رواية لروحك عطر لا ينسى الفصل الأول


 تقديم الرواية

ما كان ينجذب لها سابقا، لم تكن من النساء الذي يفضلهن.. انها ليست نوعه، لكن كل شيء انقلب حين اقترب منها، انها خطرة، اخطر من اي شيء اخر في حياته، عطر روحها كالخمر الذي يذهن العقل ويسلبه، لكن كيف! كيف يستسلم لمشاعره وهي امام الجميع أُخته؟!
اقتباس من الرواية

أولته ظهرها وهي تهم للمغادرة، فأسرع بخطواته ليصل لها ويجذبها من ذراعها قبل ان تتخطاه قائلاً بهدوء
- استهدي بالله كدة واسمعيني
- ابعد ايدك عني يا متحرش
رفع حاجبيه بذهول مُردداً قولها بنبرة مُنزعجة
- متحرش؟
- ايوة كلامك كان خادش للحياء ويعتبر تحرش
امتص غضبه وكظم غيظه منها ليقول بهدوء
- طب اسمعيني الاول، وبعـ..

مازالت تحاول التملص منه، الا تفهم ما يطلبه؟ دفعها للحائط بقوة قابض كفه على عنقها بشيء من العنف هامساً بصوت أجش
- بقولك اسمعيني، هعرض عليكِ عرض وياريت تفكري فيه وبطلي عنادك والهبل اللي بتعمليه دة
تنفست بعنف وهي تصيح بإنفعال غير مستوعبة فعلته
- انت ازاي تعمل معايا كدة؟، وإزاي عايزني اتكلم مع واحد مـ...
قاطعها صارخاً بها بنفاذ صبر
- انا مش متحرش، اتحرش بيكِ لية انتِ كمان!، ولو انا واحد كدة هتحرش بيكِ انتِ مثلاً!

الفصل الأول

داخل فيلا إبراهيم السويفي، كانت الأجواء متوترة بوجود الطبيب في غرفة سيدة الفيلا سهام، لقد تعرضت ل أزمة قلبية مرة اخرى بعد ان اخبرها المحامي بعدم وجود أمل لإيجاد ابنتها الضائعة، هذا السيناريو يتكرر كل شهرين ولكن حالتها تسوء في كل مرة.
صعد عمر درجات السلم خاطفاً كل درجتين معاً بتعجل، التقط انفاسه حين قابل والده إبراهيم قبل ان يتجه لجناح والديه، امطر عليه اسألته القلقة.

- الدكتور قال اية؟، ماما بقت كويسة؟
- لحقناها الحمدالله
تنهد عمر براحة بعد قول والده، بينما استطرد الاخير بضيق
- انا مش عارف هي لية مُصِرة على انها تدور عليها، سلمى ضايعة اكتر من عشرين سنة، هي ازاي متوقعة اننا نلاقيها!
- عشان نريحها بس يا بابا
استنكر إبراهيم تعلله بصوت مرتفع
- نريحها؟، دي بتتعب نفسها وبس.

مسح عمر وجهه بكفيه وهو يؤيد قول والده، فلم ترى والدته الراحة منذ ان شرعت بالبحث عن اخته، وهو شخصياً لا يرى اي امل من هذا الامر لكنه لا يستطيع مواجهة والدته بهذا وإحزان قلبها اكثر.
- انا هدخل اشوفها.

دلف للجناح وتقدم من والدته الراقدة على الفراش والأجهزة حولها مُتصلة بها، شعر بالشفقة عليها والحزن، تمنى ان يكون الحل بيده ويساعدها لينتشلها مما هي فيه الان، جلس بجوارها وقبل يدها فأستقرت نظراتها المُتعبة عليه، شقت ابتسامتها ثغرها بصعوبة بحنين وهي تقول بصوت بالكاد سمعه
- عمر، مش عارفة الاقي اختك يا عمر، مش هقدر احضنها ولا اشم ريحتها قبل ما اموت.

عادت لتنتحب من جديد لتجعل قلبه يُمزق لرؤيتها هكذا، مسح دموعها بأصابعه وهو يعاتبها على ما قالته
- بعيد الشر متقوليش كدة لحسن ازعل منك، وأوعدك اني هلاقيها وهتبقى في حضنك قريب، بس متعمليش في نفسك كدة وفينا، ممكن!
اومأت برأسها وهي تصنع بداخلها أمل جديد، اخذت تسعُل فناولها كوب ماء لتحتسي القليل منه، قال بحزم
- يلا عشان نروح المستشفى، انا مش عجباني فكرة علاجك في البيت.

اعترضت سهام بصوتها الضعيف وانفاسها المُتقطعة
- لا لا مش بحب المستشفيات وغير كدة اهي الممرضة موجودة والأجهزة متعلقة ولا كأني في احسن مستشفى
كاد ان يعترض لكن والده منعه وهو يضع كفه على كتف عمر هامساً
- خلاص سيبها براحتها، كدة كدة مش هتسمع كلامك
زفر بسخط مما يحدث، لا شيء يسير بالشكل الصحيح المُفترض ان يُصبح عليه، اخذه إبراهيم للخارج ليتحدثا
- هتلاقيها فين دي؟، هتدور عليها فين انت كمان؟

سأله إبراهيم بعيون ضيقة فضولية، اجابه عمر
- عندي صحابي ممكن يساعدوني في الموضوع
اخرج عمر هاتفه الذي يرن من جيبه، استأذن من والده ليتجه لغرفته، سأله إبراهيم
- رايح فين؟
- هخرج مع صحابي شوية
ضرب ابراهيم كفيه ببعضهما بحيرة، منذ وهلة كان قلق على والدته والآن سيخرج ويلهو مع أصدقائه!، ابتسم وهو يتمتم
- طالع مزاجي زيي.

