رواية حب خاطئ الفصل الحادى عشر
- يُرهقُني كوني شخصٌ متعمق جدًا لاتجري مُجريِّات الأمور من أمامهِ بل من خلالهِ، وتتركُ فيهِ ندوبًا و آثارًا - مقتبس.
ـ عمّااار، عمّااار، جلجل صوتها الصارخ المفزوع في الطريق المتداخل مع صوات أبواق السيارات، شحب وجهها وبدأ قلبها بالخفقان بعُنف بين جنبات صدرها، تحاملت على نفسها ووقفت وهي تتأوه بألم ثم ركضت إليه بعرج بسيط و عبراتها تنهمر بغزارة، هو لن يصيبه سوء لن تسمح لهُ..
توقفت نادين عن الركض عِندما سمعت صوت اصطدام، تيبست محلها وانقبض قلبها خوفًا من الالتفات مما سوف تري، شهقت بقوة وحجظت عيناها عِندما أبصرته فركضت عائدة إليهما دون تردد..
تأوه بقوة وهو يمسك ذراعه بوجه مُحتقن لاعنًا اليوم الذي رأي كلتيهما به، ركعت ليلى أمامه وهي تصرخ باسمه بخوف ويديها تصفع وجنتيه بخفة..
تمتم بألم وهو يحاول الانتصاب والوقوف لاهثًا وصدره يعلو ويهبط في عُنف: أنا كويس، كويس..
ساعدته ليلى في الوقوف بتعب لتشاركها نادين وهي تعتذر إليه بندم: أنا آسفة، كُل ده بسببي..
هزَّ رأسهُ بلا بأس وهو يسير بترنح وعدم اتزان و دوارًا قويًا يداهمة، وألم جامح يجتاح رأسهُ من قوة الضربة شاعرًا كأن أحدهم ينخر جمجمتة..
بينما التي ضربته بالسيارة خرجت كي تعتذر أو تأخذه إلى مستشفي لكنها وجدتهم يبتعدون به بهدوء فعادت أدراجها..
همست ليلى بإسمها بحزن: نادين..
تجاهلتها ولم ترد عليها وهي تزدرد ريقها حتي دلفوا إلى المنزل، سارعت ليلى بإحضار كوب مياه إليه بعرج بيِّن، ساعدته بارتشافة وهي تربت على ظهره بتلقائية جعلته ينظر إليها نظرة خاوية، ينقصه فقط أن تطلب منهُ التشجؤ بعد ارتشاف الحليب! انتبهت على نفسها و أبعدت يدها بسرعة كأنهُ شخصا موبوء ثم سألته بقلق: اطلب دكتور او تروح المستشفي؟
نفي بهزَّ رأسهُ ثم طلب و ملامحه تتقلص من الوجع وهو يحاول تذكر أسمه: لأ هاتيلي بس البتاع ده اربطه على ايدي..
نظرت إليه بعدم فهم ليعيد بنفاذ صبر من الألم الذي يفتك به وهو يضم قبضته على كفه الموجوع حتى مرفقة الذي ينبض بالألم، ورأسهُ تكاد تنفجر: البتاع اللي بيلف ده عامل زي الصوف.
هزَّت رأسها بجهل ثم صاحت فجأة عِندما فهمت: أصدق رباط ضاغط؟.
أومأ بشكلٍ متكرر وهو يتأوة فهرولت إلى المطبخ وأتت به وهي تتمتم باستنكار: دكتور ايه ده اللي مش عارف اسم الرُباط الضاغط؟
وضعت علبة الاسعافات الأولية أمامه ومدت يدها تساعده لكنهُ منعها بهدوء: لأ أنا هعمله، وهاتي رجلك اتصابت..
هزَّت رأسها بنفي وقالت بنبرة حادة لا تعرف إن كان فهم المغزي منها أم لا: لأ انا كويسة..
زفر ومدّ يده السالمة إلى قدمها لتبتعد صارخةً به بحدّة: أنت مبتفهمش؟ قولتلك كويسة!
صرخ بها بنبرة جمهورية جعلها تنتفض ويتضاعف ألم رأسه: إيــــــه بقولك رجلك متعورة؟!
هبَّت واقفة وصاحت بوجة مكفهر من الغضب، مُحتقن وهي على حافة البُكاء بسبب غباءة أمام نادين تانيةً: أنت انسان بجح وده مش ذنبي مش عايزة حاجة..
دفع علبة الاسعافات من أمامه بحدّة وهو يزمجر بخشونة ثم هبَّ واقفًا وغادر بملامح مكفهرة..
خللت أناملها داخل خصلات شعرها بعصبيه وصرخت به كي يعود: ضمد ايدك الاول وبعدين امشي!، لكنهُ غادر وصفع الباب خلفه بقوة رجت أرجاء المنزل..
ـ أنا طالعة أنام، قالت نادين بهدوء دون النظر إليها وصعدت، هرولت خلفها متحاملة على نفسها صعود الدرج لكنها لم تلحق بها، كانت قد أغلقت غُرفتها عليها من الداخل..
طرقت باب غرفتها وهي تسند جبينها عليه تتوسلها كي تفتح: نادين افتحيلي لازم نتكلم عشان خاطري..
لم يأتها رد لتستطرد وهي تبكِ بانهيار: انا قولتلك من الأول بلاش عمّار، افتحي عشان خاطري لازم نتكلم عمّار كان بيهزر أنتِ عارفة أنه بيعزك، لكن لم يأتها رد..
شهقت بحرقة وهي تسقط جالسة أمام الغرفة وظلت تطرق عليها كي تريح قلبها وتفتح لكنها لم تفعل..
عاد إلى منزله بعد أن ضمد ذراعه في المستشفى، صفع الباب خلفه وصعد مباشرةً إلى الغرفة بألم يفتك برأسهُ، فمن الجيد أنهُ لم يصيب بارتجاج، القى بجسده فوق الفراش ودفن رأسهُ أسفل الوسادة باستياء كـ طفل غاضب حزين يحتاج إلى مواساة، هو بحاجة إلى والدته هي الوحيد التي تطبطب على قلبه المسكين وتطيب خاطره، تواسيه بعناق، تغمره بحنانها دون أن يطلب، سيذهب إليها غدًا، لقد إشتاق إليها ويحتاجها أكثر من أي وقتٍ مضي..
داخل القاعة التي تنطق بالفخامة، الخاصة بالطبقة المخملية فقط، الثريا الضخمة تدلي في المنتصف وسط الإضاءات المتلألئة والبذات الأنيقة و الروائح الذكية المنبعثة منهم صارخة بالثراء الفاحش، الهمسات المتحفزة، والنظرات المختلسة، الحلقات حول الطاولات دائرية، الجميع يقف باستقامة يحدقون في كؤوسهم تارة وأخرى يتبادلون أطراف الحديث، الأجواء شاعرية والموسيقي كلاسيكية هادئة تبعث الراحة في النفس..
وفي المنتصف حول طاولة دائرية صغيرة، كان جاسم يقف يتبادل أطراف الحديث مع عشق بهدوء حتى تنهد وأخذ يتلفت حوله عله يلتقط أحدًا يجلب لهُ مشروب لكنهُ يئس من تحقيق هذا وبعمليةٍ قال: هجيب حاجة نشربها وجاي..
أومأت بهدوء وراقبت ذهابه بابتسامة عذبة وهي تدلك رقبتها بخفة، فكانت ترتدي فستان كريمي بكتف واحد ضيق يتوسطه حزام أسود لامع رفيع يتماشى مع حذائها وتركت شعرها منسدلا خلف ظهرها، تلاشت ابتسامتها عِندما أظلم المكان فجأة وعمّ السكون في الأرجاء عدي من صوت تلك الموسيقي..
شهقة متفاجئة خرجت من بين شفتيها تلتها شهقة مرتعشة وهي تشعر بتلك اليد الدافئة تحتضن كفها تسوقها إلى مكانٍ ما وسط الظلام، رجفة بسيطة سارت على طول عمودِها الفقري وقلبها أخذ يقرع كالطبول بعُنف عِندما طوق خصرها بتملك ورفع يدها لتستقر على قلبه النابض بجنون، وأخذ يراقصها ويتمايل معها في الظلام دون أن يبصران، لكن قلبيهما كانا يبصران جيدًا، تعرف أنهُ هو، فهي لا تتوه عنهُ رائحته تسكن مساماتها..
دارت وتحركت معهُ بثلاثة والعبرات تشق طريقها لوجنتيها ولا تعلم اعتابًا أم إشتياقًا، فالقلب يميل لمن يُحب وهي مازالت تميل كُل الميل، كالنجمة تنير و تهدي في عتمة الليل كانت هي هكذا بين يديه، قلبه لم يهدأ ويتوقف عن الخفقان قط منذُ أن رآها، فهي أصبحت المالكة وغدي هو العبد..
ـ وحشتيني، همس بجانب أذنها بلوعة اشتياق، بوهن صاحبة واستشفته في صوته و أنفاسه الهادرة..
هادئة، ظلت هادئة بينما داخلها خراب تعض على شفتيها بقوة لكي لا يخرج صوتها الواهن حتى أدمتها، دفع بها إلى صدره بقوة مكبلًا إياها ويديه تمر فوق ظهرها بتلهف معطيًا الإشارة لها كي تبوح، شهقت بحرقة وهي تدس رأسها في رقبته ويديها تلتف حول منكبه بقوة تنوح وتبكِ بقلبٍ مُنشطر دون توقف..
ـ مكنتش أعرف إني بحبك اوي كده غير لما بعدتي، قال بشغف وهو يُدثرها داخل أحضانه بقوة وحميمية، هذا كلامًا جميلا مفعمًا بالحب لكنها لم تسمعه منهُ بقلبٍ صافي، رُبما مازالت غبية و تتفاعل معهُ لكنها لن تعود عشيقة من جديد هذا لن يحدث، لقد أقصته من حياتها..
ـ عشق مش هتردي عليا؟!، سألها بصوتٍ ضارع متوسلًا للرد، ليأتيه صوتها الباكِ المتعب الذي أشتاق لهُ كثيرًا بعد صمتٍ دام لثوانٍ بجانب أُذنه: أسكت يا قُصيّ وأحضني جامد، ابتسم بحنين وهو يتذكر هذا القول، فيا إلهي كم يشعر بالحنين إلى تلك الأيام، هو بالفعل كان يُقيدها وليس يعانقها فقط، هي فقط تريد وداعًا لائقًا.
همست بنحيب وهي تشد على كتفيه بقبضتها: أنت مشيت بعد ما غرزت خنجر مسموم في قلبي يا قُصيّ وسبته ينزف، و روحي تنزف معاه..
ارتفع صوت الهمسات والتمتمات المنزعجة حولهم بسبب طول الانتظار والأضواء مازالت مُغلقة ليتخلل الأصوات صوت جاسم القلق المُرتفع وهو يهتف باسمها بلهفة: عشق، عشق، أنتِ فين؟
ابتعدت عن قُصيّ بترنح وهي تجفف وجنتها براحة يدها بخفة، تستعيد رباطة جأشها على مهل تهدأ روحها المعذبة، اصطدم جسد صغير في كتف قُصيّ وسط الظلام ليصل إلى مسامعه صوت تمتمة اعتذار: آسفة..
قطب كلا حاجبيه وهو يفكر بهذا الصوت المألوف، استدار تزامنًا مع عودة الضوء ليتسمر مكانه و تتهجم ملامحه عِندما أبصر ريمه تهرول وهي تتلفت حولها كاللصة بنظراتٍ ضائعة وغرام في يدها! تلك المعتوهة تستحق الصفع كيف تأتي دون علمه؟
هرول خلفها سريعًا دوم أن يعبأ بالتي كان يتودد إليها من ثوانٍ فقط، ضحكت عشق بسخرية و تساقطت عبراتها بمهانة وهي تراه يهرول خلف الفتاة، مازال كما هو لم يتغير فمن تظن نفسها هي كي تغير قُصيّ رشدان بجلالة قدره؟!
انتفض جسدها بفزع عِندما وضع جاسم يديه فوق كتفها، التفت إليه بوجه شاحب ذهب لونه ليسألها بقلق وهو يقطب كلا حاجبيه ماحيًا عبراتها بنوعٍ من الاستنكار: عشق مالك حصل حاجة؟
هزت رأسها نافية بسرعة وهي تزدرد ريقها قائلة بارتباك: مفيش، مفيش كُنت بدور عليك خُفت شوية من الضلمة بس..
مسد ذراعها العاري بحنان وسار بها إلى طاولتهم بينما يقول برفق: متخافيش ده كان عطل واتصلح خلاص..
أومأت بتفهم ثم طلبت بهدوء: هروح الحمام بسرعة وجاية..
اختبأت ريمة خلف أحد الحوائط، تلهث بتعب وهي تطبق جفنيها بقوة مرددة لنفسها بخوف وهي تضم جسد غرام إليها: شافني، شافني، و هيقتلني..
تذمرت غرام بحزن وهي تدبدب بقدميها أرضًا: مش هشوف مامى بقي؟
ربتت ريمة على رأسها بحنان وهي تتوسلها: هنشوفها هنشوفها بس وطي صوتك والنبي دلوقتي..
أومأت بطاعة وظلت هادئة عابسة تحدق حولها بحزن لتشهق فجأة وتقفز بحيوية وهي تشد على يد ريمة لكي تنبه إليها..
سألتها باستفهام وهي تطالع ابتسامتها: ايه يا حبيبتي في ايه؟
قالت بحماس وهي تبتسم بإشراق، مؤشرة بسبابتها ناحية دوره المياه: مامى مامى شُفتها دخلت هنا تعالي نروح..
نظرت ريمة تجاه دورة المياه بريبة ثم سألتها بشك: متأكده يا حبيبتي، أومأت وهي تشد يدها بقوة حتى سارت معها بانصياع..
جلست ريمة القرفصاء أمامها بجانب باب دورة، ثم أمسكت يدها بحنان بينما تقول برفق: حبيبتي هتدخلي وزي ما اتفقنا ها عشان نبقي نشوفها تاني أوكيه..
أومأت بابتسامة مُشرقة ثم ركضت داخل دورة المياه لتعض ريمة أناملها بتوتر وهي تنتصب واقفة، فركت كفيها معًا بانفعال وهي تدور حول نفسها في مكانها متسائلة عن هوية التي بالداخل هل هي جـنّـة أم عشق!
جففت عشق أناملها وهي تحدق في انعكاسها في المرآة بنظرة خاوية لكنها لم تخفي نفورها واشمئزازها من نفسها أيضًا، قطبت كلا حاجبيها و اخفضت رأسها بجانبها عِندما شعرت بيدٍ رقيقة تلامس قدميها ويبدو أنها صغيرة أيضًا وليست رقيقة فقط..
جلست القرفصاء وهي تبتسم ملاطفة أمام تلك الصغيرة التي شعرت بكونها مألوفة بالنسبةِ إليها..
قرصت وجنتها الممتلئة بخفة وهي تسألها برفق: جاية؟ لوحدك يا حبيبتي؟ فين بابا؟! تايهـ، توقفت عِندما اندفعت لأحضانها وعانقتها بقوة، طوقت رقبتها بذراعيها الصغيرين وهي تدس نفسها داخل احضانها أكثر مطالبةً بالدفء والحنان، بكت بخفوت ورقة وهي تشد قبضتها فوقها أكثر أصابتها بالتعجب..
ربتت على ظهرها بحنان بيد بينما الأخرى كانت تمسح على شعرها برقة وهي تسألها بقلق: بتعيطي ليه يا حبيبتي خايفة؟ توهتي من ماما؟
فصلت عشق العناق وقامت بمسح عبراتها برقة وملامح الحزن تكتسي وجهها بسبب بكاء تلك الجميلة الصغيرة..
لثَّمت جبهتها بحنان ثم مررت يدها على ضفريتيها بابتسامة مشاكسة: حلوين أوي دول يـ، هخمن أنا متقوليش..
ضحكت برقة وهي تنظر إليها بشغف ترمش بين الحين والأخر في ترقب لمَ ستقول فهي بالتأكيد تمازحها..
بينما في الخارج كان التوتر لدي ريمة قد وصل لذروته وهي تفكر بتشوش غير قادرة على التركيز، هزَّت رأسها بيأس وهي تزفر بعمق تهيأ نفسها للدخول فلن تتركها معها حتي الصباح..
وضعت قدم داخل دورة المياه لكن ذراع قبضت على مرفقها جعلتها تغمض عينيها بخوف منتظرة تلقى صفعة قُصيّ لكن ذلك الصوت الأنثوي جعلها تتمنى لو كان قُصيّ هو من وجدها وصفعها..
ـ ريمة! بتعملي ايه هنا؟ نزلتي امتي؟ غرام؟ غرام معاكِ فين؟، كان هذا سؤال جـنّـة الذاهل الذي سرعان ما تحول إلى تلهف عِندما أتت بسيرة غرام..
ضحكت ريمة ضحكه أقرب للبكاء وهي تعود بخطوتها إلى الخارج مجددًا بوجه شاحب هرب لونه و بتلعثمٍ قالت وجبينها بدأ في التعرق: أنـ، أنـ، أنـ..
توقفت تستعيد رباطة جأشها ورفعت كفها تجفف جبهتها بأناملها المرتجفة بارتباك جلى لاحظته جـنّـة فعاجلتها بسؤالها بصوتٍ مُرتفع نسبيا من العصبية: ريمة! مالك متوترة كده ليه؟ حصل ايه؟
ضحكت ريمة ببلاهة وهي تعض شفتيها بتذبذب ثم قالت وهي تشملها بنظرها: أنتِ هنا يا جـنّـة معقولة؟
قلَّبت عينيها وهي تدفعها من أمامها لأنها تماطل وهذا واضح، دلفت إلى دورة المياه لتتحجر مكانها كمن سقط فوق رأسهُ سطلا من الماء البارد، اغرورقت عينيها بدموع قهرها، وصوت ضحكات غرام المتداخلة مع ضحكات عشق الرنانة تخترق أذنيها كدوي الطنين دون رحمة، تساقطت عبراتها وهي تشد على نواجذها، تضم قبضتها بقوة والحقد والغِل ينهش أحشاءها بضرواة، واللهيب يندلع داخل صدرها المتأجج بالنيران، صغيرتها تضحك مع أخرى! تقف معها براحة كأنها تعرفها؟!
نطقت بحسرة وعبراتها تتساقط بغزارة: بـ، نـ، تي، بنتي بتعمل ايه مع عشق؟!.
صدى رنين تلك الكلمات الخاصة بـ قُصيّ أخذت تتردد في أذنها بصوت عالٍ كأنها تذكرها بخيبتها و بلاهتها وتصديقها لهُ..
ـ مين قالك انها محرومة منك؟ دي عارفاكِ وبتشوف صورك دايمًا أول ما هتشوفك هتعرفك..
ـ بجد يا قُصيّ عارفاني يعني لما تشوفني هتعرفني ومش هحتاج أشرح انا كُنت فين وبعيدة عنها ليه؟
ـ ولا تقولي أي حاجة هي عارفاكِ..
ـ شكرا يا قُصيّ..
ـ على ايه بس أنتِ مراتي ومهما حصل هتفضلي أم بنتي!.
هذا الوِد كانت تعلم أنهُ زائف، هو يعاقبها يُريد أن يحرمها منها طوال حياتها لكن، لكن لمَ بتلك الطريقة؟ هكذا يقهرها! هل سيجعل من عشق والدتها؟! هل هذه خطته الفاشلة؟ خسأ أبن رشدان فلن ينتصر وسيري ما ستفعل بها...
استنشقت ما بأنفها وحركت شفتيها للتحدث، لا بل للصراخ لكن ريمة وضعت يدها على فمها و سحبتها من ذراعها إلى الخارج بسرعة قبل أن تفتعل شيءً ما غبي، حاصرتها بينها وبين الحائط وهي تتنفس بعصبية وانفعال، وبرجاءٍ قالت: أنا والله جيباها عشانك أنتِ جـنّـة اهدي انا هاخدها وهمشي هستناكِ في البيت بلاش مشاكل ها نتكلم في البيت..
رفعت يدها عن فمها بجزع واستدارت لكن جـنّـة جذبتها من مرفقها بعنف تسألها بجنون وهي تهز رأسها باستنكار: بتعمل ايه مع عشق بقولك؟
نفضت ريمة يدها بعنف وهي تنظر إليها نظرة فارغة وببرودٍ قالت: أنتِ فهمتي بنتك معاها ليه مش محتاجة أقول، وتركتها ودلفت إلى دورة المياه..
يئست غرام من كثرة توقعاتها الخطأ و بطفولية قالت وهي تضحك بسعادة: غرام يا مامي غرام..
تلاشت ابتسامة عشق وحل محلها التعجب وهي تنظر إليها وقبل أن تتحدث وجدت من يهتف بإسمها بقلق: غرام يا حبيبتي أنتِ هنا أنتِ كويسة؟.
قالت ريمة وهي تقبل عليهما ثم حملتها بين يديها رغمًا عنها بقلق، اختلست النظر إلى عشق بطرف عينيها ثم قالت بامتنان: شكرًا ليكِ، أومأت عشق بخفة وهي تحملق في وجهها ببعض الحيرة فهي مألوفة هي والطفلة لدرجة لا تستوعبها يُجب أن تتذكر!
استفاقت على اختفائها من أمامها مع الطفلة لتهز كفايه بريبة ثم عادت تحدق في المرآة تهندم من مظهرها..
اولتهم جـنّـة ظهرها عندما رأت ريمة تخرج من دورة المياه مع غرام لتبصر قُصيّ يقبل عليها بملامح متجهمة وخلفه جاسم الذي يتلفت حوله يبحث عن عشق بالتأكيد هذا الأبلة! خطرت لها فكرة خبيثة عصفت بها جعلتها تبتسم بمكر ثم دلفت إلى دورة المياه..
رتبت عشق غُرتها في المرآة لتتوقف أناملها في الهواء عِندما رأت انعكاسها الشرير يحدق بها بابتسامة حاقدة! هي تهذي! لقد بدأت تهذي، ازدردت ريقها بخوف وشحب وجهها حتى لم تعد الدماء تجد طريقها إليه، أوصدت جفنيها بقوة وصدرها يعلو ويهبط بعنف تستعيد من الشيطان الرجيم ثم فرقت بين جفنيها على مهل وجسدها ينتفض دون مبالغة، صرخت بذعر وهي تجد رأسها ترتطم بالمرآة بعنف جرحتها ويدٍ ناعمة تطبق على عنقها بقوة تخنقها دون تردد لا تعي ما تفعل وهي تدفع بها للخلف ليلتصق ظهرها بطرف الرخام الملحق بالحوض أسفل المرآة بقسوة كادت تقسم ظهرها نصفين..
صاحت بشراسة والشر يقدح من عينيها وهالة الشر تسيطر عليها وهي تضغط على رقبتها أكثر بعنف وانفعال حتى احتقن وجهها وجحظت عينيها ولم تعد تستطيع التنفس: هقتلك، فاهمة هقتلك مش هسمحلك تاخدي مني حاجة تانية هتموتي قبل ده ما يحصل هتموتي..
ضربت عشق يديها بشكلٍ مُتكرر وهي تشهق باختناق بأعين جاحظة دامية، وشفتيها تتحرك محاولة إلتقاط أنفاسها بصعوبة، وخط الدماء بدأ يسيل من جانب جبهتها المدمية، لتدفع جـنّـة برأسها بقوة أكبر كادت تخترق زجاج المرآة وبدأت تحذرها بهسيس صوتها المشابه لأفعى كان يضرب أذنها يلدغها: أنا براقبك و عارفة أنتِ بتعملي ايه في كُل ثانية، وبحذرك لو شوفتك مع قُصيّ تاني هتموتي يا عشق والله هتموتى..
توقفت يديها عن الضرب وضعفت مقاومتها وبدأ جسدها يرتخي مستسلمة لموتها المحتوم الذي رأته داخل مقلتيها المرعبة بعد أن تحولت بشرتها النضرة المتوردة إلى زرقاء قاتمة كالأموات بينما الأخرى كانت عروقها نافرة وجهها محتقن بحمرة إثر ضغطها بقوة واصرار لكن تراخت يديها عن رقبتها فجأه ودفعتها بعيدًا عِندما سمعت صوت قُصيّ يقترب هادرًا بإسم ريمة بانفعال..
أخذت شهيقًا من الأعماق وهي تبتسم براحة، القت نظرة ساخرة على جسدها المسجى أرضًا ولذة تجتاحها وهي تسمع صوت سُعالها المختنق، هزَّت رأسها بأسف مصطنع وملامحها تتقلص بنفور بسبب صوت سُعالها المزعج..
اتجهت إلى الخارج بخطواتٍ متهادية رشيقة لتصدم بصدر قُصيّ المندفع للداخل، شهقت برقة وهي تريح يديها فوق صدره تناظرة بمكر وهي ترفع احدي حاجبيها ليتوقف متعجبًا لاهثًا بانفعال و جبينه يتفصد عرقًا، ، شملها بنظرة من أعلاها لأخمص قدميها وباستنكارٍ قال: جـنّـة؟!
دفعته إلى الخلف و ابتسامة شيطانية تعتلي ثغرها ليصطدم ظهره بالحائط ومن دون مقدمات هجمت على شفتيه تقبله بشغف وهي تدخل يديها من خلف من سترته تحوط خصره بقوة دون أن تفصل قبلتها المحمومة ودون أن يفهم ما يحدث! لقد باغتته وتلك الآلام المبرحة عادت تفتك بجسده..
ـ عشق!، وصل إليهما صوت جاسم المنصدم الذي طغى عليه الخذلان لتبتعد جـنّـة بابتسامة منتصرة وهي تمسح طرف شفتيها بإبهامها أمام نظرات قُصيّ المستهجنة وبخسةٍ همست أمام شفتيه: يا انا يا هي يا قُصيّ، رفقت كلامها بقبلة سطحية فوق شفتيه ثم التفتت تنظر إلى جاسم الذي أحس بأن قدميه لم تعد لهما من موطئ صلب، كان يجرها خلفه وهو يقترب منكسرًا لثانِ مرة بسببها والنيران تندلع بين جنبات صدره، لتغمزة بعبث وهي ترسل لهُ قبلةً في الهواء ثم استدارت و غادرت تاركة قُصيّ يحملق في ظهرها يستوعب ما فعلت، تلك الشيطانة!.
أنفاس هادرة ضربت وجهه مع زمجرة قوية فالتفت ليجد جاسم يقف أمامه وملامحه لا تبشر بخيرٍ البتة، وهو يشعر بالوهن لا يقدر على المشاجرة..
هزَّ رأسهُ بنفي ونطق مبررًا أمام ملامحه المتجهمة وزرقاوية الجحيميتين المشتعلة بخطورةٍ طغت على لمعتها النقية: لأ، لأ، استني، دي مش عشق، مش عشـ، عاجلة بلكمه أطرحته أرضًا بعنف، تأوة بألم إثرها وهو يرفع جسده، يستند على راحة يديه ليركل جاسم معدتهُ بِغل أسقطه على وجهه وظل يركله كأنهُ كيس ملاكمة متكوم أمامه في أوج غضبه العاجز وهو يسبه بأبشع الألفاظ، ولم يتوقف، لم يتوقف رغم تعبه وتعرقة لأنهُ يُريد الانتقام لشرفة لكن تلك الراحة تلاشت عِندما بصق قُصيّ دماءًا وهو يسعل بقوة..
توقف يلهث بأنفاس متسارعة وهو يراقبه بوجوم وجسده ينقبض وينبسط بقوة، جلس القرفصاء أمامه وقبض على تلابيبه يهدده بقوة هادرًا وهو يهزه بين يديه: لو قربتلها تاني هقتلك، هقتلك، وضرب رأسهُ أرضًا ووقف كي يغادر لكن انتفض قلبه وتنبهت حواسه عِندما سمع صوتها المُنهك يأتي من خلفه: جـ، جاسم، نطقت بهذا وهي تتحامل على نفسها كي تقترب وتخرج لكن العالم دار بها وسقطت بضعف ليهرول إليها بسرعة البرق ويطوقها قبل أن تسقط لتستقر رأسها على صدره..
نظر إليها بتشتت وهو يحتضنها بحرص شديد ثم نظر إلى قُصيّ الذي يحاول الوقوف بتعب بعدم إستيعاب لحالته! فما هذا الضعف؟!
هتف بتقتير وهو يحاول الوقوف بإنهاك: قـ، قولتلك مش عشـ، زمجر بغضب وركله مجددًا وهدر بمقتٍ شديد: متجبش سيرتها تاني..
سعل بتعب وتوقف عن المقاومة وظل مسطحًا يلهث والألم يفتك بكل خلية في جسده متابعًا ابتعاد جاسم وهو يحمل عشق بين يديه وقدميها تتراقص في الهواء بهذا الحذاء الأسود، فلغبية الأخرى أتت بحذاء ذهبي وهذا ما كشفها..
تحامل على نفسه واتكأ على الحائط كي يقف بثبات وبدأ في السير بترنح وألمه يتزايد في أعلى بطنه، مسح الدماء من فوق فمه بذراعه وسار إلى الخارج يطوح بجسده هُنا وهُناك حتى كادت السيارة تضربه..
ضغط المكابح بقوة واندفع خارج السيارة مهرولًا ناحيته بقلق، رفع قُصيّ رأسهُ وهو يحوط معدته بألم ليتمتم بتعجب وهو يرى ذلك الصفيق يقبل عليه: سامي!
صاح بتعجب وهو يشمله بنظرة معبرة ثم سأله باستفهام: أنت كُنت في الحفلة؟
رد بنزق وهو يلهث بتعب: أنت مالك؟
ـ طيب جاسم جِه؟، سأل وهو يتلفت حوله، ليرد عليه بغلظة: معرفش..
وضع يديه داخل جيب بنطاله وهو يهز رأسهُ بتفهم ثم قال باقتضاب: كويس اني شوفتك عشان تنفذ وعدك.
سأله بنفاذ صبر ومعدته تتقلص من الوجع: وعد ايه موعدتش بحاجة!
ارتفعت زاوية شفتيه بسخرية ثم هدر بتزلف: لا اتفقنا وعشق لسه مش معايا ولا سلِّمت ايه؟!
هز رأسهُ وهتف ممتعضًا: ايه؟ اعملك ايه؟ روح خُدها من ابن عمك انا مالي؟!، واستدار ليذهب لكن سامي أمسك مرفقة بقوة وهدر باعتراض: لا يا حبيبي انا ساعدتك كتير مش عشان جمال عيونك! ساعدتك عشان عشق تبقى بتاعتى فى الأخر مش عشان تاخدها أنت؟
ورغمًا عنهُ ضحك بسخرية حتى تأوه من نبض معدته إثر الألم الفتاك الذي يرجف بدنه..
هتف ببرود وهو يقاوم تلك الآلام: أنا خدتها؟ فين؟ مفيش الكلام ده عشق بح خلاص..
مسح وجهه بغضب وسأله بأعصاب مشدودة: يعني ايه الكلام ده؟
اقترب منهُ وهتف باستصغار: يعنى تشوف أنت رايح فين ووريني عرض كتافك وبيك أو من غيرك كُنت هعمل اللي انا عايزة عارف ليه؟، ابتسم واستطرد هامسًا بجانب أذنه باستفزاز: عشان عشق حبتني انا و متحاولش، تاكس تاكس.
توقفت سيارة أجرة أمامه ليصعد ويختفي عن وقع أنظاره بينما هو ظل يقف محله كالنخلة يُحدق في السيارة وهي تبتعد وحرارة الغضب تنصهر داخله و مقلتيه تقدح شرًا وهو يفكر بخبث شيطاني لأنهُ سيحصل عليها مهما طال الانتظار وهو متأكد من هذا، فإن لم يساعده يوجد جـنّـة سوف تساعده بصدرٍ رحب، صفَّ سيارته وهو يصفر باستمتاع ثم دخل إلى الحفله لأن ليلته ستكون حافلة..
على جانب الطريق داخل سيارة جاسم..
وضع اللاصقة الطبية فوق جرحها برفق بعد أن نظفها وهو يتابع ملامحها الساكنة بتأنيب، مرر أنامله فوق وجنتها برقة والذنب ينهش داخله لأنها تأذت وظنَّ لوهله أنها عادت إليه، بل كان متأكد أنها عادت إليه لكنهُ صعق عندما رآها! فلم يعد يفهم ما يحدث تلك جـنّـة أليست محجبة؟ ما خطب تلك التعابير التي كست ملامحها والنظرة التي تلألأت في مقلتيها ونظرت إليه بها؟! تلك ليست البريئة التي كانت معهُ! ليست هي بالتأكيد هُناك ما يحدث وهما جاهلان به، لكن ما فهمه أنها تريد الإيقاع بينهما وبشدّة كي تقبل على فعل هذا؟
دلَّك نحرها برقة من ذلك الاحمرار القوي الذي غمَّ قلبه وأشعره بالألم كأنهُ هو من تعرض للإختناق من النظر إليه فقط، الحزن يكتسي ملامحه مؤنبًا نفسه بسبب ماحدث معها..
شهقت وهي تنتفض من على المقعد ليثبتها من منكبها وهو يهدئها بحنان: هشش أهدي متخافيش..
مسدت نحرها بهستيريا وجسدها يرتعد من الخوف وبدأ تساقط عبراتها بغزارة وهي تقول بخوف: كانت هتموتني كانت هتموتني..
ضمها إلى صدره بحنان ويديه تمسد ظهرها برفق: هشش اهدي أنتِ كويسة مفيش حاجة هتحصلك وحشة الحمد الله اني لاحظتك، تشبثت في قميصه تبكِ بحرقة، دافعة بنفسها لأحضانه أكثر بخوف لأول مرة يراه يصدر منها ويشعر به بتلك الطريقة..
شدد قبضته حولها داعمًا وهو يمسح على شعرها بحنان، هامسا لها بعبارات مطمئنة حانية حتى هدأت وتوقف انتفاض جسدها نسبيًا: اهدي خلاص هنمشي، أومأت بتذبذب وهي تبتعد عن صدره ليخلع سترته الثقيلة و يضعها فوق كتفيها وهو يُريح ظهرها على المقعد برفق: ارتاحي لحد ما نوصل..
أراحت رأسها على المقعد، وأخذت تُحدق من النافذة وهي تضغط على الزر كي يختفي الزجاج ويصل إليها الهواء النقي لأنها تختنق، فقبضته جـنّـة مازالت تشعر بها فوق عنقها مسببةً لها الرعب، حركت جفنيها المتورم ببطء شاعرة بالحرقة داخل مقلتيها الحمراء ليفتح جاسم عبوة العصير من أجلها ثم وضعها بين يديها يحثها على ارتشافها وهو يداعب وجنتها بنعومة: اشربي ده، أومأت بابتسامة اخرجتها بصعوبة بالكاد رآها ثم بدأ في القيادة في طريقه إلى الإسكندرية..
صفعت جـنّـة باب المنزل بعُنف ثم قذفت الحذاء من قدميها وسارت إلى الداخل وهي تصيح بإسمها بثوران مُزِج بعصبية: ريمة، ريمة، ريمة.
أتتها ركضًا لكن ليس ريمة بل غرام الصغيرة، تبدل الغضب و تهللت أساريرها و أهتز كيانها وهي تراها تركض تجاهها بسعادة خالصة، جلست القرفصاء وفتحت يديها على مصراعيها وقلبها يخفق باضطراب واغرورقت عينيها بالدموع وهي تستقبلها بصدرٍ رحب، مبتسمة بحنان ومن دون مقدمات حملتها بين يديها وهي تقف بها مغرقتًا إياها بوابلاً من القبلات الموزعة في أنحاء وجهها الناعم وعبراتها تتساقط بغزارة، وشعورها بتلك الغريزة الأمومية يداعب حواسها ويدغدغها ويرهف بها، لا تصدق أنها بين يديها وتعانقها الآن..
همست في أذنها بحزن وهي على وشك البُكاء: وحشتيني أوي يا مامي..
قبلتها بهلفه وهي تضمها بقوة أكبر قائلة بحنان: أنتِ أكتر يا حبيبتي أنتِ أكتر، مش هسيبك تاني ابدا والله مش هسيبك هتفضلي معايا على طول..
هزت رأسها بخفة وهي تخفي وجهها فى رقبتها، لتميل جـنّـة و أوقفتها أرضًا ثم جلست على ركبتيها فوق البُساط عِندما شعرت بالحرقة في عينيها، تلك العدسات اللاصقة يُجب أن تخلعها..
رفعت سبابتها مع طرف إبهامها ونزعت العدسة من عينيها اليسرى ليتناهي إلى مسامعها صوت شهقتها الصغيرة وهي تبتعد إلى الخلف بخوف لتصطدم بجسد ريمة التي توقفت امامهما الآن، اختبأت خلفها وهتفت برفضٍ تنبذها وهي تشد على ملابسها بقوة: دي مش مامي..
هزَّت جـنّـة رأسها بنفي وهي تقترب منها بلهفة كي تفهمها: لأ، يا حبيبتي دي عدسة بصي بتتشال وبتتحط اهي، ورفقت قولها وهي تضعها داخل عينيها أمامها ثم خلعتها واستطردت وهي تبكِ بحزن: شوفتي دي عدسة عادي يا حبيبتي انا ماما!
هزّت رأسها بنفي وأخفت نفسها خلف ريمة وهي تقول بنبرة مرتعشة قبل أن تبكِ: بابي مش قالي كده دي مش مامي، واجهشت في نوبة بُكاء وهي تغمر وجهها بين راحة يديها الصغيرة، فطرت قلبها وهي تراقبها.
