رواية حب خاطئ الفصل الثانى

 

 -أرويني من رحيق شفتيكِ الكرزية المُلهبة حتى أكتفي و لن أكتفي أبداً-.

داخل أكبر محل بيع المصوغات في القاهرة..
كان يقف يعقد يديه أمام صدره يُراقب ما تفعل هي ووالدتها بثقب وعقله شارداً في تلك الوقحة المتسلطة هل هو إمرأة؟
لقد جنّ وركض إلي السيارة وكان سيلحق بها اللعينة ويُريها من الحُرمة مثلما قالت لكن نادين هي من هدأته بأعجوبة وجعلته ينسى ظناً أنه سوف ينسى حقاً!



لقد تفوهت بالكثير من الترهات وصمت ولم يتحدث لكن لن يظل هكذا كثيراً! هو يفضل أن يثور بدلاً عن صمته لأنه لا يرى بغضبه ولن يتضرر أحداً سواها سليطه اللسان تلك، هو لا يطيق ذرعاً كي يصفعها على شفتيها المثيرة هذه كي تصمت وتكف عن الحديث نهائياً لكن ليعلم أولاً إجابات الأسئلة التي لديهِ ثم يفعل ما يشاء..

نظر لها بتفحص من أعلاها لأخمص قدميها للمرة المليون اليوم ولا يعلم ماهية شعوره! منزعج من ضيق الملابس ولكنه يريدها أن تظل بها أيضاً كي يتأمل ذلك القوام الممشوق فهو يقدر الجمال ومن الجهل ألا يلتفت لها طالما يملك عينين تبصران!
لاحظ تلك الابتسامة الحنونة التي تعتلى ثغرها وهي تنظر إلى إبنتها كيف تنتقي ما يعجبها بحماس..

أطرقت رأسها ونظرت إلى أناملها الخالية من أي خواتم زواج وهي تبتسم بحزن، لقد حصلت على كل ماتتمناه أي فتاة، أموال، ملابس، سيارة، كل شيء امتلكته ؛ لكنها فقدت أمامه أبسط الأشياء التي أرادتها هي لم تملكها من الأساس حتى تفقدها لم تملك شيءً يوماً!
نفضت رأسها من تلك الأفكار وهي تحاوط خصر نادين وأسندت رأسها على كتفها تراقب ماتفعل بابتسامة فهي تكفيها وأجمل ماحصل لها لا تريد شيءً آخر..

التمعت عيناها ببريق إعجاب عندما وقعت عيناها على دُبلة ذهبية عريضة ممزوجة بالذهب الأبيض والأصفر معاً حوافها رقيقة نقشت ببراعة، تركت ليلى خصر نادين وأخذت الدُبلة من وسط شقيقاتها وهي تبتسم ثم وضعتها بأنامل نادين رغم إعجابها بها وقالت لها بابتسامة حنونه: دي جميلة أوي يا حبيبتي..

أومأت نادين وهي تبتسم برقة لـ يتحدث البائع مؤكداً: فعلاً حلوه، تقدم عمّار ووقف بجانبها كي يرى ما الجميل وقبل أن يتحدث رفعت نادين أناملها أمام وجهه وسألته: ايه رأيك في الدبلة دي؟ ماما نقتهالي..
قال على مضض بسبب رؤيته إلى ليلى وهي تنتقيها: أه حلوه، عبست بحزن وظنت أنها لا تعجبه!، خلعتها من يدها ووضعتها بعيداً وطلبت منه: نقي معايا إنت طيب!

أخذتها ليلى بغضب وقالت بضيق: دي حلوه يا حبيبتي مالكيش دعوة برأيه ده فلاح معندوش ذوق أصلا..
ضحك بسخرية وهو يمسد جبهته ضاغطاً على أسنانه بقوة داخل فمه لأن صبره بدأ ينفذ منها حقاً..
أخذ شهيقاً طويلاً ثم قال بضيق وهو ينظر لها: حماتي هي اللي هتلبس لو الدبلة عجباكِ أوي كده خديها ليكِ وخلاص!
نظرت له بحدة وقالت والشرار يتطاير من عينيها: وإنت مالك إنت حد كلمك ولا خد رأيك؟

زفر وهو ينظر لها بسخط بيّن لـ تبعد نظرها عنه بِكُره وهي تحرك شفتيها بدون صوت تأكد من خلاله أنها تسبهُ، ثم وضعت الدُبلة محلها بضيق ووضعت يدها بخصرها تنتظر رؤية ما سوف ينتقيه لكن صوت هاتفه صدح فجأة، أخرجه وكاد يغلقه لكنه رأي إسم والده، توقفت أنامله أمام زر الإغلاق ثم عاد خطوتين إلى الخلف وأولاهم ظهره وترك المحل ووقف يحادثه في الخارج..
هتفت بفظاظة وهي تراقب ظهره: آيفون كمان المعفن.

نظرت لها نادين بتعجب ثم سألتها باستنكار: مامي إنتِ من إمتى بتتنمري على الناس كده؟
حركت ليلى أهدابها بتعجب ثم قالت وهي تهز كتفيها: أنا بوصفة مش بتنمر عليه؟
وصل إلى مسامعه صوته الخشِن العميق: عامل ايه يا ولدي؟
تنحنح منظفاً حلقة ثم قال بهدوء واحترام: بخير يا بوي الحمد لله..
=: مش هتاجي ولّيه كِفاياك بُعاد عاد!
هز رأسه وهو يمسد جبهته ثم قال بهدوء: هاجي عن جريب..

رد بنبرة جادة لا تحمل المُزاح وهو يضرب بعصاه الأرض وصل صوتها إليه عبر الهاتف: يومين وتكون جِدامي فاهم؟ المشاكل بجِت كَتير ومفيش غيرك عيحِلها؟
تنهد وهو يلعن الجميع هُناك بسبب المشاكل والثأر الذي لا ينتهي ثم قال بطاعة: فاهم، يا حاج فاهم، بس حماتي لسـ، ألو، ألو؟، أغلق الهاتف وزفر بضيق وهو يعود إلى الداخل فكيف يخبرها؟ هي لن توافق بالتأكيد رُبما تصفعة عندما تسمع هذا!

زفر للمرة الألف وهو يراقبها بحنق وكم تمني خنقها بين يديه تلك المتسلطة اللعينة..
تحدثت ليلى بعدم رضى وهي تنتقي إحدي الخواتم الثقيلة من أجل نادين: ده حلو ده وتقيل خليه يِكُع ويدفع..
تنهدت نادين وهمست بخفوت: مامي شكله كبير على أيدي؟ وبعدين مش في جرامات حددناها مع بعض؟
هزت ليلى رأسها بضيق و قالت باقتضاب: مليش دعوة باللى إتحدد أنا ليا باللي هنجيبه أياً يكن هيدفع غصب عنه حتى لو أكتر..

مسد جبهته بنفاذ صبر وحاول ضبط أعصابه قدر الإمكان بعد سماع قولها الذي ظنت أنه كان همس وقال بابتسامة صفراء: أكُع ايه يا حماتي؟ إحنا إتفقنا على خمسين جرام؟
رفعت زاوية شفتيها بسخرية وهتفت باستخفاف: مش موافقة ده قُليل على بنتي! هُمه ميت جرام..
رفض بضيق: لأ كتير هُمه سبعين وكفاية أوي!

عقدت يديها أمام صدرها باعتراض وتقدمت منه بخطوات بطيئة متهادية وقالت بتحدي وهي ترفع رأسها له وعسليتيها تخترق خضراوية بضراوة: ميه وخمسين؟.
ضحك بصوت رنان وهو يمشط ذقنه بيده ونظرهُ معلق عليها فمن أين لها تلك الثقة؟، هز رأسهُ بسخرية جعلها تبتسم باتساع أظهرت صفيّ أسنانها اللؤلؤية ثم سألته وهي ترفع حاجبيها: ايه بخيل إنت ولا فقير؟

تقدم خطوتين إلى الأمام ومال عليها وهو يبتسم بخبث وظل صامتاً قليلاً يحملق في وجهها بتسلية دون التحدث ومازال يبتسم كـ المهرج أخافها حقاً وتعترف بهذا!
رأت المكر بـ خضراوية الداكنة التي كانت تخترقها بطريقة أثارت في نفسها الرعب!، إقترب أكثر لـ تضرب أنفاسهِ الباردة وجهها الدافئ مباشرةً عندما عرض عليها بهمس وهو يرفع حاجبيه بتسلية: متين جرام وأبدل العروسة؟!

هزت رأسها موافقة جعلته يتعجب هل وافقت حقاً؟ أم إنها حمقاء لم تفهم؟.
زفر وهو يهز رأسه بسخرية عندما سمع قولها وهي تأخذ نادين إلى الخارج: هيبدل العروسة! مش عايزك هيتجوز غيرك يلا مفيش شبكات..

أخذ شهيقاً عنيفاً وهو يضم قبضتيه ثم رفع ذراعه أمامهما أوقفهم وقال بنفاذ صبر: بهزر بهزر، خدي اللي إنتِ عايزاه و انا هستني برا، وتركهم وغادر بملامح متجهمة بالتأكيد حمقاء! بالطبع حمقاء لأنها لم تفهم قصده؟ يبدو أن لا أحد يفكر هُنا بقذارة سواه!

أطلق زفيراً حاداً خرج معه أنفاسه المتثلجة بسبب البرودة وهو يعقد يديه أمام صدره بضيق يحدق بالمارة وهم يسيرون ذهاباً وإياباً في هذا الصقيع بعمل من أمرهم، يُفكر ويُفكر حتى وجد ليلى ونادين تخرجان تترفق كل منهما يد الأخرى ولم ينتبهوا له من الأساس..
أوقفهم صوته البارد المتسائل: مجبتوش حاجة يعني؟
زفرت ليلى ينما نادين تحدثت بأسف: قفلت من المحل ده مش هجيب حاجة..

هز رأسه متفهماً ثم أخرج مفتاح السيارة من جيبه وأعطاه لها: أنا داخل اجيب الدبلة و استنوني في العربية عشان البرد، أومأت وسحبت ليلى معها بينما هو دلف ينتقي له واحده..
خرج بعد بعض الوقت ثم استقل السيارة لـ يجد ليلى من تجلس في المقدمة ونادين في الخلف كاد يسخر منها لكن نادين تحدثت بحماس: جبت الدبلة؟

أخرج الدبلة السوداء التنجستين من بين أنامله وأعطاها لها لـ تبتسم بنعومة وإعجاب وهي تقلبها بين يديها: جميلة أوي يا عمّار انا هلبسهالك..
إبتسم ومدّ ذراعه الأيمن لها، ادخلتها بـ خنصره وهي تبتسم ثم رفعت كفه أمام يد والدتها: بصي يا مامي الدبلة؟
نظرت لها ليلى ثم رفعت زاوية شفتيها بسخرية وهتفت: الفضة أحلي، ونظرت بالإتجاه الآخر..

نظر عمّار إلى نادين التي عبست وقال لها بكل هدوء: معلش ياحبيبتي ماما شكلها دقة قديمة شوية متفهمش في الحاجات دي معلش، حتى محصلتش الفلاح ياحسرة..
قضمت شفتيها ومررت يدها بشعرها بعصبيه وهي تتحاشى النظر له فهي لن ترد عليه سوف تتجاهله و تتركه بلا قيمه هكذا! وكأنه يهتم..
تحدثت نادين بحزن: أنا جعانة..
إقترح وهو ينظر لها عبر مرآة السيارة: تحبي تاكلي فين؟
ابتسمت بنعومة وسألته: هتعزمني؟

هز رأسه نفياً وهتف مُمازحاً: لأ طبعاً انا هوديكم المكان وإنتوا تدفعوا، قهقهت عليه ثم سألت والدتها: مامي ناكل فين؟، لم ترد عليها بل كانت شاردة تحدق من النافذة تفكر في كيفية التخلص منه..
بدأ هو في القيادة وذهب تجاه المطعم الذي يتناول به الطعام دائماً مع أصدقائه..

إبتسم وهو يسألها بهدوء: تاكلي إيه؟
هزت كتفيها وقالت برقة: أي حاجة خفيفة عشان مش باكل بليل أصلاً!
إبتسم آدم وهو يضيق عينيه ثم سألها بعبث: ده لزوم الدايت يعني؟
أومأت وهي تضحك ثم قالت بكل صراحة: طبعاً لازم أحافظ على رشاقتي ووزني المثالي إنت مش هتنفعني لما أتخن؟
صمت قليلاً وهو ينظر لها بحب ثم قال بحنان استشعرته: إنتِ حلوه في كل حالاتك!

توردت وهي تحمحم منظفة حلقها و مقلتيها أخذت تتجول على المكان بارتباك قاطعه وهو يقول بابتسامة كي يبعد خجلها: انا اللي عازمك و هتاكلي على مزاجي اعتبرية اليوم الفرى بتاعك!
ابتسمت تالين برقة وهو تومئ له وتركته يطلب هو الطعام على ذوقه وأخذ يتبادلان معاً أطراف الحديث بهدوء حتى قام بسؤالها مُمازحاً: عاملة ايه في الجامعة؟ جاهزه تكشفي عليا ولا هتكتبيلي علاج غلط؟

ضحكت وهي تبعد شعرها خلف أذنها برقة وقالت مؤكده: طبعاً هكتب علاج غلط ده كلام..
أومأ لها بتفهم ثم احتضن راحة يدها بين يديه فجأة جعلها تتعجب وقال برجاء: أرجوكِ اكشفي على ماما اول واحده..
ضحكت بنعومة وهي تومئ له بطاعة ثم قالت ك بخفوت وهي تهز رأسها: من عنيا الاتنين يا آدم إنت تؤمر..
إبتسم براحة وأكد عليها: أنا هعتمد عليكِ؟

أومأت له ومازالت تبتسم برقة وراحة لا تشعر بها سوى معه ثم قالت فجأة عندما تذكرت: اه صح ماما مش في البيت النهاردة، إبتسم تهللت أساريرة بسعادة ويدعو بداخله أن تحترق في الجحيم بلا عوده مجدداً..
تابعت وهي تصفق بحماس وسعادة: هاكل براحتي بقي..
نظر لها قليلاً ثم سألها بتعجب: وهي منعاكِ من الأكل ولا ايه؟

تنهدت وهي تمرر أناملها بشعرها بضيق ثم قالت بهدوء: آدم أنا مش هكذب عليك بس هي دايماً بتقولي أبعد عنك و معرفش ليه؟
ابتسم بأسى وسألها بعتاب: ومبعدتيش ليه؟

مالت إلى الطاولة أكثر جعلت المقعد يرتفع عن الأرض وهي تحتضن راحة يده التي كان يريحها على الطاولة بين يديها وقالت بحزن: عشان مش هقدر أبعد إنت اجمل حاجة حصلتلى يا آدم أخويا وصاحبي مش هقدر أبعد عنك! مفيش غيرك بيريحني ويسمعني ويهتم بيا حتى مصطفي مش بيعمل نص اللي إنت بتعمله!
اعتلى ثغره ابتسامة متألمة ثم سحب يده من بين يديها وقال بتعب: أنا مش أخوكِ وعمرى ما هبقي يا تالين!

كادت تتحدث لكن وجدت النادل يضع الطعام أمامهم فصمتت وهي تقضم شفتيها بتفكير فإن بدأت الحديث لن تتوقف حتى تسأله ذلك السؤال المُحير الذي يؤرق حياتها وليس يوم أو إثنين!.
نظرت إلى ملامحه الهادئة تراقبه كيف يتناول الطعام بهدوء وسكينة حسدته عليها فكيف يستطيع أن يُكوِن هالة الهدوء حوله بتلك الطريقة بينما داخله يحترق وتعلم هذا..
رفع نظره لها فجأة اربكها ثم أشر على طبقها وأمرها بحزم: كُلي..

أومأت وأخذت الملعقة من على الطاولة ومازالت تنظر له باستفهام لـ يقاطعها قوله وهو يقطع شريحة اللحم: مش هتشبعي لو فضلتي بصالي كتير كُلي!

أومأت من جديد وهي تزدرد ريقها بتوتر ثم سألته وهي تحرك الملعقة في الطبق دون شهية: آدم، رفع رأسه ونظر لها باستفهام لـ تتابع بتردد: إنت ليه ماقولتش من الأول إنك كنت بتدور على عروسة لـ أخوك!، ونظرت له في نهاية حديثها، لتجد ملامحه هادئه لكن وتيرة تنفسه عَلت بانفعال وصدره أصبح يعلو ويهبط بسرعة، ترك الطعام من يده ثم ارتشف بعض المياه بلل بها حلقة الجاف قليلاً، لـ تُمرر يدها خلف عنفها بارتباك وتابعت عندما وجدته صامتاً: أنا كنت فاكرة إنك إنت اللي هتخطبني مش تخطبني ليه؟

سألها وهو يضع يده على فمه بعصبيه: إنتِ كنتي عايزاني أنا في الوقت ده؟
بللت طرف شفتيها بلسانها وهي تحرك أهدابها بتوتر ظهر جلياً عليها ثم قالت بتلعثم: أنـ، أنـ، أنا، مش عارفة بس عشان إنت ماقولتش ولا جبت سيرة إنك عندك أخ أصلاً وفجأه تطلبني لأخوك غريبة مش كده؟

أومأ وهو يبتسم لها إبتسامة لم تري بها سوى الألم وقبل أن تسأله سبب كل ذلك الألم في نظراته قال بهدوء وكأنه يخبرها أسمه: غريبة فعلاً عشان كنت جي أخطبك ليا وفجأه لقيت أمي بتخطبك لأخويا و متهيألي ده يخليكِ تفهمي سبب المشاكل اللي بيني وبينها عشانك، عشان بحبك وكنت هتجوزك لكن خدتك مني وفي ثانية كنتي خطيبة اخويا عرفتي ليه؟

تدرج وجهها بألوان قوس قزح السبع وهي تنظر له بأعين جاحظة وعدم تصديق! أنفاسها بالكاد كانت تخرج وصدرها يعلو ويهبط بعنف مؤلم وهي تعيد قوله داخل رأسها ألاف المرات! هل إعترف بحبه لها الآن؟.
رفع نظره لها وقال بنبرة عادية وهو يبتسم: متستغربيش أوي كده؟ عشان دي الحقيقة اللي كنتي هتعرفيها في أقرب وقت برده!.

نظرت له بذهول واستنكار في أنٍ واحد وهي تهز رأسها للجانبين وخاصة بسبب ابتسامته الهادئة رغم كل ما تفوه به!، تركت الملعقة من يدها بارتجاف عندما سمعت بقية قوله لـ تترقرق الدموع بعينيها: متستغربيش هدوئي عشان انا عديت مرحلة الألم والإنكسار دي من زمان؟

أمسك المدّية من على الطاولة وقام بغرسها داخل قطعة اللحم بعنف أصدر صوتاً جعلها تقشعر عندما احتك طرفها بالطبق وتحدث بغضب وأعين حمراء مدمية شاعراً بالدماء تغلي داخل عروقه: أوضتي جنب اوضتكم يا تالين عارفة يعني ايه؟ يعني بسمعكم وإنتوا مع بعض بسمعة وهو مبسوط وبياخد حاجة من حقي أنا!، ضغط على المدّية أكثر وهو يضربها داخل الطبق حتى تهشم وقال بقهر: صوتك! عارفه انا ببقي عايز اعمل في ايه وانا سامعك؟ عمرك حسيتي بالحسرة على حاجة كانت بين إيديكِ وضاعت منك ومش قادرة توصلّلها تاني؟

رفع يده التي كانت ترتجف بانفعال ومررها على وجهه بعصبية وتابع بعذاب وهو يرى عبراتها: روحي بتتحرق وأنا شايفك بتتعذبي بسبب إهماله ليكِ ولا كأنك موجوده وأنا هنا مستعد أبوس التراب اللي بتمشي عليه عشان تقبلي بيا وإنتِ مش شايفاني؟!

هز رأسه بعصبية وأعاد مبتسماً وهو يأشر عليها: لأ، لأ شايفاني، شيفاني أخوكِ! بس أنا آسف مش هقدر أبقي أخوكِ ولو هتفضلي شايفاني أخوكِ يبقى تسمعي كلام حماتك وتبعدي عني أحسن، وترك الطاولة بغضب ودلف إلى دورة المياه..

زاغت عينيها وهي تحدق في ظهره وهو يبتعد ثم هربت شهقتها بألم وهي تدفن وجهها بين راحة يديها فكيف من المفترض أن تتعامل معه بطريقة طبيعية بعد اعترافه الذي جعلها تندم أضعاف مضاعفة بسبب زواجها الفاشل من شقيقة..

محت عبراتها بألم بعد بعض الوقت وهي تمسد صدرها براحة يدها مع إقتضاب ملامحها بسبب أنفاسها المسلوبة وكأن أحدهم كان يقوم بخنقها بعنف ثم تركها الآن، لقد صعب عليها كُل شيءٍ ليتها لم تسأله ولم تتفوه بحرفٍ واحد..
لقد جعلها تشعر بالذنب والتأنيب وسوف تظل توبخ نفسها بسبب حالته لما تحدثت لما؟! ليتها ابتلعت لسانها قبل أن تسأله بسبب فضولها اللعين..

اعتدلت بجلستها ثم ارتشفت كوب المياه بأنفاس متسارعة كادت تسعل أثرها، تفكر فيما سوف يحدث بعد هذا!
أطرق رأسه أمام المرآة، أنفاسه متسارعة وكأنه كان يركض في ماراثون لساعات طويلة، قفصة الصدري يكاد يتهشم أثر دقات قلبه التي أصبحت قاسية كي يتحملها، أعصابة تالفة يكاد يسقط بقوة خائرة..
أطبق جفنيه بقوة وهو يلهث موبخاً نفسه، لما أخبرها الآن؟ سوف يخسرها هكذا؟!.

