رواية لازلت أتنفسك الفصل الثانى

 

 

 أصابها الخوف في مقتل، فزعت كالملدوغة  من فوق مخدعها ثم ثنت ساقيها بالقرب من صدرها، كُورت جسدها حتى إصبع قدمها كورت بمجرد ان سمعته يقترب من غرفتها ويحاول فتحها، ابتلعت. رياح صوتها أصبحت بكماء، كل عضو فيها سكن إلا قلبها أصبح يتراقص كالطير الذبيح في آخر أنفاسه .. انسكبت دمعة حارة من طرف عينيها .. وازدادت سيول دمعها عندما سمعته يتفوه بصوت خافت
- افتحى يا داليدا .. دانا عمك إسماعيل !



ظن أنه بذلك سيطمئنها ولكنه أرهبها أكثر، تمنت لو يكون لصًا لتقاومه بكل ما أوتيت من قوة، تمنت أن يكون قباض روحها ( عزرائيل ) على أعتاب غرفتها ولم يكن ذلك اللعين الذي استحوذ على فكر وقلب أمها متسللا إليها خلف جدار الحب ..

ابتلعت داليدا ما تبقي في لُعابها من رطوبة، متجاهلة وجوده بعد ما اطمئن قلبها قليلاً عندما رأت الباب مقفولا ..

نحبت بصوتٍ مكتومٍ على مرارة حالها، أصبحت كالسجين الذي يود أن يلحس أسوار سجنه ربما تنصهر من حرارة أوجاعه، تمنت أن تجد مفر إلى آخر الدنيا أو بالأخص بعيدًا عن ذلك السجان، ازدادت محاولات فتح إسماعيل للباب بحرص شديد خشيه من استيقاظ زوجته ..

 أنت واقف عندك ليه ياإسماعيل
أردفت سعاد جملتها بدهشة وهى تقف على أعتاب غرفتها بصوت يغلبه النوم، انتفض زوجها من موضعه، يبدو عليه بوادر الارتباك والتوتر ..

- أصل ... أصل ... أصل ..

عقدت سعاد حاجبيها
- أصل ايه ! مالك ..

اقترب منها بحركات مطصنعه ليثير شفقتها
- كنت قايم أشرب سمعت داليدا بتصرخ وبتقول كلام كده مفهمتوش، حبيت اطمن عليها وأسقيها بؤ ميه طلعت قافله على نفسها ... يلا الواحد مايعرفش يعمل خير فالبلد دى !

ربتت امراته علي كتفه بحنو
- تشكر ياإسماعيل .. ماأنت أبوها ومربيها يعنى من وهى عيله آد كدة .. خش نام أنت وأنا هطمن عليها ..

طأطأ إسماعيل رأسه بتصنع ثم دلف إلى غرفته يردد في سره
- ماشي ياداليدا أنا وراكى والزمن طوويل ..

طرقت سعاد على باب غرفتها ابنتها
- داليدا حبيبتى إنتى صاحيه ...

لم تصدر داليدا أي صوت، فقط إكتفت بصمتها الممزوج مع دمعها المنهمر .. تسللت أمها بهدوء من أمام غرفتها فاقتربت من صغارها النائمين بغرفة الجلوس، بسطت عليهما الغطاء حتى عادت إلى غرفتها

- مالك ياإسماعيل .. أنت لسه منمتش يااخويا .

إسماعيل متكئا على جانب السرير مفكرًا
- أصل بفكر في كلامك .. مش سبق وقولتيلى افتح مشروع استرزق منه بدل قعدة العواطليه دى ..

عقدت سعاد حاجبها فوق رأسها
- اااه ياخويا .. يسلم فومك .. وناوي على ايه ؟

أجابها بمكر
-سبينى أدورها الأول وبعدين هقولك ..

ابتسمت سعاد ثم ربتت على كتفه
- ربنا يكتبلك الخير .. تصبح على خير عشان نازلة الادارة الصبح بدري .

رمقها بنظرة خبث
- وأنتي من أهله ياأم عمر ياغالية ...

ثم عاد إلى حبال تفكيره الدنيئ .. كأنه ينتوي فعلاً ما ..

 في غرفة داليدا
اعتصرت جفونها بمياه عينيها حتى غلبها النعاس فألقت بجسدها المُتهالك رغماً عنها حتى سبح في بحر أحلامها الذي لم يختلف عن سواد واقعها، لم تخل أحلامها من رؤياه بمختلف حالاته، مرة ضاحكًا وأخرى مستنجدًا ومستغيثًا بها، استمرت في صراعه طويلاً لا تستطيع الهرب منه ولا إليه ..

ارتدى زين منامته ثم خرج من مرحاضه باحثًا عن مصدر الصوت ولا يخلو ذهنه من التفكير المستمر
- ياترى مين ! داليدا ! هى الوحيدة اللي معاها المفتاح ! بس لا مظنش إنها ترجع ...

قطع حبال الشك وأوهامه التي كان يرغب أن تتجسد أمامه، كان قلبه يؤلمه قليلاً يشعر أنه بحاجة لرؤيتها، ظهر أمامه رفيقه أكرم ، شعر زين بقبضة اعتصرت قلبه
- أكرم ! أنت هنا ؟!

أكرم ممازحا: أومال هناك ؟

- مش قصدى .. بس دخلت هنا اززاي ؟
أشار أكرم على شنطة زين الجلدية
- حضرتك نسيت دى فالمكتب، وطبعا تليفونك مقفول، وكنت قلقان عليك فقولت مابهدهاش بقى أما أطب عليه ... اي أنت معاك حد كدة ولا كدة جوه !

ابتسم زين رغم عنه
- والنبى أنت فاضي ورايق .. وأنا مافيش دماغ لرخامتك ...

- ياعم اضحك محدش واخد منها حاجه ..

ثم بسط أكرم كف زين واضعا مفتاح شقته داخل راحته
- مفاتيح ياهندسه ...

تأمل المفاتيح باندهاش
- دي المفاتيح اللي كانت مع داليدا ! أنت جبتها إزاي ؟

قضب أكرم حاجبيه
- يابنى كانت في شنطتك ..

تذكر زين اللقاء قبل الأخير بينهما ..
- دا آخر كلام عندك ؟
صمت زين ولم يبد أي رد .. اكتفى بالنظر طويلاً نحو البحر .. أومأت داليدا بارتضاء تخفي خلفه بركانها الذي يحرقها من الداخل .. ثم أخرجت المفتاح من حقيبتها العالق في ميداليه فضيه تطوى صورة لهما
- تمام .. اتفضل أظن إنه ملهوش لازمة معايا .. أبقى إديه لعروستك بقى اللي هتعمل ديكورات الشقه على مزاجها ..

قبض المفتاح المعدنى في يده ثم أردف قائلاً
- أشوف وشك بخير ..

أجابته باستياء
- ياريت تخليها آخر حاجة ممكن تتمناها .. يستحسن إنك ماتشوفنيش تانى يازين .. عن إذنك ..

خطت من امامه حاملة في قدمها بذرة وجع نابتة حتى رأسها .. تحارب عينيها كى لاتسقط قطرة استغاثه، راجية قدميها أن تتحملها حتى مخدعها فقط، راجية قلبها أن يكُف عن ركضه حتى تصل شط الامان بالأخص بعيدًا عن مرمى عينيه ..

فاق زين من شروده على صوت أكرم
- لا دانت مش معاايا خالص .. زين صباح الخير بالليل ..
- هااا .. أنت لسه هنا؟!
أكرم ممازحًا
 ماشي ياعم أهو .. خلاص اطمنت عليك .. المهم ٧ الصبح ألقاك في مقر الشركة .. عندنا شغل يهد جبل .. تصبح على خير ..