بحسرة، تعض على شفتيها ندمًا وقهرًا من قُصيّ فهي لن تسامحه على هذا الفعل أبدًا، رفعت رأسها ونظرت إلى ريمة التي تحدق بها ببرود وتعالٍ، فهي تستحق أكثر من هذا..
أمسكت كفها المتدلي برجاء وهمست متوسلة: ريمة قوللها يا ريمة أني أنا أمها..
ردت ببرود وهي تنفض يدها عن كفها: عشانها مش عشانك، أومأت بانفعال والأمل يحيي داخلها وهي تمسح عبراتها وظلت جالسة هادئة مترقبة لها، لايهم من أجل من فلن تضيعها هي الأخرى..
جلست ريمة القرفصاء أمامها ثم أبعدت كفيها عن وجهها وقبلتهم بالتناوب وهي تبتسم برقة أمام عبوسها ثم قبلت أسفل عينيها فوق دمعاتها الساخنة جعلتها تضحك بطفولية وهي تنظر إليها بحُب لتقول ريمة برقة وهي تقربها من جـنّـة: دي ماما يا حبيبتي وبتحبك اوي زي ما بابي قالك بالظبط، هي دايما بتخرج بالعدسات وبتتصور بيها عشان شكلها حلو بس علشان كده الصور اللي بابا ورهالنا لماما كُلها بالعدسة بس لكن هي ماما يا حبيبتي مش حد تاني، شكلها متغير ها؟
هزَّت غرام رأسها بنفي وهي تنظر إلى ملامح جـنّـة المطابقة للصور وعينيها تلمع أمام نظراتها الحانية تجاهها، وببطءٍ سارت خطوتين وجلست على قدمها ودثرت نفسها بأحضانها دون أن تتحدث..
لدقائق ظلت هادئة تعانقها بقوة مشفقةً عليها، فهي كانت ستقبلها بطريقة أو بأخري هي من تحتاجها وتحتاج لأمٍ في النهاية، قبلت جبهتها وهي تنهنه حتى سمعت صوتها الرقيق الهامس: سوري مامي، همست بندم وهي تدس نفسها داخل صدرها لـ تُقبلها وهي تغمرها بحنانها قائلة بحزن: حبيبتي انا اللي اسفه متزعليش مني، ثم فصلت العناق واستطردت بلهفة وهي تحتضن وجهها الصغير بين يديها: النهاردة عيد ميلادك صح انا مش ناسية وبُكرة هاخدك وهفسحك وهنروح والملاهي واي حته أنتِ عايزاها، وكل يوم هنخرج و هنتفسح انا هبقى فاضية ليكِ لوحدك طول الوقت ها..
أومأت وهي تبتسم ببراءة ثم رفعت كفها ومررت يدها الصغيرة فوق وجنتها بطفولية وهي تحرك أهدابها ثم طبعت قبلة رقيقة دافئة ذات ملمس ناعم..
تبسمت جـنّـة وكادت تقبلها لكن ريمة أخذتها وهي تحثها على الذهاب معها برفق: يلا يا حبيبتي عشان تغيري هدومك معاد نومك جِه..
أمسكت جـنّـة يدها أوقفتها عن السير وهتفت بحماس وهي تبتسم: انا هغيرلها وهتنام معايا النهاردة.
تلاشت ابتسامتها كـ تلاشي الدخان مع الرياح عِندما نفت ريمة وهي تأخذ غرام: لأ مش هينفع النهارده قُصيّ زمانه جي ولازم تتكلموا مع بعض..
أومأت بانصياع وهي تحدق في ابتعادها مع ريمة تتراقص أثناء سيرها بسعادة وهي تضحك، استدارت فجأة ثم بعثت لها قبلة في الهواء وهي تقول بفرحة: هستناكِ تحكيلي حدوتة قبل ما أنام..
أومأت بإيجاب ثم قالت بدفء: من عنيا الاتنين يا حبيبتي هحصلك..
صفَّ سيارته بعد عدة ساعات أمام عمارة منزلهم، أطفأ المُحرك بهدوء وهو يتنهد ثم القي نظرة سريعة على عشق الشاردة التي تطوف في مكانٍ آخر في زخم أفكارها التي لا تعرف لها نهاية، فقط ماذا قصدت جـنّـة بما حدث؟ الم تكن البريئة التي لا تقارن بها؟! ماذا حدث؟ وهل قُصيّ يعرف؟!
لمس كتفها برفق كي لا تفزع لكنها انتفضت رغم ذلك، ابتسم بأسف وهو ينظر إليها ثم حثها على الخروج: وصلنا يلا..
أومأت بهدوء وترجلت من السيارة ووقفت تنتظره ليقبل عليها فارغ اليدين من الحقائب وساعدها في السير، نظرت إليه بتعجب وقبل أن تسأل قال كأنهُ قرأ أفكارها: هنزل اجيب الشُنط بعد ما أطلعك..
أومأت وهي تبتسم في وجهه بامتنان، ضغط الجرس وهو يبحث في جيب السترة التي على كتف عشق عن المفتاح، توقف عِندما سمع صوت المفتاح يتحرك في المقبض من الداخل..
أطلعت عليه والدته ذات الوجه البشوش المبتسم لكن ليس في وجهها بالطبع، عانقها بحنان بعد أن قبل يدها ثم لثَّم جبهتها وهو يسألها عن حالها بنبرة رقيقة: عاملة ايه؟
ربتت على صدره بحنان وقالت بابتسامة عذبة ودودة: الحمد لله يا حبيبي فضل ونعمة من عند ربنا..
أومأ بخفة ثم أمسك بـ كف عشق التي ظلت واقفة أمامها كالغريبة دون أن يبدر عنها أي رد فعل يحثها على الدخول: مالك يا عشق ادخلي أنتِ لازم ترتاحي!
أومأت وسارت إلى الداخل لكن روحية دفعتها بحدّة بقدر ما ساعدتها قوتها، فلم تسقطها لكنها كانت كافية كي تترنح و يلاحظها جاسم..
أسندها جاسم وهو ينظر إلى والدته بعدم فهم وقبل أن يتحدث طردتها بغلظة: مش هتدخلي بيتي تاني غير على جثتي فاهمة؟! اتفضلي غوري من هنا..
ابتلعت غصتها وهي تنظر إليها بثبات ترفع رأسها بشموخ دون أن تشعرها بانكسارها ليشرع جاسم في التدخل بسبب قول والدته الذي استنكره لأبعد حد متمتمًا بذهول: ماما في ايه؟ ده بيت عشق مراتي؟!
صاحت بجنون تنفي هذا القول بانفعال: لا مش مراتك و هتطلقها ومش هتفضل معانا كفاية فضايح لحد كده كفاية اوي، سيبها تروح للي فضحتنا عشانـ، صرخ في وجهها بغضب وهو يمسك بيد عشق بقوة: لو سمحتي دي مراتي والموضوع ده بينا ومحدش يتكلم فيه..
علا صوتها وأصبح يتردد في البناية وهي تقول بهيستيريا لا يفهم سببها: لا هتكلم ومش هسكت ومش هتدخل بطل الهبل والطيبة اللي انت فيها دي وفوق بقى لنفسك ولا عايزها تديك قلم تاني؟
مسح وجهه بعصبية وقال من بين أسنانه مستنكرًا: أمي لو سمحتي كفاية أنتِ اللي بتعملي الفضايح مش معقول كده؟
أعادت قولها بنبرة نافرة وهي تشملها بتدني من أعلاها لأخمص قدميها: عادي ماهي مفضوحة مش محتاجة أتكلم أنت اللي مغفل ومتعرفش بيقولوا ايه؟ والشهر اللي رمتني فيه لوحدي كان كفيل إني اسمع كويس اوي.
تمتم باستهجان: رميتك؟ انا سايب معاكِ ممرضة وكُل ساعتين كُنت بتصل أطمن عليكِ كده أبقي رميتك؟ أنتِ عارفة أني مشغول مع عشق في الامتحانات؟!
قلبت عينيها ثم رشقتها بنظرة كارهه قبل أن تقول بقسوة: تمام وخلصت الامتحانات وخلاص خلصت تشوف بقي هي هتروح فين وتطلقها لأني مش هسمحلك تفضل معاها ولا اسمها يبقى مرتبط باسمك غير على جثتي..
ضم قبضته بغضب ينفث عن غضبه من خلالها حتى ابيضت غير متنبهًا على كف عشق الذي كان يسحقه سحقًا دون أن يدري من شدّة غضبه، عضت شفتيها بقوة وتساقطت عبراتها من الألم دون أن تلفت نظرة على هذا..
هدر بيأس لأنه يعرف أن والدته لن تغير رأيها: ماشي هنمشي هاتي مفتاح بيتها لو سمحتي..
سألته بدون تعبير: بيت مين؟ مالهاش عندي بيوت! وهتمشي مش هنمشي أنت هتفضل في بيتك..
نطق مستفهمًا بثبات إنفعالي الحرارة تجتاح جسده من العصبية: يعني ايه مالهاش بيوت عندك فين المفتاح والمستندات اللي تثبت ملكية عشق؟ هي ليها كتير أوي وأنتِ عارفة؟!
ردت بجفاء كمن نزع من قلبها الرحمة: كان ليها لما كانت محترمة وصاينه نفسها لكن دلوقتى مالهاش عندي حاجة دي فلوس أختي..
ابتسمت بسخرية وهي تخفض رأسها تجفف عبراتها ثم رفعتها بشموخ والابتسامة تزين ثغرها فهي لن تجعلها تنتصر عليها تلك المرأة، لطالما شعرت بأنها سوداوية من الداخل لكنها كانت تبعد تلك الأفكار عنها دومًا لكن ها هي تظهر نفسها متحججة بإبنها..
فوجب عليها أن تقول هذا متصنعة القوة لكن نبرتها خرجت مرتعشة رغم هذا وهي تنظر إليها بتحدي: أنا مش عايزة حاجة بس حابة اوضحلك أن دي فلوس ابويا مش فلوس أختك اشبعي بيهم ان شاء الله هيدخلوا عليكِ بالخراب..
رفعت يدها لأقصاها وهي تبسط كفها هاويةً به على وجنتها والشرار يتطاير من عينيها لتشهق عشق مجفلة و تغمض عينيها منتظرة الصفعة لكن يد جاسم التي منعتها حالت هذا..
نظرت بينه وبين يدها التي يمسكها بصدمة ليتركها زافرًا بحدّة وهو ينظر إليها بخذلان قائلا بعدم تصديق: انا مش مصدق اللي انا بسمعه ده مش مصدق، على العموم انا مش هسيب عشق ولو مشيت همشي معاها مع السلامة، يلا عشق..
هزت رأسها بنفي كي يبقى مع والدته ولا يخسرها من أجلها لكنهُ لم يترك لها المجال للتفوه بحرف وسحبها معهُ بقوة لم يستخدمها قبلًا معها..
راقبته بحسرة أمٍ على طفلها ثم صاحت من قهرتها قائلة بجدية دون رجعة: لو مشيت معاها قلبي وربي غضبانين عليك ليوم الدين يا جاسم ليوم الدين..
توقف عن السير وحزنٍ عميق استعمر قلبه، فهي تضغط عليه وتستغل نقطة ضعفه لأنها تعلم أنهُ لا يستطيع ان يحزنها ولو لخمس دقائق، لكن هذه المرة مُختلفة ماذا تعني بما قالت؟ هل نبذته الآن إلى يوم مماته؟ كيف تستطيع بتلك السهولة فقط بسبب كرهها لعشق! هو أبنها بعد كُل شيء؟!
استدار وهتف بدون تعبير وهو ينظر إليها بتمعن: شكرا لأنك اظهرتي قدر محبتك ليا في أقرب فرصة جاتلك، وحدث مالم تتوقعه وغادر وتركها بسبب عشق تلك الشيطانة الملعونة..
صفقت الباب بعنف ووقفت خلفه تبكِ بقلبٍ مفتور بسبب ضياع عزيزها منها بلحظة اندفاع وقت غضب..
فتح باب السيارة بغضب وعمد على إدخال عشق لكنها توقفت وأغلقت الباب ثم استدارت لتكون مقابلة، توسلته بأعين دامعة: اطلع يا جاسم أنت مش هتيجي معايا في حته مش هسمحلك تخسر كل حاجة بسببي..
قبض على ذراعها بخشونة وهدر بحدّة: مش هسيبك أنتِ فاهمة؟ مش هسمحلها تحطني قُدام الأمر الواقع لأي سببٍ كان!
انسلت عبراتها من فيروزتيها المتلألئة أسفل ضوء القمر ثم احتضنت وجهه بين يديها بلهفة وتحدثت بنبرة ضارعة والذنب يتأكلها: دي أمك يا جاسم مش اي حد لازم تسمع كلامها، انا هبقي كويسة متخفش عليا، هكلمك كل يوم و هستناك بس لازم تبقي راضيه عنك مش هسمحلك تبوظ حياتك عشاني كفاية..
هز رأسهُ وحرك شفتيه للأعتراض فوضعت جبينها فوق جبهته و ترجته بصوتٍ مذبوح وهي تبكِ: أبوس ايدك اسمع الكلام انا مش هستحمل الذنب ده كمان لو بتحبني بجد أطلع وخليها ترضى عنك يا جاسم هي
رضاها اهم من اي حاجه في الدنيا لازم ترجع..
كبّل خصرها بيديه وهو يبلع غصته بمرارة قائلا بعذاب وشفتيه تلامس طرف شفتيها: متعمليش فيا كده انا بحبك متبعدنيش عنك..
استنشقت ما بأنها وقالت بنشيج وهي تربت على وجنته: ده الاحسن ليك دلوقتي بس انا هستناك وهفضل مستنياك وهكلمك كل يوم صدقني..
رفض بقوة وهو يقربها منهُ أكثر مشددا قبضته حولها بخوفٍ من فقدانها: انا هجيبلك مفتاح بيتك وحاجتك وهتفضلي معايا..
عضت على شفتيها ثم قالت متحسرة: انا عارفه و متأكده إنها عمرها ماهتديك حاجة مش هتديك حاجه، يمكن معاها حق و وجودي هنا مبقاش لطيف لا ليكم ولا ليا ولازم أمشي من هنا يا جاسم..
امتقع وجهه وعصفت الأفكار السيئة برأسهُ لتريح قلبه بقولها بصدق وهي تجفف عبراتها بتعب: عمري ما هرجعله يا جاسم ولو أخر يوم في عمري مش هرجعله، انا هرجع الشقة اللي كُنا قاعدين فيها صاحبها ملحقش يأجرها اكيد، أرجوك متمنعنيش محتاجة أكون لوحدي..
أومأ بانصياعٍ من أجلها، مراقبًا انكسارها و انطفاء بريق عينيها المشع وذبول ملامحها كـ عجوزٍ وذهاب زهوها حد الجحيم، فعشق لم تعد كما اعتادها لم تعد ويشك أن تعود..
تمتم بقلقٍ أضناه وهو يرى حالتها: انا خايف عليكِ اللي حصـ، أوقفته بقولها بهدوء كي يطمئن: محدش هيعرف أني رجعت انا مش هروح في حته ممكن يشوفوني فيها متخفش عليا..
تلفت حوله كي يشتت نفسهُ وأفكاره ولا يتأثر ويبكِ لأنهُ يشعر أنها تضيع للمرة الثانية أمام أعينه: طيب، طيب أنا هوصلك اركبي، قال وهو يستعد للمغادرة لتمسك ذراعه تمنعه من التقدم قائلة بابتسامة منهكة: لأ يا جاسم أنا هاخد تاكس ولسه بدري الساعة متأخرتش لما اوصل هرن عليك متقلقش..
تنهد بـ همٍ وهو يرفع رأسهُ للسماء يضم شفتيها بقوة كي لا يظهر ارتجافها الآن، فـ بالرغم من وقوفها أمامه مباشرةً يشعر بأن المسافة بينهما كالمسافة بين السماء والأرض متباعدة ومن المستحيل أن يصل إليها، صعبة كصعوبة إحصاء عدد نجوم السماء، معقدة كمحاولة فك بعض الطلاسم، هي بعيدة أثناء قُربها وبعيدة أثناء بُعدها، فكما يبدو أن أحدهم فقد قلبه و سيكمل بقية حياته شاردًا يفكر في كيفية استعادته..
لوحت بيدها أوقفت سيارة أجره وهي تكتم أنينها فما يحدث معها يفوق طاقتها وقدرتها على التحمل حقًا تلك المرة، جاسم فقط ما يجعلها صامدة مثابرة، تظن أن هذا تكفير ذنبها وخطأها بحقه، وليست معترضة فإن كان هكذا ستتحمل حتى تتوقف عن تأنيب نفسها وتكتفي، لكن تشك بهذا لأن كل موقف يمر عليها معهُ يشعرها بدنائها وكم هي و ضيعة حقيرة لا تستحق الغفران..
حثته على التحرك والانتباه للسائق كي يتوقف عذابها وتذهب: جاسم خرجلي الشنطة من العربية ممكن..
انتبه إليها ثم حدق بسيارة الأجرة قليلًا يفهم ما يحدث ثم تحرك بآلية وأخرج حقيبتها من السيارة، أعطاها إلى السائق كي يضعها في سيارته وسارع بإخراج بطاقته الائتمانية ثم وضعها بين يديها وهو يضغط عليها بقوة يوصيها بترجي لأنهُ يعرف أنها لن تقبل أمواله: خليها معاكِ واستخدميها في أي وقت تحتاجي فيه فلوس، هزت رأسها بنفي وهي ترخي قبضتها فوقها ليضغط عليها اكثر معيدًا قوله بلهجة آمرة مهددًا: لا هتاخديها يا إما هاجي معاكِ..
أومأت بانصياع ثم عانقته بقوة وهي تشهق ليحوطها بقوة حتى لم تعد قدميها تلامس الأرض دافنًا رأسهُ بشعرها هامسًا بنبرة دافئة مطمئنة هدأت من قلبها المحترق: أنتِ بنت خالتي يا عشق، ومهما حصل هنفضل مرتبطين، عمري ما هبطل أساعدك أو أقف في ضهرك مهما حصل دايما هتلاقيني، يومين بالكتير و هجيلك مش هسيبك..
شعر بتحريك رأسها ضد رقبته موافقة وهي تبكِ، ليفصل العناق ثم لثّم جبينها وانامله تمسح عبراتها بحنان لتهمس لهُ بصدق للمرة الأخيرة: خلي بالك من نفسك واوعي تثق في سامي يا جاسم، سامي مش كويس ومش بيحبك، ورفقت قولها بصعودها إلى سيارة الأجرة دون أن تمهله فرصة كي يفهم منها معنى هذا وقبل أن يبدر عنهُ فعل طلبت من السائق الانطلاق وهي تودعه بنظراتٍ لم تهدأ قلبه المُلتاع..
صعد رغمًا عنهُ، أجفلها طرق الباب فابتعدت عنهُ وجففت عبراتها ثم فتحته بخفة، شهقت و تهللت أساريرها قائلة بفرح والسعادة تغمرها: جاسم! كُنت عارفه انك هترجع ومش هتسيبني..
ردّ ببرود وهو يتخطاها صاعدًا إلى غرفته: مرجعتش عشانك..
نظرت إليه بحزن وهي تهدأ من روعها فلايهم بروده معها طالما عاد، ستراضيه مثلما فعلت الخائنة وسامحها وهي والدته بالتأكيد سيصفح..
دقت الثانية عشر وحلّ منتصف الليل وقُصيّ لم يحل بعد..
ذرعت غرفة الجلوس من ركنٍ لأخر وهي تفرك يديها معًا بقلق والخوف يحتل كيانها، فأين ذهب لمَ لم يأتي إلى الآن؟ هل لحق بعشق أم أن شيءً سيء أصابه؟ فهو متعب ويكابر فهل حدث شيء؟! هي مازالت تعشقه ومن قلقها لم تصعد خلف ريمة كما قالت..
وبخت نفسها بحدّة بسبب قلقها المفرط عليه، فهي ستصفعه ما أن تراه بسبب فعلته الشنعاء في حقها، ولبي النداء وأغلق باب المنزل بعد أن دلف بهدوء حاملا سترته بين يديه ووجهه مكدوم والدماء عالقة في قميصه الداكن فكانت لا تظهر مطلقًا..
هتف باستفهام وهو يوزع نظراته في غرفة الجلوس باحثًا عن ريمة: ريمة فيـ، ردت عليه صفعتها ذات الصدى هادرة بوحشية: أنت ازاي توري بنتي صور عشق على أساس إنها أمها يا حقير؟!، توقفت بقية الكلمات في حلقه وصدى تلك الصفعة يتردد في أُذنيه، تلك البغيضة هل صفعته الآن؟، غامت عينيه في سوادٍ قاتم وتقدح الشر من مقلتيه و جأر بغضب جامح وتلبسه الشيطان وهو يسحبها من جذور شعرها خلفه إلى غرفة النوم بقوة كاد يقتلعه بين يديه دون الإلتفات إلى صرخاتها المتألمة وضربها لذراعه بقوة كي يحررها لكنهُ أبي وقبضته تشتد أكثر حتى بكت بين وهي تحاول مجاراة سرعته على الدرج لكنها سقطت واصطدمت ركبتها في حواف الدرج..
صرخت بنحيب وهي تضرب قدمه كي يتوقف لكنهُ رفعها بعنف دون رحمة وعينيه تشِع بوميض مُدمر رأت موتها داخله، صفع باب الغرفة خلفه بقوة رج أركان المنزل، حاصرها بينه وبين المنضدة، الصق وجهها في المرآة بقوة كي تنظر لنفسها وهو يدفع مؤخرة رأسها بيده فكانت تقبل المرآة حتى كادت تختنق، سألها بحدّة وهو ينظر إليها عبر المرآة: مين دي؟ شايفة نفسك؟ انا مورتهاش غير صورتك أنتِ..
هزت رأسها بقوة فأرخى قبضته قليلاً عنها لتستدير وتقابله وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة ويديها تمسد عنقها بلهاث، وهذا الشعور بكونه يرد لها ما فعلته بعشق يغمرها، هذا إن عرف ماحدث؟!، خلع قميصه بعنفوان وأخرج غيره من الخزانة بينما يقول بصوت أجش متبلد: حالتك أنتِ المسؤولة عنها مش حد غيرك..
ضربت صدره بقبضتها بقوة وهي تتحدث بجنون: إزاي يعني انا؟ المفروض أعمل العملية وارجع لشكلي الطبيعي هعملها إزاي دلوقتي؟ وهي هتقبلني إزاي؟ دي مش صغيرة عشان نضحك عليها؟! ليه عملت كده ليه؟
أمسك ذقنها بقسوة وهمس بتشفي وهو يحدق في مقلتيها المهتزة الممتلئة بالعبرات: بنتقم لنفسي منك يا جـنّـة! ينتقم لحياتنا اللي بوظتيها ولبنتي اللي حرمتيها منك مش من حقي؟
علا صدرها وهي تكتم شهقتها وشفتيها ترتجف لكنها لم تستطع السيطرة على عبراتها التي أخذت في الانسلال واحدة تلو الأخرى أمام نظراته الجامدة، وبخفوتٍ وغصه مؤلمة قالت بصوتها المرتجف بتقتير: انا، اتحرمت، من، أمي بسبب ابوها..
قست أنامله فوق ذقنها وهدر بجفاء: أبوها مات وأمها ماتت معاه واتحرمت من الاثنين ومستقبلها ادمر وهي مالهاش ذنب مش كفاية؟ نارك مبردتش لسه؟!
رفعت حاجبها الأيسر وتوحشت ملامحها وهي تهز رأسها هامسة بفحيح شيطاني: لسه وولا هتهدي، الدنيا مش هتسيعنا احنا الاتنين يا قُصيّ يا إما أنا يا إما هي وأنا اخترت أني أكون، وهي خطوة، خطوة واحدة بس و تنتهي كُل حاجة وسامي اللي هيقوم بيها..
جأر و ضغط على فكها بقسوة كاد يهشمه أسفل أنامله القاسية محذرًا إياها بنبرة مميتة: سامي لو لمس عشق هقتلك أنتِ وأبوكِ الحقودى المُقرف..
دفعت يده من شدّة الألم قائلة بحقد: وكلامك لوحده كفيل أنه يخليني أقتلها بنفسي يا قُصيّ..
ضمّ قبضته بنفاذ صبر والحرارة تكاد تخرج بخارًا من أذنيه من فرط إنفعاله من الحديث معها، العنف لن يفيد والغضب لن يفيد لهذا حدثها بهدوء وهو يمسح على شعرها كـ طفلة يستدرجها بعيدًا كي يخطفها من والدتها: جـنّـة مش ملاحظة كُل حاجة انتهت خلاص انا أهو معاكِ وبنتك معاكِ وخلاص خلصت مفيش عشق أنتِ عايزة إيه بقي؟
افترت شفتيها عن ابتسامة جانبيه ثم رفعت كفها وداعبت وجنته بنعومة قائلة بهدوءٍ مماثل: عايزة انتقم يا قُصيّ هعوز إيه يعني؟
نقطة البداية، عاد لنقطة البداية من جديد لن يجدي الحديث معها لن يجدي نفعاً..
هتف بيأس وهو يمسد جبينه من صداع رأسهُ: يا جـنّـة لو لسه عندك أمل أننا نرجع وعايزة تصلحي اللي بينا وقفي لحد هنا وكفاية كفاية كده بوظتي حياتها وخلاص..
هزت رأسها بنفي تبتسم بغموض، فهي تريد رؤيتها جثة هامدة هذا ما تريده وترغبه أكثر من أي شيء في هذه الحياة..
همست بخفوت وهي تمرر أناملها فوق ذقنه المشذبة قائلة بأسف: أنت زعلان عشان عشق بتتأذي و روحية لا؟!
تنهد بيأس وقال رغبةً في الإقناع: جـنّـة افهمي عشق مالهاش ذنب ده ابوها مش اكتر هتستفادي ايه؟ أمك مش هترجع مش هترجع افهمي بقي..
أومأت بتفهم واغرورقت عيناها بالدموع ثم هتفت تذكره بنفسه: نسيت نفسك! نسيت أنت قربت مني من البداية ليه؟ نسيت أنك بتكره أبويا؟
قال بجمود وهو ينظر إليها نظرة ذات مغزى: لأ منستش ولسه بكرهه ومستني اليوم اللي هتيجي فيه مصيبة تاخده عشان اتشفي فيه لكن أنتِ! أنتِ ذنبك ايه؟ عمري جرحتك بكلمه ولا مديت إيدي عليكِ بسبب كُرهي لأبوكِ!
ابتسمت بسخرية وهتفت تذكره مجددًا بحقد يتفاقم أكثر تجاه عشق: مضربتنيش بسبب أبويا بس ضربتني بسبب عشق، و، قاطعها بحدّة وصحح قولها بتهكم: ضربتك لما عرفت بتعملي ايه مع جاسم بحجة أنك عشق هو ميعرفش لكن أنتِ تعرفي وده اللي مجنني لحد دلوقتي ليه؟!
تساقطت عبراتها و أسبلت جفنيها بألم وهتفت بحرقة: كُنت عايزة اسحرة واخليه يكرهها لأنها خدتك مني..
قبض على مرفقها بقسوة وصاح بعصبية: ومين اللي اتخلي الأول مين؟ ومين ضغط عليا عشان أوافقك مين؟
صرخت بشراسة وعينا جاحظة من فرط الأنفعال وهي تنفض يده عنها: اتفقنا إنك تخليها تحبك مش العكس كُل حاجة كُنت بتيجي تحكيلي عنها لحد ما بطلت ومبقتش اشوفك اصلًا، طول الفترة دي وانا بقنع نفسي أنك متغيرتش وأنك بس واخد على خاطرك مني بس أنت حبيتها ونسيت كُل حاجة يا قُصيّ نسيت أنت مقرب منها ليه ودخلت حياتها ليه بس غلطت يا قُصيّ غلطت لما نسيت ومحدش هيتحمل النتيجة غيرها..
تبدلت ملامحها وتبسمت بـ شر وهي تفرك يديها بحماس قائلة وهي تحدق في نقطة معينة: روحية هتموت، هتموت بسبب ارتفاع السُكر ومحدش هيلحقها وعشق، عشق محدش هييجي جنبها هي اللي هتقتل نفسها!.
قبض على ذراعيها بقوة وعينيه تومض بتحذير مطلقًا تجاهها آلافًا من النظرات القاتلة المعبرة لتهمس بـ كُره وهي تُحدق في عينيه بتحدي: طول ما أنا شايفة اللهفة اللي في عينك دي عليها مش هسيبها، وانا مُستعدة أكمل حياتي بـ شكل عشق عشان غرام بس مش هينفع نبقى اثنين لازم واحدة تمـ، توقفت عِندما لانت ملامحه وحل محلها القلق وأرخي قبضه على ذراعيها وسارع بالتقاط قميصه وكتم به الدماء التي بدأت تسيل من أنفها..
أوقفها معهُ برفق وسار بها إلى دورة المياه، فتح صنبور المياه ثم أخفض رأسها وبدأ ينظف الدماء من حول أنفها وهو يؤنب نفسه بسبب ضغطة على وجهها في المرآة بتلك القسوة..
التقط منشفة ورفع وجهها يجففه برفق لتتوقف يديه ويتبادل معها النظرات لثوانٍ عِندما رأي نظرتها المتعجبة المغلقة بالحنان كأنها تسأله ماذا يفعل؟ كادا يقتلان بعضهما من ثواني قليلة فقط ماهذا الآن؟.
حرك أهدابه وهو ينظر إليها بعدم فهم حتى تدارك موقفه فنظر إلى المنشفة ثم إليها، كورها بين قبضته وهو يوصد جفنيه بقوة شاتمًا نفسه بغضب ثم قذفها في وجهها وتركها وغادر..
أمسكتها قبل أن تسقط وهي تبتسم بهيام، تقسم أنهُ مازال يُحبها، خرجت إلى الغرفة وهي تتحسس أنفها، بدلت فستانها بمنامة مريحة عارية كالعادة لا تخفي الكثير ثم ارتدت مئزرها ذات النسيج الشفاف فوقها وجلست على طرف الفراش تفكر قليلا..
طرق الباب للمرة الألف وهو يهدر بحدّة: افتحي ياريمة الباب بدل ما أكسره على دماغك وهكسر عضمك افتحي..
أتاه صوتها الخافت من خلف الباب: بكرة هفتح يا قُصيّ تكون هديت ووطي صوتك وبطل عصبية غرام موجودة معانا دلوقتي ولازم تخاف عليها متبقاش أب متخلف..
هدر وهو يركل الباب بقوة جعله يهتز: أنا هوريكِ الأب المتخلف ده هيعمل ايه ماشي يا ريمة ماشي
شاكسته من خلف الباب وهي تبتسم: تصبح على خير..
ردّ بسخط: مش هصبح اتخمدى..
أخرجت جـنّـة حبه مُخدرة من الشريط وهي تشعر بتقريع الضمير، لقد عزمت على التوقف من أجل غرام لأنها تُريد أن تصبح أمًا جيّدة، وضعتها بجانب كوب المياه بتردد دون أن تبلعها ثم أفرغت بقية الشريط في يدها ودلفت تتخلص منهم في دورة المياه، أغلقت باب دورة المياه خلفها ليفتح باب الغرفة ويدلف قُصيّ متأففًا وهو يخلع ملابسه وبدلها بأخرى مُريحة، ابتسم بحنان عندما تذكر ملامح غرام الملائكية وهي نائمة، غدًا يراها لأن قلبه لم يطاوعه كي يوقظها..
بحث عن حبوب لألم الرأس في درج الكومود لكنها نفذت، الغبية تأكلهم إنها تشرب المسكنات بطريقة مبالغ بها، لمح تلك الحبه الوحيده بجانب الكوب فابتلعها وارتشف بعض المياه وتسطح وأخذ يُحدق في السقف..
شهقت بفزع عِندما رأتهُ في الغرفة، اقتربت ببطء ونظرها معلق على الكوب برعب، فغرت فمها عندما لم تجدها محلها فرفعت كوب المياه و ارتشفته بعصبية وهي تبحث بناظريها بتشتت حتى تناهى إلى مسامعها صوته الحانق: هتفضلي واقفة فوق دماغي كتير..
قالت بدون تعبير وهي تبتعد والقلق ينخر عظامها من أنهُ قد يكون رآها ويختبرها: رايحة أطمن على غرام
قال ساخرًا وهو يتوسد ذراعيه: لا حنينه، زفرت بضيق ثم ذهبت دون الرد عليه..
لثَّمت جبهتها بحنان وهي تدخل ذراعها أسفل الغطاء بخفة، مسحت على شعرها الحريري المتناثر فوق وسادتها برقة وهي تتأملها لوقتٍ جهلت قدره فالنظر إلى قطعةٍ منها لا تشعرها بالملل بتاتاً، نظرت في أرجاء الغرفة بعدم رضي بسبب لونها الداكن وفراشها الكبير وخلوها من أي شيء يدل على كونها غرفة تخص طفلة، تفحصت كُل ركنٍ بتركيز وهي تُخطت في رأسها كيف ستحول هذه الغرفة كي يتكون مناسبةٍ لها، نظرت إلى حقيبة ملابسها بابتسامة وسارعت بفتحها كي ترتب الملابس داخل الخزانة لكن توقفت عِندما سمعت قُصيّ يضحك بصوت مُرتفع..
هرولت إلى غرفتهما بتعجب، شهقت وهي تري قُصيّ يرقص في منتصف الغرفة ملوحًا بـ كنزته البيتية التي خلعها وبقي عاري الجذع وهو يقهقه بثمالة..
أغلقت الباب عليهما من الداخل وهي تلعن نفسها، فقد علمت الآن أين ذهبت الحبه، هذا الغبي لمَ لم يسأل أولاً؟ لكن ماذا كانت ستقول؟ لا يهم كيف ستجعله يستفيق الآن؟
إقتربت منهُ بجزع ثم أمسكت ذراعة كي يتوقف عن الدوران كالأبلة وهو يضحك بسعادة لا توصف سعادة لم يحلم أن يشعر بها تلك الفترة أبدًا..
هتفت بهدوء وهي تبتسم في وجهه: قُصيّ ياحبيبي مالك فوق وكلمني اهدي..
قرص خصرها بعبث وهو يلاعب كلا حاجبيه بخبث: إيه يا جمل؟
شهقت وهي تضم مئزرها فوق صدرها بتوجس عائدة إلى الخلف بخطواتٍ مترنحه ليجفلها بسحبه لها من خصرها بقوة لتصطدم بصدره بحميميه، حركت كتفيها بانزعاج كي تبتعد لكنهُ شدد قبضته حول خصرها وباليد الأخرى رفع أنامله وأسدل حماله قميصها الرقيقة ببطء وتركيز ملامسًا كتفها برقة و انتباه كأنهُ يقوم بخياطة جرح غائر، توسعت عينيه ببراءة وفخر من نفسه لأنهُ أسدل حماله قميصها ثم انتقل بأنامله يسدل الأخرى بحماس تحت نظراتها المتعجبة وتسارع نبضها وثقل أنفاسها و ابتلاع ريقها برغبة أشعلها داخلها، وحبًا مازال يتَّقد..
أسدل الكتف الآخر ببطء مثيرًا لأعصابها ومشاعرها ثم ضحك وصفق بيديه بفخر جعلها تلكم صدره من الغضب معنفةً لهُ: هو ده أخرك؟
استدرات بغضب وهي تعدل قميصها فاللعنة على هذا ستتركه يضحك حتى الموت لا يهمها، شهقت بخضة وهي تبصرة يتجه ناحية الشرفة بترنح، ركضت وحلقت حوله كـ طفل ثم أغلقتها وأدارته كي يسير تجاه آخر، تنهد وهي تخلع مئزرها واتجهت إلى الخزانة بذلك القميص القصير الضيق العاري الذي يبرز كل شيء كي تنتقي ثوب مغلق طويل كي لا يقترب منها وهو غائب ويعنفها في الصباح تعرف تقلباته هذه..
شهقت هي تشعر بظهرها يلتحم بصدره وقبضته تشتد حول خصرها بينما الأخرى كانت تتحرك بجرأة فوق جسدها جعله ينصهر من الحرارة رغم برودة كفه تزامنًا مع همسة راغبة بجانب أذنها بتهدج أذابتها وأنفاسه الحارة تضرب صفحة وجهها: وحشتيني..
مال يقبل نحرها لتغمض عينيها مستسلمة وترفع رأسها تريحها على صدره بحركة ناعمة تاركة المجال لهُ ليفعل ما يُريد، تعرف أنهُ ليس بوعيه وتعرف أنه سيثور عندما يستيقظ صباحًا لكنها ستستمع الآن، وليحصل ما يحصل غدًا، لفت ذراعيها حول رقبته عِندما لم تعد قدميها تلامس الأرض وبادلته تلك القبلات المحمومة وهي تشعر بجسدها يستقر فوق السرير وما كان لها سوى أن تخلل أناملها داخل شعره كما يُحب وتبادله شغفه بأخر لتطيح بأي فكرة كانت تحثه على الإبتعاد هذا إن كان واعيًا لمَ يفعل!.
توقفت سيارة الأجرة أمام المبنى المطلوب كما أخبرته عشق، ترجلت بهدوء وأخذت حقيبتها وجلست فوقها بجانب الطريق وظلت تفكر تاركة نسمات الهواء تداعب شعرها و يتورد وجهها وهي تدثر نفسها داخل سترة جاسم بقوة من برودة الطقس، رفعت نظرها إلى تلك البناية لتبصر اللافتة الخاصة بذلك الطبيب مازالت تضيء إنهُ في الأعلى، هل تذهب تحادثه الآن؟ إنها بحاجة للحديث تحتاج لهذا..
