-->

رواية راقصة الحانة الفصل الاول


 كنت أسير فى طريقي وحيدة خائفة لا أملك سوي أجراس خلخالي ورجال تتهاوى بجواري في كل الأنحاء، حتى ظهر شبح من العدم اقتحم عالمي الصغير، يسير معي فى طريقي، مستمعا لأصوات أجراسي، يطادرني أينما أكون. مدمنا لعذابي ويتلذذ برؤية دموعي الحارة تنهمر، يهوى إرتجافي أمامه وعاشقا لضعفي وسذاجتي، متعته متجسدة فى شقائي.

كنت كسمكة خرجت من المحيط حتى ظهر شبحي وما غيره منقذها ومُعيدها للمحيط من جديد فعادت للحياة...
متى وكيف عشقت شبحي هذا؟
لا أدري سوي أني عاشقة لشبح يظهر ويختفي متى يرغب.
وما علي سوى انتظاره.

 الفصل الأول

مع هدوء الصباح الباكر المغمور بصوت العصافير الملونة التى أحضرها زوجها لها، يعلو صوت الشجار بينهما
صرخت به بإنفعال شديدة قائلة:
- يوووووه بقى أنا زهقت من شغلك ده، هو أنا متجوزك عشان تفضل فى الشغل بالأيام ولا حتى تسأل على الكلبة اللى رميها فى البيت ولو بتليفون...

أدار رأسه عنها بضيق من شجارها المستمر وتذمرها على عمله، وقال بهدوء محاولاَ أرضاءها والغضب المكتوم بداخله:
- غصب عني ياحبيبتي ظروف شغلي كدة، وعموماً أخلص القضية اللي معايا وبعدها أخد أجازة
أندفعت صارخة به بأنفعال أكثر مُردفة:
- كل مرة تقول كدة ومبتعملش حاجة وتطلعلي بأي حجة وتلغي الإجازة...
فقد السيطرة علي أعصابه وأغلق قبضته بغضب وقال:
- يعنى عايزنى أعمل إيه أسيب الشغل وأقعد جنبك، أرحمينى من الخناق اللى كل شوية، أنا بقيت أكره أرجع البيت بسببك.

زاد صراخها وهى ترفع حاجبيها له وتعقد يديها أمام صدرها بضجر، قائلة:
- طبعاً ما أنا بقيت دلوقتى معجبكش، بقيت وحشة ونكدية وبتخانق صح، كفاية زن أمك عليك عشان تتجوز وتخلف، وتلاقي الكلام جه على هواك صح.

أتسعت عيناه بذهول، ورمقها بنظرة حادة وهى تطعن بحبه له، تعلم جيداً بأنه لم يخونها ولن يستطيع الزواج من أخرى غيرها ولكنه يكره الشجار معاها، يريد حياة وردية معاها هي وليست سواها.. طالماً حلم بهذه الحياة معاها
تركها وخرج من الشقة غاضباً، وضعت يديها على بطنها بحنان تشعر بروح طفلتها بداخلها ولم تخبره بحملها أبتسمت بشغف لرؤية طفلته الأولى أمام عيناها و ركضت خلفه أرادت مصالحته وأخبره بأنها ستنجب طفلته الذي ينتظرها هو الأخر، يريد أن يرى حبه لها متجسداً فى جسد طفلة صغيرة يراها ويداعبها بأنامله..

خرج من بوابة العمارة يزفر بضيق، كارهاً لحياتهما العتمة التى تحولت من وردية الى مظلمة بسبب شكها به، دائماً تخبره بأنه سيتزوج من أخري أما هو فلم يفعل..
سمع صوتها من خلفه فأستدار لها وهو يخرج تنهيدة قوية من بين صدره..

رأها قادمة نحوه ركضاً مبتسمة له وقد تلاشي حزنها وغضبها، وقبل أن تصل إليه أصابت رصاصات نارية قاتلة له ولها من العدم، لا يعلم من أين جاءت تلك الرصاصات سوي انها أصابته...
سقط على الأرض جسداً هادماً وهو يراها تسقط على الأرض بعد أن أصابتها بعض الرصاصات ولوثت الدماء ملابسها، تألمت بهلع بعد أن التهمت تلك الرصاصات طفلتها الموجودة في أحشاءها، رفعت يدها بضعف ووضعتها فوق بطنها بخوف وتبكي من الألم بعد أن فقدت طفلتها وشعرت بروحها تخرج من جسدها...

إليـــاس: شاب قاهري ضابط شرطة برتبة رائد قسم مكافحة المخدرات، عمره 33 عام يعيش في القاهرة
تيـــا: زوجة إلياس المتوفية

وضع كأسه على البار بغضب وهو يتذكر كيف تركته ورحلت، أصبح كالميت بداخل جسد حي يتنفس، لم يقتله الحزن.. فالحزن لم يقتل أحد بل يجعل صاحبه فارغاً من الداخل..
ألتهمه الفراق ولم يعد يقوى على شئ، الحياة الوردية التى طالما حلم بها تبعثرت فى الهواء كالغبار ولم يعد لها أثر أو وجود، وضع له النادل كأس أخر يحمل ما حرمه الله من الخمر.. ألتقه بيد مرتجفة من كثرة الخمر التي أرتشفها، وضع رأسه على البار ولم يستطيع رفعها، وأكمل شروده بمحبوبته

أستيقظ فى المستشفى، وجد نفسه على سرير فى إحدى زوايا الغرفة و صدره عارياً وعليه بعض الخراطيم الطبية المتصلة بالأجهزة، ملفوف خصره بالشاش الطبي.. ناد عليها بتلعثم من التعب:
- تيـــا..كح كح تيـــا

دخلت الممرضة عليه، تردف بهدوء قائلة:
- أخيراً فوقت
أعاد جملته مرة أخرى منادياً عليها ويسأل:
- تيــا... تيا فين..

