رواية لازلت أتنفسك الفصل الثالث
بالإسكندرية
انخرطت دمعة من طرف عينيها بصدمة
- ززززززززززين !...
هتفت شروق بتعجب:
_ ماله زين
أشارت لها لترى زين يقف ويده على يد فتاة شديدة الجمال
ابتلعت داليدا غصة بحلقها وهى تراه يضحك معها كطفل صغير لم يضحك مع هذه وهى لا، لم يتجول مع هذه وهى لا، ما ينقصها حتى يقترب منها يلثم وجنتها مثلها سقطت أرضا وهى تبكي ولا تعرف شروق بما تخفف عنها أتى طفلاً صغير من أطفال متلازمة الحب في السابعة من عمره يمسح على وجهها بحنان جعلها ترتعش من الصدمة مردفًا:
_ بتعيطي ليه ده أنتي حلوة أوي
صمتت ليمسك كفها مرددًا بطفولية:
_ هو أنتى اسمك ايه
ردت بهمس:
_ داليدا
ابتسم مهللًا:
_ على اسم فراشتي
_ أنت عندك فراشة.
_ أه أه بتدخل كل يوم الأوضة بتاعتي وسمعت اسم داليدا في التليفزيون حبيته سميتها بيه أنتي فراشتي التانية بس متعيطيش ماما قالتلي لما تلاقي حد بيعيط طبطب عليه وقوله ربنا جميل
مسحت أثار بكائها مغمغمة:
_ هى فين ماما يا حبيبي
_ عند ربنا أنا همشي بقا ومتعيطيش باي يا فراشة
_ اسمك ايه الاول
_ مروان يلا باي بابا بينادي
_ باي يا حبيبي
ابتسمت شروق وقالت بحنان:
_ قومى يا داليدا وسيبك من زين يا حبيبتي كفاية الطفل ده كأنه طبطب على قلبك الغلبان
ألمها قلبها وهى تراه على بعد يضحك معها وهى تغادر هاربة من رؤيته مع أنثى غيرها فى حياته.
فى شاطئها المفضل تقف تراقب الأمواج وهى تلاطم بعضها البعض وفى حضرة ما تشعر به غمغمت:
_ إسكندرية حلوة آه.. لكن بدونك زيها ..زي المداين كلها الحزن كان طبع الشوارع والبيوت الأمكنة والناس هناك وأنا مش هنا
محمد إبراهيم.
عبثت الأمواج بقدميها جعلتها تجلس منهكة تعبث بها بيديها أخذت تدلف بالماء أكثر تسبح بكل ما بها من قوة تشعر بالماء باردًا سيبرد على قلبها انهمرت دموعها الغريبة وهى تسبح بغزارة من أين تأتى كل هذه الدموع لماذا خلق الله العين بكل هذا الضعف لتكبي على كل شئ وكل مفقود لماذا خلق الإنسان له نصف آخر يبحث عنه قلبه طوال حياته موجة قاسية
أخذت تتذكر حديث زوج والدتها معدوم الضمير والإحساس
فلاش باك
أردف إسماعيل بصوت منخفض: مش موافقة ليه على العريس ؟
زفرت بضيق: ملكش دعوة ..
وقف ثم تحرك بقربها بخبث
- واللي يخلصك من الجواة دي ؟
- مش عاوزة حاجة منك .. أنا هعرف أخلص نفسي ..
قهقهة إسماعيل بسخرية
- بتحلمي ... أمك مش هتغير رأيها غير بكلمه منى .. وأنااااااا
صمت لبرهه وهو يتفتنها ثم أكمل قائلاً
- هخلصك من الجوازة دي .. بس بشرط .. قولتى إييه ؟!
همست بتساؤل:
_شرط إيه
اقترب منها أكثر جعل أنفاسه تلفح بعنقها الناعم مغمغمًا:
_ تنازل لطيف منك عن الشقة الحلوة دي ليا
جحظت عيناها وهى تنظر له بذهول مرددة:
_ تنازل
ابتسم ببرود وقال:
_ ويكون متوثق في الشهر العقاري.
دمعة هربت من جانب عينيها على ما تعانيه منه ومن بطشه من بطش العالم من قسوته غمغمت بألم:
_ حرام عليك أنت عايز مني إيه هو أنا مش زي عيالك بتضايقني ليه ده أنت المفروض تحميني من يوم ما اتجوزت أمى وأنت بكل الطرق بتضايق فيا بتبصلي وأنا مش قادرة أتكلم ولا أقول حاجة حرام عليك أنا ده أنت قد أبويا
رد بسخرية:
_ أبوكى إيه بس يا ديدا صلي على النبي في قلبك كدة وبعدين ببصلك من حلاوتك وأنتي زي القشطة تتاكل أكل ها قولتي إيه
شهقت بعنف من حديثه البذئ غادرت من أمامه وهى تشعر أنها فتات أنثى لطمتها الحياة مثل ما تلطم المياه الصخور تفتتها اللطمة الأولى فقدانها لأبيها اللطمة الثانية زواج أمها اللطمة الثالثة ظهور قذارة إسماعيل اللطمة الرابعة فقدان زين ولا تعلم إن كانت الأخيرة أم لا...
باك
لطمتها فى وجهها جعلتها ترتشف مياه البحر المالحة وتصاب بدوار حاد وآخر ما رأته هو شخص على الشاطئ يهتف بذعر:
_ غريق الحقونا غريق
إعادة حسابات
شهقة عنيفة صدرت منها وهى تعود للوعي وكل شئ مشوش حولها أشخاص كثيرون يقفون حولها أصدقائها حولها أيضًا استردت المياه التى ارتشفتها وهى بالبحر عدة مرات حتى تلونت عيناها بلون الدم وشروق تبكي جانبها همست بصوت مبحوح:
_ شروق هو فى إيه
هتفت بذعر:
_ داليدا أنتي كويسة حرام عليكي نزلتي البحر ليه وأنتي حاسه بتعب قلبي وجعني عليكي
ردت بتعب:
_ كنت محتاجة أنزل شوية هو إيه اللي عرّف التيم بتاعنا..؟! وكمان أنا رقبتي وجعلني أوي.
أجابت إحدى صديقاتها:
_ سمعنا الدوشة اللي حصلت قولنا نشوف فيه إيه طلعتى أنتي بصي على رقبتها كده يا شروق
نظرت إليها تتأكد من سلامتها لترى جرح بسيط برقبها أثر العقد الصغير المعلق بها يحتاج إلى تطهيره قالت بقلق:
_ ده جرح صغير فى رقبتك يا حبيبتى متخافيش هنطهره ونحط عليه شاش معقم وهتبقي بخير يلا نطلع
شكرًا أوي يا شباب تعبناكم معانا
غادرت مع صديقتها وغادرت الشمس معها معلنة حزنها الشديد على تلك الفتاة.
تجلس أعلى السرير وانشغل عقلها بكل شيء اليوم رأت الموت بعينيها هل تستحق منا الحياة كل هذا الحزن والتعب ..؟! هل يستحق أي إنسان أن نمنحه كل المشاعر التى بداخلنا ؟! الشئ الذي نحارب من أجله سيعادل ثمنه ما سنفقده فى الحرب ..؟!
هل هى قادرة على الوقوف أمام المولى عز وجل الآن وهى تبحث عن الموت فى كل مكان ..؟؛
ألف سؤال وسؤال سألته لنفسها أيقظها من كل هذا آذان صلاة الفجر
تحاملت لتصلي فرضها وتطلب من خالقها الرحمة والمغفرة لها على كل ذنب فعلته
ركعت خاشعة تشعر بالثقل الملقى على أَكتافها ينهار مع كل ركعة تركعها أنهت صلاتها وأبدلت ثيابها مغاردة الفندق بأكلمه لا تعرف إلى أين ستذهب ..؟!
يجلس فى بلكون منزله يرتشف مشروب النبيذ الأحمر اللاذع للمرة الثالثة فى حياته لا يرتشفه إلا عندما يود النسيان وياليت يكون النسيان موافق على هذا الأمر يجعله يترشف أولى كاساته ويذكره بكل شيء يؤلمه دقات متقطعة على الباب جعلته يخرج من ذكرياته
فتح الباب ليلتقي بعينيها على الفور منهكة شاحبه عنقها ملتف بالشاش والقطن باكية مرتعشة بها كل شيء همست بتعب:
_ زين أنا تعبانة
دلفت وأغلق الباب متسائلًا:
_ مالك يا داليدا وإيه جايبك إسكندرية نص الليل كده وإيه الشاش ده ؟!
ردت بصوت يغلبه البكاء:
_ تعبانة .. تعبانة من كل حاجة وأنا فى إسكندرية من الصبح رحلة تبع الكلية ورقابتى اتجرحت من العقد اللي كنت لبساه لما كنت بغرق فى البحر زين أنا تعبانة من غيرك خلينا ناخد فرصة أخيرة لو مرتاحتش خلاص مش هضايقك تانى والله بس متروحش لغيري أنا النار أكلت قلبي النهاردة وأنا شيفاك مع واحدة تانية غيرى بتضحك وتهزر معاها.
قطب حاجبيه وهو يقول:
_ كنتى عند القلعة النهاردة
_ أه وشوفتك بتضحك معاها كانت حلوة بس هى أحلى مني يا زين هتقدر تحتل مكانتي عندك مقدرتش استحمل مشيت نزلت البحر وسرحت والموجة خبطتني كنت هغرق زين تعالى نرجع وحياة أي حاجة حلوة بينا
رفع يده وهو يقول:
_بس اسكتى داليدا احنا خلاص مبقاش ينفع نكمل مع بعض أرجوكى متصعبيهاش على نفسك أوي كدة أنا مش مستحمل كلامك
أشار إلى رأسه وهو يغمغم:
_ فى صداع ودوشة كبيرة هنا مش هتيجي أنتي تزوديها اتفضلي ومتجيش هنا تاني متجيش إسكندرية أصلاً تاني إسكندرية متعبة للي زيك مش هتاخدي منها غير شوية هوا بريحة الذكريات كل ما تيجي تقفي على رجلك الريح بتاعتهم تيجي قوية توقعك
امشي يا داليدا امشي بقولك
غادرت مع ما تبقى من كرامتها المهدورة وقلبها يئن بضعف أنين مؤلم جدًا حد الموت
أحيانًا يدفعنا ضجيج القلب إلى مغارات مظلمة لم يتسلل بداخلها شعاع نور العقل، وتكون العاقبة هى الندم الذي تتمنى أن لو تمنح قلبك شهادة تعاقد مبكرة، وتترك زمام الأمر لعقلك فهو أنضج فهو أصدق فهو نادر أما يخطئ .
تجر فُتات قلبها خلفها، وتتسع أضلعها لكثرة ما تحمله من تصدعات بداخلها، تسير بين الطرقات بدون وعي كالمجنون الهارب من المشفى للتو، كل ما تقع عليه أنظارها فهو فراغ برغم من وجود المارة حذاها وهمزهما وغمزهما على حالتها، بعضهم ظن أنها مجنونة، وغيرهما توقع أنها ملأت جوفها من النبيذ حتى فقدت صوابها ..