رفعت يد الحقيبة ثم جرتها خلفها وقطعت الطريق بأعين دامعة، في هذه الأثناء كان وليد يرتب مكتبه وهو يتنهد بتعب لأنهُ أنهك اليوم وقيامة بالعمل وحده دون مساعدة مُرهق، حمل هاتفه والمفاتيح الخاصة به، خرج ووضع المفتاح داخل المقبض و ادارة مرة واحدة وتوقف في الثانية عِندما تناهى إلى مسامعه صوتًا رقيق يسأل: حضرتك دكتور وليد؟
التفت إثر هذا الصوت الرقيق ليهز رأسهُ بإيماءة بسيطة وهو يتفحصها بنظراتهُ متعجبًا إتيانها في هذه الساعة بـ حقيبة ملابس!، وكأنها كانت تنتظر إشارته فتركت حقيبتها تسقط واجهشت في البكاء دون توقف، حرك أهدافه بتعجب ثم نظر حوله يتأكد من كونه المقصود ليسألها بصوتٍ هامس وهو يتلفت حوله بسبب صوت بكاءها المرتفع: يا آنسة في مشكله؟ أقدر أساعدك فى حاجة؟!
علا صوت نحيبها ليهرول إلى الدرابزون وأخذ يتطلع إلى الأعلى والأسفل بجزع يرى أن استيقظ أحدهم أم لا بسببها، من الجيّد أن الشقة المقابلة لهُ خالية من السكان وإلا لكانت فضيحة الآن..
همس برجاء وهو يكاد يبكِ بجانبها كي تتوقف: طيب اساعدك ازاي؟ تعرفيني منين حد قالك عليا؟ شوفتينى صدفة؟ أي حاجة طيب؟!
هزَّ رأسهُ بيأس وأدار المفتاح للجهه المعاكسة وفتح عيادته وطلب منها بهدوء: اتفضلي نتكلم جوه؟
لم تتحرك قيد أنمله ومازالت تبكِ فمسح على صلعته بحسرة وهو يبحث عن شعر كي يشده من العصبية فهو أدرك الآن فقط فائدة الشعر، حمل حقيبتها وقذفها في الداخل بإهمال ثم تخصَّر ونظر إليها بعدم فهم ونطق بنبرة نافذة والضيق يغمره: يا آنسه مينفعش كده في سكان والوقت اتأخر عايزة تتكلمي اتفضلي جوا أو تمشي!
لم يأتيه ردّ بل ازدياد وتيرة صوتها أصابته بالطنين وكأنه لم يقول أي شيء! انتفخت أوداجه ثم مسح وجهه بغضب مراقبًا انهيارها وتهاوي جسدها وهي تستند على الحائط لكنه سارع بإمساك مرفقها قبل أن تسقط محذرًا مع توسع عينيه: مش هينفع دلوقتي خالص انهاري في حته تانيه، شعر بارتخاء أعضائها حقًا فساعدها على السير ودلف إلى عيادته وهو يتنفس الصعداء فلن يتم فضحه واتهامه بالتحرش في هذه الساعة..
أجلسها على المقعد في غرفة الانتظار الخاصة بالمرضى ثم هرول وأتي بكوب مياة باردة كي تنعشها وتستيقظ لنفسها، ارتشفتها وجسدها ينتفض أثر البُكاء ليذهب إلى المطبخ ويصنع لنفسه قهوة لأنهُ لن يرتاح على ما يبدو، أتي بعد دقائق يحمل قدح قهوته وكوب نعناع دافئ من أجلها كي تهدأ فهو ليس عديم الذوق..
سألها بابتسامة جذابة وهو يناولها مناديل ورقية: أحسن؟
أومأت بخفة واعتذرت بخجل وهي تجفف عبراتها: آسفة على اللي حصـ..
ـ ولا يهمك اهم حاجة تكوني كويسة؟، قاطعها بقوله برفق كي يزول البأس عنها..
أومأت بامتنان وهي تفرك يديها معًا بتوتر جلي جعله يرتشف من قدح قهوته وهو يضع قدم على الأخرى مضجعا على الأريكة حتى يزول التوتر وتتحدث وحدها، استمر الصمت لدقائق حتى تشجعت لكن لم تتحدث بل تشجعت وأخذت النعناع كي تشرب وتشعر بالدفء، كتم سبه كادت تنفلت من بين شفتيه وهو يضع أناملها فوق فمه قبل أن يقف ويطردها، هل أتت كي تستفزه وهو يُريد النوم!
رشقها بنظرة حادة بتلك المقلتين العميقة اللامعة و المتألقة دومًا سرعان ماتحولت إلى نظرة تأمل بداية من تلك السترة الرجالية المُعطرة التي ترتديها إلى جبينها المجروح، هبط بنظراته إلى حاجبيها المعقودين المنمقين، عينيها التي تخفيها عنه بجفنيها المتورمين، تظللها بتلك الأهداف الكثيفة الطويلة كـ طاووس شامخ، هو متأكد من كونها كالمجرة كي تحتجز كل تلك العبرات داخلها، شفتيها المضمونة التي تنفخ على مشروبها برقة..
كاد يتحول ذلك التأمل إلى استمتاع لكن توقف عندما وقع نظره على دبلتها الذهبية التي تزين بنصرها وليس أي مكان بل في اليدِ اليسرى يعني إنها إمرأة و متزوجة و ليست أنسه، يعلم أن النساء تفضل أن يتم تلقيبهم بـ يا أنسه عوضًا عن مدام لهذا لم تعقب، رُبما لم تسمعه من الأساس لأنها كانت مشغولة في البَكاء..
ازدردت ريقها وهي تدحرج عينيها في أرجاء الغرفة عدي محل جلوسه ثم همست دون النظر إليه: عندي مشكلة ومحتاجة مساعدة..
ردّ بهدوء وهو يحدق في ساعة معصمه: اتفضلي سامعك..
قالت بانكسار والسحب الكثيفة تتكدس داخل عينيها: انا غلطت..
نطق مواسيًا وهو ينظر إليها كيف تطرق برأسها: كُلنا بنغلط إحنا مش ملايكة، نبرته الجدية أكدت لها أنهُ لم يفهم متأكده إنهُ لم يفهم لا يسخر..
أعادت القول بخجلٍ من نفسها أثناء ارتشافه من قدح قهوته: غلطت مع واحد..
بصق القهوة بتفاجئ وأخذ يسعل بحدّة جعلها ترفع رأسها وتنظر إليه ليتوقف متفاجئًا أكثر وعينيه تتسع بانفعال يتحكم به جيدًا، فما تلك الأعين الجميلة؟!
تدارك نفسه وأجلي حنجرته وتمتم معتذرا وهو ينظف ملابسه و سطح المنضدة التي تتوسط الأثاث: عفوًا القهوة بس كانت سُخنه شويه..
وزعت أنظارها بينه وبين القهوة وهي تشعر ببرودة مشروبها فأي حرارة تلك التي يتحدث عنها، انهي التنظيف واعتدل في جلسته ثم قال بجدية بعد تفكير دام لثوانٍ وهو يشذب ذقنه بكفه: مش مهم إننا نغلط ونعترف بالغلط ونحاول نصلحه الأهم إننا منرجعلوش تاني ونعيـ..
ـ فِضلت معاه أربع سنين، أفحمته بقولها بجفاء لا تعرف من المقصود به ولم يخفي عنها ذهوله وتبدل ملامحه إزاء قولها هذا وهو يحمحم..
تأمل دبلتها بعمق متحفزًا وقد توقف عن العبث فى ذقنه بانزعاج فهو بحاجة إلى دلوًا من القهوة وليس قدح به رشفتين فقط، وبصوتٍ هادئ طلب منها وهو يزيح عُبوة المناديل كي تكون قريبة من وقع يدها: لو عايزاني أساعدك احكيلي القصة من الأول ممكن؟.
والآن في منزل آدم الخالي من آدم..
دلف مصطفي يترنح يمينا ويسارا وهو يغني بشجن و مزاجه رائق لأبعد الحدود..
تابع طريقة إلى الأعلى لكن صوت والدته المتهكم أوقفه: حمدا لله على السلامة يابيه..
ابتسم بثمالة وهو يتقدم من غرفة الجلوس، جلس بجانبها وهو يقهقه على شيءٍ ما وهمي يضحكه في رأسهُ لتزعجه والدته وتخرجه من نعيمه بقولها بغلظة: هتجيب مراتك إمتي؟ ولا ما صدقت عشان تجري على سالي..
ضحك وهو يسند رأسهُ فوق فخذ والدته، فهي لا تعرف أنها ليست راضية عنهُ تلك الفترة بسبب الصفعة..
همس بدون وعي وهو يقبل يدها بصوت مرتفع: لما افوق هرجعها بس هي فين، وختم قوله بضحكاته المجلجلة التي لم تنتهي سوي بقول والدته بخبث مُستغلة الفرصة الذهبية وهي تمسح على شعره: تلاقيها مع آدم؟ مش هو اللي جبهالك عشان تتجوزها؟ مش كان يعرفها قبلك؟ مش أنت بتخليه يوصلها ويجيبها ويوديها؟ وبتسافر و بتسيبها معاه؟ وكُل ده ومش بتشتكي ليه؟ ها؟!
أجاب وهو يضحك ببلاهة: عشان هي طيبة؟
ضحكت معهُ وهي تبتسم بانتصار فغدا عِندما يحاول التذكر سيتذكر مقتطفات كافية لتجعله يشك بهما وتسير خطتها كما تُريد وكي لا تترك مجالًا للشك همست بجانب أذنه بهدوء مُريح للنفس سمعه قبل أن يذهب في سباته العميق: السِت لما بتخون مبيكونش فيه أطيب منها، تصبح على خير يا حبيبي، ورفقت قولها بقلبة رقيقة طبعتها فوق رأسهُ، وزفرة مريحة خرجت من بين شفتيها كمن ظفرت بانتصارها، فهي متأكدة من انتصارها، فهذا الوتر الحساس لا تضغط عليه بهذا الحديث بل تفجره..
صباح اليوم التالي..
داعبت أشاعة الشمس الذهبية وجهها مع صوت زقزقة العصافير المتجمعة فوق النافذة المفتوحة، شاكست الرياح خُصلاتها المتساقطة على وجهها بسبب وضعيتها الغير مريحة فوق المقعد الجلدي وجسدها يرتجف من البرودة، بينما وليد كان صوت شخيره يسمع الشقة المجاورة بسبب التواء رأسهُ وهو يكاد ينزلق من فوق الأريكة وتصطدم رأسهُ في حافة المنضدة الزجاجية، سحب ذبابة في فمه وهو يشهق بقوة ليسعل وهو يضرب جبهته بطيش وتابع نومهُ، فإن رآه أحدًا ستذهب الهيبة والوقار للأبد..
قطبت جبينها بانزعاج وحركت رأسها وهي تستيقظ بالتدريج بسبب صوت قرقعة محرك السيارة المتصدع المزعج الذي يضرب أذنيها، اعتدلت جالسة بانتفاضة وهي تنظر حولها بريبة وبعدم تصديق تطلعت إليه بنعاس ولا تعي ما تراه، هل غفيت هُنا؟! أرجعت شعرها إلى الخلف وفركت عينيها بقوة كي تفيق ثم تطلعت إليه بتفكير لتفزع بسبب صوت شخيره المفاجئ، فتحركت ببطء وتسللت كي لا ينتبه..
خلعت حذائها المُرتفع كي لا يصدر صوتًا ثم حملت الحقيبة بخفة وسارت على أطراف أصابعها لتتجمد مكانها عِندما صدح صوت رنين هاتفه المُرتفع، كادت ضحكة تنفلت من بين شفتيها وهي تسمع تلك الأغنية التي يضعها؟ هذا الطبيب غريب تعترف!
عادت أدراجها ثم حملت هاتفه ليس بـ نية التطفل بل انتظرت حتى توقف ثم كتبت رقمها لكن توقفت وحذفته قبل أن تسجله، لايحق لها أن تفعل هذا وهو لايعرف، وضعته مكانه ثم اقتربت من مكتب مساعدته السابقة والتقطت قلم وورقة وكتبت رقمها واسمها مع جملة مميزة سيعرف من خلالها أنها هي ثم حملت حقيبتها وغادرت، تاركة الطبيب صاحب الوسامة المُجفلة يشخر..
توقفت في الأسفل أمام مطعم في مكان استراتيجي ويبدو أنه يعج بالزبائن يوميًا، معلق فوق بابه إعلان طلب نادلة للعمل..
ساقتها قدميها إلى هُناك وفي دقيقة دقيقتين كانت قد تحدثت وطلبت العمل، جلست في الداخل أمام مكتب المدير وهي تفرك يديها بتوتر زاجرة نفسها بحدّة، فماذا تفعل هُنا جاسم أعطاها أموال وهي غبية تهوي الشقاء؟! لكن هي متفرغة هل ستظل في المنزل؟ ستعمل هُنا وتبدأ من جديد وترمم نفسها بنفسها..
جلس مُدير المطعم خلف مكتبه بملامحه الجامدة الجدية الدالة على عمله بتفانِ، هذا قبل أن ترفع رأسها و يراها لتتحول نظراته إلى وِد وهو يهتف بابتسامة ملاطفة: أهلا وسهلا!
ابتسمت بخفة وقالت بتوتر: أهلا بحضرتك..
تفحصها بنظراته الوقحة بشمول و لعق شفتيه بشهوة تخص شخصًا ماجن، نظرات تقيمية عرَّت جسدها لتشتعل عينيه برغبه وهو يعدل جلسته فوق المقعد يجلي حنجرته الجافة ثم هتف بعجله وهو يجفف جبينه براحة يده: ممكن تبدأي الشغل من النهاردة لو حابه؟
حركت أهدابها بتعجب ثم سألت مستفسرة: بسرعة كده مش في مقابلة؟
أومأ مؤكدا ثم قال بعملية وهو يحرك القلم بين يديه و عينيه تخترق عينيها بعمق أرهبها: أهم حاجة عندنا حُسن المظهر وأنتِ ماشاء الله..
خجلت و أبعدت نظرها عنهُ ثم تمتمت بجهل: بس أنا مش بعرفش حاجة في الشُغل ده..
ابتسم وقال ببطء متلذذًا بنطق حروف جملته: هعلمك لو مش عارفة..
أومأت وهي تقف متذبذبة بسبب حديثة المُريب..
هتفت شاكره بهدوء: متشكرة جدا ممكن ابدأ من بُكره مش هتأخر إن شاء الله..
أومأ وهو يحدق في حقيبتها وبالأخص بنصرها بتمعن، لينتبه ويستيقظ من شروده على صوت جرّ حقيبتها خلفها وذهابها من هُنا، أغمض عينيه باستمتاع وهو يضجع على مقعده وابتسامة انتصار تعتلي ثغرة، رنين هاتفه أخرجه من طقوس سعادته، إنها زوجته الحبيبة مالكة المطعم و مالكة كُل شيء و ما هو إلا صعلوك يعمل لديها ملبيًا لـ رغباتها..
ابتسم ورد عليها بحيوية: عيوني
ـ عملت ايه لقيت حد؟
همس بمكر وهو يرفع احدي حاجبيه و صورة عشق لا تفارقه: لقيت طبعا يومين بالكتير و هتكون عندك بس متنسيش جوزك الغلبان..
ضحكت مجلجلة في الهاتف وهي تحدق في كأس الخمر الذي بيدها بابتسامة ماكرة ثم همست بنبرة ذات مغزى وهي تلوح إلى خادمتها كي تقترب: متقلش أنت عارف أنا مش أنانية اوي..
في تلك البناية، في الطابق الثالث، في الشقة التي على جهة اليمين، كانت لمار في الداخل مسطحة فوق سريرها الوثير على معدتها، ترفع شعرها الطويل كعكة في منتصف رأسها وتاركة غرتها الطويلة تداعب وجنتيها من الجانب، تحدق في الحاسوب أمامها بأعين حمراء من قِلة النوم، ووجه باهت مرهق، وهالات سوداء من السهر، رفعت الملعقة الممتلئة بـ الشوكولاته الذائبة و تناولتها بحسرة و أناملها تتجول على لوحة المفاتيح مُنذُ أمس تبحث عن حساب آدم لكنها عجزت عن إيجاده لكنها حسمت أمرها وعزمت على عدم النوم سوى عِندما تجده ويطمئن قلبها..
عنفت نفسها وهي تنظر إلى كم الأكياس الفارغة التي تناولتها وهي على حافة البُكاء: خليكِ كده كُلي و اتخنى وهو رشيق ومش هيقدر يشيلك حتى..
تابعت بحثها بملامح مزدريه بسبب أكلها الكثير ومازالت تأكل لم تتوقف، أدمعت عينيها من الحزن الذي يحتل قلبها ومن حياتها التى بلا لون وبلا طعم، ومن دون سابق إنذار أخذت عبراتها في التساقط واحدة تلو الأخرى..
وبخت نفسها بنبرة مبحوحة وهي تنظر حولها باستنكار وعيناها تفيض من الدمع: أنتِ بتعملي ايه؟ ايه القرف اللي أنتِ فيه ده؟ أنتِ مش مراهقة عشان تجري وراه! أنتِ واحدة مطلقة منبوذة أفهمـ، آدم!
ضحكت بعدم تصديق وهي تضع يدها على فمها بتفاجئ، استقامت جالسة على ركبتيها بلهفة وتهللت أساريرها وكأنها لم تبكِ قط وهي تحملق في شاشة الحاسوب و مقلتيها تطلق قلوب لقد وجدته!، صمتت ثواني تستوعب هذا بفاه فاغر ثم قفزت فوق الفراش وصرخت بسعادة كالأطفال وأخذت ترقص: لقيته، لقيته، لقيته لقيته..
انسدل شعرها من حركته المتكررة فـ أبعدته خلف أذنيها ثم جلست أمام الحاسوب كـ حمل وديع بابتسامة رائعة، فرقعة أصابعها و قبل أن يبدرعنها فعل اسودت الشاشة فجأة في وجهها وذهب آدم..
رمشت بصدمة وهي تحدق في الحاسوب ثم ضربته براحة يدها وصرخت به: لأ مستحيل آدم فين حصلك ايه ما أنت كُنت شغال ليه كده حرااااام..
قفزت مغادرة السرير ثم أتت بالشاحن و أوصلته بالكهرباء وفتحته بحماس وترقب، فتح معها لتتنفس الصعداء و بانتباه وتروي نقرت على لوحة المفاتيح وكتبت اخر شيء كتبته لتظهر أمامها صورة آدم يا إلهي اليوم يوم سعدها..
حركت الفأرة وضغط على ملابسه ممتنعة عن الضغط على وجهه كأنهُ حقيقي أمامها وليس صورة، تألق البريق العسلي في عينيها وهي تشاهد صوره بشغف وبدون مقدمات حملت الحاسوب وعانقته بقوة ثم أطلقت تنهيدة مريحة كمن وجد طفله متمتمه بهيام: حبيب مامي أخيرًا لقيتك..
رفعت الحاسوب على فخذيها وتابعت تصفحها بنظرات حالمة وهي تحفظ شكل ملابسة عن ظهر قلب، فحتي حسابه كئيب وبائس ومعظم صوره سوداء ولم يُحدِث بشيء جديد منذ أشهر هذا الكسلان! ليظهر إليها قُصيّ فجأة، هذا هو ما تحتاج إليه الآن، ضحكت بـ خبث ثم انتقلت إلى حسابه كي تحادثه فلن يفيدها غيره عمّار لا يستمع إليها ويتجاهل ماتقول لكن قُصيّ لن يتجاهل..
تأوه بألمٍ جامح فتك برأسهُ وهو يفتح عينيه بثقل شديد ومازال الدوار يداهمهُ أثر الثمالة لم يزول بعد، فإذا به في غرفة الجلوس ينام فوق الأريكة..
نظر حوله باستفهام وهو يحاول التذكر كيف أنتهي الحال به هُنا، اعتصر رأسهُ بين يديه بقوة كأنهُ يستخرج منها المعلومات بتلك الطريقة لتتسع عيناه ببطء وتمهل كُلما تذكر شيءً ما من حديث أمس، فماذا قصدت والدته؟ آدم ليس خائن وتالين بريئة لا تستطيع أن تقبل على شيء شنيع مثل هذا!
هبَّ واقفًا وسارع بالركض إلى غرفته كي يأخذ حمامًا ويذهب يأتي بها، فهو مثل أي رجلًا شرقي يملك دماء حارة يفعل الشنائع لكن لايسمح لها هي بذلك..
خرج من المنزل مهرولًا وصفق الباب الرئيسي خلفة بقوة لتبتسم شهيرة بانتصار وهي تراقبه من نافذة غرفتها المُطِلة على الطريق..
ترجل من السيارة في الحارة التي تسكن بها عائلتها، خلع نظارته الشمسية و الاشمئزاز أخذ نصيبه من ملامحه، اتجه إلى العمارة ليوقفه قول أحد الرجال البائعين الثابتين في المكان كُل يوم: مش هتلاقي حد فوق يابني..
توقف مصطفي ولم يتقدم أكثر فهو متقزز بأي حال من الأتربه العالقة فوق الباب الحديدي وهو الرئيسي فماذا سيجد عِندما يدخل؟
سأل باستفهام: انا جاي أخد مراتي تالين بقالها شهر هنا..
ابتسم البائع وهتف بنبرة طيبة: أه ست الدكتورة دي مجتش هنا من أكتر من شهر محدش شافها خالص هو فيه حاجة يا بيه هي مش معاك؟
غامت عينيه في سوادٍ قاحل واتجه إلى سيارته دون الرد على البائع الذي ظل يهتف بـ بابيه كي يتوقف، لكنهُ ذهب في طريقه إلى الخائنان..
فتح عينيه بثقل مطلقًا صحية متألمه وهو يتقلب بصعوبة بسبب الثقل الجاثم على صدره، تنفس باختناق وهو يتأوه ويديه تدفع ذلك الجسد من فوقه..
لم يتجاهل هذا الملمس الناعم أسفل يديه فتح عينية بسرعة وهبَّ كالملدوغ يحدق حوله بتخبط، رفع يديه عن جسدها العاري مستنكرًا وضعها ثم نظر لنفسه لتجحظ عينيه بقوة، اللعينة، اللعينة فعلتها، كيف؟ هو لايذكر سوى أنه تمدد كي يغفي..
وكز كتفها بقوة وهدر بحدّة وهو يهز رأسه بغيظ: أنتِ يا هانم؟
همهمت بنعومة وهي تتقلب لتستقر على ظهرها تاركة المجال لهُ ليبصر علاماته التي دمغها بها بشغف كما يبدو، ضم قبضته بغضب ثم وكزها بقوة أدت إلى استيقاظها: أنتِ يا هانم اصحي..
فتحت عينيها بنعاس وتتثاءبت ومطت ذراعيها بابتسامة رائعة جعلته يبغض نفسه، اللعينة سعيدة وكيف لا تكون وقد حققت مبتغاها، لكنهُ لا يعرف أنها لا تكتفي من قربه قط، شعورها بأنها ملكه وبين يديه لا يضاهيه شعورًا، ذكرها بـ ليلة زفافهما تلك الليلة التي تذكر تفاصيلها عن ظهر قلب، مازال رائعًا يخطفها لعالمٍ آخر تحلق به معهُ سابرًا أغوارها..
عشق كانت تحصل على هذا في الوقت الذي كانت الغيرة تنهش أحشائها، هي تذوقت كل ما تذوقته لكنها سلبته منها كي تذوق مرارة ما عاشته أضعاف..
كان يتابع معالم وجهها السعيدة التي تغيرت للإقتضاب سرعان ما تبدل لـ مكرٍ وخُبث، صُفع جبهتها بسخط كي تنتبه إليه لتبتسم و تقترب منهُ بـ هيئتها المبعثرة التي لطالما كان يطوق لرؤيتها في الصباح كي يري عمل يديه ويثني على نفسه، شعرها المُبعثر المتشابك إثر عبث أناملها، نحرها وكتفيها المدمغين بعلاماته، شفتيها المتورمة، ، اللعنة عليه لمَ يفكر بهذا؟ تلك الذكريات تؤلمه بدلا من جعله يبتسم، لقد كانت حياتهما رائعة بمعنى الكلمة لكنها تبخرت وتناثرت في الهواء كـ رماد..
أراحت رأسها على كتفه وهي تشابك أناملها معهُ: صباح الخير يا حبيبي..
دفع رأسها بعيدًا عنهُ ونفض كفها عنهُ وسألها بجمود: ايه اللي حصل امبارح؟، هذا سؤال غبي لكنها لن تعقب، تحترم حالته المنصدمة رغم أنها لا ترى شيءً غريب يدعي لهذا هما زوج وزوجة ماذا في هذا؟!
مررت أناملها فوق صدره بنعومة وهمست بدلال: حصل كُل حاجة حلوة يا قُصيّ حصل ايه يعني؟، رفقت قولها بـ قبلة رقيقة طبعتها فوق كتفه كانت ذا تأثير سيء عليه جعلته يثور ويدفعها عنهُ بحدّة صارخًا بها: دي حاجة زفت، إزاي تسمحي لنفسك بـ كده وأنتِ عارفة أني مش عايزك؟!
تلألأ الخذلان داخل مقلتيها البُنية، ابتلعت غصتها بمرارة كـ مرارة العلقم وهمست بنبرة مرتجفة وهي تكبح عبراتها من الانهمار: يـ، يـ، عني ايه؟ أنت مشوفتش نفسك؟ أنت اللي طلـ، قاطعها بحزم وهو يقبض على مرفقها بقوة ساحقًا بشرتها الناعمة: عشان كده قولتلك أنتِ عارفة اني مش عايزك مبعدتنيش ليه؟
نزعت مرفقها من قبضته بقوة ولملت الملائه حول جسدها وهتفت بتهديد وهي تقف: أنا مراتك وغصب عنك وحقوقي الزوجية هاخدها منك سواء عجبك أو لأ ولو بعدتني عنك هرفع عليك قضية خُلع وهقولهم انك مبتعرفش، ولاذت بالفرار في نهاية حديثها واختبأت داخل دورة المياه قبل أن يزهق روحها..
هبّ واقفًا وهو يسحق أسنانه ببعضهم البعض وذهب خلفها بتهجم، بخطوات جحيمية لكنها أغلقت الباب من الداخل، هدأ وتمتم لنفسه بالصبر وهو يلتقط سرواله وبدأ الألم يفتك بمعدته من جديد، فهو يعلم كيف يقهرها جيدًا يعرف..
صاح من خلف الباب بتهكم ردًا على قولها الأخير: سعتها هجيب عشق تشهد في المحكمة وتقولهم أنا كنت بعمل معاها ايه وأنتِ عارفة كويس كُنت بعمل ايه الا بقى لو عايزة تفاصيل ممكن أقولك، تساقطت عبراتها بصمت والنيران المستعرة تتأجج في صدرها من الحسرة، وضعت يدها على فمها تكتم شهقتها وهي ترفع رأسها للسقف وأذنيها تصغي جيّدًا لبقية حديثة: وعلى فكرة مش هتحتاجي ترفعي قضايا لو عايزاني اطلقك يلا..
صرخت به بقهر وهى تبكِ: أخرس يا قُصيّ أنا بكرهك..
ردّ ساخرًا: لأ وأنا اللي بحبك اوي، خلصي عايز الحمام..
انهارت خلف الباب وظلت تبكِ أرضًا، فيكفي برود وجفاء لن تتحمل أكثر، طوال الشهر كان يتجاهلها وعندما يحدثها يتحدث ببرود من تحت الضرس، هي لم تكن عاله على أحدٍ يومًا أو همًا ثقيل أو حتى تفرض نفسها على أحد، لكن من أجله حاولت بشتي الطرق أن تنال رضاه كي تعود المياه إلى مجراها الطبيعي، تقبلت جميع سخرياته وتقلباته لأنها تعذره وتعرف أنها مخطئة و لأن قلبها مازال يخفق في حضرته، ففكره أنهما لن يكملان حياتهما معًا لم تطرق سقف توقعاتها ولم تفكر بها قط، قُصيّ هو من تغير وليست هي، لكن يكفي ليس مضطر لتذكيرها بما فعلت بتلك القسوة كُلما تحاول تناسي هذا!
غمغم بضيق وهو يطرق الباب: اخرجي عيطي برا بدل ما تتلبسي، لم يأته ردّ سوى صدى بكائها الحارق، هذا قاسي لكنها تستحق، زفر بـ غمٍ ثم ترك الغرفة وغادر صافعًا الباب خلفه، اصطدم بـ ريمة التي كانت تمر لتصرخ بفزع و لاذت بالفرار قبل أن يُمسك بها..
صاح وهو يركض خلفها مجتازا الدرج: اقفي عندك يا اوزعة.
صرخت بلهاث وهي تقول أثناء ركضها بابتسامة بلهاء فهو يُدللها بذلك القول ولن يُعنفها: انا خارجة اقابل صُحابي وحشوني مش هتأخر اشوفك بليل سلام، وأغلقت الباب خلفها وركضت بعيدًا حتى لا يلحق بها..
لهث بتعب وهو يُراقب ابتعادها ركضًا بقلق، دلف وتناول الهاتف الأرضي وكتب رقمها وظل واقفًا ينتظر ردها..
أتاه صوتها اللاهث بعد بعض الوقت: الو..
أمرها بحزم لم يكن كافيا ليخفي قلقه: بطلي جري وخلي بالك من نفسك..
توقفت وابتسامتها تتسع من الأذن للأذن وهي تستمع لقوله، ثم بحنانٍ خالص همست: قُصيّ حبيب قلبي بحبك..
ردّ بفظاظة: بكرهك..
ضحكت برقة وعينيها اللامعة أسفل ضوء الشمس تغلق مع ضحكتها المشرقة ثم قالت بدفء وهي تلوح إلى أحد سيارات الأجرة: حبيبي والله يا قُصيّ، حاضر هخلي بالي من نفسي متخفش عليا..
تنهد وصمت قليلا ثم حذرها: وحذاري اتصل بيكِ و تتجاهلينى فاهمة؟!
أومأت وهي تحدق من النافذة ثم قالت بطاعة مشاكسة: حاضر والله هرد عليك على طول انا عندي اغلي منك؟
هزّ رأسهُ بيأس بسبب تلك الشقية تعرف كيف تسكته..
همست تحثه على الإغلاق عندما سمعت أنفاسه: قُصيّ أقفل..
تنهد بقلق وهو يضغط على سماعة الهاتف فقلبه لا يطاوعه تلك المجنونه تقلقه، أوصاها بخوف: خلي بالك من نفسك واتصلى بيا لو حصل حاجة..
ضحكت بنعومة وابتسامة حانية زينت ثغرها ثم زمت شفتيها لأنها تعرف قدر خوفه وحبه لها فـ هتفت بطاعة: من عنيا الاتنين مع السلامة، اغلقت الهاتف ثم نظرت إلى السائق وطلبت بهدوء: وديني اسكندرية لوسمحت
نظر لها عبر المرآة بتردد كأنه يسألها هل متأكده؟ لتكرر وهي تومئ: إسكندرية وسوق بسرعة لو سمحت..
صعد إلى غرفة ريمة بعد انفراده بنفسه وجلوسه في الأسفل يفكر مليًا فيما سوف يفعل، فكل شيء تداخل ولا يعرف من أين يبدأ..
دلف بابتسامة تلاشت عِندما وجد جـنّـة تجلس بجانبها أسفل الغطاء تشاهدان شيءً ما معًا بشغف..
صاحت بسعادة عندك لمحته: بابي..
تبسم بحنان وتقدم من سريرها، جلس جوارها على الجانب الأخر وضمها بحنان مقبلًا رأسها لتسقط عينيه على جـنّـة المبتسمة وهي تراقبهما، و ما هذا الذي ترتديه بيجاما هكذا بسهولة؟ لقد أخذت ما تريد والآن ترتدي كالبشر الطبيعيين..
تجاهلها وسأل غرام بهمس: مبسوطة؟
صاحت بسعادة وهي تحدق في سرير وردي بأعين براقة: اوي اوي، مامي بتختار معايا سرير ودولاب..
نظر إلى الكتاب المصور الذي تمسكه جـنّـة تقلب صفحاته أمام غرام كي تنتقي منهُ أثاث لغرفتها..
ليهتف بدون تعبير وهو يرتب خصلاته غرام المتحررة التي تغطي عينيها: غرام مش هتستقر هنا متتعبيش نفسك..
تلاشت ابتسامتها و أدمعت عينيها ليستطرد وهو يقبل جبهة غرام: هاخد دش يا حبيبتي وبعدين نفطر سوى..
وهي فزاعة تجلس لا تقدر حتى على مشاركتهم الحديث، أراحت غرام رأسها على صدر جـنّـة وهي تبتسم بإشراق قائلة: هستناك مع مامي، ضمتها جـنّـة بحنان بالغ وهي تبتسم ثم حملتها وسارت لها إلى الأسفل بعد ذهاب قُصيّ كي تصنع الفطور..
خرج من دورة المياه يجفف شعره بالمنشفه، لينتبه على هاتفه الذي لا يتوقف عن الوميض بسبب الرسائل، التقطه وهو يغمغم بعدم راحة ليرتفع حاجبه عِندما وجد كُل تلك الرسائل من شخصٍ لايعرفه حتى، لا يعرفه لمار! لكن لمَ لا تضع صورتها؟!
كاد يرد على الرسائل لكنها هاتفه عبر الأنترنت، رفع كلا حاجبيه تلك المرة ذهولا تلك الفتاة المجنونة!
فتح المكالمة ليصله صوتها المستاء: مش بترد علي رسايلي ليه؟ مش قولتلك اني لمار لازم اتصل؟
قال بهدوء وهو يجلس على طرف الفراش: مكنتش جنبه يا هانم معلش خير..
همهمت قليلا كأنها تفكر بعمق ثم قالت دون مقدمات: كلمني عن آدم..
ضحك وهو يستلقي متمتمًا بتذمر: وانا محدش هيتصل يسأل عليا ولا ايه؟
استفسرت بعدم فهم: نعم؟.
هزَّ رأسهُ وسألها بهدوء: ولا حاجة عايزه تعرفي ايه؟
طلبت دون تردد كأنها تعرفه من سنوات: افتح الكاميرا، صمت قليلًا يحرك أهدابه بتعجب ولا يعلم لمَ هو من يشعر بالخجل عوضًا عن جعلها هي من تخجل..
سألت باستفهام: قُصيّ معايا؟
جاراها في الحديث وهو ينتصب جالسًا ممازحًا: معاكِ معاكِ أستني أقلع التشرت وبعدين افتحها..
قهقهت بخفة ثم وبخته: انا نيتي سليمة محتجالك في عمل خير لازم بالهدوم..
ارتدي ملابسه سريعًا ثم التقط الهاتف وفتح الكاميرا ليهتف بخضة وهو يبعد رأسهُ: أعوذ بالله مين القرد ده؟
تلفتت حولها بتعجب وسألت باستفهام: فين فين؟
ردَّ بسخرية وهو يرفع زاوية شفتيه: أنتِ ايه الغباء ده؟
زمت شفتيها ثم أنبته بحزن: كفاية أنا مش راضية عن نفسي كمان شايفني قرد؟
واساها برفق وهو يبتسم: لا مش قرد بهزر معاكِ، محتاجة تعرفي ايه بقي؟
تنحنحت بهدوء ثم طلبت بلطافة وهي تصفق بيدها: عايزة رقمه وعنوانه..
تفاجئ وكيف لن يتفاجئ من تلك القردة عديمة العقل؟
مسد جبينه وسألها سؤال أراد أن يعرف إجابته منذ أن رآها أول مرة: لمار أنتِ مُخك وقف عن النمو في سن معين؟ عندك كهربه زيادة ولا حاجة؟!
ضحكت من كُل قلبها وهي تنظر إليه جعلته يضحك معها وهو يهز رأسه بتعجب وذهول ثم سألها بعدم فهم: رقمه وعرفنا ليه لكن الشقة ليه؟ هو أول ما شطح نطح؟!
بررت بـ دبلوماسية وهي ترفع كلا حاجبيها: بُص يا فلاح يا سوقي أنت أنا مش هروحله الشقة أكيد؟ انا بس هخلي العنوان معايا للأزمات يمكن تطلع صحبتي ساكنه في نفس العمارة واروح أزورها مثلا! يلا إبعتهم متخفش على صاحبك واحكيلي قصة حياته، يلا عشان مستعجلة عايزة أزور صحبتي..
ضحك بيأس وهو ينظر إليها سرعان ماتحول إلى سُعال حاد جعله يترك الهاتف جانبًا..
تحدثت بقلق وهي تسمعه: قُصيّ أنت كويس؟
هدر بصوت مختنق مُتعب وهو يبحث عن محارم ورقية في الأرجاء: هبعتـ، هملك، وأغلق في وجهها ودلف إلى دورة المياه..
خرج بعد بعض الوقت بوجه شحُب أضناه التعب حتى لم يعد يتبين لهُ معالم، ارتدي ملابسه الرسمية وتجهز، لكن رنين هاتفه أزعجه نظر إلى المتصل لتتحول نظراته إلى ثلجية باردة غير مكترثة فهذا رقم المركز الطبي الذي خاض به فحوصات شاملة أمس بعد الحفلة، بالتأكيد سيخبرونه بالنتيجة، شكرًا لهم هو يعرف مقدمًا ولا يحتاج أن يرد، حمل هاتفه وغادر كي يفطر معهما هذا إن كان لديه شهية ثم سيذهب إلى العمل الذي أهمله فى الفترة الأخيرة..