في المقهى
- انا تعبت مش قادرة
قالتها يارا وهي تضع الصينية جانباً وتُدلك رقبتها بتعب شديد، سخرت منها صديقتها ملك
- ياه دة انتِ لسة تاني يوم وبتقولي تعبتي؟
- المكان مبيفضاش والطلبات كل شوية تزيد
ضحكت ملك وهي تنكزها بمُزاح
- قولي ماشاءالله ليولع المكان
رمقتها يارا بعتاب بينما اردفت ملك براحة وهي تبتسم بسعادة
- بس لا بجد شابو انك معملتيش مشكلة للان، خليكِ كدة وحافظي على شغلانة بقى.

دافعت يارا عن نفسها بإنفعال
- مش انا اللي مش بحافظ على شغلي، الناس هي المُهزقة وبتطلعني عن شعوري وبتطرد اعمل اية؟
- بس افتكري ان وراكي مصاريف علاج أمك، فأمتصي غضبك شوية وانفعالاتك
ذكرتها ملك وهي تحمل الصينية وتخرج من المطبخ، مسحت يارا عرق جبينها وهي تأخذ نفس عميق قبل ان تلحق بها ومعها صينية أُخرى.

اوقف عمر سيارته جانباً وهو يهتف بإعتراض ل صديقه إياد عبر الهاتف
- قولتلك مش هروح مكان زي دة، متحاولش تقنعني
حاول إياد ان يُغريه ب
- يابني القعدة هتبقى حلوة وفيها بنات
- قولت لا، روحوا انتم وملكمش دعوة بيا
زفر إياد بإنزعاج من إصرار الآخر، تراجع هذه المرة قائلاً
- خلاص خلاص دة احنا بقالنا كتير مشوفناكش، نتقابل في الكافية بتاعنا؟
- ماشي، نص ساعة وابقى هناك
- اتفقنا يا صاحبي، سلام.

وصل إياد وباقي الأصدقاء للمقهى، تم أخذ طلباتهم لتأتي النادلة بعدها وتقدم ما طلبوه، نكز إياد صديقه مروان الذي لم يخفض ناظريه عن جسد النادلة التي تقدم لهم المشروبات، همس في أذنه بحزم
- خف شوية
- صاااروخ
قالها مروان بخفوت ومازالت عينيه مُعلقة على جسد النادلة، نقل إياد نظراته لها وقال رأيه بنفس نبرته
- مش قد كدة عادية يعني
- انت مش بتفهم في البنات فأسكُت
- انا!
قالها بإعتراض واردف بتفاخر.

- دة انا إياد العربي ال..
أصمته مروان وهو يُتابعها وهي تبتعد
- بعدين بعدين
ثم نهض ليلحق بها، فهتف إياد هامساً
- هتعمل اية يا غبي!
وصل عمر حينها ودلف للمقهى، اوقف مروان الذي كاد ان يتخطاه قائلاً
- رايح ف..
لم يُكمِل سؤاله حين وجد التي بجانبه توجه له كلماتها الغاضبة
- ما تحترم نفسك ياعم..
نظر عمر حوله بإستغراب لعلها تُحدِث شخص اخر لكن قولها أكد له انها تقصِده هو
- انت هتستهبل؟، بكلمك انت.

كان مصدوم من هذا الموقف، لا يعلم ماذا فعل لها حتى تُحدِثه بهذه الطريقة؟، ترك ذراع مروان الذي كتم ضحكاته وابتعد قليلاً، سألها بحيرة وهو مازال يحاول الإستيعاب
- عملتِلك اية انا عشان تكلميني بالأسلوب دة؟
- يارا، يارا
نادتها ملك بذعر وهي تركض لها وتمسكها من ذراعها محاولة سحبها وهي تهمس بجوار اذنها
- يابنتي ما انتِ كنتِ كويسة، تعالي معايا بلاش تعملي خناقة وتطردي
دفعت يارا يد صديقتها رافضة للصمت، هتفت بحدة.

- بيعاكسني وبيقل أدبه، اسكت؟
سقط فكه بذهول، عن من تتحدث هي؟، هل عاكسها، متى؟
- نعم؟، مين اللي عاكسك؟ انا؟
اسرع إياد لهم ليتدخل ويُهدأ الامر
- حصل سوء تفاهم و...
قاطعته يارا بخشونة وصوتها يرتفع مع كل كلمة تنطق بها
- نعم؟، سوء تفاهم اية، انا سمعته بودني
ابتعد عمر وهو يضحك في غضب قائلاً بصوت مُرتفع، فقد قرر تجاهل ما يحدث والانسحاب
- لا لا شكلك مجنونة وفي مخك حاجة.

- وانت واحد مريض اهلك معرفوش يربوك ويخلوك را...
ابتلعت باقي حروفها بفزع حين عاد لها كالثور الهائج وهو يهتف بصوت جهوري ارتجف جسدها على اثره
- اخرسي، لو طولتي لسانك هجيبك الارض
انه يهددها؟، كلماته استفزتها فتخلصت من ذلك الخوف الذي لامس قلبها لوهلة وواجهته بإستخفاف ظهر جلياً في نبرتها الحادة
- لا خُفت، غلطان وبتهدد كمان، بجح بصحيح
نعتته وهي ترمقه بإحتقار، سحبتها ملك بعنف وهي تصرخ بها برجاء.

- تعالي معايا بقى واسكتي، أمانة عليكِ
أخذ إياد عمر بصعوبة للخارج وساعده مروان محاولين كبحه من الشتم، دفع أيديهم عنه بخشونة وهو يلهث، وجه إياد حديثه ل مروان موبخاً اياه
- عاجبلك كدة اللي حصل؟، شوفت تصرفاتك وصلتنا لفين؟
ابتسم مروان قائلاً بوقاحة
- بس صاروخ برضه، شرسة بس قمر
- بتتكلموا على اية؟
سألهم عمر وهو ينقل نظراته بينهم بشك، اجابه إياد بضيق.

