعقلك حاجه يامجدى..!
ارتدى مجدى رداء الفطنه والحكمه وواصل كلامه قائلا.

- وظالم نفسك كمان، عارف أكبر ظلم يظلمه الانسان لنفسه انه حاسس بالحب وشايفه فى عيون الطرف التانى اللى حرك قلبه من وسط جيش البنات دى كلها ولسه بيتجاهله، هل أنت ضامن تقابل واحده تحرك فيك كل المشاعر دى؟!
وقعت انظاره عليها وعلى ضحكتها الاشبه بشمس الربيع شاردا فلا يوجد امراة بعدها قادرة على انتشاله من القاع وبالرغم من ذلك ما يحرض اسهم غضبه نحوها سوى خيبته التى كانت سببها ف تسلح بالتمرد وكابر.

- مش مناسبه لى،
- لو فضلت تستنى المناسب هتستنى كتير، ده أن جالك، الحياه فرص ؛ اغتنمها وأطلع أشطر منها، كتر التذاكى ف الاختيار هيخليك تخسر اكتر واحده تحبك وهتسلم نفسك للى تخدعك...
أصابه حديث مجدى فى منتصف قلبه واحس برجعة الهزيمة أمام قلبه الذي يحاربه دوما، فجهر بمعارضه
- بقولك ايه أنت هتعمل لى فيها اسامه منير! هات سيجارة عشان انا اتخنقت...
مجدى بخبث
- مش كنت ماشي؟!
عانده قائلا.

- وغيرت رايي لما يغور اللى مايتسمى يونس ده الاول، نقطنا بسكاتك بقي...
على الجانب الآخر تقف ميان متواريه خلف جدار مع يونس الذي انفجر غاضبا بوجهها
- انت ازاى ماتقوليليش انها متجوزه..!
ميان بضيق
- وكان هيفرق معاك يعنى؟!
جهر يونس بتهكم
- عاجبك الكسفه دى يعنى...؟!
اكتسحت اعين ميان المكان امامه بحرصٍ، ثم تابعت قائله
- المهم عاوزاك تبقي زى ضلها، فاهمنى..
تسرب الخوف لقلب يونس.

- ميان، جوزها شكله مش سهل، ولو عدا لى اول مرة هيفرمنى فالتانيه..
فاجابته بثقه
- لا لا اطمن، وسيبها عليا، روح بس أعمل اللى بقولك عليه...
تراجعت ميان متخفيه وعادت الى الحفله ثم لحق بها يونس مرغما، فظهرت رأس سعاد التى كانت تنصت لحديثهم باهتمام وهى تلعنهم جهرا
- ياولاد ال**** بقي الحوار كده؟! طيب صبركم عليا، انا اللى هقفلكم...

خارج الفيلا صف زياد سيارة نانسي مرفوعة الغطاء فصرخت فارحه
- قولتلك هنلحق يعنى هنلحق..
هقفز زياد من السياره ثم تحرك ليفتح لها الباب وقال
- طيب بذمتك حد يسيب السخنه ويجى للنكد هنا..
تعلقت ناانسي بذراعه وضحكت بميوعه
- يابنى خليك ناصح واستغل كل الفرص...
فلمح زياد سيارة بسمه تصف أمام الفيلا ثم سيارة سامر الذي دلف منها بصحبة أخته ساره، فابتعد عن نانسي قائلا.

- طيب بصي اعملى نفسك متعرفينيش فالحفله دى، عشان شكل الدم هيكون للركب..
لم يلحظ سامر، زياد ودخل من البوابه منسجما فى حواره مع اخته المولعه بالفساتين والموضة، وانهت حوارها قائله
- سامر، هو هشام هنا؟!
فكر سامر حتى اردف مستنتجا
- هشام مالهوش فى الجو ده..
انكمشت ملامح سارة بضيق ثم اردفت بزهد
- ياخساره...!
رمقها اخيها متعجبا فغيرت مجرى الحديث سريعا
- هاا هتعرفنى على بسمه، مش كده..؟!
ضحك بفرحة ثم قال.

- وهطلب ايد بسمه من خالتها كمان...
- الله؟! كده هنبقي نسايب، ربنا يتمم لك على خير يا حبيبي...

