رواية عذاب قسوته الفصل الأول


 يا قاس لما الهوان؟!
ألم يكتف قلبك بالعذاب؟ فبات يشدد على قسم الهلاك ... لقلب عشقه حد الجنون فشعر بأنه فقد زمام نبضه الجياش، فرأفة به لا تكن جلادا تعيقه عن دفوف العشق المختار!
أيها القاسي عد قلبي موطنك فإن بالبعاد أوجاع وآنين..
أيها القاسي عليك لعنة عشقي وجنون هوس اللقاء فأقسو كما تشاء، ولكن تذكر أن قلبك بات عاشقا لتلك العينين فأصبح بهما كالمسحور بتعويذة لا يعلمها سوى نبضه الولهان .!
 
دفوف من العشق تغمدها القسوة والجفاء، عتاب القلب أصبح بلا مبالاة فكيف سيتمكن من قلب تجرد من العشق وأصبح كالمنبوذ، ترجاه قلب من عشقته حد الجنون بأن يمنحها فرصة التقرب منه لعلها تزيل غيمة الليل المغمور ولكنه حطم ما تبقى بعشقه ليجعلها تقاسي حتى الوهلة الأخيرة فساوره العشق بعقاب جعله يعاني مثلما عانت هي ولكن هل ستتمكن من منحه سماحا فشلت هي بالفوز به؟!

 الفصل الأول

تابع عمله على الحاسوب بنظراته الثاقبة،مستنداً بذراعيه القوي على مكتبه ذو اللون الداكن،رفع قهوته المفصلة لديه ليرتشف بعضاً منها بثبات ...
صدح صوت هاتفه ليعلن عن رفيقه المقرب فرفع هاتفه بثبات _كويس أنك لسه فاكرني ...
أستمع لما قال ليضيق عيناه بغضب _بلاش تصيع عليا عشان أنت عارف أخري أيه ؟ ...
تأفف بغضب بدى على عيناه الساحرة _أوكي . سلام ..

وأغلق هاتفه ثم ألقاه جواره دون أكتثار ليكمل عمله على الحاسوب بتركيز فائق...
أستمع لطرق الباب الخافت فسمح للطارق بالولوج لتدلف والدته العجوز مستندة على عكازها ليسرع إليها قائلاٍ بلهفة _أيه اللي قوم حضرتك من السرير ؟ ..
أنصاعت لمساعدته وأتكأت على ذراعيه حتى عاونها على الجلوس على المقعد المقابل له، رمقته بنظرة مطولة ثم قالت بسخرية _نزلت عشان عارفة أنك مش هتطلعلي وخصوصاً لأنك عارف الموضوع اللي هكلمك فيه ...

زفر "فريد" بغضب ليشير لها سريعاً_ماما أنا مش عايز أتكلم بالموضوع دا كتير ...أنا نفذت كلام حضرتك وأتجوزت لكن أكتر من كدا مقدرش ...
قاطعته بحدة_هو أيه اللي متقدرش؟ ..
أجابها ببعض الحرج_أني أكون زوج طبيعي معاها...
جحظت عيناها بصدمة _يا خبر هو أنت مقربتلهاش!..
تطلع لها بأستغراب ثم قال بلهجة ساخرة _وهى يعني مقالتلكيش..

رمقته بنظرة محتقنة بالغضب ثم قالت بحزن _ولا أتكلمت معايا فى أي شيء أنا اللي مش عاجبني طريقتك معاها ولا أسلوبك،بتعاملها على أنها خدامة أو مريبة أتجوزتها عشان تربيلك بنتك مش أكتر ولا أقل ..دانت حتى مقعدتش معاها ولا مرة من ساعة ما أتجوزتم ؟ ..
نهض عن مقعده بغضب _يوووه أنا مش هخلص من الموضوع دا ولا أيه،بحاول أرضي حضرتك وبرضو مفيش فايدة قولتلك مستحيل هتجوز بعد "ليان" وبرضو وافقت لما أصريتي عليا لكن غير كدا مقدرش ...
وجذب هاتفه ثم توجه للأعلى حتى لا يفقد التحكم بكلماته فيتفوه بشيئاً قاسي لها ! ...