زفر آدم بعصبية وهو يهرول إلى الباب الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الانخلاع من محله بسبب الطرقات العنيفة مع ضغط الجرس كذلك..
فتح الباب وحرك شفتيه للتوبيخ لكن شقيقة عاجله بـ لكمة عنيفة أسقطته أرضًا تزامنًا مع زمجرته وصياحة بنبرة جمهورية ثائرة وهو يدلف كـ عاصفة: فين الخاينة بتخوني يا آدم هي فين؟ فين الهانم..
وقف آدم وهو يرفع يده ماحيًا الدماء من جانب شفتيه وابتسامة جانبية تعتلي ثغرة، فهو علِم بحدوث شيء كهذا وقد أخذ احتياطاته..
توقف مصطفي متسمرًا في غرفة الجلوس وقد ذهب غضبه المشحون وهدأت العاصفة عِندما وجد تالين تجلس بجانب والدها العجوز تتسامر معهُ ووالدتها وأشقائها يجلسون على الأريكة المقابلة يثرثرون بصوتٍ مُرتفع مخلفين ضجة..
رفعت تالين رأسها بابتسامة تلاشت عِندما رأتهُ، لم تعطه فرصة للحديث عِندما شعرت به يحفز نفسه كي يتحدث، تركته ودلفت إلى الشرفة بعد أن رشقته بنظرة رافضة غاضبة، هل تذكرها الآن؟ هذا إن أتي عن طيب خاطر أساسًا..
توقف آدم بجانبه، يتطلع إليه بنظرة تشبه نظرة المكسين في أشد حالات ضعفه وانكسار يشهبه المظلوم حال انهزامه، وبحزنٍ عميق زائف هتف: تالين عندهم مشكلة في شقتهم بسبب المواسير والسقف بينقط عليهم مايه مش نضيفة، لما عرفت جبتهم هنا وبقيت أجي كل يوم نص ساعة بعد الفطار ضيف اطمن عليهم وامشي على طول..
كاذب والكذب يتقافز من عينيه، هو فقط مرَّ عليهم أمس بعد أن تسوق وخطر لهُ فجأه أن يأخذهم كي يعيشون معها ويدخلون السرور على قلبها قليلا إن كان هو عاجزًا عن اسعادها، ففي النهاية هو وعدها بشقةٍ لهم وهي لم تنتهي بعد، وهذه بالتأكيد لن يستخسرها في تالين؟ هي تالين أسيمنع عنها ماله وهي تملك ما هو أثمن من المال؟، قلبه! ما حال قلبه؟ إنهُ محتجزًا، محتجزًا في مكانٍ خاوٍ بارد جعله يتصدع حتى أصبح صَلدَ..
نظر إليه مصطفي بندم وغزي الحزن قلبه ورفع يده قاصدًا كتفه لكنهُ أزاح يده وهو يطرق برأسهُ ثم هتف بخذلان: انا عمري ما تخيلت أنك توصل للمرحلة دي وتشك فيا؟ تالين؟ تالين دي أختي الصغيرة! كانت قدامي لو كُنت حبيتها كُنت اتجوزتها! أنت عارف أني عندي استعداد اتجوز ومش حابب العزوبية وكاره الارتباط والكلام العبيط ده؟ أنا لما ألاقي اللي احبها هتجوزها مش هجوزها لأخويا وياريت تفهم!
نجح بوضع يده هذه المرة وضغط على كتفه برفق وهمس بندم: آسف يا آدم دي لحظة شيطان مش عارف ايه اللي حصلي شكلي فهمت كلام ماما غلط بسبب الشُرب، صرَّ آدم على أسنانه وتلألأ الحقد داخل عينيه السوداء عِندما سمع أسمها، فهي الشيطان الذي يتحدث عنهُ، استطرد طالبًا منهُ برجاء: تالين دخلت البلكونه ومش عايز اتكلم معاها دلوقتي عشان مننفعلش قدام أهلها أدخل أنت ومهدلي الطريق عشان خاطري يا آدم المرة دي بس..
ابتسم ابتسامة غريبة وتمتم بطاعة: عشان خاطرك بس، وتركه ودلف إليها..
شهقت بفزع عِندما رأت وجه آدم، رفعت يدها بانفعال لوجهه سرعان ما أنزلتها وهي تفركها بحسرة في نفس الوقت لأن الجميع في الداخل يرون ما يحدث..
طمئنها بهدوء كي لا تقلق ونسمات الهواء الدافئة تداعب وجهها: ده جرح بسيط عادي متقلقيش، اقلقي من مصطفي، نظرت لهُ بعدم فهم ليستطرد بأسف زائف: تخيلي إنه ضربني وقالي ياخاين! ودخل يدور عليكِ بزعابيبه وهو بيقول فين الخاينة؟ بيشُك فينا! تخيلي لو قولتيله انك حامل! مش بعيدة يقولك أنه ابني انا ومش عايزة ويتهمك بالخيانة!
تبدلت ملامحها لأخرى مذعوره ووضعت يدها على معدتها بخوف وشفتيها تطلق أنفاس مرتجفة تمهد لنوبه بكائها القادمة، لكن هدئها بحنان كي لاتبكِ: متعيطيش ومتخافيش اتكلمي معاه عادي وشوفي أنتِ عايزة تقولي ايه وهو هيقول ايه واتفقوا وبهدوء عشان أهلك ها؟
أومأت والخوف مازال يحتل كيانها وصدرها يعلو ويهبط في عُنف ليطمئنها: مصطفي عمره ما هيجبرك ترجعي معاه لو طلبتي تفضلي بعيدة فترة مش هيتكلم وهيسيبك ولو طلبتي ترجعي هياخدك براحتك ده اختيارك، وتركها ودلف إلى الداخل ولوح لمصطفي كي يدخل وجلس هو بجانب والدها..
نظر إلى ألبوم الصور التي يحمله والدها يقلبه بابتسامة حانية متأملا طفلته وفرحته الأولي تالين..
هتف بابتسامة أضنتها الأيام وهو يستذكر: تالين أول فرحتي اتولدت في أيام كانت كُلها خير وسعادة، ابتسم آدم معهُ وهو يشاهد طفولتها عبر الصور لتحين منهُ التفاته إلي الشرفة فوجد مصطفي يندفع إلى الخارج بغضب في طريقة للذهاب، لم يكمل خمس دقائق معها ماذا قالت؟!
أوقفه آدم أمام الشقة مستفهمًا وهو يمسك بمرفقه: في ايه حصل ايه؟
صاح بعصبية وهو ينزع يده: محصلش انا ماشي..
وتركه وغادر ليصطدم بجسد فتاةٍ ما كانت تتقدم فكاد يسقطها..
لم يعتذر منها أثار حنقها، التفتت تحدق في ظهره بوجوم ليتناهى إلى مسامعها صوته المداعب لحواسها رغم تعجبه: لمار! بتعملي ايه هنا؟
شهقت بتفاجئ وهي ترفع كلا حاجبيها قائلة بتعجب: لأ مش معقول آدم أنت ساكن هنا؟ انا جاية أزور واحده صحبتي قاعدة في الدور اللي فوق..
أومأ بتفهم ونظرة شك تتلألأ في مقلتيه وهو يدلك نحره ثم قال بتردد: اممم، تتفضلي؟
اتسعت ابتسامتها المرحبة وهتفت بحماس: اوي اوي لو مُصِر جدًا، تنحي جانبًا بابتسامة مبتسرة تاركًا المجال لها لتدخل، لوح بيديه باعتراض مراقبًا جلوسها وترحيبها بوالد تالين بسهولة كأنها تعرفة منذُ زمن! ما هذا؟ من المفترض أن ترفض وتقول شكرًا لا أن توافق! أغلق الباب بضيق بل صفقه لكن لم ينتبه أحد، أقبل عليهم بابتسامة غاضبة، مال وهمس بجانب أذنها وهو يصر على أسنانه: أنتِ بتعملي ايه؟
ردت بابتسامة رقيقة: بتعرف على مامتك وبباك!
أمسك ساعِدها وأوقفها معهُ بابتسامة نافذة وهمس وهو يأخذها إلى الشرفة: ماما وببايا ايه يا تالين بس!.
كانت تبتسم باتساع وهي تحدق في يدها التي يقبض عليها، إنها ناعمه كما تخيلت لكنها قويه، ماتت ابتسامتها فوق شفتيها عِندما سمعت هذا الأسم، من هذه؟!
تمتمت بنبرة مؤنبه عِندما ترك يدها واصبحا في الشرفة: على فكره أنا اسمي لمار..
تنهد من الأعماق وقال بهدوء وهو يسند راحة يديه على حافة سور الشرفة الزجاجي، يحدق في المياه الجارية أمامه دون النظر إليها: لمار انا مش بحب حد يتطفل على حياتي و، تالين! أنتِ لسه هنا؟!
التفتت باقتضاب تري تلك التالين التي أخطأ اسمها بفضلها، كادت تتحدث لكن آدم سألها بقلق عِندما وجد وجهها شاحب: تالين أنتِ كويسة؟ أخدك للدكتور؟
حدجته لمار بدون تعبير ثم نظرت للجانب الآخر بضيق، فهو يستطيع التحدث برقة وقلق إذًا ما حاجته هذا الوجة البائس؟ أم هذه هي سبب بؤسه؟!
تبسمت برقة ثم نفت بهدوء وهي تقف: لأ انا كويسة..
أومأ وهو يُراقبها بجزع لكنهُ لم يتحمل وقوفه هكذا فسارع بمحاوطتها ومساعدتها في السير إلى الخارج.
ضمت لمار قبضتها فوق السور بغضب وهي تعقد كلا حاجبيها بانزعاج شديد وشعرها يتطاير حول وجهها كـ ساحرة شريرة والغيوم تتكدس في عينيها، فماذا تفعل هُنا الغبية يُجب أن تذهب..
محت عبرة غبية انسلت من بين جفنيها المرهقين بندم ثم سارت إلى الخارج لكنهُ لم يسمح لها عِندما دفعها إلى الداخل برفق وأغلق الشرفة عليهما..
نظرت لهُ بتعجب وهي تستنشق ما بأنفها لتبهت ملامحها و يجتاحها الخجل عِندما بدأ في الحديث: لمار أنا عارف أنك معجبة بيا من ساعة ما شوفتيني وعارف انك بتحاولي تتواصلي معايا و دلوقتى جايه لحد بيتي! اقدر افهم عايزة توصلي لـ إيه؟ أنا قدامك اتفضلي اتكلمي..
جفَّ حلقها، ونسيت كيفية الحديث، وهربت الكلمات من بين شفتيها، حاولت أن تجمع حروفها كي تقول كلمه لكنها عجزت عن التحرك من الخجل الذي غمرها من أعلاها لأخمص قدميها..
تأتأت كـ طفلة تتعلم الحديث بعد فترة لا تعرف قدرها: انـ، انـ، جـ، يت، عشـ، ان، صـصـ، حـ، صرخ بها بعصبية لم تراها قبلًا أفزعتها جعلت جسدها ينتفض وعبراتها تنساب وتبكِ وهي تطرق برأسها: انا عايش هنا بقالي سنين ومفيش حد ساكن فوق صاحبتك دي ظهرت منين دلوقتي؟!
حركت شفتيها للتحدث لتخرج صيحة متألمه عِندما قبض على ذراعها بقسوة لم تظن يومًا أنهُ يملكها ووحشية تحدث بها مظهرًا جانبه الأسود وظلام عينيه الجهنمي المخيف ابتلعها داخله وهو يحذرها: لمار أنا فيا اللي مكفيني ومش فاضي للعب العيال والمراهقة المتأخرة بتاعتك دي فاهمة؟
شهقت بحرقة ممزقة لنياط قلبها الرقيق الهش، تبكِ بحالةٍ مزرية جعلته يندم لوهلة قبل أن تهمس بصوت مبحوح وهي تنظر إليه: أنت فاكر نفسك مين عشان تعاملني بالطريقة دي؟ فوق يا محور الكون! أنت إنسان كئيب وبائس وتطفي وتدمر أي حد يدخل حياتك وتتعسه، وحيد وهتفضل وحيد لحد ما تموت، ونزعت يدها من قبضته بعنف وفتحت الشرفة وغادرت بانهيار وهي تعترف لنفسها أنهُ لا وجود لشخصٍ بائس في هذا الكون سواها..
أوصد جفنيه بقوة وهو يضم قبضته حتى إبيضت وهيئتها وهي تبكِ تلوح أمامه، معها حق لم تخطأ بحرف، لهذا فلتظل بعيدة كي لا يدمرها وتنطفئ..
خلل أنامله داخل خصلات شعره بغضب وضيق لايعرف مصدره، هل كان قاسيًا كثيرا؟ هيئتها وهي تبكِ لا تفارقه، ضميره سيظل يؤنبه حتي ينسي او يعتذر اللعنة على هذا..
زفر وترك الشرفة والتقط سترته من الخارج وغادر، فهو لن يمكث هُنا معهم بالتأكيد..
في مدينة الإسكندرية..
توقفت سيارة الأجرة في منتصف النهار تحديدًا الثالثة عصرًا أمام المعرض المطلوب..
ترجلت ريمة وهي تعنف نفسها داخليًا لأنها أتت، كان من المفترض أن تكون هُنا منذُ ساعات لكن الطريق كان مزدحم وكل دقيقتين يقفان وإن ظلّ هذا الإزدحام في طريق عودتها ستصل متأخرًا وقُصيّ سيقتلها، هاتفها أكثر من مرة أثناء الطريق فكانت توقف السائق و تترجل من السيارة تتحدث في مكان ما بعيدًا عن الضجيج وتعود ويكمل الطريق بها..
رتبت خصلات شعرها من إرهاق الطريق بحركةٍ رقيقة منمقة، أخذت شهيقًا طويلًا ثم دلفت إلى الداخل وتدعو أن يكون في موجودًا فهو لن يمكث في القاهرة..
بحثت بعينيها عن ذلك الرجل من المرة السابقة حتى التقطه نظرها، هرولت ناحيته بابتسامة وحدثته بلباقة: مساء الخير حضرتـ، قاطعها مرحبًا بها بحفاوة وهو يبتسم ولا تعلم لمَ: أهلا وسهلًا جيتي في وقتك انا كُنت لسه هكلمه عنك، ده لسه واصل حالًا أنتِ عايزة تقابلية مش كده؟
أومأت وقالت بتمنى: ياريت..
هز رأسه بتفهم ثم تحدثت وهو يبتعد سيرًا: ارتاحي هنا لحد ما أكلمه مش هتأخر، أومأت بابتسامة ثم وقفت وتجولت بين اللوحات في الجو الشاعري هذا الذي تفضله، الإضاءات الخافتة في المعارض تخطف قلبها وخصوصا أنها تحب الرسم وتتقنه جيّدًا، توقفت أمام تلك الفتاة الريفية مجددًا و مقلتيها الصافية تلمع كـ طفلة تطوق للحلوى ولا تقدر على شرائها، إنها رائعة بشكلٍ لا يوصف..
بينما في داخل الغرفة، كان جاسم يمسد جبينه من الألم وهو يخفض رأسهُ، يمد قدميه فوق المكتب يضجع على معقدة الوثير يفكر، أغلق مكالمته مع عشق منذُ قليل بعد أن طمئنته على نفسها وأخبرته أنها بخير وجيدة جدًا أكثر مما يتخيل، تبقي لهُ فقط إقناع والدته بالذهاب لأنهُ من المستحيل أن يتركها وحدها أو يترك عشق، لأن نوباتها باتت كثيرة ولن يتحمل فقدانها، يجب أن يُفكر بخطة مُتقنة..
دلف صديقه السطحي عليه، فـ علاقتهم علاقة عمل فقط ليس أكثر..
تحدث بعملية يبلغه: لما كُنت مسافر جت بنت اسمها ريمة وسألت عليك وكانت عايزة تتواصل معاك بس أنا مدتهاش رقمك و قولتلها تيجي وقت تاني..
همهم لهُ باهتمام يحثه على التكملة ليستأنف: ودلوقتي بره محتاجة تقابلك ادخلها؟
أومأ بعدم اهتمام وهو يتنهد ثم أنزل قدميه وطلب منه بهدوء: دخلها..
بتردد وطأت قدمها داخل غرفته ببطء لـ تزكم انفها رائحة الغرفة الغريبة ذات لذوعة حارقة، مثل البخور لكنها ليست بخور و ليست سيئة كذلك، رفع رأسهُ عندما أنتبه على وجودها، نظر إليها بتعجب وهو يعقد كلا حاجبيه! إنها فتاة أمس!.
جلست على الكرسي مقابلة باستقامة دون أن ترفع نظرها إليه، وهذا أشعره بالانزعاج كأنهُ هو من طلب رؤيتها وليست هي؟!
بللت طرف شفتيها ثم رفعت رأسها وهتفت بابتسامة مهزوزة وهي تنظر إلى ملامحه الرجولية: انا عارفة أن وجودي غريب بس انا جيت قبل ما اشوفك في الحفلة لسبب تاني و مقابلتنا كانت صُدفة مش أكتر..
همهم مع هز رأسهُ يحثها على المتابعة لتقول دون تنسيق للحديث: انا كنت عايشة في روسيا وكده و رجعت مخصوص عشانك، ارتفع كلا حاجبيه وهو يُقلب قلمه الأسود بين أنامله لـ تستطرد بتوتر كأنها تجلس أمام معلمها الحازم وقد ذهب الحديث الذي رتبته في ذهنها حد الجحيم كأنه لم يكن: لما جيت شُفت لوحة عجبتني حبيت اشتريها قالي مش للبيع عشان كده جيت اقابلك يمكن اقنعك و اشتريها، الصراحة مش ده السبب اللي انا جيت بسببه..
ابتسم بخفة ورحمها بسؤاله برفق: أنتِ متوترة؟
أومأت ووجنتيها تتخطب بالحمرة، طبطبت عليها براحة يدها بخجل ثم قالت بصراحة: انا جيت عشان أتعلم الرسم..
عقد كلا حاجبيه وشرع في الحديث مترفقًا بها برقة: رسم ايه؟ مش بعلم رسم! لكن اعرف زميل ليا ممكن ابعتك ليه عامل ورشة يوم في الاسبوع وهتستفادي جـ..
ـ بس أنا عايزاك أنت تعملني، قاطعته بنبرة حزينة وملامح متأثرة..
ابتسم مجاملًا ونفي بتعجب: بس انا مش بعلم ومعنديش وقت!
عدلت جلستها وتراقص بريق حماس داخل مقلتيها الصافية وأردفت برغبة في الإقناع بتهذيب: لو ساعة واحده في الاسبوع أو اتنين أرجوك مش هعطلك كتير..
ضم شفتيه بتفكير وهو ينظر إليها بتمعن مراقبًا لهفتها في الحديث لكنهُ لا يوافق ماذا سيعلمها هذه؟، هزَّ رأسهُ بأسف وقال بابتسامة رائعة متمنيا لها التوفيق: أسف بس انا مش بعلم ومش فاضي شوفي ورشة، وممكن اساعدك ونشوف موضوع اللوحة وتشتريها كانت اني لوحة؟
عبست بحزن وقالت بإحراج جلي وعينيها تدمع: لوحة ريمة هو قالي ليها حكاية بس ملحقش يحكيها وشكرًا.
تأمل هيئتها بتعجب دون أن يفهم سبب حزنها ولا يعرف أيضحك أم ماذا وهو يفكر بتلك اللوحة إنها أول أعماله..
تمتم بعد ثوانٍ محتجًا: اللوحة دي صعب تاخديها الحقيقة دي تعتبر من أول أعمالي ومقدرش أفرط فيها..
أومأت بتفهم ثم قالت بخفوت: مفيش مشكلة بس انا حقيقي نزلت مصر عشان أجي هنا..
تنهد وهو يُدَّلك عنقه بألم ثم سألها بإزدراء تجاهلته: وطالما كنتي بره مصر جاية تتعلمي في مصر ليه؟
قالت بابتسامة بلهاء: بشجع إبن بلدي..
لاحت ابتسامة نقية على شفتيه وهو يُراقب ملامحها الحزينة الرقيقة فهتف مستسلمًا: ساعة في الاسبوع بس وانا اللي هقرر إمتي..
تهللت أساريرها وهي تبتسم باتساع ثم هتفت بطاعة وشكر: اوكيه موافقه شكرًا جدًا ليك، انا بجد كان نفسي أفضل أكتر لكن للأسف لازم أمشي وهاخد رقمك عشان نتفق على يوم ممكن؟
أومأت بهدوء وهو يلوح لها كي تخرج الهاتف وتكتب رقمه، فسارعت بفتح حقيبتها الصغيرة بسرعة وارتباك من سعادتها في آنٍ واحد، أخرجت الهاتف دون أن تنتبه لسقوط بطاقتها الشخصية، ناولته إياه كي يُسجل رقمه وهي تحرك قدميها تعدل من جلستها مزيحة بطاقتها دون أن تنتبه، أخذت الهاتف من بين يديه بابتسامة ثم استأذنت بتهذيب عِندما بدأ هاتفها بالرنين: أنا ريمة سعيدة اني اتعرفت على حضرتك جدًا مع السلامة..
أومأ بهدوء مراقبًا ذهابها بتفكير وهو يلوك بلسانه داخل فمه، هل لهذا أرادت اللوحة لأنها تحمل نفس الأسم أم ماذا؟، سيقرر فيما بعد في أي يومٍ تأتي، دخل خلفها العامل بالقهوة، وضعها أمام جاسم وهو يميل بجذعه فوق المكتب، رفع جسده بهدوء كي يذهب ليبصر البطاقة أسفل قدميه، انحني ورفعها بين يديه ثم ناولها إلى جاسم وقال باحترام: لقيت البطاقة دي واقعة..
تناولها منهُ شاكرًا بابتسامة: شكرًا ليك، وضعها جانبًا ووقف لتختفي ابتسامته ويعقد كلا حاجبيه وهو يجلس مجددًا، ما رآه ليس صحيحًا أليس كذلك؟ حملها بتريث وحدق في إسمها المنقوش أمامه بجانب وجهها الباسم ليبتسم بتلقائية واجتاحت لذة غريبة جسدة وهو يقرأ إسم العائلة، يا إلهي أتت إليه بقدميها، ضمها بقوة كاد يكسرها نصفين وعينيه تنطخان بالشر وأفكار سوداوية تعصف برأسهُ برغبة جامحة في الانتقام، ولأول مرة يشعر بالحماس بسبب إقبالة على شيءٍ ما بهذا القدر، فماذا هو بفاعل بـ شقيقة قُصيّ؟، أضجع على مقعده و ارخي رأسهُ إلى الخلف وهو يُفكر بعمق دائرًا بمقعده بمزاج رائق، هل يجعل الدرس ثلاث أيام في الأسبوع من أجلها؟!
أنهت تحضير الطعام وهي تستنشق ما بأنفها المتوردة، ثم بدأت بسكبه وهي تشهق ببكاء و عبراتها الحارة لا تتوقف عن الهطول قط متسببة في تورم جفنيها وحرقة عينيها، فمُنذُ أمس لم يجافيها النوم، نادين إن أصابها شيءً لن تسامح نفسها أبدًا، ولن تسامحه هو أيضًا المتبجح، الذي مازال يمارس صفاقته واستبداده دون خجل ويريد مداواه جرحها أمامها..
رتبت الأطباق فوق الصينية باهتمام ثم أخذتها وصعدت بها إلى غرفة نادين، تسير بعرج بسيط
وتدعو أن تكون بخير وفتحت الغُرفة، توقفت على حافة الدرج وأخرجت أنفاسها المتعبه على دفعات وهي تحدق في صينية الأفطار التي تركتها أمام غرفتها ومازالت كما هي..
وضعتها بجانب شقيقتها ثم جلست بجانب الباب وهتفت بعذاب وهي تبكِ متوسلة: نادين يا حبيبتي مش هتفتحى بقي؟ أنتِ عايزة ايه وانا هعملهولك ها افتحي وقوليلي ووالله هعملك اللي أنتِ عايزاه، أسندت جبهتها على الباب وهمست بنحيب وقلبٍ مضني: متحرقيش قلبي عليكِ وافتحيلي..
وضعت نادين يدها على فمها تكتم شهقتها وهي تبعد عن الباب تنتحب وحدها في الداخل كي لا يخرج صوتها فيكفي عذابا لها ولا ذنب لها في شيء، لن تسامح نفسها على ما تفعله في والدتها أبدًا لا تستحق الغفران، علا صوت رنين هاتفها الذي كانت تكتمه الوسادة، ردَّت بصوت مختنق وهي تتجه للشرفة: ألو، أيوه جهزت الشنطة همشي بليل لما تنام سلام..
محت ليلى عبراتها ثم حملت الطعام وذهبت به إلى الأسفل بنظراتٍ صارمة عازمة على فعل شيءٍ ما، ألا تريد عمّار ستحصل عليه، حملت هاتفها و هاتفت من تلجأ إليه في هذه المواقف..
أتاها صوته المرح: معاكِ قُصيّ بنك المعلومات المركزي.
طلبت منهُ بنبرة مرتعشة والدموع تترقرق في عينيها: ممكن تديني رقم ابو عمّار..
سأل بتعجب غير متجاهل نبرتها: ابو عمّار! ليه؟
رفعت رأسها للسقف و توسلته بتعب وهي تبلع غصتها المريرة: قُصيّ لو سمحت متسألنيش معاك هاته مش معاك خلاص..
أومأت لنفسه وقال بهدوء قبل أن يغلق: هشفهولك لو معايه هبعتهولك سلام، أغلق معها وهاتف عمّار سريعًا كي يخبره لكن الغبي منذُ أمس لا يرد على أحد..
مرَّت ساعة وهي تدور حول نفسها تنتظر أن يبعث لها الرقم لكن لم يعبث شيء، ابتسمت بسخرية وهي تعتصر قبضتها ساحقة شفتيها بأسنانها من الغضب، بالطبع لن يفعل عمّار صديقة على أي حال لن يخدمها ويضره، توقفت فجأة واتسعت عينيها عِندما تذكرت حُسنة أملتها رقم الهاتف الأرضي كي تهافتها وقامت بتسجيله، بحثت عنهُ بلهفة حتى وجدته تزامنًا مع اهتزاز الهاتف معلنًا عن وصول رسالة كانت من قُصيّ..
تجلي النهار وحلّ الليل، في الثانية عشر تقريبًا في منتصف الليل، دلف آدم إلى المنزل بتعجب عِندما وجد الباب مواربًا، صعد الدرج بخطوات حثيثة بطيئة قاصدًا غرفة عمّار ليتوقف وتنير الابتسامة وجهه، استند على إطار الباب بكتفه عاقدًا يديه أمام صدره يُراقبه وهو يجمع ملابسه بيد والأخرى مضمدة برباط ضاغط رغم هذا يستخدمها ويؤلم نفسهُ ويقذف بها الملابس قذفًا في الحقيبة وهو يتمتم بكلمات حانقة غير مفهومة بوجه مكفهر، فمُنذُ أمس لم تعرف البسمة طريقها إلي وجهه، إنه تعيس بسببها..
سألة بنبرة مستمتعة وهو يأشر على الحقيبة: من أمتي وأنت بتاخد هدوم وانت مسافر؟
رفع رأسهُ وهو يزفر ثم قال بجمود وهو يومئ: عندك حق، وقذف الحقيبة مع الملابس بعيدًا وجلس على طرف السرير يتنفس بلهاث وصدره يعلو ويهبط بانفعال، ازدادت عقدة حاجبيه وهو يفكر ثم حرك رأسه ونظر تجاه الباب وسألهُ باستنكار: أنت دخلت إزاي؟
أقبل عليه بابتسامة وأجاب وهو يجلس بجانبه مشيرا إلى ذراعة: الباب كان مردود، مالك؟ ومش بترد على الموبايل ليه؟
زفر أنفاسه الحارة من الغضب في وجهه وتمتم بنفاذ صبر موشكًا على الانفجار: لما أروق هرد مش طايق اتكلم مع حد..
ابتعد آدم بكتفه قليلًا إلى الخلف وأردف بريبة وهو يضيق عينيه: عمّار أنت عايز تضربني؟
قهقهة وهو ينفي بهز رأسهُ ثم وقف وارتدي سترته وقذف إليه مفتاح المنزل وجلس يرتدي حذائه متمتما بابتسامة: كويس أنك جيت قبل ما امشي خلي بالك من البيت وأكل الطيور..
ضحك آدم وهو يقلب المفتاح بين أنامله ثم تبدلت ملامحه لأخرى حزينة وسأله: رايح فين؟ أنت ملحقتش تقعد كتير؟!
هزَّ رأسهُ وهتف بأسف: ومينفعش أقعد أكتر من كده هتحصل مشاكل عدم وجودي أحسن..
أطلق آدم صيحة سائمة وسأله باستياء: وأنا؟!
شاكسة عمّار بابتسامة: مالك يا قلبي فيك ايه؟
نطق مزدري: قُصيّ مشغول في ميت حاجه ومش فاضي وأنت هتمشي وأسقف انا بقي!
هتف بتعجب كان كـ توبيخ لمن يسمعه: ليه؟ مش عندك شُغلك؟ روح شُغلك واشغل وقتك وبطل تفكير كتير وسيب الدنيا تمشي زي ما تمشي مش هتغير حاجة مكتوبة وهتحصل يا آدم فاهمني؟
سخر منهُ وهو يبعد وجهه عنهُ بازدراء: قول لنفسك أنت.
أجاب بابتسامة مستسلمًا للأمر الواقع: ما أنا ماشي اهو خلاص خلصت، يلا هات حضن عشان ماشي..
عانقة بقوة وهو يبتسم بحزن ثم أوصاه: متغيبش كتير وأرجع بسرعة..
بينما في منزل ليلى كانت تغط في نومٍ عميق أمام غرفة نادين دون أن تدري من التعب الذي أنهكها، فهي تعبت من جلوسها أمام غُرفتها طوال الوقت تترجاها كي تحادثها و تطمئنها على نفسها..
رنَّ هاتفتها فجأة جعلها تفتح عينيها بثقل مدحرجة مقلتيها في المكان ليطير النوم من عينيها وتقف عِندما وجدت غرفة نادين مفتوحة على مصراعيها، ابتسمت بعدم تصديق ووثبت داخلها مهرولة لتجدها فارغة، تلاشت أبتسامتها وطرقت باب دورة المياة وهتفت اسمها بنعاس: نادين أنتِ جوه؟
وضعت يدها على المقبض وكادت تديره لكن توقفت وانقبض قلبها عِندما صدح صوت هاتفها وكان المتصل نادين..
وضعته فوق أذنها وهي تحفز نفسها للأسوأ وهي تجد دورة المياه فارغة..
همست بصوتٍ مبحوح و احتشدت العبرات فى عينيها وهي تقول: ألو..
ـ الو، صاحبه الموبايل عملت حادثه وواخدها مستشفى (، ) دلوقتي..
سقطت الهاتف من يدها وسقطت بجانبه كـ جثة هامدة غير قادرة على النطق لكن عبراتها باحت بالكثير، نظرت إلى خزانة ملابسها الفارغة والغرفة الخاوية منها، فهي كانت تخطط للذهاب! كرهتها وكرهت حياتها معها فقررت أن تغادر وتتركها دون أن تسمعها، خسرتها، خسرتها، غمرت وجهها بين راحة يدها وصرخت بقهر وهي تبكِ بعويل مرددة أسمها بحرقة..
حملت هاتفها و ركضت كالمجنونة إلى الخارج دون أن تبدل ملابسها البيتية، قادت سيارتها بجنون كـ جنون نبضاتها المؤلمة التي كانت تتعبها وتُضيق أنفاسها، أعصابها تالفة بالكاد كانت تلمس المقود وتتحكم به، و رؤيتها ضبابية مشوشة بسبب عبراتها الحارة التي كانت تحرق بشرتها، نقرت على رقمه بأنامل مُرتجفة في انتظار الرد وهي تشهق باختناق ملتقطة أنفاسها بصعوبة..
بينما في الجهة الأخرى كان يقود السيارة في طريق عودته، يحدق عبر المرآة باقتضاب وعقله منشغل وسط زخم أفكاره الغبية المتعلقة بها طارحًا على نفسه السؤال الأهم، ماذا سيفعل بعودته؟ هل انتهى كل شيء وفقدها أم ماذا؟! لن يتزوج هكذا؟
أخرجه من شرودة رنين هاتفه، القي عليه نظرة مهملة باقتضاب ليعقد كلا حاجبيه متعجبًا عِندما رآي أسمها وبدأ القلق يساوره ماذا تُريد الآن؟ هي لن تهاتفه في ساعة متأخرة كتلك سوي إن كان هناك مشكلة؟ هل يُجيب أم يتركها ففي كلا الحالتين لن يعود أدراجه لقد حزم أمره وقرر العودة ولن يتوقف حتى إن ترجته هي!
قرب ابهامه بتردد من شاشة هاتفه وهو ينظر بين الهاتف والطريق بتذبذب وقبل أن يلمس شيء توقف الهاتف، كاد يتركه لكنها أعادت الاتصال، يبدو أنهُ شيءً سيئًا حقًا..
أجاب مهمهمًا لتتسع عينيه وينقبض قلبه بقوة وهو يستمع إلى استغاثتها بانهيار: عمّار، الحقني..
دوي صوت أحتكاك أطار السيارة بالأرض بعنف وهو يدير المقود يسارًا بسرعة عائدًا أدراجه إليها، لقد ترك كُل شيءً للقدر كما قال وقد بدأ فلا يعترض..
ذرعت الممر ذهابًا وجيئة كـ طير جريح، تبكِ بحرقة وهي تضع يدها على قلبها المستعر بالنيران، تتوسل الممرضة عُندما تخرج بضعف ورجاء أُمْ لكنها لا ترد والطبيب لم يخرج بعد فما خطبها ماذا أصابها فأي أذي أعمي هذا الذي أصاب طفلتها..
توقفت عن السير عِندما رنَّ هاتفها، إنهُ والد عمّار! ماذا ستخبره؟ هل وصل؟ هذه فُرصتها الاثنين قادمين، لكن نادين يُجب أن تكون بخير وتقسم أنها ستحقق لها ما تتمني دون تردد..
أجابت باختناق وهي تدلك رقبتها و عينيها قد جفت من كثرة البُكاء: ألو، أنا في المستشفى نادين، نادين مش كويسة..
مرت نصف ساعة عليها وهي تجلس وحدها في الخارج تضم رأسها بين قبضتها تهتز بقوة والخوف ينهش أحشائها، وقلبها المنقبض يؤلمها لدرجة لا تحتمل، تشعر أنها ستفقد الوعي في أي وقت، روحها المعذبة تطوف تاركةً إياها جسد بلا روح على حافة الجنون من التفكير فيما يحدث في الداخل، ليتها هي من كانت بخطر وليست نادين، يا إلهي لا تصدق إلى الآن ما يحدث كل شيء مُستنكر..
تسللت رائحتهُ الفوَّاحة الزكية التي تسبقه دائمًا إلى أنفها جعلتها ترفع رأسها بلهفة وتهرول إليه، جالت عينيه في الممر باحثًا عنها بقلق وهو يلهث ليشعر بجسد يندفع داخل أحضانه بقوة إرتد أثرها للخلف خطوتين، تنفس الصعداء براحة وصوت بكائها الحارق المكتوم تسلل إليه ليطوقها بذراعيه القويين بشغف لم يتحكم به مرحبًا بها في حضنه الوثير الدافئ، ماسحًا على شعرها بنعومة مواسيًا بقبلة رقيقة طبعها على قمه رأسها، هذا الإحتواء يضعفها، هو حبيبها تعترف بهذا..
تمتمت بانهيار وهي تتشبث في قميصه: نادين هتضيع منى..
رفع رأسها برقة كي تنظر إليه بهذا الوجه الحسن الباكِ و مقلتيها مكسوةً بالحزن، مسح عبراتها بكلتا يديه وخضراوية النقية تحتضنها أثناء همسهِ بابتسامة دافئة مطمئنة: هتبقى كويسة مش هيحصلها حاجة متخافيش ربنا كبير..
هزَّت رأسها بخفة وهي تنظر إليه والدفء يغمرها وهذا مازاد ضخ دموعها أكثر وارتجاف شفتيها، إنهما يأبيانِ التوقف في حال أن تواصلهما البصري مازال قائمًا، تنسى نفسها معه، تضيع بين عينيه، تتنفس هواءة، لأنها عاشقة، والمشكلة تكمن هُنا لن تحصل عليه أبدًا..
خلع سترته عِندما انتبه على منامتها الحريرية الزرقاء المكونة من قطعتين فقط وبالتأكيد تشعر بالبرود، وضع سترته فوق كتفيها لـ يغلفها الدفء وتغمرها والراحة، وتهدأ روحها الثائرة قليلا، وتتباطئ نبضاتها المتسارعة ألمًا وخوفًا وتطمئن في وجوده عكس ماكان يحدث سابقًا..
همست بإنهاك والندم يجتاحها والشفقة تشع من عينيها تجاهه: أنا آسفة، أنت عارف أني أُمْ هتفهمني وهتقدر موقفي، انا واحدة مش عايزة غير سعادة بنتي يا عمّار..
حرك رأسهُ بعدم فهم مرتابًا قلقًا من تلك النبرة والكلمات دون مناسبة؟، كاد يستفسر عن هذا لكن الطبيب خرج من غرفة نادين..