أردفت الممرضة بجحود قلب دون أن تراعي حالته الصحية، قائلة:
- اللى جت معاك ربنا يرحمها شد حيلك
أتسعت عيناه بصدمة وهو ينظر لها بذهول من جملتها، جلس علي السرير وبدأ ينزع عن صدره تلك الأجهزة، صارخاً بها:
- أنتى بتقولى إيه.. تيـا تيــــااااا

خرج من غرفته ومُتكياً على الحائط بصعوبة ويضع يده على خصره بألم شديد يلتهم جرحه، وعقله يرفض تصديق هذه الأكذوبة التى قالتها هذه الممرضة، وقلبه يعتصره الوجع خوفاً من تصديق ما قالته..
ركضت الممرضة خلفه تحاول أن تمنعه من الحركة ولكنه رفض ودفعها بعيداً عنه...

فاق من شرود فى ماضيه المؤلم حين شعر بيد ناعمة تلمس يده، نظر بجواره وهو يمسك كأسه فى يده، وجد فتاة تعمل بهذه الحانة وترتدي ملابس تفضح من جسدها أكثر من ما تستر.. جذب يده بقوة وبرود بعيد عن يدها التى تلوث يده، وترك كأسه وهو يقف صامتاً وجسده يهتز يمين ويسار من كثرة الخمر الذي يسير في عروقه، وأستدار وأصطدم بفتاة صغيرة الحجم ضئيلة، ترتدي زي هندي عبارة جيبة طويلة واسعة جداً وبدي بحمالة رفعية قصير يظهر خصرها النحيل، بشرتها بيضاء اللون كالحليب وشفتيها الصغيرتين بلون الكرز وعيون خضراء فاتح كصفاء الطبيعة الخلابة الخضراء، وشعرها البنى الفاتح الطويل مسدول على ظهرها.. كادت أن تسقط من صدمة جسده القوى بجسدها الضئيل، بدون قصد وعيناه شبه مفتوحتان لف ذراعه الأيسر حول خصرها النحيف قبل أن تسقط..

تقابلت عيناهما معاً، أزدردت لعوبها بأرتباك منه، نظر لعيناها بهيام ولا يعلم أى سحر ألقته عليه بهذه العيون الساحرة كانت تملك نظرة حزينة والدموع تجمعت في عيناها وأرتجفت بخوف منه، غريبة هذه الفتاة تملك بعيناها حزن وخوف ودموع وأرتباك وتوتر، أي مشاعر تملكها هذه وهي مرجودة بهذه الحانة المليئة بالرجال في كل مكان...
أبتعدت عنه وركضت بخجل وأرتباك، ظل ينظر عليها وهى ترحل كالمخدر تماماً تحت تعويذة ألقتها عليه ورحلت..

أقتربت الفتاة منه من الخلف ووضعت يدها على كتفه وتنظر علي " دموع " وهي ترحل، تردف ساخرة منه ومن هذه الفتاة ,, قائلة:
- دموع مش للمزاج.. مبتعرفش تبسط الراجل اللى معاها، دى مجرد رقاصة مش أكتر، أنا ممكن أبسطك زى ما تحب.. فريدة

فـريــدة: أحد عاهرات الحانـة تكره دمـوع لكونها أجمل منها والكل يريدها لفاتنتها..

نظر لها دون أن يستدير بأشمئزاز وحرك كتفه يبعد يدها عنه وقال بقلب قتله الألم:
- متلزمنيش.. يا فريدة هانم

جز علي أسنانه في نطق أسمها، بأشئمزاز وتركها ورحل ويتردد فى أذنه كلمة واحدة فقط " دموع " هكذا هو أسمها إذا ولكن لما أسمها حزين هكذا كعيناها تماماً..
أمامه صورة واحدة فقط تحمل عيناها الخضراء وملمس خصرها الناعم بنحافته، قاد سيارة لكى يعود إلى منزله ويطرد من عقله هذه الأفكار...

دمــوع: فتاة ريفية تعيش في حانـة علي الطـريق في منطقة ريفية لا أثر لها علي الخريطة، عمرها 17 عام درست الأعدادية وتركت التعليم، يتيمة الوالدين

 

فى مكان أخري بأحدى الشركات التجارية، كان معتصم يجلس يباشر أعماله على اللاب توب وهو ينظر لبعض الأوراق المتناثرة على سطح مكتبه ويبحث عن شئ في الورق، رن هاتفه برقم مُسجل..
أتاه صوت الرجل بجملة غير ما ينتظرها..
صرخ معتصم وهو يضرب سطح المكتب بقبضته بقوة والغضب يعتصر عقله، قائلاً:
- يعنى إيه لسه عايش... أنت أكيد مجنون..
- غلطة ومش هتكرر يابيه، المرة الجاية مش هنغلط هنفذ بنفسي
- شغلنا مفهوش حاجة أسمها غلطة، المرة دى لو غلطت حياتك هتكون الثمن..
- أخر الأسبوع يكون عند معاليك خبره
- مفيش أخر الأسبوع، معاك ٤٨ ساعة ياتجبلى خبره.. ياهجيب أنا خبرك واضح...