تركه أكرم في شروده ودوامة فكره الذي تسحب به إلى أسفل، أسفل لا يدرك مدى نهايته ... ألقى نظرة أخيرة على المفتاح العالق بيده ثم ألقاه بلا اهتمام معاودًا إلى غرفته
- يومين ويروحوا لحالهم يازين .. بلاش والنبي كلام فارغ وحب وقلب فاضي، وأنت هتشتغل نفسك ولا ايه ! نام نام أهم حاجه مستقبلك ...

ألقت الشمس ستائر أشعتها المحجوبة خلف السحب المتكثفه، اكتفت بإصدار نور فقط بدون حرارة كأنها اكتفت بالحرارة التى في جوف سُكانها ..

انتهت داليدا من ارتداء ملابسها بعد كسل وعناء شديد، خرجت من غرفتها لم تجد أحد بالمنزل سوى صوت التلفاز المرتفع .. دارت بجسدها وقفلت باب غرفتها خلفها ثم اقتربت من التلفاز أغلقته، وأيضًا جثت على ركبتيها فوق الأريكه لتغلق النافذه التى ينبعث منها أصوات مزعجة، ما أن انتهت من غلقها فجاة شهقت كشهقة الولادة ..
 أنتى قفلتى التلفيزيون ليه
قال اسماعيل جملته وهو خارجًا من المرحاض ويحكم قفل بنطاله الفضفاض ..

تنهدت داليدا بخوف
- ماما وأخواتي فين .. ؟

غمز زوج أمها بطرف عينيه
- تقدري تقولي مافيش غيرنا هنا ياجميل ..

كانت نظراته إليها مقززة، جعلتها تشمئز من بدنها، لملمت شتات شملها سريعًا
- ماشي أنا ماشية ..

قبض إسماعيل على معصمها بنظرات شهوانية قبيحة
- ما تستنى إحنا مخلصناش كلامنا يا حلوة ...

ارتجف جسدها وأوشكت على الانهيار أمامه، لم تعلم من أين اتتها القوة التى جعلتها تزيحه عن طريقها وتفك قبضة يده، كانت تعتقد أن زين غادر وسحب مع روحها قوتها أيضًا،، رمقت زوج أمها بنظرات متوعدة
- انت لو مبطلتش طريقتك دي أنا هقول لماما وهى تتصرف معاك بقى، إنسان مجنون مش طبيعي عايش على قفا مراته ..

قهقهه إسماعيل بسخريه وهو يقترب من الأريكة ليجلس فوقها بفظاظا
- ولا هتقدري تقولى حاجة، ولا أمك نفسها هتقدر تعملّي حاجة،، عارفه ليه ؟ عشان أنا واكل بعقلها الحلاوة ومشربها المهلبية ...

نظرت له بضيق واغتياظ ثم اقتربت من الباب لتتحرر من سجنها ولكن أوقفتها جملته الاخيرة
- اااه ويستحسن تبقي حلوة معايا وتسمعى الكلام .. عشان انا سايبك بمزاجى هاهاها ..

أغمضت عينيها لبرهة، كانت كلماته كالزئبق الذي اخترق أذنيها، أخيرًا خرجت من البيت وأغلقت الباب خلفها بقوة وهى تجر معها خيبات الأمل والقهرة ..

وصلت لموقف الأتوبيس، وصعدته جالسة بجوار النافذه الزجاجيه مستندة برأسها عليها .. شغل السائق مجموعة من الأغاني واحدة تلو الأخرى، وكل واحدة منهما كانت تخاطب شعور ما بداخلها، إلا أغنيه واحدة صفعت قلبها بقوة _من أعطى الحق لعمرو يمزق قلبي لهذا الحد_  أسرني عمرو بكلمات مبعثره ولحن شائك يمر على جدار قلبي ( عكس بعض!)

مبزعلش أما بفتكرك، بلاقي كل ما أتأمل
ماضينا مكانش فيه حاجة، تقول إن إحنا هنكمل
كنا دايما عكس بعض، قولي من إمتى إتفقنا
دا احنا لو نشبه لبعض، ف الشبة يمكن فراقنا
بعدنا أكتر ما قربنا، وسبنا الحب وأهو سابنا
ولما بنحكي حكايتنا، يا بنزود يا بنجمل

وضعت داليدا كفها فوق قلبها متنهده بمرارة وخذي ثم أردفت قائلة
- حرام عليك ياعمرو .. حتى أنت !

لم يكف عمرو عن كلماته بل أكمل يبدو أنه مستلذ بأحزانه ويريد أن يأسرنا معه كي لا يكون وحيدًا

       رسمتلي صورة للجنة في أول مرة نتلاقى
مشيت وياك بطيب خاطر، لقتني ف حيرة ومتاهة
عرفت ف قربك الوحدة، في حضنك كنت متغرب
وسيرة الحب لو تيجي، بقيت منها بخاف و أهرب

فرت دموعها خلف بعضها كالسجين البرييء الذي هرب من سجنه للتو، ظافرًا بحريته ...

 في مقر شركة زين قيد الإنشاء

زين باشا .. عندك أي تعليق تاني بخصوص الديكورات ؟
أردفت مهندسة الديكور جملتها بصغية رسميه ..

أومأ زين رأسه إيجابًا
- ااه في شوية ملاحظات كدةبخصوص مكتبى .. أما باقي الشغل تماااام ...

ابتسمت بامتنان
- تحت أمر حضرتك في أي حاجة ..

نظر أكرم إليها
- كدة قدامك أد إيه ؟!

- ممم مش قبل ٢٠ يوم ..
أكرم بحماس: لا والنبي استعجلي شوية معاد افتتاح الشركه أول شهر ٣ .. ولسه قدامنا حاجات كتير ..

- سيبها بظروفها يابيشمهندس .. بعد إذنكم

انصرفت فريدة مهندسة الديكور، وجهه أكرم حديثه إلى زين
- أنا مبسوط أوي،، أخيرًا حلم العمر هيتحقق ..

اقترب زين من النافذة بهدوء
- هانت خطوة خطوة .. هتبقي الشركه الصغيرة دي من أكبر شركات العالم في مجال الكمبيوتر ..

- حيلك حيلك ياهندسة .. داحنا لسه بنقول ياهادى بكام جهاز روبابيكية كدة نصلحهم وننزلهم السوق ..

تنهد زين بحماس
- متخفش الأوضه اللي جمب مكتبك دي مسيرها تبقى مصنع كبير .. وسع خيالك أنت بس وهتتعدل ..

شعر أكرم بالحماس الزائد
- إيدى على كتفك أهوو ... يامسهل ..

نظر زين في ساعته الفضية
- أوبا الساعه ١ .. بص خليك انت مع الصنايعية وأنا عندي مشوار كدة وراجعلك ..

- رايح فين يابني ! أنت ماتعرفش تقعد ساعه على بعضها ..

- فكك مني ياعم أكرم .. يلا ع تليفونات ..

ضرب أكرم كف على الأخر على حال رفيقه
- مش مرتاحلك ياابن السباعى ..!

صعد زين سيارته متجهًا نحو جامعة اسكندرية بحماس

فلاش باااك

اسيقظ زين بعد محاولات عديدة من أكرم، ارتدى ملابسه بتكاسل ثم علقت عيناه على صورتها الموضوعة فوق مكتبه، تأملها طويلاً .. ظل يتساءل دومًا لما يعود إليها بعد الفراق، ما الشيء الذي يسحبه من ظهر قلبه إليها، أصبح كالمجرم الذي يعود دائما لمسرح الجريمة عاشقًا النظر في عينيها، وهكذا حال المجرمون يعشقون ويستلذون بوجوه ضحياهم ..