هرولت إليه كـ غريق محتاج لأنقاذ ليقابلها الطبيب بابتسامته البشوشة وقوله المُبشر: متقلقيش هي كويسة جدًا الحكاية كُلها شوية ردود وكدمات وبُكره ممكن تخرج..
انفرجت شفتيها بابتسامة رقيقة وجففت عبراتها سريعًا وهتفت بعدم تصديق: بجد يا دكتور اومال إتأخرت جوه ليه؟ وأقدر أشوفها؟
أجاب بابتسامة: طبعا تقدري هي فايقة كمان، إتأخرنا عشان في فحوصات عملناها مهمه علشان نطمن عليها أكتر وهي الحمد الله كويسة حمد الله على سلامتها..
وقبل أن يغادر كانت ليلي داخل الغُرفة، التفتت على صوت فتح الباب لتبتسم بحب وهي تجد والدتها تركض إليها بلهفة، عانقتها بقوة مغرقتًا وجهها بوابلًا من القُبلات الدافئة تحت ضحكات نادين الرقيقة، توقفت فجأة واتسعت عينيها فابتعدت وسألتها بلهفة وخوف من أن تكون قد ألمتها: في حاجة بتوجعك محتاجة اجبلك حاجة؟ أنتِ كويسة؟ حصل ايه؟ لأ لأ متقوليش حاجة دلوقتي لما تبقي كويسة نتكلم..
أبتسمت نادين وقبلت يدها بحنان لتتأوة ليلى بحزن وتضمها بقوة إلى صدرها وهي تتمتم بنبرة شاكية على حافة البُكاء: الحمدلله انك كويسة كُنت هموت من الخوف عليكِ، كده يا نادين عايزة تسيبني وتمشي؟!
دست نفسها بأحضانها وهي تنفي بعبوس: مقدرش أبعد عنك أنا كُنت رايحة شرم..
نظرت إليها بلوم وانسلت عبراتها لكن نادين محتها سريعًا و وتوسلتها بنبرة مهزوزة وهي على حافة البُكاء معها: عشان خاطري متعيطيش خلاص أنا كويسة هعيط معاكِ، أذعنت لها وتوقفت عن البُكاء وظلت تعانقها بقوة وهي تقبلها كُل برهة وأخرى..
ابتسم عمّار وهو يُراقب ما يحدث براحة تامة غمرته، تنهد وتحرك كي يطمئن عليها لكن استوقفه صوت حمحمة خشنة يعرفها جيّدًا، هزَّ رأسهُ مبعدًا تلك الأفكار عنهُ رُبما هو فقط مشتاق إلى والده لهذا يسمع صوتهِ، عاد صوت الحمحمة يطرب أذنيه بانزعاج لكن مع توبيخه بغلظة تلك المرة: بعِد من جِدام الباب وأنت كيف اللوح إكدِه!
تنحي عمّار بفاه فاغر وهو يُراقب سير والده وتقدمه من ليلى بشحمه ولحمه! ما هذا؟ من أقنعه بالإتيان؟ فهو منذُ سنوات يُحاول إقناعه أن يقضي معهُ بعض الأيام هُنا لكنهُ يأبي! كيف اتى بتلك السهولة؟ وكيف عرف مكان تواجدهم؟، قطب جبينه وهو يتذكر اعتذار ليلي منهُ! ماذا قصدت؟
انتبه على نفسه وخرج من حالة ذهولة وابتسامة مُرحبه تُزين ثغرة، يُجب أن يُرحب به فليترك الأسئلة فيما بعد، تحرك خطوة واحدة وتيبست قدمه عن الخطوة الثانية وهو يسمع قول والده المتحمس إلى ليلى: محبتش أضيِع وجت عشان إكدِه جيت طواليّ وزي ما اتفجنِه كتب كتاب عمّار ونادين الخميس الجاي..
أومأت ليلى بثبات وهي تزدرد ريقها بصعوبة وغشاوة رقيقة لامعة أنارت نهر عسلها، مُعلنة موافقتها وهي تمسك بكف نادين ضاغطة عليه بخفة تدعمها تُخبرها من خلاله أنها بجانبها وستظل دومًا، أو هي من تحتاج إلى الدعم أيهما أقرب؟! فهي بالفعل بادرت واعطته موافقتها في الهاتف من قبل..
أدمعت عينا نادين وتقبلت و اولتهم ظهرها، بينما عمّار جُل ماكان يدور في رأسهُ أن الخميس هو بعد غد والغد بدأ بالفعل لأن الساعة تخطت مُنتصف الليل! ووالده قطع كُل تلك المسافة والساعات الطويلة المرهقة كي يمزح!
والآن على حافة وادي الشرقية وتحديدًا هضبة المقطم، المكان الأقرب إلى قلبه، يأتيه دومًا عِندما يهرب من متاعب الحياة، يُحب أن يُشاهد مصر من هذا العلو فهي مبهرة ورائعة وتكون مُنيرة..
كان هذه المرة لا يقف على مقدمة السيارة ويضع يديه في جيب بنطاله ويفكر بعمق والهواء يداعب قميصة المفتوح، لا بل كان جالسًا أرضًا يمدد قدميه أمامه فوق الأتربه ويرخي رأسهُ مع ظهره على مقدمة السيارة يتأمل النجوم ويحصي عددها..
تمتم بابتسامة لطيفة وشعره يتطاير مع الهواء النقي: 555، 556، 557، 558، 559، 600.
أوصد جفنيه بغضب جام وزفر بضيق عِندما سمع الهاتف المزعج، هو المخطئ لأنه لم يغلقه ريمة المسؤولة عن هذا، تناوله وأجاب دون رؤية المتصل فإن المزعجون من الصباح لن يتصلوا بعد مُنتصف الليل بالتأكيد كي يخبروه بالنتائج..
ـ قُصيّ مش بترد ليه؟ انا وصتهم عليك وأكدت عليهم أنهم يقولولك النتيجة وأنت مترُدِش؟!، كان هذا صوت طبيبة المُحنك الذي يناهز عمره الخامس والخمسين الطبيب الخاص به وسابقًا طبيب والده..
ضرب قُصيّ جبهته بغباء لأنهُ لم ينظر ثم اعتذر باحترام: آسف كُنت مشغول مخدتش بالي..
أجابه بتهكم وهو يُحدق في النتائج التي بين يديه: ووجع أمبارح ده يتنسي عشان تقول انشغلت و مخدتش بالك؟
صمت قُصيّ ولم يعقب ليستطرد الطبيب بنبرة ذات مغزى وهو يخلع نظارته الطبية ويقذفها أمامهُ بعصبية: أنت عرفت عشان كده مش عايز تسمعها؟
ظلّ على صمته يستمع إليه ببرود خالص دون أي تأثر بالحديث فالجميع سيموت في النهاية لمَ الحُزن؟
ـ قُصيّ أنت عندك سرطان..
- هل تذكرين ياصديقتي تلك المرة التي حذرتك بها من صنف الرجال أجمع؟، لقد كُنت حريصة على تذكيرك بهذا طوال الوقت لكنني نسيت أن أذكر نفسي بهذا فوقعت في الخطأ الذي لطالما كنت أخشاه -.
النهايات، نهاية الحكاية أو القصة نقُصها على الأطفال قبل النوم كُل يوم، نقُصها بثقة وابتسامة عذبة والسرور يغذو قلوبنا لأننا نعرف أنها سعيدة وأن الطفل سيذهب في ثباته العميق بفرحة عارمة و ابتسامة ملائكية تزين ثغرة ويطوف بعيدا ويحلم أحلامًا وردية رُبما يكون هو بطلها لكن هذا النمط يكون في الحكايات فقط لا يُطبق في حياته التعيسة، هو لا يتخيل قط أنهُ قد لا يلتفت إليها..
أخذت قدميه في الاهتزاز بقوة وهو يعتصر قبضتيه النابضة بالألم بعدم اهتمام جراء النيران التي أضرمت داخل جنبات صدره الثائر، رأسه يتصاعد منها الأبخرة، و صدره يعلو ويهبط بعنف ومقلتيه الداكنة ترصد تحركاتها كـ أسد شرس نفذ صبره على فريسته وجوعه أصبح يفتك به سيمزقها ويزهق روحها بضراوة في أي وقت تسنح لهُ الفرصة..
تخبره أنهُ متبجح وهو لم يرى تبجح مثل تبجحها قط، هل تراه طفلًا كي تأتي بوالده كي تجبره على الزواج من أبنتها التي تعرف أنهُ لا يُحبها؟ أي منطق هذا الذي تستخدمه؟ وأين والدها هي الأخرى ألم تقل سابقا أنها ستأتي به؟ فلتأتي به هو أيضًا كي يتم جمع شملهم معًا، لمَ تمنعت مثل الفرخ لمَ..
عيناها، تلك العينان الساحرة تتحاشاه بجزع لا تقدر على مواجهته، تجلس على طرف الفراش تمسك بيد نادين التي غفيت لكنها تقنع نفسها أنها مستيقظة، لا تُريد الوقوف أو الابتعاد ومواجهته لا تستطيع خائفة من رد فعله الأهوج الذي لا تعرف كنهه..
والدة، ها، ابتسم بسخرية وهو يتذكر قوله بخشونة أنه سيذهب يرتشف قهوة في الأسفل..
انتفخت أنفه وأوصد جفنيه بقوة ساحقًا شفتيه سحقًا قبل أن يندفع إليها، لقد حاول بشتي الطرق تجاهل هذا لكنهُ لم يستطع تلك المرة ليست مزحة..
لاتعرف كم الجهد الذي بذله كي تخرج نبرته بهذا الثبات والهدوء: ممكن نتكلم؟
خفق قلبها بقوة وازدردت ريقها بحلق جاف وهمست دون النظر إليه: نادين نايمة دلوقتي بعدين..
قال بهدوء وهو يبتسم بعصبية: زي ما تحبي، وعقب قوله بسحبها من مؤخرة رأسها بحدّة جعلها تشهق شهقه كتمها بكفه، حاصرها بينه وبين الحائط وهمس بغلظة وهو يرفع كفه عن شفتيها الناعمة: جبتي رقمه منين؟
همست بنبرة مرتعشة وهي تسبل جفنيها: الرقم الأرضي معايا..
لاحت ابتسامة ساخرة على محياه وقبض على ذقنها بقوة كي تنظر إليه وبتهكمٍ قال: لو اتصلتي بالارضي مش هتعرفي توصليله! مين إداكِ الرقم؟
اخفضت بصرها ولم ترد عليه لتزداد قبضته عنفًا جعلها تتأة وتهمس وهي تمسك ساعدة بألم كي يبتعد: قُصيّ ادهوني..
همس لنفسه بتعجب: قُصيّ؟، أومأت بخفة ظنًا أنهُ يسألها وحركت شفتيها للتحدث لكن الهواء ضرب وجهها فجأة عِندما أبتعد بسرعة كأنهُ لم يكن هُنا قط، لتهمس لنفسها بـ همٍ وهي تجلس على الأريكة: هيخسروا بعض بسببي هيخسروا بعض..
أغلق قُصيّ الهاتف بضجر لكن نبرة الطبيب المحذرة أوقفته: قُصيّ بكرة الاقيك عندي فاهم؟
تمتم بضيق وهو ينتصب واقفًا: فاهم، فاهم مع السلامة، وصعد إلى السيارة وأدار المقود وغادر..
ترجلت ريمة من سيارة الأجرة أمام المنزل وقلبها يتقافز داخلها ذعرًا وخوف، قُصيّ بالتأكيد سيكون نائمًا، نائمًا..
ضغطت على الجرس وهي تدعو داخلها أن لا يفتح هو لقد تأخرت كثيرًا تعلم هذا، تأففت بنفاذِ صبر وطرقت الباب بعنف عِندما لم يرد أحدًا، تلفتت حولها لتشهق بتفاجئ وهي تبصر جـنّـة تقبل عليها تحمل غرام! هل كانت في الخارج هي الأخرى..
سألتها بتعجب وهي تمسح على شعر غرام الغافية على كتفها بحنان: أنتِ كنتي بره؟
أومأت بخفة وهي تبعد كتفها التي تريح غرام رأسها عليه عن وقع يد ريمة وقد لاحظت هذا لكنها تجاهلته رُبما فقط ثقيلة عليها..
حاولت فتح حقيبتها بيدها المتحرره لكنها فشلت، اقترحت ريمة بهدوء وهي تراقبها بثقب: هاتي غرام وطلعي المفتاح براحتك
نفت بهز رأسها وهمست بخفوت: لا عادي هعرف أطلعه..
انتفخت أوداجها بغضب وراقبتها وهي تحاول بجهد فهمست بعصبية: هاتيها و طلعي المفتاح!
لتقترح جـنّـة بابتسامة: ما تطلعي أنتِ المفتاح؟
ضربت ريمة كتفها الآخر بغضب وهتفت متهكمة: أنتِ بتستهبلي يا جـنّـة؟ بتبعديها عني ومش عايزانى اشيلها؟.
هزت رأسها بنفي وهي تبتسم ببهوت ويدها ترتفع تربت على ظهر غرام، لتسطرد ريمة بنبرة محتقرة نافرة منها: فوقي يا ماما أنا اللي مربياها و لو خيرتها بينا هتختارني انا! حصلتك حاجة في عقلك صورتلك أنك في وضع تقدري تتكلمي وتتشرطي وتقولي لأ دي بنتي محدش ياخدها مني؟
ردت بتعجب وبرودة أعصاب: ايه يا ريمة الكلام ده؟
صرخت بها بجنون بوجه مكفهر وهي تمسك حاشية قميصها: أنا بحذرك يا جـنّـة أنك تكرري اللي حصل ده تاني فاهمة؟
ـ ايه اللي بيحصل؟، كان هذا صوت قُصيّ المستنكر وقوف كلتاهما أمام المنزل في هذه الساعة، نفضت ريمة يدها عنها وابتعدت وهي ترشقها بنظراتٍ أحرقتها حية..
تقدم وفتح باب المنزل وهو يسأل ريمة بحدّة: أنتِ لسه جاية دلوقتي؟
أبعدت شعرها خلف أذنها بارتبارك وتلعثمت وهي تقول: أنـ، أنـ، قاطعها بحزم وهو يدفع الباب: خدي غرام واطلعي حسابنا بعدين..
أومأت بطاعة ثم حملت غرام! لا بل نزعتها نزعًا من بين يديها ونظرتها المستحقرة تجاهها لم تضمحل بعد..
دلفت تحت أنظار جـنّـة المستضعفة التي أمسكت ذراع قُصيّ لينفضها عنهُ بحدّة شديدة وهو ينظر إليها بدون تعبير متمتمًا باستفهام: كنتي فين ومقولتيش ليه أنك خارجة؟
همست وهي تعيد مسك ذراعة بنعومة: اتصلت بيك كتير ومردتش عليا، و انا وعدت غرام امبارح اني هفسحها عشان عيد ميلادها وكان لازم أخرجها..
هتف متهكمًا وهو يرفع كلا حاجبيه: وخرجتيها فين؟ ودتيها لأبوكِ طبعا؟
هزّت رأسها تؤكد على حديثة قائلة بهدوء: ايوا روحت لبابا عشان يشوفها هي مش حفيدته؟ وبعدين فسحتها وجينا بس..
أومأ بتفهم وهو يضم قبضته بانفعال ثم دفعها إلى الداخل وكاد يدخل خلفها لكن هتاف باسمه أوقفه..
أغلق الباب خلفها واستدار يحدق بتمعن في الشخص القادم لـ يتمتم بتعجب: عمّار؟
كور قبضته والشر يقدح من عينيه وتأهب كي يكيل لهُ اللكمات لكنهُ انحني متفاديًا اللكمة وانسل من جانبه مبتعدًا بتعجب..
صاح بعدم فهم وهو يعقد حاجبيه: ايه يا مجنون أنت في ايه؟
زمجر وهو يستدير وهرول خلفه بتهجم وهو يغمغم بغضب: مين قالك تدي رقم ابويا لـ ليلي؟
ضيق عينيه وابتسامة ماكرة اعتلت ثغرة ثم هز كتفيه وهتف مستغبيا إياه: ليلي اللي قالتلي هيكون مين يعني؟
ظل يعود بظهره إلى الخلف متوجسًا منهُ حتى التصق ظهرة بالسيارة فسأله بجزع: ايه في ايه حصل حاجة؟
توقف عمّار بجانبه زافرًا بعصبية يكبح غضبه المدمر ثم ضرب مقدمة السيارة بقوة غير مكترث بألم كفه المضمد مدويًا صوتًا مزعجًا وهو يصرخ به: يعني تقولك هات الرقم تدهولها أنت غبي يا قُصيّ؟!.
تحمحم قُصيّ وهو يقف باستقامة ثم همس وهو يحك طرف ذقنه: هو انا مدتهاش الرقم بس يا عمّار..
رفع رأسهُ ونظر إليه بوجه مكفهر وبنبرة خطيرة مع ارتفاع حاجبه سأل: عملت ايه تاني؟
أجلي حنجرته وردّ بابتسامة بلهاء: حكتلها كُل حاجة عنك يا عمّار..
كتف يديه أمام صدره وسأل مستفسرًا بأعصاب مشدوده: كُل حاجة ازاي يعني؟
ضحك قُصيّ ووكز معدته وهتف ممازحًا: كُل حاجة كُل حاجة يا عمّار يعني مثلا آسر أنك دكتور عرفنا بعض إزاي وكده يعني..
حدق في الفراغ هنيهة وهو يستوعب قوله، هل لهذا تغيرت طريقة تعاملها معهُ! هو لا يُريدها أن تحبه بتلك الطريقة! يُريد أن تحبه وتقبله بكل حالاته السيئة قبل الجيدة لأنها إن أحبته وهو بهذا السوء ستذوب عشقًا به عِندما تعرف حقيقته، اللعين قُصيّ يُريد لكمة حتى الموت حتى يشفي غليله لكنهُ لسببٍ ما امتنع لا يُريد ضربه..
أمسكه من تلابيبه بقوة ليهتف قُصيّ مترجيًا: سيبني بدل ما اعيط يا عمّار..
هزه عمّار بين يديه بغضبٍ جامح وهدر مستنكرًا: قُصيّ أنت بتهزر؟ بتقولها ليه؟ انا معنديش لسان أتكلم بيه؟!
هزَّ رأسهُ وأردف بصدق مراقبًا الخذلان الذي يتلألأ في خضرواية: صدقني عشان أساعدك على الأقل واحد فينا يحقق اللي بيتمناه كفاية خيبه بقي..
ضحك عمّار بصخب وهو يحرره ثم أردف ساخرًاوهو يخلل أنامله داخل خصلات شعره: بتساعدني؟ كويس والله ده أنت سعدتني اوي جهز نفسك بقي عشان تحضر كتب كتابي على نادين..
قطب جبينه وهتف مصححًا وهو يضيق عينيه: قصدق ليلى!
هدر بسأم وهو يبتعد: لأ مش ليلى وشكرًا جدًا..
أمسك قُصيّ ذراعه كي يقف وأردف مستفهمًا: طب ايه طيب فهمني؟ ودراعك ماله..
غمغم وهو ينزع ذراعة منهُ وذهب بضيق: ملكش دعوه..
ـ طب البس كرفته ولا بابيون؟ عمّار، عمّار، انا نيلتها ولا ايه؟، هتف بضيق وهو يمسح وجهه عائدا داخل المنزل بإحباط..
طرق باب غرفة ريمة بخفة، أذنت بالدخول وهي تعدل جلستها فوق السرير، ابتسم بحنان وهو يتقدم منها لتفتح يديها على مصراعيها تستقبله في أحضانها بحفاوة..
قبَّل رأسها بحنان وهو يشدد قبضته حولها برقة هامسًا بدفء: عامله ايه؟
فصلت العناق وهي تمسد ذراعيه بحنان مع همستها برقة: الحمد الله يا حبيبي هديت..
ضرب جبهتها براحة يده موبخًا لها: أه هديت ومش ناسي و هعلقك ايه اللي جابك من غير ماتقولي؟ ورجعتي متأخر ليه في بنت محترمة ترجع البيت دلوقتي؟!
ضحكت ببلاهه وهي تدلك عنقها متمتمة بتقويسه شفتيها وهي تتحاشى النظر لعيناه: وعدت غرام اني اوريها مامتها في عيد ميلادها عشان كده جيت، و اتأخرت لأن القاعدة خدتني مع اصحابي بس، أنهت قولها بـ هز كتفيها لـ يصفعها بخفة مهددًا بخنقها وهو يقبض على رقبتها مبتسمًا باصفرار: و أخر مره تبقي شوفي مين هيخرجك بعد كده..
نفخت وجنتيها بضيق ثم قالت بخبث وهي تشدة من أذنه: أنا ممكن انكد عليك دلوقتي واقولك هتعمل ايه مع جـنّـة وتبقي ليله كبيرة سعادتك..
دفعها من كتفها بسخط وهو يتحرك مغمغمًا: اتخري خديني جنبك..
اتسعت ابتسامتها وهي تتحرك جانبًا تاركة له المجال كي يسند بجذعة على ظهر الفراش لتدس نفسها داخل أحضانه و تحوط خصره كما كانت تفعل وهي صغيرة عِندما تحزن..
مسح على شعرها بحنان وهتف بهدوء: انا شوفت اللى حصل تحت ولو عايزة غرام انـ، اوقفه صوت ضحكتها الصاخبة ورأسها التي تهتز فوق صدره ليسألها بحنق: بتضحكي على ايه؟
رفعت جذعها وارتكزت على راحة يدها وهي تنظر إليه قائلة بعقلانية: متشغلش بالك بالموضوع ده يا قُصيّ أنا بعرف أتصرف مع جـنّـة كويس وخليك عارف ومتأكد اني مش عايزة غير سعادة غرام وسعادتها لما تفضل مع جـنّـة، اصل طالما هتضايق لما تبقي مع جـنّـة مكنتش جيت من الاول بقى! انا بس الموقف ضايقني مش أكتر ومتخافش بعرف اكيفها لما اتضايق..
قهقهة وقام بتوصيتها بحماس: انفخيها يا روحي ولا يهمك..
ابتسمت بنعومة ثم همست بعبوس: و هتعمل ايه يا قُصيّ غرام مش لازم تحس بحاجة ونظراتك لوحدها مش لطيفة..
تنهد من الأعماق وهتف بـ غم: أنا مش طايقها يا ريمة ومش هعرف اكمل معاها كده مش قادر انسي اللي حصل..
سألته وهي تمسد جبهتها: وايه اللي حصل
نظر إليها بدون تعبير وقال بتهكم: اللي كان بيحصل بينها وبين جاسم..
سألته بتهكم مماثل وهي تبتسم بسخرية: وأنت وعشق عادي؟
احتج معترضًا يدافع عن نفسه بقوة: هي اللي وصلتني لكده وأنتِ عارفة والظروف اتغيرت! انا مكنتش أقدر أقولها لأ عشان غرام تيجي وفي نفس الوقت كُنت بحبها ومكنتش اعرف ان كل ده هيحصل وحتى لو انا خاين تروح تقلدني يعني؟!
تنهدت ريمة بينما تقول بتعب: قُصيّ مش هنرجع لنفس النقطة من البداية انتوا الاثنين غلطانين وأنت بالأخص لأنك طاوعتها أصلك مش بريالة يا قُصيّ ومكُنتش هتموت من غيرها وهي كانت هترجع زي الكلبة أصلا! تقدر تقولي من ساعة الموضوع ده ضربتها كام قلم على وشها؟
نظر لها بعدم فهم لتستطرد بسخرية: أهو أنت لو كنت وفرت على نفسك كل ده وضربتها قلم واحد لما عرضت عليك حاجة زى كده مكنش كُل ده هيحصل وكانت يومين وهترجع لعقلها..
اعتلت شفتيه ابتسامة ساخرة وهتف بازدراء: لا يومين وكنت هاخدها المستشفى بسبب محاولتها تسقط نفسها، محدش يعرفها اكتر مني يا ريمة وهي مكنتش ملهوفه على الخِلفه ولا كانت بتفكر أصلا دي اول جوازنا هي اللي طلبت نأجل الخِلفه بحجة أننا نشبع من بعض ونعيش حياتنا ومكنش عندها مانع لو فضلنا طول العمر كده صدقيني مكنش هيفرق، انا بس اللي كنت غبي وبفكر أكون عيلة سعيدة زي اي واحد عادي..
أنهى حديثه بحزنٍ عميق وفؤاد محطم محبطًا منهزما مستسلمًا ومعترفًا بانتصار جـنّـة من الآن، فهي أخذت كل شيء أرادته، هو وغرام وتدمير عشق كُل ما رغبته يتحقق وهو محله لا يحرك ساكنا..
عانقته ريمة بأسي وطلبت بحزن وهي تحتضن وجهه بين يديها: طالما متضايق سيبها مش هتعيش معاها غصب عنك كفاية كده وشوف نفسك..
ضحك بسخرية وهو يحدق في السقف وتمتم باستخفاف: تقصدي اشوف نفسي في المراية صح؟
نظرت إليه بيأس وهتفت بحزم: قُصيّ ما أنت يا اما هتكمل معاها يا اما تسيبها مش هتعيشوا مع بعض كده مش هينفع..
أردف بصدق وقد عاد للمسح على شعرها: صدقيني لو عليا نفسي ابعتها المريخ مش اطلقها، بس لو سيبتها هترجع تعيش مع ابوها ولو رجعت آخر حاجة حلوة جواها هتدمر ومش هيبقي في جـنّـة خالص كفاية كمية السواد الحقد اللى زرعهم جواها من وهي صغيرة هيعمل فيها ايه اكتر من كده لو رجعت؟ خليها هنا احسن يمكن تفوق لنفسها لما تتعلق بغرام..
ناظرته بمكرٍ ثم غمزته بعبث: يعني مش عايز تحيي الذكريات يمكن ترجع زي الاول؟
هزَّ رأسه بنظرة ممتعضة كـ قوله: ذكريات ايه يا ريمة؟ قولتلك الظروف اتغيرت وقُصيّ القديم مش موجود خلاص وبعدين خليكِ عارفة انها بنت عمي وأم بنتي ومراتي يعني هتلف هتلف وترجع لأنها مالهاش غيرنا وابوها وانا مش بكرهها بردو عشان كده بطلي النظرات والهمسات والجو ده، جـنّـة هتفضل جزء من حياتي و هتشغل حيّز كبير من تفكيري دايمًا وده طبيعي لأنها تهمني بس افهمي أن قلبي مش ليها..
أومأت بتفهم وهي تربت على وجنته بنعومه مواسيه: حاضر مش هتكلم ولا هبص اهدي متزعلش نفسك..
صاح بعصبية: انا هادي اهو مالي؟
لم يكن منتبهًا لا على جسده المتصلب المشدود ولا جبهته المتعرقة ووجهة المكفهر ولا صدره الذي يعلو ويهبط وأنفاسه اللاهثة من فرط الانفعال..
فهو إلى الآن كُلما تذكر ماحدث في الفندق تلك الليلة يشعر بأن هُناك من يدمغ جلده بالجمر وهو مكبل اليدين، كمن يغرس خنجرًا مسمومًا داخل قلبه وتركه ينزف حتى الموت مثل الذي تركه في صدر عشق، كـ عاصفه هوجاء تقتلع الأشجار اقتلع هذا الحب وأوقفه عن التفاقم داخل ذلك القلب الذليل..
اندثرت أحلامه وتحطمت اماله وشعر بأن ما يواكبه ليس سوى كذبة كبيرة، فهو للحظة الأخيرة كان متمسكًا بها، كان يماطل قلبه ويفعل عكس مايمليه عليه ولا ينفك عن إهانة عشق وضربها، دائم التبلد والبرود معها رغم الحب الذي كان يشع من عينيها وكُله كان لأجل جـنّـة، أخطأ وانغمس في الخطأ لأجل حبه الذي تبخر في الهواء، لقد استسلم إلى حبه لعشق تلك الليلة عِندما عرف ما تفعل..
تلك الليلة في الحفل داخل الفندق عِندما كانت عشق محمومة وأخذها إلى غرفة في الأعلى كي ترتاح أتاه اتصال من جـنّـة تطلب رؤيته في دورة المياه..
ومن دون تردد لبي النداء وذهب إليها..
أخذ يتلفت حوله في الممر باحثًا عنها حتي شعر بمن يجزبه من يده إلى داخل دورة المياه الفارغة..
ضمها إلى صدره بلهفه وقبل رأسها بحنان لتدفعه عنها بعنف صائحة بغضب: أنت مقولتش ليه ان عشق عندها وحمة؟!
اختفت ابتسامته وحل محلها الخيبة بسبب عدم السعادة المتبادلة وتوقف قليلا يستوعب قولها الآخير لتسود عينيه الراكدة ويقبض على مرفقها بقوة سائلا بخطورة: وأنتِ عرفتي منين أنها عندها وحمة؟!
صاحت بعصبية وهي تنزع يدها من يده: جاسم سألني عليها هكون عرفت منين يعني؟
تقهقر إلى الخلف وهو ينظر إليها بصدمة، فما فائدة الحجاب الذي جعلها ترتديه؟ هي لم تجعلة يقترب منها بهذا القدر بالتأكيد جنته لن تفعل هذا به..
قبض على ذراعيها بقوة وسألها بغصةٍ مريرة وعينيه تتوسلها أن لا يكون صحيح ما يظنه: وهو شاف جسمك فين عشان يسألك عليها؟
اخفضت رأسها بارتباك متحاشية النظر إليه و همست بنبرة مهزوزة تخبره من خلالها بقلة حيلتها: قُصيّ، أنت عارف أن عشق مراته وعايشة معاه في نفس البيت ومعظم لبسها عريان و، و، صفعها على وجنتها بقسوة أسقطها أرضًا مع زمجرته بوحشية و انفعال واخذ يذرع دورة المياه وهو يشد شعره بقوة وصدره يعلو ويهبط بعنفٍ مؤلم، هي ماذا فعلت بنفسها؟ يقسم سيتركها ولن يكمل حياته معها إن كان مايظنه صحيحًا..
رفعت رأسها ونظرت إليه بخذلان هامسة بنبرة مرتجفة: أنت بتضربني؟
قبض على حجابها وأوقفها معهُ بعنف مهسهسًا بجنون ويديه تلطم وجهها والجحيم متجسد في عينيه: انا هكسر عضمك، بتهببي ايه معاه بتهببي ايه؟
تساقطت عبراتها بغزارة ورفعت كفها أمام وجهها تحمتى به صارخةً بقوة وتبجح: بيبوسني لما يحب و بيحضني لما يحب انا عشق دلوقتي مش جـنّـ، ولم يشعر بنفسه سوي وهو يهوي على وجنتيها بوابلا من الصفعات القاسية تحت صرخاتها المتألمة هادرًا بنفور واشمئزاز والنيران تتأجج داخل صدره: أنتِ سافلة وحقيرة و انا الغلطان اني وثقت فيكِ وطاوعتك من الأول إنـ، قاطعته صارخة بانهيار وعينا جاحظة: لازم تفهم أنه هيكون في خساير لازم تخسر حاجة وتضحي بـ، توقفت الكلمات بحلقها وزاغت عينيها عِندما رأت موتها داخل عينيه المتوهجة بالشر قبل أن يقبض على عنقها يخنقها هادرًا بنبرة مميتة: وأنتِ قررتي تضحي بجسمك! انا بكرهك وبكره اليوم اللي شوفتك فيه يا رخيصة..
ونفضها من يده لـ تسقطت على ركبتيها أمامه وهي تخفض رأسها بانهزام تسعل بحدّة في حالة تأهب كي تُقبل قدمه إن تطلب الأمر فهي لن تخسرة ليس قُصيّ..
أزاحها من أمامه بقدمه بقوة كاد يسقطها على وجهها ثم بصق بقرف وتحرك لكنها أحتضنت ساقة بقوة وأسند وجهها فوقها وهي تقول بنحيب: لو مش عايزني استني شويه مش دلوقتي لما تنتهي كُل حاجة وعشق تموت لما كل حاجة تنتهي تبقى سيبني بالله عليك..
قبض على فكها بعنف وهدر بقرف واشمئزاز لا حدود لهُ: هو ده كل اللي همك؟ طب وانا انا ايه؟
شهقت بحرقة وهي تهز رأسها هامسة بصوت مبحوح: أنت كُل حاجة كُل حاجة والله بس غصب عني..
ضحك بسخرية والألم يكتسي ملامحه وهدر بنظرة خاوية: أنتِ طالق يا جـنّـة طالق طـ، أوقفته راحة يدها التي وضعتها على شفتيه تمنعه وهي تنوح وتبكِ متوسلةً لهُ بألم: عشان خاطر بنتنا يا قُصيّ بالله عليك متسبنيش أبوس رجلك متسبنيش انا هضيع من غيرك متسبنيش..
دفعها عنهُ باشمئزاز لـ تتسع عيناها وهزت رأسها بهيستيريا مراقبة ابتعاده عنها بفؤاد محطم عِندها فتح باب دورة المياه كي يذهب ليتفاجئ بتلك الشقراء تقف خلف الباب من الخارج فإذا بها شاهي..
ـ قُصيّ، قُصيّ، قُصيّ، قالت ريمة وهي تهز كتفه بخفة عندما طال صفونه..
همهم باهتمام وهو يرفع كلا حاجبيه متمتما باستفهام: كنتي بتقولي حاجة؟
هزت رأسها بنفي وهمست بحنان: شكلك تعبان ارتاح ونتكلم بعدين..
هز رأسه وهو يبتسم بعبث ثم أدارها ولملم خصلات شعرها وهتف باستمتاع: هعملك ضفيرة الأول..
تذمرت وهي تشعر بخصلاتها تتداخل معًا بفضل أنامله المستمتعة بما يفعل فهدأت تفكر بتريث ثم طلبت برقة: قصي يا حبيبي ممكن أطلب منك طلب؟
تمتم بابتسامة وسط انغماسه بما يفعل: عيوني..
فركت كفيها معًا بتوتر وبدأت الحديث لكنهُ لم يكن معها بتاتاً، بل انغمس في دوامة ذكرياته التي جعلته يبتسم لا إراديًا وهو يجدل شعرها الحريري..
أنهى تجديل شعر عشق الفحمى بفخر وهو يبتسم بروعة ثم وضعها فوق كتفها لتدلي إلى خصرها، أحاطها بحميمية وهو يسند ذقته فوق منكبها دافعًا بها إلى صدره العاري هامسًا بجانب أذنها وأنفاسه الحارة تداعب مسام جلدها تذيبها: عبرنا يا عم..
تبسمت بنعومة وهي تستدير كي تكون مقابلة ثم مررت أناملها على وجنته برقة هامسة وهي تداعب أنفها بأنفه: كُنت بعملك القهوة الله..
رفع حاجبه بإعجاب ثم مدَّ يده وتناول قدح القهوة وتذوقه لتتقلص ملامحه باستمتاع متمتمًا بعبث: دي مسكرة أوي يا عشق؟
قلبت عينيها وقالت وهي تلكز وجنته بسبابتها: دي سادة يا قُصيّ..
هتف متعجبًا وهو يداعب خصرها بنعومة: معقوله؟ اكيد حطيتي فيها صباعك صح؟
قالت بابتسامة مبتسرة وهي ترفع الملعقة الصغير بين يدها: لا ياحبيبي بالمعلقة عادي، قديمة اوي دي!
ألقي الملعقة بعيدًا ثم قبل باطن يدها بنعومة وهو ينظر إليها نظرة ولهة هامسًا بنبرة آسرة: ما أنتِ ماسكة المعلقة هي هي وبعدين أنتِ متعرفيش أنك مسكره أكتر من السُكر ولا ايه؟
لفَّت يديها حول رقبته بنعومة تبتسم بدلال ليستطرد بحرارة: الجو حر يا عشق ما تقلعي!
ابتعدت بجزع وحذرته بنظراتها الشرسة اللطيفة: متفكرش عندي جامعة هتأخر وعندنا عملي النهاردة.
قرص خصرها بعبث وهو يتقدم غامزًا لتعود بدورها إلى الخلف بتشتت حتى حاصرها ولم يعد هُناك مفرٍ منهُ فتذمرت باستياء: قُصيّ بجد لازم أمشي عندنا عملي
اعتلي ثغره ابتسامة جانبية عابثة وهمس وانامله تداعب نحرها بنعومة: طب بذمتك العملي بتاعنا مش احلى؟
رفعت كفه عن رقبتها وقبلتها برقة بالغة ليحرك أهدابه الكثيفة ويميل برأسهُ وابتسامة حانية تعتلي ثغرة فاقترب ولم يمنع نفسه عن تلثيم جبهتها بدفء مع همسة رقيقة بصوتٍ أجش كان أثرة ناعمًا في أذنها: أنتِ قلبي يا عشق..
ابتسمت بهيام وحركت شفتيها للتحدث..
ـ قصي، قصي، قصي، صاحت بصوتٍ مرتفع متذمر..
تأفف عائدًا إلى واقعة المرير وهتف بامتعاض: في ايه!
صاحت بسخط: عمالة أتكلم وأنت مش هنا ولا حتى بتقول همممم!
تنهد واعتذر وهو يشد شعرها بخفة: آسف كُنت سرحان قولي تاني كنتي عايزة ايه؟
تنهدت بعمق ثم قالت بثبات دون أن تظهر ارتباكها: عايزة اروح اسكندرية يومين لواحده صحبتي ممكن؟
تأتأ رافضًا وهو يقف كي يذهب وهدر ببعض التهكم: يومين؟ أنتِ قعدتي هنا يومين عشان تروحي عند صاحبتك؟ وبعدين أنتِ بعدتي من سنين عرفتي منين أنك هترجعي تلاقي أصحابك لسه صحابك؟ وكمان مفيش بيات بره انسي..