وأغلق الخط دون أن ينتظر جواب أو مبرر..
عاد بظهره للخلف شارداً فى تفكيره وكيف يتخلص من هذا الضابط، الذي يعترض أعماله وطريقه..

معتصــم: رجل أعمال يملك شركة تجارية ويتاجر بالمخدرات في الخفي، يعلم إليـاس بعمله ويطارده

دخلت دموع غرفتها في الطابق الثاني للحانة بتعب وجسدها مُرهق من عملها، وقبل أن تغلق الباب دلف خلفها زوج أمها " سيد " وهو يصرخ بغضب وصوت عالي:
- هتفضلي كدة ترفضي أكل العيش، أنا مش هفضل أصرف عليكي العمر كله

سيــد: زوج والدة دموع عمره 45عام، يعشق الأموال والحشيش، يتاجر بالفتيات من أجل المال، جشع ولا يخشي شيء ويعمل ديلر...

نظرت للأرض بروح منكسرة كعبدة لديه وهتفت بخفوت:
- تصرف عليا ليه، أنا بشتغل كل يوم من الصبح للفجر، ماما وصتك عليا وقالتلك تدخلني الجامعة وأنت عرتني لكل الناس عايزني أعمل ايه تاني، أنام معهم بالنسبة لك ده الشغل يعني وأكل العيش
أقترب منها بغضب ومسكها من ذراعها بقوة وصفعها علي وجهها بيده الأخري وهو يتحدث بلهجة أذلال:
- أنتي تبوسي أيدك أني ربتك ولسه مُتكفل بيك وبهمك لحد دلوقتي واحد غيري كان رماكي في الشارع لكلاب السكك تنهش فيكي بعد ما أمك ماتت

تألمت من قبضته وصفعته وتأوهت بوجع وهي تبكي بين قبضته وصراخه في وجهها، وجمعت شجاعتها وقالت بأنفعال:
- لو كنت رميتني لكلاب السكك كان أرحم من العيشة هنا وتشغلني راقصة، أنت فاكر نفسك كدة عامل فيه خير وبتذلني أنا هنا في جحيم.. جحيــم أنت فاهم

كعادتها تتمرد عليه بعد لحظة ضعف وخوف منه، تماماً ككل شجار يحدث بينهما تضعف ثم تخرج شجاعة تملكها بداخلها، كاد أن يصفعها علي صوتها العالي ولكن دلفت زوجته إلى الغرفة علي صوتهم..

هتفت " نارين " بقسوة قلب وهي تأخذ سيد من ذراعه، قائلة:
- تعال يا سيد، هو أنتي علي أيدك نقش الحنة، أمشي أنجري يابت ساعدي فريدة والبنات في النضافة عايزة المكان بيبروق وحضروا العشاء..

وأخذت زوجها وخرجت، سقطت " دموع " علي الأرض تجهش في البكاء وتلعن حظها وقدرها الذي جعلها جارية لديه يفعل بها ما يريد هو وزوجته....

نـاريــن: زوجة سيد ماضيها سيء، أمراة قاسية تماماً كزوجها، تكره دموع لكونها أبنة زوجته السابقة وتريد التخلص منها عن طريق جعلها عاهرة وراقصة في الحانة وتبقي جارية لها...

دلف " إلياس " من باب الشقة ثملة ويهتز يميناً ويساراً صباحاً ووجدت أمه تجلس علي الأريكة تنتظره، وقفت " جميلة " فور عودته وعقدت ذراعيها أمام صدرها بضجر من تصرفات أبنها في الأوان الأخير ونظرت في الساعة وجدتها 8صباحاً وقالت:
- كنت فين يا ألياس

أتجه نحو غرفته دون أن يجيب عليها، دلفت خلفه وهي تحدثه بغضب:
- أنت هتفضل كدة لحد أمتي، بدمر حياتك بأيدك وشغلك بطلت تروحه وكل ده عشان ايه، أمر ربنا ونفذ هنعترض يعني

أستدار لها وهو يصرخ بها بدون وعي:
- أنتي إيه اللي جابك، عايزة مني ايه سبوني في حالي بقي محدش حاسس باللي أنا فيه، أنا واحد مراته وأبنه ماتوا قدام عينه وهو معملش حاجة، أرحميني بقي وروحي لجوزك أنا مش عاوز حاجة منك

رمقته بنظرة غضب وقالت بلهجة غليظة:
- وبدل ما تدور علي حقهم رايح تصيع وراء الغوازي والخمر

مسكها من ذراعها وإخرجها من الغرفة وهو يقول:
متجيش تاني هنا، أنا لما أعوزكم هجيلكم

وصل لباب الشقة وأخرجها من الشقة وأغلق الباب وعلي أقرب كرسي جلس عليه منهك من التعب جسدياً ونفسياً...