نزل من منزله أخيرًا وقاد سيارته يستمع لإحدى أغاني رامي صبري الذي خطفته من مكانه لشط إسكندرية الموجود أقصى يساره

غمضت عيني وقولت نفسي أشوفها تاني
وألمس إيديها وأضمها حتى ولو ثواني
من بعدها مش لاقي حاجة مطمناني
شئ مستحيل ينساها قلبي ولو لليلة
في بينا عشرة وذكريات وحاجات جميلة
ضاعت خلاص مني وياريت بإيديا حيلة
كل ما أنساها أفتكرها مهما أشوف مابشوفش غيرها
الوحيدة اللي معاها وفي هواها ارتحت أنا
عمرها ماهتبقى ماضي اللي بينا مكنش عادي
حب عاش من يوم لقائنا ولسة هيعيش مليون سنة

سبح في أعماقها، لماذا كلما أقرر التخلص منها ألف شيء يثبت لي أنه لا خلاص منها سوى احتضانها، لم يدرك كيف ازدادت سرعة سيارته، أصبحت تطير فوق الأرض ولكنه فرمل فجاة حتى أصدرت صوتًا مزعجًا عندما فوجئ بفتاة تسقط أمام سيارته ..

        دلف من سيارته مهرولهًا ليطمئن عليها، تلك التى جثت على ركبتيها وبُعثر كتبها أرضًا
- أنتي كويسة؟! حصلك حاجة ؟ أنا ممكن أوصلك المستشفى ..

زاحت شعرها عن وجهها ثم أردفت قائلة بكلل
- لا الحمد لله سليمة ..

ارتبك زين ثم سألها
- متاكدة ؟ طيب أنا أساعدك إزاي .. قوليلي ..

حاولت الفتاة أن تنهض لوحدها ولكنه سرعان ما تقدم ليمسك بها ويساعدها أردفت قائلة
- حصل خير، تقدر حضرتك تمشي .. وأنا هوقف تاكسي ..

نظر إليها بعيون ضيقة
- ودي تيجي ! أنا ممكن أوصلك مكان ماأنتى عاوزة واعتبريه اعتذار رسمي مني ..

- مش عاوزة أتعب حضرتك  ..

- لا أنتي هتتعبينى فعلاً لو موافقتيش أوصلك .. وإلا هعرف إنك لسه زعلانة ..

ابتسمت رغمًا عنها ثم أردفت قائلة
- أصل ...

زين مقاطعًا
- أصل ايييه ؟ يبقى لسه زعلانة !

ضحكت الفتاة بصوتٍ خافت ثم أومأت إيجابًا واتجهت نحو باب سيارته ولكنه سبقها وفتح لها الباب
- اتفضلى .. والله العربية بتزغرد ..
اكتفت بابتسامة خفيفة، صعد زين بجوارها
- ها معاليكى تحبي تروحى فين ؟!

- الجامعة لو مفهاش تعب ...

- من عينيا ..

اختلق زين معها ألف حديث بأسلوبه المرن الخدّاع الذي يجذب كل الفتيات إليه ممزوجًا بصوت ضحكاتهما المرتفع .. وصل أمام بوابة الجامعة

- الطريق خلص بسرعة .. ياخسارة ..

ضحكت الفتاة قائلة
- سعيده جدًا إني اتعرفت على حضرتك ..

أجابها بمزاح
- وأنا أسعد والله .. طب إذا كان كدة رقمك ياجوجو بقي عشان اطمن عليكي ..

نظرت إليه بعدم تصديق
- انا بقيت كويسة خلاص .. مافيش داعي ..

خطف زين من يدها هاتفها بعفويهة وطريقة مرحه وقام بتسجيل رقمه ثم رن على نفسه
- أصل نسيت أقول زين السباعى مابيحبش الكلام الكتير ..

نظرت له بااعجاب ثم دارت لتدلف من سيارته، قاطعها زين
- قولتيلى محاضراتك هتخلص إمتى

نظرت إليه جهاد باستغراب
- ماقولتش ع فكرة !

زين بعفوية: بجد ! يبقى قوليلي بقى هاا إمتى ؟

- ليه ؟!
أجابها ممازحًا
- عشان أعرف هتخرجي إمتى وآجى أخبطك تاني  ..

ضحكت جهاد بصوت عالي ثم أردفت قائلة
- لما أحب أتخبط تاني هابقي أكلمك ...سلام

نزل زين خلفها سريعا ووقف أمامها
- طيب وأنا اللي أتخبطت في قلبي أعمله إيه !
- لو سمحت ممكن توسع عشان مستعجله ؟!
- منا مش هوسع غير لما تقولى .. &صلك متعرفنيش دماغى جزمة قديمة ... هااا يلا ..

ابتسمت جهاد ثم قالت
- هخلص ع الساعه ٢ كدة .. يلا بقى ممكن أعدى ..

انحنى زين أمامها مشيرا لها بكفه
- اتفضلي معاليكى ...
لم تنكر جهاد أن أسلوبه واندفاعه أربك شيء ما بداخلها .. شعرت كأنها تعرفه من زمنٍ طويلٍ، انتظرها زين حتى دلفت داخل البوابة ثم لوح إليها بكفه مبتسمًا

استعجبت جيهاد قائلة
- والله مجنون !

بااااااك

 

أمام بوابه جامعة إسكندرية ينتظرها وينظر في ساعته تارة وتارة أخرى على البوابه، قرر أن يهاتفها تليفونيًا ولكنه توقف عندما وجدها تخرج بصحبة رفيقتها ... نزل سريعا من سيارته نحوها ..

- جهاد ...
ارتبكت بمجرد أن رأته، تبادلت هى ورفيقتها النظرات بدهشة .. أكمل زين حديثه
- عاوزك بس ١٠د ..

أومأت صديقتها إيجابًا
- طيب ياجوجو هامشي أنا بقى .. باي باي ..

إلتفتت نحوه جهاد باغتياظ
- أنت مجنون ! أقولها إي أنا دلوقتي ...

ابتسم زين ابتسامة جذابة
- قوليليها إنك وحشتينى .. وبعدين أنتي نسيني اتفاقنا ؟

رفعت حاجبها مستفهمة
- اتفاقنا ؟!

- مش انتى يابنتى اترجتينى الصبح عشان أجى أوصلك لأنك تعبانة وكدة

اتسعت حدقه عينيها بذهول
- أنااااا !

ضرب زين كفًا على كفٍ
- وكمان نسيني إننا هنتغدى سوا فالمكان اللي تختاريه ؟

ازدادت دهشتها
- كمااااان ؟! أنت بتجيب الكلام دا منين ..؟

- هنزغي فالشارع كده ؟! ميصحش أنا بردو ماحبش حد يقول على مراتى كلمه كدة ولا كدة ..

- هاااااار منيل على دماغى ! أنت شارب إيه

زين بفظاظة
- كلمه كمان وهشهد عليكي الناس دي كلها، سايبة ولادك وجوزك كدة لوحدهم .. تحبي تشوفي .. هااااااااااا يلاه ..

لم تجد أي مفر سوى أنها تطاوعه وتصعد معه سيارته
- أنت طلعتلي منين ؟
- اششش صوتك مايعلاش .. دا مش كلامي ماستغربيش! دا كلام العقل والأصول .. عمومًا لينا بيت ياهانم نتخانق فيه ..

ضربت رأسها بكفها باغتياظ
- بيت إيه دا كمان !

قهقهه زين بصوتٍ عالي وهو يتحرك بسيارته
- بيت ؟ بيت ايه ! هو أنا قولت بيت ؟
                        **********
مساءًا
عادت وهى تشعر بشيء مبهم يأكل فى قلبها تشعر بثقل شديد لو وزع على العالم لاكتفوا وفاض الكثير لها بدأت تظهر على معالمها أثار الإعياء النفسي التى تمر به لتجد والدتها تجلس أمام التليفاز مردده:
_حمدلله على سلامتك يا ديدا غيري هدومك وتعالي عايزاكي
قالت بخفوت:
_ حاضر يا ماما.