اكفهر وجهها ووقفت مقابله وتخصّرت محتجة باعتراض: ليه ليه انا مش صغيرة! واصحابي لسه صحابي و بعدين أنت كُنت سايبني في بلد غريبة لوحدي؟
وكز جبهتها بسبابته بقوة كأنه يخبرها بمدى غبائها هادرًا باستنكار: ده علي اساس اني معرفش عنكم حاجة وعايش كده عادي! لاقيكم أنا في الشارع عشان اسيبكم من غير سؤال واكتفي بمكالمتك وخلاص؟!
ازدردت ريقها وتمتمت بندم: مش قصدي يا قُصيّ والله قصدي اننا هنا في مصر فيها ايه لما أروحلها يومين؟
هتف بدون تعبير وهو ينظر إليها نظرة معبرة: فيها بالنسبالي وتاني مرة لما أكون بتكلم معاكِ تنزلي ايدك، وتركها تقف في منتصف الغرفة والندم ينهشها وغادر..
عاد إلى الغرفة ودلف مباشرةً إلى دورة المياه دون أن ينتبه لوجود جـنّـة وهي لم تنتبه له أيضًا لأنها كانت تسبح في أفكارها صافنة بتيه تتذكر ماحدث اليوم عِندما كانت في قصر والدها..
هتفت ريمة بطفوليه وهي تمسك يد جدها بيدها الصغيرة: يعني أنت جده؟
أومأ بحنان وهو يمسح على شعرها تحت نظرات جـنّـة الباسمة لتتابع بحماس: زي تيتة حنان..
رفع رأسهُ وتبادل نظرات ذات مغزى مع جـنّـة ثم سألها برفق: وشُفتيها فين يا حبيبتي؟
ردت برقة وهي تتذكر: في البيت جت مع بابي وجميلة اوي..
انتقلت جـنّـة من محل جلستها وجاورتهما على الأريكة ثم سألتها بحنان وهي تربت على وجنتها: وهي فين دلوقتي يا حبيبتي لسه في البيت؟
هزت رأسها بنفي وهي تقوس شفتيها بلطافة ثم قالت وهي تتحرر من قبضة جدها: لأ مشيت من زمان، وركضت تلعب في الحديقة وتركتهم يفكران..
سألته جـنّـة باستفهام عِندما اتكأ على الأريكة وشرد مفكرًا: هتعمل ايه يا بابا؟
قال بهدوء وهو يجذبها إلى صدره مربتاً على ظهرها بحنان: متشغليش بالك أنتِ بيها خليكِ في قُصيّ وشوفي هترجعية لطبيعته تاني ازاي..
همست بخوف وهي تدفن رأسها بصدره: أنا خايفة، خايفة يتعصب ويضايق مني ويطلقني والمرادي الأخيرة بجد ومش هعرف ترجعله تاني..
لثَّم جبهتها بحنان وهمس كي تطمئن: متخافيش مش هسيبك طول ما أنتِ بتفكريه بـ غرام، رفعت رأسها وناظرته بحزن ليربت على وجنتها برقة وبابتسامة خبيثة استطرد هامسًا: ولو شديتي حيلك وخلفتي ولد جميل هتضمني إنه يفضل معاكِ طول العُمر..
أخرجها من شرودها هبوط طرف الفراش لتنظر بجانبها سريعًا فإذا به قُصيّ، بالطبع سيكون ومن غيره..
همست باسمه بخفوت: قُصيّ..
انتظرت أن يوبخها، أن يصيح ويجن جنونه ويخبرها أن لا تنطق باسمه لكن رده كان هادئ كـ أنفاسه دون ان يلتفت إليها: نعم
سألته بنبرة مرتعشة صادقة وهي على حافة البكاء: أنت مش هتبعد عني غرام تاني صح؟
أجاب بهدوء: لأ مش هتبعد عنك تاني..
أومأت بامتنان ثم هتفت شاكره: شكرًا، واستلقت ودثرت نفسها أسفل الغطاء و اولته ظهرها وظلت تحدق تجاه الشرفة و عبراتها تنهمر بغزارة..
نظر خلفه مراقبا سكونها وصمتها على غير العادة بتعجب ثم وقف وذهب إلى غرام لقد نسي تقبيلها قبل النوم..
دلف إلى غرفتها بهدوء ليجد الغرفة مظلمة وهي غافية، كاد يذهب لكن شعر بحركة غريبة فوق الفراش، تمنعن النظر إليه وهو يعقد كلا حاجبيه ليلتقط نظره ذلك الضوء المنبعث من أسفل الغطاء..
قهقهة وهو يهز رأسهُ، تلك الشقية لم تكمل هُنا يومين وتعملت تلك الحركات، سار خطوتين إلى الخلف كأنهُ خرج ثم أغلق الباب بقدميه ليجد الغطاء يرتفع بتلقائية من فوقها تلاه إخراج رأسها من أسفله تتابع ما تشاهد على الجهاز اللوحي بانتباه شديد وهي تضم يديها بجانب رأسها..
صاح باعتراض وهو يتخصر: لا والله؟
اتسعت عينيها وصرخت وهي تجذب الغطاء فوقها بسرعة ليركض ويقفز بجانبها ويقيدها مدغدغا إياها بابتسامة: بتمثلي ها مش كنتي نايمة؟
أخذت تتلوى بين يديه وهي تضحك بسعادة حتى ذهبت أنفاسها وقرر أن يرحمها وتركها تلتقط أنفاسها ومازالت تضحك برقة، صاحت بلطافة وهي تلف ذراعيها حول رقبته: ما انا صحيت يا بابي من شوية وبتفرج beauty and the beast
حملها بين يديه وهو يجلس بها هاتفا بتفاجئ: بجد!
أومأت وهي تطرف بأهدابها بلطافة ليطلب منها برجاء: تسمحيلي اتفرج معاكِ؟
التمعت عينيها ببريق طفولي سعيد ثم صاحت بحماس: طبعًا ممكن..
دثرها داخل أحضانه لتستقر رأسها فوق صدره وجذب الغطاء فوقهما وحمل الجهاز اللوحي ووضعه أمامها ثم سألها وهو يضيق عينيه: همه رقصوا مع بعض ولا لسه؟
رفعت رأسها إليه لتشعر بوغز ذقنه الشائكة لوجنتها الناعمة، مسدتها بانزعاج وهي تزم شفتيها ليقهقه ويقبلها مستمعًا إلى صوتها المكتوم: لسه يا بابي لسه ركز..
أومأ بطاعة وهو ينظر إلي مقلتيها اللامعة شاعرًا بالسعادة التي تطغى عليها، متأملا ابتسامتها المشرقة، فهو يستطيع تحمل كُل شيء فقط لأجل رؤيتها مُشعة وحيويه أمامه بتلك الطريقة، وجود جـنّـة معها شكل فارقًا قويًا لاحظه..
مرَّت نصف ساعة عليهما يشاهدان الفيلم باهتمام، فكانا طفلان يجلسان وليس واحدة، كان حماسه وهو ينتظر تلك الرقصة على أحر من الجمر يضاهي حماسها البريء، البريق المتألق داخل عينيه وهو يتذكر تلك الرقصة التي رقصها مع عشق، ذكري رقصتهم الأولي معًا، الذكر الذي أن ظل طوال حياته يحاول أن يعيدها لن يستطيع، الشعور الذي غمره ذلك اليوم لن يجربه مجددًا..
همس في أذنها بابتسامة: تعرفي أني عندي لبس الوحش!
اتسعت عينيها بمبالغة جعلته يبتسم وهو يستمع إلي سؤالها الطفولي: بجد يا بابي؟ طيب فين الفستان؟
تمتم بابتسامة حزينة وهو يستند رأسهُ فوق رأسها: مع الجميلة أكيد..
هتفت بانبهار وهي تحدق في الفستان بأعين متسعة: ده حلو اوي..
أومأ بحزن وهو يكبح الأفكار و الذكريات المكتظة داخل رأسهُ يكفي حزنًا اليوم، فماذا سيكون مصيرة أن كره نفسه أكثر من هذا؟ يكفي لن يتذكر المزيد لن يتذكر..
فتلك الذكريات الممتلئة بالكذب والتي لم تندرج تحت مسمي سوي الخداع كانت أصدق مما ظنَّ، إنهُ دون أن يدرك كان يخرج أجمل مابداخله معها كي يبهرها وقد أبهرها بحق، كان فتي الأحلام الذي تمنته دون أن تبوح بهذا، وكأنه كعكة ظلت تأكل منها كلما اشتهت دون أن تنتهي لكنها فسدت في نهاية المطاف وأفسدت ما حولها من طعام..
في مدينة الإسكندرية الآن..
تسلل جاسم ببطء وصعد إلى غرفته وسط الظلام بسبب الأضواء المغلقة، والدته نائمة وهذا جيّد لأنه لا يريد أن يتحدث معها الآن، فلن ينسى ذلك الوجه الأخر الذي لم يعرفه يومًا، يشعر أن عشق قد تم ظلمها بسبب مكوثها معهما في المنزل..
توقف أمام غرفة عشق ممتنعًا عن التقدم ودخول غرفته، أدار المقبض ودخل إلى غرقتها بتباطؤ يقدم قدم ويؤخر الأخرى، ابتسم بحزن وهو يحدق في كُل ركنٍ لدقائق يستعيد ذكرياته معها..
تقدم وفتح خزانة ملابسها لتسقط عيناه تلقائيًا على ذلك الفستان في الزاوية المخبأ خلف الكيس الخاص به..
أخرجه من الخزانة وهو يبتسم بحنين مستعيدًا ذكرى هذا اليوم بقلبٍ يختلج بين جنبات صدره..
دارت حول نفسها بابتسامة عذبة وهي تثبت الفستان فوق جسدها وضحكاتها الرقيقة تملأ الغرفة ووقعها على مسامعه كان كـ زقزة عصفورٍ رقيق..
توقفت تلتقط أنفاسها بفرحة وعينيها تجيل فوق الفستان الرائع القريب من فستان أميرة ديزني المفضلة لديها بيل ، تلمست قماشة برقة مُستشعرة نعومته بسعادة حقيقية، فكان بكتفين من نسيج شفاف ضيق من الأعلى متسع من الخصر حتى الاسفل بطبقات حريرية عديدة مبطن من الأسفل وكل طبقة أطرافها مطرزة بنقوش ذهبية رقيقة بالكاد تُرى..
همست شاكره بامتنان و مقلتيها تلمع بفرح: ميرسي اوي يا جاسم ربنا يخليك ليا جميل اوي مش عارفة اشكرك ازاي..
قرص وجنتها وهمس بحنان: اتبسطى أنتِ بس وانا هبقى مبسوط اوي..
اقتربت منهُ وطلبت برغبة حزينة لأنهُ رفض من قبل: ما تيجي معايا يا جاسم وغير جو شوية..
احتضن وجهها بملامح متأثرة آسفة و اعتذر: كان نفسي يا عشق والله بس مرة تانية، اهم حاجة تتبسطى مع صحابك وفرحيني معاكِ ها؟
أومأت و طغى الحزن ملامحها وقامت بفرد الفستان فوق السرير ووقفت تحدق به بحزن كان جلي وواضح لعينيه اللتان تنضخان بالحب..
تأوهه بحزن وهو يضم الفستان إلى قلبه بندم و يتمنى لو تعود تلك الأيام التي كانت تطلب منهُ القرب وكان يتحجج بالعمل، فما فائدته الآن هل سيجعل عشق تعود ويغير ماحدث؟ اللعنة على العمل وعلى رفضه الغبي، كانت محقة عندما تشاجرت معه ذات مرة وأخبرته أنهُ لا يحب شيء في حياته بقدر حبه للرسم ولا يتفانى في شيء سوى الرسم فهو يمكنه أن يوقف حياته ويعلق كل شيء حتى ينهي رسمته!، ومنذُ تلك المشاجرة قد تغيرت عشق معهُ وأصبح هو الذي يطلب و يترجي ولا يسمع منهُ..
استلقي على السرير وظل معانقًا الفستان بقوة كأن عشق متجسدة بين يديه، فلا يعرف ماذا يفعل عقله سينفجر من كثرة التفكير وتلك الريمة التي دخلت حياته دون سابق إنذار لا يعرف ماذا يفعل معها، فهي أتت لأجل شيءٍ ما لا يعرف كنهة وسيظل هادئ وطبيعي حتى يكتشف لأن قُصيّ ليس أحمق كي يترك شقيقته هكذا بالتأكيد لا يعرف أو هُناك خطة تتم حياكتها من خلف ظهره..
وظلَّ صافنًا يفكر ويفكر ويفكر حتي ذهب في سباته العميق..
صباح اليوم التالي..
استيقظ آدم بنشاط واغتسل وبدل ملابسه وخرج من الغرفة مستعدًا للذهاب إلى العمل بنشاط كما أخبره عمّار أمس، فتح الغرفه بابتسامة ليقفز إلى الخلف بفزع عِندما رأي والد عمّار أمامه! ما هذا؟
حدق متولي به قليلًا بملامح مكفهرة مستنكرًا موقفه ثم وبخه وهو يحرك عصاه بين يديه: واه ركبك جن ولِّيه؟ إنشف إكدِه عاد؟!
تمتم بوجه باهت وهو ينظر إليه بريبة: أنت بجد؟!
هتف بغلظة: لاع بهزار؟
اختطف آدم عصاه بغتةً علة يحلم لكنهُ يمسكها بين يديه حقًا، أعادها إليه بإحراج وهو يتحمحم ثم اعتذر باحترام: آسف كُنت بتأكده بس..
سأله باستفهام وهو يثبت عصاه أرضًا: مسلمتش ليه عاد ولا الجُلوب مِسَلّمه؟
ابتسم آدم ونفي وهو يصافحه مُرحبًا به بحفاوة: لا طبعا هسلم نورت مصر والله يا عمي، انا كنت رايح الشغل قولت اعدي على عمّار في طريقي..
ابتسم متولي ابتسامة ذات مغزى وهو ينظر إليه جعله يطرف بتعجب وهو يراقب تلك الإبتسامة! إنه يعرف كيف يبتسم ويبتسم في وجهه؟!
وكزه متولي بصدره بخفة وأردف: عارف انك مِبيّت إهنه من امبارح..
ضحك آدم ببلاهة وهو يدلك عنقه بإحراج، لهذا يبتسم يعرف ما يحدث حوله..
سبقه إلى الأسفل وهدر يحثه على التحرك بدلًا من تجمده هكذا: مَشي مَشي خلينا نفطر..
ذهب خلفه إلى الأسفل ودلف إلى المطبخ ليتوقف مستنكرًا شرود عمّار الذي يقف أمام الموقد يعقد يديه أمام صدره غير منتبهًا على البيض الذي احترق وتصاعدت منهُ الأبخرة دون أن ينتبه عليه..
إندفع آدم وأطفأ الموقد سريعًا ووكز ذراعه موبخًا إياه وهو يسعل: يا بيه يلي سرحان فوق!
استيقظ عمّار وانتبه على نفسه، نظر حوله بتشوش وهتف بتفاجئ: اتحرق؟ ليه كده دي تاني مرة!
ردّ آدم ممتعضًا: اللي واخد عقلك يا حبيبي هتولع فينا..
تنهد عمّار بـ همٍ ثم أفرغ البيض المحترق في القمامة وبدأ بتحضير آخر لكن آدم منعه وأبعده متمتمًا بازدراء: هعمله انا سيبه..
أومأ بطاعة ووقف جوارة يراقبه عن كثب حتى سأله آدم بهدوء: عينك حمره منمتش؟
تأتأ وهو ينظر عبر النافذة المضيئة باقتضاب، يضيق عينيه الحمراوتين بسبب الحُرقة التي يشعر بها من قلة النوم، لقد ضاع النوم من عينيه بفضلها أي نوم هذا الذي سيجافيه وغدًا سينقطع الخيط الرفيع الذي يتشبث به، لن يغفر لها أبدًا هذا الفعل ويقسم أن سنحت له الفرصة يومًا لن يتورع عن جعلها تندم يُجب أن تندم على تلك الأفعال فهو لن يحترق ويتألم وحده..
ـ عمّار، عمّار، عمّار.
همهم وهو يفرك عينيه بنعاس ليسأله آدم مستفسرا: مالك مش مظبوط و مسافرتش ليه وابوك ايـ..
وفر عليه حديثه الطويل وهتف بمرارة: مجاليش نوم أصل بُكره كتب كتابي أنا ونادين بكره..
التفت ينظر إليه بوجوم لـ ينبهه عمّار وهو يبتسم: البيض هيتحرق للمرة التالته ركز..
احتج آدم معترضًا: كتب كتاب ايه يا عمّار انت هتخرف؟ متبقاش غبي مش ناقصين قرف!
قهقهة عمّار وهو يحدق في الشجر الخارجي عبر نافذة المطبخ لتتلاشي ابتسامته و تتنبه حواسه وتنفك عقدة يديه على مهل مع اتساع عينيه ببعض التفاجئ، هذه مفاجأة غير متوقعة..
ترك آدم متعجبًا دون أن يحصل على ردًا منهُ وهرول تجاه الباب بأعصاب مشدودة، وضع يده على المقبض وقرب رأسهُ من الباب يحاول سماع ما يحدث خلفه في الخارج..
بينما هي كانت تقف في الخارج أمام الباب لا تعرف ماذا تفعل أو ما الذي دفعها أن تأتي إليه في هذه الساعة من الصباح، هي فقط أرادت الأعتذار لهُ تريد أن تعتذر، فأمس عِندما عاد وأخذ والده وأوصله إلى المنزل ظنت أنهُ غادر بلا عودة لكنهُ عاد وانتظرها حتى أخذت نادين بعد أن استيقظت وتأكدت من كونها بخير وعادت بسياراتها إلى المنزل بينما هو كان يسير خلفها بسيارته حتى اطمئن على عودتهم وعاد ولم تسنح لها فرصة الحديث وتشعر أنه يتعمد فعل هذا كي يري لهفتها عليه، لكنها لا تعرف أنه أن توقف للتحدث سيزهق روحها..
بللت طرف شفتيها وهي تقبض على حقيبتها بتوتر واستدارت كي تذهب فهي غبيه لكي تأتي إلى هُنا، سارت خطوتين وهي تفرك يدها لقد كانت لحظة اندفاع لن تعيد تكرارها، لكنها تريد رؤيته تريد أن تراه..
توقفت وعضت على شفتيها وعادت بخطواتها إلى الخلف عازمة على مقابلته كي تقول آسفة، هذه حجة فاشلة ولا تملك غيرها، ضغطت على الجرس وقلبها يخفق بعنف، أخرجت أنفاسها المرتعشة على دفعات وهي تبعد شعرها خلف أذنها..
رفع عمّار رأسهُ وحدق في المقبض بتردد ليجد آدم يلتصق به يشاركه أنفاسه المنخفضة، حرك شفتيه للصياح لكن عمّار استدار بسرعة و كتم فمه بيده وحذره بنظراته وهمس بخفوت: هشش ادخل حط الفطار والهي ابويا شويه لحد ما اجي يلا، ودفعه إلى الداخل دون أن يترك لهُ مجالٍ للرد..
قهقهة آدم ودلف ليصدح صوت الجرس، أخذ شهيقًا طويلًا وهو يوصد عينيه ثم فتح الباب بهدوء وتروي لتندفع كـ رصاصةٍ وتعانقه بقوة..
توقف مشدوهًا لثوانٍ لا يستوعب مايحدث حتى شعر باهتزاز جسدها بتذبذب، إنها تبكِ!
ضم قبضته بقوة حتي ابيضت كابحًا رغبته في ضمها إلى صدره كي يفهم أولاً ما يحدث هذا ما أملاه عليه عقله لكن قلبه كان لهُ رأيًا آخر، وتلقائيًا ارتفعت يديه تضم خصرها النحيل بلهفة حتي لم تعد قدميها تلامس الأرض وقفصه الصدري يكاد يتهشم من عنف تلك الخفقات، أوصد عينيه بقوة وأسند رأسهُ فوق رأسها بمتعة وعبقها الأخاذ يضرب أنفه يسكره والنعيم الذي يحلم به والراحة التي يعجز في الحصول عليها تكمن هُنا في أحضانها..
كان مشهدًا حميميًا رائعًا يستحق التصوير والاجتهاد
كما كان يفعل الرجل ويبذل مجهودًا كي يظهران بوضوح..
انتقل كفه إلى شعرها يمسح عليه بحنان هامسًا بقلق استشفتة في نبرته: مالك؟
ابتعدت قليلا و أراحت يدها على صدره المختلج شاعرة بذلك القلب الهائج أسفل راحة يدها، إنه يحبها بصدق وتصدقه لكن هذا قدرهما لن يجتمعا معًا، لكن ما يحدث في قلبها لا تستطيع التحكم به هي الأخرى..
رفعت رأسها، تلتقط أنفاسها بصعوبة كاتمة انينها، تجفف عبراتها بحالةٍ رثة ووجها متخضب بالحمرة، و بنبرة مرتعشة همست وهي تنظر داخل خضراوية المتلألئ داخلها بريقًا من الأمل قطعته: أنا آسفة..
ارتخت قبضته حولها وتحول ذلك البريق لـ لهبٍ مُشتعل وغلت الدماء داخل عروقة، هل قطعت الطريق كي تعتذر؟ لن تلغي الزفاف بل جاءت تعتذر وقلبه يهفو عليها! هل تُريد أن تجلطة؟
اهتزت مقلتيها وانسلت عبراتها وهي ترى نظراته المميتة إليها لتكرر الاعتذار بقلة حيلة: أنا آسفة..
اكفهر وجهه أيما اكفهرار وهدر بتهكم وهو يقبض على مرفقها هازًا جسدها بين يديه بعنف: آسفة على ايه؟ عشان هتجوزيني بنتك وأنا عايزك إنتِ؟ شكرا جدًا ليكِ ودلوقتي مع السلامة، وعقب قوله بدفعها خارجًا وصفق الباب في وجهها..
نظرت حولها برؤية ضبابية ثم أجهشت في نوبة بكاء وهي تغمر وجهها بين يديها أمام الباب دون أن تتحرك خطوة واحده وتبتعد..
شدَّ شعره بقوة ونفرت عروقة من فرط الأنفعال وهو يدور في مكانه بجنون خلف الباب مستمعًا إلى صوت بكاءها من الخارج باستنكار لمَ تبكِ ما خطبها أليس هذا ما تريده، يقسم إن كان والده غير موجود لعقد قرانه عليها الآن ولم يكن ليتركها تذهب سوى وهي إمرأته دون أن يعبأ برفضها..
هدر بنبرة جهورية من الداخل استمعت إليها: امشي من هنا مش عايز اشوفك..
ـ بيصرخ علي مين دِيه؟، كان سؤال متولي قبل أن يقف كي يرى ما يحدث لكن آدم أوقفه وهتف بابتسامة متوترة: كمل فطارك يا عمي تلاقيه بيهزر مع حد من الجيران ولا حاجة..
فتح الباب بقوة وتركه يصطدم في الحائط مدويًا صوتًا مرتفع واندفع إليها متهجما مكفهرًا كـ عاصفة، قبض على ذراعها بعنف وجرها خلفه لتشهق بألم وهي تحاول التحرر لكنه لم يكترث بها وتمتم بتهكم لاذع وهو يفتح سيارتها ويدفعها داخلها بعنف: آسفة، جاية تشفق عليا، شكرًا اركبي..
كادت تكتفأ على وجهها إثر عنفه لكنها تماسكت وتشبثت في مقدمة قميصه لـ يزمجر بغضب جامح جعلها تنكمش وتلتصق بالمقعد و شهقاتها تتعالي كـ طفلة خائفة وجسدها ينتفض فقبض على فكها وسألها هادرًا بعصبية: أنتِ عايزة تجننيني؟ هـــاااا؟ أتفضلى إمشي إمشي..
أومأت بوجل وهي تمد يدها إلى المقود ليبتعد ويصفق الباب منتظرًا ذهابها، لملمت شتات نفسها و أدارت محرك السيارة وهي تنظر إليه عبر النافذة، نظرة لن يفهمها لكنهُ قرأ من خلالها الخذلان قبل أن تذهب وهذا جعله لبرهة يفكر أن يلحق بها ويسألها عن ماهية هذا الخذلان! من مِن بينهم الذي من المفترض أن يشعر بالخذلان هو أم هي؟ هو لم يشعره أحدًا بكونه سيئًا بقدرها! لم يجعله أحدًا صاغرًا أمام نفسه سواها! لم يري نفسه منحطًا دنيئا قبل أن يقابلها قط..
وهذا فقط لأجل معاملته لها رغم كونه كان صادقًا ولم يخدعها بخلاف الدنئ الأخر الذي قضى معها فوق الخمس عشر عاما وفي النهاية تكتشف حقيقته السيئة وتوافق على الزواج به بسهولة كأنها صيّدًا سهلا للجميع عداه هو وهو لا يعرف!.
عاد إلى الداخل لـ يكشفا الرجلان المختبئان خلف أحد الأشجار عن نفسيهما..
همس أحدهم للأخر بضجر: مش كفايِة إكدِه عاد؟
هزَّ الأخر رأسهُ بنفي وهو يحدق في الصور الذي التقطها بفخر وهتف بتحاذق: يا بجم لو رجعنا بالصور ديّ لـ سيدي خليل بس هناخد فلوس! ولو رجعت بالصور وبته هنبجي دراعة اليمين..
همس الأخر بتفكير وهو يحك ذقنه: تجصد إيه عاد؟ هنخطفوها ولِّيه؟
أومأ الأخر و هو يبتسم هاتفًا بثقة: سيدي جال لو جبناها تبجي طاقة الجدر انفتحتلنا ومش هرجع غير وهيه معايِه..
حذره الأخر بخوف: متجربش مِنيها نسيت ممدوح لما جفشه عمّار وهو بيحاول يخطفها؟ خده وياه معرفش فين إكدِه وبعدين رجع البلد ومخرجش من دواره لحد دلوك!
ضحك الأخر بسخرية وتمتم بازدراء: اني مش ممدوح بينا ياض وراها نشوف عترمح فين تانيّ..
في الداخل..
ـ فينك يا ولدي؟، سأل والده عِندما رآه يتقدم..
ابتسم عمّار في وجهه وهو يجلس بهدوء متمتما بنبرة عادية وبدأ يتناول الطعام: موجود اهه..
تناول لقمة اثنتين ساحقا الطعام بقسوة حتى وصل لآدم صوت صكيك أسنانه وبقية الوقت قضاة يهز قدميه بتوتر وهو يفكر بشرودٍ قطعة قول والده: بكرة بعد كتب الكتاب اني راجع البلد عشان بجهز انا وعمك رايحين الحج ولازم تكون في البلد متهملهمشي وحديهم في الدُوار..
ابتسم عمّار باتساع وأكد على قوله: يمكن امشي معاك كومان متجلجشي..
أومأ برضا وهو يقبض على عصاه الأبنوسية ليطلب آدم منه بتضرع: متنسانيش في الدعاء يا عمي..
سألهُ بابتسامة: ادعيلك بإيه يا ولدي؟
قال آدم بعد تفكير دام لثوانٍ: ادعي ربنا ياخدني عشان ارتاح..
ضرب عمّار كتفه بغضب جعله يتأوه وهو يوبخه بحدّة: تموت ايه يا حيوان أنت ادعيله يتجوز البت اللي عايحبها اسمها لمار..
سعُل آدم بحدّة وبصق المياه التي كان يرتشفها ورد لهُ الضربة بقوة سائلا باستنكار: لمار مين؟ أنت مجنون ولا ايه؟ الغي الدعوة دي يا عمي هي الاولى حلوة..
هز متولي رأسهُ بيأسٍ منهما ثم سأل عمّار باستفهام: جهزت نفسك ولا لاه؟ كتب الكتاب هيكون الساعة 8 في فندج (، ) تكون هناك جبليها بكام ساعة إكدِه وليك اوضه تلبس فيـ، اوقفه عمّار مستفسرًا بعدم فهم: فندق؟ ليه ده كتب كتاب نكتبه عندهم في البيت عادي يعني فندق وليله ليه مش عايز!
ـ أعدل لسانك العوِج ديه واتحددت كيف الخلج!
صاح وعنفه بعصبية شديدة وهو يضرب عصاه الأبنوسية أرضًا بقوة.
ليتنهد عمّار واسند جبينه فوق راحة يديه بـ هم وحرك شفتيه كي يعتذر لأنه يعرف أن هذا أكثر مايغضب والده لكنه قاطعه وتحدث بغلظة فصمت يستمع إليه باهتمام: أم العروسِة عايزة إكدِه عشان الفرح هنعمله في البلد واني وافجت واتفجت..
فرك عمّار حاجبه وهو يهمهم بتفهم ثم سأل مستفسرا بابتسامة مبتسرة: ورأيي؟
قست ملامح والده وسأله بتهكم: وهو في جول بعد جولي؟
نفي عمّار وهو يمسد جبهته بتعب: العفو بابوي مقصدش بس اني اللي عتجوز!
ردّ بجدية وقد علم من نبرته أنهُ قد حسم أمره: رأيك وعرفته جبل سابج لما خطبتها وجبتها وسطينا معلوم؟
أومأ عمّار وهو يبتسم وقال مؤكدًا على قوله: معلوم، معلوم
مرت بعض الساعات وعادت ليلى إلى المنزل في وسط النهار بعد أن أنتهت من التسوق وأكدت على حجز القاعة وبعض الأشياء الخاصة..
دلفت إلى المنزل وهالة الحزن تحوطها، تحمل حقائب المشتريات بين يديها، وزعت أنظارها في غرفة الجلوس بلهفة باحثة عن نادين بعينيها لكنها لم تجدها، تبسمت وصعدت إلى غرفتها الخاصة فبالتأكيد مازالت نائمة فهي لم تتركها أمس ونامت جوارها..
وثبت إلى الغرفة لتتسع ابتسامتها عِندما رأتها تبتسم وهي تتوسط السرير تعبث في هدايا عيد مولدها، الهدايا! لم تفتحهم بعد لقد نسيت أمرهم..
انتهبت نادين على وصولها فاعتذرت بعبوس: ملقتش حاجة اعملها لما صحيت ولاحظت الهدايا مقفولة فتحتها سوري..
قبلت ليلي وجنتها وقالت بحنو: ولا يهمك يا حبيبتي حلوين؟
أومأت بحماس وقالت بابتسامة: تحفة تحفة يا مامي وعمّار جبلك حته فستان حلو اوي اوي استني هوريهولك..
تلاشت ابتسامتها وأوقفتها قبل أن تفتح الصندوق قائلة بابتسامة باهتة: سيبك بس دلوقتي من الهدايا وتعالى شو في الفستان اللي جبتهولك عشان بكره.
طغى الحزن ملامحها وزاغت عينيها وهمست بضياع: بكره!
أومأت ليلى وهي تبتسم بنعومة قائلة بحنان بالغ: اه يا حبيبي وهتبقي أجمل عروسة تعالي شوفي الفستان..
في منزل قُصيّ..
وثبت إلى غرفة غرام تتأكد من استيقاظهما لكنهما مازالا نائمين!، تنهدت بتعب وهي تتقدم منهما بانزعاج فما خطبهما لم يستيقظا والليل سيحل!
أخذت الجهاز اللوحي من يد قُصيّ المستغرق في النوم يضم غرام مدثرًا إياها داخل صدره بحرص ويديه تحيطانها وينامان براحة تامه، يبدو أنهما ناما في ساعةٍ متأخرة من الليل، حاولت فتح الجهاز لكنهُ مغلق نفذت بطاريته من استخدامهما..
جثت على ركبتيها أمام السرير وتأملت قُصيّ عن قرب بهيام ورفعت يدها إلى وجهة لكنها توقفت متمنعه وضمت قبضتها بقوة فهي لن تضايقه وتخنقه، مسحت على شعر غرام الحريري وهي تبتسم بعذوبة ثم همست بإسمها بخفوت رقيق: غرام حبيبة مامى مش هتصحى بقي؟
استيقظ الشخص الخطأ إثر تلك الهمسة، حرك جفنيه ببطء وثقل كأن النوم لم يجافيه منذُ عقود، همهم وهو يحرك رأسهُ بكسل متمتمًا بنعاس: الساعة كام؟
ردَّت بهدوء وهي تتفحصه بنظراتها: العصر قرب يأذن متهيألي..
هبَّ فجأة من محله وانتصب جالسًا بثمالة وهو يتذكر الطبيب اللعنة ينتظره وسيوبخه لأنهُ تأخر، قفز مغادرًا الفراش وركض إلى الغرفة كي يتجهز ويذهب دون أن ينبس بحرفٍ معها، نظرت في أثره بتعجب ثم صعدت وأخذت مكانه بجانب غرام وضمتها بحنان وبدأت توقظها برفق..
انتهى من ارتداء ملابسه في وقتٍ قياسي وبدأ الألم الشديد يزحف إلى أعلى بطنه ليسرع أكثر وأخذ سيارته وانطلق إلى المستشفى كي يقابل الطبيب والألم يصاحبه..
توقف في الممر وسأل أحد الممرضات وهو يلهث وملامحه تتقلص بألم: لو سمحتي ألاقي فين دكتور شـ..
ـ جيت؟، اخترق الصوت أذنه، بل ثقبها فلتفت بلهفة وتوسل بحالةٍ يرثي لها: الحقني بحاجة مش قادر استحمل..
أخرج علبة صغيرة من جيب معطفه وقذفها إليه بينما يقول: خُد حبيتين وتعالي ورايا على المكتب..
أومأ بطاعة وأخرج ثلاث حبات وأخدهم دفعة واحدة وليس اثنين كما قال ثم هرول خلفه وهو يتوعدة فهذا الرجل يضع كرامته أسفل الأقدام بسهولة ولا يهمه أحد ولا حتى هو..
ـ يومين بالكتير اكون ظبط مع الدكتور الاجنبي وهتصل بيك عشان تسافر معايا وتعمل العملية..
قطب جبينه وهتف بعدم فهم وهو يعدل جلسته: عملية ايه معلش؟
تنهد الطبيب وهتف وهو يتفحص ملامحه باحثًا عن رد فعل: بقول تعمل العملية، نستأصل الورم يعني..
همهم قُصيّ وسأله ببعض الاستنكار: ومين قال اني عايز اعمل العملية؟!
هتف الطبيب ممتعضًا: اومال حضرتك عايز ايه؟
قال ببساطة وهو يهز كتفيه: ولا حاجة شويه الوقت اللي باقيين ليا في الدنيا زي ماهو واضح هعيشهم طبيعي زي ما انا عايش دلوقتي ولا مستشفيات ولا عمليات مش عايز..
سأله بحدّة: حد قالك أنك غبي قبل كده؟
قهقهة وهو يومئ وهتف بسعادة: من ساعة ما اتولدت بسمعها منك..
ضرب بقبضته على سطح المكتب وأعاد بازدراء: وأديك هتسمعها مني تاني بطل غباء واجهز مش هسمحلك تموت! أنت لسه في البداية ونجاح العملية متأكد منهُ مالك في ايه؟
ابتسم قُصيّ وقال بهدوء وهو ينظر إليه: مالي؟ مش عايز أكمل الوقت اللي باقيلي في المستشفى! حضرتك دكتور وخبير متعرفش أن السرطان مجرد ما تشيله من هنا هيروح حته ثانية! وهتشيله تاني وهيروح حته تالته؟ وكل شويه عمليات ولما اخرج واشم نفسي أكتشف اني ضيعت عمري في العمليات ومبقتش انفع وبعدين اكتئب ولما اتقبل وضعي وأخيرا اتفاجئ أن السرطان رجع تاني؟ نهاية السرطان معروفة متقوليش لازم تحارب ومتخلهوش يهزمك والكلام ده والنبي عشان كله بيموت في الأخر! دي حرب أخرتها معروفة بس كله بيكابر وانا مش هكابر..
سأله بغضبٍ جام: تقدر تقولي هتعمل ايه لما حالتك تتأخر وينتشر في جسمك كله؟
قال ببساطة وهو يكاد يضحك: هموت هعمل ايه يعني؟
خلع نظارته وقذفها بوجه مكفهر وسأله بعصبية: قُصيّ أنت جاي توطي ضغطي؟
نفي بقوة وهو يضحك: لأ انا برد عليك بس!
احتج معترضًا بعدم رضا: ولما الوجع يزيد هتعمل ايه؟ فاكر الحبوب دي هتفضل تسكن الألم كتير؟ أبوك لو كان عايش كـ..
قاطعه بنبرة أقرب للسخرية: أبويا مات بنفس المرض لو لسه فاكر يعني!
صاح يذكره بتهكم: وأنت عارف أنه كان ماشي في العلاج كويس وكان هيخف لولا اللي عمله عمك كان زمانه معاك دلوقتي..
تأفف قُصيّ وهتف بحنق: لو سمحت مبحبش اتكلم في الموضوع ده وده اللي عندي مش هتعالج أنا حُر..
طفح الكيل منه وطرده بحدَّة: أخرج بره يا قُصيّ..
طرف بتعجب وهو ينظر إليه ثم هتف بحزن: كده بتطردني وأنا ايامي معدودة في الدنيا؟
أعاد بحدَّة مضاعفة وهو يقذف في وجهه الاوراق بغضب: بره، بره..