ضرب الرخام الصلب الملحق بالحوض بغضب عدة ضربات وهو يلهث بتقطع شاعراً بتخدر يده وارتجافها ثم رفع رأسه ونظر إلى انعكاس صورته في المرآة بكُره ورفع قبضته كي يلكم نفسه في المرآة لكن يد قوية أمسكت بقبضته أوقفته مع قوله بتسلية: كده تعورى نفسك يا لوزه إهدي..
نزع يده من بين يديه بعنف ثم نظر بجانبه بتهجم تحول إلى تفاجئ مع قوله بتعجب: عمّار؟ إنت بتعمل ايه هنا؟

أغلق حزام بنطاله وهو يقول بسخريه: كنت بفضي التنك همه بيعملوا ايه في الحمام؟
تنهد آدم وهو يضم قبضته بنفاذ صبر: عمّار قصدي بتعمل ايه في المكان نفسه؟
قال بامتعاض وهو يخرج زجاجة العطر الصغيرة من جيب سترته كي يضع منها: عازم حماتي وبنتها على العشي إيكش تطفحة وتموت عشان أخلص..
تنهد آدم وصمت وهو يولي ظهره إلى المرآة مهموماً..

استفاق على ذلك الرزاز الذي ضرب وجهه لـ يلعنه بضيق وهو يمسح وجهه بذراعة: يا عم الله يحرقك حد قالك عايز زفت اتفضل شوف انت رايح فين يلا
ضحك عمّار وسأله بتأثر: إنت بتدعي عليا مكنش العشم! وعلى فكره أنا شوفت البت تالين براا و، وصمت عندما أمسكة آدم من ياقته بضيق جعله يضحك: مين دي اللي بت وتشوفها ليه أصلا؟
هز عمّار كتفيه بقلة حيلة وهتف بعبث: عيني اللي شفِتها مش انا! أصلي بلقطهم من على بُعد..

زفر آدم هو ينظر له عاجزاً عن لكمه لأن يديه من ستؤلمة وليس فك ذلك اللعين، ضحك عمّار وقال بأسف وهو يربت على كتفه: عارف إنت نفسك في ايه بس مش قادرة معلش أنا هخرج دلوقتي وهسيبك بس تخرج ورايا وملكش دعوه بالإزاز إنت الدلوعة بتاعتنا ومنقدرش نشوفك متعور ماشي يا بيضة متتأخرش، وتركه يضحك وغادر..

قذفت قائمة الطعام من يدها وهي تد حجها بنظرات حادة ثم وبختها: إنتِ هتختارى أكل زي الناس ولا لأ؟ مش شايفة نفسك قربتي تختفي! اتفضلي أطلبي أكل عِدِل بدل والله هقلب عليكِ..
أومأت نادين وهي تقوس شفتيها ثم قالت بخفوت: هستني عمّار ونطلب مع بعض..
زفرت وهي تأخذ قائمة الطعام من جديد ثم نظرت بداخلها بوجوم وهي تهمس لنفسها: عمّار وزفت اللي طلعلنا في المُقدر الجديد..

أبعد المقعد ثم جلس بهدوء لـ تنتشر رائحته عطرة في أرجاء المكان جعلتها تتقزز بطريقة أظهرتها له وقد لا حظها..
تجاهلها وإبتسم ثم سألهم بهدوء: طلبتوا؟، هزت نادين رأسها بإحباط فابتسم وقرص وجنتها بخفة ثم أخذ قائمة الطعام ونظر بها هو وهي معاً حتي أتي النادل الذي رحب بـ عمّار بحرارة: عمّار باشا نورتنا..
إبتسم عمّار وهو يضرب كتفه كـ ترحيباً به هو الآخر وأوصاه: عايز تظبطنا النهاردة..

أومأ النادل وهو يبتسم ثم قال: تحت أمرك، تطلبوا ايه؟
تحدثت ليلى بهدوء: عايزه ستيك أوت، أومأ لها هو يقوم بتدوين طلبها ثم نظر إلى عمّار لـ يقول بشهية مفتوحة: عايز كوارع، هزت رأسها بسخرية وهي تسبه فهو خنزير، أومأ له النادل وهو يدون طلبه ثم نظر إلى نادين فقالت بحماس: وأنا زيه كوارع، أومأ لها ثم تركهم وذهب..

نظر عمّار خلفه يبحث عن آدم لكنه لم يخرج بعد، تحرك وكاد يذهب ويجذبه من شعره لكن ظهر وهو يتقدم من طاولته بهدوء..
جلس وهو يبتسم ابتسامته الهادئة تحت نظرات تالين المتعجبة وكأنه لم يقول أي شيء منذ دقائق؟!.

تحدثت بتفاجئ جعلها تخافه: إيه ده الطبق مكسور!، هز رأسه بأسف ثم لملمة ووضعه جانباً على الطاولة و سألها بابتسامة: أكلك برد صح؟ هطلب غيره، وأشر إلى النادل كي يأتي له وظل يتحدث معها بهدوء في مختلف الموضوعات وكأنه لم يقول شيء حقاً جعلها تشك بنفسها وكأن ماحدث كان هلاوس رأتها وحدها!

تحدث عمّار عندما طال الصمت وكل واحداً منهم يحدق بالأخر لبعض الوقت ثم ينتقل للأخر ثم الأخر: حماتي، كان في حاجة مهمة عايز أناقشها معاكِ!
نظرت له بانتباه، بملامح مقتضبة لـ يقول باستنكار: هو أنا قلتلكم قتيل ولا ايه البسمة في وجه أخيك صدقة في ايه؟!
زفرت وهي تسمد جبهتها ثم قالت له بدون تعبير: خلص وقول عايز ايه عشان لما الأكل ييجي هاكل ومش بتكلم وأنا باكل ولما أخلص هاخد بنتي وهنمشي!

نظر بساعة معمصة وسألها بتعجب: تمشي ايه دي كوارع! وبعديـ، أصمتته عندما رفعت يدها أمام وجهه وقالت بسخط: إنت بتتكلم كتير ليه؟ قول اللي عندك وخلصني..
إبتسم بإجرام وهو يضع أناملة الباردة على شفتيه و مقلتيه الداكنة تتجول على وجهها الحانق فإن لم تتوقف عما تفعل سيكسر ساقها التي تهتز أسفل الطاولة تلك المُتكبرة..

أضاع الوقت تاركاً العنان إلى خضراويه تخترقها بنظراته القاتمة دون أن يرف له جفن، بينما هي كانت تتجاهل تلك النظرات وكأنه لا يجلس معها حتى إلتقطت عينيها سعيد الذي لا يتوقف عن طلب زواجها يجلس على طاولة وحده يتناول طعامه بهدوء، رفعت نظرها فجأة لتقع عينيها بأعين نادين التي تنظر لها بلوم، أبعدت نظرها عنها بضيق ليصل النادل بالطعام في هذا الوقت وبدأ بوضعه أمامهم بهدوء ثم تركهم وغادر بعد انتهائه..

بدأت تناول الطعام بهدوء تحت نظراته التي كانت تراقبها وهي تقطع قطعة اللحم بحدة وانفعال فهي تتعارك معها لا تقطعها!
تحدث بهدوء ويعلم أنها تستمع له: أنا لما قابلت نادين أول مرة اتفقت معاها إن موضوع جوازنا لو تم ومشي هتيجي معايا إسبوع اثنين أو شهر بالكتير البلد عشان تتعرف على أهلي وكانت موافقة وطبعاً مش هتبقى لوحدها وهتكوني معاها طبعاً و ياريت رد سريع عشان مسافر بُكره بليل..

ابتسمت وهي تترك الملعقة من يدها ثم أسندت مرفقيها إلى الطاولة وشابكت يديها معاً وسألته باستفهام: ومين قالك إن موضوع جوازكم مشي معلش؟
همست نادين بحزن: مامي!
نظرت له بحده ثم قالت بقسوة: إنتِ تخرسي خالص مسمعش صوتك، كنتي تتجوزيه بالمرة جاية على نفسك ليه مش اتفقتي معاه روحي ما إنتِ مالكيش كبير ومش عارفه اسيطر عليكِ..

أطرقت رأسها بحزن و أدمعت عينيها لـ تتابع ليلى بحده وهي تنظر له: مش موافقة وحتى لو وافقت محدش مسافر معاك مش دي العروسة! يجولها لحد عندها عشان يشوفوها مش هتروح في حته..

تنهد وشرح لها بنفاذ صبر: مش موضوع عروسة ومش عروسة؟ السبب في السفر مش عشان يشوفوها بالمعني الحرفي! كفاية صورتها او مكالمه تليفون وطالما أنا اختارتها محدش هيتكلم؟ كل الموضوع إني عايز يكون في وِد بين العلتين مش أكتر والمفروض عليتها اللي هو إنتِ وإنتِ مصعبه الموضوع من كل إتجاه ومش فاهم ليه؟

هتفت ببرود وهي ترفع حاجبيها: ولا عمرك هتفهم وبقولك تانى اهو مش موافقين روح شوفلك عروسة ثانية غير بنتي وعرفها على أهلك..
مرر يده على وجهه بعصبيه وسألها بوجوم: يعني ايه؟
حركت شفتيها باعوجاج استفزه وقالت ببرود: يعني أخرنا مع بعض الأكله دي وكل واحد يروح لحاله..

هربت شهقتها وهي تذرف الدموع بحزن، نظر لها عمّار ثم مد يده ومسح عبراتها فـ عانقته وهي تبكِ بحرقة دافنه رأسها بصدره الذي احتواها جعل ليلى تنظر له بكُره مضاعف تم تركت الطاولة وذهب تجلس مع سعيد فهي لا تطيق النظر لوجهه البغيض..

ربت على شعرها بحنان بيد كي تهدأ والأخرى كان يربت ظهرها صعوداً ونزولاً ببطء ثم تحدث بنبرة ذات مغزى ونظره معلق على ليلى تلك اللعينة سيُريها: مش هسيبك و هتسافرى معايا وهتشوفي مش هسيبك
فصلت العناق ورفعت رأسها له، نظرت له بوجهها الباكِ وقالت بنبرة مرتجفة: بجد يا عمّار؟

أومأ مؤكداً وهو يقرص وجنيتها بابتسامة: طبعاً بجد هو أنا بقول حاجة ومش بتحصل؟، هزت رأسها بنفي فتابع مع إتساع ابتسامتها: سبيلي انا ماما وكل اللي عليكِ إنك تجهزي الشُنط بس، أومأت موافقة وهي تستنشق ما بأنفها لـ يتابع وهو يأخذها خلفة: ويلا بقي تعالي نرقص..
اوقفته وهي تقول بعبوس: أنا جعانة إستني آكل، أومأ وقرب الطعام أمامها وراقبها وهي تأكل بابتسامة كـ طفلة تسقط الطعام عليها كل برهة وأخري..

قهقهة وهو يزيل بقايا الطعام من حول شفتيها بإبهامة لـ ترمش بتعجب ثم سألته وهي تجفف شفتيها بالمنديل: عمّار إنت مش بتقرف؟
نظر لها بتعجب ثم لاحت على شفتيه ابتسامة ماكره ليقول: أقرف من إيه بس يا قمر إنت يا قمر، ضحكت بنعومة واقتربت ثم قبلت وجنته برقة وأطعمته معها وهي تتحدث بإعجاب: جميلة أوي الكوارع دي يا عمّار بتعملوا منها عندكم في البلد؟

ضحك بـ تسلية وقال وهو يبتسم: مش هتلاقي هناك غيرها يا قلبي، ثم بدل لهجته إلى الصعيدي وهو يلاعب حاجبيه: بس مش عجولك غير إنك هترتربي من كتر الوكل يا بت يا نادين وعتبجي كيف الجاموسية..

ضحكت بأعلى صوتها جذبت الأنظار وهي تضرب كتفه جعلته يبتسم وهو ينظر لها ثم حاوطها وأطعمها بيديه عندما وجد ليلى تنظر لهم بضيق لـ يبادلها بابتسامة صفراء وهو يمد يده وحمل شوكتها التي كان عالقاً بها بعض اللحم الذي تركته وذهبت، رفعها أمام وجهها وكأنه يسألها أتأكل معه ثم هز رأسه بأسف مصطنع عندما وجدها بعيدة ووضعها في فمه ومضغها بتلذذ وهو يهز رأسه كأنه يمثل أحد الإعلانات..

لعنته بهمس وهتفت بغضب: يارب تقف في زورك وتموت يابعيد..
سألها سعيد بتعجب: مين ده يا ليلى اللي يموت؟
ابتسمت بتكلف وقالت بهدوء: ولا حاجة..
سألها وهو يتناول طبق ليلى بنهم: مين اللي حماتى قاعده معاه ده؟
ردت نادين وهي تلتقط أنفاسها من كثرة الطعام فهو طيب: ده سعيد الناجي شريك ماما واتقدملها للجواز بعدد شعر راسها يا عمّار بس مش موافقة!
سألها بسخرية وهو يتفحصه بخضراوية: ليه صعيدي هو كمان؟

هزت رأسها وقالت مبررة أفعال والدتها: أنا قولتلك مش إنت المشكلة الرجالة كلها عمتاً يعني..
تنهد باستياء ثم سألها بتفكير: فين قرايبكم وأبوكِ فين؟
تنهدت وقالت بحزن: بابي مش شفته مات وأنا صغنونه وقرايبه كلهم تقريباً قاعدين برا عشان كلهم بشوات وعالين أوى محدش قاعد منهم في مصر أما مامي بقي فأنا معرفش عن أهلها اي حاجة وهي مش بتتكلم عنهم ولو اتكلمنا بنتخانق وفي الأخر تعيط وتخليني أندم إني اتكلمت..

تنهد ونظر إلى ليلى ليجدها تبتسم بنعومة وهي تتحدث! يا إلهي هل تستطيع أن تبتسم؟ هل تعرف الخطوات كي تفعل؟ ظن أنها ولدت بذلك الوجه البشع والبسمة لا تعرف طريق شفتيها سوى البسمة الساخرة لكنها تبتسم كـ النساء! هذا كثير عليه حقاً..
لكزته نادين بذراعه بتذمر: ركز معايا كده عمال تبص على مامي ليه؟
قال وهو يهز كتفيه: بعد شعر راسها عشان أعرف اتقدملها كام مرة؟

ضحكت وهي تسند رأسها على كتفه ثم قالت بحزن: لازم تقنعها يا عمّار..

في مدينة الإسكندرية..
كانت طوال الطريق تسند رأسها على زجاج السيارة تحدق من النافذة بهدوء تتأمل مياه البحر بابتسامة رقيقة عذبة حتى توقفت السيارة..
شعرت بتوقف السيارة فجأة، التفتت إلى جاسم وسألته بتفاجئ: إحنا وصلنا؟! أومأ لها لتتسع ابتسامتها أكثر هل ستمكث بجانب البحر حقاً!.

ترجل من السيارة ووقف ينتظرها في الخارج لكنها لم تخرج، هز رأسه بابتسامة وتقدم من السيارة وفتح الباب من أجلها وهتف باستفهام: نسيتي العربية بتتفتح إزاي كمان؟، ابتسمت بخجل وهي تترجل من السيارة لـ يحتضن كفها بين كفيه برقه، فسألته بحماس: هو إحنا قاعدين قُصاد البحر علي طول؟!، أومأ بابتسامة عندما رأي سعادتها بهذا ثم أشر بيده على الشرفة بالأعلى كي تنظر: البلكونة دي بتاعتي بتبص علي البحر علي طول..

التمعت عينيها ببريق سعادة ثم تذمر بعفوية وهي تعقد يديها أمام صدرها: طيب وأنا؟!
إبتسم وهتف بمشاكسه: خلاص نتجوز بسرعة عشان تبقي بتاعتي أنا وإنتِ، هزت رأسها بتذمر وهي ترمقه بجانب عينها لـ يقهقه عليها ثم حاوط كتفها وأخذها إلى داخل المنزل..

هتف وهو يضع يده على الجرس: دلوقتي بقي هتشوفي أحن واحدة في الدُنيا بتحبك اوي و اكتر مني كمان، ابتسمت برقه وهي تومئ لتجد الباب يفتح لِتطل عليهم أجمل إمرأة حقاً، المرأه ذات الجمال المتأصل ترتدي حجابها بإهمال وعبائه فضفاضة كي تفتح بها الباب..

هتفت بحده وهي توبخه عكس ملامحها الحنونه الهادئه: شيل إيدك من على الجرز الله، قهقهة جاسم وعانقها بحنان وهتف أثناء عناقه: ما إنتِ لو تشوفي أنا بواجه إيه هتعذريني!، ضربت كتفه بغيظ لتتوسع عينيها بسعادة حقيقية عندما وقعت علي جـنّـة التي كانت تحدق بهم بابتسامة رقيقة خجولة..

دفعته عنها وهتفت بحنان أُمْ وهي تتقدم منها: عشق حبيبتي، جذبتها من يدها إلى أحضانها بلهفة ثم عانقتها بقوة وهي تشكر ربها لأنها عادت إليهم سالمه غانمة..
أدمعت عينيها وهي تقول بشوق: وحشتيني اوي ياحبيبتي وحشتيني، فصلت العناق وكوبت وجهها بين يديها وأغرقتها بوابلاً من القُبلات الحارة التي أدخلت السعادة على قلبها جعلتها تبتسم وقلبها يرقُص فرحاً ثم عانقتها بدورها وهتفت برقة: أنا الحمد الله كويسة يا ماما..

توقف روحية ونظرت لها بتفاجئ لم يقل عن تفاجئ جاسم لتتحدث بتوتر وارتباك عندما رأت نظرتهم: هو، هو أنا قولت حاجه غلط؟!
ابتسم جاسم وهو يتقدم منها ثم هتف بسعادة: أصلك كنتي رافضه تقوللها يا ماما عشان الأم بالنسبالك واحده بس!.

ابتسمت جـنّـة وهتفت برقة مُعبرة عن ما بداخلها بنفي هذا القول: لا طبعاً إنتِ أمي الثانيه عشان إنتِ أُخت ماما وكمان عشان أنا مرات إبنك و مستحيل تبقي في واحده حنينه عليا كده ومقولهاش يا ماما مش كده؟!، أومأت روحية بتأثر وهي تكاد تبكِ من قولها: لا كده ياروح ماما كده، وعانقتها مجدداً بحنان بالغ لـ تربت جـنّـة على ظهرها برقة وهي تتنفس براحه..

تحدث جاسم بتذمر: مش هندخل ولا ايه؟، فصلت والدته العناق ثم محَت عِبراتِها لتشاركها جـنّـة فعل هذا و رفعت أناملها تنظف وجنتىّ والدتها من ذلك النهر الجاري برقة لـ تُقبلها روحية وهتفت بحنان: ربنا يحفظك يا حبيبتي، ثم أمسكت يدها وأخذتها خلفها إلى الداخل..

أغلق جاسم الباب الذي تخطاه وتركه مفتوحاً خلفه من سعادته ثم عاد وأغلقه من جديد وهو يقهقة، فـ حقاً تغيرت تغير ذريع وتمني لوهلة لو أنها لا تتذكر الماضي من جديد يكفي وجودها الآن وهو لن يجعلها سوي سعيده فلا حاجة للذكريات المؤلمة وخاصتاً الخاصة بوالديها المتوفيين فهي تشعر بالنقص ودائماً ما تتهمه بكونه يستغل كونها يتيمة لكنه لا يفعل هذا، لكن عشق هذه تشعر الآن بالرضى ولا تعترض فذلك قدر!.

دلف إلى غرفة الجلوس ليجد والدته تجلس على الأريكة وجـنّـة بجانبها وبدأت تتحدث معها دون توقف لكن جاسم أوقفها وهم بالتحدث: ماما معلش ممكن نأجل الكلام عشان عشق ترتاح؟!.
ثم إقترب وأمسك يدها برقة جعلها تقف أمامه وتحدث إلى والدته: هوري عشق أوضتها وهاجي افهمك كل حاجه تمام، أومأت له بتعجب وعدم فهم ليتحرك بها متجهاً إلى غرفتها في الطابق الثاني المُقابلة إلى غُرفته..

فتح الباب بهدوء و ولج إلى الداخل ثم حثها على التحرك، فـ تحركت وولجت إلى داخل الغرفة وقلبها يضرب قفصها الصدري بقوة واضطراب..
رفعت نظرها وحدقت بأرجاء الغرفة المطلية باللون الوردي الممزوج بالأبيض و الستائر الرقيقة التي تطايرت بفعل الهواء لـ يقع نظرها على التخت الناعم الموضوع بمنتصف الغرفة الذي تراه لأول مره بحياتها لكنها لا تعلم هذا..

التمعت عيناها ببريق لم يستطع جاسم قراءته ومعرفة إن كان فرح أم سعادة لم يستطيع!.
أما تلك الخزانة البيضاء الرقيقة إضافة إلى أنها ممتلئة بالملابس الجميلة التي لم تري مثلها يوماً كانت تأخذ مساحة كبيرة في الغرفة بسبب ضخامتها..
لاحظ جاسم نظارتِها المُشوشة وحاوطها بحنان متسائلاً: الاوضه مش عاجباكِ؟!

هزت رأسها بنفي ولم تتحدث لكنه رفع رأسها كي تنظر له وهتف بإبتسامة: مش هتعرفي تكذبي عشان بعرف يلا قوليلي الاوضه مش عاجباكِ؟!
هزت رأسها من جديد وقالت بابتسامة رقيقة: لا بالعكس جميله بس ألوانها!، ثم توقف زافرة وتابعت: مفيش يا جاسم حلوه، لكنهُ حاوط ذراعيها وهتف بحزن: عشق..

صفعت يده عنها بعنف وتحدثت بعصبيه لا تعلم من أين أتتها: متقوليش يا عشق!، نظر ليده التي صفعتها قليلاً قبل أن ينظر لها بلوم جعلها تندم عندما رأتها واكتفي بالصمت وترك الغرفة وغادر..
جلست على الفراش بحزن وسقطت عبراتها بألم وهمست لنفسها وهي تحتضن ذراعيها: أنا مكنتش أقصد مكنتش أقصد..
أبعدت حجابها عن رأسها بعنف لـ تنسدل خصلاتها حول وجهها بنعومة ثم توجهت إلى خزانة وهى تستنشق ما بأنفها فهي تدين له باعتذار..

أخرجت ملابس بيتيه لكنها فغرت فاهها بتعجب عندما رأت كل تلك الملابس العارية لما هي عارية هكذا؟!.
أخرجت بنطال بيتي وكنزه من الستان بحمالات رقيقه وهذه كانت أكثر الملابس المحتشمة لديها دون مبالغة..
ثم توجهت إلى دورة المياه كي تغتسل..
وفى هذا الوقت كان جاسم قد أنهى شرح كل شيء إلى والدته التي تحدثت بتعجب وهي تراقب سعادته: ومالك فرحان كده ليه؟!.