دلفت لغرفتها ببطئ من شدة الألم الذي تشعر به لتبدل ملابسها ولسوء حظها تقع عيناها على سلسال فضي به اسمها وخلف الاسم اسمه هو محفور بها ممزوجة بعطره الذي لم يفارق تلك السلسال من يومها فتمسك دفترها وتدون:
_ رغم اتساع الكون من حولي احتلني الضيق ورغم حدة سطوع الشمس غامت عيناي ولا ترى أي شيء سوى ظلام دامس ورغم خفقان قلبي لوجوده بالداخل لا يؤلمني ويجعله يئن حقاً سواه ورغم ثرثرتي المعتادة يوجد بمنتصف حلقي ألف آه وآه تود الخروج.

أغلقت الدفتر وخرجت لوالدتها تسألها بهدوء:
_ خير يا ماما في إيه
ردت بسعادة:
_ النهاردة وأنا فى الإدارة قابلت طنطك ميرڤت  زميلتي اللي كانت بتيجي هنا زمان عندها رامى وعبدالله رامى اتجوز من خمس سنين وهاجر كندا وعبدالله مسافر أبو ظبي بيشتغل محاسب هناك وطلبت إيديك مني لعبدالله ميرڤت طيبة ومحترمة وابنها ميتخيرش عنها يا بنتي ومش هلاقي ليكي عريس أحسن منه وأنا موافقة.

كنيزك ترك براح الكون وسقط فوق قلبها تحديدًا، لم تتحمل صاعقة الحديث، لم تخطط له، لم تتوقع اقتحامة لقلبها بهذة الطريقة ..

منذ الصغر كانت أنتظر اليوم الذي سأرتدي فستاني الأبيض، ولكن اختلف الشعور مئة وثمانون درجة، لم يعد لدي الرغبة في ارتدائه، أصبح من حلم منتظر إلى واقع مقتحم حياتى رغم عني، شعرت بجبلين ينطبقان عليّ، تبخرت الكلمات من حلقي أصبحت إنسانة باردة متثلجة ..

 داليدا إنتى سرحتي في إيه ياحبيبتى ؟!
قالت سعاد جملتها باندهاش، ولكن لم تبال لها ابنتها أي اهمية، لازالت شاردة بعيدًا، لماذا قلبي ينعصر بداخلي، إنني حلمت الحلم وفصلته عليك .. عليك فقط، زين ..اليوم أنا أمام عرض مغري لارتداء الأبيض ولكنه ليس لك .. ربما لو كنت أنت العريس لتحول البيت والحي بأكمله لحديقة واسعة أطير فرحًا وأتمايل على كل بستان من بساتينها، ولكن ما جرى عكسًا ! لم أضع ذلك اليوم في حسباني، فقط وضعته لك ولأجلك فقط ماكنت أتمنى سوى أن أطير بين ذراعيك .. زين إحتضر إنني أضيع منك بلا رجعة !

رجتها أمها برفق
- يابنتى روحتى فين ! أنا بكلمك

لازالت تحت سطو دهشتها
- هاا ياماما معاكى ...

ربتت أمها بحنو
- ها ياقلب ماما قولتى إيه .. أكلمهم يجوا يوم الخميس !

فزع قلبها بألم جعلها تربت عليه وتتوسل له بالهدوء سينقضي الأمر
- لا ياماما .. أنا معنديش استعداد أرتبط دلوقتي .

انكمشت ملامح أمها ضيقا
- قوليلي ناقصك إيه يابتى ... ماإنتى خلاص كام شهر وتبقي خريجة، ياحبيبتى اسمعى منى البنت لها زهوتها وسنها لو اتعدته هتبقى زيها زي الأرض البور ...

انفعلت داليدا لتشبهات أمها التى لم تحاول أن تستفسر عن سبب رفضها اجغابت متأففًة
- لا يعنى لا ياماما .. ولو سمحتى قفلي عالحوار دا .. بعد إذنك ...

قبضت أمها معصمها بقوة جعلت جسدها يرتج ثم أجلستها عنوة عنها
- اقعدى هنا .. لسه مخلصناش كلامنا ..  كلمينى زي ما بكلمك ...

- تمام .. العريس دا شافنى فين ؟

أمها بفرحة
- من غير مايشوفك ياقلب أمك .. دا جااي على السمعة وهو أنتى شوية بردو ياديدا ..

داليدا باندهاش: ياسلام ! هيتجوز واحدة من سمعتها .. يعني لو حد قال عليا إن مشيي بطال هيسيبنى .. طب حلو أنا بنت عيارها فالت حاجة تاني ؟!

مسكت أمها كفها مرة أخرى
- يابنتى الكلام أخد وعطى .. طولى بالك .. بصراحة من إعدادية وأبلة مرفت حاطة عينها عليكى وأنتي عجبتيها أوي ياداليدا يابنتى ...

ازدادت دهشتها بالأكثر
- لا والله ! يعنى أنا عجبت أمه فقررت تجوزنى ابنها ! هتجوز أمه أنااا !

- وفيها ايه يابنتى ما كلنا اتجوزنا كده ..

داليدا بانفعال
- ااااه الماما تيجي تعاين البضاعة ولو كيفتها وجيت ع هواها يبقى تجوزنى ابنها ... بذمتك دا عقل ..

أمها نفذت طاقات صبرها
- بت انتى اتكلمى عدل ... مال كلامك كدة مش عاجبني .

داليدا بنفاذ صبر
- وعلى إيه أنا هقوم أهو .. وبلغي أبلة مرفت ردي .. لا .

وقفت أمها بلهفة
- بس إحنا كلنا موافقين ...

داليدا بعصبيه
- كلكم مين بقى ... ؟
- أنا وعمك إسماعيل .. ووو
داليدا مقاطعه
- بسسسس .. ممكن محدش يرسملي طريقي ولا يشوفلي حياتي بعيونه، والله أنا مفتحه أهو وبعرف أشوف كويس ..

الأم بنرفزة
- بت أنتى معاكى لبكرة تدوريها في دماغك وتعقلي كدة .. أنتى مش عارفة مصلحتك ومش فاهمة أي حاجة ... وبكرة أعرف منك هتقابلي مرفت إمتى ..

ضحكت داليدا ساخرة
- ماشاء الله .. حضرتك مخلتيش قدامي حل غير إني أوافق والمدة دي عشان أوافق يعني مافيش مفر ... ! ماما أنا مش هتجوز بالطريقة دي .. لو سمحتى طلعينى من دماغك وسبينى في حالي ...

تركت داليدا أمها تشتعل من الداخل وتضرب كف على الأخر ..
 أقول لمرفت ايه أنا دلوقتي ؟ اهديها يارب وعقلها

دخلت داليدا غرفتها ثم أحكمت غلقها وأطلقت العنان لعينيها تندفع في بحور أوجاعها ..

 ليه كده يازين دانا رسمت كل حلو معاك .. وأنت حبيت الرسمة ولونتها وحولتها لواقع بيطير قدام عينيا .. ياريتنى ما دخلتك حياتى .. كان زمانى طايرة وفرحانة زي أي بنت ! أنا عطيتك الحق تدخل حياتي عشان تنورها .. مش عشان تطفيها أكتر ... ارجع عشان أنا مش هعرف أفرح غير معاك

في المعتاد أن المرأة كالرصاصة لاتريد إلا قتيلا واحدًا، ولسوء حظي اقتنصتك بمهارة متدرب لأول مرة يحمل سلاحه، فخذلته رصاصته.