جلست على الرصيف جانب الطريق، ليصوب نحوها الأنوار المنبعثة من السيارات التي تتسابق وتركض خلف بعضها، شعرت أن العالم من حولها يتحرك يلتف إلا هى راسخة مكانها حتى أوشك أن يلتف عليها قابضًا روحها ..
غريب ذلك الشعور بالحب، أرى أنه نوع أخطر من الجنون، هو القوة الكونيه التي جعلت قيس يتحرر من ملابسه هائما على وجهه في حرارة الصحراء القاتلة، جعل كليوبترا تضع يديها في جُحر ثعابين لأنها أيقنت أن لا حياة بدون من ملك زهو الحياة، ارتشاف (جاك) السُم بعد ما تركته من خطفت قلبه بنظرة !
وكثير من قصص الحب التى جُن لها العقل، ونفرتها الطبيعة .. أغلبنا يُقيم الحب من وجهة نظره أنه عبث ولهو متجاهلين شلالات المشاعر المتدفقه من تلك العضلة الضامرة التى تستوطن أقصى اليسار بإمكانها نشر رائحة مميزة بنكهة دافئة تحضن قلوب سكان العالم ..
تنهدت داليدا بصرخة قوية جعلت كل الموجودين بقربها يلتفتون إليها ظلت تتوسل إلى ربها
- أنا عارفة إني غلطت،، وأكبر غلطة إني سمحتله يدخل حياتى،، أنت العالم بقلبى يااااارب متسبنيش، ليه خلتنى أحبه الحب دا كله طالما مش هنكمل .. ليييييييييه الدنيا كلها متفقة إنها توجعنى أنا وبس ..
اقترب منها رجل اختلط به المشيب، يتكأ على عكازه لديه ظهر منحنى كأن الزمن إتكأ عليه فثناه ذلك المسكين .. قدم لها قنديلاً من الذرة المشوي وهو يجلس بجوارها
- اتفضلي يابنتي ..
نظرت إليه بعيون مُحمرة ووجه اغتسل من كثرة الدمع
- مش عاوزة ..
ابتسم العجوز بخفوت ثم أردف بحكمة
- كل واحد مننا جواه ركن مظُلم مسيطر على عقله ومفهمه إنه منور، وإنه دايمًا صح ودايمًا مابيغلطش والبني آدم غبي من غير مايحس بيصدقه ..
نظرت له باهتمام ثم أكمل العجوز حديثه ولم تفارق شفتيه ابتسامه أمل
- أبسط مثال انتي أهو، بتعاقبي معدتك على غلط ارتكبه قلبك أو عقلك، أنتي شايفة إن دا عدل !
ساد الصمت لبرهه حتى قطعته داليدا
- الدنيا مش حباني ياعم الحج ..
- طيب خدي كلي الأول .. واحكي .
أخذت ما بيده باستسلام ثم أرسلت له ابتسامة شكر
- ها احكي أنا سامعك ..
تفوهت بيأس شديد
- عادى .. مش هتفرق ..
أردف العجوز قائلاً
- البنت مابتنهارش كدة غير لما تفقد حاجتين، وفاة أبوها وأمها .. وحبيبها .. أنتي مين فيهم ؟
نظرت له كالغريق الذي يود أن يتعلق بعشبة النجاة
- أنا ! أنا الاتنين ياسيدنا ... أبويا سابنى زمان وسافر عشان كان بيدور على حلم ملقهوش هنا ومفكرش فيا،، آخر حاجة قالهالى أمك هتاخد بالها منك أكتر _جففت دمعتها بطرف كمها_ ثم أكملت.
كنت محتجاه هو .. غيابه خلاني أدور على الحب برة،، غيابه دمرني، نمت وصحيت لقيت راجل غريب مكانه نايم،، مش بشوف منه غير نظرات قذرة .. حتة عضمه مرميه قدام عيونه،، اضطريت أدور على حضن برة،، وياريتني استحملت صبار القدر عاندت وطاوعت قلبي لحد ماجنيت علقم مرر حياتى أكتر .. هو كمان سابني .. طب ليه كل حد بيقرب منى بيبعد هما بيعرفوا إني محتاجاهم أوي كدة ومقدرش استغنى عنهم فبيمشوا ! الناس بقوا وحشين اغوي،، حاسة مكاني مش بينهم، أنا ماينفعش أعيش في غابتهم كلها أسود شر ونمور طمع ونسور مابترحمش..
ربت العجوز صاحب عربة الذره المشوى على كتفها بحنو
- هقولك كلمه يابنتي تحطيها حلقة في ودنك ..
الناس عاملة زي الموج .. موج البحر بالظبط،، لو مشيتى معاهم هلكوكي،، ولو عاندتيهم هيغرقوكي .. وأنتى عملتي الاتنين ودي كانت النتيجة .
نظرت له بحيرة وألم
- وهو المفروض أعمل إيه ؟
- كلي الاول من الدرة عشان بردت واسمعي عمك جمعة هيقولك تعملي إيه ..
اقتطمت قنديلها عنوة عنها، أكمل الحج جمعة كلامه
- اسمعي من راجل عجوز الزمن مرحمهوش بس طلعت منها بدروس كتيرة ..
منهم اكتبى الناس اللي في حياتك على ورق وبصي عليهم كويس .. و اطلعي على كل حد فيهم وحطي حدود لوجوده في حياتك، وتعتبريهم بيوت قدامك .. شوفي مين فين محتاج ترميم، ومين فيهم محتاج إعادة بناء، ومين محتاج إزالة من حياتك .. ومين فيهم القصر اللي محتاجه تعلي عليه سقف قصرك .. المنافس ليكى اللي ياهتغلبيه ياهيغلبك .. وانطلقي متقفيش لسه هتشوفى،، أبوكى هيندم وأمك مسيرها تعرف غلطها وحبيبك مسيرة هيجى يترجاكى عشان تسامحيه بس، اعملى اللي أنا ملقتش حد يقولي أعمله بس علمته لولادي، انجحي وذاكري وحاربي هتلاقي كل اللي سابك تحت رجليكي...
حروف مبعثرة اتخذت شكل كلمات تمر على جدار القلب كخيط شمل كل أوجاعها انحصر في خُرم إبرة اخترق حافة قلبها ليخرج من الجهة الأخرى فيعد تماسك قلبها من جديد ككتلة واحدة بدل من تشتته ...
أكمل جمعة كلماته بطاقة إيجابية
- مش هوجع دماغك بحكايتي، بس أنا واثق إنك هتقومى دلوقتي وتتغيري، وتبدئي وتستقوي .. وهترجعيلي بعد كام سنة وتشتري مني درة كمان ..
ضحكة ظهرت على شفتيها كوردة نبتت من بين غابات حُرقت أشجارها بنيران وجع ليس له نهاية .
وثبت داليدا واقفة متحمسة
- متشكرة أوي ياعم جمعة، حقيقي متعرفش كلامك عمل فيا إيه،، كان نفسي أسمع حد يقولي كدة مكنش دا هيبقى حالي ..
وقف مقابلاً لها
- كلنا مشتتين محتاجين حد بس يحطنا على سلم البداية وبعدين هننطلق كلنا .. متقفيش يابنتي .. كملي .. بلاش دموع ضعف ووجع بدليهم بفرحة وبس ...
نظرت له بإمتنان، مجموعة كلمات أتوا في وقتها أزالوا ضباب مكثف ينطبق فوق سماء صدرها تلاشوا على هيئة أمطار ممزوجة بقطرات أمل وبهجة ..
تركته داليدا مغادرة على الفور ولا يتردد بداخلها إلا جمله واحدة
كلنا مشتتين محتاجين حد بس يحطنا على سلم البداية وبعدين هننطلق كلنا.
في شقة العجمي
جلس زين خلف باب شقته يرتشف نبيذه الأحمر بجنون، خصيلات شعره القصير تنسدل على جبهته .. دارت أسئلة كثيرة في نفسه رددها بصوت مسموع
- أنا إزاي سبتها تنزل وحدها فالوقت دا ؟! هى جات ليه؟ مكنش ينفع تيجي ؟! هى فترة وعدت، داليدا تعويض تعويض بس؟
قبض على رأسه بقوة كأنه يتوسل لها أن تكُف عن التفكير الذي ينهشه بدون تردد أسرع نحو هاتفه متصلاً برقم ما
- ألووو .. ألوو دكتور عماد ؟ أنت موجود ..
الدكتور عماد بحماس
- زين ! في إييييه مالك ؟
زين بتوسل
- لازم أشوفك حااااالاً ... حااااااااالاااااا ...
نهض عماد من فوق مقعد مكتبه
- مستنيك فالعيادة .. تعالى ..
زين بتوتر
- لا العيادة لا تعالى ليا البيت ...
قصد الدكتور عماد أن يترك ما بيده ويذهب إليه، لأنه يعلم بسوء حالته النفسية التي يعاني منها ما يسمى بالهوس الإكتئابى ..
بعد مرور ساعة كان عماد جالسًا في غرفة زين فوق مقعد جلدي جانب مخدعه مرتديًا نظارته الطبية، زين يدخن بشراسة أمام نافذته ..
زين هتفضل كدة كتير ؟ سيجارة ورا سيجارة وسكوت .. حصل إيه
أردف الدكتور عماد كلماته بهدوء وهو يغلق الدفتر الذي بيده .. ألقى زين سيجارته من النافذة ثم اقترب منه جلس على طرف السرير .
- مش عارف أخرّجها ..
رد عماد باهتمام: مين ؟!
- داليدا .. روحها طابقة على قلبي مش عارف أهرب منها .
أجابه بهدوء
- دي نتيجة منطقية للطريق اللي أنت مشيت فيه يازين،، وأنا سبق وحذرتك،، مسيرك هتلاقى واحدة قلبك مش هيقدر يتجاوزها .. وأهو حصل .
ابتسم زين بيأس
- كل ماأشوفها أحس بقرف من نفسي ..
الطبيب مقاطعًا
- طب ماترجعلها .. مش يمكن علاجك معاها وبس .
بعثر شعره بأنامله بضيق ثم قال
- هى الوحيدة اللي ماينفعش أرجعلها .. أنا بشوفها بخاف، بكون عاوز أتخبى منها، بحس إنها كشفاني وبتعريني قدام نفسي ...
- زين أنت ليك خمس سنين بتدور على تعويض لفقدان أمك .. زرعت نفسك في سكة بنات مابتخلصش ولسه مصمم .. أسألك سؤال ؟
التفت إليه زين باهتمام ثم أكمل الطبيب حديثه
- بتحس بإيه وأنت مع كل بنت في حياتك ..
- بحس إني مبسوط .. جوايا طاقه حب تكفى قلوب بنات الكوكب كله ..
أومأ الدكتور عماد بخفوت
- ولما تغرقها فيك وتسيبها بقى بتحس بأيه ..
ابتسم ابتسامة انتصار عجيب
- بحس إني رضيت غريزة جوايا ورفعت عليها علم نصر جديد، بيكون عندي إحساس بالفخر عظيم وهى مكسورة وبتترجاني .
- طيب إيه رأيك في كسرتها وهى بتترجاك،، شايفهم حب بجد ولا تمثيل ؟!