جميـلة: أمه مديرة مدرسة ثانوية عامة بنات، عمرها 56 عام

فتحت " دموع " باب غرفتها بخفوت شديد وأخرجت رأسها من الباب ثم نظرت في الممر ولم تجد أحد منهم، خرجت من الغرفة وهي ترتدي بنطلون جينز وتيشرت بنص كم وشعرها مسدول علي ظهرها وتمسك بيد شنطة ظهرها متوسطة الحجم وبالأخري حذاءها الرياضي وركضت علي الدرج بسرعة هاربة من سجنها هنا، منه إلى خارج الحانة، أرتدت حذاءها وشنطتها وركضت بأقصي سرعتها في الطريق، ظلت نصف ساعة تركض بخوف حتي ظهرت أول سيارة علي الطريق وأشارت إليها لكي تتوقف، توقفت السيارة ودهشت حين نزل منها...
أرتدت حذاءها وشنطتها وركضت بأقصي سرعتها في الطريق، ظلت نصف ساعة تركض بخوف حتي ظهرت أول سيارة علي الطريق وأشارت إليها لكي تتوقف، توقفت السيارة ودهشت حين نزل منها " سيد " وعيناه كالصقر الذي وجد فريسته وتشع غضب من هروبها التي لم تتوقف عنه..

أنقبض قلبها بخوف وصدرها يصعد ويهبط من أرتجفها، زحزحت قدمها بثقل إلى الخلف وهربت شجاعتها بعد أن جعلتها تهربها، أقترب منها بجحود ورمي سيجارته وهو ينفث دخانها بوجه " دموع "، مسكها من معصمها بقوة وأدخلها السيارة بقسوة وصدمت رأسها بالسيارة وهي تجهش في البكاء بخوف من تفكيرها وماذا سيفعل بها..

قاد بهما " رامي " وهو شاب فاسد يعمل ديلر مع سيد ويريد الزواج من دموع وهي ترفض بشدة عمره ثلاثة وعشرون عام..
نظر لها في المرآة فرمقته بنظرة أحتقار وأشاحت نظرها عنه...

في ڤيلة " معتصم "
نزل من الأعلي وهو يحمل جاكيته في قبضته وأتجه نحو السفرة حيث تجلس زوجته وأبنته الصغري وجدة زوجته العمياء...
- صباح الخير...
قالها " معتصم " وهو يضع جاكيته علي ظهر كرسيه، هتفت " كارما " وهي تطعم طفلتها ذات السابعة سنوات دون النظر له:
- صباح النور يا حبيبي

جلس علي مقعده وبدأ في تناول فطاره، وقفت " أريج " من كرسيها وذهبت نحو والدها وقالت ببراءة:
- بابي هنروح الملاهي بليل صح
- أريج بابي عنده شغل
قالتها " كارما " بحزم وهي تضع السندوتشات في شنطة طفلتها المدرسية

نظرت أريج لوالدها بحزن شديد وقوست شفتيها للأسفل بخيبة أمل، وقالت بلهجة حزينة دون معارضة حديث والدتها:
- أوكي مامي
وضع " معتصم " سبابته أسفل ذقن أبنته ورفع رأسها مبتسماً لها وقال بلهجة حنونة:
- هنروح الملاهي، مادام بابي وعدك يبقي هينفذ

أرتسمت بسمة مُبهجة علي شفتيها ولمعت عيناها ببراءتها وعانقت بسعادة وهي تردف قائلة:
- ميرسي يابابي.. أنا بحبك أوى
رن هاتفه برقم مُسجل، أبتعد عن أبنته وأخذ جاكيته وقبل رأس زوجته وخرج، ضحكت " أريج " بسعادة لأمها وأخذت شنطتها وخرجت لأتوبيس المدرسة ...

أنزلها " سيد " من السيارة بعنف وأغلق بابها بإنفعال، دلفها بها للحانة ودفعها بقوة للداخل فسقطت علي الأرض من دفعته، صرخ بها وعيناه تشع نار من الغضب وجبينته تتعرق من الغضب:
- بتهربي يابنت شريفة بعد كل اللي عملتهولك

خرجت " فريدة " من المطبخ علي صوت صراخه، ونزلت " نارين " من الأعلي... وقفت " دموع " وهي تجفف دموعها بيدها وقالت بتحدي وتمرد:
- اه بهرب وهفضل أحاول وأحاول طول ما فيا نفس وعايشة، وعمري ما هقبل بالحياة دي والعيشة معاك ولا هستسلم لجحيمك وسيطرة مراتك وحقدها، كلكم بتكرهوني ونفسكم أموت

كانت تتحدث وهي تنظر لسيد نظرة تحدي وتمنع دموعها من النزول رغم أرتجاف جسدها من نظرته وحدتها، أقتربت "نارين " منها من الخلف ومسكتها من شعرها وجذبتها للخلف بعنف، صرخت " دموع " من قوة قبضتها وتتألم...