 

قبل ساعات
كان يجلس معها فى أرقى المطاعم بالإسكندرية ينظر لها بخبث وتنظر له هو بارتباك له إطلالة غريبة تجعل من يراه يهابه فى أقل من يوم أربكها وأربك قلبها المسكين فاقت من شرودها على صوته العالي مردفًا:
_ الجميل سرحان في إيه
ردت بشرود:
_ سرحانة في اليوم بتفاصيله إزاي خبطتني الصبح ودلوقتي قاعدة بتغدا معاك لا وجيت عند الكلية برجلتني ولخبطتني خالص أنت عايز إيه خبطتني واعتذرت رجعت تاني وعازمني على الغدا ليه

لوهلة انتابه شعور بالشفقة عليها من تصرفاته معها التى أربكت كيانها كليًا اليوم ولكنه طرد ذلك الشعور مسرعًا وهو يردد ببعض الخبث:
_ معجب بيكي حسيتك خطفتيني لما بصيت فى عينك حسيت إحساس غريب أوي
ابتسامة شقية تود الخروج من شفتيها ولكن حياءها يمنعها لتقول بتوتر:
_ أنت لسه شايفنى النهاردة
_ مش عارف في إيه بس أكيد هشوفك كتير وأتعرف عليك أكتر وأكتر يلا كل يا جميل

فاق من ذكرياته على صوت رنين جرس المنزل فتح ليتفأجئ ب آخر شخص يتوقع أن يأتى إلى هنا سونا ليهتف بذهول:
_ سونا إيه اللي جابك هنا
ردت بدلال وضحكة رنانة:
_ وحشتني يا زوز
ردد بجدية متسائلًا:
_ جبتي عنوانى منين
أجابت بشئ من التوتر:
_ خليت سوزى تسأل أكرم وجيت.

للحظة ود أن يطردها من هنا ولكن شيطانه لم يسمح له ليجذبها إلى الداخل وهو يقول بخبث:
_ ليلتنا فل إن شاء الله
دلفت وهى تخلع ملابسها عنها بوقاحة ووقعت عيناها على الحاسوب فتحت علي أغنية المطرب الشعبى الشهير محمود الليثي وأخذت تتراقص على ألحانها بدلال صدرت من ضحكات متتالية على وقاحتها تتراقص ويتراقص معاها رغم أنين قلبه المؤلم خبثه ووقاحته وعبثه أقوى  منه اقتربت منه تقبل كل شبر به عينيه شفتيه ذهب سحر اللحظة وهو يرى طيف يظهر بوضوح لسيدات حياته الراحلين وصوت يصدر من طيف والدته:
_ دي آخر تربيتي فيك يا زين وبتسألني مش بزورك فى أحلامك ليه ..، ليه كده يا زين حرام عليك ..حرام عليك نفسك أبعد عن طريق الهلاك اللي أنت ماشي فيه ده لما ألاقي زين ابني اتغير هبقي أزوره.

غمغم طيف داليدا وهو يئن:
_ مش مسمحاك يا زين ولا فى اللي بتعمله ولا فى اللي بيحصلي من ساعة ما سبتنى مش مسمحاك على كل لحظة وجع بعيشها
في غمضة عين اختفى طيف كل منهما لينظر بذهول إلى أماكنهم وهو يهتف بهياج:
_ بس بقا بس جننتوني حرام عليكم مش قادر من الوجع ..
احتل الخوف صدر سونا وهي تتساءل:
_ مالك يا زين فى إيه
قبض على معصم يديها وهو علي حالته:
_ اطلعي برة اطلعي متجيش هنا تاني أبدًا هقتلك لو جيتي هنا تاني برة

رحلت بذعز وذهول من حالته وجلس هو موضعه وهو يشعر بنيران تأكل فى جسده
كل يوم بقول، إمتى ترجع ليّا إمتى، صعبة أوي الحياة
صعبة من غيرنا أنا وأنت، قولي إزاي أعيش!

ذكريات كتير، بتقابلني معاك يوماتي، بتفكرني بيك
و بسنين حلوة في حياتي، قولي إزاي أعيش ..!

بعدت السماعات السلكية عن آذانها، لم تتحمل مرارة ما يتذوقه قلبها، أصبح بكاؤها حادًا مُدبب الأطراف يمر فوق وجنتيها فيخدشهما ..

تقلب في صورهما معًا، أصبح قطعة معدنية تحمل بين طياتها ذكريات تتمنى ولو تعد منها ولو لحظه، رفعت عينيها لأعلى في صمت تام ولكن كل عضو بها يطلب استغاثة ونجدة من تصدعها الداخلي ..

     لم أفتقدك ولكننى افتقدت شعور الأمان معك، لم أشتاق إلى رؤيتك ولكنى اشتقت لرؤية وجهى ضاحكًا، لا أريد احتضانك ولكن قلبي يريد أن يرسل السلام لقلبك ليتحسس نبضه، كنت سببًا كافيًا لكى أزهر ، فماذا أنا بفاعلة باليوم الذي غربت شمسك عن سمائي، أصبح غيابك مريبًا، أصبح عدوًا ينهشني بدون رحمة ..

بدون تفكير فتحت صفحته الإلكترونية  فيس بوك  تترقب يومياته، ولكنه كالمعتاد حجر صلب لم ينطق تتحول الميديا عنده لصمت خالي من أي ثرثرة، يراها وسيلة اتصال كاذبة تتلاعب بالمشاعر دون جدوى ..

كانت شديدة الحرص ألا تضغط على أي شيء لينكشف أمرها وأنها لازالت تترقبه، لازالت تنتظره، لازالت تفكر به ..

جففت دمعها بصعوبه، فكل ما تزيح دمعة تركض خلفها الأخرى لتلحق بها ..

فلااش باك
 زين زين زين ... اقف على جمب والنبي
قالت داليدا جملتها باندفاع وحماس، ركن زين سيارته جنبا ثم أردف قائلاً
- مالك يامجنونه أنتى .

فتحت باب السيارة وركضت نحو أتيلية لفساتين الزفاف، دلف زين خلفها مندهشًا
- أنتى مجنونة !

اتسعت ابتسامتها وهى تتخيل نفسها بدال المنيكان الصلبة المتجمدة من أي مشاعر على عكسها فمجرد فكرة ما جعلت قلبها يغرد ..

زين بنفاذ صبر: أيوة يعني .. هنتنح للفستان كدة كتير !

هزت رأسها بالنفي
 زين شكلو حلو أوي .. حسيت قلبي اتخطف من مكانه

مسك كفها بإصرار وسحبها خلفه ثم دخل المحل .. داليدا بصوت منخفض
- أنت هتعمل ايه؟!
- هتعرفي دلوقتي ..
ثم رفع نبرة صوته لإحدى عاملات الأتيلية
- لو سمحتي ياأنسه .. خطيبتى حابه تقيس الفستان دا ..

ذهبت العاملة لتحضر الفستان،، اتسعت أعينها بذهول ثم قالت بهمس
- زززززززززين
ضغظ على كفها بإصرار .. كانت تشعر بضآله جحمها أمامه، رفعت عينيها لأعلى بنظرة تحمل شلالات مندفعه من الحب، فبعض النساء تمتلك سطو شرس مخيف لتغرق قلب الرجل عشقًا ..
- مجنون !
- بيكييي..

أحضرت العاملة الفستان قائلة
- اتفضلى معايا ياعروسة ..
وقعت الكلمة على أحزانها كلحن أسكرها، جعل قلبها يتمايل يمينا ويسارا يريد أن يسمعها أكثر وأكثر يريد أن بها يطمئن .. نظرت إليه بقلق بالغ، أومأ لها زين بثبات، تحركت داليدا خلف الفتاة بخطوات متباطئة ..

بعد مرور عدة دقائق خرجت داليدا مرتدية فستان الزفاف، تبدو كأميرات ديزنى، دار زين بجسدها نحوها مذهولاً، مبهورًا بالحورية التي سقطت من السماء للتو،  تبادلوا الأنظار فيما بينهما لغة خاصة بهما لم يفهمها أحد سواهم، كانت نظراتهم تمارس ذلك الحب المؤجل تتوسل لأقدامهما أن تلقي بهم في منتصف الدائرة، فأسوار قلبهما في حاجة لعناقٍ قوىٍ يحطمه ..