ركضت سعاد متلهفه نحو فجر ووقفت امامها متخذه انفاسها بصعوبة
- فجر، فجر عاوزاكى..
انعقد جبين فجر متعجبه
- مال حضرتك فى ايه؟! وبتنهدى كده ليه..
سحبتها سعاد خلفها مرغمه
- تعالى بس وانا هفهمك...
سارت خلفها بتجاهل تام عن حقيقة ما ستخبرها به وعلى حدا اقتربت ميان من هشام وبيدها كأسين من النبيذ وقدمت له واحدا، فاعتذر هشام بشياكة وقال
- ما بشربش...
تظاهرت ميان بالامتعاض وامتدت شفتيها لاغراءه.

- ولا أنا كمان بشرب، بس النهار ده استثناء ده بارتى وكلنا هنفرح..
تدخل مجدى الذي يتابع الحديث باهتمام
- وهو قدام ربنا هنقول له دى كانت بارتى؟!
سخرت منه ميان متأففه ثم تجاهلت جملته ووجهت كلامها لهشام واطرقت اسفه
- سورى يا هشام بس أنت فهمتنى غلط، أنا مش زى ماانت مفكر...
تحمحم بثبات ثم رد عليها
- أحنا هنا مش عشان نحكم على بعض ولا أنت تفرقي معايا اصلا...
ثم غمغم لتصحيح مقصد جملته.

- قصدى يعنى أنت حرة، وانا كمان حر...
تعمدت اسقاط الكأسان من يدها بعيدا ثم عادت اليه وشرعت فى مداعبة سترته بدلال
- تسمح لى اقف معاك؟!
- بصفتك!
ضربته على كتفه جازعه من بروده، هاتفه
- الله ما تخف رخامه بقي، طيب بالعند فيك هقف معاك، ولا أنت من الرجاله اللى بتخاف من مراتاتها؟!
انصت تلك المرة لصوت قلبها وتعمد جلدها بطرقه الخاصه متناسيا وجود مجدى وقال.

- انا بحب وبحترم مراتى، ومش معنى كده إنى بخاف منها ياميان، ولو بخاف من حاجه فأنا بخاف على زعلها وبس..
ألجمت بماس كهربى من شده جملته التى قضت على بقايا آمالها ومع ذلك زادها شعورا بالتحدى وقالت له متغزله
- ممكن تقول لى ألقى نسخه هشام السيوفى فين..؟!
اجابها بتفاخر:
- متدوريش، عشان المصنع منزلش منه غير قطعه واحده..
غمغمت متحديه بهمس شفايفها ولكنه كان بارعا فى ترجمة الشفاه وهى تتمتم
- تبقي تلزمنى...

على الناحيه الاخرى تضرب فجر الارض بساقيها رافضه رفضا قاطعا لكلام سعاد
- تشبع بيه، انا مش هعمل كده..
جحظت مقلتيى سعاد محذرة
- فجر لو بينك وبين هشام مصانع الحداد، ده بينك وبينه لكن تخلى السحليه دى تاخده منك، لا فوقي ده جوزك وحلالك وحقك يا خايبه...
اغرورقت عيونها بدموع العجز
- بس أنا مش هعرف أعمل كده...
نهرتها سعاد بنبرة حاده
- انت مش هتعملى غير كده، يلا قدامى ؛ خيابة بنات مش عاوزه، فاهمه، يلا اتحركى..

على الناحية الاخرى تقف بسمه وسامر يتبادلا السلامات وشرع فى تغزله وابداء رأيه بفستانها وجمالها فانضمت لهم سارة ثم رهف فتعالى صوت ضحكاتهم سويا
دخل زياد الحفل فلم يلحظ بسمه حتى الان فوقف بجوار أمه مجيبا على ماسورة الاسئله التى انفجرت فى وجهه ثم هرب قائلا
- طيب انا هدور على إتش اصالحه بما إنه هنا يعنى...

تردد صوتها العذب الميكرفون وخجلها الذي اكتسي ملامحها وانتفاضة صوتها وهى ترحب بالحاضرين، فألقت نظرة خاطفه على عيون هشام الثابته عليها لتستمد منه قوتها، فاعتصرت باناملها المايك وقالت
- المفاجأة إنى أنا اللى هقدم اغنية افتتاح المشروع بعد إلحاح كبير من زمايلى بكده...
ثم نزلت درجة على السلم واختطفت نظرة على ملامح هشام المذهوله، وواصلت بثقه.