أردفت " نارين " بجحود ولهجة قاسية وهي تمسكها من شعرها، قائلة:
- القطة المغمضة طلعها حس وبتزعق، اه بنكرهك وعايزينك تموتي عشان نرتاح من همك وقرفك

دفعتها " دموع " بقوة بعيد عنها وقالت بصراخ:
- خلاص سبوني أمشي وأريحكم من همي اللي تعبتكم، ومش هوريكم وشي تاني
قهقهت " نارين " بسخرية بصوت عالي وعقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بإذلال:
- أنتي مالكيش خروج من هنا غير وأنتي جثة غير كدة متحلميش يابنت شريفة، وطول ما أنتي عايشة هتفضلي هنا رقاصة وبس فاهمة

نظرت لها " دموع " بأشئمزاز وقالت بتحدي ونرفزة:
- لا مش فاهمة، أنا مش رقاصة أنا أنضف من وسختكم وقذرتكم دي، عالم تفرق وراجل شمام وبنات تبيع نفسها بالرخيص أنا مش زيك ولا من زبالتك دي...

قالتها بتحدي وهي تجول بعيناها بين عين " نارين وفريدة " وتبث لهم نظرات أحتقار وأشمئزاز، لم تشعر بشئ بعدها سوي أنقضاض " سيد " عليها بالضرب والعنف بقسوة وكأنها جسد بلاستيك لا يشعر ولا يتألم ولم ينتبه لصرخاتها أو بكاءها وهي تنتفض بين يده وهو يكمل ما يفعل بدون توقف...

أستيقظ إلياس عصراً علي صوت جرس الباب، وجد نفسه يجلس علي الكرسي كما تركته أمه، مسح وجهه بكفه بضيق ثم وقف وفتح الباب، وجد " علي " صديقه وابن خاله يقف علي الباب، دلف للداخل وترك له الباب مفتوح دون أن يتفوه بكلمة فدخل " علي " خلفه وهو يردف قائلاً:
- مساء الخير كل نوم، رنت عليك كتير

دخل " إلياس " المطبخ وهو يحدثه ببرود ولا مبالاة:
- رنت عليا، خير إن شاء الله تشرب قهوة

جلس " علي " علي الكرسي وهو يأخذ علبة السجائر الخاصة بإلياس من فوق الترابيزة وهتف بأهتمام:
- معتصم ناوي علي شحنة مخدرات محترمة بكمية كبيرة ومطمن أنك مش مركز معاه مش ناوي ترجع من الاجازة دي

خرج " إلياس " من المطبخ وهو يحمل فنجانين من القهوة وجلس بجواره وقال بلا مبالاة وعدم أهتمام:
- المكافحة فيها ضباط كتير وكلهم عايزين تريقة، طلعني من الموضوع ده آنا في اجازة متدوشنيش بشغلكم عشان مش مهتم، أشرب قهوتك ومع السلامة عشان خارج

تركه ببرود ودخل لغرفته ووقف " علي " بشفقة علي حال صديقه وما حدث لأسرته الصغيرة قبل أن تكبر...

جلست مُنكمشة في ذاتها فوق سريرها وترتجف بقوة من شدة قسوته عليها وضربها بهذه الحدة، صوت شهقتها يعلو في المكان بأكمله ولم تستطيع التوقف عن البكاء، دلفت " فريدة " الغرفة وضحكت بمياعة ساخرة منها وهي تبكي..

وأقتربت منها وهي تضع يدها في خصرها وقالت:
- قومي ياحلوة ألبسي وأنزلي شوفي شغلك
أخفت رأسها فيديها وهي تبكي وتلعن هذا المكان المخيف كالجحيم لها، فتحت " فريدة " الدولاب وأخرجت الملابس منه وقذفتها بوجه " دموع " بعنف وقالت:
- أبلتي بتقولك ألبسي بسرعة

وتركتها وخرجت، دموعها تسيل بغزارة وتنهمر علي وجنتها وكأن دموعها تؤكد أسمها
فهل كنت أمها تعلم بقدرها لذلك أسميتها بذلك الأسم البأس، أكنتي ياأمي تعلمي بدموعي التي تسيل دوماً دون توقف ؟؟
أقرأتي قدري وكفي حين كنت جنين في رحمك ؟؟
أسبب عذابي ياأمي هذا الأسم أم قدري الأليم ؟؟
كفي ضعف ياقلبي
كفي قسوة يا قدري
كفي عذاب يا عقلي
كفي دموع يا " دموع "

نظرت لهذه الملابس بأحتقار وقالت:
- مستحيل أفضل كدة، مستحيل
نظرت لشباك غرفتها بتحدي ثم وقفت من مكانها وأغلقت باب غرفتها بالمفتاح من الداخل...

كان " إلياس " يقود سيارته علي الطريق خالي بالكاد تمر عليه سيارة أخري في هذا الليل، ظهرت أمامه من العدم وهي تركض وتنظر خلفها بخوف تأبي إن يأخذها " سيد " مرة أخري، ضغط علي الفراميل مرة واحدة قبل أن يدهسها، وقفت أمام السيارة بهلع..
ترجل من سيارته بثقة ناظراً عليها وهو يتذكر ملامحها هي نفس الفتاة التي رأها أمس، ذهب إليها بهدوء وهو يضع يديه في جيبه بغرور وأقترب منها...

- مش تبصي لطريق وأنتي ماشية، حد يطلع فجأة كدة علي الطريق
قالها " إلياس " بصوت جهوري خشن وعيناه البنية تتشبث بعيناها الخضراء كعيون الصقر لفريسته العاجزة عن الهروب منه، ذهل من فعلتها حين أحتضنت يده بيدها الصغيرة فشعر بنعومة يدها وصغرها بين يده، شعر بجسده يذوب بلمسها وغروره ينهار أمام نظرتها البريئة الممزوجة بحزن ودموع تسكن جفنها...