- اللي حصل جوه كان بسبب الزفت مروان، هو اللي عاكس البنت دي وهي افتكرته انت
رفع مروان كفيه مُعتذراً وهو يبتسم
- اني اسف يا طيار
جذبه عمر بحدة من ياقة قميصه قائلاً بحنق
- يعني انت السبب وساكت؟، دة انت مُهزأ و بصحيح
ثم تركه وهو يقول بإنفعال
- بس هي غبية لدرجة متعرفش تحدد مصدر الصوت؟، وثواني تعال هنا انت قولتلها اية؟
ابتسم مروان بخبث وهو يُعيد ما قاله دون خجل، ضربه عمر بقوة على كتفه قائلاً.

- دة انت تستاهل اللي قالته وزيادة، بس كل دة طلع عليا انا يا
- مش مشكلة انا وانت واحد
- لا يا شبح انت مروان وانا الطيار، وابعد عني دلوقتي لطبق وشك
ثم عاد ليدخل المقهى، فلحق به إياد.
في المطبخ، كانت ملك تحاول تهدأة يارا وتدعو الله ان يُمرر المدير الامر دون طردها، بينما كانت تقول إحدى زميلاتها
- ملقيتيش غير الطيار تتخانقي معاه؟، دة ايده طايلة وغير كدة محترم اوي مش قادرة اصدق انه عاكسك اصلاً.

اسرعت يارا لتدافع عن نفسها امام اتهام زميلتها الخفي لها
- دة الحصل، اكيد مش هتبلى عليه وانا معرفهوش اصلاً
- الله اعلم
عاد الجميع لعمله حين دلف المدير وملامح وجهه لا تُطمأن ابداً، اسرعت ملك لتدافع عن صديقتها
- اللي حصل من شوية كان سو..
قاطعها بنظراته، قال بنبرة لا تقبل النقاش ل يارا
- هتروحي تعتذري للسيد عمر على اللي عملتيه، حالاً
حاولت يارا ان تتحكم بأعصابها وتحتفظ بهدوئها وهي ترد.

- بس انا مش غلطانة عشان اتأسف
- يعني عايزة تطردي؟
- ايوة معنديش مشكلة اطرد
نهضت وهي تُجيبه رافعة رأسها، فقال ب صرامة
- هتطردي متقلقيش، بس قبلها هتعتذري برضه، عشان بعملِتك اسأتي لصورة المكان
- هو المفروض اللي يعتذر مش انا
- هو الزبون
- يعني يقل أدبه عليا واسكت عشان هو زبون؟
لم يستطع ان يظل هادئاً اكثر من ذلك، صرخ بها.

- ايوة، الدنيا ماشية كدة في الشغل، والزبون اللي مش عايزة تعتذري له دة هو اللي بتاخدي من فلوسه مُرتبِك
تدخلت ملك قائلة
- حضرتك اهدى بس، يارا هتعتذر
- مش هعتذر قولت.

هتفت بها يارا وهي تُلقي بالمريلة على الارض وتلتقط حقيبتها وتتجه للخارج، توقفت قبل ان تصل للباب لتنظر اتجاه عمر وتقاوم بصعوبة الذهاب اليه وسكب كوب العصير الموضوع على اقرب طاولة ليدها في وجهه، اسرعت الخارج قبل ان تفعل ذلك وتُسبب مشاكل اكثر للمكان ولصديقتها التي رشحتها للعمل معها.

دقت الساعة العاشرة مساءً
في سيارة عمر، كان يتحدث بسخط مع إياد الجالس بجواره
- كان ناقصني اللي حصل في الكافية دة، مش كفاية تعب امي وموضوع اختي!
- هي لسة بتدور على اختك؟
سأله إياد بدهشة، اجابه عمر
- ايوة، وانا وعدتها اني هلاقيها المرة دي
- وهتلاقهيا ازاي يا فالح؟
- مش عارف، صراحة معنديش امل اصلاً اني الاقيها
نكزه إياد وهو يخبره بعبث
- طب ما تعمل اللي اقترحته عليك قبل كدة
- شيل الفكرة دي من راسك، مش نافعة.

- لا هتنفع واوي كمان، بس نلاقي الشخصية الصح اللي تقدر تمثل وتتأقلم، ومحدش هيعرف حاجة مدام لاعبينها صح
تنفس عمر بعمق وهو يُعيد رأسه للخلف، قال إياد آخراً قبل ان يفتح باب السيارة
- فكر تاني ولو وافقت قولي، عندي واحدة تنفع
حرك عمر حدقتيه لتستقر على الاخر مُتسائلاً
- مين دي؟، اعرفها؟
- طبعاا ونعمة المعرفة
اجابه بإستمتاع وعينيه تلمع بخبث، اعتدل عمر بإنفعال قائلاً بحذر
- أوعي تكون، ميرنا؟

قهقه إياد مما يؤكد صحة تخمين عمر، استطرد الاخير بإستنكار ونفور
- مستحيل أوافق على واحدة زيها، دي تجيب العار للعيلة من اول يوم
ترجل إياد قائلاً مُطمأناً اياه
- بهزر طبعا مش ميرنا، واحدة تانية بس لسة هدور عليها واعرف معلومات عنها اكتر وأقولك، بس دة في حالة واحدة، لو وافقت
- استنى تعال هنا، يا إياد
لوح له بكفه وهو يبتعد مُتجاهلاً ندائه.

في احد الأماكن الشعبية وبين المباني المُتهالكة القديمة تقبع شقة يارا المتواضعة، لم تكن حالتها المادية في احسن أحوالها لكنها كانت راضية عن حياتها البسيطة مع والدتها كوثر العاجزة عن السير.
خرجت من المرحاض وهي تسند والدتها لتصل بها إلى الكرسي المُتحرك، طلبت منها قبل ان تُجلسها عليه
- نيميني على السرير عشان تعبانة وعايزة أنام.