تنهد زين بحب ودهشة
- يخربيت جمالك .. إية الحلاوة دي !

دارت أمامه كالفراشة
- إية رأيك أنفع عروسة ؟!

تأملها من قدمها لرأسها مرة أخرى ثم تنهد بصوت مرتفع
- انا مش مصدق عينيا ...

أجابته ممازحة
- كده ناقصك البدلة صح ! ونبقي أحلى عريس وعروسة .

قرب منها بوله وهيام
- بدلة إية بس! أنا الود ودي أخطفك دلوقتي وأطير بيكي على مكان مافهوش غيري أنا وأنتي بس ...

احمرت وجنتاها بخجلٍ، قطعت أحلامهم الجميلة صوت العاملة
- هتاخديه حضرتك ..

فزعت داليدا لثقل سؤالها
- هاااا !

تنحنح زين، للتو أدرك حجم الورطة التي أسقطها فيها، سرعان ما ارتسم الجدية
- احنا هنلف شويه كدة وهنرجعلك تانى .. يلا ياداليدا غيري ...

حاولت كتم ضحكاتها قدر المستطاااع وبصعوبة قدرت تتحكم في غيبوبة الضحك التى كانت ستنتابها ..

باااااك
فاقت من شرودها ومازالت مبتسمة، فمجرد التفكير به يجعل قلبها يأنس .. وقعت عيناها على صورته المفتوحة على شاشة هاتفها
- عملتلك إيييه بس أنا ياا زين،، ! سبتنى لييييه ؟

أكرهك .. ولكن من فرط ما أحببتك أود أن أكرهك

صوت طرق على الباب، اعتدلت في جلستها بعدما أزاحت دموعها سريعا
- أيوة ...

سعاد بضيق: تعالى يا داليدا عاوزاكي ..

تنهدت بمرارة
 استرها يارب

خرجت إلى أمها باستسلام
- خير ياماما !

سعاد: هاا ياقلبي فكرتي ؟

داليدا بلا مبالاة: في ايه ؟!

أمها بضيق: في العريس يا داليدا يابنتي .. تعالي اقعدي كدة جنبي نتفاهم بالعقل ..
استسلمت لرغبة أمها ثم جلست بجوارها متأففة
- اسمعيني يابنتي .. أنتي عاجباكي المرمطة دي ! أديكي شايفة اللي جاي على أد اللي رايح .. وأنا عاوزة مصلحتك والواد شاريكى ياضنايا ..

داليدا مقاطعة
- ياااامااااما

لم تسمح لها أمها بالتحدث
- اسمعينى للآخر .. ياحبيتى كلنا بنكبر ومحدش ضامن عمره .. وبعدين الواد ابن ناس .. ولما ظروفه تسمح هياخدك معاه وتشتغلوا سوا وتبنوا قرش مع بعض ياحبيبتي ..

اختنقت لكلامات والدتها
- دي مش جوازة، دا مشروع فاشل وجوده والعدم واحد .. حضرتك حولتى الود والرحمة اللي ربنا أمرنا بيهم، لقرشين عشان نعيش ..

- يابنتي متتعبيش قلبي،، الواد لقطة ..

أجابتها ابنتها بنفاذ صبر
- أنا مش عارفة إيه الووواووو والانبهار فيه .. ياماما إنتى متخيلة يعني إية بيشتغل بره ! أنا هقولك .. يعني أنا مافرقش حاجة عن الكرسي والتلاجة اللي هيكونوا فالبيت، ولما يخلص لفته طول السنه يبقى يفتكرنى ٤٠ يوم يجي يقضيهم معايا ... اووووووه واووو بصراحة عيشة ولا أحلى،، لا ياماما أنا مش هسمح بالعك دا .. ومادام عاجبك أوي كده اتجوزيه إنتى أما أنا مش هتجوز جوازة الاموات دي .. عن إذنك ..

نادى عليها إسماعيل بحدة
- داليدددددا ...

دارت بجسدها متأففة
- أفندم !

زفر اخر نفس من دخانه ( شيشته )
- قومى ياسعاد سبينى مع ديلو شويه ..

كرهت اسمها من بين شفتيه، كانت تود أن تطبق على عنقه لا تخرج إلا بروحه،، تركتهم أمها ذاهبة نحو المطبخ

أردف إسماعيل بصوتٍ منخفض: مش موافقة ليه على العريس ؟

زفرت بضيق: ملكش دعوة ..

وقف ثم تحرك بقربها بخبث
- واللي يخلصك من الجوازة دي ؟

- مش عاوزة حاجة منك .. انا هعرف أخلص نفسي ..

قهقهه إسماعيل بسخرية
- بتحلمي ... أمك مش هتغير رأيها غير بكلمة مني .. وأنااااااا

صمت لبرهه وهو يتفتنها ثم أكمل قائلاً
- هخلصك من الجوازة دي .. بس بشرط .. قولتى اييه ؟!

شهقة عنيفة صدرت منها وهى تنظر له بذهول وقلبها يئن بضعف تشعر ببرودة في جميع أطرافها لتجر أذيال الخيبة والخذلان والضعف
هاربة إلى غرفتها الصغيرة وبثقل العالم ترتمي على سريرها باكية راجية عفو الله عن قلبها
- فينك ياازين .. كنت بتهون عليا كتيررررر ..

صباح ليس له شمس عليّ،كُنت شمسي وكنت قمري، سلمت لك فُلك سماي لتسبح فيها كيفما تشاء، استيقظت اليوم وأنا أحمل فوق قلبي أضعاف همٍ، استمعتُ لطرق إخوتي الصغار على باب الغرفة مرددين:
_ يلا يا ديدا هتتأخري على الكلية ..

 نهضت بتكاسل شديد وألم بجسدي أعجز عن تحديد موضعه، انهيت كل مهامي ثم خرجت إليهما بجسد به
رعشه فُقدان، جلست بينهم على طاولة الطعام فى صمت بالغ، أصبح طعم الكلمات في حلقي علقمًا

أنهت طعامها الذي لم تأكل منه شئ عبثت به بعض دقائق ونهضت مغاردة إلى الكلية لبدء يومها الروتيني كل شيء به كما هو، ولكن ينقصه بريق وجود زين فيه ..

بالحرم الجامعى تجلس بجانب صديقتها فى صمت شاردة ذهنها في عالم أخر ترمق السماء بنظرة حزينة مغمغة:
_ أنت العالم بقلبى يارب .. الصبر ياصاحب الصبر

شعرت بيد صديقتها تربت على يديها مرددة:
_ مالك بس يا داليدا فيكي ايه

كارت أخضر لها ليندفع من عينيها شلالات من الدموع وهى تهزي:
_ تعبانة يا شروق الدنيا جاية على قلبي أوي كأن مفيش فيها غير قلب داليدا كل حاجة حلوة بتسيبني بابا سابني زين سابني ماما سيباني من زمان حتي وهى موجودة اتجوزت واحد زبالة مفيش فى قلبه ذرة من الرحمة أنا حاسة بوجع غريب أوي فى قلبي يا شروق .. حاسة إني بنتهي !

نظرت لها متوسلة مسترسلة حديثها:
_متسيبنيش زيهم وحياة أغلى حاجة عندك ..

ضمتها إلى صدرها وردت بحنان:
_ أنا جنبك يا داليدا متخافيش علشان خاطري اهدي شوفي أنا عملت إيه .. يارب يعجبك ..

غمغمت من بين بكائها:
_ عملتى إيه !

ابتسمت بفخر وهي تبتعد عنها برفق قائلة:
_ حجزتلنا فى رحلة إسكندرية اللي الكلية مطلعاها إيه رأيك،، وطالعة بعد بكرة .. وأهو فرصة تغيري جوو .