هز جاسم كتفيه بعدم معرفة وهو يتنهد: مش عارف بس يا ماما عشق متغيرة كأنها مش هيه كل حاجه بتعملها منافية لتصرفاتها القديمة اللي كانت بتعملها زمان وأتمنى إنها تفضل كده كده أحسن بكتير حتي إنها رجعتلي مُحجبة تصدقي إنتِ؟

هزت روحية رأسها بحيرة ليتابع: لا خدي الكبيره كمان غيرت لون شعرها!، توسعت عينيها بعدم تصديق لـ يومئ لها وهو يضحك: لا بجد بصي هي اتغيرت ميه وثمانين درجه وانا عجباني التغيرات دي كلها وياريت يا ماما تخلي بالك منها وأنا متأكد إنها مش هتعمل معاكِ زي زمان..
نظرت له بحزن وتحدثت بعتاب: إخص عليك يا جاسم هو أنا مكنتش بخلي بالي منها؟!

إبتسم جاسم وقال بحنان: لا طبعاً يا ماما أنا قصدي إنها دلوقتي مش فاكره حاجه ومش عايز كل شويه نقولها إنتِ مختلفة مكنتيش بتعملي كده زمان عشان متحسش انها كانت مش محبوبه أو كانت بتتصرف تصرفات مش كويسه والحجات دي مش مظبوطه!
هزت رأسها بحزن لكن لم تنكر سعادتها بالتغيرات البادية عليها، أخرجها من شرودها تقبيل جاسم لـ يدها بحنان ثم هتف فجأة: صح يا ماما أنا قولتلها هنقدم الفرح ووافقت..

توسعت عينيها باستنكار وسألته بتعجب مبالغ به: بجد؟!
أومأ بحماس لتهتف باعتراض أحبطته: بس يا جاسم إنت عارف ان مش هي لوحدها اللي كانت معترضة على الجواز دلوقتي أنا كمان مش موافقه إنت عارف إن كُليتها مش سهله ومش هتعرف توفق بينك وبينها دي مش بتلعب يا جاسم دي في طب؟!.

زفر بضيق وهتف كأنه تعرض للظلم: هو أنا هعمل إيه يعني عشان تقعدي تقولي توفق ومتوفقش؟! ما أنا مشغول برضه وعندي شغل أنا هرسم وهي هتبقي قاعده جنبي بتذاكر مشكلتك إيه بقي؟!
تنهدت روحية وقالت بتعب: جاسم ياحبيبي اصبر شويه ماهي معانا في البيت أهى مش هتطير!.

تنهد ومرر يده على وجهه بنفاذ صبر و هتف بضيق وتهديد: ماما أنا عايزها محتاجها جنبي وفي حضني عايز أصحي ألاقيها جنبي مش في اوضه تانيه ولو محدش طاوعني صدقيني هاخدها تنام معايا في الاوضة وبراحتك بقى خلي طب تنفعكم..
تنهدت بقلة حيلة وقالت باستلام: براحتك يا جاسم إعمل إللي إنت عايزه بس لو شالت مادة أو حصلت حاجه ليها علاقه بالكلية هتزعل مني بس، وتركته وصعدت إلى غرفتها كي تأوي إلى الفراش..

هتف بامتعاض وهو يمد قدميه على الطاولة الزجاجية أمامة: على الأقل هتسهر معايا بدل ما إنتِ بتنامي بدري كده زي الفراخ..
وجد تحفه فنيه من التي تزين غرفة الجلوس إرتطمت بذراعه لحقها حديثها بغيظ: سمعتك ومفيش جواز وخليك لوحدك على طول، قهقهة عليها وهو يراقب صعودها الدرج ثم إبتسم بسعادة وتنهد براحة لأنه إرتاح الآن حقاً..
صدح صوت هاتفه داخل جيب بنطاله، أخرجه بإبتسامة، وضعه على أذنه وهتف براحه: حبيب قلبي..

أتاه صوت إبن عمه المستاء من الجهة الأخرى: لا والله كتر خيرك إنك لسه فاكرنى!.
قهقهة جاسم وقال بتبرير: معلش كنت مكتئب شويه..
هتف سامي بضجر: كُله بسبب سِت عشق إللي منكده عليك حياتك..
رد جاسم بامتعاض: ملكش دعوه
فقال سامي بسخط: ودلوقتي خلاص الهانم رضيت عنك ورجعت!.
قال جاسم بضجر: بقولك إيه بطل رخامه ومتتكلمش عنها..
رد بامتعاض لاوياً شدقيه: لا ونبي خليني أتكلم، ثم زفر وتساءل: عامل إيه؟!.

إبتسم جاسم ورد عليه بابتسامة فهو بمثابة شقيقة: الحمد الله تمام، صمت قليلاً ثم هتف وهو يلتقط مفتاح سيارته: أنا جايلك أقفل، وأغلق وترك المنزل وذهب..
خرجت هي بذلك الوقت من دورة المياه وهي تحاوط جسدها بالمنشفة وتلف شعرها بمنشفة صغيرة.

نزعتها ووقفت أمام المرآة تنظر إلى نفسها قليلاً بدءًا من شعرها الحريري الرطب إلى جسدها الحليبي المنحوت وكأنها تراه لأول مرة بذلك الجمال! فهي لا تتذكر تلك العبائة المهترئة التي كانت ترتديها وتبتلع جسدها كاملاً تخفية عن أنظارها إضافة إلى مرآتها المشوشة التي لم تكن ترى بها سوى صورة مشوهة!

مررت يدها بنعومة علي منحنيات جسدها التي لاحظتها الآن لـ تبتسم وهي تتوجه إلى الخزانة وأخرجت ثوب ضيق من الأثواب الكثيرة التي وجدتها في الخزانة و ارتدته بإبتسامة رقيقة..
وقفت تحدق بنفسها في المرأة من جديد بذهول وتعجب وهي ترى جمالها لما هي جميلة هكذا؟!، كان ثوب لامع من اللون الأسود يصل إلى فخذيها يحتضن جسدها بنعومة عاري الكتفين مبرزاً شق صدرها..

التقطت إحدى القلادات من أمام المرأة الملحق بها كومود وزينت بها عُنقها لحقها قرط رقيق ارتدته بإذنها الفارغة ثم إلتقطت أحمر شفاه قاتم ووضعته علي شفتيها بهدوء وهى تحدق في المرآه بتركيز أنثي تعلم ما تفعل جيداً..

إنتهت بإبتسامة رقيقة وهي تنظر إلى نفسها برضى بينما شعرها كان قد جف في تلك الفترة بسبب تركه مسدولاً خلف ظهرها بنعومة، جمعته بين يديها وهي تغلغل أناملها النحيفة داخلة بنعومة ورفق كأنها تتعامل مع أكثر الأشياء هشاشة ثم وضعته على كتفها ووقفت تتأمل هيئتها بابتسامة رقيقة عذبة..

شهقت بخضه عندما وجدت الباب يفتح ظناً أنه جاسم لكنها تنهدت براحه عندما وجدتها والدته التي اتسعت عيناها ببريق تعلمه جيداً وهو أن ولدها قد أحسن الاختيار، بالتأكيد أحسن الاختيار لأنها ابنة شقيقتها..

تقدمت منها وهي تبتسم بينما هي خجلت بشدة وأطرقت رأسها لترفعها روحية عندما أمسكت مقدمة ذقنها وهتفت بابتسامة حنونه: زي القمر يا حبيبتي ربنا يحفظك، أومأت بخفه وهي تقضم شفتيها بارتباك ثم أعادت إحدي خصلاتها خلف أذنها برقه لتمسك روحية يدها وأخذتها إلى الفراش وجلست عليه وجعلتها تجلس أمامها..

تحدثت بهدوء تسألها: جاسم قلي إنكم قربتو معاد الفرح! أومأت جـنّـة بخفة لـ تتسائل روحية هي ترفع وجهها بين يديها كي تنظر لها: بصيلي وأنا بكلمك ياعشق!

صمتت قليلاً ثم تنهدت وأعادت عليها: ده جواز مش لعبه ومش هكذب عليكِ عشان إنتِ كنتي رافضة الجواز ومأجلاه لحد ماتخلصي أخر سنة ليكِ! ودلوقتى وافقتي بسهوله فـ لازم أجي أسألك وأعرف ليه وافقتي فجأة والمفروض إنك مش فاكره وده يخليكِ ترفضي أكثر لكن إنتِ وافقتي! لازم تفهميني أنا أمك زي ما هو ابني ومش هتمنالكم غير السعاده بس لازم أفهم؟.

ازدرد جـنّـة ريقها و تحدثت بنبرة خرجت مرتجفه ولا تعلم لما: عندك حق فى كل حاجه قولتيها بس جاسم لما حضني وأنا في المستشفى حسيت بـ دفا وأمان محستش بيه قبل كده وحتي لو حسيت بيه قبل كده ومتقصرتش! بس المرادي كانت كل حاجه مختلفه بالنسبالي وفي شعور جميل حسيت بيه وأنا معاه وأنا مش عايزه أفقد الشعور ده يا ماما، وبعد ماقلي إنه محتاجني جنبه مقدرش موافقش عشان انا برضه محتجاله جنبي، ثم تحولت نبرتها إلى حزينة وهتفت بإنكسار: وهو يعني يا ماما خساره فيا؟!، وسقطت عبراتها في نهاية حديثها لحقها شهقتها الرقيقة..

عانقتها روحية بحزن وتحدثت بندم: أنا أسفه يا حبيبتي والله مقصدش وبعدين إحنا إللي محظوظين عشان إنتِ مننا خسارة فيكِ إيه ده لو دور علي واحده زيك مش هيلاقي..
لكنها لم تصمت وظلت تبكِ لـ تعتذر روحية بأسف وهي تربت على ظهرها فهي أول مره تراها تبكِ بتلك الطريقة: آسفه يا حبيبتي آسفه والله حقك عليا..
هدأت بعد بعض الوقت لتمحي روحية عبراتها بحزن وهي تعتذر من جديد: متزعليش مني مقصدش يا حبيبتي..

أومأت جـنّـة بإبتسامة ثم عانقتها وتحدثت بنعومة: مش زعلانه مش زعلانه انا بس مش عارفه بس حسيت إن أنا محتاجه أعيط في حضن حد..
شدّدت روحية على عناقها بحنان أكبر وهي مازالت تشعر بالندم وهتفت بحنان: وحضني موجود عشانك في أي وقت، ثم رفعت وجهها بين يديها وتحدثت برجاء: مش عايزه اشوفك بتعيطي تاني إتفقنا؟، أومأت لها وهي تبتسم برقة لتربت على وجنتها برفق مع قولها وهي تقف: هسيبك عشان ترتاحي تصبحي علي خير..

ردت جـنّـة بابتسامة رقيقة: وإنتِ من أهله، تركتها وغادرت لكنها هتفت بعبث قبل أن تغلق الباب خلفها: متنسيش تغيري عشان جاسم لو شافك كده هيتجنن، وأغلقت الباب وذهبت تاركه جـنّـة تحمر خجلاً وقلبها يخفق بقوه عندما فكرت بـ رده فعله إن رآها هكذا؟!

انتبهت على نفسها وألقت نظرة على جسدها مرة أخرى لـ تبتسم بخجل وهي تفكر به، هزت رأسها مُبعدة تلك الأفكارعن رأسها وبدلت ثيابها مجدداً متناسية خلع القلادة الرقيقه والقرط ثم توجهت إلى دورة المياه من جديد، توضأت ثم خرجت من أجل قضاء فروضها..
إرتدت جلبابها مجدداً بسبب عدم وجود ملابس تليق بالصلاة هُنا ثم حجابها وقامت بوضع بعض الملابس أمامها على الأرضية ووقفت لـ تبدأ صلاتها في خشوع..

أنهت صلاتها بعد بعض الوقت وجلست على الفراش تفكر قليلاً ثم عبثت بأحد الأدراج، لـ تبتسم بسعادة وقلبها رقص فرحاً عندما رأت مصحفاً، أخذته بسعادة وبدأت تقرأ وردها اليومي بصوتها العذب...
تحدث سامي بضجر وهو يراقب سعادته: من ساعة ماجيت وإنت سرحان وبتضحك زي الأهبل في إيه؟!
تحدث جاسم بضيق: بُكرة تتهبل زيي لما تحب..
ردّ سامي بسخرية: مش هتحصل يا حبيبي وبعدين مش عشق إللي تخليك تضحك كده إنت نسيت النكد ولا إيه؟!

فقال جاسم بجديه وضيق: سامي إنت زودتها متنساش إنها مراتي وبنت خالتي إحترم نفسك بقي؟!.
قال سامي بامتعاض: هتخرِس أهو بس لازم أشوف التغيرات دي إللي غيرتك كده عشان اشكرها برضة ما إنت كنت بتقرفني!.
فقال جاسم باستياء وهو يلوح بعدم إهتمامٍ له: هتشوفها هتشوفها بس مش دلوقتي خليها علي الفرح..
اعتدل سامي بجلسته وقال متوجساً: فرح مين؟!
قال جاسم بابتسامة: فرحي أنا وعشق..

هربت الدماء من وجهه وهو ينظر إلى جاسم ثم ضحك ببلاهه وعدم تصديق مبعداً ذلك الذهول عنه: بجد عشق وافقت خلاص دي أكيد اتلبست لأ اتلبست..
زجره جاسم بحده: سامي!
قهقه عليه بوجه شاحب وهتف بإستسلام: خلاص يا عم سكت أهو مبروك مقدماً وهنام خلاص تصبح على خير..
رد جاسم بهدوء: وإنت من أهله، أنا ماشي بقي..
أوقفه سؤال سامي بانفعال: مش كنت بتبات؟

ابتسم جاسم ببلاهة وهو يحك ذقنه: كُنت لما عشق مكنتش موجوده بس دلوقتي موجودة! وبالمناسبة لما تشوفها قولها عشق خفيفة متدوسش على الإسم أوى و تركه وغادر تحت رمشه بعدم فهم..

تجول بسيارته قليلاً حتى مل وعاد إلى المنزل وقت بزوغ الفجر، تثاءب وهو يغلق باب المنزل خلفه وصعد إلى غرفته بنعاس وقبل أن يلج للداخل رأي غرفة جـنّـة مضيئة، فتح الباب بهدوء دون أن يصدر صوتاً واختلس النظر إليها من تلك المساحة الصغيرة التي أدخل منها رأسهُ...

إبتسم بحنان وقلبه ينبض بحبها أكثر فأكثر عندما رآها تصلي الفجر بخشوع! ولا ينكر تلك السعادة التي أحاطت حياته حقاً في هذا اليوم وتلك الساعات القليلة التي عنت له الكثير بفضلها..
أغلق الباب عليها بهدوء ثم توجه إلى غُرفته، توضأ هو الآخر وقام بصلاة الفجر حاضراً وبعدها خلد إلى نوم، لـ تفعل هي المثل بعد فراغها من الصلاة..

دثرت نفسها بالغطاء الدافئ وغطت في نومٍ عميق على التَخت الناعم المريح لجسدها عوضاً عن الآخر الذي كان يهشم عظامها أثناء النوم..

في القاهرة..
طبع قبلة على كتفها العاري بنعومة ثم همس بتثاقل وهو يضم جسدها إليه بقوة: تتجوزيني؟
كتمت أنفاسها وهي ترمش لبعض الوقت تستوعب قوله ثم استدارت ونظرت له بنعاس وقلبها يخفق بقوة وهمست بنبرة مرتجفة: بجد يا قُصيّ؟
قبل جبهتها بحنان وهمس مؤكداً وهو يدثرها بأحضانه أكثر: طبعاً بجد أنا بحبك وإنتِ عارفة اني بحبك تتجوزيني؟.

دمعت عينيها وهي تنظر له لـ يبتسم بحنان ثم محى عِبرتِها التى سقطت بشفتيه وقبلها بحب وقال برقة: بحبك يا عشق، قطبت حاجبيها بتعجب وهي تفكر، عشق! كيف علم؟
شهقت باختناق عندما أمسك عنقها بقوة وقام بخنقها وهو ينظر لها بأعين حمراء دامية داكنة رأت الغدر بها مع موتها، الموت سوف يقتلها، سوف تموت، جاسم! إنه جاسم سيقتلها لا محالة! سوف يقتلها..

شهقت بفزع وهي تنتصب جالسه على الفراش وجبينها يتفصد عرقاً تتنفس بعنف، قلبها يخفق بقوة مؤلمة، ضربات قلبها في تزايد، نظرت حولها بتشوش وهلع تتأكد أين هي، إنه حلم بالتأكيد سوف يكون حلماً قُصيّ لن يقبل على زواجها حتى إن أحبها لن يفعل هي تعرفه تمام المعرفة، وجاسم! جاسم! لما أتي؟ لقد حول حلمها الجميل إلى كابوس!

تنفست الصعداء وهي تضم الغطاء على جسدها العاري ثم ضمت نفسها ورفعت ساقها إلي صدرها وأسندت رأسها على ركبتيها وهي تهتز، تحتجز عبراتها كي لا تبكِ من الخوف لكنها لم تتحمل..
هربت شهقتها وبدأت تبكِ بحرقة وهي تفكر بـ جاسم وخالتها فهي خانت ثقتهما بسهولة وتركت كل شيء خلفها دون أن تعبأ بهما وجزائهم فقط لأنهما منحاها حبهما بإسراف..
فتح عينيه بتثاقل عندما وصل إلى مسامعه صوت أنين خافت وشعر باهتزاز الفراش!.

إستقام جالساً ثم فرك عينيه مبعداً عنه أثر النوم وهو ينظر لها بتعجب ثم سألها بقلق وهو يعانقها: بتعيطي ليه؟ حصل ايه؟
علا صوت نحيبها وهي تهز رأسها جعلته يعانقها بقوة أكبر من سابقها وهو يربت على شعرها بحنان ممزوج بالحزن: مالك بس بتعيطي ليه؟
قالت بحرقة وهي تنتحب أحزنته عليها: أنا تعبانة يا قُصيّ تعبانة..
سألها بحزن بنبرة حانية وهو يهتز بها بخفة: قوليلى مالك عشان أعرف أساعدك..

شهقت وقالت بتحشرج وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة: انا، انا خاينه يا قُصيّ خاينه..
نظر لها بعدم فهم لكنه ظل يعانقها بحنان وهو يقبل رأسها تارة وجبهتها تارة أخرى كي تهدأ حتى هدأت بالتدريج وظل جسدها ينتفض بخفة أثر البكاء..
إبتعدت عنه لكنه أعادها لأحضانه مجدداً وأراح رأسها على صدره فابتعدت بضيق وقالت بنبرة مرتجفة كي يبتعد وهي تبعد نظرها عنه: قُصيّ لو سمحت..

تركها دون أن يبدي إعتراضا، حاوطت جسدها بالغطاء وتركت الفراش ثم ارتدت منامتها السوداء القصير فوقة مِبذل النوم وأغلقته جيداً وأخذت هاتفها ودلفت إلى الشرفة..
ارتجفت اوصالها عندما لفح الهواء البارد جسدها لكنها لم تهتم بل جلست على الأرضية الباردة، مالت وأسندت رأسها على سور الشرفة الحديدي وظلت تنظر في الأسفل عبر الفراغات الحديدية وعبراتها تنساب على وجنتيها ببطء تحرق داخلها بلا رحمة وهي تفكر بـ دنائتها..

حدق بها مطولاً من مكانه وهو يراقب بكائها الصامت فهي مُتغيرة تلك المرة! مُختلفة عن كل المرات السابقة، أكثر حُزناً، أكثر هُدوءًا، مُنطفئة لا تضحك مثل السابق لاتتحدث كثيراً! ما الذي تغير بها هذه المرة؟ يُجب أن يعلم ما يحدث بحياتها!

فهو عندما تجاهل هويتها وكل ما يخصها في البداية تجاهلهُ فقط لأنه يعلم أنها لن تبقى معه فوق أيام ولا يعبأ بمن تكون! لكن الآن كل شيء اختلف! يُريد معرفتها أكثر والتغلغل داخل حياتها وسيفعل شاءت أم أبت..

تنهد وترك التَخت هو الآخر، إرتدي سرواله خامة الجينز القصير، وصل إلى ركبتيه فقط وترك صدره عاري ثم دلف لها في هذا الطقس البارد دون أن يصدر عنه أي ردة فعل أثر الرياح التي لفحت جسده الصلب لكن لم يهتم وكأنه فقد الشعور هو الآخر..
شعرت بـ ساقِها ترفع عن الأرض الباردة لـ يجلس مُقابلها ثم وضع ساقيها على فخذيه..

نظر لها مطولاً يراقب شعرها الحريري الذي كان يتطاير بقوة أمام وجهها حجب عنه رؤيتها، أبعدته خلف أُذنها بأناملها النحيفة وهي ترفع رأسها مع قضم شفتيها مستمرة في البكاء بصمت والاهتزاز دون توقف..
تأمل ملامحها الناعمة الرقيقة وخاصتاً أنفها ووجنتيها الحمراوين بسبب البكاء والبرودة في أنٍ واحد..

رفعت نظرها له بإرهاق عندما شعرت بيده تمسد ساقها وكأنه يواسيها بتلك الطريقة فلا يوجد ما يفعله سوى هذا حتى هي بعيدة عنه كي يعانقها!
هز رأسه بإيماءة بسيطة مطمئنة حثها من خلالها على التحدث لكنها لم تفعل، أطرقت رأسها وفتحت الهاتف وهي تشهق، توقفت أناملها على اسمه ثم ضغطت عليه بخفة..
ابتسمت بألم وهي تنظر إلى صورته الموضوعة على جهة إتصالها ثم رفعت الهاتف ووضعته على أذنها بهدوء..

رفع نظره إلى السماء عندما اشتدت الرياح لـ يجد السُحب تكتلت فوق بعضها البعض وأخرى تلاصقت بأخرى كأنهم يخبرونه عن قدوم عاصفة قوية قريباً يجب أن ينتبه..
الإسكندرية في هذا الوقت..
صدح صوت هاتفه المرتفع في الغرفة، تقلب جاسم بانزعاج وهو يدفن رأسه تحت الوسادة بتثاقل لكن صوت الهاتف لم يتوقف، فتح عينيه بنعاس وأخذه من على الكومود دون النظر ورؤية من يهاتفه..
تحدثت بتثاقل: ألو، ألو، ألو!