وثب قائمًا متجهًا نحو النافذة ليتنسم هواء نقي وبعد صمت ساد لدقائق أردف قائلاً
- البنات مابيعرفوش يحبوا، مابيعرفوش طعم الوجع، كل اللي شاغل تفكيرهم شاب وسيم غني يتجوزهم عشان يتباهوا بيه قصاد الناس، بتمسك فيه بإيدها وسنانها كأنه آخر إنجازاتها .. كلهم كدابين كلهم خونه ياعماد كلهم اتخلقوا عشان ياخدوا مننا ! بدأت بضلع وانتهت بحبل بيلفوه على رقبتك، زي المثل اللي بيقول خدوك لحم وراموك عضم..
تنهد عماد بحيرة وكلل ثم أردف قائلاً
- وداليدا زي كل البنات ؟!
إتكأ بظهره على جدار الحائط ثم قال بتنهيدة طويلة
- كلهم واحد .. بس اللي كان مختلف معاها إني كل ماأشوفها بحس إني من حقى أحضنها وبس .. برغم من جسمها الضعيف الصغير إلا إنها كانت قادرة تتشكل على مقاسي بالظبط، كنت أحضنها أنسى نفسي ياعماد .. فيها لقيت ريحة أمي ..
- حاسس بإيه دلوقتي ..
زين بحماس: حاسس إن محتاج أتعرّف على بنات الكوكب كلهم وأكسر في كل بنت الجزء الحلو اللي شدنى ليها ..
- أنت كده بتنتقم من مين ؟!
- هما يستاهلوا أكتر من كدة .. هما سبب كل مصيبة احنا فيها، اللي نزل سيدنا آدم من الجنة كانت ست .. سيدنا يوسف اتسجن عشان ست .. فكر معايا كدة هتلاقيهم هما سبب كل المصايب ..
عماد بحكمه
- بس ربنا برئ حواء وقال
{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}
يعنى الشيطان هو السبب وعرف يدخل لآدم من أي ناحية، الضلع الضعيف اللي اتخلقت منه، ودا مايدلش على عيب حواء بالعكس دا ميزة لينا، لو كانت قوية ومفترية زي ماأنت شايف احنا هنطفي نار تعبنا ووجعنا فين ! لازم تشوفهم بزاوية تانية غير اللي في دماغك .. تفكيرك غلط يازين .. شوفهم سكن وأمان .. . وبيت وحيطان بياخدوك من العالم ..
صمت زين لبرهه ويبدو عليه علامات التفكير والتشتت، أكمل عماد حديثه
- تعرف لو شوفتهم من زاوية الرحمه اللي ربنا قال عليها هتترحم من كل وجعك وعذابك ..
ثم ربت على كفته قائلاً
- فكّر ليه ربنا خلقها من ضلع آدم الأول قبل ما تتكلم، ربنا قادر إنه يخلقها من تراب وطين زي ماخلق آدم، دور على الحكمه السبب وراء إنها اتخلقت منه غير باقي المخلوقات ...
ثم دار بجسده
- هسيبك تنام ويومين وهنتكلم تاني، تكون فكرت في سؤالي ..
وقفه زين بتردد
- مش ناسي حاجه ؟
ابتسم عماد عن قصد قائلاً
- صدقنى مش محتاج مهدئات النهاردة .. كل اللي في الموضوع محتاج تستكين بس أنت بتعاند ..
ثم توقف وكأنه تذكر شيئًا ما
- لو شايف راحتك في إنك تكلمها .. كلمها ماتبخلش على قلبك .. تصبح على خير يابطل ...
وصلت داليدا لغرفتها بالفندق وبداخلها طاقه حماس رهيبة، وجدت شروق مستيقظة تنظر من النافذه
- أنتى لسه صاحية ياشروق ..
زفرت شروق براحة
- كنت هتجنن عليكي .. كدة ياداليدا !
خلعت حِذاءها بتعب ثم أردفت قائلة
- محستش برجليا غير وهى وخداني لعنده .
اقتربت منها شروق وهى تقول
- وارتحتى ؟!
ابتسمت ابتسامة رضا
- اتوجعت بس كان وجع مؤقت، زي ألم الحقنة بظبط في بدايتها بتوجعك وفالأخر بتشفيكى .. دا اللي حصل معايا .. حسيت رجليا خدتنى لهناك مخصوص عشان أشوف بعينيا شعاع نور جديد ينجيني من اللي أنا فيه .
شروق بحنو
- حابة تحكي ؟!
هزت رأسها بالنفى قائله
- الكلام فالماضي بيرجّع مابيقدمش .. حد من الجروب لاحظ غيابى ..
ابتسمت شروق بخفوت
- متقلقيش .. محدش عرف أنا قولت استناكي ومكبرش الموضوع ..
فتحت الخزانة وأخذت منشفة وزيها
- هاخد شاور وآجي أنام .. عشان حاسة إن جسمي واجعني أووي ..
- تمام .. وأنا هجهزلك حاجاتك لأن الرحلة اتقطعت لظروف خاصة بالكلية والمشرف هيعوضنا فالاجازة ..
أومات داليدا إيجابًا وهى تغلق باب المرحاض
- أحسن بردو .. محتاجو أرجع أظبط مذاكرتي وأركز بقا ..
تعجبت شروق من حالتها التي تغيرت ١٨٠ درجة للأفضل
- لا حول ولا قوة إلا بالله .. سبحان مغير الاحوال ! ..
مر حوالى ستة أشهر ملخص ما حدث بهما
اتخطبت شروق لشخص يعمل مهندسًا بالسعودية .. كانت الفرحه تغمرها، وترى أنها قطعت شطرًا كبيرًا من أحلامها ..
انتهت داليدا من دراستها الجامعية وتخرجت بتقدير جيد جدًا .. كانت تتجنب أي لحظة تسرقها للتفكير به، كانت من حين لآخر تتابع اغخباره على مواقع التواصل الاجتماعي،، كلما تشتاق إليه تكتبه كانت تطبق مقولة كل ما هو مكتوب متلاشي .. وضعت منارة أمام عينها ظلت تسعى لتحقيقها، صنعت من الوجع جسراً معلقاً في الهواء تصعد فوقه لتلمس نجوم أحلامها بأناملها ..
اليوم تشعر بشيء من الرهبه والتوتر، استيقظت ورتبت شملها ثم وقفت أمام المرآه فتذكرت شيء ما
فلاش باك
يابنتى متعذبنيش، وافقي أحسن يجى اليوم اللي تقولي فيه ياندمي
قالت سعاد جملتها بقهر وحسرة لداليدا محاولة إقناعها أن تقبل بالعريس المتقدم لها عبدالله
وثبت أمامها داليدا بقوة وثبات
- وحضرتك هتبقي مبسوطة لما أوافق وأرجعلك مطلقة بطفل ولا اتنين ..
سعاد بتوسل
- وأنتي بتقدري القضى لييه قبل وقوعه يابنتي ..
داليدا بصوت ثابت وهادىء
- غريبة ! أنا شايفة دا نفس اللي حضرتك بتقدريه،، وتقدير قصاد تقدير اخترت القضا الأهون ..
- أنا عاوزة اطمن عليكي قبل مااموت يابنتي ..
ابتسمت داليدا ابتسامة باهتة
- أصعب طريق ممكن الأم أو الأب يدخلوا بيه قلب ولادهم، يلعبوا على نقطة ضعفهم، يرمولهم فلاش فيوتشر عن المستقبل اللي مستنيهم لو ناموا وصحيوا ولقيوهم مش موجودين،، ودا ضد العقل والمنطق .. أنا مش هروح برجليا لقدر عارفة نهايته الفشل عشان خايفة من المجهول اللي بتخترعه عقولكم ..
- بتعصي كلام أمك ياداليدا دى اخرتها .
- ياماما مش بعصيكي،، حضرتك أديتي رسالتك معايا وزيادة سبيني بقى اختار أنا طريقي وأفشل وأنجح واقع تاني، مشكلة الأمهات إنها بتفكر حياة بنتها ملكها ترسمها زي ماهى عاوزة لآخر يوم في عمرها .. ودا أكبر غلط ..
- أنا...
داليدا مقاطعه
- أنتي مش عاوزاني غير مبسوطة .. لو سمحتة قفلي على الموضوع دا ..
تكمن المشكلة في إنك منحت قلم حياتك لآخر بهدف المساعدة فتمرد حتى ظن أنه حق مكتسب ليسطر به ملامح مستقبلك أيضًا
بااااااااك
تنهدت داليدا بحماس
- يلا يلا ياداليدا عندك مقابلة مهمة .. يارب عديها على خير يارب ..
في الشركة عند زين
أكرم بصلابة: مالك يابنى متوتر كدة ليييييه ..
فرك زين كفيه ببعضهما
- برا شو وإعلام والدنيا خربانة .. طبيعي لازم أقلق مش أول يوم افتتاح ..
ربت أكرم على كتفه
- طب يلا ننزل شكل المحافظ وصل ..
زفر بقلق بالغ
- طب يلا .. بينا ..
اليوم الأول في حياتها العملية
تجلس أمام رئيس مجلس إدارة الجريدة تعقص خصلاتها على هيئة ذيل فرس
و بتوتر خفضت عينيها فى الأرض لا تمنحه نظرة واحدة ولا ترفع رأسها تنظر إليه قطع صمتها حديثه وهو يقول:
_ تقديراتك فى الكلية بتقول إنك كنتي ممتازة يا داليدا وواضح إنك بتحبي شغلك ودراستك.
رمقته بأدب وهى تهمس:
_ شغلي هيبقي حياتي وأتمنى أكون عند ظن حضرتك يا أستاذ فؤاد دلوقتي هتستلمي شغلك عايز أشوف إبداعاتك بقى
ردت بجدية:
_ تمام يا فندم
دلفت المكتب بخطوات ثقيلة ليس خوف بل إنها تهاب من كل شئ جديد تقبل عليه رأت شابًا وفتاة كل منهما يجلس على مكتبه يعمل أردف الساعي خلفها موضح من هى:
_ دي أستاذة داليدا يا أساتذة الصحفية الجديدة معاكم اتفضلي يا أستاذة
قدمها لهم ورحل قبل أن تردد سارة زميلتها فى العمل وبجوارها علي:
_أهلا بيكي يا داليدا يارب تحبى الشغل معانا
ردد علي هو الآخر:
_المكتب نور اتفضلي.
جلست معهم تتعرف منهم على نظام العمل وجدته شاق بعض الشيء فالصحفي هو دواء البلد وطبيبها هو من يتكشف العلة وهو من يقترح كيف يكون الدواء عزمت أن تكشف كل علة بهذه البلد وتصنع الدواء أليس من حق الجيل الحالي و القادم أن ينعم صغيرها قبل كبيرها بالحرية والعدالة والديمقراطية والتخلص من الفساد من حق كل مواطن أن يعيش مطمئن على نفسه وأولاده وأحفاده فى المستقبل ستفعل كل ما فى وسعها حتى تجعل هذه البلد أحسن بلاد العالم ولو كان السبب جرة قلم قلمها سيغير التاريخ وسيحارب الفساد والأحداث الخاصة بقلمها لن تنتهى ولها بقية.