اومأت يارا برأسها وهي تأخذها للسرير، بعد ان تدثرت اسفل الغطاء التقطت كف ابنتها وربتت عليها بحنان بجانب اسألتها القلقة
- قوليلي بقى رجعتي بدري النهاردة لية؟، حصل حاجة؟
لن تهرب اكثر من ذلك عن الإجابة، اقرت وهي تخفض رأسها
- انا اطردت النهاردة من الشغل الجديد
ابتسمت كوثر قائلة بسماحة
- وماله مش مشكلة، هتلاقي غيره ان شاء الله
- ان شاء الله، خدتي دواكِ؟
- ام محمد ربنا يباركلها جت واديتهولي.

ابتسمت يارا برضا وهي تشكر الله على تسخيره لأُناس طيبين يقدمون المساعد لهم دون مُقابل، تعالى رنين هاتفها فقبلت رأس والدتها قبل ان تُطفأ الأضواء وتذهب لغرفتها لتُجيب على ملك التي هتفت بعتاب
- حلو اللي عملتيه النهاردة دة؟
- متفتحيش الموضوع دة دلوقتي عشان دمي بيتحرق كل ما افتكر الحقير دة
- يابنتي حرام عليكِ كل شغلانة كدة!، بدأت اصدق ان الغلط منك
قالتها ملك بإحباط فردت يارا بإنفعال.

- هو عشان مش بسيب حقي ولا بسمح بحد يتطاول عليا ابقى غلط؟
- اكيد مش غلط بس تغاطي، يعني الكلام مش بيلزق يا يارا
- لا بالنسبالي بقى الكلام بيلزق، واقفلي الموضوع انا مش ناقصة
تنهدت ملك بإستياء قبل ان تسألها
- ماشي، بس هتعملي اية دلوقتي؟
- هدور على شغل عادي يعني
- متنسيش ان طنط كوثر محتاجة تعمل العملية و...
قاطعتها يارا بنفاذ صبر وقد تثاقل صوتها بالهموم.

- اكيد مش ناسية انا شايلة هم العملية وبفكر ازاي هتصرف، فمتضغطيش عليا لوسمحتي
- انتِ عارفة اني مش بضغط عليكِ بس بحاول اساعدك
- عارفة اكيد، غيري السيرة وقوليلي عن موضوع العريس الجديد، مكملناش كلام
اخذت ملك تتحدث عن العريس الجديد الذي تقدم لطلب الزواج منها وعن مُعانتها في إقناع والديها برفضها، قالت آخراً.

- انا مش عايزة واحد غني، اهلي عايزين كدة اما انا لا، هما بيبصوا للفلوس، مش حاطين في دماغهم انه ممكن يكون وحش او يذلني بعدين ويعايرني عشان الفرق الاجتماعي اللي بينا و...
قاطعتها يارا لتوضح
- لا مش للدرجاتي يا ملك، اهم حاجة اخلاقه، لو هو كويس عمره ما هيعمل اللي انتِ خايفة منه دة
- عارفة، بس كمان انا مش مستعدة لسة للارتباط والجواز
واكملا حديثهما حتى غلبهما النعاس وناما على الهاتف.

بعد مرور اسبوع
في فيلا إبراهيم السويفي
جلس عمر على طاولة السفرة مُلقيا التحية على والديه، سألته سهام قبل ان يهم بوضع الطعام في فمه
- ها في اي جديد؟، عرفت توصل ل سلمى؟
وضع الملعقة بضيق على الطاولة، لم تكُف والدته عن سؤاله في كل دقيقة عن الامر، تدخل إبراهيم بإنزعاج
- خليه ياكل الاول بعدها اسأليه، مش على الصبح كدة
عبست سهام وامتلأت مقلتيها بالدموع لتبدأ بعدها بالبكاء وتقول من بين شهقاتها.

- انا حاسة اني هموت قريب، عشان كدة مستعجلاك، نفسي اخد بنتي في حضني يابني
نسى عمر ضيقه جين رأى دموعها، تنفس بعمق قبل ان يقول بصوت دافئ
- متعيطيش انا وعدتك اني هلاقيها، وأهو هانت، هتبقى قدامك قريب، ثقي فيا بس
مسحت دموعها بكفها وهي تبتسم، هامسة
- واثقة فيك
نهض عمر مُستأذناً، فأعترض إبراهيم
- رايح فين؟، انت مفطرتش
- هفطر مع إياد
- والشغل؟
- طلبت اجازة
اردف سريعاً قبل ان يقول والده ما يعرفه هو جيداً.

- متقلقش، انا طيار شاطر مش هيستغنوا عني، والاجازة دي من حقي فريح بالك
وغادر هارباً من اعتراض اخر منه، صعد سيارته وهو يتحدث مع إياد عبر الهاتف، اخبره بحزم
- انا موافق على فكرتك، قولي على البنت، حالاً
- بص، انا شايفها مناسبة جدا جدا جدااا يعني
صرخ به عمر بنفاذ صبر
- خلص قول هي مين
تنفس إياد بقوة قبل ان يُعلن عنها
- يارا، البنت اللي اتخانقت معاك في المطعم
- نعم؟، مستحيل
هتف بذهول ورفض قبل ان يُغلق الخط.

وصل عمر اخيراً للمطعم بعد مُعاناة مع زحام الطريق، اندفع جالساً امام إياد الذي كان يحتسي فنجان القهوة بإستمتاع
- قولي بسرعة اية اللي في راسك ها؟، انت بمخك يعني تختار البنت المجنونة دي؟
اعاد إياد الفنجان على الطاولة قائلاً بهدوء.

- يابني انا دورت عليها وعرفت عنها حاجات كتير وشايف انها مناسبة جدا وفيها مميزات كتير تنفعنا، اولها انها محتاجة فلوس فمش هتشطح في المبلغ اللي هتاخده وهتبوس أيديها على اي حاجة
علق عمر بسخرية
- وانت ايش ضمنك يا فالح؟
- ما دي الميزة التانية ان عندنا كرت رابح معاها ونقدر نفوقها لو فكرت تتشطر علينا، واللي هو أمها
اعاد عمر ظهره للخلف طالباً
- احكيلي كدة من الاول عشان انا مش مجمع.