 إسكندريه ! بلد الحب ومن أحببت، البلد التي يتحرك ويحترق قلبي فيها على مهلٍ
حنين وشوق يستوطنها عندما تسمع اسم هذه المدينة العظيمة باريس العالم وليس العرب من وجهة نظرها شردت في ذكرياتها القابعه هناك، اعتلى نبض قلبها بداخلها بدون توقف، حاولت حبس الدمع بداخلها ولكن أصعب ما يخوضه المرء هى الحرب الناشبة بين الذات والمفترض أن يكون

(بالإسكندرية)

في شركته الخاصة ألم حاد يمزق رأسه متسطح على الأريكة الخاصة المغطاة بالأكياس البلاستيكية بمكتبه مرهق وداخله يحترق من ليلة أمس دلف عليه صديقه مرددًا بتوجس:
_ مالك يا زين ؟! يابنى أنت خزان أحزان كدة ملهوش نهاية !

مسح على وجهه بتعب حتى بدى أحمر وهو يقول:
_ مفيش يا أكرم تعالى عملت إيه ؟!

غمغم بحماس وهو يجلس بجواره:
_ المهندسة شغالة بإيديها وسنانها وكل حاجة قربت تخلص متقلقش كله ماشي زي ما خططنا المهم دلوقتي ..

_ إيه المهم !

تنفس قبل أن يردف بهدوء:
_ زين حرام عليك نفسك واللي بتعمله ده لما أنت تعبان أوي كده فى بعدها سبتها ليه مكنتش تسيبها مش سبب إنك تسيبها علشان هى تستاهل أحسن منك هى مكنتش عايزة الأحسن منك يا زين.. كانت عايزة زين وبس داليدا بتحبك متخسرهاش

غرز صديقه سكين بارد فى قلبه الملتهب مرة أخرى، ابتسم بألم ثم قال:
_ انسى داليدا يا أكرم كأنها ممرتش فى حياتي
أنا تعبان أوي محتاج مني حاجة ولا أروح ؟!

ابتسم بيأس مرددًا:
_ قوم روح بيتك لو في حاجه هعملها أنا

غادر إلى منزله وكعادته لا يحب المضاجع ارتمى بجسده على أقرب أريكة بالمنزل وهو يغمض عينيه ليراها فى الأصل هو يراها فى كل لحظة أغمض ليراها تقف أمامه مد يده ليجذبها إلى أحضانه يقبل شفتيها بشوق ولهفة ببعض العنف وبعض الرقة وهو ينتقل إلى عنقها حتى غفت عيناه وهو يتذوق شهد شفتيها فى منامه ..

《 من المفترض أن يُمنح الخيال وسام الحب من إمبراطور الواقع،لأنه عندما يبخل الواقع علينا، لجأنا إلى أحضان الخيال لننتشي بشعور ما فقدناه 》

جميع الألوان اختلطت عليّ لم أرى إلا لون غيابك، أشتاق إليك بعدد دقات قلبى، أشتاق إليك بعدد أنفاسي، كل ما بي يشتاق، ويشتاق، أدركت معنى الوحدة في غربتك، أصبح قلبي يتيمًا بعدما كان مكفولا بالونس، الصداع تلك المرة بالقلب والضجيج بالعقل ثم ابتسمت بحزن مرددة خلف عمرو
فكرة إنك روحت منى مش قابلها.

 

في كافتيريا الجامعة

ربتت شروق على ظهرها بحنان
- هتفضلي مبحلقة كدة فاللي رايح واللي جاي كتير!

تنهدت بأسف
- بدور عليه بين الناس، وأنا واثقه إنه مش هنا بس قلبى مصمم يتعلق بوهم ..

أشفقت شروق على حالة رفيقتها ثم أردفت قائلة
- أنا مش شايفة زين عاملك حلو عشان متعذبة بغيابة كدة .. !

ابتسمت ساخرة
- انا مادُقتش طعم الحلو غير معاه،، زين الحب اللي بيجي فالعمر مرة واحدة وبس، جيه متفصل على مقاس قلبي، حتى ولو كان بيمثل .. أنا موافقة أعيش معاه تاني في تمثيلية

رمقتها بنظرة استغراب
- غريبة ! أنتي مستحلية عذابك يابت إنتى ! لازم تتعلمي تنسي اللي يمشي بمزاجه، احنا بشر ولينا طااقه ..

دار بجسدها نحو صديقتها
- لا القلب ينسي حبيبًا كان يعشقه .. ولا النجوم عن الأفلاك تنفصلُ

- ياسيدى يااسيدى، طب والله هو الخسران، حد يلاقى الحب دا ويسيبه، دا سوري يعنى يبقي متخلف !

تنهدت بأسف
- هنمشي ؟!

شروق بتلقائيه: استنى الأول .. قولتي إيه في موضوع إسكندرية ؟ طالعة صح ؟

داعبت شفتيها أعذار عديدة للرفض ولكنها قضت عليهما جميعًا بكلمة  تمام

هللت شروق فرحًا: صدقينى متاكدة إن الرحلة دي هتحسنك كتيررر  طب يلا يلا عشان نجهزز

حسيت قلبك بيفكر فيا، فهب طخ دوم قلبي اتخطف وقولت لازم أكلمك

قال زين جملته وهو يتحدث في هاتفه ويسبط جسده فوق الأريكة ..

جهاد أصابتها معالم الدهشه والاستغراب الممزوجه بالشغف والفضول
- وبعدين فيك ؟ أنت مش واخد بالك إن دي المرة ١٢ بتكلمنى فيها ..

ضحك بصوت منخفض
- منا خدت عهد على نفسي لازم اكملهم ٥٠، المهم الجميل بيعمل إيه ؟

ابتسمت ابتسامة واسعة ودق قلبها أول دقة تعلق به
- بكلمك .

- تؤؤ،، وقبل ما أكلمك ؟
جهاد ممازحة: كنت بكلمك بردو

-كمااااان ! طب إيه رأيك نتقابل حالا وأعفيكى من زنى ؟

- مش عارررفة .. أصلاً مش هينفع

اصطنع زين الضيق
- ايه اللي مش هينفع أصلاً إني أنام من غير ماأشوفك ..

ردت عليه بتلقائية
- أنت مش طبيعي !

- احم ومجنون وكل حاجة .. قولتي ايه بقى ؟ هااا قولى ااه وهتلاقيني تحت البيت بسرعة ضربات قلبى .

ضحكت بصوت أنثوي جذاب جعلته يبتسم بمكر
- الله اكبر . بعد الضحكة دي أنا بقيت مصمم إننا نتقابل .. ٥ د كده وهتلاقيني فالمكان اللي خبطّي قلبي فيه .. اااااا قصدي اللي خبطك فيه ..

لم ينتظر منها أي رد ثم أغلق هاتفه سريعًا ليستعد للقاها ..

وصلت داليدا لمكان جحيمها، وجدت أمها وزوجها في صالة المنزل، أقفلت الباب بخفوت ثم أردفت قائلة
- مساء الخير ..

إسماعيل بمكر: مش راجعة متاخر ياداليدا !

رمقته بنظرة سخط
- أنا داخلة أنام ياماما ومش عاوزة إزعاج

- استنى هنا ياداليدا .. متريحي قلبي يابتنى وتقولي أرد على الست أقولها ايه ..

شعرت بقبضة تطبق على عنقها مجددًا .. زفرت بضيق وهى تتجه نحو غرفتها
- أووووووف، ماما انا طالعه رحله إسكندرية تبع الجامعه ولما أرجع أبقى نشوف الموضوع دا ..