بعد انتهاء اليوم الأول فى العمل
تشعر بسعادة كسعادة الفراشات فى الربيع اليوم أولى خطوات نجاحها اليوم هو وقوفها على السلم للصعود حتى الوصول إلى القمة
ابتسمت لصغير رأته فى الشارع بائعًا للفل والياسمين وهي تأخذ منه عقدة من كل نوع
لا شعور يضاهي شعورها الآن أخدت تغمغم بعبارات الحمد والشكر إلى ربها متمنية منه أن يوفقها فى كل ما ستقبل عليه.
بعد يومين
خطوة جديدة
بمقر شركته يجلس بشموخ فهو اليوم سيتتم صفقة ستكون نقلة قوية له يجلس بجانب صديقه وهو يقلب فى الأوراق باهتمام اليوم إثبات ذاته فى عالم رجال الأعمال دلفت سكرتيرته وهى تقول:
_ زين بيه فريدة رشوان برة علشان الميعاد اللي بينكم
ردد بعصبية:
_ أنتي هبلة إزاي تسبيها برة روحي دخليها بسرعة
دقيقة ودلفت بهدوء وسط ترحيب زين وأكرم:
_ أهلاً أهلاً فريدة هانم نورتينا
ردت وهى تتفحص زين:
_ أهلاً يا أستاذ زين سمعت عنك كتير من أكرم بيقول إنك عبقري فى شغلك
ضحك صاخبة صدرت منه وهو يقول:
_ لا أنا كدة هتغر.
تحدث أكرم بهدوء ورزانة على عكس زين:
_ طيب يا زين اتكلم أنت مع مدام فريدة وأنا هروح الاجتماع
غادر وكل منهما ينظر للآخر يتفصحها بوقاحة بجراءة يتفحص كل شبر بها وهى متسمتعة بذلك فهى فريدة رشوان علم من أعلام الجمال بالإسكندرية ورغم جمالها فهى صاحبة أكبر شركة برمجة وتطوير ابتسمت بعبث وهى تردد:
_ شكلنا هنرتاح في التعامل مع بعض
همس بعبث هو الآخر:
_ واضح كدة، قمر إسكندرية عنده كام سنة
ردت بحنق:
_ عيب تسأل واحدة ست عن سنها مش فير خالص.
استمر العبث فى حديثه وهو يقول:
_ لا مليش حق دة احنا بعد الشغل نصالحك بقهوة فى أي حته نتكلم في الشغل
_ تمام نتكلم
ارتسم الجدية وهو يقول:
_ دلوقتي احنا عايزين منك أي أجهزة كمبيوتر قديمة هبرمج وأطور وكل حاجة تنزلها السوق متعرفيش تفرقيها عن الجديد بل بالعكس هتبقى أحسن شغلنا هيبقى مريح لحضرتك جدًا تسلمينا الأجهزة وكدة تمام.
ردت بهدوء:
_ طموحك عاجبني وشكلك ناوي تكبر بسرعة أنا بحب الشباب المكافح اللي زيك هنمضي العقود بس الشرط الجزائي هيكون مليون جنيه وطالما محدش فينا هيتعب التاني مظنش إن الشرط هيضايقك فى حاجة.
لوهلة تسرب داخلة شعور بالخوف من الشرط لكنه بمهاراته وتصميمه وإرادته سيصعد بدل سلم النجاح سريعا غير ذلك فهو زين السباعى حلم كل فتاة وكل سيدة ولن تأخذ فى يده ثواني ليجعلها خاتم في إصبعه.
رد بابتسامة عريضة:
_ تمام نمضي
دقائق وكان يوقع ذلك العقد الناقل به لمستوى رفيع فى مجال عمله ويأخذها مغادرًا إلى إحدى المقاهي الراقية بمدينتهم من الوهلة الأولى اكتشف أنها مثله عابثة فى أولى مراحل الجنون مثله فى كل شيء حتى في ضجيج قلبه يبدو في عينيها أن بقلبها ضجة كبيرة تحدث.
بعد أسبوع
يقف بجانبها مرددًا:
_ أنا أول مرة أطلب منك طلب متكسفنيش
ردت بغضب:
_ لا يا زين هتمشي يعني هتمشي
هتف بابتسامته المعهودة:
_ علشان خاطرى المرة دي بلاش قطع العيش
زين السباعى شخصياً قاعد يتحايل على القمر دي برضوا ينفع كدة
ابتسمت بخبث وهى تقول:
_ علشان خاطرك أنت بس يلا روح استلم الدفعة الأولى وورينا همتك.
ردد بهمس:
_ تمام نتقابل بالليل يا قمر
غادر وطلبت من السكرتيرة الحضور
دلفت وهى ترتجف خوفًا:
_ أخر مره هحذرك يا سمر تبصي لحاجة مش بتاعتك لما تبصي يبقى على قدك مش زين السباعي والقهوة اللي وقعتيها وأنتي بتسبلي ليه ومش فايقة تفوقي بعد كدة فاهمة
هسمت بخوف:
_ فاهمة يا هانم فاهمة
_ يلا برة
انصرفت وهى تكاد تبكي بضعف من جعل مسار حياتها فى عمل هذه السيدة لتفعل بها كل هذا لتتحكم بها هكذا له في ذلك حكم.
في باريس العالم بلد الفن والجمال والروائع يقف أعلى المسرح الذي دومًا كان يحلم به. بالوقوف عليه والمئات ينتظرونه بكل حماس ينتظروا سماع رائعة من روائع القيثارة فى العالم جلس وسط هتاف الجمهور ولعب على أول وتر جعل الجميع يصمت والصوت يصدح فى كل ركن من أركان المسرح وخلف الستار تقف تراقب الوضع وسط الجمهور ردود الأفعال انتهى من عزفه وسط تصفيق حار من الجماهير وعلى الرغم من نجاحه العظيم ينقصه شيء قام بابتسامة ينحني لهم شكر وتقدير وفى استراحة المعرض يقف بين المئات يريدون التقاط بعض الصور التذكارية لهم معه لم يرد أحد التقط صور مع الجميع
انتهى وأخذها من يديها واتجهه إلي منزله.
بالمنزل
هتفت بلهجة عربية ضعيفة:
_ كنتى هايل ألفريد الحفل كان يجنن
ابتسم مرددًا:
_ نفسي تتكلمي عربى كويس من يوم ما جيت وأنا بعلم فيكي وأنتي مش عارفة تتكلمي
ردت بضيق:
_ ألفريد أنتي بتزعلي مارتن منك كده
_ لا كله إلا زعل مارتن هانم ترامب
رددت بجدية:
_ أريد استبدال ملابسي سأذهب إلى الغرفة.
غادرت إلى غرفتها وجلس هو على أقرب كرسي بجانبه اليوم هو فى قمة مجده اسمه يلمع في سماء الفن لا يوجد أحد فى باريس لا يعرف ألفريد ترامب فريد نور الدين يحمل أسمين أحدهما عربي والآخر فرنسي ملقبًا بلقب عائلة زوجته العازف المشهور يأتي الناس له من جميع أنحاء الدولة غير مسار القيثارة فى باريس ولكن يشعر بشيء ينقصه يجعل قلبه يتآكل كل ليلة مسح على وجهه وقرار تصحيح خطأ الماضي أمام عينيه لا يعرف يتخذه أم لا...
لا يصرخ القلم إلا إذا فقد صاحبه القدرة على التحدث
من أكثر الجُمل التي تؤمن بها في إضاءة جانب معين من حياتها، جالسة أمام شاشة الحاسوب، ثم دارت بزاوية حادة صوب مكتبها، وانحنى ظهرها قليلاً، وجدت نفسها تحتضن قلمها وتقف على أول سطر في الورقة البيضاء التي أمامها .
شقت شفتها بابتسامة باهته بعدها ما التقطت نفسًا طويلًا ثم خطت على جدار صفحتها راسمة بالكلمات
[ هُناك أشياء بالرغم من كونها ميتة إلا أن لديها القدرة لتقتلك بجانبها .. كذكراك مثلاً ..
فهو يشُق قلبى لنصفين .. أحدهما يفكر بك والآخر تائه لم يُناد إلا عليك .. أعلم أنك لازلت تبحث عن إمراة مثلي .. أما أنا ياعزيزي مازلتُ لا أبحث إلا عنك ]
انتصب عودها مستندًا للخلف وهى تمسك الورقة بيدها، عادت لتقرأ ما كتبته ببطىء ثم تنهدت بكلل
- ياترى عامل إيه يازين دلوقتي .. !
يااداليدا ... داليييداا .. اللى واخد بالك ياجميل
فاقت من شرودها على صوت سارة زميلتها في العمل التي أقبلت نحوها بعفوية قائلة جملتها ممازحة .
تركت داليدا ما بيدها متبسمة
- ولا أي حاجه ياستي .. بس قوليلي في حاجة ؟
جلست سارة على مكتبها المجاور لداليدا
- أصل فؤاد بيه عاوزك جوه ..
وثبت قائمة على الفور
- حصل حاجه ؟!
أكيد بخصوص توزيع الشغل وكدة
أردفت سارة جملتها وهى تدور بمقعدها نحو شاشة الحاسوب، رتبت داليدا ملابسها ثم تحركت نحو غرفة رئيس الجريدة .
صباح الخير يافندم .. حضرتك عاوزنب
ألقت داليدا جملتها وهى تتقدم نحو مكتبه بخطوات متباطئة ممزوجة بشيء من الرهبة .. أشار لها بالجلوس قائلاً
- ااه كنت عاوز أعرف ناوية يكون العمود الأسبوعي بتاعك بيتكلم عن إيه ؟!
فركت كفيها بارتباك قائلة
- عاوزاه يكون بعيد عن كوارث السياسيه ونركز في الكوارث الاجتماعيه ..
نظر لها باهتمام
- مش فاهم قصدك إيه !
تحمست داليدا لفكرتها فردت بثبات
- هسمي العمود الأسبوعي من قلب الشارع حابة أنزل أشوف المشكلة اللي جوه كل شخص ونسلط الضوء عليها، أنا اطلعت على كل أعمدة الجريدة وملقتش عمود مخصص بالجانب دا .. حاجه كدة متعلقة بعلم النفس، من هنا اتحمست للفكرة جدًا وحاليًا شغاله عليها .. إيه رأي حضرتك .. ؟
فكر رئيسها لبرهه ثم قال
- تمام ياداليدا .. هستنى المقال بتاعك يوم الأربع .. عاوز حاجة تشرف .
وثبت قائمة والفرحة تغمرها
- أنا مبسوطه أوي إن الفكرة عجبت حضرتك .. وإن شاء الله هكون عند حسن ظنك ..
خرجت داليدا من مكتبها شاعرة بأن القدر استبدل ذراعيها إلى جناحين تود أن تحلق بهما في أعنان المساء .
- وأخيرًا ياديدا حلم العمر بيتحقق _ثم صمتت لبرهه لتستمع صوت صادر من قلبها_ أكيد زين لو كان معايا كان هيفرح أوووى .. زين ! هو أنا لسه بفكر فيه ؟!
في شركة زين
واقفا بجوار نافذة مكتبه سابحًا في سُحب دخانه المنبعث من أنفه وفمه، تحديدًا ما ينعكس من صميم قلبه، استدار كليًا صوب الباب الذي فُتح .
أردفت مديرة مكتبه قائله
زين بيه .. في واحده اسمهاا ..