اومأ إياد برأسه وبدأ في سرد ما لديه من البداية
- روحت المطعم تاني يوم وقابلت البنت اللي حاشِتها، طلعت صاحبتها المقربة المهم طلبت منها توصل إعتذارنا ليها عن اللي حصل ففضلت تمدح في صاحبتها انها غلبانة وطيبة بس اعذروها ظروفها صعبة وكدة فأنا من هنا جريت الكلام معاها
طالبه عمر بأن يقُل المفيد.

- ماشي ماشي، عرفت ان ابوها سابها هي وامها من لما كان عندها عشر سنين كدة وهي حالياً عايشة مع أمها المريضة ومحتاجة فلوس عشان عملية امها، وبص دي بقى، دي طلعت مش بتكمل شهر في شغلانة بسبب المشاكل اللي بتعملها
فز عمر من مكانه وكأنه كان ينتظر عيب فيها
- اهووو انت قولت انها بتاعت مشاكل وانا مش ناقص
ضحك اياد قائلاً.

- يا عم افهم، ثق فيا وفي رأيي، يارا دي المناسبة مية في المية أولاً لانها مش متسهوكة كدة ولا هتتلزق فيك، وشخصيتها قوية و...
- وانت اية اللي عرفك؟
هتف عمر بعدم اقتناع مُتسائلاً، فأجابه الاخر ببساطة
- سبب خناقها معاك اكبر دليل بلس لانها ببساطة مش طايقاك
وأضاف إياد الكثير من المزايا، سأله آخراً بحماس
- فها اية رأيك؟، يارا ولا ميرنا؟
رمقه عمر بحنق مُجيباً بعناد
- ميرنا.

التقط اياد فنجانه مرة اخرى ليحتسي قهوته بهدوء اثناء قوله
- خلاص براحتك، بس اهو ببصملك انها هتنكشف في خلال يومين بظبط
صمت عمر وهو يُشيح بوجهه بعيداً ليفكر بعمق، بعد مرور ربع ساعة من الصمت قال إياد وهو يهم للنهوض
- انا هروح الشركة، عايز حاجة؟
هز رأسه بالنفي، فنهض اياد وقبل ان يبتعد عن جانب عمر قال الاخير بثبات
- الاقي اللي اسمها يارا دي فين؟
اتسعت ابتسامة إياد وهو يقول بعبث
- اقتنعت بكلامي يعني!
- هشوف لسة.

اومأ اياد برأسه وقال وهو يبتعد
- هبعتلك عنوان شغلها الجديد على الواتس.

بدأ الليل يسدل ستاره
في محل ملابس
القت يارا بجسدها على الكرسي بتعب وتأفُف بجانب تذمرها
- لا الزبونة دي صعبة اوي، عايزة دة لا عايزة دة، مخلياني الف وراها وفي الاخر اشترت شيميز واحد وبالعافية!
ضحكت زميلتها وعلقت
- معلش بقى استحملي
مسحت يارا وجهها بكفها وهي تقول
- هستحمل..
ثم اتسعت ابتسامتها وهي تُردف بحماس
- بس بعد ما اكل عشان انا جعانة، تاكلي كُشري معايا؟
- اشطا، هروح اشتريه انا.

- لا، انا عايزة اخرج اشم هوا عشان الزبونة دي خنقتني بجد
غادرت المحل وسارت مُتجهة لشراء الكُشري من المطعم المُفضل لديها والذي لحسن حظها انه قريب من مكان عملها، سلكت الرواق لتختصر الطريق، توقفت حين سمعت نداء احدهم لها من الخلف
- يارا
واستدارت ليرتفعا حاجبيها بذهول ثم بحدة لرؤيتها لذلك الرجل الذي تتذكره جيداً، هل هو مُلاحق مجنون؟، قالت بصوت حاد
- عرفت اسمي منين؟، وبتعمل اية هنا؟
تقدم منها وهو يُجيب.

- عايز اتكلم معاكِ
رفضت بشراسة
- معرفكش اصلاً عشان اتكلم معاك
ثم لاوته ظهرها وهي تهم للمغادرة، فأسرع بخطواته ليصل لها ويجذبها من ذراعها قبل ان تتخطاه قائلاً بهدوء
- استهدي بالله كدة واسمعيني
- ابعد ايدك عني يا متحرش
رفع حاجبيه بذهول مُردداً قولها بنبرة مُنزعجة
- متحرش؟
- ايوة كلامك كان خادش للحياء ويعتبر تحرش
امتص غضبه وكظم غيظه منها ليقول بهدوء
- طب اسمعيني الاول، وبع..

مازالت تحاول التملص منه، الا تفهم ما يطلبه؟، دفعها للحائط بقوة قابض كفه على عنقها بشيء من العنف هامساً بصوت أجش
- بقولك اسمعيني، هعرض عليكِ عرض وياريت تفكري فيه وبطلي عنادك والهبل اللي بتعمليه دة
تنفست بعنف وهي تصيح بإنفعال غير مستوعبة فعلته
- انت ازاي تعمل معايا كدة؟، وإزاي عايزني اتكلم مع واحد م...
قاطعها صارخاً بها بنفاذ صبر.

- انا مش متحرش، اتحرش بيكِ لية انتِ كمان!، ولو انا واحد كدة هتحرش بيكِ انتِ مثلاً!
ابعدت قبضته عنها هاتفة بخشونة
- قول خلصني عايز اية
- عندي شعل ليكِ
عقدت حاجبيها مُتسائلة
- شغل زي اية؟
- طب ممكن نقعد في مكان نتكلم؟
هزت رأسها رافضة بحزم
- لا طبعاً، واشتغل معاك لية اصلاً
واتت ان تتخطاه للمرة الثانية لكنه لم يسمح بإمساكه لرسغها، فأعنفته
- بقولك متلمسنيش، مبتفهمش؟!
صرخ بها بدوره وهو يترك رسغها.