وضعت يدها على فمها تكتم شهقتها ثم أغلقت الهاتف وعادت تبكِ بحرقة تحت مراقبة قُصيّ لها بتعجب واستفهام عن ذلك الإتصال، مد يده كي يأخذ الهاتف لكنها كانت أسرع منه، حملته عن قدمها سريعاً وأخرجت شريحة الاتصال بسرعة وكأن هُناك من يطاردها!.
حاولت كسرها لكنها كانت قوية على يديها التي كانت ترتجف دون توقف، وضعتها بفمها وقامت بثنيها بعنف اسفل أسنانها حتى تأكدت من تدميرها نهائياً..

أخرجتها من فمها ثم ألقتها من الشرفة تزامناً مع صوت الرعد القوي والبرق الذي أضاء لبرهة ثم هطول الأمطار الغزيرة بعدهما أغرقتهم داخل الشرفة..
تقدم منها وهو يسير جاثياً على ركبتيه بعد أن أغرقتة الأمطار التي تهطل بغزارة ومازالت تهطل، نظر إلى السماء التي تضيء وتنقسم أثر البرق تحدث بقلق: قومي ادخلى عشان البرد..

هزت رأسها برفض وهي ترتجف، أبعد شعرها الملتصق على وجهها إلى الخلف وطلب برجاء: قومي معايا هتتعبي الجو برد، هزت رأسها بنفي ثم إنتفض جسدها مع صوت الرعد المخيف..
تخدر فمها من البرودة و تحرك فكها بتلقائية ضارباً صفيّ أسنانها معاً بقوة لـ تتحدث بنبرة مرتجفة أثر البرودة: عا، عايزه، أسافر..
حملها بضجر تحت تململها بين يديه كـ جرو مُبلل مستمعاً إلى صوت صكيك أسنانها معاً بقوة..

هتف بتهكم وهو يدلف بها إلى الداخل: جاية تناقشيني هنا في البلكونة؟، وضعها على التخت ثم حاوط جسدها بالغطاء بقوة وهرول إلى دورة المياه وجلب منشفة وبدأ يجفف شعرها بخفة شاعراً بانتفاض جسدها من الداخل..
فقال بتوبيخ والمياه تتقطر من شعره حتى أسفل صدره: إنتِ ايه اللي دخلك جوا دلوقتي و لابسة خفيف وعريان مبتحسيش؟
شهقت عائدة إلى البُكاء وقالت بحرقة: إنت اللي مش بتحس!

هز رأسه موافقاً وهو يتابع تجفيف شعرها: فعلاً عندك حق مش بحس أنا فعلاً مش حاسس بحاجة؟!
طلبت من جديد وهي تبعد يده عنها ومازالت تبكِ: أنا عايزه أسافر..
تنهد وقال بحنان وهو يبعد شعرها إلى الخلف: نسافر منسافرش ليه!
هزت رأسها وقالت بصوت مبحوح: عايزه أسافر لوحدي ومش هرجع تاني هنسيب بعض..

جلس أمامها على الفراش ثم كوب وجهها بين يديه وهتف بحنان وهو يداعب وجنتها بإبهامه: إنتِ متغيرة ومش مبسوطة لو عايزه ترجعي ارجعي مش مُجبره إنك تفضلي معايا بس هستناكي لما تبقي كويسه عشـ، قاطعته وهي تهز رأسها عائدة إلى البُكاء بأسي: قُصيّ إفهم أنا همشى ومش هرجع تاني لازم تنسي إنك عرفتني إنساني زيي زي غيري..

ابتسم بحزن وهز رأسه وهو يقول: إنتِ مش زى حد ولا هتبقي، وحاوطها بحنان رغماً عنها جعلها تدفن رأسها بصدره وهي تنتحب دون توقف فهي تتألم ولا تعلم ماذا تفعل! تشعر أنها تقف داخل نيران وأمامها طريقين ولا تعلم أيهما تقطع كي تنجو بحياتها! لكنها إختارت الطريق الخطأ ولا تعرف طريق العودة بعد الآن! وإن عرفت طريق العودة يوماً لن تستطيع التراجع! قلبها لن تتركه؟!.

كوب وجهها من جديد وأسند جبينه على جبينها وهتف برجاء: لو أنا مضايقك متزعليش مني أنا آسف بس متسبنيش، لو عايزاني أبعد عنك الفترة دي لحد ما تهدي هبعد بس خليكِ خليكِ..
أومأت وهي تحاوط خصره بقوة فـ حاوطها بقوة مماثلة وهو يقبل رأسها بحنان بالغ حتى هدأت وصمتت نهائياً وظلت ساكنة بين أحضانه تتنفس بانتظام كـ طفلته حتى عاد الدفء يزحف إليها من جديد وهي تحدق تجاه الشرفة..

أغمض عينيه شاعراً بحرقتها من قلة النوم بعد أن أبعد نظره عن الشرفة، حملها برفق وهو يدثرها داخل الغطاء ثم أنامها على الفراش ظناً أنها نائمة لكنه وجدها تنظر له بهدوء..
ابتسم وربت على وجنتها بحنان وحثها على النوم برفق: يلا نامي عشان ترتاحي، أومأت له وهي تحرك رأسها على الوسادة ثم أمسكت يده عندما وجدته يذهب وسألته بصوت متعب بالكاد خرج: رايح فين؟
قال بهدوء وهو يتثاءب: همشي عشان مضايقكيش..

هزت رأسها رافضة ذهابه وطلبت منه بحزن: خليك جنبي لحد ما أنام، أومأ لها بهدوء وجلس على طرف الفراش وظل يربت على شعرها بحنان وهو يتأملها حتى ثقلت أنفاسها وغفيت..
قبل وجنتها بحنان وتحرك ليذهب لكنه لم يستطيع، عانق جسدها برقة ودفن رأسها بصدره هو يضمها إليه بقوة وظل متشبثاً بها رافضاً فكرة ابتعاده وذهابها لن يستطيع يرفض بشدة..

أخذ شهيقاً طويلاً وهو يراقب شروق الشمس بابتسامة مثل كل يوم صباحاً، تنهد وهو يحرك يديه داخل جيب سترته البيتية وهو يفكر بعمق، مُنذُعودتهما أمس لم يراها وهي لم تتحدث معه بل إختفت عن وقع أنظاره بعد أن وضعت قدمها داخل المنزل، لا يعلم ماذا يفعل وكيف يبادر بالتحدث معها كيف؟!

استفاق من شروده عندما شعر بأنامل تلكز كتفه بخفة فاستدار بتعجب لـ تتسع ابتسامته عندما رأي تالين تمد له قدح قهوة دافئاً يتصاعد منه البُخار من شرفتها وهي تبتسم له بعذوبة..
حملق بها بتعجب لبعض الوقت وهو يحرك أهدابه ظناً أنه يحلم ثم أخذه من يدها عندما ضحكت بخفة وهي تحركه أمام وجهه جعلته يستيقظ من شروده بعد وصول رائحة القهوة المُخدرة إلى أنفه..

إبتسم لها وداخلهُ يرقص فرحاً بسبب رؤيتها في هذا الوقت المُبكر واهتمامها به وخصوصاً أنه كان يفكر بها لكن لم يخفي تعجبه أيضاً من موقفها هذا؟!
رفع قدح القهوة أمام أنفه و استنشق رائحتها بانتشاء ثم قال بتخدر وهو يبتسم بامتنان مع هز رأسه بخفة وتلذذ كأنه تناول مُخدرة الخاص الآن: تسلم إيدك يا تالين حلوه أوي..

إبتسمت وهي ترتشف قهوتها هي الأخرى ووقفت تراقب الشروق معه وهي تبتسم شاعرة بالدفء بالتأكيد بسبب ملابسها الثقيلة وليس بسبب وجود آدم بجانبها أو شيء من هذا القبيل..
هزت رأسها وهي تبتسم وكل تارة وأخرى تنظر إليه ثم ترتشف رشفة قهوة وتضحك، تنظر إليه وترتشف رشفة قهوة وتضحك جعلته يتعجب لكنه لم يعلق أيضاً؟!

في الإسكندرية..
توجه إلى الداخل بينما هي كانت تبحث عن مكان الأكواب فوجدت يد تحاوط خصرها بحميمية، ابتسمت بنعومة ظناً أنه جاسم لكن صوت سامي الماكر جعلها قدميها تتيبس أرضاً دون حراك: وحشتيني يا عشق..
شهقت بخوف و ابتعد إلى الخلف لكنه سحبها من خصرها بخشونة وقربها له مجدداً ثم رفع ذقنها بإبهامه وهتف أمام شفتيها بهمس: بس أجمل بالحجاب تصدقي؟.

ترقرقت الدموع بعينها وهي تحاول أن تدفعه بضعف وهتفت بنبرة مرتجفة خائفة: إنت مين إبعد عني إبعد..
ضحك بخشونة وهو يقربها له أكثر مشدداً قبضته حول خصرها ألمها: مش دي المُقابله إللى كنت متوقعها وخصوصاً إنك وافقتي تتجوزي جاسم!.
تحدثت بخوف وهي تحاول التملص من يديه بذعر: وإنت زعلان ليه هتجوزه ولا مش هتجوزه؟!

ضحك وتبدلت ملامحه لأخرى غاضبة باغضة: أتضايق؟ إنتِ ناسيه ولا إيه؟! الشغل اللي إنتِ عملاه ده يمشي على روحية وجاسم مش سامي ماشي يا قطة؟! ثم إبتسم بمرض وقبل وجنتها بحنان وهتف بنبرة جعلتها تشمئز: بس وحشتيني أوي ونفسي نقضي وقت زي إللي كُنا بنقضيه مع بعض..

جحظت عينيها وشهقت بصوت مرتفع وهي علي وشك البُكاء من قوله هذا جعلته يضحك بتسلية وهو يراقبها ثم أقترب أكثر وهمس بأذنها بخبث: لو نسيتي أفكرك، ثم تركها وذهب..
زحفت البرودة إلى أوصالها كمن ألقي عليها دلواً من الماء البارد، ترنحت إلى الخلف وجسدها يرتجف بأعصاب تالفة غير قادرة على الوقوف..

تشبثت بحافة الرخام خلفها وتساقطت عبراتها بألم فهي علمت الآن أنها لم تكن فتاة جيّدة بتاتاً، هزت رأسها وهي تشهق لـ تخيلها ما كانت تفعل مع هذا ومعها جاسم! هي ماذا فعلت ماذا فعلت؟!.

القاهرة..
خرجت من غرفتها بنشاط وهي ترتدي ملابسها الرياضية خاصتها المكونة من بنطال ضيق وارتدت فوقه سترة شتوية دافئة وحذاء رياضي ورفعت شعرها ذيل حصان وذهبت كي تمارس رياضتها الصباحية..
توقفت أمام المطبخ عندما وجدت نادين ترتشف مياة بنعاس فسألتها بحنان ممزوج بتعجب: إنتِ صاحية بدرى ليه؟

قهقهت نادين بثمالة وقامت بتعديل قولها: أنا لسه هنام يا مامي! أنا بس عطشت وعمّار كان بيكلمني عشان كده هطلع أنام دلوقتي..
أومأت ليلى بهدوء ثم طلبت: هاتي رقمة..
نظرت لها بتعجب وقد ذهب النعاس عنها وظلت صامتة لبعض الوقت ثم قالت بتردد وكأنها تسألها: رقم عمّار يا مامي؟

هتفت ليلى بعصبيه وهي تنظر لها: أومال مين يعنى اتفضلي اكتبي رقمه، وألقت الهاتف أمامها على البار باقتضاب، كتبته لها بهدوء ثم وضعته مكانه باحترام، وصعدت كي تحصل على الراحة وتنام..
بعد ساعتين..
توقفت تلهث بأنفاس متسارعة وهي تسند يدها إلى ركبتيها تغمض عينيها بإرهاق وقلبها يخفق بقوة، قوة مؤلمة لقد أرهقت نفسها يكفي اليوم يكفي..

صرخت بهلع عندما اصطدم بها جسد صلب أسقطها أرضاً على مؤخرتها ولم يهتم أو يتوقف بل تابع طريقة راكضاً بكل هدوء..
صرخت بألم وهي تجلس بتأوه ثم سبته بصوت مرتفع: يا حيواان يا أعمي ربنا ياخدك..
توقف عمّار وهو يلهث ثم أنزل القبعة الملحقة بـ كنزته القطنية عن رأسه ونزع سماعات الأذن عن أذنه وهو يقطب حاجبيه لقد سمع شيء؟ نظر خلفه بتعجب نظرة شملت الطريق بكامله فلم يجد شيءً مريباً سوى فتاةً ما تجلس أرضاً!

هز كتفه بتعجب ثم وضع سماعات الأذن داخل أذنه وبدأ يدندن مع الموسيقى وتابع ركضة، توقف بعد خمس دقائق عندما سمع صوت هاتفه معلنا عن وصول رسالة نصية برقم غير مسجل..
فتحها باقتضاب يرى من هذا لـ ينفجر ضحكاً وهو يقرأ محتواها بأعين باسمة بالطبع ستكون هي، إنها حماته الوقحة التي لا تحترمه، تريد رؤيته! هذا جيّد لأنه لا يطيق ذرعاً كي يلقنها درساً..
بعد مرور ساعتين.

انتهى من ارتداء حِلته السوداء الرسمية ثم أغلق السترة من المنتصف لـ يبرز صدره من أسفل القميص الذي ترك أزرارة الامامية مفتوحة ووقف يمشط ذقنه بملامح هادئة ويتمنى حقاً أن ينتهي كل شيء بخير وألا تتعبه تلك الثرثارة ويعود إلى المنزل لأن والده لايتركه يحيى هُنا بسلام..

أما في مقر عمل ليلى، كانت تجلس على مقعدها بهدوء ترتشف مشروب ساخن بسبب برودة الطقس شاردة الذهن، ترتدي فستان أبيض مغلق من كل الإتجاهات ضيق يحتضن عنقها البِض وذراعيها النحيلين بأكمام يصل إلى ركبتيها وهذا كان سبب برودتها، ساقها العارية من الأسفل..
شعرها الكستنائي مُصفف بعناية تليق بها، تضع قليلاً من مساحيق التجميل فهي لا تفضلها كثيراً وخاصتاً بسبب كونها تملك وجهاً جميلاً ما حاجتها إلى مساحيق التجميل!

أخرجها من شرودها رنين الهاتف، تحدثت بهدوء وهي تتنهد بكسل: ألو، دخليه، أغلقته باقتضاب لا لا بل صفعته وهي تنتظر رؤية وجهه ذلك البغيض الذي وصل الآن..

دلف بهدوء لـ تنتشر رائحة عطرة الرجولية في أرجاء المكان جعلتها تقوم بإغلاق أنفها بسبابتها و إبهامها وهي تهز رأسها بتقزز لاحظة مثل امس فضحك وهو يجلس أمام مكتبها مُتجاهلاً تصرفاتها وتحدث بهدوء وهو ينظر لها: إزيك ياحماتي؟، نظرت له بدون تعبير ثم قالت بتهكم: أنا قولتلك أقعد؟
رفع ساقيه على الطاولة أمامة كي يجلس براحة أكبر ثم سألها: أنا جي أقابل مدير المدرسة ولا ايه يا حماتي؟ أنا كبرت على الحاجات دي!

أراحت ظهرها على المقعد، وبدأت تقلب القلم بين يديها وهي تنظر له بتركز لـ يبادلها بنظرات متسلية وهو يتفحها بـ خضراوية ولم ينكر كونها مذهلة بالأبيض، هي مذهلة بكل شيء تلك العجوز الفاتنة..
عجوز أي عجوز! يشك بهذا! هو العجوز وليست هي!.
ضحك بسخرية على تلك الأفكار جعلها ترفع حاجبيها وهي تنتظر له لـ يسألها وهو يحدق بالكوب الموضوع أمامها: مش هشرب حاجة ولا ايه؟

ارتشفت آخر ما بقي به ثم قالت بأسف: معلش مش هتشرب حاجة عشان مش بحب أضايف حد مبحبوش..
إبتسم وأومأ متفهماً وقال برفق: بحب صراحتك على فكرة أنا هطلب لنفسي متتعبيش نفسك إنتِ يا غالية..

نظرت له بسخط لـ تبتعد إلى الخلف بالمقعد ببعض الخوف كـ ردة فعل عندما وقف ومال على مكتبها لـ تزفر وهي تلعنه تحت أنفاسها عندما وجدته يأخذ سماعة الهاتف وتحدث بهدوء وهو ينظر لها رافعاً حاجبه الأيمن ويعتلي ثغره ابتسامة لم تُريحها بتاتاً: واحد قهوة سادة بسرعة..

جلس مكانه من جديد وأراح ساقيه على الطاولة وعقد يديه أمام صدره ثم قال بابتسامة جانبيه وهو يراقب تذبذبها بسببه: مالك يا حماتي خدي راحتك في القعدة ده مكتبك برده رحرحي رحرحي؟.
ضمت قبضتها بضيق ثم إقتربت بالمقعد أمام المكتب من جديد لـ يسألها بهدوء: مش عاوزاني؟ خير في حاجة؟
ابتسمت بتهكم وهي تشبك يديها معاً هل يقول هذا المتبجح خير؟ من أين سيأتي وهو موجود؟
سألته باستفهام: إشمعنا إختارت بنتي؟

فكر قليلاً وهو يقطب حاجبيه ثم قام بتعديل قولها: المفروض إختارت نادين ليه مش اختارت بنتك ليه! أنا معرفكيش عشان اتجوز بنتك عشان هي بنتك فاهماني؟
هتفت بضجر وهي تبعد شعرها إلى الخلف: إنت بترغى كتير ليه؟ المعنى واحد في النهاية وأنها بنتي؟
رد بضجرٍ مماثل: يعني عايزة ايه يعني؟ اختارتها لأسبابي الخاصة مالكيش دخل فيها!

ردت بعصبية مفرطة والدفئ بدأ يزحف إلى جسدها بسبب انفعالها: لأ ليا دي بنتي ولازم أعرف اللي هتاخده ده شكله عامل ازاي؟
إبتسم بعبث وأمال رأسه للجانب وقال بهدوء: شكلة! أنا أهو مش شايفة شكلي؟ عيني خضره شعري إسـ، صمت عندما صرخت به بنفاذ صبر تزامناً مع دخول مساعدتها بالقهوة: عمّااااار..

توقفت أمام الباب بارتباك لبعض الوقت ولا تعلم ما تفعل بسبب صراخ ليلى، بينما هو كان يحدق بساعة معصمه ببرود وكأنه لم يفعل شيء، وليلى تجلس ترمقه بنظرات حارقة وهي تستشيط غضباً بسبب برودته وسذاجته في الحديث..
أمرتها بهدوء وهي تمرر يدها على وجهها كي تهدأ قليلاً: إتفضلي يا رنا تعالي..

تقدمت وهي تبتسم بتوتر ثم وضعتها بجانب قدميه على الطاولة فاعتدل وأنزل قدمه ثم قال بابتسامة شُكر: ميرسي يا رنا عقبال شربات فرحك، ابتسمت بخفة وهي تومئ بهدوء كاتمة ضحكتها بسبب ليلى التي قتلته بخيالها ألاف المرات، ثم تركتهم وغادرت..
أرتشف القهوة بصمت قطعته ليلى عندما تحدث بضيق: عمّار، سؤالي واضح وصريح ليه عاوز تتجوز نادين؟

تنهد وقال بتفكير وهو يتذكر هيئتها: عشان هادية، رقيقة، طيبة، كيوت!، وصمت ينظر لها فتابعت عنه بتهكم: والضعيفة اللي هتدوس عليها بسهولة وتتحكم فيها وبعدين ترميها بعد ما تخلف النبي حارسة إبنك..
قهقهة بخشونة وهو ينظر لها ثم سألها بعدم فهم عاجزاً عن فهمها حقاً: ليه الحاجات الوحشة بس اللي بتيجي في دماغك وبعدين ايه الفيلم ده؟
ردت بفظاظة وهي ترمقه باشمئزاز: عشان إنتوا كده!

قلب عينيه وأسند وجنته على راحة يده وسألها: إنتوا مين؟ عمّار؟!، ثم أشر على نفسه وتابع: إحنا اللي هنتجوز نادين مش عاجبين حضرتك ليه؟
إبتسمت وهي تمسد جبهتها بتعب ثم قالت بكُره: عشان الرجالة عمتاً يعني كلهم بلا إستثناء خبيثين، أنانيين، قذرين، وقحين، ومقرفين، ضيف عليهم الصفة دي عرفتها لما شوفتك، نكرة، إنت نكرة يا عمّار ومستحيل أديك بنتي عشان تنفيها وتدفنها معاك هناك..

وضع قدح القهوة من يده بهدوء تحت تصلب جسده من الغضب أخفاه ببراعة وهو يضحك بتقطع ساخراً من حديثها أغضبها، ثم سألها بجدية: إنتِ تعرفيني عشان تتكلمي عني بالطريقة دي؟
هزت رأسها وبررت بلا مبالاة: مش محتاجة أعرفك عشان شكلك باين، بتاع نسوان، عينك زايغة، مغرور، شايف نفسك على الفاضي وإنت عيل عارف يعني ايه عيل؟ مش راجل يعني من الآخر..
ضحك وهو يهز رأسه بتفهم وعينيه تقدح شراً ثم سألها فجأة: فين أهلك يا حماتي؟

ضربت جدار المكتب براحة يدها بقوة وقالت بحدة غير مُبررة وهي تقف بانفعال: أنا هنا إللي أسأل وبس، إبتسم بسخرية تحولت إلى برود وهو يرفع قدمه، نظر إلى حذائه المُدبب قليلاً وهو يُفكر وبدون سابق إنذار ضرب الطاولة بعنف تهَشَم الزُجاج أثرها جعلها تصرخ بفزع، لـ يقول بتعجب وهو ينحني على الطاولة ناظراً إلى شظايا الزجاج المتناثرة حولهُ كأنه هَشم كوباً صغيراً: رقيق أوي الازاز ده متجبيش من الناس دي تاني، ثم مرر يده الزجاج الموضوع على جدار المكتب وسألها بعبث: أجرب ده وأشوفه رقيق زيه ولا لأ؟

صرخت به بوجه مكفهر من الغضب وقلبها يقفز خوفاً داخلها: ياهمجي يا خرتيت نزل ايدك القذرة دي من على مكتبي..
إبتسم وأبعد يده وهو يرفعها باستسلام كأنه تحت التهديد و مقلتيه تلمع ببريق ظهر جلياً داخلها أخافها أكثر ثم جلس على المقعد بهدوء وبدأ بفك أزرار كُمية الفضية الأنيقة وهو يقول بابتسامة: إنتِ جوزك كان صعيدي ولا ايه ياحماتي؟

ضحكت بسخرية وقالت باحتقار أخفت خلفهُ خوفها وهي تنظر إليه: ولا حد منهم يطول ضفري..
إرتفعت زاوية شفتيه بسخرية وسألها بتهكم: و لمؤاخذه كده يا حماتي هياخد ضفرك يعمل بيه ايه؟ هيسلك بيه سنانه؟
أغمضت عينيها بنفاذ صبر وهي تتنفس بانفعال وعصبية وهي تكاد تصفعه من كم الاستفزاز والتبجح هذا..