- لكن أنا قررت اغير الاغنيه، واهدى اغنية تانيه لجوزى وحبيبي البطل سياده المقدم هشام السيوفى احتفالا بإنجازاته الفترة الاخيره...

لازال رباط عينهم بينهما مُتصلًا، ظلت النظرات مشحونه بمعانٍ لم يفهمها سواهم تارة بالعتب وتارة بالشوق وتارة آخرى بالخديعه ظلت النظرات حائره هل تركها ام تركته! هل لازالت حبال الحب بينهم متصله ام بُترت، ولكنها حسمت الامر بابتسامه نافضة اوهامهم المختلقه بينهما فلم تعد التفاصيل مهمة لقد تجاوزت الامر مؤقتا حد انتهاء الحفل، فعلى باغتنامه لأودعه وداعى الاخير...

اخذت نفسًا طويلا هى تستعد للغناء مقتربه منه بخطواتها المدتلله فشعر بطرقات حذائها فوق صدره واقفا مكبلا اليدين ومنعقد اللسان، فغردت بصوتها العذب الذي جن عقله حد تساؤله لنفسه: كيف فاته كل هذا السحر معها؟!
- احنا ملناش الا بعض، بوعدك م الليلة وعد، مش هعيش من غير هواك، ياللي دنيتي معاك، اتغيرت فرقت كتير...

فرت دمعه من طرف عينيها وهى تحتضن يده وتدور حوله كالفراشه الجميله، ثم كررت المقطع مرة آخرى وهى تتمايل على ألحان الاغنيه أمام انظاره التى تريد احتضانها للابد...
كان كل حرف خارجا من أعماق قلبها فلم يصب من كيانه سوى قلبه الذي خدر ذاكرته مؤقتا مستمتعا بتلك اللحظه فاحيانا ما تمنحنا الحياه الفرصة التى نشعر فيها بالحياه..

أمتد كفها على خده وواصلت غناءها بنبره هادئه ولكنها كافيه باشعال قلبه لها، فكانت تترجاه ميمتة بالغناء لعله يرقق قلبه
- العيون دي حنينين طول ما هما قريبين، فرحتي بتملى المكان، ببقى حاسس بالأمان، لأ بقى الموضوع كبير..

انسجم معها بفرح وفخر يود أن يعلنه للعالم كله بأنه له ومنه فقط، رفع كفها ودورها أمامه متجاهلا العيون الحاسده والساخطه عليهما ثم ضمها بحب من خصرها فواصلت الغناء لعيناه فقط فانخفضت نبره صوتها حد لا يسمعه سواه
-جتلي منين هموت و أعرف، اكيد انت من الجنة، عايزلي سنين عشان أوصف حلاوة اللي حصل بينّا..
سحب سامر بسمة وشرع فى التراقص معها على الكلمات والالحان وعلى حدا لكز مجدى رهف متمتما
- ما تتعلمى..!

فلكزته باغتياظ
- أتلم...
ثم رفعت فجر رأسها عنه و صرخ صوت قلبها وتابعت الغناء لتُسمع الجميع واكملت الكلام لعيناه تارة ولقلبه طويلا وتركت اناملها تتدلل على ملامحه ومنكبيه بشوق
-خد هنا قرّب أوام، من سكات من غير كلام، سيب قمرنا يدلنا ع الطريق ويقولنا، نمشي فين ونعمل ايه، انت كل اللي عليك، م النهارده تسيب ايديك، بعدي عنك برفضه، والملايكة بيشهدوا، ع اللي روحي حاسة بيه...

ثم عادت لمكانها داخل حضنه وذراعه الملتف على خصرها وترنم صوتها
- جتلي منين هموت و أعرف، اكيد انت من الجنة، عايزلي سنين عشان أوصف حلاوة اللي حصل بينّا..
ثم انسحبت من حضنه بخفة كأنها لم تكن منذ لحظات ولكنها تركت بصماتها على كل جزء به وركضت سريعا امامه مما اثار فضول الاغلبية وتركت المايك فى مكانه والتف الجميع حول هشام ليواصلو الاحتفال به وفى لمح البصر اختفت فجر عن الانظار...