هتفت " دموع " بنبرة حزينة تترجاه بتؤسل، قائلة:
- لو سمحت ممكن تخرجني من هنا، وديني أي مكان بعيد عن هنا
نظر للمكان حوله بأستغراب وعاد بنظره لها مجدداً فتاة ضئيلة رأسها بالكاد تصل لساعده، وسألها:
- أوديكي فين، فين أهلك وأزاي تخرجي لوحدك في وقت زي ده أصلاً

- اهي لاقيناها
قالها أحد الرجال مُحدثاً أصدقاءه وهو يشير عليها، نظرت بخوف نحوهما وأختبت خلف ظهره وتشبثت به بقوة وقالت بسرعة:
- أنا معنديش أهل ودول خطفني والنبي متخلهمش يخدوني عايزين يقتلوني.

قالتها بسرعة قبل آن يصلوا لهما، أرادته أن يقاومهم ويحاربهم ويمنعهم من إخذها بعد أن رأت " رامي " معاهم، أقتربوا الرجال منهما، نظر ليدها وهي تتشبث بجسده بقوة وتختبي خلفه ويشعر برجفتها، وقبل أن ينظر لهم ألتقت لكمة في وجهه علي سهو من " رامي"، ثم أخذها منه وأعطاها للرجال وهي تصرخ بهلع..
لم يشعر " إلياس " بشئ سوي وهو يسحب مسدسه من جرابه من خصره وأطلق رصاصة منه في العدم، أستدار الجميع له وأنتفض جسدها من رصاصته...

أردف " إلياس " بصوت غليظ وهو يقترب منهم، قائلة:
- أنت أتجننت ياروح أمك بتمد أيدك عليا وتأخدها مني
جذبها من يده وهو يصوب مسدسه علي رأس " رامي " وقال بتحدي:
- لو شايف نفسك دكر فكر تاخدها مني وأنا أخليهم يترحموا عليك...
أخرج أحد الرجال مسدسه وفور رؤية " إلياس" له أطلق رصاصة علي قدمه وقال:
- معاك دكر غيره، ولا لا

أخرج " رامي " مطواة من جيبه، أرتعبت " دموع " من الخوف فهي لا تعلم من هذا الرجل الذي أخرج مسدس من العدم وتتحمي به، جذبها " إلياس " وأخباها خلف ظهره ونظر لرامي بتحدي وهكذا رامي...
أخرج " رامي " مطواة من جيبه، أرتعبت " دموع " من الخوف فهي لا تعلم من هذا الرجل الذي أخرج مسدس من العدم وتتحمي به، جذبها " إلياس " وأخباها خلف ظهره ونظر لرامي بتحدي وهكذا رامي ثم بدأ المهاجمة علي " إلياس "، أوقف " علي " سيارته علي بعد وهو يحاول أن يري شئ بعد أن سمع صوت الرصاصة، صرخت " دموع " بهلع حين جرح ذراع " إلياس " من المطواة، ترجل " علي " من سيارته علي صرختها وحين وصل وجد " إلياس " يكاد يخنق " رامي" بعد أن لكمه بعنف حتي سالت دماؤه..

- سيبوا يا إلياس أنت أتجننت هتضيع مستقبلك عشان كلب زي ده
قالها " علي " وهو يجذبه بعيداً عنه، و" إلياس " لم يشعر بشيء سوى بركان بداخله يثور ويريد قتل هذا الرجل، أخرج " علي " الكلبشات من جيبه ووضعها في يدهم جميعاً وأخذهم في السيارة، أستدار لها وأنتفض جسدها مصاحباً بشهقة قوية خرجت منها ومن هذا الوحش الذي كان يقاتل أمامها ومسدسه ومن أين ظهر صديقه هذا، دقائق معدودة حدث بها كل هذا ثم ذهبت عيناها إلي جرح ذراعه وهو ينزف، أشاح نظره عنها وعن نظرتها البريئة التي مزجها الخوف مع شعاع من الأمل بأنها ستكمل هروبها ...

- هربت يعني إيه هربت وأزاي، وأنتي كنتي فين
قالها " سيد " بأنفعال شديد وظهرت حبات العرق علي جبينه من شدة التوتر والخوف وأكمل حديثه بقلق وهو يضرب بكفه علي جبينه ,, قائلاً:
- دموع لو فتحت بواها هتودينا كلنا في داهية، ومن هنحس بحاجك غير وأحنا بين حبل المشنقة وهي بتلفه بأيدها حوالينا رقبتنا

رمقته "نارين " بنظرة غضب تلقي عليه مسئولية ما حدث، وقالت بلا مبالاة وبرود شديد:
- أتكلم عن نفسك بس، كله بسببك لو كنت كسرت رقبتها من أول مرة فكرت تخرج فيها عن طوعك مكنتش كررتها تاني، أشرب بقي أخرت دلعك فيها، ياما قولتلك أقتلها وأخلص منها زي ما قتلت أمها ومسمعتش كلامي... أهي هتوديك في داهية