ضحك قُصيّ وهو يقف وهتف باستياء: دي مش معاملة دكتور لمريضة أنا هشتكيك على فكره..
حذره بنفاذ صبر: لو مخرجتش هخليهم يكتفوك وهحبسك هنا لحد بكره وهسفرك غصب عنك..
رفع يديه مستسلمًا وهو يبتسم بينما يقول: لأ وعلى ايه انا ماشي مع السلامة..
التفت وغادر لكن قول الطبيب استوقفه: مش عايز تربي بنتك؟
زفر وهو يبتسم بعصبية ثم استدار وهتف بضيق: أنت بتستفزني ليه؟
ابتسم الطبيب وقد علم أنهُ قد ضغط على الوتر الحساس لديه فاستطرد بثقة: بُكره يا قُصيّ هتكون مجهز كل حاجة وهتسافر و هتحارب مش عشانك عشان اللي بيحبوك..
بينما في هذه الأثناء، في مقر عمل ليلى..
كانت لمار تجلس خلف مكتبها تمسك هاتفها تتجول بين صور آدم بحزن متمتمه باستياء: أنت مجرم أنت سرقت قلبي..
تنهدت بكسل و أراحت رأسها فوق لوحة مفاتيح الحاسوب وحفزت نفسها بحزم وهي تغلق عينيها: هبقي جدية وهحافظ علي كرامتي ومش هكلمه تاني أبدًا أبدًا، انا استاهل اللي حصلي استاهل بختار غلط كُل مرة وفي الأخر انا اللي بطلع وحشة وبتصرف تصرفات غبية..
ـ لمار، لمار، الأجازة اللي طلبتيها اتوافق عليها..
رفعت لمار رأسها إلى زميلتها وهتفت بثقة: كُنت عارفة انا من ساعة ما اشتغلت مخدتش اجازة هاجي اطلب يقولوا لأ! لأ مينفعش..
سألتها باستفهام: أنتِ هتاخدي أجازة ليه مسافرة؟
هزت رأسها بنفي وتوسدت ذراعها وهتفت بخمول: لأ هقعد في البيت عندي اكتئاب ومش عارفة أعمل حاجة في حياتي..
أومأت بتفهم وتركتها وعادت تمارس عملها بإنغماس..
ثقلت أنفاسها وأوصدت جفنيها وكادت تذهب في ثباتٍ عميق لكن رنين هاتفها أفزعها..
رفعت رأسها فجأة وردت بنعاس: الو، ليلي! انا الحمدلله تمام وأنتِ، بكره؟ طبعا طبعا قبل المعاد هكون عندك و مبروك ربنا يتمملها بخير مع السلامة..
أنزلت الهاتف عن أذنها بتعجب وهي تعقد حاجبيها وتمتمت لنفسها بعدم فهم وهي تلملم أغراضها كي تذهب: عمّار ونادين؟ ازاي يعني؟
بعيدًا عن هُنا داخل أحد المطاعم الفاخرة المكتظة بالزبائن..
كان قُصيّ يجلس يحدق في الخارج عبر الخارج بشرود و عقله هذا العقل المضني من كثره الأفكار كان سابحًا بعيدًا منشغلا بـ جـنّـة، هل يعطيها فرصة أخري ويبدأ من جديد؟ فهي والدة طفلته في النهاية و سيظلا مرتبطين، فلديه سبب وجيه كي لا يبتعد، غرام لن يقصر بحقها ويبعدها عن والدتها مجددا سوى عِندما يشعر بأن لا شيء يجدي وستظل حاقدة كارهه حتى النهاية..
راقب ذلك الرجل الذي ترجل من سيارته على الجهة المقابلة بمهابته وثقته اللا متناهية ليعقد قُصيّ كلا حاجبيه وضيق عينيه في محاولة لمعرفة هوية ذلك الرجل الأصلع لكن ذاكرته المعطوبة لم تسعفه كثيرًا ولم يذكره..
ـ حضرتك تطلب ايه؟
داعب ذلك الصوت حواسه وشعر بلذة لا توصف أدت إلى انفراج شفتيه عن ابتسامه رائعة، أنه يهذي فما الذي سيأتي بعشق إلى هُنا؟
تأففت عشق بخفوت وهي تخفض رأسها تقبض على الدفتر المقوي الصغير الذي تكتب به الطلبات منتظرة رده لكن لم يأتها ردًا بعد..
فأعادت بنبرة نافذة: تطلب ايه؟
مسد جبينه وهو يخفض رأسه ليلتقط بصره تلك الساق الناعمة التي تقف أمامه، رفع رأسهُ بتعجب تزامنًا مع رفع رأسها بوجه مُحتقن غاضب ليتدرج بألوان قوس قزح فجأة وتتسارع دقات قلبها داخل قفصها الصدري عِندما أبصرته يجلس..
تمتم بعدم تصديق وهو يشملها بنظراته المتعجبة: عشق؟ بتعملي ايه هنا؟
زاغت عينيها وطرفت بشكلٍ متكرر وهي تزدرد ريقها بصعوبة تستعيد رباطة جأشها وقبضتها تشتد فوق الدفتر بقوة، ورغبه جامحه حستها على الاقتراب وضمه بقوة، لكن جسدها المتيبس لم يساعدها كثيرًا.
حركت شفتيها وحاولت التحدث لكنها لم تستطع إخراج حرفًا بسبب هذا الضغط النفسي الجسيم، ضمت يدها إلى صدرها بارتباك عِندما رأت نظراته تخترق دبلتها الذهبية التي لم تكن لتجرؤ على ارتدائها سابقًا كأنها تخجل منها، تشجعت وسألته بنبرة مهتزة وهي تخط فوق الدفتر بأنامل مرتجفة: حضرتك تطلب ايه؟
نظر إليها بحنو وهو يبتسم وظن لوهله بأن خللا ما أصاب قلبه منذ أن وقعت عينيه عليها، لا يصدق أنهُ يراها، لقد تركها وحدها في الحفلة دون أن يقول شيء بالتأكيد شعرت بالخذلان وأي خذلان، فكما يبدو أنها لا تُريد أن تتحدث معهُ وهو لن يضايقها فليتركها تستعيد نفسها وتتحسن حالتها أولًا..
عِندما تستطيع أن تنظر إليه دون أن تتحاشاه، أن تتحدث دون ارتجاف، أن تقف بثبات وجرأة دون تذبذب، سيعتبر تلك إشارة كي يبوح إليها بكل شيء..
طلب بهدوء وهو ينتقل بنظراته إلى دبلته الفضية: عايز قهوة..
أومأت بطاعة واستدارت كي تذهب لكن سؤاله أوقفها: مش هتسأليني عايزها إيه؟
أجابت بخفوت وهي تبلع غصة مريرة: انا عارفة، وتركته ومضت في طريقها وغشاوة رقيقة لمعت داخل فيروزتيها..
خلع معطفه وفتح زرين من قميصه بسبب الحرارة التي شعر بها مصحوبة بآلام معدته الضارية وتفصد جبينه بالعرق، أخرج الحبوب بسرعة وهو يضغط على أسنانه بقوة، فهو إن ظل على هذا المنوال سيبدأ بأخذ تلك الحبوب كـ السكاكر والطبيب اللعين سوف يذله إن نفذت منهُ وسيجبره على خوض الجراحة..
دقائق مرت عليه وهو يجلس يوزع نظراته بين دبلته الفضية والخارج عبر النافذة وقدميه تهتز بقوة وتوتر، اخترقت رائحة القهوة أنفه جعلته يبتسم وهو يلتفت إليها، قربها منهُ شاكرًا دون إضافة شيءً آخر ليتذوقها مع التفاتها ومغادرتها لتتوقف بعد خطوتين عِندما سمعت قوله: دي مسكرة اوي!
أخرجت آهه متعبة من بين شفتيها وامطرت السحب المتكدسة وانسلت عبراتها واحده تلو الأخري بغزاره وهي تستعيد تلك الذكري، إنه يقصد أن يذكرها بهذا يعبث بها، يشعر باللذة عِندما يتلاعب بمشاعرها، يحب أن يذكرها دوما أنها لن تتخلص من حبه مهما حاولت فلن ينتزعه أحدًا من قلبها لأنه ملكه! لقد أتي كي يثقلها بالمزيد من الهموم..
جففت عبراتها وهي تستنشق ما بأنفها ثم استدارت وعادت إليه، مدَّت يدها تحملها وهي تعتذر برؤية مشوشة: آسفة هجيب غيرها حالـ، توقفت عِندما أمسك ساعدها ونفي بهدوء: لا كويسة كده مُتشكر..
نزعت يدها سريعا من أسفل ده وهي تومئ ثم استدارت وذهب مهرولة حتى اختفت عن وقع أنظاره، تنهد وإرتشف قهوته بحزنٍ طغى على ملامحه، إن كتمها للبكاء قد وصل لذورته وهو متأكد أنها تبكِ في أحد الزوايا الآن يعرفها أكثر من نفسها، وعلام يبدو أنهما عادا غرباء وهذا لا يستوعبه كيف يصبحان غرباء بعد كُل هذا بسهولة؟! هذه فكرة لا يقبلها..
اختبأت خلف الحائط وظلت تبكِ وتنوح بقلبٍ مُنفطر وهي تقبض على قلبها بعذاب غارزة أناملها في بشرتها بقسوة تُريد إنتزاع هذا القلب، فهذا الألم الذي تشعر به لا يحتمل تريد انتزاع قلبها من محلهُ كي ترتاح، وجوده معها في مكانٍ واحد لا يشعرها بالأمان..
جففت عبراتها بعنف وهرولت إلي غرفة مُديرها، دلفت إلى غرفة مديرها دون طرق أو استئذان ودون أن تعتذر عن هذا ثم هتفت بصوتٍ مبحوح: أنا عايزة اخد باقي اليوم اجازه مش هقدر أكمل..
وقف عن مكتبه وهتف باستنكار مُزِج بتعجب وهو يقترب منها: اجازة؟ ده اول يوم ليكِ؟
أومأت بتفهم ثم قالت وهي تستدير كي تذهب: تمام انا مش جاية الشغل ده تاني..
اتسعت عينيه وأوقفها سريعًا بقوله بانفعال: ثواني، ثواني لو تعبانة اوي ممكن تاخدي النهاردة وبكره كمان اهم حاجه راحتك..
أومأت بتفهم ثم شكرته بامتنان: شكرًا لحضرتك، وتحركت للخارج وأغلقت الباب خلفها وذهبت..
ركل الطاولة بغضب وهو يشتم ثم عاد وجلس على مقعده بضيق يفكر في طريقةٍ لإستمالتها..
أبعد قُصيّ نظره عن النافذة عِندما رآها تخرج بعد أن بدلت تنورة العمل القصيرة الضيقة وقميصها الملحق بها بملابسها المعتادة بنطال وكنزه، ألهي نفسه بالتفكير ومراقبه الجميع حتي تختفي نهائيًا من هذه المنطقة فلا يُريد أن يعرف أين تعيش ولا أين ستتوقف لا يُريد لا يضمن أن يعود إلى المنزل إن عرف هذا..
بينما هي صعدت إلى العمارة التي بها عيادة وليد دون تردد أو تفكير، فهي كانت ستهاتفه بعد انتهاء دوامها على أي حال كي تأخذ معاد..
كان وليد في هذا الوقت يجلس خلف مكتب مساعدته يحدق في الورقة التي تركتها لهُ يقرأها بتركيز وهو يتذكر مقتطفات مما حدث أمس على مهل، كيف انتهي به المطاف نائمًا الغبي المستهتر كيف؟ صباحًا رأتهُ نائمًا وذهبت كيف كانت وضعيته يا تري؟ ماذا ظنت وقالت عنهُ؟
أخفاها خلف ظهره بسرعة عِندما تناهى إلى مسامعه صوتها المتسائل أمام الباب المتروك مفتوح على مصراعيه: ممكن أدخل؟
أومأ مشدودًا وهو يقذف الورقة داخل سلة القمامة بجانب قدميه بشكلٍ غير ملحوظ..
دلفت بتباطؤ تقدم قدم وتؤخر الأخرى، جلست مقابله وبدأت في التحدث والاعتذار بصوتٍ مبحوح وآثار البُكاء تظهر على وجهها دون أن تترك لهُ مجال للحديث: أنا آسفة علشان باجي بشكل مفاجئ من غير معاد بس انا امبارح كُنت محتاجة حد اتكلم معاه آسفة لو سببتلك ازعاج مكنتش أقصد..
أومأ بتفهم وهو يرسم ابتسامة ملاطفة كي يزول عنها البأس وأردف بهدوء: ولا يهمك محصلش حاجة.
أومأت بخفة وهي تفرك يديها معًا تفكر حتى تذكرت الورقة من الصباح فقالت ومقلتيها تتسع بانفعال: انا سبت ورقة الصبح وكتبت فيها رقمي حضرتك شوفتها؟
هزَّ رأسهُ بنفي وبحث بين الأوراق التي أمامه وقال بجهل: لا مفيش متأكده إنك سبتيها؟
أومأت وهي تمد يدها بين الأوراق وبدأت في البحث معهُ باهتمام وهي تقف ليبتسم ويتابع بحثه عن الورقة معها بتركيز..
أوقفها مشفقًا عليها بسبب بحثها بتفانٍ ولا وجود لها من الأساس، حضها على التوقف وهو يقول بلكنه مميزة: خلاص مش مهم أنتِ هنا بنفسك وتقدري تقولي رقمك، وعلي فكره رقمي مكتوب لو بتاخدي بالك من الاسم..
شعرت بالغباء لوهلة ثم جلست وتمتمت بتلقائية: أه، أه، شُفتها لما كُنت بتنضفها ووقعت و، توقفت لاعنة غبائها أمام نظراته المتفاجئة وارتفاع كلا حاجبيه الكثيفين، بللت طرف شفتيها بتوتر وكادت تتحدث لكنه سألها وهو يضيق عينيه: أنتِ اللي ضحكتي عليا لما وقعت؟
هزَّت رأسها بإيماءة خافته وهي تبتسم بتوتر ثم هتفت مبررة: مكنش قصدي أنت بس شكلك كان مضحك شويـ، توقفت الكلمات في حلقها عِندما اضجع على المقعد وأسند راحة يده أسفل وجنته يستمع إليها باهتمام منتبهًا لكل حرف يخرج من بين شفتيها، تحمحمت وصمتت قليلًا تفكر فيما تقول ثم بعفويةٍ وسأم من كثرة التفكير قالت: مينفعش نتحاسب على حاجة حصلت قديمة! أنت وقعت وشكلك كان مضحك فا ضحكت انا مش غلطانة!
أومأ بتفهم وقال بانبهار أضحكها وهو يتحرك بالمقعد: اقنعتيني عندك حق انا الغلطان..
ضحكت بخفة وصوتٍ خافت ليتوقف وليد عن الحركة بل عن التنفس متأملًا ضحكتها الرقيقة وبراءة الأطفال في عينيها فقط كيف يكون ما قصتة عليه صحيحًا، لن يقول أنها ملاك ولا حورية من الجنة بل سيقول أنها جميلة وتملك ملامح بريئة وشخصية هادئة لا يتوقع قط انها ستخبرة شيئًا مثل هذا عنها..
هزَّ رأسهُ بأسف منغمسًا مع أفكاره لتسقط عينيه فوق الورقة داخل سلة القمامة ليسألها فجأة أجفلها: أنتِ قولتيلي أسماء كل الشخصيات في حياتك إلا هو قولتي سيد ق اشمعنا؟ هو شخصية معروفة ولا حاجة يا عشق؟ مش عشق بردو؟!
أومأت وهي تزدرد ريقها بحلق جاف ثم قالت بنبرة مهزوزة: انا كده مرتاحة أكتر معلش..
عقد يديه أمام صدره وهتف ممازحًا كي يزول البأس عنها فهي كُلما أتت بسيرة ذلك الرجل تتبدل ملامحها وتبهت كـ عجوز: وأنا كده هشك في أي حد اسمه يبدأ بحرف القاف ينفع؟
ابتسمت بنعومة وأطرقت رأسها كي لا يرى ترقرق عبراتها المخزية داخل مقلتيها لكنهُ رآها وشعرها المعقود كذيل حصان لم يخفي وجهها عنهُ، تنهد وليد وترك محله وسارع بالتقاط علبة المناديل الورقية ووضعها أمامها ثم جلس مقابلها وسألها ذلك السؤال الذي يلح عليه من أمس لكن النعاس لم يترك لهُ المجال كي يسأل: حبتيه امتي؟ أو اكتشفتي انك حبيتيه امتي؟
انسلت عبراتها ورفعت رأسها قائلة بنبرة مرتجفة: حفلة، في حفلة كان عاملها في الفندق اللي احنا كُنا نازلين فيه، جابلى فستان وجالي الاوضة وقالي مستنيكِ، أنا اتحمست اليوم ده وكُنت مبسوطة جدًا، جهزت نفسي عشان أنزل الحفلة بس في آخر لحظة رجعت في كلامي ومنزلتش مش عارفة ليه بس حبيت أشوف رد فعله، كُنت عايزاه يجي ويقولي أنتِ مجتيش ليه ويتكلم معايا بس مجاش وانا اضايقت ونمت اليوم ده بس كان عندي أمل اني ممكن اشوفه تاني يوم، لأن سبب سفرنا من الأول حفلة تنكرية هنعملها بس على البحر كُنا مجهزين اللبس وكل حاجة جيبينها معانا، وجه تاني يـ..
قاطعها وليد مستفهمًا وهو يرتشف بعض المياه: أنتِ قُلتي رحله تبع الجامعة صح؟
أومأت وفهمت ما يحاول قوله لتقول ببحة وهي تجفف عبراتها: دي كانت رحلة عادية رايحينها وعميد الجامعة كان موافق عادي لكن أول ماعرف إن فيها حفله موفقش ومرضيش يمضي وكان هيلغيها بس حصلت مشاكل كتير بسببها لأننا بنخطط للرحله دي من فترة كبيرة و اجلناها كذا مره بسببه، عشان كده استسلم وسبنا نروح مع كام دكتور وعميد على مسؤوليتهم همه..
أومأ باهتمام يحثها على التكمله لتسطرد بابتسامة مشرقة وبريق لامع يتلألأ داخل مقلتيها يراه لأول مرة: لبست الفستان اللي جاسم جبهولي كان قريب أوي من فستان الأميرة من فيلم (beauty and the beast)، روحتلهم على الشط كُنت حاسه أني اميرة وانا ماشية على الرملة الفستان منفوش والشموع جنبي من هنا ومن هنا الهوي كان هادي وجميل بس وقفت في نص الطريق وكُنت هرجع لأني حسيت أني طفلة اوي وهبله في نفس الوقت بسبب الفستان عشان كلهم تقريبا كانوا متنكرين في شخصيات شريرة الجوكر ودراكولا وكتير تاني انا الوحيده اللي كُنت أميرة وسطهم حسيت بالغرابة ولفيت ورجعت تاني لكن اتشنكلت في نص الطريق وكُنت هقع على وشي..
اندفع وليد وتابع هو: وسيد (ق) بالصدفة لحقك قبل ما تقعي صح؟، ضحكت وهي تهز رأسها واستطردت وهي تشرد بتلك الذكرى المحببة إلى قلبها: المفاجأة مكنتش أنه لحقني! كانت في اللبس بتاعة تخيل أنه كان لابس بدلة الوحش؟ انا من الصدمة معرفتش اتكلم متوقعتش ان حاجة زي دي تحصل،.
طلب مني الرقص ومد ايده وانا تلقائيًا مشيت معاه وعيني متعلقة عليه وعلى ضحكته وعينه اللي بتلمع! كان قُصيّ تانى مختلف عن اللي انا شيفاه دلوقتى تماما..
أومأ وهو يبتسم بخفة ولا يعرف أن كانت لاحظت أنها أباحت باسمه أم لا..
ـ الموسيقي العالية فجأة وقفت والكل بعد عن الطريق ورقصنا مع بعض لوحدنا، بس انا ساعتها مكنتش برقص انا كُنت بطير اليوم كان خيالي بمعنى الكلمة، مستحيل أنساه حسيت أن حلمي وانا طفلة بأمير يجي ياخدني على الحصان بيتحقق بس نسيت في الوقت ده اني المفروض مِلك واحد تاني..
سألها مستفسرا: طب أنتِ محاولتيش أنك تعرفي اذا كان كل ده مقصود ولا لأ؟، نظرت إليه بعدم فهم ليستطرد: قصدي انه بالبدلة ويجي الحفلة! هو كان معزوم اصلا؟
هزَّت رأسها بجهل وأعربت عن سعادتها بقولها: انا مكنش في حاجة في دماغي ولا حاولت افكر كل ده حصل ازاي لأني كُنت مبسوطة جدا بس سألته عن البدلة وقولتله جيبها منين قالي عاملها عند ابو ذوذو الترزي.
ضحكت في نهاية قولها وهي تجفف عبراتها وتابعت بوجل: كملنا باقي السهرة على البحر وفضلنا نتكلم طول الليل واحنا بنتمشي لحد الصبح تقريبًا، بعدها سلمت عليه وشكرته وطلعت اوضتي وانا عارفة اني مش هقابله تاني ورغم حزني بس كُنت مبسوطة لأن مينفعش احب حد تاني او اقابله وانا متجوزة بس مجرد ما دخلت اوضتي فضلت أعيط..
ـ ليه؟
همست بنبرة حارقة وهي تلوح بيدها: لأني فكرت لو خالتو مكنتش جوزتني لجاسم كان ممكن يكون في فرصة لينا مع بعض ومكنش كل ده حصل واحتمال كُنا نتجوز..
سألها مستفهما: نفسك تتجوزيه؟
أجابت بابتسامة باهتة طغى عليها اليأس وهي تهز رأسها: كان حلمي، انا بحبه ومش قادرة انساه ومش عارفه، انا اديته كل حاجة وعايشة على الذكريات، طول الوقت بقنع نفسى ان مفيش قُصيّ وكل حاجة انتهت وببني سور عالي بيني وبينه وبحط ميت خطة وميت رد شرس بس اول ما بشوفه كل ده بيتبخر، بيثبتلى أن القوانين اللي بحطها لنفسي تمشي على الكُل إلا هو، افتكرت ان كل حاجة انتهت ومش هشوفه تاني بس رجع يظهر فجأة زي ما كان بيظهر قبل كده..
ـ كان بيظهر فين؟
سكن جسدها وتوقفت عن الانتفاض وهدأت قليلا ثم أجابت وهي تسبل جفنيها: لما رجعت قُلت خلاص مش هشوفه وحكاية وانتهت لكن لقيته بيظهر قدام الجامعة وكل مكان اروحه تقريبا..
هزَّ رأسهُ بتفكير جازما بسذاجتها الواضحة من حديثها: وأنتِ شايفة ان دي كمان صدفة؟
نظرت إليه بعدم فهم وهي تهز رأسها: اومال ايه؟
مسح وجهه وهو يتنهد من الأعماق ثم وقف وأردف بهدوء: ثواني بس هعمل قهوة لأني مصدع..
أومأت موافقة وهتفت بخفوت: اتفضل..
احتضنت ذراعيها ووقفت وسارت تجاه النافذة كي تستنشق هواءً نقي وتتوقف عن النهنه كـ طفلة، حدقت ناحية شرفتها المضيئة من هُنا بسكون وهي تطلق أنفاسها على دفعات كي تهدأ، حتى مر بعض الوقت..
ـ اتفضلي، استدارت عِندما سمعت صوته لتنفرج شفتيها عن ابتسامة رقيقة وهي تأخذ كوب النعناع الدافئ من بين يديه..
شكرته بامتنان وهي تلف أناملها حوله: متشكرة أوي..
ابتسم ملاطفًا ووقف جوارها يحدق في الخارج قليلا يأخذ رشفة كُل برهة وأخرى وهو يفكر بعمق وكلا حاجبيه معقودين بانزعاج، نظر إليها ثم هتف بهدوء وهو يستند على إطار النافذة: بصي يا عشق..
نظرت إليه باهتمام وكلها أذان مصغية تستمع لمَ يقول: امبارح أنتِ حكيتي كُل حاجة وبالرغم اني عارف اني مش هشوف الشخص ده ولا هقابله صدفة بس عندي فضول أعرف هو مين عايز أعرف اسمه وده من إمبارح بس و حسب كلامك إنك فضلتي معاه سنين من غير ما يعرف أسمك ولا حاجة عنك ده معقول وكلام منطقي حد يسمعه يصدقه! أسف ليكِ يا عشق بس أنتِ مش إله ولا جمالك خارق ولا حب عمره عشان يتجاهل حاجة زي دي ويكمل عادي وهو مش عارف اسمك مستوعبه؟!
تجمعت العبرات مقلتيها وهمست بانكسار وهي تبلع غصتها: ماهو عشان أنا مش أكتر من علاقة رخيصة وهتعدي يهتم ليه ويبحث عني!
هزَّ رأسهُ بيأس وسألها باستنكار: وإيه اللي يخليه يثق فيكِ اوي كده مش يمكن أنتِ مش كويسة وهتصوريه وتبتذيه وممكن تفضحيه مثلا؟!
نفت هذا برفضٍ قاطع وهي تهز رأسها: محدش فينا كان بيفكر بالطريقة دي وأنا حقيقي كل اللي كان يهمني إنه يفضل جنبي بس مش اكتر..
أومأ بتفهم ثم سألها سؤالا آخر قلب أفكارها رأسًا على عقب: مسألتيش نفسك إيه السبب اللي يخليه يتحايل عليكِ ويمنعك ترجعي لـ جوزك وبعدها بكام يوم يرجعك هو ويعمل فضيحة وسط الناس؟ مش هو مكنش مستعد يبعد عنك؟ فجأة إستعد! وبعدين إزاي مراته شبهك أوي كده رغم ان مفيش أي صلة قرابة بينكم لا من قريب ولا من بعيد! دي لو أختك التوأم هيبقى فى فرق اكتر من كده ازاي جاسم ميفرقش بينكم وكان هيتجوزها؟ مش ملاحظة ان في حاجة أكبر من الحب في الموضوع؟
هزَّت رأسها بعدم فهم وهي ترفع راحة يدها تطبطب بها فوق جبينها الذي أخذ في التعرق رغم برودة الطقس..
تلعثمت وهي تحاول أن تبرر: هـ، هـ، هو جاسم معذور لأنها فعلًا شبهي وانا افتكرتها انعكاسي في المرايه لما شوفتها! بس، بس، الباقي مش عارفة سببه وهو قلي مصدقش أي حاجة يقولها وهيرجع و هيتجوزني و و..
لاحت ابتسامة ساخرة على محياة وهتف باستخفاف لم يتحدث به قبلا معها: وطبعا أنتِ صدقتيه لأنك بتحبيه ونسيتي كل ده؟ وده نفس اللي حصل في الحفلة كانت هتموتك وأنتِ عادي الموضوع عدي و مفكرتيش فيه وليه عشان بتحبي قُصيّ! مش اسمه قصي بردو؟
أومأت بانكسار وهي تطرق برأسها ليتسطرد بانفعال:
أنتِ انسانة ساذجة..
انهمرت عبراتها وهي تشهق بحرقة جعلته يشعر بتأنيب الضمير، فما دخله ولمَ ينفعل؟!
هتفت بحرقة وهي تتوسله بنظراتها الضائعة: عارفة عشان كده جيت أطلب مساعدة ساعدني..
اعتذر باقتضاب وهو يمسح على ذقنه بكفه: آسف مقـ، أوقفته وهتفت بسرعة تمنعه من التكملة: متعتذرش أنت عندك حق انا ولا زعلانه ولا متضايقه انا بس محتاجة مساعدة ساعدني عشان انا مش عارفة اعمل ايه ولا اتصرف ازاي معاه لما أشوفه؟!.
دلف مصطفى إلى شقة سالي الذي سجلها باسمها من وقتٍ قريب فقط..
صاح باسمها بعصبية وهو يحل رابطة عنقه: سالي، سالي، سالي..
خرجت من غرفة النوم وهي تتثاءب بنعاس، اسندت ظهرها على إطار الباب بدلال برقبةٍ ملتوية ونظرة ثاقبة تشمله..
جلس على الأريكة، خلع حذائه و قذفه أمامه بإهمال وهو يتأفف، ثم نزع رابطة عنقه باختناق شاعرًا بثقلٍ يجسم فوق صدره، تقدمت منهُ متهادية بخطواتها، ترتدي قميصها البيتي القصير الملتصق عليها مبرزًا مفاتنها ومنحنياتها الصارخة بالأنوثة..
أجلي حنجرته وهو يشملها بنظراته الراغبة وتفاحة آدم لا تتوقف عن التحرك بتذبذب، جلست بجانبه وحرصت على رسم الجمود على ملامحها كي تظهر غضبها وعدم نسيانها تلك الصفعة وهي تضع ساق فوق الأخرى ببرود، لكنهُ لم يلاحظ هذا كان في مكانٍ آخر ينظر إلى قميصها القصير الذي انحسر منحسرًا معهُ يتأمل فخذيها العاريين..
أخرج العلبة المخملية من جيب سترته سريعًا وركع أمامها على ركبتيه مبتسمًا وبهيامٍ قال وهو يمد الخاتم إليها: أنا آسف متزعليش مني بحبك ومستعد اجيب المأذون دلوقتي ونكتب الكتاب عشان اثبتلك إني بحبك وأمي مش بتتحكم فيا..
أنزلت ساقها بابتسامة رائعة و أخذت الخاتم ببطء وهي ترفع كلا حاجبيها بتفاجئ لم تخفيه عن نظراته المترقبة، قبلت جبينه بنعومة ثم أردفت بنبرة غير سلسلة غلفها المكر وهي تحثه على إدخال الخاتم في بنصرها بنظراتها: الجواز حاجة عادية وانا عارفة اننا هنتجوز رسمي في يوم من الايام، مصطفى لو عايزني أصالحك بجد اكتبلي الشركة بإسمي..
تلاشت ابتسامته بسرعة البرق ونظر إليها نظرة معبرة ثم هتف مستنكرًا هذا القول الغير معقول والجرئ منها: الشركة مرة واحدة يا سالي؟ دي حتى مش بتاعتي وفي ماما وآدم معايا اكتبهالك ازاي؟
داعبت وجنته بنعومة وابهامها يسير فوق شفتيه بإغراء هامسة بدلال: خلاص اكتبلي جزء من أسهمك مش أنا وأنت واحد؟ مش أنا اللي بساعدك على طول في الشغل؟ مش في الوقت اللي أنت بتكون قاعد بتعمل تليفونات وتحجز عشان نسافر نقضي وقت مع بعض أنا بكون بأخلص شُغلك؟ مستاهلش ثقة جوزي حبيبي ولا ايه؟
مالت وطبعت قبلة اعلي ثغرة بدلال مثير ثم جذبت رأسهُ إلى صدرها وهمست وهي تخلل أناملها في شعرة مداعبه جعلته ينتشي والحرارة تدب في أوصاله: لما تقرر وتوافق انك تديني أسهم هتلاقيني مستنياك في أوضه النوم، وعقبت قولها بوقوفها وعودتها إلى الغرفة سيرا تتمايل بغنج أنثوي وهي تبتسم بخبث فهي تعرف تأثيرها عليه جيّدًا، سيأتي ومتأكده من هذا لأنهُ لا يُفكر سوى في رغبته ويُحب النساء كأي مدير عمل ماجن فاجر لكنهُ ليس بفجور الآخرين هو يتزوج وهي عرفت كيف تسيطر عليه قبل أن يهرب، تعرف سبب تمسكه بـ تالين إلى الآن وموافقته على الزواج بها، ليس لأجل والدته بل لأجل جمالها إنهُ يُبدل بينهما كي لا يشعر بالملل، لايضيع وقت بتاتا..
زفر بانزعاج وهو يفترش الأرض بجسده يفكر بعمق وجدية فهذا ليس بمزحة، ماذا تريد بالأسهم ماذا ألا يكفيها ما يمنحه إليها؟
تسارعت أنفاسه وبدأ بالفعل يتعرق من الانفعال، حلَّ أزرار قميصه وقذفه ثم وقف ودلف خلفها إلى الغرفة، فما المانع من أن يتقاسم معها أمواله لا مشكلة إنها زوجته، وهو يُحب صراحتها معهُ تستحق لأنها تساعده كثيرًا..
في اليوم التالي..
تنهد بوهن وهو يصعد درجات السلم حتى يصل إلى غرفة ابنه الذي مازال نائمًا إلى الآن..
صاح وهو يضرب الباب بيديه بقوة كي يستيقظ: رامي، أنت يا رامي..
تقلب بانزعاج وهو يهمهم ثم دفن رأسهُ أسفل الوسادة بكسل، دفع والده الباب بقوة جعله يصطدم بالحائط وهو يصيح أثناء تقدمه منهُ: أصحي يا حبيبي الليل هيليل وأنت لسه نايم!
مطّ جسده بكسل وهو ينتصب جالسًا لترتطم الوسادة في وجهه سطحته مجددًا، ضحك بثمالة وهو يدثر نفسه أسفل الغطاء ثم همس بخفوت: تصبح على خير..
جذب الغطاء عن جسده بعنف وقذفه أرضًا موبخًا إياة: قوم يا بأف عندنا فرح..
عقد كلا حاجبيه ثم انتصب جالسًا بسرعة ونظر إلى والده نظرة مُعبرة وهو يضيق عينيه: فرح مين؟ أنت هتتجوز تاني يا بابا؟
تناول الوسادة من فوق الاريكة وقذفها عليه بغضب وجلس مغمغمًا بضيق وهو يفرك يديه: البنت اللي كنت عايز اجوزهالك هتكتب الكتاب النهاردة..
قهقهة رامي وهو يخفي فمه بـ كفه ليهتف والده بتهكم: شيل إيدك شايفك..
ابتسم رامي وهتف مواسيًا: عارف أنك نفسك تفرح بيا بس مش بالطريقة دي يابابا! انا معرفهاش و عمري ماشُفتها ربنا يسعدها بقي وبعدين قولتلك ان في بنت عجبتني وبدور عليها ولما الاقيها هاخدك و نروح نخطبها أكيد..
هتف ممتعضًا: دور براحتك اهي راحت مننا و عشان كده هتيجي معايا الفرح لازم تتحسر عليها..
ضحك رامي بتسلية وهتف بتعجب: ايه الاب ده؟ أتحسر ليه وانا معرفهاش يعني؟ وبعدين مهما كانت حلوه مش احلي من اللي انا شُفتها، ثم وقف على ركبتيه وهتف بنعاس وهو يمط ذراعيه: على العموم يا والدي هاجي معاك مش عشان اتحسر لأ عشان زهقت من النوم..
منزل ليلى الآن..
كانت نادين جالسة ترخي رأسها إلى الخلف تغمض عينيها براحة تاركة العنان لـ لمار المحنيه فوقها تعبث في وجهها بمساحيق التجميل، منهمكة والشغف يشع في مقلتيها فمن أحد أمنياتها التي تعرف أنها لن تتحقق أن تفتح مركز تجميل خاص بها..
أطلقت لمار صيحة فخر بنفسها وهي ترتفع بجسدها باسطه كفها أسفل ذقن نادين تتأمل عمل يدها بتمعن وتركيز لتبتسم برضا ثم همست بخفوت تحثها على فتح عينيها: خلاص خلصنا فتّحي عينك..
حركت جفنيها وفتحت عينيها ببطء لتجد لمار تقف فوق رأسها، ابتسمت في وجهها ثم رفعت رأسها وحدقت في انعكاسها في المرآة بابتسامة باهتة، إنها جميلة لكن هذا ليس وقت السعادة..
شكرتها بامتنان دون أن تواري حزنها: شكرا جدًا يا لمار انا معرفتش نفسى..
ربتت على كتفها وهي تضحك بنعومة ونفت وهي تمسح على شعرها المُصفف برقة: متقوليش كده أنتِ امورة خالص و دلوقتي بقي اسيبك تلبسي الفستان و هشوف لي لي بتعمل ايه، أومأت نادين وهي تبتسم بخفة مراقبة ابتعادها وخروجها من الغرفة، لتنظر إلى نفسها في المرآة بنظرة معبرة قبل أن تهبط بنظراتها فوق الساعة الرجالية الأنيقة التي وضعتها فوق المنضدة أمامها، تناولتها وقامت بفردها فوق كفها وظلت تحدق بها بعمق، هي خلاصها ودليلها الوحيد الذي تملكه كي تُبرئ نفسها..
طرقت لمار فوق الباب طرقتين وظلت واقفة حتى سمعت صوت ليلى تأذن لها بالدخول، ادارت المقبض ودلفت بهدوء لـ تستدير إليها ليلي وهي تميل برأسها تدخل القرط داخل أذنها، اتسعت ابتسامة لمار وهي تتفحص هيئتها الرقيقة، فكانت ترتدي ثوب أسود ثقيل بأكمام يشبه السترة بشق من المنتصف داكن يملؤه خطوط ذهبية طولًا وعرضًا يصل إلى ما قبل ركبتيها بقليل، وفرقت بين شعرها وجمعته معًا كـ كعكة أنيقة..
التقط نظر لمار دبوس الشعر اللامع الموضوع فوق المنضدة فأخذته ثم وقفت خلف ليلى وقامت بوضعه فوق كعكتها بابتسامة ودوده هامسة بانبهار: ايه القمر ده بس!
تبسمت ليلى وربتت على كتفها بينما تقول بلطف: ميرسي يا حبيبتي تسلميلي أنتِ القمر..