صكت أسنانها بغضب ثم زفرت بحرارة شاعرة بدمائها تغلي داخل عروقها جعلته يبتسم مستشعراً كم الغضب الذي أصابها، لكن رغم هذا تحدثت بأكثر نبرة هادئه حملتها يوماً: أخرج برا وامشي، أخرج من حياتنا يا عمّار..

نظر لها عمّار مطولاً دون التحدث ثم سألها باستنكار عندما طال صمتها: مالك بتتكبرى عليا ليه وإنتِ شبه كوباية السوبيا كده؟ ومين دول اللي ميطولوش ضفرك؟ إوعي تكوني فاكرة نفسك واحدة والناس هتقطع نفسها عليكِ! لأ ده سعيد المغفل بس اللي في سن أبوكِ هو اللي بيعمل كده عشان مش قادر على البنات الصغيرة! إنتِ شخصية نِفريه ومفيش راجل يقدر يتحملك أصلاً..

اهتزت مقلتيها العسلية و ازدردت ريقها بصعوبة وهي تقبض على حافة المكتب بأناملها الرقيقة بقوة ثم قالت بثبات وهي ترفع رأسها بـ شموخها المعتاد وكأن قوله لم يؤثر بها وليست على وشك البكاء الآن: أخرج برا بدل ما أطلبلك الأمن..
لكنه تابع بتهكم وكأنه لم يسمعها وقد التقطت خضراوية ذلك البريق الحزين في عسليتيها: هخرج بس لازم تعرفي إني هتجوز نادين و هتمشوا معايا بليل برضاكِ أو غصب عنك!.

هتفت بتهكم وهي تسخر منه: تاخدنا عشان تقعدنا في الزبالة اللي جيت منها صح؟
هز رأسه وهو يبتسم إبتسامته المميتة ثم خلع سترته وألقاها أرضاً بنفاذ صبر وهمّ بالتحدث وهو يقوم بثني أكمام قميصه ضامراً لها كُل شر: تعرفي إن البدلة دي غالية أوي؟ والبرفيوم اللي سَديتي مناخيرك من ريحته المقرفة متعرفيش تجيبي زيه أصلاً! والحزام الجلد ده تعرفي بلبسة ليه؟
قطبت حاجبيها بتعجب بسبب أسئلته الغير مفهومة؟

لكن ابتسامتها الساخرة لم تختفي مع هذا إستفزته أكثر وجعلته يتحدث بكل رفق وهو ينظر لها بوداعة: تصدقي وتؤمني بإيه يا حماتي إني حاولت..
نظرت له بعدم فهم لـ تجده بدأ يفك حزام بنطاله لـ يدب الرعب بأوصاولها ماذا سيفعل؟ سيغتصبها؟! ياإلهي؟!.

تابع وهو ينظر لها ببرود وعينيه تقدح شراً: وحيات الغاليين الميتين قبل العايشين حاولت بشتى الطرق إني موركيش الوش التاني وأعدى قِلة أدبك من ساعة ما شفتيني لحد دلوقتي بخير! لكن مفيش فايده فيكِ لسانك عايز يتقطع من لغلوغه، وضرب المكتب بحزامة بعنف كـ سوط في نهاية حديثة جعلها تنتفض بخوف وهي تنظر له بذعر و قلبها يقفز هلعاً داخلها..

عادت بخطواتها إلى الخلف بتلقائية وأنفاسها ترتجف كـ قدميها من الخوف، لـ يهقهة بتسلية وهو يضرب جدار المكتب من جديد جعلها تصرخ بفزع حقيقي وهي تضع يدها على فمها ثم قال بعدم رضي وهو يقطب حاجبيه: لأ الصوت مش عاجبني؟.

نظر إلي المتعلقات الخاصة بها الموضوعة على جدار المكتب بترتيب وتنسيق أنيق دمره عندما دفع كل هذا أرضاً مخلفاً فوضي وتهشم بعضاً من أغراضها أثرة كـ الكوب وإسمها العريض والهاتف الأرضي، ثم ضرب المكتب بعنف مضاعف كأنه يُعذب أحداً ما وكم تمنى أن تكون ليلى لأنه إن لم يشفي غليلة سوف يمزق جسدها به..

انشطر الزجاج فوق المكتب إلى نصفين أثر عنف ضربته لـ يرفع رأسه لها بملامح متجهمة وأعين حمراء تضخ شرار جعلت الدماء تهرب من وجهها وتشحب وخارت قواها وهي على وشك أن تفقد الوعي، لكنه عاد يبتسم بإجرام وهو يحدق بحزامه بعمق أخافها أكثر ثم تحدث قائلاً باقتضاب وعدم رضى: برده الصوت مش عاجبني لأ مش هينفع كده!.

زفر ورفع رأسه على حين غرة هو يقلب الحزام بين يديه ونظر إلى ليلى بعمق أسقط قلبها أثر تلك النظرة وخضراوية تجولت على جسدها بوقاحة وبكل وضوح أمام ناظريها بث الرعب بداخلها، ثم سار حول المكتب الخشبي بهيئته المبعثرة وهو يطرق عليه بأنامله بتسلية حتى توقف أمامها خلف المكتب ثم تقدم أكثر لتعود إلى الخلف كـ ردة فعل بخطوات مبعثرة وهي تكتم أنفاسها المرتجفة بخوف مُستمعه إلى اقتراحه بهمس وهو يبتسم أمام وجهها الباهت: عايز أسمع صوت الحزام الجميل وهو نازل على الجسم القمر ده ايه رأيك؟!

-وقحة هي تلك النظرات التي تبعثرني-.

=: عايز أسمع صوت الحزام الجميل وهو نازل على الجسم القمر ده ايه رأيك؟!.
زاغت عيناها وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة، حركت شفتيها كي تتحدث لكنها عجزت عن تكوين جملة مفيدة ومازالت تعود إلى الخلف ويدها معلقة في الهواء تبحث عن المقعد كي تستند عليه قبل أن تنهار..
ركلة بقوة يشفي به غليله عندما أبصره جعله.

يصطدم بالحائط بعنف مصدراً صوتاً قوياً جعلها تتفض وهي تنكمش على نفسها أكثر لـ يتحدث وهو يضرب الحزام جانب قدمها شعرت بالهواء الذي لفح ساقها العارية أثره وهو يرفع حاجبيه وتحدث باستفهام: مالك ياحماتي؟ اتشليتي ولا السر الإلهي طلع؟ هزقيني يلا سمعيني! عيدي تاني كنتي بتقولي ايه؟ يلا، زبالة! صح؟ الزبالة اللي جيت منها؟، وضرب أسفل حذائها بقوة فكادت تسقط على وجهها وهي تصرخ فزعاً جعلته يضحك بتشفي وهتف بتسلية: بقي القمر ده خنزير! وخرتيت! ونكرة! وزبالة! وأمشي أطلع برا! هاا؟، ثم ضرب جدار المكتب من جديد جعلها تصرخ بأعين دامعة على وشك البكاء و صرخ بها بعنف جعلها تنتفض بخوف: لأ، سمعيني صوتك الجميل! حركِ شفايفك الحلوه دي و اتكلمي يلا..

ثم سألها بتعجب وهو يقترب أكثر حتى توقف أمام وجهها أثار في نفسها الذهول وهو يتساءل: شفايفك دي ولانفخ؟ لاعبه فيهم نفخ مش كده؟، ثم نظر إلى صدرها بخبث ورفع نظره لها وسألها ببراءة وهو يرفع حاجبيه: ودول برده نفـ، بتر قوله يدها التي رفعتها كي تصفعه مع شتمة بصوت مرتفع وحدة: يا واطي ياحيـ، وصرخت بألم عندك أمسك ذراعها وقام بلوية خلف ظهرها بقسوة ودفعها إلى الأمام وحاصر جسدها بينه وبين الحائط وجأر من خلف ظهرها بصوت غاضب مرتفع أصابها بالطنين وهو يقبض على معصمها أكثر جعلها تشعر بتوقف سريان الدماء داخل عروقها: لـيـلـى يا مِنشاوي اتقى شرى ويستحسن ليكِ إنك تفضلي حماتي، حماتي وبس وبلاش أنا هاا بلاش عشان أنا أوطى من ما تتخيلي ومعنديش في الوساخة وقلة الادب كبير وصغير كله واحد، ثم ضغط أكثر على معصمها جعلها تأن وهي تكتم شهقتها شاعرة بتهشم عظامها أسفل يديه وقال بسخرية: الخمس سنين اللى بيني وبينك وفرحانه بيهم دول بليهم واشربي مايتهم! وزي ما بتعامل معاكِ باحترام هتتعاملي معايا باحترام غصبن عن عين أهلك بدل ما أوريكِ النكرة والزبالة ده هيعمل فيكِ ايه؟ فاهمة؟!.

لم ترد عليه لـ يضغط أكثر على معصمها جعلها تصرخ وهربت شهقتها وهي تدفن وجنتها بالحائط أكثر لـ يتابع بتشفي وهو يستمع إلى صوتها الباكِ: والمخنث اللى كرهك في الرجالة وطلعه بلا أزرق على جتتك ده آخر همي؟ مش ذنبي فاهمة؟ يعني مسمعكيش بتهمسي حتى لنفسك انك بتكرهي الصعايدة ولا غير الصعايدة بدل ما اطربق الدنيا فوق دماغك وهعمل فيكِ حاجات عقلك المتخلف مش هيعرف يستوعبها!، وضغط أكثر على معصمها وحذرها بلذاعة: ولسانك الجميل ده تقصيه عشان بيضايقني! إنتِ كُلك على بعضك بتضايقيني! خفي شوية عشان هأذيكِ..

ثم ترك ذراعها الذي تهشم ولم تعد تستطيع تحريكه وأدارها بقوة لتنظر له بوجهها الأحمر الباكِ ومازالت ملامح الكُره تسيطر عليها جعلته يضحك وهو يحدق بها ثم قال بهدوء ونيته أن يتركها: لما تروحي جهزي شنطكم هاخدهم بليل..
إبتسمت بسخرية رغم بكائها وعبراتها التي مازالت عالقة بأهدابها وقالت بنبرة مرتجفة: إنت مش راجل على فكرة؟

قبض على فكها بعنف وهو يدفع رأسها إلى الحائط لتنكمش ملامحها بألم شاعرة بتهشم جمجمتها وتشنج جسدها لـ يهدر بأعين جاحظة من الإنفعال وهو ينظر لها بمقلتين حمراوين وغضب شديد: شكل الهدوء مينفعش معاكِ صح؟ يبقى نعيد تاني ونقول، لما تروحي زي الشاطرة تحضري شنطكم عشان هتسافروا معايا بليل و متجبيش هدوم كتير عشان المسخرة اللي بتلبسيها هنا مش هتتلبس هناك فاهمة؟.

نظرت له باحتقار ورفعت يدها التي بالكاد تحركت الآن بسبب تلك الرغبة كي تصفعة، فأعاد لويها خلف ظهرها بقوة مضاعفة وهو يزمجر بغضب ضاغطاً عليها أكثر جعلها تتلوى من الألم وهو يضغط بجسده الضخم على جسدها سحقهُ سحقاً جعلها تشعر بالتخدر من صلابة الحائط الذي كادت تلتصق به كـ قطعة فراولة ثم دعسها..

هسهس بغضب وتحذير داخل أذنها جعلها تقشعر بتقزز من أنفاسه الدافئة التي داعبتها وهو يقول: هتسافري معايا بليل وهتقابلي أبويا أبويا اللي لو رفعتي عينك في عينه هخزقهالك، أقسم بربي لو فلتت منك كلمة كده أو كده هناك معجبتنيش هحزن بنتك عليكِ بدري وهوريكِ إذا كنت راجل فعلاً ولا مش راجل فعلاً فاهمة؟.

لم تتحدث فلوى ذراعها أكثر خلف ظهرها بقسوة وهو على وشك خلع كتفها جعلها تصرخ وتحدث بدون رحمة: مسمعتش فاهمة ولا لأ؟
هزت رأسها موافقة بهستيريا وهي تنتحب وعبراتها لم تتوقف قط، لـ يصك أسنانه بغضب وهو يلويه خلف ظهرها أكثر فأكثر جعلها تصرخ بقهر، فأعاد ببرود وهو يفرك حاجبه: مسمعتش برده!

قالت بحرقة وهي تشهق بألم: فاهمة، فاهمة، ترك يدها، بل دفعها ثم أنحني وأخذ الحزام وأعاده إدخاله داخل حلقات بنطاله ولم يحيد بنظرة عنها قط مراقباً بكائها بألم أمامة كـ الفرخ الصغير، أين ليلى الوقحة؟! القوية؟ كاذبة! ليست قوية! وحتى إن كانت لن تكون أمامة!

أنزل أكمام قميصه ثم أغلق أزراره الأمامية وأعاد خصلات شعره إلى الخلف وشذب ذقنه وهو يقطب حاجبيه ومازال يحدق بها بوجوم لـ يقع نظره على طابع الحسن بذقنها جعله يبتسم فجأة وهو يهز رأسه ومن دون سابق إنذار جذبها من مؤخرة رأسها بقوة كادت تكتفأ على وجهها أثرها قابضاً على شعرها بخفة بالنسبةِ له وكانت مؤلمة بالنسبةِ لها..

هتف بهدوء وهو يبتسم ببراءة مقرباً وجهه منها تحت هدوء ملامحها وإنتفاضة جسدها: أتمني إنك تكوني استفدتي حاجة من درس النهاردة يا حماتي!، ثم ضحك بخفة وداعب وجنتها بإبهامه وبقية أنامله تحركت بنعومة داخل شعرها وهو يقول بسرور وابتسامته تتسع أكثر فأكثر تحت تحديقها به بصمت ودون تعبير: صدقيني أنا معنديش مانع إننا نعمل كده تاني ولا هيكون عندي! عشان أنا مقدر وعارف إنك محتاجة تربية!.

تركها مع إختفاء إبتسامته وعادت ملامحه إلى التهجم ثم لكز جبهتها بسبابته كـ أحد الأغبياء وقال بجفاء وهو ينظر إلى شعرها المبعثر بفوضوية: تبقي سرحي شعرك بدل ما رنا تفتكر إننا كنا بنبوس بعض ولا حاجة، ثم إبتسم بهدوء وعاد إحترامه لها من جديد وهمس أمام وجهها بوداعة: مع السلامة يا حماتي، وتركها وذهب لكنه توقف بمنتصف الغرفة ثم انحنى أخذاً سترته والقاها على كتفه وهو يمسكها بطرف أنامله وغادر وهو يضع يده داخل جيب بنطاله بعد إن ألقي عليها نظرة متفحصة علم من خلالها أنها ستنهار قريباً..

تهاوت ساقطة أرضاً خائره القوى بعد إن سمعت صوت إغلاق الباب لـ تنفجر باكية بحرقة وهي ترفع يدها بألم وصوت ذلك الحزام مازال يضرب أذنها ممزوجاً بصوت السوط الذي كان يهوي على جسدها في يومٍ ما يمزقه دون رحمة..

ضمت جسدها بضعف وهي تنتحب تسند رأسها إلى ركبتيها تهتز دون توقف، هي لن تنسى يوماً القسوة التي عايشتها، لن تنسي أن حياتها كانت جحيماً لم تري بها يوماً جميلاً قط سوى القسوة والتعنيف، لن تنسى ماحدث لها، هي إلى الآن مازالت تستيفظ فزعة في منتصف الليل بسبب تلك الكوابيس الحقيقية التي عايشتها..

كانت تعلم أنه سوف يُذكرها بتلك الذكريات التي حاولت بشتى الطرق أن تنساها لكنها فشلت، وها هو يفتح جراحها التي لم تلتئم بعد من جديد، يبدو أنها لن تلتئم يوماً..
تخاف، تخاف أن تغلق عليها باب غرفتها أثناء النوم كي لا يتم كسره وجذبها من الفراش وجلدها حتى تنزف وتفقد الوعي كـ جثة هامدة، لقد تم تدميرها وتعذيبها وذلها بطرق بشعة لن تستطيع تحملها من جديد لن تستطيع..

صرخت بفزع عندما رفعت رأسها عن الأوراق ووجدت عمّار يميل على المكتب ينظر لها وهو يبتسم بهدوء..
نظفت رنا حلقها وسألته بارتباك: أقدر أساعد حضرتك في حاجة؟
ابتسم وهز رأسه ثم أشر على غرفة ليلى وأخبرها بخفوت: إنتِ تروحى تعملى جردل لمون وتدخلي تشربهولها عشان تروق أعصابها بسرعة..

نظرت له بتعجب وعدم فهم لـ يعيد بحدة وهو يضرب المكتب براحة يدهُ أفزعها: أنا مش قولت بسرعة قومي، أومأت بخوف وهرولت تاركة المكتب وذهبت تصنع لها مثلما قال..
دلفت إلى الغرفة بعد إنتهائها بهدوء وهي تحمل كوب الليمون لـ تشهق بفزع عندما رأت تلك الفوضى، ماذا حدث؟ هل هو من فعل؟!.

ركضت إلى ليلى عندما سمعت صوت أنينها الخافت من خلف المكتب ورأتها كيف تضم جسدها وهي تنتفض، وضعت الكوب من يدها ثم أخذت معطفها المُعلق وجثيت أمامها بقلق وحاوطت جسدها به وهي تسألها باستفهام: ليلى هانم إنتِ كويسة، كويسة؟!

لم ترد عليها مستمرة في الارتجاف بأعين زائغة ورؤية مشوشة وعبراتها تنساب على وجنتيها ببطء مُعذب، حملت رنا كوب الليمون ورفعت راحة يدها المرتجفة وساعدتها بإمساكه وهي تمسكه معها ثم رفعت يدها الأخرى لـ تصرخ بصوت مبحوح وهي تشهق مترجية إياها بحرقة: سبيها، سبيها، أومأت رنا بحزن وهي تراقبها ثم حثتها على إرتشافها: طيب اشربي اشربي، هو حصل ايه ده كان خارج بيضحك؟!

هزت رأسها بألم هي تشهق بتقطع شاعرة بالقهر منه وقلبها يضرب قفصها الصدري بعنف مؤلم، أسقطت الكوب من يدها بضعف وهمست بصوت خافت وهي تحرك أهدابها بتثاقل: إتـ، إتصلى، بالبو، ليس، وسقط جسدها مصطدماً بالأرض بعنف بعد إن فقدت الوعي وسط تلك الفوضى..

في الإسكندرية..
تقلبت في الفراش بنعومه وهي تتثاءب مطلقة همهمات ناعمة من بين شفتيها لـ تفرج عن مقلتيها اللامعة وهي تقابل السقف بنظراتها الناعسة لـ تتطاير الستائر أثر الرياح الهادئة أدخلت عليها أشعة الشمس الدافئة..

ابتسمت بنعومة وهي تمط جسدها كـ القطة الكسولة على ذلك الفراش الناعم المُريح ثم انتصبت جالسة ونظرت تجاه النافذة وابتسامتها الرقيقة تتسع أكثر فأكثر وبداخلها شعوراً لا يوصف بالسعادة والفرحة العارمة المغلفة بالأمل فهي تشعر أنها ولدت من جديد بحياة أجمل كما تظن..
قاطع شرودها في النافذة طرق الباب بخفة ثم فتحه ببطء لـ يطل عليها جاسم الذي أدخل نصف رأسه وتساءل وهو يبتسم: ممكن أدخل؟!

أومأت بخجل وهي تُعدّل جلستها، دلف جاسم وتقدم منها، جلس أمامها على طرف الفراش وتحدث برقه وهو يتأمل جمالها صباحاً: صباح الخير..
ردت عليه بنعومه وهي تبتسم: صباح النور، ثم صمتت قليلاً وهي تفكر أثناء إعادتها إلى خصلات شعرها خلف أذنها وتحدثت بندم: أنا آسفه عشان انفعلت عليك إمبارح مكنتش أقصد..
ابتسم بحنو وقرص وجنتها بخفة، فأين تلك التي كانت تخطئ وتنظره هو أن يعتذر؟!.

قال بمرح وهو يبتسم: أنا مش زعلان أنا اتفاجأت بس!، وضعت يدها على وجهها باحراج وتذمرت: يا جاسم بقي..
ضحك بخفه وهو ينظر لها بهيام ثم أشر علي رقبتها: حلو الكوليه ده مشفتكيش لابساه قبل كده؟!
ارتبكت ووضعت يدها حول رقبتها و خلعته ثم خلعت القراط وقالت معتذرة: أنا أسفه عشان لبستهم..

قطب حاجبيه بتعجب وهتف باستنكار: أسفه علي إيه دي حاجتك! إنتِ مجنونه ولا إيه كل حاجه هنا بتاعتك مش محتاجه مُقدمات عشان تاخدي حاجه!
أومأت بهدوء وهي تعبث بأصابعها بتوتر ثم تحدثت ببعض التردد: جاسم أنا كنت محتاجه هدوم عشان الهدوم اللي هنا دي مش مناسبه ليا..
هز رأسه موافقاً وهتف: أنا كنت عاوز أكلمك في الموضوع ده برده عشان الصراحه مش هكذب عليكِ إنتِ مش مُحجبة..

قطبت حاجبيها بانزعاج وأشرت على نفسها: أنا مش مُحجبة؟!، أومأ وتابع وهو يتذكر ماحدث: إنتِ مش مُحجبة ومن أسبوع تقريباً اتخانقنا بسبب الحجاب وده اللي خلاكِ تمشي وتسيبيني عشان إنتِ كنتي رافضه تتحجبي!
توسعت عينها وهتفت بتعجب وصدمة: أنا بجد! أنا مش مُحجبة!