سمع حديثها وزاد غضبه وهو يغلق قبضته من العجز ثم ذهب وأغلق باب الغرفة سريهاً قبل أن يسمعهما أحد وأقترب منها ومسكها من ذراعها بقوة وقال بصوت خشن به نبرة تحذير مهدداً لها:
- أنا مش حذرتك متفتحيش الموضوع ده تاني، أنا مش مجرم قدامك كانت مرة وراحت لحالها وأنتي شريكتي فيها يعني قبل ما تحذرني حذري نفسك، دموع متعرفش حكاية موت أمها أنسيها أنتي كمان لانك متعرفيش المرة الجاية لسانك ده هيعرف مين ويودينا فين.. أنتي فاهمة

دفعها علي السرير بغضب وخرج بقلق من هروب هذه الفتاة التي تعلم كل شئ عنهم وعن أعمالهم القذرة،أغلق باب الغرفة ونزل للأسفل فخرجت " فريدة " من خلف الستارة وأبتسمت ساخرة وقالت بمكر مُحدثة نفسها:
- كمان قتل ياحلاوتكم
دلفت لغرفتها بسعادة تغمرها بعد أن عملت سرهما ونقطة ضعف تنهي حياتهما وقت ما تريد...

نزلت من سيارته في ذهول وهي تنظر للمبنى وعليه لافته كبيرة الحجم مدون عليها " قسم شرطة الجزيرة "، أزدردت لعوبها بقلق وهتفت مُردفة:
- أحنا جينا هنا ليه
رمقها بنظرة حادة مُستغرباً توترها من القسم، وقبل آن يتحدث جاءها الجواب حين أقترب عسكري منه وحيه واضعاً يده بجوار جبينه يردف بلهجة رسمية:
- إلياس باشا نورت القسم كله

أشار إليه " إليـاس " بلا مبالاة بيده لكي يرحل، أوقفه " علي " بلهجة أمر قائلاً:
- خد العيال دي من هنا ياعكسري لقحهم في الحبس لحد ما أفضلهم وأتسلي فيهم ونشوف حكايتهم إيه
نفذ العسكري الأمر بدون أي معارضة، كاد " علي " أن يدخل خلفهم ولكن أوقفه " ألياس " بصوت غليظ يدل علي غضبه:
- أنت كنت بتراقبني صح، عمتك اللي قالتلك كدة وصلطتك عليا

أشاح " علي " نظره عن عيناه متحاشي النظر له بأحراج من فعلته وألتزم الصمت هارباً من الجواب عليه، صرخ " إلياس " به مُنفعلاً:
- هتفضلوا تدخلوا في حياتي لحد أمتي، كام مرة قولتلكم سيبوني فحالي وبطلوا تدوسوا علي جرحي ومشاعري أنا مش عيل صغير..

- أنتي مش قولتي أنهم خاطفينك أدخلي عشان أعملك محضر
قالها " علي " متجاهلاً حديثه وأنفعاله
نظرت " دموع " لإلياس بتوتر ثم أزدردت لعوبها بصعوبة وقالت بخفوت خوفاً من دخول هذا المكان:
- لا مش عاوزة أعمل محضر...

نظرا الأثنين لها بتساؤل، فقالت مُبررة جملتها وهي تنظر أرضاً تداري عنهما أرتباكها وكذبتها:
- كدة صاحبهم هيعرف مكاني وممكن يجي يأخدني تاني من هنا
أردف " علي " بحزم وبوجه عابث:
- لازم نعمل محضر عشانك وكمان في واحد منهم ضرب ظابط

رفعت رأسها بذهول وصدمة ألجمتها من جملته ثم نظرت لإلياس وعيناها تسأله بخوف أأنت حقاً ضابط شرطة، زحزحت قدميها للخلف بخوف وأخذ صدرها يصعد ويهبط من شدة خوفها...
أردف " إلياس " ببرود شديد وهو يفتح باب سيارته لها، قائلاً:
- أركبي

سأله " علي " مُستغرب رد فعله:
- أنت رايح فين وواخدها ؟
رمقته بتساؤل هي الأخري منتظرة رده، صرخ بأنفعال قائلاً:
- مالكش دعوة بيا، أعمل إيه وأروح فين حاجة متخصكش، أنت مش واصي عليا

صدمها رده لا بل كل شيء بهذا الرجل يصدمها ويدهشها، يفعل ما يريد دائماً غاضب كالثور ويهيج بكل من حوله وبأي شخص يقترب منه تلتهبه نيران غضبه، أدخلها السيارة جبراً وركب هو الأخر وقاد بها إلى حيث لا تعلم، ساد الصمت المكان وهي تنظر للشوارع بذهول شديد كطفلة صغيرة لأول مرة تأتي للعاصمة بل أول مرة تخرج من الحانة وطريقها المهجور، نظر عليها وعقله يتساءل من هذه الفتاة وكيف لديها هذه البراءة وبريق عيناها الخضراء

سألها ببرود وهو ينظر للطريق ويقود:
- ليكي حد في القاهرة
أشارت إليه مبتسمة بسعادة لهذه البداية والحياة التي طالماً حلمت بها وقالت بعذوبة صوتها ورقته:
- لا دي أول مرة أجي هنا

- عارف، وكمان عارف أنهم مش خاطفينك ولا حاجة
قالها ببرود كلوح ثلج، دهشت من رده وعاد الخوف من جديد يسير في جسدها بأكمله فأزدردت لعوبها وقالت بخفوت وصوت مبحوح:
- أنا، أنا مكنتش أقصد أكدب عليك بس كنت محتاجة مساعدتك بجد ...