بادلتها ابتسامتها بأخرى متحيرة وهي تبلل طرف شفتيها وذلك الفضول يقتلها لا تستطيع الصمت لن تصمد يُجب أن تسألها كي ترتاح، أمسكت كفيها بين يديها بتأثر وسألتها بنبرة غلفها بعض الحزن: ليلى انا عارفة أن عمّار بيحبك أنتِ وعلى حسب شعوري ونظرتي فأنا شايفة انك عارفة ويمكن تكوني بتبادلية نفس الحُب كمان عشان كده بسألك ايه اللي بيحصل؟ نادين ازاي تتجوز؟
تكدست الغيوم في عينيها وشعرت بالحرقة وهي تحرك أهدافها بسرعة كي لا تنسل عبراتها وسط ثورة النفس تلك واختلاج قلبها المنهك فهي تعهدت لنفسها بعدم البُكاء، لن تبكِ..
ابتلعت غصتها المريرة ثم همست بخفوت وهي تشد على يدِ لمار تستمد منها قوة مزيفة: نادين بنتي يا لمار وهي اغلي حاجة في حياتي وانا عمري ما شُفتها مبسوطة أوي كده غير لما قابلت عمّار، يمكن قرار جوازهم مش عادل بس هو الحل الأنسب ليهم، أنا عرفت عمّار وعارف إنه مش ظالم و هيخلي باله منها كويس حتي لو محبهاش بس انا متأكده إنه هيحبها لما يقرب منها أكتر والقرار ده مفيش رجوع فيه..
هزَّت لمار رأسها بنفي وهتفت بحزن شديد: غلط كده هتظلميها؟
جذبت ليلي كفها من لمار بحدّة وهتفت بحنق مستنكرة قولها: أظلمها؟ أظلمها عشان بجوزها الشخص اللي بتحبه وكانت هتموت عليه؟
خللت أناملها داخل خصلات شعرها الكثيف وهي تتنهد ثم سألتها بفقدان صواب بسبب عمي بصيرتها: أنتِ ملاحظتيش الحزن اللي في عينها ووشها المطفي؟ ده شكل واحدة مبسوطة؟
احتجت ليلى كي تقنعها بيأس ولا تعلم أتقنع نفسها أم هي: هي بس تلاقيها مضايقة عشان كانت عايزة تتجوز لما تخلص الجامعة وتتخرج الاول وده مش هيغير انها بتحب عمّار..
عضَّت لمار على شفتيها وهي تنظر إليها بقلة حيلة ثم سألتها باستفهام: بس انا عرفت من عمّار أنك حطة في دماغك ان الجواز بالنسباله عشان يخلف بس مش اكتر من كده! فكرتك اتغيرت يعني؟
صمتت ليلى وظلت تنظر إليها بتمعن وهي تتساءل بنفسها لأى مدي وصلت علاقتها بـ عمّار كي تعرف كل هذا؟ فهو لا يبدو مُحبًا لصداقة الفتيات ولا لشيء هذا الفحل! تعترف أن شخصية لمار جميلة وتخطف القلوب ببرائتها وعفويتها، لكن عمّار!
أبعدت تلك الأفكار عن رأسها ثم أخذت شهيقًا من الأعماق وقالت بعملية وهي تتحرك: انا هشوف نادين عشان منتأخرش..
أومأت بهدوء والتزمت الصمت وهي تذهب خلفها فلن تتدخل مجددًا بشيء لسانها هذا والفضول الذي تملكه هو من يفسد عليها حياتها..
طرقت الباب بخفة ثم وثبت إلى غرفة نادين تزامنًا مع خروجها هي من الغرفة، اتسعت ابتسامتها عِندما أبصرت والدتها تتأمل هيئتها بحنان والسعادة تغمر قلبها..
أدمعت عينيها بتأثر أمومي وضمتها إلى صدرها بدفء هي تمسح على شعرها هامسة بحنان: حبيبتي ماشاء الله عليكِ زي القمر، ربنا يحفظك ويتملك بخير ويسعدك دايمًا قولي آمين..
ضحكت برقة وهي تريح رأسها فوق كتفها كابحة رغبتها في البكاء هامسة بتمني: آمين..
جففت لمار عبراتها بضجر وهي تلعن نفسها بسبب تأثرها ثم صاحت بمرح كي تبعد الحزن عن الأجواء: مش يلا بينا بقي ولا ايه؟
أومأت ليلى وهي تحسها على التحرك: نادين تاكل الاول عشان مأكلتش من الصبح وبعدين نمشي..
أومأت لمار بابتسامة وهي تبعد شعرها خلف أذنها بأناملها برقة ثم ساعدت نادين في النزول من على السلم برفق بسبب كعب حذائها المرتفع بينما ليلى كانت تسير خلفها بفرحة ونظرها معلق على ذيل فستانها الطويل بانتباه كي لا تدعسه عن طريق الخطأ..
فكان فستان نادين حريري رقيق لونه نبيذي قصير يصل إلى ركبتيها بذيلٍ منفصل من الخلف ارتدت معهُ حذاء مرتفع نفس اللون، وصففت شعرها بعناية وتركته مسدولًا، وزين وجهها الباهت ببعض مساحيق التجميل الصارخة من أيدي لمار..
بينما لمار كان فستانها بني داكن أسدلت كتفيه وزينت عنقها بقلاده صغيرة رقيقة متماشية مع قرطها، ووشاح شفاف كانت تحوط به كتفيها الناعمين مع القليل من مساحيق التجميل التي أبرزت بها ملامحها الناعمة وانتعلت حذاء ارضي..
بينما في هذه الاثناء في منزل قُصيّ..
كان يقف أمام المرآة يعقد رابطة عنقه بتركيز وعقله سابحًا بعيدًا تحت مسمي غيمة التفكير فيما سوف يفعل وأين ستؤول به حياته وكيف ستنتهي اللعنة التي يعيش داخلها..
بينما جـنّـة كانت تلعب مع غرام في غرفة الجلوس لكن مهاتفة والدها هي من جعلتها تصعد إلي هُنا تحادثة وابتسامة رقيقة تعتلي ثغرها وهي تجلس على السرير تختلس النظر إليه كُل برهة وأخرى..
ضيق قُصيّ عينيه وابتسم وهو يحدق عبر المرآة في تلك الرأس الصغيرة التي تختلس النظر إليه من خلف إطار الباب وسرعان ماتختفي عِندما يلاحظ وتعود لمراقبته من جديد عِندما يبعد نظرة..
عاد بخطواته إلى الخلف، يسير بظهره وعينيه معلقة على المرآة مراقبًا الجروة الشقية التي تراقبه..
صاح وهو يلتفت إليها سريعًا: قفشتك..
ضحكت بصخب وركضت هاربة لكنهُ قبض عليها ورفعها بين يديه وهو يضحك أثناء عجزها عن التملص من بين يديه: هتروحي مني فين مستخبيه ليه عايزة ايه؟
لفت يديها الصغيرة حول رقبته متذمرة وهي تلاعب قدميها في الهواء: خلصت لعب ومش لاقية حاجة اعملها وزهقانة أوي يا بابي..
فكر قليلا وهو يضم شفتيه ثم سألها: تيجي معايا الفرح؟
أومأت بحماس وتوسلته بلطافة: بجد! موافقة خدني معاك خدني معاك..
ضحك وضمها بدفء ثم قبل وجنتيها وهو يتقدم بها إلى جـنّـة التي كانت تراقبهما بحنان، وضعها فوق قدميها لتحوطها سريعاً كي لاتسقط تزامنا مع قوله: لبسيها عشان هاخدها معايا دلوقتي..
هزَّت رأسها بخفة وهي تبتسم مراقبة عودته أمام المرآة لتتابع حديثها في الهاتف كأنهُ لم يقل شيء، ارتدي سترته فوق القميص بعصبيه وهو يحدق بها عبر المرآة بجمود، الا تفهم؟
مشط شعره بحركة عصبية ثم عاد ونزع الهاتف من بين يدها أجفلها، قذفه بعيدًا فتدحرج وسقط أسفل الكومود هادرًا بحدّة حاول بقدر الأمكان أن يكون هادئاً من أجل غرام التي تشاهد: انا مش قُلت قومي لبسيها؟ ابوكِ هيطير! اتفضلي قومي..
نظرت إلى الهاتف بحزن ثم قالت بانصياع وهي تقف بـ غرام: حاضر..
زفر وجلس محلها باقتضابٍ وهو يحدق في أثرها بجمود، ستظل تغضبه وتفقده صوابه وعِندما يتصرف بعنف تنصاع وتصمت كـ حملٍ وديع كي يؤنب نفسه وتكون هي الضحية البريئة وهو الجلاد الظالم..
جثى على ركبتيه وبحث عن الهاتف براحة يديه بضجر ليعقد كلا حاجبيه عِندما التقط ورقة مقوية وكما يبدو من ملمسها أن داخلها أقراص حبوب، ازاحة وأخرجه أمامه ثم تابع البحث متأففًا حتى شعر به أسفل يده فأخرجة بضيق وانتصب ثم جلس فوق الفراش، وضع الهاتف جانبًا و نفض كفيه معًا بقوة وأخذ يقلب الورقة بين يديه بعقدة حاجبيه..
مسح وجهه بعصبية وهو ينظر إليه بتدقيق، هذه ليست حبوب مسكنة للآلام ولا للصداع ولا لأي شيء لم يراها من قبل بالتأكيد يعود لـ جـنّـة هي من تأخذ حبوب صُداع كثيرًا رُبما نوعًا جديد لكن أليس غريب يشبه المخدرات؟!
أخرج قرص وتفحصه بعينين دقيقتين يبحث عن أسم أي شيء قد يعرف بها نوعه وهو يكذب نفسه بالتأكيد لن تقدم على فعل هذا لن تتهور! ازدرد ريقه وذكريات تلك الليلة تتوافد على عقله، هذه الحبة شبيهة باللتي ابتلعها ذلك اليوم بسبب الصداع وبعدها لم يدري بشيء كأنهُ خاض رحلة بعيدة دون أن يذكر تفاصيلها!
أخذ الهاتف الخاص بها مشدودًا وبحث عن ذلك الشعار المنقوش فوق قرص الحبوب باهتمام، مضطربا أيما اضطراب وهو يهز قدميه بتوتر منتظرًا نهاية بحثه، فهو يحاول باستماته أن يصلح ما تبقى بينهما وهي لا تساعد بتاتًا لا تساعد..
فتحت الغرفة بابتسامة إلى غرام التي سبقتها مهرولة إلى والدها بحماس، توقفت عن التقدم خلفها عِندما رأت المرآة مهشمة وهاتفها ساقط أرضًا أمامها بشاشة محطمة، ازدردت ريقها بخوف وانتقلت بنظراتها إلى قُصيّ لتتجمد الدماء داخل عروقها وتتعالى خفقاتها رعبًا، فهو لن يبقى على حياتها تلك المرة سيقوم بخنقها كما فعلت مع عشق، منعت غرام من التقدم ثم طلبت منها برفق بنبرة مهتزة وهي تمسح على شعرها: غرام يا حبيبتي ممكن تستني بابا تحت عشان هنتكلم مع بعض؟
أومأت بطاعة وهتفت بفرحة وهي تقفز تلاه ركضها إلى الخارج: هروح عند عمتو..
تقدمت منهُ بخطواتٍ متذبذبة تُقدم قدم وتؤخر الأخرى، تفرك كفيها معًا حتى تعرقا فلا مبرر لأفعالها وتستحق كل ما سيحل بها، توقفت أمامه وهي تطرق برأسها بخزي وصدرها يعلو ويهبط بعنف أمام نظراته الجحيمية الصادرة عن عينيه الدامية التي أحرقتها حية وقتلتها مئات المرات بشناعة، نفرت عروق قبضته من قوة شدة عليها كي لا يقوم ويهشم رأسها تلك المدمنة، ظن أنهُ سيء لكنها الأسوأ على الإطلاق..
قرأت ما يجول داخل عقله وعرفت مصيرها من نظراته، تعرف ماذا سيفعل لن يضربها ولن يعنفها نظرته تخبرها أنه سيفعل شيء أكثر ألمًا من كُل هذا..
ركعت أمامه على ركبتيها وحاولت الشرح والتبرير دون البكاء لكنها عجزت واجهشت في البُكاء: والله يا قُصيّ والله أنا بطلت وخدت قرار نهائي بكده، انا، انا، الفترة الأخيرة كُنت تعبانة بطريقة متتخيلهاش والله مكنتش قادرة استحمل حياتي، انا مش مبسوطة ولا سعيدة بنفسي عارفة اني غلطانة واستاهل اي حاجة تعملها فيا بس هو ده اللي كان مصبرني وبيفصلني عن الدنيا من غيرة معرفش كنت هبقى فين دلوقتي..
ضحك بسخرية وهو يهز رأسهُ ثم جأر وهو يقبض على فكها بقسوة وهدر بنبرة اتهام: تبقي فين؟ تبقي معايا في السرير..
هزَّت رأسها وهي تشهق ووقفت على ركبتيها أمامه قائلة بتبرير وهي تضع يديها فوق ركبتيه وعيناها تفيض من الدمع: لأ والله لأ، لما غرام رجعت قررت هبطل عشانها عشان أبقي أم كويسة ورميت كُل البرشام ودي كانت أخر واحده هاخدها بس رجعت عشان ارميها والله كنت هرميها بس ملقتهاش، اكتشفت بعد كام ساعة أنك خدتها، وحياتك عندي مكنتش عايزاك تقربلي وأنت في الحالة دي بس مقدرتش أبعدك لأنك كُنت وحشني..
قست ملامحه فوق تجهمه وتمتم بتبلد وهو يدفع رأسها للخلف بعنف: أنتِ عارفة أن البرشام ده ممكن يجننك يا متخلفة؟
هزَّت رأسها بهيستيريا ونفت وهي تشتنشق ما بأنفها بحالةٍ مذرية: مش ده، اللي في ايدك هو اللي بيعمل كده وده قديم كان ضايع ومعرفش راح فين ومبقتش أخد منه..
هل تخبره بكل وقاحة أنها تبدل بين النوعين الآن!، نظر إليها بقرف وغمره الاشمئزاز وهو يفكر بأنها كانت حُبه يومًا ما، من الخسارة حقًا أن يستنفذ طاقته عليها..
تمتم ببرود وهو يقف: متزعليش من اللي هيحصل بقي انا اديتك فرصتك وضيعتيها..
صرخت بحرقة وهي تهز رأسها وتشبثت في قدمه قبل أن يذهب متوسله بتضرع: لأ، يا قُصيّ اسمعني بالله عليك اسمعني متخدش غرام مني متخدهاش قـ..
قذف الحبوب عليها ودفعها من أمامه بسأم وغادر، فركوعها تلك المرة لن يجدي نفعا معهُ ولن يجدي مجددًا، لن يقع في نفس الفخ مرتين على يديها..
ـ غرام، غرام، يلا، صاح وهو يصفق باب الغرفة خلفه بعنف، لتقفز غرام من على قدم ريمة سريعًا لكن ريمة رفعتها من خصرها وهي تضحك، ثم طبعت قبلة فوق وجنتها وأوصتها: اديها لـ بابا وقوليلي ريمة بتقولك متزعلش، يلا..
أومأت وركضت بحماس إلي الأسفل..
مسد جبينه وهو يتحدث بثقل متجاهلا قهقهات الطبيب المنتصر بعد سماع موافقته على خوض الجراحة، فهو لن يترك طفلته مع مدمنة..
غمغم بغضب: كفاية ضحك بدل ما ارجع في رأيي!
توقف الطبيب ثم هتف بحنو: بكره بليل هتسافر جهز نفسك، أومأ وهو يتنهد بقوة وهمهم ليعتلي ثغرة ابتسامة حانية عِندما سمع صوتها الذي يقترب منهُ أكثر فأكثر.
حملها من الأرض وضمها إلى صدره بقوة وهو يشدد قبضته حولها لتقبل وجنته بدورها هاتفة برقة: عمتو بتقولك مش تزعل وخد البوسة دي..
دسّ رأسهُ في شعرها وهو يضحك ثم سألها بهمسٍ غلفه حنان بالغ: انا بحبك اوي عارفة كده ولا لأ..
رفعت رأسها واحتضنت وجنتيه براحتي يديها
وهتفت بابتسامة بريئة وهي تحرك أهدابها ومقلتيها تلمع: وانا كمان بحبك أوي أوي..
فلم يكتفي بهذا القدر من الحُب والكلمات المعسولة.
فهمس بالروسية وهو يقبل يدها:
Я тебя люблю
(أحبك)
ابتسمت بلطافة وقامت بالرد:
Я так тебя люблю, мой принц
(أحبك كثيراً يا أميري)
رفع كلا حاجبيه بتفاجئ وسألها وهو يضيق عينيه:
О, я твой принц?
(أوه، هل أنا أميرك؟)
أومأت و أجابت بثقة وهي تلثم جبهته:
Конечно, мой принц, ты герой моей истории
(بالطبع يا أميري أنت بطل قصتي)
شدد قبضته حولها بتأثر وهمس بسعادة:
Боже мой, мой кот хорошо вырос
(يا إلهي قطتي نمت بشكلٍ جيد).
ضحكت بنعومة وهتفت مشاكسة مثلما تعلمت من ريمة:
все это благодаря твоим деньгам папа
(كل هذا بفضل أموالك أبي)
ضحك وقرص وجنتها بخفة ثم أجلسها داخل السيارة جوار مقعدة ولف حزام الأمان حول خصرها ثم استقل السيارة وغادر مع كتلة اللطافة إبنته..
في هذا الوقت تحديدًا في الفندق داخل احدي الغرف..
وثب آدم إلى الغرفة وهو يثرثر أثناء تحديقة في حِلة عمّار التي يحملها بين يديه: قوم يا عريس عشان تلبس المأذون جه وأبوك قاعد معاه تحت مستنيك..
لم يأته رد، فوضعها من يده واستطرد وهو يخرجها من الكيس الخاص بها: ليلي اتصلت على تليفونك وعشان انت ناسيه معايا رديت انا لقيتها لمار المهم جهزتلك البدلة السودة بس لمار قالت إن نادين لابسة نبيتي فا غيرت البدلة كُلها عشان تبقوا زي بعض ايه رأيك؟ عمّار جايين في الطريق قوم إلبس!
لم يأته ردًا منهُ بل وجده يقف من مكانه وأقبل عليه بوجه جامد جعله يجزع وكاد يهرب راكضًا لكنهُ توقف عِندما أخذ عمّار البدلة منهُ وقذفها أرضًا ثم أخذ السوداء ودلف إلى دورة المياه كي يرتديها..
تنهد آدم وكاد يجلس لكن سمع طرق الباب، ابتسم وهرول إلى الباب بحماس لأنه يعلم هوية الطارق..
فتح الباب بابتسامة سرعان ما تحولت إلى نظرات تعجب عِندما وضع قُصيّ طفلة بين يديه بابتسامة بلهاء وهو يقول أثناء دخوله وغلق الباب خلفه: سلِّمي على طنط يا حبيبتي، عمّار، عمّار أنت فين؟!
قبلت غرام وجنته وهمست بلطافة: ازيك يا عمو..
نظر آدم إلي وجهها بتمعن ثم إلى قُصيّ وتمتم بتعجب: قصي أنت بقيت تخطف أطفال ولا ايه؟ مين دي؟ دي شبهك!.
ضحك قُصيّ ونظر إليه نظرة ذات مغزى بينما يقول: شبهي تبقي ايه؟
اتسعت عينيه وهزَّ رأسهُ وهو يتمتم بعدم تصديق: لأ، أوعي تقولها؟
ابتسم قصي وهو يومئ وحرك يديه يحثه على التكملة: ايوه ايوه قولها قول قُصيّ دي بنتك ايوه بنتي ايه!
أبعد آدم نظره عنهُ ثم نظر إليها مجددًا بذهول وهتف باستنكار: ازاي يعني؟ جت أمتي؟ من مين عشق؟
اختفت ابتسامة قُصيّ وهتف بهدوء: لا جـنّـة، فين عمّار عشان اتكلم مرة واحدة؟
ـ قول سمعك، التفت إثر صوته البارد ليبتسم ببلاهة وهو ينظر إليه ويدعو بداخله أن لايتهشم وجهه الليلة..
بينما في هذا الوقت في الأسفل..
تأففت ليلى بغضب وصاحت بعصبية داخل السيارة المتوقفة من دقائق أمام الفندق: هو مجاش ليه البيه لحد دلوقتي؟
تنهدت لمار وحاولت الإتصال به مجددًا وهي تتمتم: انا كلمته وآدم هو اللي رد وفهمته كل حاجة ودلوقتي محدش بيرد خالص..
زفرت وبدأت بهز قدميها بتوتر وهي تنظر من النافذة تبحث عنه بناظرها بلهفة غير ملحوظة بينما نادين كانت جالسة في الجانب الآخر شاردة تقبض على الساعة بقوة وغيمة الغم تُخيم فوق رأسها..
هتفت لمار وهي تترجل من السيارة: انا هدخل اشوفه خليكِ هنا..
في الغرفة في الأعلى..
هتف قُصيّ بجزع وهو يعود إلى الخلف عِندما خلع عمّار رابطة عنقه ثم خلع خاصته ونظر إلى آدم وسأله ونظره معلق على رابطة عنقه هو الآخر بـ شر: عايزها؟
نفي آدم بـ هز رأسهُ ليخلعها عمّار عنه بنظرة خاوية ثم أوصل الثلاثة ببعضهم البعض وهو يحدق في قُصيّ بنظراتٍ قاتلة ليهمس الآخر بخوف وهو يعود إلى الخلف حتى سقط فوق السرير فهتف بجزع: على فكرة يا عمّار أنا مليش في الرجالة لو بتفكر في اللي انا بفكر فيه وانت عارف كويس..
أمسك قدميه وقام بربطهما معًا أثناء ثرثرته التي لا تنتهي: متربطش جامد بس عشان تتفك بسهولة واحنا نازلين مين هيشهد علي العقد لما تربطني ها؟
رفع نظره إليه لـ يزدرد قُصيّ ريقة بحلق جاف وهتف مستفهمًا وهو يضيق عينيه: مش عايز؟ معنديش مانـ، صرخ به أفزعه: هات إيدك..
قرب يديه معًا وهتف بانهزام: الاثنين اهم ميغلوش عليك والله، رفع رأسهُ ونظر إلى آدم المتشفي به وغرام التي تضحك باستمتاع ظنًا أنهما يمزحان..
أوصاه قُصيّ بتأثر وهو يقول بدرامية: بنتي أمانة في رقبتك يا آدم دخلها مدرسة انترناشونال وخلي بالك من لغتها مش عايزها تنساها ها ودلوقتي سِد ودانها عشان البكابورت هيفتح علينا، يلا
وضع آدم يديه على أذنيها بنفسه وهتف بسخط: بس يا خاين بس مش مصدق نفسي لأ أنت مش قُصيّ لأ..
قهقه وأردف باستخفاف: كبرتو الموضوع يا جماعة مالكم ما أنا قُلت ظروفي والمفروض أنكم تعذروني الله! وبعدين انا قُلت دلوقتي عشان مش فاضيين والموضوع يعدي ما لكم قافشين فيا ليه؟ مش عندك فرح يا بني اتفضل سيبني..
دس عمّار بقية ماتبقي من رابطة العنق في فمه كي يصمت وصرخ في وجهه أجفله: كبرنا الموضوع؟ أنت بجح ليه ياها؟ ازاي تفضل ساكت كل الفترة دي ومتقولش؟ وأصلا ازاي قدرت تعمل حاجة زي كده؟ دي الخيانة أهون من القرف ده!
هز رأسهُ وهو يهمهم عاجزًا عن التحدث لكن ملامحه كانت أقرب للضحك وهو ينظر إليه بعينان متسعة جعله يقول باستنكار: بتضحك ياعديم الاحساس؟ أنت عارف يا قُصيّ، هزَّ رأسهُ بنفي بنظره معبرة أخبر عمّار من خلالها أن يصمت ولايتابع ما أراد أن يقول فلن يكون جيدًا سماعة بتاتاً..
أوصد جفنيه بنفاذ صبر و انتفخت أوداجه ونفرت عروقة ورفع يديه وهو يزفر راغبًا بتطبيق وجهه بين يديه وسارع بتنفيذ هذا لكن صفق الباب بقوة عقبه صوتها الغاضب أوقفه: انتوا بتهزوا واحنا ملطوعين في العربية تحت؟
انتصب عمّار ووقف ثم سألها بوجوم: دخلتي ازاي؟ وازاي خدتى المفتاح من تحت؟
عقدت يديها أمام صدرها وهتفت بتهكم: قولتلهم أني عروستك..
زفر والتقط سترته وغادر الغرفة متخطيا إياها دون إضافة شيئًا آخر، ليتحرك آدم ولحق به ليبصق قُصيّ الرابطة من فمه بعد عناء وشق الأنفس..
صاح بغضب: فكني يا بني آدم وسيب البنت..
ترك آدم غرام فوق المقعد وذهب بعد أن ألقي عليه نظرة عتاب دون أي يقترب منهُ، مارا من جوار لمار دون أن ينظر إليها وهي لم ترفع نظرها إليه بدورها بل كانت تشدد قبضتها فوق وشاحها بخجل يسيطر عليها بسبب ماحدث آخر مرة..
صاح بيأس وهو يحرك معصمه بعنفوان حتى تألم: أنتِ يا مزة تعالي فكيني مين قال اننا بنهزر؟
تقدمت منهُ بإحباط وجاورته في الجلوس وهتفت بحزن وهي تنظر في العدم دون أن تلتفت إليه: ده حتي مبصش في وشي انا وحشة؟
نفي قائلا باستنكار وهو يشملها بنظرات تدقيقية: مين اللي قال الكلام ده بس لولا اني اعرفك كُنت قُلت مين الصاروخ اللبناني اللي دخل علينا ده؟
ضحكت بملامح حزينة وهي تضم شفتيها ثم سألته باستفهام وهي تنظر بينه وبين غرام: مين عمل فيك كده؟ ومين الكميلة دي!
أردف ممتعضًا وهو يعقد كلا حاجبيه: عمّار كان بيروش عليا بس فكيني بقي عشان الهيبة راحت قدام بنتي حسبي الله..
صاحت بتفاجئ وانبهار وهي تقف: بنتك؟ أنت مخلف الله، وتركته وهرولت إليها بحماس، جلست القرفصاء أمامها وراقبتها بأعين براقة وهي تبتسم بحنان، ثم رفعت يدها وربتت على وجنتها بنعومة وسألتها برفق: أنتِ أسمك ايه يا كميلة أنتِ؟
قلب قُصيّ عينيه ولوي شدقيه وهو يراقبها، سيظل هُنا حتي الصباح ولن يحل وثاقة أحد..
صاح بصوت مرتفع متهكم: أنتِ يا حنينه تعالي فكيني عايز الحق كتب الكتاب..
تركت غرام رغمًا عنها وهرولت تفك وثاقة بتركيز دون أن تبعد خصلاتهارالتي تهدلت فوق كتفيها مع حركتها أمام وجهه ورائحتها تخترق أنفه..
أبعد رأسهُ قليلا إلى الخلف وهتف بثقة وهو يأخذ شهيقا طويلا: من موقعي هذا بقولك انك هتتجوزي آدم..
رفعت رأسها بملامح متأثرة وهتفت بنبرة آملة: بجد! بالسرعة دي؟
سألها باستفهام وهو يضيق عينيه: بالسرعة دي؟ اومال أنتِ عايزة تمشي معاه في الحرام الاول ولا ايه؟
ضحكت وهي تهز رأسها بنفي ثم قالت بتبرير وهي تقف باستقامة: مش قصدي بس جواز وواثق اوي كده منين؟!
تمتم بشرود وهو يحل وثاق قدميه بنفسه: كُل حاجة بتيجي بالوقت وكُلها شويه وقت صدقيني، يلا..
ترجلت ليلي من السيارة بغضب عِندما أبصرت عمّار يقبل عليها، ساعدت نادين بالنزول وهي تبتسم في وجهها رغمًا عنها، توقف عمّار أمام السيارة بملامح جامدة لا تفسر مراقبًا تقدم كلتاهما منهُ بنظراتٍ ثاقبة لـ تتوحش ملامحه فجأة ويسحق أسنانه سحقًا وتغيم عينيه في سوادٍ قاحل عِندما رأي هيئتها كليًا..
تلك العجوز من تظن نفسها كي ترتدي ملابس بهذا القُصر وكعب حذاء مرتفع بتلك المبالغة! هل تريد أن تقع وتنكسر رقبتها؟
توقف أمامه بثبات ثم دفعت نادين بخفة لتتقدم منهُ لكنها ظلت جامدة لا تتحرك بسبب عينيه التي لم تسقط عن والدتها قط، دون أن يفكر بها أو بأحد ظل يحملق بها من أعلاها لأخمص قدميها بأعين جاحظة حمراء من فرط العصبية اربكها واخافتها في آنٍ واحد..
وكزه آدم في مرفقة بقوة كي يفيق هامسًا من بين أسنانه: مش دي يا عمّار مش دي هتفضحنا فوق!
لم يستمع إليه من الأساس بل كان يتأملها بغضب رغم هذا لم يتجاهل جمالها الآخاذ، إنها باهتة رغم أناقتها المذهلة حزينة وعرف من عينيها المنطفأة، تكابر وستظل تكابر و سيجعلها تندم في نهاية المطاف..
دفع قُصيّ ذراعه وانسل من بينهما وتقدم من ليلى بابتسامة مشاكسة، مال وقبل يدها بلباقة وعرض عليها وهو يغلق زر سترته الأوسط ثم مدّ مرفقة: تسمحيلي بالشرف ده؟
ابتسمت ملاطفة ثم ترفقت ذراعة وسارت معهُ لـ يزيح عمّار قليلًا بيديه وهو يقول بغرور: وسع يا حبيبي كده معلش وهات العروسة و تعالي ورايا..
قهقهت لمار ولحقت به وهي تسحب غرام خلفها برفق تنظر إليها كل خطوة وأخرى بابتسامة حانية..
التفت عمّار يحدق بهما بفاه فاغر يراقب كيف يسيران دون اهتمام، تمتم بعدم تصديق تأثيرًا لـ صدمته وهو ينظر إلى آدم: ايه ده؟
هز رأسهُ بنفي وقال بهدوء: مفيش يلا خد نادين وادخل، مبروك يا نادين..
ابتسمت ابتسامة باهتة وكان ردها عليه إيماءة خافتة بالكاد رأها وقبل أن تفكر في الحديث كان عمّار يعتقل قبضتها ويسير بها إلى الداخل بخطوات سريعة لكنها جاراته دون الاعتراض، توقفت أمام باب القاعة وهي تشد على يديه بقوة وقلبها يلكم قفصها الصدري بعنف تريده أن يتوقف..
نظر إليها بعدم فهم ولم يمهلها فرصة كي تتفوه بنصف حرف وتابع دخوله وقبضته هي من كانت تشتد فوق يدها بقوة، اخترقت أذنيه تلك الهمهمات والهمسات المتملقة عِندما وضع قدميه داخل القاعة معها فأطبقت الروائح المنبعثة منهم على أنفاسه فازداد قرفا و اختناقا..
انسل رامي من جانب والده ومرّ بين الجموع بوجه باهت واقترب أكثر من الطاولة التي ترأسها الشيخ وظل يحملق بهما بعدم استيعاب وقلبه يخفق بخوف بالتأكيد أصاب عينيه خطبا ما!، فغر فاه بذهول عِندما تأكد وهز رأسهُ برفض لـ تلك الحقيقة المتجسدة أمامه، ماهذا الآن! أنه سيصاب بذبحة صدرية ولن يتحسر فقط كيف أتت إلى هُنا؟ ما هذا الحظ السيء الذي يملكه يا إلهي؟! لو استمع إلى والده لكانت الآن زوجته هو..
ضمت ليلى يدها إلى صدرها وهي تنظر إلى نادين بحنان ثم بعثت لها قبلة في الهواء بأعين دامعة متأثرة فابتسمت في وجهها بعذوبة وهي تبلع غصه مريرة وقبضتها تشتد فوق الساعة بقوة..
ـ فين وكيل العروسة..
كان سؤال الشيخ وهو يفتح الدفتر
صاح قُصيّ وهو يجلس فوق المقعد المجاور للشيخ: أنا وكيل العروسة..
نظر إليه عمّار نظرة خاوية محافظًا على ثباته الانفعالي ولو كان الأمر بيده لوقف واقتلع قلبه وقذفه للكلاب كي يتعظ، لهذا طلب أن يصحبها إلى الداخل، الماكر الخبيث يستحق القتل..
ألقى نظرة سريعة على جميع الغرباء الذي لم يعرف منهم أحداً ثم استقر بنظراته على ليلى التي لم تكن معهُ من الأساس كان نظرها معلق على ابنتها، ذلك الحب والبريق الذي يتوق لرؤيته في عينيها يراه الآن وهي تنظر إليها، ستظل هي أول اهتماماتها ولن تعبأ به مهما حدث..
لأنها إن كانت تفكر به ولو قليلا، لو كانت تهتم ولو بقدرٍ بسيط لم تكن لتتركه لإبنتها، كان يمكنها أن تلغي كل شيء وتبعده لا أن تعطيه أبنتها كيف تتحمل شيءً مثل هذا؟، ابتسم بمرارة وهو يذكر نفسه أنها تكرهه صحيح نسي هذا لأنها عانقته..
لا يعرف أنها يئست منهُ ومن سماع كلماته، سئمت من تعامله وتجاهله لكل ما تقول وتمسكه بشيءً واحد فقط وهو الزواج بها دون أن يكترث بـ نادين أو يفكر بها ولو بقدرٍ بسيط كما يريد أن تفكر هي به، هو لا يملك أطفالا كي يشعر بما تشعر هي وهذا سيظل فرقًا و حائلا بينهما..
طلب الشيخ أن يضع كُلا من قُصيّ ومتولي ايديهم في ايدي بعضهم متصافحين، فعل الإثنان ورفع الشيخ المنديل ووضعه فوق أيديهم..
رفعت نادين نظرها إلي عمّار مستغيثة بأعينها الدامعة وهي تهز رأسها كي يوقف هذا، حرك الشيخ شفتيه وكاد يبدأ لكن عمّار أوقفه بسرعة ووضع يده فوق يد والده وقُصيّ بانفعال وهو يلهث كأنه كان يحارب نفسه حتى توصل إلى هذا الحل..
أردف قُصيّ بسخرية: هنلعب كيلو باميه ولا ايه شيل ايدك..
شدّ على نواجذه بغضب وهمس بتحذير وهو يرشقه بنظراتٍ قاسية: أقسم بالله يا قُصيّ هتزعل مني جامد اوي، أبعد نظره عنه واستطرد وهو ينظر إلى الشيخ: قبل كتب الكتاب لازم اتكلم مع العروسة شويه في حاجة مهمة لازم تعرفها مش هتأخر عليك..
أومأ الشيخ بقلة حيلة ونظر والده إليه بنظرة محذرة كي لا يقبل على افتعال أي متاعب بينما ليلى عقدت حاجبيها وكتفت يديها أمام صدرها باعتراض..
أوقفها معهُ برفق وسار لتحتج ليلى قائلة: بعد كتب الكتاب اتكلموا براحتكم مش لازم دلوقتي..
ـ مالكيش دعوه، هدر بحدّة وسحب نادين معه متخطيًا إياها كـ نكرة تاركها تطرف بصدمة وهي تعيد قوله في رأسها مرارا وتكرارً، لكن لن تتركه مهما حاول لن يؤثر على نادين كي تتركه لن تسمح لهُ لهذا، ازدردت ريقها وابتسمت ببهوت محاولة حفظ ماء وجهها ثم هرولت خلفهما وانسل رامي هو الآخر ولحق بها..
ضرب راحة يده في الحائط في الخارج بجانب باب القاعة وهو يخفض رأسهُ يفكر كيف يخبرها أنهُ لا يُريدها دون أن يجرحها أثناء نظرها إليه بشفقة..
همست بإسمه بنبرة مهتزة: عمّار..
رفع نظره إليها ليتراجع عن الفكرة عِندما رأي عبراتها تتساقط وهي تحاول الوقوف باتزان دون ترنح، اقترب منها وهمس بحزن وهو يحاوط ذراعيها: نادين أنـ..
ـ أنا مش بحبك يا عمّار، قاطعته بصراحتها البحتة وصدمته ببقية حديثها الصريح وهي تستلم للبكاء: أنا آسفة يا عمّار، عارفة انك بتحب مامي وعجبتك من ساعة ما شفتها زي ما أنا عارفة انك قربت لي عشان توصلها..
اتسعت عينيه من بوادر صدمته دون أن يتجاوز هذا ويخفيه، هزَّ رأسهُ بتعجب وهو يبعد يديه عن ذراعيها بندمٍ، هل كان مكشوفًا إلى تلك الدرجة؟ لكن لم يفهم لمَ الأسف تتأسف لمَ لأي سبب تتأسف؟ حرك رأسهُ مشدودًا منتبهاً لكل حرف يخرج من بين شفتيها وكُله أذانٍ صاغية..
رفعت يدها تمسح أنفها وهي تضحك بسخرية وهتفت بنبرة مرتعشة خافته وهي تهز كتفيها، تنظر في عينيه بثبات والعبرات تتدافع وتتسابق عن التي ستسقط أولًا: انا مش زعلانة عارف ليه؟ عشان ده نفس السبب اللى قربتلك عشانه انت كُبري بالنسبالى يا عمّار يوصلني للي انا عايزاه عِرفت ليه!
تااااابع ◄ حب خاطئ