- وانا بقولك عايز اتكلم معاكِ في موضوع مهم، اسمعيني وبعدها قرري
تنفس بقوة وهو يدور حول نفسه، استطرد بنفس إنفعاله
- الموقف اللي حصل مابينا قبل كدة كان سوء تفاهم، فياريت تنسيه
ظلت مُحدقة به تدرس ملامح وجهه وبداخلها قلق ناحيتُه، هزت رأسها لتقول بعدها
- خلاص استناني بعد ما اخلص الشيفت بتاعي
- هتخلصيه امتى؟
- بعد ساعة
- خلاص هستناكِ
واتاح لها الطريق، ابتسمت بنزق قائلة
- اشطا يا ابو عيون خضرا
- مش خضرا على فكرة.

هزت كتفيها بعدم اكتراث وهي تبتعد
- انا شايفاها كدة
عادت لعملها ولم تحضر ما كانت تنوي إحضاره، جلست وهي تشعر بالفضول والقلق في آن واحد، لكنها كانت تنوي الفرار، لن تلقاه ولا يهمها عرضه.

مرت ساعتين ولم تخرج، ضرب المقود بكفه بغيظ، ما الذي يجبره على انتظارها كل هذا وتحمل اسلوبها المستفز؟، قرر في لحظة المغادرة ولكنه تراجع حين رآها تخرج من المحل بخطوات سريعة وكأنها تهرب منه؟، تأكد من ذلك حين رآها تلتفت حولها لتتأكد من عدم وجوده، ابتسم في ضيق مُحدثاً نفسه
- لا ذكية!
قاد السيارة ليُعيق طريقها، انزل زجاج النافذة لينظر لها وهي تمط شفتيها بسخط، قال بتهكم
- خلصت الساعة والساعتين ومجيتيش!

واجهته بصراحة بطريقتها الفظة
- بص من الاخر مش عايزة اتكلم معاك ولا عايزة اسمع عرضك، خالصين!
كادت ان تكمل سيرها لكن قوله المُغري اوقفها
- هتقبضي مية الف جنية
عادت لتنظر له بذهول هاتفة بتلقائية
- لية!، دعارة ولا اية؟
- دعارة اية انتِ كمان، تعالي نقعد في اي مكان عام ونتكلم.

جز على كلمة مكان عام وهو يتحدث بجدية، صمتت للحظات تفكر سريعاً، قررت في النهاية منحه فرصة لتستمع لعرضه، فهو يتحدث عن عرض عمل قد يكون مُناسب لها.
ذهبا لأول مقهى قابلهم وجلسا فيه، وضح بحزم قبل ان يتحدث فيما يريد
- الحصل مابينا سوء فهم، مش انا اللي عاكستك..
اردف بإنزعاج حين رأى نظراتها المُستخفة
- عايزة تصدقيني صدقيني، مش عايزة يبقى براحتك، انا وضحت وخلاص.

رمقته لوهلة قبل ان تتخطى ذلك لتستعجله ليقُل ما لديه
- عايزك تمثلي ان..
قاطعته ساخرة وهي تضحك
- امثل!، امثل اية يا عم انت كمان
وضح كاظماً غيظه، يسأل نفسه للمرة الثانية، لماذا استمع لكلام إياد!
- مش التمثيل القدام الكاميرات
- اومال؟
- طب خليني اكملك وهتفهمي!
قالها بنزق ثم استطرد ما كان يقوله
- هتمثلي كأنك اختي، اختي اللي لاقيتها بعد عشرين سنة
- ثواني، ولية همثل كأني هي!
تنفس بقوة قبل ان يشرح.

- عشان حالة والدتي بتدهور بسبب انها مش لاقياها، وانا بعمل كدة عشان أريحها
- طب ما تدور عليها!، ولا عشان الورث!
قالت الجزء الاخير من جملتها دون إدراك منها، فقد خرجت منها بينما كانت تفكر بها فقط، كان رد فعله عنيف وهو يهتف
- وِرث اية انتِ كمان؟، احنا بقالنا عشرين سنة بندور عليها ومش لاقينها
اعتذرت بصدق
- آسفة والله مش قصدي، الجملة كانت في راسي معرفش اية اللي خرجها!

قالت كلماتها الاخيرة بحيرة بجانب حدقتيها التي تدور داخل مقلتيها مُفكرة، انتبهت لنفسها حين شعرت بنظراته المُتعجبة من تصرفاتها الغريبة، قالت وهي تبتسم كالبلهاء
- كمل، كمل
سأل نفسه، ما الذي يفعله معها الان؟، هل هي المناسبة حقاً!، يشُك في ذلك.

- محتاجك شهرين، شهرين بس وترجعي لحياتك تاني، وكل حاجة مخطط لها وهفهمك الخطة كلها، بس اهم حاجة امي متحسش بحاجة خالص، ولا حد يعرف عن الموضوع دة غيري انا وانتِ سواء قبلتي او رفضتي
اسندت مرفقيها على الطاولة وهي تخبره بتشتت
- بس انا مش فاهمة الدنيا برضه
- هفهمك وهعرفك كل حاجة بس بعد ما توافقي
اجابها بهدوء وهو يراقبها، سألته بتردد
- هتديني مية الف فعلاً!

- هديكِ نص الفلوس اول ما توقعي على العقد والباقي بعد ما نخلص
- عقد كمان!، شكل الموضوع كبير
- عشان لو فكرتي تهربي بنص الفلوس
ضحكت في حنق قائلة بإستنكار
- اهرب!، انا اهرب!
- شيء طبيعي مدام محتاجة فلوس وخاصةً ان حالتك المادية مش تمام خالص
رد بطريقة استفزتها!، رفعت حاجبيها وهي تقول
- انت اتحريت عني بقى!
- حاجة زي كدة
واردف عائداً لسبب حديثهم الأساسي
- نسيت اقولك، هتعيشي معانا في الفيلا كل الفترة دي
هتفت مستنكرة.