هجم زياد على ظهر سامر من الخلف وضربه بلكمة قوة مباغته جعلته يتقهقر للوراء، فصرخت بسمه
- أنت اتجننت؟! اى الهبل ده..
ثم رجها مغتاظا صارخا بوجهها
- أنت لسه حسابك مجاش..
فدفعته صارخه مما اثار انتباه الجميع
- ومش هيجى يازياد...
ثم اقتربت من سامر ملتهفه
- انت كويس؟!
فأوشك أن يهجم زياد عليه ولكن تلك المرة أفشل مخططه هشام صارخا
- انت بتعمل ايه..؟!
صرخ زياد فى وجهه.

- عاجبك اللى بيعمله صاحبك ده، شغال يتمايص مع مراتى واسكت!
فوقفت بسمه امامه معارضه
- انت باى حق تنطق تقول الكلمه دى؟! انت تخرس خالص..
فتطاولت يده التى افلتها من قبضة يد هشام وصفعتها بقوة
- لا فوقى، واعرفى إنتى مراة مين ياهانم...
صرخ هشام باسم مجدى
- خده بره..
تدخلت عايده بذهول
- فى ايه هنا..

رمقتها بسمة المتألمه باختناق ثم أخذت حقيبتها وغادرت فلحت بها رهف بسرعة، وفى نفس اللحظه تابعها سامر واخته وتركا المكان تنفيذا لامر عايده
- مش عاوزه فضايح ارجوكو...
انفكت الدائره المنعقده فلم تبق بداخلها إلا عايده وهشام الذي رمقها معاتبا
- نتيجة تربيتك يا عايده هانم..

ثم غادر هو ايضا ولكن فضول قلبه أخذه ليبحث عنها كالمجنون تمتد عيناه هنا وهناك حتى ارتطم بيونس لسوء حظه، فلم يكبح امتلاك مشاعره التى اندلعت بالنيران، فوقف امامه للحظة ثم زمجرت رياح غضبه قائلا
- انت لسه هنا؟!
- افندم...!
جز هشام على فكيه فلم يستطع تحمل كبح مشاعره اكثر، فكور كفه وبكل ما اوتى من غضب لكمه بقوة جعلته يتقهقر متألما
- تانى مرة ابقي اسال قبل ما تروح تتجوز ياحنين...
فأتى مجدى سريعا وسحبه من يده.

- هشام يلااا، كفايه كده...
فى المرحاض تسعل فجر بقوة وتعتصر بطنها بكفها وسال الكحل من عينيها وتصببت قطرات العرق من مسام وجها وهى تأخذ نفسها بصعوبه بالغه وما لبثت أن تستقوى وتقف على ساقها عادت مرة آخرى للمرحاض بمجرد ما يرد إليها القئ والغيثان، فدخلت سعاد بعد محاولات من البحث
- انت اختفيتى فين..؟!
ابتلعت باقى جملتها شاهقه وهى تركض نحوها متلهفه.

- مااالك، مالك ياحبيبتى، انت ليكى فترة مش عجبانى، شوفتى اخرة سهرك بالليل، اهو اخدك برد..
رفعت فجر عيونها المتعبة وهزت رأسها نافيه وهى تقول بصوت متقطع
- ماما..
زاحت سعاد شعرها عن وجهها بحب
- اهدى بس اهدى، قومى أخليهم يعملولك حاجه دافيه..
تشبثت بكفها لتتوقف وقالت
- انا حامل؟!
تجمدت الدماء فى عروقها من هول ما تلفظت به، فرجت رأسها غير متفهمه
-حامل؟!
اومأت ايجابا دامعه
- ااه، فى شهرين...

لكت الكلمات فى فم سعاد وقالت
- هشام؟! هشام عرف!
احتضنت فجر كفها باصرار
- ولا هيعرف، مستحيل أعرفه..
ثم ابتلعت غصة كلماته باكيه
- ده واحد كان واخدنى كام ليله مزاج، هشام مايستاهلش يكون أب له، ولا يستاهل يكون له ابن نتيجة غلطه...


 

تاااابع ◄