ضحك وهو يرى تعابير وجهها المنذهلة فاحتضن راحة يدها بين يديه وتحدث بحنان وهو ينظر إلي فيروزتيها مباشرةً: اه مش مُحجبة أنا كان نفسي تتحجبي أوي بس إنتِ رجعتيلي مُحجبة وأنا مبسوط جداً، أنا معرفش حصل ايه في الأسبوع ده ومش مستعجل بس مُتأكد إنها كانت حاجه كويسه غيرتك كدا، ابتسمت له بامتنان بسبب ذلك الدفء الذي يبثه داخلها كلما تحدث معها..

تابع بابتسامه وهو يربت علي وجنتها برفق: دلوقتي بقي غيري بسرعه وانزلي عشان نفطر سوا وبعدين نروح نشتري هدوم وكمان سامي إبن عمي تحت وعايز يسلم عليكِ، أومأت له وهي تبتسم ثم وقفت كي تتجهز، ترك الغرفة، وتحركت هي متجهة صوب دورة المياه..

انتهت بعد بعض الوقت ثم ارتدت الملابس التي كانت ترتديها أمس وتوجهت إلى الأسفل، كان الجميع يجلس على طاولة الطعام، جاسم، روحية، سامي، وهي، دون التحدث بكلمة فقط الهدوء أثناء الطعام..
سمعت جاسم وهو يطلب مياه فتحركت والدته كي تذهب لكن جـنّـة أوقفتها وهي تقف وقالت برفق: خليكِ يا ماما أنا هجيب..
تحدثت روحية بابتسامة: ماشى يا حبيبتي..

سألهم سامي بتعجب وهو يراقب تحركها إلى الداخل بتلك الملابس والطاعة: مين دي يا أخ؟!
ضحك جاسم وهتف بابتسامة: دي عشق!
رفع سامي زاوية شفتيه بسخرية وقال بامتعاض: عشق مين؟ مين دي؟!
تحدث جاسم بإيجاز وهو يتناول الطعام: هفهمك بعدين..
ضيق سامي عينيه وهو ينظر له ثم تحدث سريعاً وهو يقف: طيب هروح أسلم عليها أنا بقي بقالي كتير متخنقش معاها، أومأ له جاسم وهو يبتسم وحذره بمزاح: متبقاش رخم أوي معاها عشان هعرف..

توجه إلى الداخل ويعتلي ثغره ابتسامة ماكرة فهو يعرف كل شيء، لقد كان يبحث عنها كـ المجنون مثل جاسم حتي عرِف مكانها وعلم ما حدث، هي الآن لا تتذكر شيء لما لا يعبث معها قليلاً فهو يشعر بالملل! وبالتأكيد سوف تصدق أي شيء يقوله رُبما تكون هذه فرصتهُ معها وتقبل به!

توقف أمام المطبخ يراقب ظهرها، بينما هي كانت تبحث عن مكان الأكواب فوجدت يد تحاوط خصرها بحميمية، ابتسمت بنعومة ظناً أنه جاسم لكن صوت سامي الماكر جعلها قدميها تتيبس أرضاً دون حراك: وحشتيني يا عشق..
شهقت بخوف و ابتعد إلى الخلف لكنه سحبها من خصرها بخشونة وقربها له مجدداً ثم رفع ذقنها بإبهامه وهتف أمام شفتيها بهمس: بس أجمل بالحجاب تصدقي؟.

ترقرقت الدموع بعينها وهي تحاول أن تدفعه بضعف وهتفت بنبرة مرتجفة خائفة: إنت مين إبعد عني إبعد..
ضحك بخشونة وهو يقربها له أكثر مشدداً قبضته حول خصرها ألمها: مش دي المُقابله إللى كنت متوقعها وخصوصاً إنك وافقتي تتجوزي جاسم!.
تحدثت بخوف وهي تحاول التملص من يديه بذعر: وإنت زعلان ليه هتجوزه ولا مش هتجوزه؟!

ضحك وتبدلت ملامحه لأخرى غاضبة باغضة: أتضايق؟ إنتِ ناسيه ولا إيه؟! الشغل اللي إنتِ عملاه ده يمشي على روحية وجاسم مش سامي ماشي يا قطة؟! ثم إبتسم بمرض وقبل وجنتها بحنان وهتف بنبرة جعلتها تشمئز: بس وحشتيني اوي ونفسي نقضي وقت زي اللي كُنا بنقضيه مع بعض..

جحظت عينيها وشهقت بصوت مرتفع وهي علي وشك البُكاء من قوله هذا جعلته يضحك بتسلية وهو يراقبها ثم أقترب أكثر وهمس بأذنها بخبث: لو نسيتي أفكرك، ثم تركها وذهب..
زحفت البرودة إلى أوصالها كمن ألقي عليها دلواً من الماء البارد، ترنحت إلى الخلف وجسدها يرتجف بأعصاب تالفة غير قادرة على الوقوف..

تشبثت بحافة الرخام خلفها وتساقطت عبراتها بألم فهي علمت الآن أنها لم تكن فتاة جيّدة بتاتاً، هزت رأسها وهي تشهق لـ تخيلها ما كانت تفعل مع هذا ومعها جاسم! هي ماذا فعلت ماذا فعلت؟!.
دلف جاسم إلى المطبخ بقلق عندما تأخرت كل هذا الوقت وحدها على كوب مياه؟ فـ بالتأكيد لن تضيع الطريق فهي ليست في غابة!.

بحث عنها بـ ناظرية بقلق تفاقم أكثر عندما وجدها جالسة أرضاً تضم جسدها وعبراتها تنساب على وجنتيها ببطء، هرول لها بقلق وجثى على ركبتيه أمامها وسألها بلهفة: عشق، عشق مالك؟ مالك إنتِ كويسه؟!
هزت رأسها بنفي وارتمت بأحضانه تبكِ بحرقة أخافته عليها فسألها بحزن: متقلقنيش عليكِ حصل إيه؟! سامي ضايقك؟!
هزت رأسها بنفي وهتفت بحرقة: أنا كنت إنسانه مش كويسه مش كده مكنتش كويسه؟

ربت على ظهرها بحنان وهو يضمها إلى صدره أكثر ونفي حديثها: لا يا حبيبتي مش كده إنتِ أحسن إنسانه في الدُنيا مين قالك كده؟!
هزت رأسها بنفي وتابعت بأسى: إنتوا كلكم مبسوطين بيا وأنا كده يعني أنا مكنتش كويسه عشان كده دلوقتي مبسوطين بيا صح؟!

كوب وجهها بين راحة يديه وهتف بحنان: لا مش مظبوط أنا بحبك زي مانتي في أي وقت وبأي وضع بحبك! ومش محتاجة إنك تنهاري كده إهدي إهدي، وعانقها مجدداً بحنان بالغ لتبكِ علي صدره بنحيب وكلمات سامي مازالت تتردد في أُذنها أرجفت قلبها بكُره تجاه نفسها، بالتأكيد هُناك ما يحدث يجب أن تتذكر في أقرب وقت..
توقفت عن البُكاء بعد إن هدأت قليلاً ليتحدث جاسم بضيق وهو يراقب ملامحها الحزينة: حصلك إيه بس إنتِ كنتي كويسه؟!

هزت رأسها وهي تمحي عبراتها بهدوء: مفيش أنا بس مخنوقه شويه..
إقترح عليها وهو يقف وأوقفها معه: نخرج نتمشى شويه وبعدين نشتري الهدوم؟! أومأت بهدوء دون إضافة شيء، فتنهد بحزن وحاوطها ثم أخذها إلى الخارج..
أجلسها في السيارة ثم عاد إلى داخل كي يأخذ متعلقاته الشخصية ليسأله سامي باستفهام: هي مالها؟!
رد عليه جاسم ببعض الحدة وهو يسأله: إنت عملتلها ايه جوه؟!

رفع سامي حاجبيه وتساءل بسخرية: ليه هي قالتلك إيه عصبك أوي كده يابن عمي؟!.
رد عليه جاسم بضيق: ياريت متنساش إنت الكلام ده وإنك إبن عمي، وتركه وغادر ليهز سامي كتفيه بتعجب ثم عاد لإمساك الملعقة وأكمل طعامه بكل هدوء ليقع نظرة على روحية الشاردة بقلق فهتف بصوت مرتفع أفزعها: مراااات عمي كُلي كُلي متفكريش كتير تلاقيها نوبة جنان من إللي إحنا متعودين عليها متقلقيش..

هزت رأسها بنفي وبدت مهمومة وهي تقول: لا عشق اتغيرت أوي يا سامي ومش فاكره اى حاجه من حياتها لازم نعاملها بطريقه خاصه وهمجيتك معاها دي تتلغي لحد ماتفتكر كل حاجه أو غير أسلوبك يمكن علاقتكم تتصلح..

هز سامي رأسه بسخرية وهو يمضغ الطعام ثم ارتشف كوب المياه بعدم إهتمام وأخذ سترته ووقف ليذهب لكنه توقف وقبلها بخفه وهتف ابتسامة: تسلم إيدك علي الفطار ياقمر، وتركها وذهب لتقف بعدها وبدأت تلملم الأطباق بدون شهية..
تحدث جاسم يسألها بحزن وهو ينظر لها: برده مش هتاكلي؟!
تحدثت برجاء وهي تعدّل جلستها: صدقني مش عاوزه مليش نفس متضغطش عليا..
زفر وقال بعدم رضى: بس إنتِ مفطرتيش؟!

ابتسمت بهدوء وتحدثت ببساطة: وإيه المشكلة؟! مش هموت من الجوع قعدتي على البحر هنا بالدُنيا كُلها..
إبتسم وهتف باستفهام: للدرجادي بتحبيه؟!
إختفت إبتسامتها وتحدثت بتذمر: هو كمان مكنتش بحب البحر؟!

ضحك ببحة رجولية وهو يرى تعابير وجهها العابسة ثم أمسك يدها وهتف بحنان وهو يواسيها: يا حبيبتي دي مش حاجه وحشه إنك تكوني مختلفة مش حاجه وحشه عادي يعني البحر بالنسبالك عادي كـ واحدة متربيه جنبه طول الوقت فاهمه؟! لكن بس عشان إنتِ مش فاكرة حاسه إنك أول مره تشوفي بحر لكن إنتِ طول حياتك كنتي جنبه وبتحبي القاهرة أكتر كمان وكنت بجيبك من هناك بالعافيه كل مرة تروحي تمتحني فيها بتحبيها أوي كده ليه بقي تعرفي؟!.

هزت رأسها بنفي وهي تفكر ثم اقترحت عليه: ممكن نتكلم واحنا بنتمشي؟!
إبتسم ووقف ثم مد يده لها كي تقف وقال: طبعاً ممكن يلا بينا، وأمسك يدها لتترفقة وهي تبتسم بنعومة..
سارا على الشاطئ معاً يتبادلانِ أطراف الحديث بسعاده..

في القاهرة..

سماء صافية، شمس ساطعة في كبد السماء، حرارة شديدة كـ نفس من أنفاس جهنم، همهماتٍ لأشخاصٍ منزعجين من الحر الشديد، منازل قديمة بالية أوشكت على السقوط، قهقات بعض الصبية مع أصدقائهم وهم يلعبون الكرة بملابسهم الداخلية بسبب الحر، صوت صهيل الخيول يملئ المكان، صوت رجيح العربات بسبب عدم استواء الطريق كان يشوشة، علا صوت حوافر الخيول التي تتبختر أثناء جرها لـ عربات محملة بأنواع مختلفة من الخضراوات النيئة الطازجة التي تم اقتلاعها من الأرض مباشرةً الآن كانت تحجب عنه رؤيتها..

خضراوية زائغة مرهقة من الحرارة، شفتيه جافة مشققه، حلقة جاف جعله غير قادر على الحديث، قلبه يخفق بقوة وخوف من فقدانها، جسده ووجهه يتفصد عرقاً بغزارة، يسير بخطوات سريعة سمع أثرها صوت حفيف جلابيته التي ابتلعت بنيته الهزيلة، يهز رأسة بهستيريا باحثاً عنها بلهفة خلف تلك العربات التي لا تتوقف ولا تهدأ أبداً، يضم قبضته الصغيرة على القلادة الفضية التي سرق والده من أجل أن يشتريها لها..

التمعت خضراوية تحت أشعة الشمس بلهفة، اتسعت ابتسامته، وخفق قلبه، وتهللت أساريره عندما أبصرها لـ تختفي إبتسامته بالتدريج وهو يراها تبكِ إنها تبكِ وعبراتها تنساب على وجنتيها، تشهق بحرقة ووجها محتقن بِحُمرة شديدة على وشك أن تختنق من كثرة البُكاء، لم يفعل شيء؟ ظل يراقبها بحزن، أدمعت عينيه وارتجفت شفتية وهو يراها تذهب من أمامه، لكنه لم يقف مكتوف الأيدي بل ركض خلفها بقدمية الصغيرة وظل يهتف بإسمها وهو يبكِ بـ عويل: ندي، ندي، ندي، ندي، ندي، لكن انتهى الأمر به منكفأ على وجهه بقسوة..

رفع رأسه وحدق بها وهي تبتعد وعبراته تتساقط ببذخ على وجهه المُتسخ لـ يصرخ بصوت مرتفع مع إنطفاء بريق خضراوية جعل التراب يدخل فمه أثر أنفاسه الثائرة: نداااااااااا...
شهق وهو ينتصب على الفراش وصدره يعلو ويهبط بثوران، أنفاسه مرتجفة، عينيه زائغة مثل ذلك اليوم، جسده يتصبب عرقاً بغزارة كأنه كان يركض في ماراثون..

وضع رأسه بين راحة يديه وهو يلعن حياتة، فاللعنة ثم اللعنة ثم اللعنة على تلك الذكرى التي تجعله يخجل من نفسه كلما تذكر، هو لا يتذكر، بل لا يستطيع أن ينسي، حُبها مازال يترأس عرش قلبه حتى الآن، وتلك الذكري اللعينة وشقيقاتها لا تفارق أحلامه منذ ذلك اليوم، هي لعنتهُ الأبدية التي لا يستطيع أن يتخلص منها مهما حاول بل يغرق بها أكثر!، لما يجب عليه أن يكون وفياً إلى تلك الدرجة؟ لما؟ لقد كان عمره عشر سنوات في ذلك الوقت لكنه أحبها بصدق، لقد وُلِد رجلاً رغم كل شيء، لم يتدلل ولم يلعب مع أصدقائه القليلين كما كان يفعلون جميعاً! لقد وُلِد كي يتحمل المسئولية فقط وليس كي يُحب ويمرح مثل بقية الأطفال في سنه؟ لم يحيى طفولته كما كان يُجب أن يحياها!.

تلك الذكرى تؤلمه، تؤلمه بشدّة، بطريقة غير محتملة، وأحياناً تجعله يبكِ كما يفعل الآن، فالألم الذي شعر به في ذلك اليوم أبشع من ألم الموت، لقد ذاق الإثنين لكن هذا الأكثر تأثيراً الأكثر تدميراً وضعفاً، ذلك الموقف حُفر في قلبه بمصلٍ حاد ترك ندبة غير قابلة للشفاء جعلته غير قادراً على النسيان، تلك الذكرى هي من جعلته على ماهو عليه الآن، لقد تم صُنع عمّار الذي نراه اليوم بفضل تلك الذكرى..

لقد حول نفسه من ذلك الهزيل الباكِ إلى ذلك الرجل الصلب المِغوار الذي لا يهاب ولا يخاف شيء حتى على حياته!.

فإن كان يملك نقطة ضعف فستكون هي لكنها غير متواجده! فلا يملك ذلك القلق واللهفة على حياته ولا التطلع إلى المستقبل كثيراً لأن كونه عمّار الصعيدي هو الموت بحد ذاته، هو حياً وميتاً في أنٍ واحد هذا ما يشعر به، فلما يعبأ إذاً؟، هو يلقي نفسه أمام الموت بكل رضى وينجو كل مرة، لكنه لا يعبأ أيضاً ولا يبتسم شاكراً أنه مازال حياً!، لقد تعلم القسوة وتحجر القلب، تعلم كيف يرهب الأشخاص ويخيفهم منه حتى أقربهم إلى قلبه، يجب أن يظل مخيفاً كي لا يكتفأ على وجهه ممجدداً ويقف عاجزاً عن فعل شيء، يجب أن يخافهُ الجميع كي لا يسقطوا له أمراً..

لقد كان خطأه لأنه كان صغيراً ولم يقدر على فعل شيء، وإن عاد إلى والده في هذا الوقت وأخبره ما حدث مثلما فكر ذلك اليوم لكان تلقى صفعة أدمت شفتيه بسبب سرقته وبقية الحديث لم يكن لـ يعبأ به ولا بكون فؤاد طفلة محطم! بل كان سيوبخه ويخبره بكل قسوة أن يكون رجلاً ويتوقف عن النحيب والتفوه بالترهات فأي حب هذا الذي سيكون في ذلك السن المبكر؟!.

لقد ظل يبكِ ليالٍ كثيرة عاجزاً عن معرفة عددها، وإلى الآن مازال يبكِ حُزناً وقهراً عليها، رؤية وجهها وبكائها ذلك اليوم يصعب عليه نسيانه، تلك النظرات الضائعة التي كانت تستنجد بأحدٍ ما مازالت تؤلمة لكونه كان عاجزاً عن مُساعدتها..

أحبها منذ أن رآها تتجول مع خادمة المنزل الخاصة بها في السوق كي تشتري احتياجاتهم الخاصة بالمنزل، جميلة، نقية، رقيقة، عفوية، مرحة، تملك شعراً أسوداً مُجعداً كـ غجرية فاتنة، لا تعرفة ولا تعرف بوجوده لكن هو كان يعرفها ويكفي هذا، ابتسامتها رغم إنطفائها كانت كافية كي تجعله يقع لها، توقفت عند بائع القلادات ذات يوم وأعجبتها قلادة عجزت عن دفع ثمنها بسبب إنفاقها كل الأموال التي خرجت بها من المنزل، فسرق والده وأتي بها من أجلها ومن أجل أن تعرفه رغم علمه أن هذا خطأ وسوف يعاقب وربما تثور العائلتين معاً وتحدث مشكلات، لكن رغم كل هذا أبي أن يترك ذلك الحب وأصر على الذهاب إليها..

أحبها بصدق، كان يتسلل كل يوم إلى شرفة غُرفتها متسلقاً الأشجار في المساء ويظل جالساً يختلس النظر إليها حتى بزوغ الفجر ثم يركض هارباً عندما يستيقظون، غريباً لطفل صحيح؟! لكنه لم يكن غريباً على طفل حُرِم من طفولته لـ يتشبث بالشيء الجميل الوحيد الذي وجدهُ، لقد أحبها حقاً رغم صِغر سِنه وعزم على معرفتها لكنه جاء متأخراً كثيراً..

أما عن قلبه الآن فهو بالجحيم السابع مغلقاً عليه بأقفال غير قابلة للفتح موضوعة داخل صندوق ثلجي غير قابل للذوبان ومن يستطيع فليذيبه، لا يشعر به سوى عندما يراها بمنامة فقط، ذلك التذبذب والألم اللذيذ الذي كان يساوره من شدة ضربات قلبه سابقاً لم يعد يشعر به من سنوات طويلة بمعنى أنه من ذلك اليوم البائس..

حاول كثيراً أن يتحرر من هذا بالنساء بمختلف أشكالهم وصفاتهم وجمالهم لكنه كان عاجزاً عن فعل أي شيء، عاجزاً، وبسبب طفلة لا يعلم كيف أصبحت عندما كبرت، بالتأكيد ماتت الآن، يجب أن تكون ميتة، لأنه لن يقبل أن تكون حية ومع غيره! لكنه أحمق كبير، ويعلم أنها مع أحدهم الآن لكنه فقط يواسي نفسه المُدمرة وقلبه المحطم، مثير للسخرية، صحيح؟

رُبما نادين تأخذ محلها!، يا إلهي نادين تلك الرقيقة التي لا يراها سوى طفلة بحاجة إلي والد، وسيكون هو والدها، يا إلهي، يا إلهي إنه نبيل، يبلغ قدر من النُبل لا أستطيع وصفه..
ضحك بسخرية وهو يهز رأسه من تلك الأفكار لأنه مُتعب، مُتعب لـ يتحمل كل هذا وحده دون البوح بأقل شيء يزعجه؟، لقد أصبح داخلهُ خراباً، وصوت ضجيج قلبة يكاد يسمع النملة التي تسير بلا حول ولا قوة..

لكن أتعلمون لا يهم، لا يعبأ، فليتحمل حتى ينهار مرة واحدة ويموت وينتهي كل شيء بعدها، يظن أنه سينعم بعد موته ذلك الوقح؟ لا يعلم إنه سوف يتعفن بالجحيم!.
يتزوج الآن كي يرضى والده ويتذلل هُنا إلى اللعينة الوقحة كي توافق! هي جميلة صحيح؟ لكنها منفرة وفظه جعلته ينفرها قبل أن يقترب حتى! ولما يقترب من البداية؟!.

شيء واحد يتكرر في رأسه مِراراً وتِكراراً كُلما رآها أنها لا ولا يعلم السبب لكنها لا وهكذا دون سبب هي في مقام والدته الآن كيف يفكر بغير هذا!.

رفع رأسه وعاد يتوسد مرفقة ونظر إلى السقف بتلك الخضراوين شديدة الأحمرار كأنه وضع داخلها مسحوقاً حاراً، هو الآن سوف يعود إلى لعنتهُ من جديد، يعود إلى كوابيس كل يوم، إلى تلك الشائعات الخاصة بها هي وعائلتها، الجميع سوف يذكره بحبه الأحمق كُلما رأوه، والده سيظل يضرب صدره بطرف عصاه وهو يسخر من ذلك المنقوش على قلبه، سوف يعود إلى سجنها الذي تحتجزه به بكل رِضا منه..

فتح درج الكومود وأخرج تلك القلادة الرقيقة، رفعها بين أنامله وظل يحدق بها وهي تهتز أمام مقلتيه مستعيداً ذكرى هذا اليوم مِراراً وتِكراراً، حرارة الشمس وتعرقه ذلك اليوم والشعور الذي خالجه مازال يشعر به إلى الآن ويرتجف كـ ردة فعل دائماً وكأن ما أصابه جديد ولم يمر عليه سنوات عديدة! صوت حوافر وصهيل الخيول تضرب أذنه بقوة مع إهتزاز القلادة بسرعة أمام عينيه..