قبل ما تكمل جملتها دلفت جهاد بوجه شاحب باهت منضفئ قائلو
- أنا يا زين ..
شعر بتأفف وضيق هجم عليه دفعة واحده .. أشار لسكرتيرة مكتبه للمغادرة ثم اقترب من مكتبه جالسًا عليه مردفًا بفظاظة
- أنتِ مش واخده بالك إن دا مكان شغل ؟!
اقتربت منه بجسد مرتجف
- مابتردش عليا ليه .. هو أنا زعلتك ؟!
انشغل في الاوراق التي أمامه
- مش فاضي عندي شغل ..
أردفت ساخرة
- غريبة ماأنت زمان كنت بتفضي نفسك عادي .. ! اشمعنا دلوقتى ؟ فهمنى !
التزم الصمت ولم يبد أي جواب اكتفى بتجاهل سؤالها .. زاحت دمعة من طرف عينيها رغم عنها ثم أردفت قائله بصوت مرتعش
- وحششتننى .. اا ااووى ى ..
لم يلتفت إليها ولم يؤثر على صخور قلبه المتحجر رياح صوتها، اكتفى بشعور النصر الذي يتراقص بداخله .
اقتربت منه بتوسل
- زين .. بصلى أنا جهاااد ... أنتي بتعاملنى كده ليه متجننيش ...
نهض فجأه من مجلسه قائلاً
- هنا مكان شغل مش عواطف وهبل .. بس أنا هريحك، متنكريش إننا قضينا يومين حلوين مع بعض أنتي اتبسطى وقضتيها خروجات وفسح وأنا كمان اتسليت، وخلاص انتهينا مبقاش لوجودك لازمه في حياتي ...
نيزك تلو الآخر يهبط على قلبها بعدد الحروف المتدفقو من بين شفتيه، أوشكت على الانهيار أمامه .. انسكبت الدموع فوق وديان وجنتيها، رمقته بنظرات ممزوجة باللوم والعتاب، بالصدمة والدهشة ..
《 قيل أن الرجل يحب لترميم شيء ما بداخله، فماذا عن ممثل الحب ؟! لماذا يتأرجح على حبال الحب هكذا، ربما يحاول التحرر من قيود فيعلق كل قيد بقلب إحداهما .. عسى أن يتحرر منها يوما ما 》
كانت ترمقه بنظرات حزينة منكسرة لم تحرك به ساكن الشفقه ثم أردفت قائله
- معاك حق .. أسفه إني ضيعت وقتك ..
رد بلا اهتمام
- هتعرفي تمشي ولا أجيبلك حد من الأمن يوصلك !
- لا يا زين بيه هعرف .. عن إذنك ..
خرجت جهاد تجر فُتات قلبها خلفها لم تلتفت لأحد، لا ترى أمامها أحد، أصبح شيء ما بداخلها يحترق، جزء اليسار به وجع يرهقها، حالتها ثارت انتباه الدكتور عماد الجالس في انتظار زين خارج مكتبه .. قام خلفها سريعًا معتقدًا أنه وجد خيطًا جديدًا في حالة زين
- يا أنسه .. ياأنسه ...
لم تجيبه، لم تلتفت، والأصح أنها لم تسمعه كأن ضجيج قلبها هجم على آذانها ..
مديره مكتبه تحدثت بصوت مسموع
- دكتور عماد اتفضل ..
رمقها عماد بنظرة ونظرة أخرى أرسلها نحو جهاد التي وصلت أعتاب السلم .. ثم تنهد بصوت مسموع ولملم أشيائه متحركًا صوب مكتب زين
مابتجيش أنت،، قولت أما آجي أنا
قال عماد جملته بنبرة مبهجة، قام زين ليحتضنه
- طب والله واحشنى .. تعالى تعالى ..
جلسا كلاهما على مقاعدهم
عماد: إيه ياعم فينك .. الشغل أخدك كدة ومش بنشوفك فالعيادة ..
زين بفظاظة: ربنا يكفينا شرك ياعم .. خلاص خفِينا ..
مط عماد شفته لأسفل بعدم تصديق
- بأمارة البنت اللي لسه خارجه دى !
قهقهة زين
- مشكلتك بتاخد بالك من حاجات غريبه أوي ياعماد والله ..
- عيب عليك لما تقول لدكتور نفسانى كدة .. ولا أنت شايفنى برش كنافه !
ابتسم زين
- لا ياعم أنت أحسن دكتور في مصر كلها ..
وقف عماد متحمسًا
- إذا كان كدة تسمح تقبل عزومتى على الغدا !
زين مرحبا بالفكرة
-يااسلام .. طبعا ياباشا وأنا أطول يعنى ..
في إحدى السيارات الناقلة من القاهرة إلى إسكندرية .. تجلس داليدا بجوار النافذة عاقدة ساعديها أمام صدرها، ساندة رأسها على النافذة، شاردة في الطرقات ..
انا ايه اللي خلانى آجي إسكندرية، عشان أول مقال حبيت يطلع من هنا .. أنتي بتكدبي على نفسك ياداليدا،، أنتي جيتي عشان تلمحيه وتشاركيه أول فرحة ليكي .. أووف يارب بقى هونها على قلبي.
ثم ابتسمت ساخرة كأنها تذكرت شيء مااا
فلاش باك
بصي ياحلوة عشان تطيري موضوع العريس دا حلك في إيدى .. بس سُماعيلو مابيعملش حاجه بلووشي .. من فراغ .. لازم يكون في مقابل
أردف إسماعيل كلماته بهمس شديد بقرب آذانها، نظرت له باشمئزاز ثم أردفت قائلة
- مش عاوزة منك حااجة ..
وقف أمامها ليعيق خُطاها
- استنى بس أحسن تندمي .. وساعتها هتقولي ياريتني ..
توقفت للحظه قائل. بنفاذ صبر
- خيررر .. طلباتك !
أردف قائلاً بثقة
- الشقه الحلوة دي .. باسمك مش كدة ؟! دا ميعجبنيش،، تكتبيلي تنازل بكرة .. هخلي أمك ترفض العريس وبس .. شوفتي سهلة إزاي ..
جميع اللعنات والألفاظ البذيئة لم تعد كافية لوصف ماديته الدنيئة، تأملته بنظرات ساخطّة ثم أردفت قائلة
- اااه اظهر على حقيقتك كمان وكمان . لعلمك بقى اللي أنت بتقوله دا على جثتى يااااا إسماعيل بيه ..
باااااك
ياأبله ياأبله وصلنا
فاقت من شرودها علي صوت صبي السائق وهو يُناديها .. لملمت أشيائها ثم اتجهت نحو المطعم المطل على البحر المفضل بالنسبه لها ..
ومن خلفها شاب في أواخر العشرينات يترقبها بعنااايه منذ مغادرتها مبنى الجريدة إلى أن وصلت مكانها المفضل ..
جلست على إحدى الطاولات وبالأخص مكانها المفضل معه ثم أخرجت جهازها الخاص لاب توب بتفكير
- ياتري إيه اول موضوع هكتبه .. فكري ياديدو ..
قطع شرودها النادل
- تأمري بحاجة حضرتك .. ..
للحظه مرة أمام عينيها مقطع سنيمائي معسول جعلها تتبسم بدون وعي
فلاش باك
باشا مصر والعالم كله يحب يشرب إيه
قال زين جملته بحنو بالغ وبابتسامة ساحرة تتربع فوق ثغره ..
- مممممم أشرب مانجا ..
- يالهوى عليا مانجا هتشرب مانجا ياناس .. طب والله دا كتير على قلبي ..
ثم أشار إلى النادل وبتلقائية وجه كلامه لداليدا
- تأمري بإيه حضرتك ؟
تغير لون وجه زين مختلطًا بدماء الغضب قائلاً بعصبية
- أنت بأي حق تتكلم معاها ! هو أنا مش مالي عينك ؟
اتسعت حدقة عينيها
- زين زين بس .. بس .
وثب زين قائمًا بمعالم وجه متهجمة
- دا أنت نهارك مش فايت النهاردة ..
ارتبك النادل
- ياباشا مقصدش والله .
سريعًا ركضت لتقف بجواره وتتشبث بمعصمه لتقول برجاء
- يازين بطل جنان يخرب عقلك .. بأي حق هو يكلمك .. محدش يكلمك غيري ..
أشارت داليدا للنادل: امشي أنت دلوقتي .. امشي ..
باااااك
ياأنسه .. ياأنسه تأمري باايه
فاقت من شرودها متبسمة كانت رؤيته تصيب قلبها بنوع خاص من الفرحة
- سوري .. هاتلي مانجا ..
عادت داليدا لتتابع شغلها مجددًا .. مشتتة كل الأفكار العالقة في رأسها
- ركززي يا داليدا ركزززى ..
على جسر الحب بباريس
يتأمل فريد الأقفال المغلقة بتساؤل واسغراب مع مارتن .. ثم أردفت قائله باللغه الفرنسية
- Tu es quoi, fared ?
- مستغرب ياماري .. معقوله كل أقفال الحب دي صحابها كملوا للآخر .
ابتسمت بحب ثم أردفت بالعربيه
- أجل فريد .. كل من وضع قفل وألقى مفتاحه في ماء النهر، يعني ذلك إنه تعهد لهما بالمحافظة على حبهما لآخر العمر ..
احتضنت ذراعه بحنو قائلة
- أشتاق إليك ..
ضمها الي صدره بحنان
- ماري .. إيه رأيك في مصر ؟
ابتعدت عنه بخوف
- مصر عند زوجتك وابنتك .. !
قربها لحضنه بهدوء
- لا عند بنتي بس .. قولتي إيه ؟
ردت بخوف وتردد
- داليدا فقط !
طبع قبله رقيقة على جبهتها قائلاً
- داليدا فقط ..
صف عماد بسيارته أمام إحدى مطاعم إسكندرية، دلف منها ونظر خلفه يبحث عن زين فوجده يصف سيارته الجهه الأخرى ..
قرب زين منه وهو يضع نظارته الشمسية فوق عينيه قائلاً
- اشمعنا المطعم دا ..
عماد بثبات
- ياسيدي برتاح هنا .. يلا تعالى نشوف هنقعد فين ..
»»»»
عند داليدا الجالسه تستمع لأم وابنتها الجالسين بقربها، ما جذب انتباها سؤال ابنتها التى لاحظت داليدا إصبعها في الكف الأيسر تحاصره دبله تنيره ..
ماما هو إيه اللي يخلي أي اتنين في الدنيا يكملوا مع بعض لآخر العمر .. من غير ما يزهقوا أو يملّوا ... _ثم هزت رأسها بالنفي قائلاً_ ماتقوليش حب .. أنا عاوزه أعرف إيه القوة الكونية اللي في الحب تخيلب أي اتنين متعلقين في روح بعض للأبد ؟!
تحمست داليدا لتعرف رد الأم، يبدو أنها هى ما تحتاج أن تلقِ الجواب بعد برهه من الوقت فكرت الأم فيها ثم أردفت قائلة
- زي ماأنتي بتاكلي وبتشربي كل يوم ومابتزهقيش ..
لم تقتنع الفتاة برد أمها حيث انعقدت ملامحها بفضول
- بس أنا مقدرش أعيش على أكله واحدة طول عمري ..