- نعم!، ازاي وامي التعبانة؟
- هوصيلها على ممرضة
- ما الممرضة دي مش هتبقى معاها طول اليوم، مش هتبات معاها، مش...
قاطعها مُجيباً إياها
- هجيب واحدة تعيش معاها متقلقيش
- لا اقلق طبعاً
هتفت وهي تنهض بإنفعال، اضافت
- بص بصراحة، انا مش موافقة على عرضك، فمتتعبش نفسك
التقطت حقيبتها وعادت لتنظر اليه وتسأله
- بس عايزة اسأل سؤال محيرني يعني، لية اخترتني؟
رد بصراحة فظة وهو يلتقط مفاتيحه.

- مش انا اللي اخترتك، بس كويس انك موافقتيش، عشان انا مش مقتنع بيكِ اصلاً
نهض مُغادراً دون ان يتوقف ليستمع لردها الذي تخيل مدى شراسته، سب إياد على أقتراحاته الفاشلة وهاتفه ليوبخه ويطلب منه ان يبحث عن أُخرى.

عادت يارا لمنزلها وهي تستشيط غضباً من كلماته الاخيرة معها، اتجهت لغرفتها مُباشرةً لتتصل ب ملك وتقص عليها ما حدث، فلن تستطيع ان تكظم غضبها وتصمت بسلام، ظلت الاخيرة صامتة ولم تُبدي اي رد فعل، شعرت يارا بالريبة فسألتها
- مالك؟ مش بتردي لية وساكتة!
- اصلي بجمع الاحداث
- تجمعي احداث اية انتِ كمان!، ما انا قولتلك على ال..
قاطعتها ملك بندم
- مش قصدي على الموقف دة، قصدي على قبل كدة.

- بت انتِ انا مش فاهمة حاجة
طلبت ملك منها برجاء
- بصي هقولك بس امانة متتعصبيش
- حصل اية يا ملك قلقتيني
تنفست ملك بعمق لتستجمع شجاعتها وتسرد ما حدث
- كان صاحبه جه من بعد الخناقة الحصلت واعتذر وقالي اوصل لك اعتذارهم بس، بس انا خوفت اوصلك الحصل عشان هببت الدنيا خالص
سألتها يارا بحدة
- نعم! وعملتي اية تاني؟
بدى الاحراج ظاهراً على صوت ملك وهي تُكمِل.

- والله ماقصدي بس حكيت لصاحبه حاجات كتيرة عنك بس كان غرضي اني ابين له انك طيبة وغلبانة ومش بتاعة مشاكل و..
قاطعتها يارا صارخة بعدم تصديق
- يعني انتِ السبب في انهم جم وعرضوا عليا العرض دة؟
صمتت لوهلة قبل ان تضحك في حنق قائلة
- اها اصل انا هبقى محتاجة الفلوس ومش هرفض!، اصل انا غلبانة
حاولت ملك توضيح الأمور بعجز
- انا معرفش والله عن الشغل دة اصلاً، كل غرضي كان...
- اقفلي يا ملك اقفلي عشان ضايقتني.

وأغلقت الخط دون ان تستمع لبقية كلام ملك، عبست ملامح وجهها وهي تتنهد بحزن، لماذا هي مثيرة للشفقة لهذه الدرجة؟، عدم امتلاكها للمال الكافي يجعلها طِعم لؤلاء الأغنياء!، يجعلها تظهر في صورة المحتاجة!، لكنها ليست كذلك.
نهضت لتخرج من غرفتها وتستلقي بجوار والدتها على فراشها وتعانقها بقوة، ابتسمت كوثر وربتت على ظهرها بحنان
- بنتي الحلوة، عملتي اية في الشغل النهاردة!، كلتي حاجة ولا مكلتيش؟

- أكلت طبعاً يا ماما، والشغل الحمدالله اهو ماشي كويس، للآن
- ايوة اهتمي بصحتك ومتهمليش نفسك عشان تحوشي الفلوس
اومأت يارا برأسها وقد ضاق صدرها والغصة تؤلم حلقها، لكنها لم تصمد كثيراً امام قول والدتها التي مزق قلبها
- آسفة لانك شايلة الدنيا كلها على راسك، وأنك مش عايشة سنك بسببي وبسبب الفلوس اللي بتشتغلي هنا وهناك عشان تجيبيها، ياريتك مكنتيش بنتي عشان متعانيش من كل دة بسببي.

بكت يارا وتعالت شهقاتها لدقائق متواصلة، بدأت تهدأ لكن بكاءها مستمر
- متقوليش كدة، انا مبسوطة اني بنتك ومش مهم اني بتعب دلوقتي، ان شاءالله هنرتاح قريب وربنا هيفرجها
- ربنا يسعدك ويفرح قلبك ويفرجها عليكِ
- يارب يا ماما يارب.

بعد مرور يومين، مساءً
في شقة إياد، التقط عمر كوب الماء بعد ان جف حلقه من كثرة حديثه عن الامر ذاته، فوالدته لا تكف عن الضغط عليه في امر اخته المفقودة ولم يجد واحدة تروق له لتقوم بهذا الدور، فأقترح إياد المرة الالف
- طب اية رأيك ب...
- انت زهقتني بيها، قولت مش حاسس انها مناسبة
هتف عمر بغضب وهو يضع كوب الماء بحدة على الطاولة، فأتى إياد سريعاً بقوله المنفعل.