أوقفها وضم قبضته عليها بقوة و أطبق جفنيه بعنف كـ طفلاً منزعجاً لـ تخونة تلك العبرات الثمينة التي لا تذرف سوى في أكثر أوقاته ضعفاً، عندما يحتاجها كثيراً، هو يحتاج عناقاً، يحتاج إليها، بحاجتها كثيراً، أكثر من أي وقتٍ مضي..
لقد كانت جميلة بشكلٍ لا يوصف، اللعنة على حظة..

استقام جالساً ومحى تلك العبرات بضيق وسخرية ويعتريه ذلك الذهول الخاص بكل مرة يبكِ بها لـ تثبت له تلك الندي بكل سهولة أنه أثيرها وسيظل حتى النهاية، ضعيفاً محتجزاً موصداً عليه بقوة من أغلالها فإن ظهرت في حياته مجدداً سوف يصبح أضحوكة أمام الجميع بفضلها عندما يظهر ضعفه مع ظهورها، وهذا أكثر مايكرهه، شعور الضعف لا يتحمله، لهذا يفضل كونها بعيده عنه، من الجيّد أنها بعيدة، ومن الجيّد أنه صامد ولا يسأل، ومن الجيّد أن عائلتها نفذت منها الرجال كي لايقتل عزيزاً على قلبها..

وبخ نفسه بغضب وصوت متحشرج وهو ينظر إلي عبراته العالقة بأنامله: والله عيب عليك تعيط وإنت قد البغل كده، خنزير فعلاً، مسح وجهه بيده بعنف ثم ألقي القلادة بغضب وشتمها بِبغض: أمك واللي جبتها يا ندي..

ثم ترك الفراش ووقف أمام المرآة بصدره العاري يحدق بإنعكاسة بغضب لـ يقع نظره على ذلك الوشم أعلى قلبه المنقوش ببراعة، ندى، لقد فعله في نفس اليوم تقريباً جاهلاً قدر الألم الذي سيشعر به، عاد إلى والده باكياً بعد فعله، صفعه بقسوة أسقطه أرضاً ثم جلد جسده بحزامه بكل عنف غير عابئاً بسنه الصغير، فـ تلك العادة لقد اكتسبها منه، ولم ينكر أنها تأتي بفائدة وتُخيف في بعض الأوقات، لكن المثير للسخرية أنه عنفهُ لأنه كان يبكِ ليس لأجل الوشم، لقد كان يجلده مُردداً مع كل مرة يسمع بها صوت الحزام يهوى على جسده أن الرجال لا تبكِ، الرجال لا تبكِ، اللعنة على الرجال جميعاً..

تنهد وهو يحدق بالقلادة الساقطة بجانب الخزانة عبر المرآة، عاد أدراجه محني الرأس وحملها برفق وهو يحدق بها، لقد كانت القلادة متخذة شكل فتاة ترقص وترفع قدمها ترتدي فستاناً قصيراً، كانت تشبهها حقاً تلك الغجرية التي جعلت قلبه يتراقص يوماً مع تراقص خصلاتها الطويلة، لقد أخذت قلبه معها وتركته خاوي فارغاً لا يشعر، هي المسئوله عن حالته تلك وليس أحداً غيرها..

أعادها داخل الدرج ودلف يغتسل وهو يلعن نفسه لما غفي في منتصف النهار؟ لما؟ لما يُجب عليها أن تأتي له تؤرقة لما؟
سمع رنين جرس المنزل فتجاهله وهو يغني تحت المياه، لكنه كان مصراً ولم يتوقف عن الرنين وصوته مزعج أغضبه، ضرب صنبور المياه بغضب أغلقها وحاوط خصره بالمنشفة ثم ذهب إلي الأسفل، توقف أمام الباب وهو يبعد خصلاتهِ إلى الخلف ثم أدار مقبض الباب لـ يقابلة أشخاصاً يرتدون زي الشرطة!.

حدق بهم قليلاً بصمت وهو يقطب حاجبيه يفكر بما فعله منذ أن أتي إلى القاهرة لـ تتسع مُقلتيه بانفعال فجأة، بالتأكيد تلك اللعينة لم تفعلها..
تحدث الشرطي الذي كان يترأسهم: عمّار الصعيدي معانا أمر بالقبض عليك بسبب هجومك على مكتب ليلى المنشاوي والتسبب في أضرار مادية ونفسية وجسدية..

هتف بتهكم وهو يضع يديه بخصره والمياه تتقطر من جسده كاملاً صنعت بركة صغيرة أسفله: أضرار مادية وجسدية ماشي نفسية ايه بقي ان شاء الله؟ ده انا اللي نفسيتي تعبت ياباشا دي بتقولي ياخنزير؟!

تحدثت شهيرة وهي تقلب الطعام في الطبق موجهة حديثها إلى آدم: مصطفي، راجع النهاردة وجايبلك عروسة معاه هنتعشى برة كُلنا مع بعض عشان تتعرف عليها..

توقفت تالين عن مضغ الطعام بغصه ونظرت إلى آدم الذي ابتسم بسخرية وهو يهز رأسه ثم سألها: هو بيردهالي يعني؟ قوليله شكراً وفهميه انك إنتِ اللي ساعدتيني في أختيار العروسة مش أنا لوحدي وخليه يجوزهالك، ووقف والقي الملعقة من يده على الطاولة، سقطت في طبق الحساء أغرقت مقدمة ملابسها..

شهقت تالين وهي تضع يدها على فمها بتفاجئ لـ يتحدث آدم بأسف: أووبس آسف، وتركها وغادر تاركاً إياها تضم قبضتها بغضب وهي تتنفس بعنف تنفخ أنفها كـ الثور الهائج..

فتح الباب كي يذهب لكنه توقف واستدار قائلاً: بس تعرفي، هاجي مش هكسفك، وياعالم يمكن تعجبني! أشوفكم بليل سلام، وذهب صافعاً الباب خلفة جعل تالين تنتفض بخضة وهي تنظر إلى شهيرة الثائرة، خائفة منها، تريد أن تهدئها وتواسيها لكنها لا تتوقع كيف ستكون ردة فعلها..
استقل السيارة بهدوء شاعراً بالأختناق لـ يصدح صوت هاتفه داخل جيب بنطاله، أخرجه بوجوم لـ يبتسم عندما وجده عمّار، ذلك اللعين كم يحبه..

ضحك بعدم تصديق وهو يستمع إلى ما يقول بحنق ثم أدار المقود وذهب كي يخرجه..

تحدث جاسم بعد تفكير طويل وهو يحدق في الثوبين بين يديه: ده ادخلي قيسي ده، وناوله إلى جـنّـة..
أومأت بحماس وهي تأخذه من بين يديه ودلفت إلى غرفة القياس بهدوء وبمنتصف ارتدائها له وجدت عاملة المتجر دلفت عليها وحدثتها بهمس وكأنها تعرفها منذ زمن جعلتها تتعجب: عشق إنتِ رجعتي بدري ليه؟!
قطبت حاجبيها بعدم وردت بتعجب: رجعت منين؟!

تحدثت الأخري بتوجس وهمس وهي تلتفت حولها كي لا يستمع جاسم لهما: مش قولتي قُصيّ وَحشك و هتنزلي بدري ونزلتِ لكن رجعتي ليه؟!.
دق قلب جـنّـة بعنف وكل ما جال بخاطرها أنها لم تكن فتاه صالحه بتاتاً بل كانت طالحة، في الصباح سامي والان قُصيّ فماذا ينتظرها أكثر من هذا أيضاً؟.

فهي منذ الصباح قلقة وخائفة لكن وجود جاسم ومزحاته ومغازلته التي لا تنتهي جعلتها تنسى سريعاٌ وقضت اليوم بحماس معهُ يتجولانِ هُنا وهُناك بسعادة تامه وهذه هي وجهتهم الأخيرة قبل العودة إلى المنزل. ابتياع ثيابٍ لها...
إرتدت جلبابها بهدوء وظلت شاردة وهي تحدق في المرآة غير مُنتبه إلى الوقت الذي مرّ حتى دلف جاسم لها وتحدث بتعجب عندما رآها شاردة: سرحانة في إيه يا عشق قلقتيني عليكِ؟!

ابتسمت وهزت رأسها بنفي دلالة على كونها بخير: لأ مفيش هو بس شكله حلو كنت بتأمله، أومأ لها وهو يبتسم ثم ألقي عليها نظره متفحصه وهتف بـ مكر: جميل عليكِ إنتِ أصلاً قمر في أي حاجة..
توردت وابتسمت بخجل وهي تعبث بأصابعها بارتباك وهتفت بخفوت: إنت إللي عيونك حلوه..

هز رأسه بفقدان صواب من تلك الرقة وهو يقضم شفتيه، ثم سحبها من خصرها وحاوطها بقوة وهتف بتعب من ذلك البُعد: والله إنتِ إللي زي القمر وهتجننيني، ضحكت برقه ثم أبعدت يديه عنها برفق وهتفت بخجل شديد: جاسم إحنا مش في البيت الله!
تذمر بحزن وهو يلصق جسدها بصدره أكثر: علي أساس أني في البيت بتلم عليكِ أصلاً دي روحية قعدالي زي الشاويش بتحرسك؟!، ضحكت عينيها قبل أن تضحك مجدداً برقه وهي تربت على صدره بحنان...

تأملها بهيام و زرقاوية المائلة للاخضرار كانت تمر على ملامحها الرقيقة بهيام وهو يبتسم فكم يعشقها وهي لاتشعر به لكن رُبما هذا التغير الجذري الذي طرأ على شخصيتها سيجعلها تشعر به ولو قليلاً..
إنتهت من ابتياع ثيابها ثم عادت إلى المنزل معه، وجدت روحية تقف تستقبلهم أمام الباب فتبسمت جـنّـة هي تتقدم إلى الداخل لتهتف روحية بحماس: أنا عملالك الأكل إللي بتحبيه يا عشق طلعي الحاجات دي و تعالي بسرعه..

هزت رأسها وهي تبتسم وتحركت لتذهب لكن جاسم أوقفها وهو يلتقط الحقائب من يدها: أنا هطلعهم كُلي إنتِ..
أومأت له بامتنان ثم جلست على مائدة الطعام تنتظره كي يتناولوا الطعام معاً، ووسط تناولهم الطعام تحدثت جـنّـة تطلب منه: جاسم ممكن تساعدني في المذاكره عشان أنا مش فاهمه حاجه! حاولت أقرأ النهاردة فيهم بس مفهمتش؟!

ابتسم وقلبه يرقص فرحاً بالتأكيد هو موافق، فهو تمني أن يفعل هذا معها، لكنها كانت ترفض، دائماً ما كانت ترفض وتخبرهُ أن مجالهُ الرسم وهي الطب بماذا سوف يساعدها إذاً؟ وكيف سيفعل؟
تحدث بحماس وهو يبتسم باتساع: أنا بعد الأكل هطلع أرسم تبقي هاتي كُتبك و تعالي معايا أقعدي ذاكري وأنا هرسم وتبقي قوليلي لو وقفت معاكِ حاجه أوكيه؟!
وافقت بسعادة وهي ترفع إبهامها أمام وجهه: أوكيه..
بعد ساعه تقريباً..

كانت تجلس على مكتبها الصغير المطلي باللون الوردي الذي حمله جاسم من أجلها إلى هُنا، تمسك إحدي الكُتب تحدق به بإقتضاب لطيف، ترفع شعرها بإهمال و خصلاتها تنسدل حول وجهها بنعومة، ترتدي تلك الكنزة ذات الحمالات الرقيقة وفوقها وشاح رقيق شفاف أخفت به كتفيها العاري بخجل وهي تتورد، فكان يجلس أمام لوحاته التي ملئ بها الغرفة يتأملها وقلبه يلكم صدره بقوة أمام هذا القدر من الجمال والنعومة، تنهد بأرهاق و لا يعلم متى سيحصل عليها وتصبح ملكة نهائياً متى؟.

هي وحدها من تملك هذا التأثير عليه، يحبها بقدر عاجز عن وصفه فلم يوجد حديث بعد يستطيع وصف حبه كاملاً لها دون أن يترك ما لم يستطع تفسيرة...
وقف وأغلق أزرار قميصه الأبيض الملطخ بجميع الألوان الخاص بالرسم بعد أن ارتدي بنطالة الجينز الممزق وتجول في الغرفة حافي القدمين كي يغلق الثريا التي تتطاير بسبب الهواء..
أطبق جفنيه بقوة عندما لفحهُ الهواء تطاير شعرة أثره إلى الخلف، شاعراً بالانتعاش رغم برودة الطقس..

جذب مقعد ووضعة بجانب مقعدها وجلس بجانبها ثم أخذ بعض الأوراق المقوية وقلم وبدأ برسم شيءً ما من أجل صديق..

مر بعض الوقت عليهما وكل واحد منشغلاً بما يفعل لـ يرفع رأسه فجأة عن الورقة وهو يقطب حاجبيه بتفكير، لـ يقع نظره عليها فانفجر ضاحكاً على تعابيرها الحانقة وهي على وشك البُكاء، فلا أثر لكلمة واحدة عربيه كي تفهما هُنا لا تفهم شيء، هي ليست ضعيفة في اللغة الاجنبية لكن ماكتب داخل هذا الكتاب طلاسم لا تستطيع قراءتها..

توقف عن الضحك عندك رآها تزم شفتيها بحزن ثم نظر إلى الكتاب الذي بيدها وتحدث متعجباً: دي أكتر مادة إنتِ بتحبيها هتهزري؟!
هزت رأسها بنفي وألقت الكتاب علي المكتب بضيق ثم عقدت يديها أمام صدرها وظلت تحدق به بإقتضاب لطيف، فابتسم ثم تحدث مقترحاً: خلاص ارتاحي شويه وصفي ذهنك عقبال ما أخلص الشغل ده واشوف مشكلتك إيه؟!

أومأت وظلت جالسه تراقبهُ وهو يرسم صاباً تركيزه على تلك الورقة ولا تعلم لما تلك الرغبة زحفت إليها جعلتها تبتسم وهي تقضم شفتيها بتفكير ونظرها معلق على كومة الأوراق المقوية الفارغة برغبة في أخذها..
أخذت ورقة وقلم هي الأخرى بعد تفكير عميق وبدأت برسمه بهدوء تُجرب رُبما يطلع معها شيء!.

كانت تبتسم كل بُرهة وأخرى وهي تنظر إلى ملامحه الهادئة أثناء تركيزه بجاذبية ووسامة ظاهرة جلياً عليه هو يميل على الورقة، إنتهت منها بعد بعض الوقت في وقت قياسي بالنسبة لتجربتها الأولي كما ظنت..

مدت يدها بالورقة ووضعتها بجانب وجهه تُقارن بينهما وهي تقوس شفتيها بتفكير تري ما الناقص كما يفعل جاسم بعد أن ينتهي، ثم أعادتها مجدداً على قدمها وقامت بنقش إسمها في زاوية أسفل الورقه كما اعتادت أن تفعل دائماً كُلما رسمت رسمة، و بتلقائية كتبت، جـنّـة..

لكزت ذراعه برقه جعلته يرفع نظره لها بابتسامة هادئة وهو يتثاءب: اممممممم، مدت له الورقه وهي تبتسم فأخذها بهدوء ظناً أنه شيء تبع دراستها لكن عينه توسعت بذهول ورفع حاجبيه بعدم تصديق وهو يحدق بتلك الرسمة التي أتقنتها بكل براعة وسألها: ده إنتِ؟!
عقدت يديها أمام صدرها بعدم رضى وهي تضيق عينيها وسألته: أومال مين؟!
ضحك مجدداً بذهول وهو يمرر يده على ذقنه بخفة يحدق في الورقة بتركيز وهتف باستفهام: ده رسمك ها؟

أومأت بحماس وهي تبتسم برقة، لـ يتحدث جاسم ومازال متعجباً: من الأخر مش مصدق!، ثم نزل بنظره على إسمها في زاوية الورقه لـ يقطب حاجبيه باستفهام ثم قال ببطء: جـنّـة!
نظرت له بتشوش وقلبها يخفق بقوة عندما سمعت الأسم من بين شفتيه ثم هزت رأسها بجهل و ملامح الحزن مرتسمة على وجهها!، أومأ لها بتفهم وهو يتنهد فهي لا تعرف شيء..
تابع بمرح كي لا تحزن وهو يسألها: وده كمان خطك! من إمتي؟ ده خطك وحِش جداً!

ضربت كتفه بغيظ وتحدثت بعبوس: متكلمنيش تاني أوعي كده؟
عانقها برقة وهو يضحك ثم هتف بحنان: يا قلبي بهزر معاكِ حلوه أوي الرسمة تسلم إيدك مكنتش أعرف إنك بتعرفي ترسمي!، ثم أمسك يديها بين راحة يده وقبلها برقة فتبسمت بخجل وهي تنظر له بحنان..
أبعدت نظرها عنه بارتباك عندما طال تحديقه بها بحب لـ يقع نظرها علي الورقة التي كان يرسم بها فهتفت بتساؤل: دي مستشفي؟!

نظر إلى الورقة ثم أومأ لها وهو يقطب حاجبيه عائداً بذاكرته إلى ذلك اليوم معها..
كانت تجلس على الفراش تمسك إحدى الكُتب الخاصة بالدراسة بين يديها تقلبها بضجر..
دلف جاسم إلى الغرفة في ذلك الوقت وهو يبتسم وهتف بكل حماس وهو يمسك بعض الأوراق بين يديه: عشق شوفي تصاميم المستــ، لكنها قاطعته وهي تقلب عينيها: جاسم يا حبيبي إنت عارف إن دي أخر حاجه ممكن أهتم بيها مش عاوزه أشوف..

إختفت إبتسامته وحل محلها الإحباط والحزن في أنٍ واحد!، فهي تكسر خاطره دائماً لكنه عاد يبتسم إبتسامة باهتة واقترح وهو يأشر على زاوية الورقه: طيب ممكن تمضي هنا عشان لما أشوفها تشجعيني على الشغل؟!

هزت كتفيها بقله حيله وهي تنظر داخل الكتاب وقالت بعدم إهتمام: خطي وحش وانت عارف كده كويس، ثم رفعت رأسها وتابعت بضيق: معلش يا جاسم ممكن تسيبني عشان مشغوله شويه، إختفت إبتسامته الباهتة وأومأ لها بدون تعبير وكل سعادته وحماسه قد ذهبت حد الجحيم، ترك الغرفة وذهب جاراً خيبته معه، هي دائماً هكذا، تحزنه..
استفاق من دوامة ذكرياته على يدها الرقيقة التي وضعتها على وجنته وسألته بنعومة: سرحت في إيه؟!

إبتسم وهز رأسه بنفي وهتف بعبث: مفيش حاجه أنا بس كنت بفكر في فرحنا؟!
توردت وإبتسمت بخجل ثم تحدثت كي تخفي خجلها: بس التصاميم دي حلوه..
حدق بالتصاميم قليلاً وهو يبتسم بحزن فحقاً يتمنى أن يسمع تلك الكلمات منها عندما تكون بخير وتتذكر كل شيء وليس وهي متغيره كل هذا التغير فهو عاجز عن التعرف عليها!
هتفت بتذمر وهي تصفع وجنته بخفة عندما شرد من جديد: جاسم! سرحان في إيه؟!

ضحك وهو يمسد جبهته ببطء ثم نظر لها بجانب عينيه بعبث ومدّ يده يدغدغها بتسلية وهو يبتسم قائلاً: بفكر فيكِ يا جميل إنت يا جميل، ظلت تضحك برقة وهي تتلوى بين يديه، كادت تسقط بالمقعد إلى الخلف من كثرة تحركها..
توقفت يديه عن التحرك على خصرها لـ تحرك رأسها بثمالة وهي تقهقه دون توقف، قبل جبهتها بخفه وهمس أمام شفتيها بحب: بحبك..
اتسعت ابتسامتها وطوقت عنقه بنعومة وهمست بخجل: وأنا كمان بحبك..

فغر فاهه بذهول وهو يهز رأسه، هل أخبرته الآن أنها تحبه؟!، لما يجب عليها أن تجعلة يتذكر تلك الذكريات التي كان يظنها جميلة وهي مقارنة بما يحدث الآن سيئه وبشعة كثيراً ولا تستحق أن يتذكرها!، لكنه عاد إلي تلك الذكريات وتذكرها رغم هذا..
هتف بنعومة وهو يعانقها بحنان: بحبك..
ظلت عشق صامته قليلاً وهي تنظر له عندما وجدته صامتاً هو الآخر ينظر لها باستنكار..

هتفت بتعجب وهي تشاهد تعابير وجهه: إنت مستنيني أقولك وأنا كمان؟!، لكنه لم يرد عليها مستمراً في النظر لها بهدوء وحزن عميق غلب على مقلتيه الجميلتين إضافة إلى استنكاره ذلك الجفاء والبرود منها!.

قطبت حاجبيها وتحدثت بتذمر وهي تتشبث بخصره: جاسم! إنت عارف إن الأفعال بالنسبالي احسن من الأقوال بحبك دي مالهاش لازمه بالنسبالي! ده إللي ليه لازمه، ثم رفعت نفسها قليلاً ووقفت على أطرافها وقبلته بعمق وهي تحاوط رقبته بنعومة..
فصلتها وهي تبتسم بمكر وأعادت عليه وهي تغمز: مش كده أحسن!

عاد إلى واقعة لـ يهز رأسه بسخرية وهو يحدق بـ جـنّـة كيف تجلس بخجل وتخفي كتفيها عنه وتتصرف بتلك البرائه وكأنها لم تعرفة يوماً؟!.
تحدث وهو يتنهد بتعب لأن عقله سينفجر: أنا هقوم أنام عشان تعبان ومخدتش كفايتي من النوم امبارح..
وقف وقبل وجنتها سريعاً برقة، فأومأت له وهي تنظر له نظرة مبهمة لم يفهمها لكنه تركها وذهب فرأسه بها آلافاً من الأفكار كي يفكر بها وأضاف عليهم تلك النظرة، هذا ما كان ينقصه..