تبسمت أمها ثم قالت
- هتفضلي طول عمرك تاخدي كلامي من النص ومتسمعيش للآخر ..
ابتسمت ابنتها بحب قائلة
- أهو ياستى أنا سكت خالص .. كملي .
ردت آلام بحكمة قائلة
- لو أنا عملتلك كل يوم مكرونة هتزهقي صح ؟
- أكيد ..
- طيب ولو مرة عملتها بشاميل .. ومرة تانية سادة وغيرها بصلصة .. هتملّي ؟
فكرت لبرهه ثم هزت رأسها بالنفي
- لا .. لا أكيد مش هزهق ..
- أهو الحب كدة هو المكرونة الموجودة في بيوتنا كلنا بس بتختلف من بيت لبيت على حسب ماأنت بتستعملها إزاي ! فهمتي حاجة ..
- قصد حضرتك الاهتمام ..
هزت آلام راسها نفيا
- لا .. العطاء .. أنا على أد ماهديكي على اد ماانتي هتاكلي .. فهمتي ياحبيبتي !
كانت تركز في حوارهما بعناية شديدة حتى تبسمت بفرحة عارمة كأنها وجدت مقالها الأسبوعي .. فتحت ملف على جهازها بإسم الحبل السُري ..
فوجئت بشخص طويل وسيم يقف على طاولتها قائلاً بهدوء
- حضرتك داليدا هانم ؟!
رفعت حدقة عينيها نحوه باستغراب
- ااه انا داليدا .. مين حضرتك ؟! ...
أنا عنكِ ما أخبرتهم لكنهم ..لمحوكِ تغتسلين في أحداقي
*نزار قباني*
فوجئت بشخص طويل وسيم يقف على طاولتها قائلاً بهدوء
- حضرتك داليدا هانم ؟!
رفعت حدقة عينيها نحوه باستغراب
- اه أنا داليدا .. مين حضرتك ؟!
لا يعرف ماذا يقول يشعر بالخجل ..، التوتر ..، القلق فهذه المرة الأولى له في هذا الموقف هتف بقلق:
_ أنا.. أنا مراد توفيق ممكن أخد من وقت حضرتك ربع ساعة
_ اتفضل خير ؟!
يرتجف حرفيًا مما يفعله الآن قلبه يرتجف بعنف خوفًا من ردود الأفعال التي سيتلقاها
أردف بهدوء:
_ هو حضرتك مرتبطة
ردت بغضب:
_ حضرتك قاعد وآخد من وقتي علشان تسألني مرتبطة ولا لأ.
تنفس بصوت مسموع قلقًا وهو يردد:
_حضرتك متفهميش غلط أنا بس معجب بحضرتك أنا الصراحة جاي وراكي من القاهرة لما لقيتك جاية هنا علشان أتكلم معاكي وأقولك إني معجب بيكي وعايز يعني أزور حضرتكم فى البيت
رددت بحدة وصوت عالِ:
_ أفندم
فى تلك اللحظة ولسوء الحظ وتعاسته وهو يتحدث مع صديقه استمع إلى صوتها الذي لو استمع إلى مائة صوت فى وقت واحد يستطيع تميز صوتها من بينهم رفع بصره يراها تجلس مع شخص غريب رجل آخر غيره هل تخطت عقبته ..؟! هل قدرت على نسيانه ...؟! لا وألف لا فهو زين السباعي من هى لتتخطى عشقها له سواد احتل عينيه اتجهه نحوها تحت نظرات عماد التي لم تظهر عليه أي دهشة أو استغراب
ردد بصوت أجش:
_ مين ده يا داليدا
همس مراد لنفسه:
_ هى ليلة سودة أنا عارف
تنفست بصوت مسموع وهى تراه أمامها والغضب يتراقص أمام عينيه لكنها تماسكت مرددة بجدية:
_ أهلا يا زين ده أستاذ مراد توفيق بيتكلم معايا علشان عايز يجي يتقدملي لو حصل قبول عقبالك.
قبض على رأسه بشدة غير قادر على استيعاب حديثها داليدا ليست له ولا لغيره داليدا ستعيش فقط على ذكراه جذب مراد من قميصه مرددًا بنبرة متملكة مهتزة صارخة:
_ بتاع إيه عايز تتجوزها داليدا مبتتجوزش داليدا مبتحبش غيري ومش هتعيش غير ذكرى حبي،
ضرب مبرح كان من نصيب مراد لا أحد يستطيع أن يقيد زين فهو في حالة انفلات عصبي جلس بجانبه بعد ما هدأت ثورته قليلًا يقبض على رأسه متألمًا مما يحدث بعقله يئن يصدر أصوات مخيفة وبجانبه عماد يضع يده عليه مرددًا:
_ زين اهدى أرجوك اهدى هيجرالك حاجة
ضرب على صدره وهو يصرخ بانهيار:
_ داليدا مش لحد سامعين داليدا مش هتكون ملك حد بعد زين السباعي آه عقلي الوجع هيموتني.
اقتربت منه بدهشة وخوف ودموع من رؤيته هكذا ردد عماد بقلق:
_ متقربيش منه امشي من المكان كله دلوقتي مينفعش تقربي ممكن يعمل أي مصيبة امشي دلوقتي
غادرت وقلبها يؤلمها لرؤيته هكذا ويؤلمها على نفسها على أنانيته وعلى ضعفه وعلى الوجع الظاهر بعينيه خانتها دموعها وهى تركب السيارة عائدة إلى مدينتها والخوف ينهش قلبها وجسدها.
بالقاهرة
بحى إمبابة دلفت لمنزلها وهى تبكي تشهق تهزي أنفاسها عالياً تغمض عينيها وتفتحها مرات عديدة تشعر بالهواء ينسحب من حولها وهى تهزي:
_ زين بيعمل كده ليه بيرميني ويرجع يقول أنتي متحبيش غيري متعيشيش حياتك مع غيري هو أنا لعبة في إيديه ولما هو عايزني سابني ليه رماني كدة ليه ... ليه يارب إيه الحكمة فى كدة يارب طيب هو تعبان كدة ليه مرهق ليه ... طيب إيه الحالة اللي هو فيها دي طيب ليه أنا اللي حياتي متعبة كدة ...لا أنا مبقتش مستحملة يارب اااااااااه.
سقطت مغشيًا عليها لم تتحمل تساؤلات عقلها لم تتحمل كل ما تعانيه رطمة قوية جعلت كل من فى المنزل يفزع مهرولين إلى الخارج صدح صوت والدتها بهلع:
_ داليدا مالك يا ضنايا
شيلها يا إسماعيل.
فرصة من ذهب حملها إلى غرفتها وذهبت أمها من التوتر تأتى بالطبيب هى جلس بجانبها مستغلًا لذلك الوضع يتحسس ساقيها عنقها والشيطان يتلاعب بعقله جعله يجذب ورقة زرقاء من غرفته وبعض من الحبر السائل لطخ إصبعها بالحبر ثم الورقة يبتسم بتشفى فهو أقوى انتقام لها صفعة قوية ستجعلها حطام.
دلفت والدتها ومعها الطبيب يتفحص ابنتها والقلق ينهش بقلبها عليها ردد الطبيب بجدية:
_ هى اتعرضت لضغط نفسي كبير يا مدام أنا أعطيتها حقنة مش هتفوق منها غير الصبح
ياريت محدش يضايقها ويشوف إيه مزعلها
رد إسماعيل بخبث:
_ تمام يا دكتور اتفضل
غادر مع الطبيب وبقيت هى بجانب ابنتها تقبل يديها جبهتها كل شيء بها بحنان وألم وهى تسمعها تغمغم:
_ بابا بتسيب إيدي ليه ... مشيت وسبتني ليه أنا تعبانة من غيرك والله يا بابا متمشيش علشان خاطرى أنا هبقي كويسة بوجودك مع ماما بابا لاااااا.
رجفة عنيفة بكيانه وهو نائمًا أعلى السرير داخل الغرفة البيضاء التي يبغضها طوال عمره وفي يده محلول جعل جسده يرتخي بعد شدته يصرخ بألم كالأطفال يبكي بعنف يهاجمه دوار شديد جعل عقله على أبواب الفقدان دلف عماد وهو يردد بتوتر:
_ زين باشا عامل إيه دلوقتي
رد بوجع:
_ تعبان أوي مش مستحمل اللي بيحصل في دماغي يا عماد مش قادر
هتف عماد بجدية:
_ ده الطبيعي يا زين
زمجر فيه بشراسة:
_ والحل أنا مش قادر حرام عليك بقا خليني أخد مهدئ تاني وحياه أمك يا عماد مش قادر
ردد بهدوء:
_ مينفعش مهدئ زين لازم تتواجه مع نفسك لما أنت تعبان كل ده فى بعدها ومش مستحمل حد يتجوزها ليه متتجوزهاش أنت فكر يا زين
داليدا تستاهل إنك تفكر أنا هسيبك دلوقتي جنبك فى الدرج حبة مهدئ واحدة فكر لما توصل لحل وبعدين خدها ونام والصبح هجيلك تانى
غادر وتركه وحيدًا يتحدث مع نفسه مرهق هل تستحق داليدا كل ما يعانيه ماذا لو اجتمع هو وهى تحت سقف بيت واحد ..لا هو لن يتزوج
عناد.. كبرياء.. حيرة .. غرور لا يعرف فهو لن يتزوج وهى لن تتزوج غيره وستعيش على ذكراه تناول المهدئ جعله يتعب حتى غفلت عينيه فى ثبات.
بفرنسا
يغلق الأمتعة وبداخله سعادة لا توصف اليوم عائدًا بعد غياب خمسة عشر عامًا عائدًا إلى حبيبته التى طردته وهو فقيرًا لا يمتلك شيء
حبيبته أرض العزة أرض الكنانة تتمثل حالته وحنينه واشتياقه فى مقطع من أغنية بالورقة والقلم *طرداك وهى بتحضنك وهو ده اللى يجننك* انتهى من كل شئ وفي يده زوجته يغلق باب منزله الحبيب الذي حمل فى طياته ذكريات كثيرة غادر إلى المطار يجلس وهى نائمة بجانبه وبداخله أحاسيس ومشاعر كثيرة.
وبعد ساعات صدح صوت المضيفة بجملة جعلته يرتجف قائلة:
_ برجاء ربط الأحزمة ستهبط الطائرة بمطار القاهرة الدولي فلتصحبكم السلامة
استقيظت زوجته وتمسكت بيده فالخوف يراودها فهى لا تعلم ما المجهول لها هنا فى هذه البلد
على سلم الطائرة يقف يستنشق الهواء بسعادة
هواء حبيبته وأرضه ووطنه وكل شيء لكل مغترب وكل مقيم بها
جيوش من الكوابيس هاجمت منامه بدون رحمة، جعلته يتمايل في فراشه كطير ذبيح مُلطخ بالدماء يلتقط أنفاسه الأخيرة، قطرات العرق تتصبب من جميع أجزاء جسده، تمر لقطات خاطفة أمام عينيه عندما نهض من فراشه في المشفى ينتوي المغادرة، صور مشوشة من الممرضات اللاتي يحاولون تهدءته، آخر ما تذكره صورة عماد وهو يسنده لفراشه في منزله، فاق من نومه مفزوعًا وجد ممرضه بجواره تعد إبراه مُهدئه .