- بس برضه قولت انها تنفع للموضوع، هو اسلوبها بس اللي مش عاجبك ودة ممكن نحله
زفر عمر بقوة وهو ينهض قائلاً بإستياء
- انا هفكني من الموضوع وهواجه امي بالحقيقة ان مفيش امل
حرك إياد رأسه بإحباط، لقد حاول مساعدته ولكن الامر اصعب مما توقع، غادر عمر وهو عازم على قراره.

دلفت يارا لشقتها بخطوات متثاقلة، كم تريد النوم والراحة في هذه اللحظة لكن قبل ان تخضع لرغبتها اتجهت لغرفة والدتها لتطمأن عليها لكنها لم تجدها!، اين ذهبت؟، شعرت بالقلق واتجهت سريعاً للشقة المقابلة لهم وهي شقة جارتهم ام محمد، فتح لها ابنها الصغير لتسأله عن والدته فيخبرها بصوته الطفولي
- راحت مع مامتك للمستشفى هي وبابا
اتسعت مقلتيها بصدمة وهي تضرب على صدرها، هتفت بلهفة وقلق مُتزايد.

- نعم!، تعرف حصلها اية؟ وخدوها لمستشفى اية؟
أتت اخته الأكبر منه ببضع سنوات لتُجيبها
- قلبها كان واجعها وعمالة ترجع، اتصلي ب ماما واعرفي مستشفى اية
تركتهم يارا لتعود لشقتها وتأخذ حقيبتها وتغادر وهي تتصل ب ام محمد وتعرف منها عنوان المستشفى، أخبرتها الاخيرة وهي تبكي
- يارا، أمك محتاجة تعمل العملية النهاردة قبل بكرة، مينفعش نستنى اكتر من كدة، هتروح منك، هتعرفي تتصرفي؟

توقفت يارا في منتصف الطريق وهي تشهق في البكاء، ماذا تفعل وكيف تتصرف الان!، هل ستترك والدتها تموت!، اغلقت مع ام محمد واتصلت ب ملك لتطلب منها النزول لمقابلتها، فأتت الاخيرة بعد مرور دقائق قليلة، أخبرتها بحالة والدتها وبقول جارتها، تريدها ان تساعدها في التفكير لتبتعد عن الفكرة الوحيدة التي لمعت في عقلها، لكنها وجدتها تأخذها لذلك الطريق أولاً وتحثها عليه.

- وافقي على عرض الناس الاغنية دول، مفيش حل غير دة، خمسين الف هيعملوا عملية أمك وعلاجها كمان، مش قدامك غيرهم حالياً، انتِ معندكيش لا قريب ولا بعيد معاه الفلوس دي ولا حد هيرضى يسلفك كمان
ضمت يارا كفيها بقوة وهي تعترض
- بس..
لم تسمح ملك لها بالاعتراض، وقالت مُشجعة اياها
- وافقي دلوقتي وبعدين تبقي تفكري ازاي تظبطي امورك، حياة طنط كوثر اهم دلوقتي.

ظلت يارا صامتة للحظات، تحاول ان تسعف تفكيرها الغريق الذي يتفق مع قول ملك، تريد ان تبتعد عن هذا الطريق الذي ستسكله، لكنه الطريق الوحيد الذي امامها!، انها خائفة من ان تندم لاحقاً.
- معاكِ رقم صاحبه؟
سألتها بحزم بعد ان أخمدت قلقها حول المستقبل المجهول، ستفكر الان في إنقاذ والدتها فقط.
- معايا، اتصل به؟

اتصلت ملك ب إياد الذي اجاب مع اتصالها الثاني، بعد تحية قصيرة طلبت مقابلته ومعه صديقه عمر للتحدث عن امر مهم، اصرت امام فضوله بأن تخبره حين يأتيا.

بعد مرور نصف ساعة، في إحدى المقاهي الشعبية
اتى عمر على مضض بعد إجبار إياد له، كانت ملك تتحدث بدلاً من يارا الصامتة بطريقة غريبة!
- ولية انتِ بتتكلمي بدالها؟، لسانها ابو شبرين اتقطع؟
تهكم عمر جعلها تسترجع ذاتها، لماذا هي صامتة! لماذا تجعل صديقتها تتحدث على لسانها!، انها لا تفعل شيء خاطئ، وأنها لن تأخذ هذه النقود كصدقة بل ستقوم بدور مقابل هذا المال، رفعت رأسها لتنظر له وتسأله بشراسة وحدة.

- بقولك اية بلاش تماطل، العرض بتاعك مُتاح ولا لا؟، لو لا قول عشان نقصر كلام
ابتسم عمر بإستمتاع بدت مستفزة لها، نكزه إياد بخفة ل ييسر الأمور لكن عمر دفع يده بلامبالاة، قال وهو يشبك أصابعه ويستند بذقنه عليهم
- اعتقد ان دلوقتي انتِ المحتاجاني، فأية رأيك تتكلمي بطريقة احسن من دي!
استندت على الطاولة وهي تنظر له بصرامة، قالت بثبات.

- احب اصححلك عشان شكلك ناسي، انت محتاجني زي ما انا محتاجاك، انا محتاجة فلوسك وانت محتاجني عشان امثل دور اختك
هز عمر رأسه ببرود وهو يعود بظهره للخلف وصمت، مرت فترة وجيزة وهم يتبادلا نظرات مُشتحنة، نهضت يارا فجأة واستدارت لتغادر، نهضت ملك سريعاً لتوقفها، وفي نفس الوقت سألها عمر بهدوء
- هتوقعي على ورقة بيضة وتاخدي الفلوس؟!
استدارت يارا لتنظر له معترضة
- بيضة!، طب لو شروطك معجبتنيش!، اكون لبست!

- متقلقيش، شروطي كلها هتكون مابين انك متعمليش تصرف يكشف حقيقتك وتصرف يفضح عيلتي
اجابها ببساطة ثم نهض واقترب منها ليقف مقابلاً لها ويسألها
- ها، هتوقعي!

 

تااابع ◄ 

أحدث أقدم

نموذج الاتصال