أدار رأسه تجاهها ورمقها نظرة لا مبالاة وأنزلت رأسها أرضاً بخجل من كذبها عليه وتسير القشعريرة بجسدها وهي تشعر بنظراته مثبتة عليها...

خرج معتصم من بوابة الشركة وهو يضع الهاتف علي أذنه ويتحدث به
- يعني عملت إيه في الموضوع بتاعنا
أجابه " سعيد " عبر الهاتف بثقة:
- زي ما حضرتك أمرت أنا مراقبه 24 ساعة

فتح السائق الباب الخلفي للسيارة وركب " معتصم " وهو يقول بغيظ:
- وأستفدت إيه أنا من مراقبتك له، لحد دلوقتي موصلتش لنقطة ضعف له أضغط عليه بيه، حتي قتله منفعش، إلياس لو مماتش أو أشتغل معانا هيأذينا في شغلنا جامد

أردف " سعيد " بسرور، قائلاً:
- هو معاه بنت دلوقتي وقريب هخلصك منه لو الحمار ده معرفش يقتله هلبسه قضية وأنت عارف يعني إيه ظابط يلبس قضية...
- بسرعة يا سعيد أحنا معندناش وقت كتير
قالها وأغلق الخط، عاد برأسه للخلف وأغلق عيناه بتهكم وتعب..

دلف " إلياس " لشقته مُنهك من الأرهاق وعقله مشوش بعد أن سمع حكاية تلك الطفلة ومعاملة زوج أمها وزوجته لها وتركها لمدرستها وتعليمها لكي تصبح راقصة حانة وسط الرجال والخمر بكل مكان حولها ..
دلفت خلفه بخجل منكمشة في ذاتها وتتفحص المكان بعيناها بصمت، خائفة من وجودها معه رغم شعورها ببعض الأمان لوجوده بجوارها كان صراع متناقض يحدث بداخلها ولكنه أفضل من وجودها في الحانة تخضع لسيطرة زوج أمها وزوجته وبيع جسدها للحصول علي المال...

- المطبخ علي أيدك الشمال، والثلاجة فيها أكل كلي اللي عاوزة...
قالها ببرود وهو يتجه للداخل دون النظرلها
- أنت شرفت
سمع صوت والده من الريسبشن، قالها " حبيب " بصوت خشن غليظ يدل علي غضبه من أنبه،أستدار " إلياس " له ومسح جبينه بكفه بضجر وقال:
- أزيك يا بابا.. أدخلي أنتي

أشارت إليه بنعم وأستدارت لكب تدخل ولكن أوقفها والده بصوته وهو يقف مُتكي علي عكازه وأقترب منهما وهو يوجه حديثه لدموع، وقال:
- أستني عندك، أنتي مين، مين دي اللي جايبها بيتك ياحضرة الظابط وأنت عايش لوحدك، خلاص مبقاش يهمك حد ومالكش كبير
نظر " إلياس " للعدم ثم نظر لوالده لكي يبرر وجودها لوالده مُردفاً:
- يا بابا أنا...

بتر " حبيب " الحديث من فمه بصفعة قوية علي وجهه وهو يصرخ به بأنفعال:
- الأبن اللي يزعق لأمه ويطردها من بيته ميبقاش أبن، وميستاهلش يقولي بابا، بعد كل ده أخرتها تطردها من بيتك أخرت تربيتنا فيك دي بعد ما كبرتك وخليتك راجل الناس كلها تحلف بأخلاقه وأدابه تعمل كده في أمك وتروحها معيطة، مبقاش ليك كبير، أنا مخلفتش رجالة آنا معنديش عيال غير أثير وبس، كمل حياتك واجري وراء الغوازي وأشرب خمر وأقطع صلاتك وأبعد عن ربنا أتوف عليك يا عرة الرجالة...

تركه وخرج من الشقة غاضباً منه، وضع " إلياس " يا ده علي وجهه بصدمة من صفعة والده لها وقسوة حديثه، نظر لباب الشقة بحسرة وخذلان، شعر بيدها الصغيرة تربت علي كتفه بلطف أغلق عيناه بقوة ودلف إلى غرفته وتركها...

ترجل " سيد " من السيارة بوجه عابث ودلف إلى الحانة ثم جلس على أحد الكراسي، خرجت " نارين " من المطبخ وجلست بجواره وسألته:
- عملت إيه لاقيتها
أنفجر صارخاً بها بغضب يقول:
- بنت الكلب طلعت عند ظابط

شهقت " نارين " بخوف وسألته بقلق:
- وهتعمل إيه، كدة روحنا في داهيه
أجابها بثقة وهو يقف صاعداً للأعلي:
- متقلقيش أنا بعت اللي يجبها...

أستيقظ " إلياس" صباحاً علي صوت خطوات هادئة في الخارج، أخرج مسدسه من أسفل وسادته وقام من فراشه بخفوت دون أن يصدر أي صوت ووضع يده علي الزناد وفتح باب غرفته بخفوت وخرج إلي الخارج...

تااابع ◄