أنتي بتعملي إييه هنا !
قال زين جملته وهو يشعر ببركان يتوق برأسه للانفجار، ارتبكت الممرضة وأسرعت في انهاء الإبرة المهدئة، ولكن ما جرى عكس ما توقعته، فوجئت بزين يقف أمامها بجسد مرتجف ينهرها بقوة أرعبتها
- اطلعى بررا .. برررا ..
وضعت ما بيدها فوق المكتب وحاولت الإمساك بهاتفها لإخبار الدكتور عماد، ولكنه لم يُطيعها الفرصه لذلك، قبض على ذراعها بقوة وسحبها خلفه، كلاً منهما يتألم هو من ضجيج رأسه وهى من قبضته القويو، ألقاها زين خارج منزله ثم أقفل الباب بقوة ممسكًا برأسه التي أوشكت على الانفجار .. ركض نحو بار مطبخه باحثًا عن نبيذه المُفضل بجنون وبدون وعي ..
صوت رنين الجرس اخترق آذانه، حاول بقدر الإمكان أن يتجاهله ولكن إصرار الضيف كان أقوى من كل تجاهلاته، بيده عبوة النبيذ يمشي مختل الاتزان، يتمايل يسارًا ويمينًا كمن فقد عقله، يهذي بكلمات غير مفهومة، فتح الباب إذا ب ( فريدة درويش ) أمام عينيه، يراها أمامه طشاش، جسد امرأة فقط دون التعرف على الهوية، مد كفه وسحبها للداخل
- داليدا .. تعالي...
أصيبت بالاندهاش لحالته المتدهورة
- زين ! زين مالك ..
تمايل بجسده عليها بدون إدراك ليقفل الباب، لم تخل عيناها من الاستغراب والتعجب، هذا هو زين السباعى أمامها ضعيف هزيل شخصٍ مُختلف أمامها اُصيب بفقدان عقله، اقتربت منه وهى تحاصر خصره بذراعها وتضع ذراعه فوق كتفها مستندًا عليها
- تعالى اقعد طيب !
ألقى زين بجسده فوق الأريكة ليرتشف رشفة أخرى من مشربه قائلاً
- هى قالتلي لا،، هى ماكملتش،، هى صممت تمشي وتسيبني ..
حاولت أن تجد من كلامه معنى تفهمه ثم دنت منه
- هى مين دي .. زين أنا جمبك أنا أهووه ..
دفعها بعيدًا عنه
- لا هى .. مش أنتي .. هى داليدا .. هى هى...
اقتربت منه بحركات خبيثة قاصدة أن تلقي بجسدها بين ذراعيه
- بص لي كدة ! أنا فريدة أنتي مش وعدتني هنتجوز أنا قدامك أهو .. ولا أنت مش بتحبني !
في تلك اللحظة ظهرت أمامه صورة لداليدا، شعر بمغناطيس يجذبه من ياقته ليقبلها، فقد جميع زمام تحكمه على مشاعره، سار خلف خطوات شيطانه بدون تفكير ليشبع غريزته المحرمة، ارتطمت بالأرض عبوة النبيذ التي كان فجوة يتسلل منه شيطانه إليه ليملكه ويُحركه كما يهوى .
في عيادة الدكتور عماد
الدكتور مراد بحيرة
- طيب احنا كدة عملنا اللي اتفقنا عليه ! حالة زين ادمرت أكتر بمجرد ماشافها مع حد غيره...
إتكأ عماد بظهر مقعده للخلف واصابع كفيه متشابكة في بعضهما مردفًا بهدوء
- المشكلة إن زين مش بيعاني من مرض واحد بس، الحب زرع في حياته شجره سابت جذور كتير جوه قلبه احنا مش عارفين نوصلها ..
عقد مراد ساعديه أمام صدره قائلاً
- بس دا مش غريب يادكتور، هو أي حد فينا هيحب هيتجنن ! ويفقد عقله زي زين! كانت الناس كلها اتجننت ..
ابتسم الدكتور عماد قائلاً
- أنت عارف نسبة الحب الحقيقية في العالم كله لا تتجاوز ١٠ % !
رفع الدكتور مراد حاجبه متعجبًا: دا بجد !
- هو أنت فاكر إن أي حد يحس بدربكة جوه قلبه على كام دمعة من عيونه كدة نسميه بيحب ! الحب روح مخلوقة منك لو اختفت تموت ومش أي حد هيوصل للمرحلة دي .. آديك شايف المجتمع اللي احنا فيه، بنات ماشية بمبدا راح قرد يجي غيره غزال .. وشباب ماشي يتعرف على طوب الأرض .. حب إيه بس اللي بيتكلموا عنه !
ضحك مراد بصوت مسموع ثم أردف قائلاً
- وأنت إيه رأيك في حالة زين، احنا لينا أكتر من ٣ سنين مش عارفين نوصل لحل ..
- عمرنا يامراد ماهنوصل لحل طالما التشخيص غلط، وفي الطبيعي كل اللي مروا بحاله زين كانت أخرتهم يإما انتحروا أو اتحجزوا في مستشفى الأمراض العقلية .. ودا اللي خايف منه..
مراد بتفكير:-
- زين من الأشخاص اللي فقدت لحد مامتلكها الوهم، بقى عنده إدمان لشعوره بإن أي شخص هيعرفه بيحبه . وكان بمجرد أول واحدة تقول له: أنا بحبك، ويرضي غروره بيها يمل ويروح لواحدة غيرها على طول .
عماد بحماس
- إلا داليدا .. عارف ليه اتعلق بيها ! لأنها قالتله لأ .. كسرت كبره وثقته في نفسه، كل بنت بتخوض علاقة مع زين بتدمره أكثر، داليدا الوحيدة اللي فوقته وكشفت جرحه..
- أنا شايف إن دا له علاقة بطفولته، زي مثلاً الشخص اللى بيحس بحالة من عدم الاستقرار النفسي الشديد لأنه مالقاش الحب الكافي في طفولته ربما يكون أكتر عرضةً للغيرة المرضية التملكيو !
- احنا كده وصلنا إنه مصاب بنوع من أنواع الممارسة الإكلينيكية، الهوس الشبقي Erotomania3، وولع بالحب الأوحد، بالإضافة لشخصية زين الرومانسية زيادة، تملكية، شخصية نرجسية سادية ! ..
قطع حديثهم دخول الممرضة بسرعة
- دكتور عماد .. إلحق زين باشا طردني وحالته متدهورة خالص .. أحسن يعمل حاجة في نفسه ..
فزعا كلاً من مراد وعماد سريعًا ليتوجهوا إلى منزله ..
في مبنى شركة المجهول
في مكان ذي أثاث فخم، وعدد هائل من العاملين يؤدون مهامهم بنشاط وهمة، تجلس فوق مقعدها الجلدي بجسد مرتجف، وأصابع قدمها متكوةه مما يدل على ارتباكها وقلقها .. فاقت على صوت فتاة يُناديها بهدوء
- آنسة جهاد اتفضلي، فايز بيه في انتظارك ..
وثبت جهاد قائمة ببطء هى تحتضن حقيبتها الجلدية أمام صدرها بخوف، طافت عينيها في جميع أنحاء المكان إلى أن وصلت لأعتاب مكتب ضخم متسع يبدو عليه معالم الروعة والفخامة،إذا بشاب في منتصف الثلاثين واقفًا أمام النافذة قائلاً بنبرة رسمية
- ياريت تقولّي بسرعة عاوزة إيه عشان معنديش وقت ..
تحركت شفتاها بتردد قبل ما يتحرك لسانها وبعد مُعاناة استجمعت كلماتها بداخل فمها
- أنا جاية لحضرتك بخصوص زين السباعي ..
استدار إليها بجسده باهتمام ويبدو على هيئته الغضب الملحوظ قبل ما يتفوه سبقته جهاد بالتحدث
- عارفة إنه كان السبب في ضرب آخر شحنتين لحضرتك .. وأنا هساعدك تاخد حقك منه ..
رمقها بنظرات توحي بالفخر والفرحة
- تعالي تعالي .. اقعدي .
في إحدى فنادق الجيزة
لوسمحت عاوز غرفة لشخصين
- باسم مين حضرتك ؟!
- باسم فريد .. فريد نورالدين ..
ابتسم موظف الاستقبال
- حضرتك الموسيقار فريد نور الدين معقولة ! حضرتك أنا من أشد المعجبين بعزف وألحان حضرتك، حقيقي أنت فريد ولون عزفك فريد بردو ... اتفضل اتفضل ارتاح وأنا هخلص كل حاجه..
نظرت له مارتن بفخر قائلة
- أنا سعيدة جدًا بنجاحك فريد .
قبّل فريد كفها بحنو
- وأنا أسعد عشان أنتي السبب فيه ...
- متى ستذهب لداليدا ؟
شعرة خوف انتابته من مواجهتة لابنته التي آثر أحلامه وأوهامه عنها وتركها لأم طامعة فى المال والمادية .
- بكرة الصبح هروحلها وأعرفك عليها .. متستعجليش .
مارتن بفرحة: متاكدة أنني سأحبها لأنها ابنتك فريد ..
صوت الموظف قائلاً
- اتفضل حضرتك مع العامل الأوضة جهزت ..
حضن فريد زوجته بحنو وسارا معًا خلف العامل الذي يحمل أمتعتهم ..
في شقة زين
فاق من غفوته وجد نفسه في منتصف مخدعه ذو جسد عاري، تحركت عيناه ببطء ليجد شعر طويل يطوق عنقه، وذراع يحاصر خصره، لجزء أقل من الثانيو تخيلها هى بجانبه متذكرًا حديث سابق بينهما ثم تبسم له ليفوق من شروده وتسقط عينيه على امرأة رغم رشاقتها وجمالها إلا انها كانت على صدره كجبل صخري راسخ، ابتلع ريقه ليبلل حلقه شاعرًا بفرحه تملأه برغم شوقه واشتياقه الذي يجذبه من ياقة قميصه نحو عينيها قلبها احتضانها .. داليدا فقط التي تذوق معها طعمًا عذبًا للحب، كأنها أتت مفصلة على مقاس اُمنياته..
نهض بهدوء ذاهبًا إلى مرحاض غرفته، شعرت فريدة بحركته ثم استقظت من منامها والبسمة تشق ثغرها قائلة
- بقيت احسن !
ابتسم زين ساخرًا وهو يقول
- يعني يكون جمبه فريدة درويش ومايتحسنش ؟!
رن صدى صوت ضحكتها في جميع أرجاء المكان بصوت أنثوي جذاب ثم أردف زين قائلاً محاولاً إخفاء ضيقته
- ينفع تمشي دلوقتي !
صُدمت من طلبه الغريب وتغيرت ملامح وجهها
- نعممم ..
حاول زين تلطيف الجو قائلاً
- والله يادودو مايتشبعش منك، بس مش حابب حد يشوفك هنا ..
نهضت من مخدعها واقتربت نحوه بتمايل محاولة إظهار معالم جسدها
- حد زي مين بقى اللي خايف يشوفني ..
ابتسم رغم عنه قائلاً
- أكرم مثلاً .. مش لطيفة يشوفك معايا هنا ..