دخلت غرفتها وقفلت الباب جيدًا خلفها،، ناظرة إلى صورته الملقاة على سطح المكتب، وضعت كفها فوق قلبها ليهدأ ثم جلست فوق مقعدها وبدون ماتشعر احتضنت قلمها ثم عدلت الصورة على الجهة البيضاء

 لازلت أتنفسك، لازالت شمسك محتلة وجداني، تسللت داخلي بدون أي مجهود منك يذكر، فقط وجدك قلبي كما يبحث عنه فسلمك مفاتيح بوابته بصدرٍ رحب متسع برغم صغره ولكنه تشكل لاحتضانك واحتوائك،، اليوم هو الثالث من يوم فراقك، مر على جدار قلبي كقطعه زجاج مدببة أطرافها، قلبي ينزف بغيابك، وروحى لا تبحث إلا عنك

عقدت ساعديها فوق سطح المكتب ثم استندت برأسها فوقهما وسبحت في بحر نوم عميق قاصدة الفرار من كآبه ذلك العالم .

مرت الساعات ببطء شديد بدون أحداث تذكر حتى أتى يوم انطلاق الرحلة الجامعية، اجتمع الطلاب في الأتوبيس مهللين فارحين، صوت صخب الأغاني يقرع الآذان والتصفيق وتردد الطلاب خلف (الكاست ) ..

ركن السائق أمام الفندق الموكل بالوصول إليه .. دلف جميع الطلاب بصفين متساويين خلف بعضهما ..

علقت شروق في ذراع رفيقتها بحب ثم همست قائلة
- طول الطريق وأنتي في دنيا تانية وسرحانة، فكّي بقى ياديدا ..

ابتسمت برغم عنها
- عاوزة أنزل أتمشى على البحر ..

شروق بفرحة: هننززل بس استنى نرتاح شوية الأول ..

- لا دلوقتي .. خليكى إنتى هنزل لوحدي ..

شروق بإصرار: إيه لوحدك دي ! وأنا مش ماليه عينك يعني ؟ هستأذن من مشرف الرحلة وننزل .. خليكي هنا .

بعد عدة دقائق عادت شروق للمكان الذي كانت تنتظرها فيه داليدا
 سووري اتاخرت عليكي .. بس على بال مااقنعته بقى،، أصلوا ياستي مكنش موافق خالص

أومأت رأسها إيجابًا ثم تحركت نحو الشط ببطء وما يدور بداخلها
 يارب أقابله يارب .. حتى أشوفه من بعيد .. يعنى هيحصل إيه لو شوفته الدنيا هتخرب مثلاً ! ولا قلبي هيوجعنى أكتر .. يارب خليني أشوفه، استجيييب بقى

رجتها شروق برفق
- هنرجع نسرح تاني ؟!

- هاااا لا معاكي .. عادي، تعالي نقعد هنا

جلسا الفتاتان فوق صخور شط إسكندرية
- هاا احكي سمعاكي
داليدا بخفوت
- أقول إيه ؟!
شروق وضعت وجنتها فوق قبضه كفها
- مالك ؟ وسرحانه في إيه ؟

ضحكت داليدا بسخريه
- متقدملي عريس ياستي

شروق بحماس
- اوووووباااا . ودي حاجة تزعل ! احكي احكي مين وشافك إزاي وبيشتغل إيه والأهم من كل دا أموور ولا لا . يلا متشووقة أعرف ..

صمتت داليدا لبرهه ثم أردفت قائلة
- معرفش حاجة عنه غير إنه بيشتغل ف أبو ظبي باين .. ومامته كانت مدرستي ..

شروق بفرحة
- اوووووعى،،، يابن المحظوظه يافوززى .. أبو ظبي يا ديدا .. أيووة ياعم .. حظووظ بكرة تلعبي بالفلوس ومحدش هيعرف يكلمك .. أوعدنى ياررررب .

نظرت لها بضيق
- دا كل اللي هامك ! وبعدين إنتى هتتكلمي زي ماما .. حولتوا الجواز لمشروع استسماري عظيم .. إنتوا إزاي كدة ؟!

ابتلعت ريقها بتفكير ثم قالت
- مامتك بتفكر صح يا داليدا .. سيبك من الحب والمشاعر دول .. في مثل بيقولك الفقر لو دخل من الباب الحب هيفر من الشباااااك .. فكري عشان ماتندميش .. إنتى حاليًا السكينة سرقاكي ومش عارفة تاخدي قرار

- انتوا ليه كلكم مفكرين الشخص اللي بيشتغل برة ومتغرب بنك فلوس، ليه مش بتفكروا إنه بيتعب على القرش هناك، ليه مش حاطين في بالكم إنه بيخسر كل حاجه مقابل غُربته حتى مستقبله، تخيلي لو بطّل سفر هيرجع بلده يشتغل ايه ؟ الشخص المتغرب هو عواطلي مع تأجيل التنفيذ  بلاش سطحيه وشوفوا الموضوع من زواية غير بتاعت المديات ..

لم تقتنع شروق بما قالته رفيقتها
- مش معاكي خالص،، إنتي اللي مش شايفة غير حبيب القلب قدامك فبالتالى مش عارفة تشوفي غيره وبتقنعى نفسك بحجج فارغة ..

- براحتك .. أنتي حرة.

صمت ساد بينهما لدقائق قطعته شروق فجاة
- ديدو ! أنتي وزين اتعرفتوا على بعض إزاي !

اتسعت ابتسامتها وانخلع قلبها لمجرد سماع اسمه ولمعت عينها بنور الحب فجاة .. تنهدت بعمق
- هقولك .. بس هطلب منك طلب الأول ..

شروق بعفوية: أنت تأمر ياجميل ..

- هاتى موبايلك ..

- هتعملى إيه ؟

لقطت داليدا الهاتف من رفيقتها وهى تضغط على لوحة الأرقام أمامها
- أصل زين وحشنى ونفسي أوي أسمع صوته .. بصي أنا هتصل بيه وإنتى كلميه افتحى أي حوار معاه وخلاص ..

فزعت شروق من مكانها
- بت أنتى .. استنى أكلم مين ! نهارك مطلعتلووش شمس ..

داليدا بإصرار
- بصي تحاولي تفتحي معاه أي موضوع كدة بحيث تخليه يتكلم وخلاص .. والنبي والنبي يارووووكه عشان خااطررري ..

استسلمت لطلب رفيقتها، صوت رنين الهاتف وعلى المقابل يرن قلب الفتاتان الأولى عشقا والأخيرة رعبًا وقلقًا

رد زين بثبات
- ألوووووو

انتفضت الفتاتان ثم أشارت لها داليدا بالتحدث .. قربت شروق الهاتف من فمها بارتباك
- ح حضرتك هو دا مش رقم ريهام ؟

أجابها زين بتأفف
- لا حضرتك الرقم غلط

أشارت لها داليدا أن تكمل حديثها ارتبكت شروق أكثر
- ااااا طب هو أنا ممكن اعرف مين معايا ؟

زين متأففا
- أنتي شكلك فاضية وعاوزة تتسلي وأنا مافيش دماغ .

قفل زين هاتفه بمجرد أن أنهى كلماته

شروق سحبت نفسًا طويلاً
- أوووف  ارتاحتى كدة .. أهو قفل في وشنا

ابتسمت داليدا
- استني بس، دا قفل في وشك .. هو ماله اتغير ليه كدة .. دا كان مابيصدق يسمع صوت بنت .

دارت داليدا بجسدها بفرحه
- يااااااه زين اتغير .. أنا فرحانة أوووووووي

رصاصة أصابت قلبها فجاة، تجمد الدم في عروقها، أصبح كل شيء بداخلها يحترق، تتراقص جفونها بعدم تصديق، جف لعابها كالهائم على وجهه في قلب الصحراء .. انخرطت دمعة من طرف عينيها بصدمة

- ززززززززززين !..

 

تاااابع ◄

أحدث أقدم

نموذج الاتصال