دلف إلى غرفتهُ تزامناً مع صوت هاتفه المرتفع الذي صدح بأرجاء الغرفه، التقطه وقبل أن يتحدث إنقطع الصوت..
تنهد وتسطح على الفراش وهو يزفر بتعب، ثم فتح الهاتف وظل يحدق في ذلك الرقم المجهول الذي هاتفه فجر أمس بتفكير، حاول الإتصال به أكثر من مرة لكنه مغلق، وهو لم يسمع أمس سوى صوت الأمطار الغزيرة فقط لا شيء آخر..

أفزعه صوت رنين الهاتف بين يديه فجأة، فلعن سامي المتصل ثم تحدث وهو يبتسم: أهلاً بالرخم عايز إيه؟!
ضحك سامي بخفة وقال بهدوء: ده أسلوب تكلمني بيه وأنا واحد مسافر ومتعرفش ممكن يحصلي إيه في الطريق؟!
قهقه جاسم وتساءل بتعجب: رايح فين؟!
أراح سامي ظهره على الأريكة ومدّ قدميه على الطاولة وتحدث وهو يقلب كوب الخمر بين يديه: نازل القاهرة..
تعجب جاسم أكثر وسأله: إنت ليك شغل إيه في مصر؟!

إبتسم سامي وهتف بهدوء بنبرة ليست مُريحة بالمرة: بعدين يا جاسم بعدين هقولك كل حاجة سلام دلوقتي بقي عشان همشي..

في القاهرة..
حاوط خصرها بحميمية مقبلاً وجنتيها بحرارة وهي تجلس على المقعد بجانبه وقال بحنان: وحشتيني أوي يا تالين عاملة ايه؟

ربتت على صدره برقة هتفت بنعومة: الحمد الله يا حبيبي، إنت وحشتني اكتر، إبتسم وقبل وجنتها من جديد تحت نظرات آدم الحارقة، فهذا أكثر مايستطيع فعلة تقبيل وجنتيها وتصنع اللهفة فقط، هذا أقوى ما يفعله، تناول الطعام بعصبية حتى أنهي طبقة لـ يسأله مصطفي بمرح: ايه يا آدم هُمه مجوعينك ولا ايه؟
إبتسم باصفرار وقال بضيق: اسأل مراتك يا عم مش بتأكلنا ومشغلانا عندها كمان..
شهقت بخفة وسألته بغيظ: بقي كده؟

أومأ لها وهو يبتسم لـ تتسع ابتسامته أكثر عندما سمع قول مصطفي: أنا بتبسط لما بعرف إنك إنت اللي بتوديها الجامعة وبتجيبها عشان الطريق وياريت تعمل كده على طول عشان ابقى مطمن عليها!

أشر آدم على عينيه بسبابته بالتناوب وهتف بجدية: من العين دي قبل العين دي، ثم نظر إلي والدته التي كانت تحترق غضباً وهي تنظر لهم لـ يقول بابتسامة ومرح: ماما برده كانت بتشجعني كل يوم إني أروح اوصلها بس بجد يا جماعة وعد مني هتحمل المسئولية و هخلي بالي منها أي خدمة..
ضحك مصطفي وهو يربت على كتفه بينما تالين ابتسمت بخفة عندما فهمت مغزى حديثه الذي عبارة عن إغاظة والدته..

تحدث مصطفي مقترحاً وهو يأشر على تلك الفتاة الجميلة التي تجلس معهم صامته: خد سالي وارقص معاها يا آدم و اتعرفوا على بعض! دي مش غريبة برده دي السكرتيرة بتاعتي..
أومأ آدم ووقف وعرض عليها بلباقة وهو يمد راحة يده لها: تسمحيلي؟
ابتسمت بنعومة وهي ترجع شعرها الحريري الأشقر خلف أُذنها وأومأت بخجل وهي تقف معه..

تحدث على مضض وهو يراقب كيف تتحاشى النظر له بخجل منذ أن بدأوا الرقص: ايه يا سالي هتفضلي مكسوفة كده كتير؟
هزت رأسها بنفي وهي تتدارك خجلها لـ يقطع آدم قولها قبل أن يخرج قائلاً باقتضاب: أنا موافق نعمل خطوبة مبدئياً ونتعرف على بعض فيها كويس عشان تبقى براحتك موافقة؟
أومأت بهدوء ثم قالت بخفوت: موافقة..

أومأ هو الآخر بهدوء وهو يحدق بمصطفى الذي لم يتوقف عن تقبيل تالين منذ أن جلس، يواسي ضعفه، مثير للسخرية، لا يهم فليقبلها كيفما شاء لأنها لن تظل معه أكثر من هذا..

كانت تجلس أمام فراشها تُراقب حالتها بحزن وهي تربت على وجنتها بحنان وأعين دامعة، كيف حدث معها هذا؟ وعمّار لما يريدها أن تخرجه هي خاصة؟
حركت جفنيها المطبقين بتعب وفتحت عينيها التي تحرقها بتثاقل لـ يقابلها سقف غرفتها الأبيض، تأوهت وهي تشعر بألم يدها الذي لا يحتمل، اعتدلت جالسة والرؤية أصبحت مشوشة عليها بسبب عبراتها، نظرت إلى يدها المضمدة فمن فعل هذا؟ ولما الألم لم يزول بعد؟.

ربتت نادين على وجنتيها بقلق جعلتها تنتبه إليها وسألتها بحنان: حصل ايه؟ مين عمل فيكِ كده؟ أنا ملحقتش رنا كُنت بشتري شوية حاجات جيت لقيتها سايبة ملاحظة على التلاجه ومش موجودة..
ربتت ليلى على يديها بحنو وقالت بهدوء وهي تبتلع غصتها كي لاتبكِ: محصلش حاجة يا حبيبتي أنا كويسة..
أومأت وهي تزم شفتيها ثم قالت بعبوس: مش عارفة اليوم ده ماله كل الغاليين عندي بـ يتأذوا حتى عمّار..

شحب وجهها فجأة عندما سمعت أسمه ثم سألتها بنبرة مرتجفة: لـيــه؟
هتفت نادين بحزن: إتصل بيا من القسم وقلي اروحله أنا وإنتِ عشان إنتِ الوحيده اللي هتعرفي تطلعية، ثم صمتت قليلاً مُرتبكة وطلبت باحترام: ممكن؟
هزت رأسها برفض وهتفت بكُره: سبيه إن شاء الله يعفن هناك مش رايحة في حتة..
أدمعت عينيها وهي تنظر لها بحزن جعلتها تصرخ بها بانفعال: متبصليش كده؟ و متقنعنيش إنك بتحبيه! ده لسه داخل حياتك مكملش شهر؟!

سقطت عبراتها بألم وهتفت بانكسار: إنتِ مش موافقة عليه ليه؟ إديني سبب؟ إنتِ مش بتحبيه طيب أنا ذنبي إيه؟!
هتفت بدون تعبير وقسوة: ذنبك إنك بنتي وأنا المسئولة عنك لو بتحبيه يبقي تنسيه..
ضمت قبضتها بغضب وقالت بتهديد: إنتِ عارفة أنا ممكن اعمل ايه عشان اخد الحاجة اللي أنا عايزاها؟

هزت ليلى رأسها وهتفت ساخرة: هتعملي ايه؟ هتنتحري عشانه؟ إنتحري، وأولتها ظهرها وهي تتأوه بألم وبكِيت بصمت، تعلم أنها تحزنها لكن لا حل آخر لديها..
هبت واقفة وقلبها يخفق بذعر عندما سمعت صوت ضربها الأرض بقدمها ثم ذهابها إلى الأسفل بالتأكيد لن تفعل هذا حقاً!.

إرتدت خُفيها بسرعة ثم أمسكت مِبذلها كي ترتديه فوق منامتها العارية لكنها تأوهت بألم عندما حركت يدها فهي لا تساعدها كثيراً، توقفت وأنزلت يدها ببطء و هي على وشك البكاء، وذهبت خلفها إلى الأسفل، فليلعنه الله ذلك البغيض..
ادارتها بلهفة وخوف وهي تقول بانفعال عندما وجدتها توليها ظهرها تقف أمام البار: إنتِ بتعملي ايه؟

حركت نادين أهدابها المُبللة بتعجب وهي تنظر لها ثم قالت بهدوء وهي ترفع كوب المياه أمامها: كُنت بشرب!
تنفست ليلى الصعداء ثم تحدثت بنبرة مرتجفة إنتهت ببكائها: إنتِ عارفة إنك أغلي حاجة في حياتي ومش بقدر أزعلك بس عشان خاطري بلاش عمّار صدقيني هو شخص مش كويس مش كويس..
عانقتها نادين برفق وأخذت تربت على شعرها بحنان كأنها هي طفلتها وليس العكس ثم قالت بحزن: مالك بس النهاردة؟ عمالة تعيطى كتير ليه؟

رفعت رأسها و تحدثت بحرقة وهي تربت على وجنتها: عشان خايفة عليكِ منه ده إنسان قاسي معندوش قلب هيأذيكِ..
تنهدت بحزن وقبل أن تتحدث سمعت رنين جرس المنزل، فتحركت متجه إليه بإحباط فيبدو أنها لن تسافر معه ووالدتها بتلك الحالة..
كتمت أنفاسها وهتفت بتعجب: عمّار!
إبتسم بهدوء وهو يضم قبضتيه وسألها من بين أسنانه: فين حماتي؟
إبتعدت ذاهلة وأشرت على الداخل وهي تقول: جوا..

تركها تغلق الباب متعجبة ودلف هو إلى الداخل بتهجم، كاد يصعد الدرج لكنه توقف أمامه عندما سمع صوت أنين من خلفه، استدارمتعجباً ليجدها تقف داخل المطبخ توليه ظهرها خلف البار تبكِ! أإلى الآن تبكِ! لما؟ هو لم يكن قاسياً معها حسب مايتذكر!.
دلف وهو يبتسم، ارتشف بعض المياه وهو يراقب شرودها الذي جعلها غافلة عن وجوده، أخذ يتقدم منها وهو يقلب الكوب بين يديه..

انتفض جسدها عندما سمعت صوت الكوب يوضع جانبها بقوة كاد يتهشم، هو بالفعل أصابه بعض الشروخ..
وصلت رائحته عطره الرجولية إلى أنفها خدرت حواسها جعلت قلبها يثور هلعاً وخوف عندما علمت لمن تابعة تلك الرائحة، رفعت رأسها ببطء و تتمنى أن لايكـ، لم تكمل أمنيتها حتى شحب وجهها وهربت شهقة خافتة من بين شفتيها المثيرتين جعلته يبتسم أكثر وهو يحاصرها بينه وبين البار ينظر لها بهدوء مخيف أرعبها منه بشكل مضاعف..

هسهس بجانب أذنها بخفة سمعت أثرها صوت صرير أسنانه معاً بغضب حاول قدر الإمكان التحكم به: بقي بتبلغي عني؟!
أزدردت ريقها ببطء ورفعت مقلتيها اللامعة أثر عبراتها تنظر له بتحدي أمام تلك الشرارات التي تنبعث من خضراوية اتجاهها وهي تتنفس رائحته التي كانت تقوي كُلما إقترب أكثر أطبقت على صدرها جعلتها تختنق..

قطع حرب النظرات خاصتهم صوت نادين المتعجب جعلته يبتعد قليلاً إلى الخلف: طالما هتخرج قولتلي أجيب ماما وأجي ليه ولا كنت بتهزر وأصلاً جي من البيت؟!
إبتسم بهدوء وهدر ساخراً وهو ينظر إلى ليلى: لأ مش بهزر كان بجد أصلى كُنت عايز أعرف غلاوتي عند حماتي قد ايه وزي ما توقعت بتحبني أوي..

إنفجرت نادين ضاحكة بمبالغة جعلته يضحك معها وهو ينظر إلى ليلى فهو يعلم لما تضحك بهذا القدر، ليلى تكرهه بشدّة، هو بالمثل أيضاً..
قاطع وصله ضحكها سؤاله: ملبستيش ليه عشان نمشي؟
اختفت ابتسامتها وعبست ثم نظرت إلى ظهر ليلى بحزن فابتسم وهو يضرب راحة يده على البار بخفة وصوت خفيض أسمعه إلى ليلى فقط وهو يسألها رافعاً حاجبيه: خطيبتي مش جاهزه ليه يا حماتي؟

اهتزت مقلتيها باضطراب وأبعدت نظرها عنه لـ يهمس بتسلية ومازالت تلك الضربات الخافتة تصل إلى مسامعها ترعبها: لو درس الصبح مقصرش فيكِ ممكن نعيده من تاني قدام نادين! بس أشك إنه مقصرش؟

أدمعت عينيها وهي تحني رأسها، سوف تترجاه ان يتركهما إن كان هذا مايُريده، رفعت رأسها وعبراتها تنساب على وجنتيها ببطء وضعف تناست أنها كانت تملكه يوماً، حركت شفتيها المرتجفة الممتلئة بـ عبراتها كي تتحدث لـ تخرج نبرتها مُتحدية ثابتة لم تُخطط لها: موافقة، اطلعي البسي..

توسعت عينيها وصرخت بسعادة ثم ركضت إلى الأعلى تحت نظرات عمّار الذي كان يبتسم وهو يراقبها، عاد بنظره إلي تلك الباكية، رفع يده وربت على وجنتها ببطء كـ جرو مطيع وهتف بـ رِضا تام: شاطرة يا حماتي شاطرة، ثم محي تلك العبرة الساخنة التي سقطت عن وجنتيها بإبهامه بنعومة وهتف بحزن مصطنع: أنا قلبي رهيف متعيطيش قدامي وتزعليني بقي ها..

وتركها وعاد خطوتين إلى الوراء وهو يتفحصها بنظراته فيكفي عليها هذا كي لا تنهار أمام إبنتها وينقلب كل شيء ضده، ولما ترتدي ذلك الرباط الضاغط هل هي حمقاء؟ إنها تحتاج جبيرة! ولما تلك الملابس أيضاً أين ملابسها اللعينة؟ ألا تمتلك ما هو محتشم كي ترتديه أمام عينيه الوقحة التي لا تتوقف عن الحملقه هي الأخرى؟ فعندما يغتصبها المرة القادمة لا تلومة..

هز رأسه باستياء ثم مال وفتح الثلاجة بوقاحة وأدخل رأسه داخلها بجوع وهو يسألها: مفيش عندكم أكل أنا جعان..
لم ترد عليه بل فتحت أحد الأدراج وأخرجت منه مدّية حادة وهي تنظر له بسخط بأعين حمراء باكية مرهقة وأخذت تتقدم منه وهي ترفعها بيدها السالمة..
أخذ تفاحة من الطبق ثم قطب حاجبيه وهو يسمع صوت خطوات بطيئة خلفة، إستدار سريعاً لـ تتسع ابتسامته عندما رآها ترفعها وتنظر له بكُره شديد..

صرخت وهي تتقدم بسرعة كي تقوم بطعنه وغرسها بمنتصف قلبه..
تأوهت بألم عندما أمسك رسغها بقوة ولفها بعنف لتستقر يدها بالمدّية على رقبتها هي ورأسها على صدره الصلب كـ جبلٍ مخيف، أسيرة بين يدية، سقط قلبها وهي تسمع صوت أنفاسه الحارة التي ضربت على وجهها، إنه غاضب، علت وتيرة أنفاسها بألم وقلبها يضرب قفصها الصدري بعنف عندما وجدت ذراعة تطوق خصرها بقوة مؤلمة وتلك التفاحة مازالت في قبضته لم يتخلى عنها بعد..

همس بشر وهو يغرس طرف المدّية بـ جلد رقبتها وذراعه يعتصر خصرها بقوة مؤلمة وجسدها يلتصق به أكثر فأكثر: عايزه دراعك التاني يتكسر ياحماتي! ها؟ وهتقتليني في بيتكم كمان؟ دى بجاحة ولا قوة بس عشان أفهم؟
بكِيت من الألم الذي تشعر به وهي تهز رأسها على صدره كـ مداعبة جعلته يتحدث ساخراً وهو يتعمد إيلامها أكثر: طالما إنت مش قد الحاجة بتعمليها ليه؟ ها؟ طفلة إنتِ؟ قوليلي لو طفلة؟

بكِيت أكثر وجسدها أصبح يهتز بين يديه، فمال وأسند وجنته القاسية على وجنتها الرقيقة وتحدث لـ تتحرك ذقنه الشائكة ضد بشرتها الناعمة جعلها تقشعر: كل مرة هتعيطي كده وتوجعيلي قلبي عليكِ ها؟ مش قولتلك قلبي رهيف؟ ليه مُصِرة توجعيني؟ ليه؟ مش أنا زي أبنك برده؟، وضحك بخشونة وهو يهبط بذقنه فوق منكبها العاري أستقر عليه ثم فك قيد خصرها وأبعد ذراعه وأخذ يدها التي تمسك بها المدّية وهي ترتجف و قال بكل هدوء: يلا قطعي التُفاحة..

توقف جسدها عن الاهتزاز مع توقف بكائها بتعجب!، إنه مريض، حركت رأسها للجانب تنظر له بتعجب لـ تضرب أنفها أنفه دون قصد وداعبت خصلاتها الحريرية المسترسلة وجهه لـ تتحول نظرته إلى داكنة عندما وقع نظرة على شفتيها المنفرجة في دعوة إلى التقبيل..
إبتسم بعبث وقوس شفتيه يمنعها من ما هي مقبلة علية ونفخ بخفة لـ يتطايرشعرها إلى الخلف جعلها تغمض عينيها لـ برهة من الثانية ثم فتحتها عندما همس: التُفاحة يا حماتي..

حرك يدها المرتجفة بنفسه بسبب تلف أعصابها وقام بقطعها نصفين وهتف بابتسامة وهو يرفع نصف أمام شفتيها: تاكلي؟ أنا نُص وإنتِ نُص، نظر له ببرود ولم ترد عليه..

أومأ وهو يبتعد وقال وهو يقضمها: أنا قولت كده برده شكلك بتحبي الموز، نظرت له بكُره وهي تضم قبضتها على المدّية لتشهق عندما اختطفها من يدها ثم صرخت بقوة وعادت تبكِ بحرقة بعد إن دفعها على حافة البار بعنف جعلها تشعر بانقسام ظهرها نصفين وتشنج عمودها الفقري، لقد بكيت كثيراً اليوم حقاً..

هتف بنفاذ صبر وعيونه تقدح شراً وهو يمرر ذلك النصل الحاد على وجنتها نزولاً إلى رقبتها وهي تشهق: دي آخر مرة هحذرك فاهمة؟ أنا مبهزرش، هأذيكِ..

ازدردت ريقها وهي تكتم شهقتها مغلقة العينين وهي ترتجف مع توقف يده فوق رقبتها قليلاً ثم هتف باستياء وهو يقطب حاجبيه يسألها وعاد يحركها من جديد صعوداً ونزولاً كأنه يرسم مخلفاً فوق جلدها خطوطاً حمراء: مش حرام برده الرقبة الجميلة دي تدِّبح وإحنا ممكن نستخدمها في حاجات ثانية مفيدة؟، فتحت عينيها بضعف، واهتزت مقلتيها هي تنظر له بعيون زائغة مهتزة، مفيدة مثل ماذا؟!.

أبعد يده وألقاها خلف ظهره بعدم إهتمام وهتف بتهكم وهو ينظر لها بشفقة ساخرة: متلعبيش بالسكينة تاني يا حلوه عشان متتعوريش، ومن غير مقاطعة إن شاء الله المرة الجاية هتلاقيها رشقت في قلبك، وتركها وغادر قاضماً التُفاحة بِـ غل قائلاً من خلف كتفه دون النظر لها: جهزي نفسك أنا في العربـ، آآآه، انحني متأوهاً بألم عندما شعر بتهشم الكوب الزجاجي في مؤخرة رأسه، اللعينة سوف يقتلها..

استدار لها بأعين مشتعلة من الغضب لـ تتحدث بقوة مصطنعة متجاهلة آلام جسدها الضعيف أمام جسده وكأنها لم تكن تبكِ في قبضته منذ قليل: أصلك لما شربت منها اتشرخت من كُتر الوساخة اللي بتنقط منك و مينفعش ترجع تاني وإنت مخدتهاش وإنت ماشي قولت ادهالك أنا، ثم ابتسمت بسخرية وتابعت بوعيد: هنيجي معاك يا عمّار بس قابلني لو الجوازة دي تمت..

إنفجر ضاحكاً بخشونة اخافتها، وجعلها تصاب بالرعب أكثر عندما هتف بنبرة لا تمت إلى المزاح بصلة: وإنتِ قابليني لو خرجتو من هناك..
هزت رأسها بلا مبالاه وقالت بـ بُغض شديد: هقابلك يا خنزير..
ارتجف قلبها بخوف وهي تراه يتقدم منها كـ الهجمة بتلك الملامح المرعبة سوف يقتلع لسانها تلك المرة هي مُتأكده..
أنقذتها نادين التي نزلت الدرج ركضاً ووقفت أمام عمّار حائلاً بينهما وهي تبتسم بسعادة وقالت بحماس: خلصت..

أومأ لها وهو يقضم شفتيه بـ غل وألقي نظرة باغضة أخيرة على ليلى أنذرتها بالقادم الذي لن يكون خيّراً أبداً..
سألته نادين وهي تبتسم: ايه ده التُفاحة دي من عندنا؟
إبتسم و حشر بقيتها داخل فمها تحت رمشها بتعجب وهو يتحدث بسخط: أه ياختي من عندكم أشبعي بيها..
وتركها وذهب ينتظر في الخارج..

توقف أمام السيارة وهو يتنفس بانفعال، تلك اللعينة تفقده أعصابة وتجعله يجن، وضع يديه على مؤخرة رأسه لـ يتأوه مع شعورة بذلك السائل الساخن، دماء، تلك الوقحة سوف يذيقها الويلات..

إبتسم واحتضن يدها بين يديه بحنان ثم قبل راحة يدها بتملك وهو يسألها: عجبك الأكل هنا؟
أومأت عشق بخفة وهي تبتسم له وتابعت تناول طعامها تحت نظراته الحانية المتأملة لها..
ضم طرفيّ معطفه الثقيل معاً وهو يعقد يديه أمام صدره يراقبهما بابتسامة شيطانية..
أخرجه من شروده صوت النادل بلباقة: أجيبلك كاس تاني؟.
إبتسم سامى بعبث وقال مقترحاً بتفكير: كاس؟، كاس ايه؟ هات إزازة عشان السهرة هتحلو..

تااااابع ◄ 

أحدث أقدم

نموذج الاتصال