داعبت أنفه بحب قائلة بهمس
- طب بالنسبة للشحنة .. تمام !
قبل زين أناملها بتلقائيه
- الشحنه دي واللي وراها ولرقم عشرة لو تحبي ..
ضحكت بصوت آخر مرتفع
- شكلها هتبقى فتحة خير علينا كلنا ..
في حي إمبابة
صوت صاخب يخترق آذانها وهى تحت سطو نُعاسها حتى تردد في ذهنها كهواجس مرعبة، امتلأت جبهتها بقطرات العرق المنبثقة من مسامها، تمنت لو تفتح عينيها تجد كل ما فاتها وهم، تصحى لتركض لحضن أباها بدلال منتظرة ما أحضره لها بعد يوم طويل ممل من العمل، تجد إخوتها الصغار يتشاجرون ويقلقون راحتها، أمًا تحضر لها أشهى المأكولات وتُناديها بصوت عذب كي تساعدها في تجهيزه قبل ما ينهى والده حمامه المائي الدافء، ماذا ولو كان كل الألم الذي مررت به هراء عالم، كابوس طالت مدته بسبب سباتها الذي تسببت به حبوب مخدرة، ماذا ولو كانت الحياو عينة مجانيه للتجربة إذا أعجبتني حصلت عليها كلها .. والعكس، لماذا لم يخلق مع الحياة كتالوج لنختار منه الحيلة التى تناسبنا ! بعد كثير من التساؤلات والأكاذيب التي تعيشها في خيالها لبخل الواقع عليها بتحقيقها فتحت عينيها بتثاقل وكأن فوق جفونها صخرتين تزيحهما بمعاناه شديده..
استمعت لصوت قفل باب الشقة وصوت أمها المتلهف نحو ذلك القاسي ذي النوايا الخبيثة
- كنت فين ياسماعيل ! قلقتنى عليك ياخويا ..
ابتسم بمكر تعلب الذي حدد هدف اصطياد فريسته قائلاً
- شغل .. شغل ياسعاد .. المهم أنا واقع من الجوع هاتيلنا لُقمة نسند بيها بطننا..
سعاد بحب: حالاً ياخويا .. أصلاً كنت سالقة فرخه للبت داليدا حلال عليك، كل وإشبع وإملى بطنك داليدا مش هتاكل كعادتها ..
أحسّت باختناق لكلمات أمها وإهمالها وتفضيل زوجها على ابنتها، يقولون أن الست تمتاز -بالحاسة السادسة- تستطيع من خلالها كشف الرجل قبل ما ينطق، ولكن خطأنا نحن كسيدات نتجاهل إحساسنا ليستمر حبنا وفي نهاية المطاف نلوم أنفسنا ونحملها مرارة الندم مردفين ( طب والله قلبي كان حاسس ) !
اقتربت نحو مكتبها تبحث عن هاتفها، أصابها الشغف أن تحدثه، تطمئن عليه، تستمع لصوته الذي اشتاقت له كثيرًا، تريد أن تغسل بصوته أكذوبة فراقه، فتحت رسائله القديمة لتقرأها بقلب مضطرب وهى تقلد طريقته لإخراج الحروف من ثغره كأنها تبحث عن صوته من بين حروف الكلمات، كل عضو بجسدها يتحرك ليجبرها على الحياة لأنه منتظرها، منتظر عودة من لا يعود، تنهدت بمرارة وجع ممزوجة بدمعة تخدش وجنتها، احتضنت قلمها ملجأ قلبها الوحيد لتكتب بيد مرتعشه
أصبحت أسيرة حبك وأنت بفؤاد قلبى جاهلًا، مهما طال الأمر فلم يصاب قلبي بجزعٍ وكيف يجزع بستان الورد من ورده مهما الشوك أوجعه !
تركت قلبها جنبًا عندما تذكرت حديث الفتاة مع والدتها، قامت بحماس أنساها كل آلالمها المبرحو لتفتح جهازها _ اللاب توب _ لتستكمل مقالها مردفه في ذهنها
- اشتغل أحسن لأني لو قعدت كدة مش هبطل تفكير وحركات مجنونة، أنسب حل للنسيان الشغل ..
فتحت تتطبيق الوررد لتكتب عنوانًا بالخط العريض باسم الحبل السُري ثم اتخذت نفسًا عميقا وشرعت بنثر كلماتها فوق أحرف اللوحة الالكترونية باللهجة المصرية ..
[ بما أن العمود بتاعي اسمه من قلب الشارع ، فأنا قررت كلامى يكون بلغتنا كلنا، بعيدًا عن الكلام الفصحى والجرائد، كلام يخرج من القلب للعقل، كلنا نفهمه ونترجمه.
كنت قاعدة في كافيه بدور على موضوع افتتح بيه مقالي الأسبوعي، اتفاجئت بوداني اتحدفت على التربيزة اللي جنبي لما بنت سألت مامتها سؤال بيتردد في ذهننا كلنا يوميًا وعمرنا ما فكرنا نواجهه، البنوته دى كانت بتقول ايه !
ماما هو إيه اللي يخلي أي اتنين في الدنيا يكملوا مع بعض لآخر العمر .. من غير ما يزهقوا أو يملوا ... ماتقوليش حب .. أنا عاوزة أعرف إيه القوة الكونية اللي في الحب تخلي أي اتنين متعلقين في روح بعض للأبد ؟!
كنت متحمسهة جدًا أعرف رد مامتها، وحقيقي ردها عجبني، مختصر ردها إن الحب من الحاجات الاساسيه اللي منقدرش نستغنى عنها ولا نعوضها حتى ولو مافيش حب، فى نوع من الحب ممكن نحطه تحت بند التعود، أنت اتعودت ترجع من بيتك تلاقى مراتك مجهزه الأكل والمكان النضيف اللي بتلقائية نفسيتك بترتاح أول ماتدخل وعلى المقابل تكون مجبر تقدرها وتحسسها بمجهودها وأد إيه أنت من غيرها ولا حاجة .
وقفة .. طبعًا كلنا عارفين الكلام دا، طيب تيجوا نتخيل لو في يوم الزوجة قامت بكل مهامها على أتم وجه ومستنية كلمه شكر واحدة من جوزها تهون عليها فللأسف متلاقيش غير عنف وصوت عالي وووو .. دايما طرف قايم بدور العنصر المضحي على سبيل عمار سفينة حياتهم، هنا بقى هيدخل رتم العلاقات في نوع من الملل والزهق والكأبة، والشخص اللي بيدي هيتعب .. ودا سبب اسم المقال بتاعي ..
بمجرد ما طنط مامت البنوته جاوبتها، جيه في بالي مقال للدكتور طه محمد كان بيقول فيه إن أي علاقة بين أي اتنين ما ينفعش تقوم على طرف واحد، وهو الطرف المعطي دايما هو مصدر كل حاجة في الحياة والطرف التاني كل اللي عليه يمرع وينعم بالعطاء كالجنين في رحم أمه .
أي علاقة فالدنيا لازم تكون العصاية فيها ممسوكة من النص، كفتين ميزان على أد ماتاخد على أد ماتدي، بلاش نرسخ فكرة إن شخص واحد هو محور الكون، مافيش حاجه اسمها أنا وبس وأنت من غيري مش هتعرفي تكملى ! بلاش علاقات استعبادية واعتمادية قائمة على طرف واحد وبس .
نرجع لسؤال البنوته ونختصر إجابته في معادلة بسيطة، الحياة مبنية على معادلة الأخذ مساوٍ للعطاء، لو كفة خفّت عن التانية هنلاقي نوع من الخلل، عمر الحب ما هينفعنا لو معندناش فن التعامل مع الحبيب،بالعكس أزواج كتير مابيحبوش بعض بس مكملين عشان عارفين يتعاملوا مع بعض إزاي .. كلنا مخلوقين من نفس واحد مكملين لبعض مش مستعبدين لبعض، يبقى القوة الكونية مش فالحب .. القوة الكونية في استمرار الحياة بين أي اتنين فينا إحنا .. وفي فن تعاملنا مع بعض .
فن التعامل أساس أي علاقة
بقلم داليدا فريد ...
تنهدت بارتياح قائلة: يارب يعجب دكتور فؤاد
لم يشغلها مقالها الأسبوعي عن التفكير والانجذاب له، وبدون تفكير قررت أن تهاتفه لتطمئن عليه .. ظل عقلها يوعظها
- ياداليدا ماينفعش بطلى جنان ..
قلبها محاولا السيطرة على عقلها
- هرن رنه بس .. لو مردش أنا هقفل .. منا لازم أطمن عليه وكمان أعرف هو اتعصب ليه كدة لما شافنى
في شقة زين
انصرفت أخيرًا من شقته فريدة درويش وبعد مغادرتها بدقائق كان الدكتور عماد بصحبة الممرضة أمام شقته، فتح زين الباب قائلاً
- تعالى اتفضل ..
عماد بذهول واستغراب: أنت مجنون ولا قاصد تجنني معاك ..
زين ممازحًا: ولما أنت تتجنن أنا مين يعالجني !
أردف عماد داخل المنزل مشيرًا للممرضة
- الواضح عليه بقى كويس .. استنني فالعربية تحت ..
غادرت الممرضة وأقفلت الباب خلفها تنهد عماد قائلاً
- طردتها ليه ..
زين بمزاح: والله لو كانت حلوة ما كنت هسيبها تخرج حتى دقيقة !
عماد بنفاذ صبر: يابنى أنت مش راحم نفسك ليه !
زين بلا مبالاه وهو يتجه نحو المطبخ
- ياعم وأنت متعصب ليه وهو كان حد منهم اشتكالك، ما الدنيا حلوة أهي وكلنا بننبسط !
عماد وهو يجلس على الأريكة
- لا وكمان بتهزر، وأنا اللي جاي على سرعه ٢٤٠ عشان أحسن تعمل في نفسك حاجة ..
وقف زين أمام بار مطبخه قائلاً.
- متخافش مش هنتحر، لسه ماوصلتش للمرحلة دى .. المهم قولي أنت خايف عليا !
رمقه عماد بنظرة سخط قائلاً
- ودا سؤال ! ياخى لو مكنش بحكم مريض ودكتوره، فأكيد باعتبار إننا ولاد عم .. ودا واجب إني اتسحل وراك لما تكون واقع في مصيبة ..
قهقهه زين وكأنه لم يصاب بشيء منذ ساعات، كأن ما جرى مجرد نوبة لم يتذكرها ..
- تشرب إيه ؟!
- اعمل قهوة عشان شكلك ناوي تطير آخر شوية العقل اللي في دماغي .. أنا حقيقي مش عارف مين فينا الدكتور ومين المريض على بال ماأغسل وشي وأجيلك ..
في غرفة داليدا
تجوب غرفتها ذهابًا وإيابًا بقلق وتوتر، فهو من ضيع طريق عودتها له، ولكنها مازالت تحبه بصدق ويرفضه كبريائها بصدق أيضًا .. أظهرت رقمه على شاشة هاتفها مستجمعة شتات قوتها وعازمة الأمر وصوت يصدر من جوفها ليحمسها على ارتكاب جريمتها
- هطمن عليه وبس .. يلا ياداليدا ... مش يمكن هو مستنى اتصالك !
تاااابع ◄ لازلت أتنفسك