بالأعلى ...
داثرت الصغيرة ببسمة هادئة،عيناها العسلية تتابع كل حركة تصدرها،حبها يكبر بقلبها يوماً بعد يوم،طبعت "ريهام" قبلة صغيرة على وجهها قائلة ببسمة جميلة_تصبحي على خير يا روحي ..

ثم أغلقت الضوء وتوجهت لغرفتها المشتركة بينها وبين زوجها الذي لم تراه سوى مرات معدودة قبل أن يضع ستار من القمش الحريري البني ليقسم الغرفة بينهما حتى لا تراه ولا يتمكن هو من رؤيتها ولكنه يبقى معاها بنفس ذات الغرفة حتى لا تشعر والدته المريضة بشيء ! ...

ولجت للداخل فنزعت حجابها بعدما تأكدت بأنها بالجزء المخصص لها ...بعيداً عن أنظاره،صفنت أمام مرآتها بطريقة معاملته لها حتى نظراته القاسية ترعبها،أطلقت تنهيدة حارة بعدما كبتت دمعاتها بصعوبة ثم خلعت فستانها الفضفاض لتبقى بقميصاً من القطن يصل لمنتصف قدماها، أستدارت لتعود لفراشها حتى تستريح قليلاٍ ولكن كانت الصدمة حليفة لها، تراجعت بضع خطوات للخلف بفزع وهى تحاول جمع كلمات تليق بما يحدث فقالت بأرتباك_أنت بتعمل أيه هنا؟ ...

كان يجلس على المقعد المجاور للفراش وضعاً قدماً فوق الأخرى بكبرياء،يتابعها بنظرات يطوفها الغضب والجمود، نهض عن مقعده أخيراً ليقترب منها بخطاه الثابتة ليرتفع صوت حذائه بالغرفة مما زاد أرتباكها،وقف أمام عيناها يتأملها بنظراتٍ غامضة بعدما أحاطها بذراعيه بين الحائط حتى تتمكن من رؤية جحيم عيناه القاسية، تبدلت نظراته شيئاً فشيء وهو يتأمل ملامحها عن قرب فلم يسمح لها بالأقتراب فكيف سيختم ملامح وجهها أو طباع شخصيتها الهادئة! ...

وقفت أمامه كالبلهاء فرغم عدم رؤيتها الكثيرة به الا وأنها تشعر بأن هناك مكاناً خاص بقلبها له، تاهت بعيناه السوداء التى تشبه حجاب الليل الكحيل،شعرت بموجة من الحنين تغمرها رغم القسوة التى يتعمد أظهارها على الدوام، أنسدل الستار ليرفرف الهواء بأرجاء الغرفة ليميل خصلات شعرها الغجري على صفحات وجهه وعيناه فأغلقهما برغبة سارت تخترق جسده القوي، زرته ذكرى مريرة بزوجته الراحلة أخذت تعنفه فأبتعد عنها سريعاً بعدما تسللت القسوة لهما لتجعله مخيفاً للغاية، أشاح نظراته عنها سريعاً فتذكرت أنها لا ترتدي حجابها فجذبته لتخفي شعرها الطويل خلف الوشاح الرومادي ثم شهقت بصوتٍ مسموع حينما تأملت ملابسها فأحتقن وجهها بخجل،تطلعت له بوجهاً متورداً كحبات الكرز فأستدار حتى أنتهت من أرتداء أسدال الصلاة ثم وقفت تفرك يدها بأرتباك، سكون حركتها جعله يعلم بأنها أنتهت فأستدار ليقف امامها من جديد ولكن بوجهاً أشد قسوة من ذي قبل ...

أقترب منها قائلاٍ بغضب _لسه فاكرة كلامي اللي قولتهولك أول ما دخلتي البيت دا ؟ ..
إبتلعت تلك الغصة المريرة بألم فكلما حاولت تنسى كلماته القاسية يوم زفافها يذكرها مجدداً ولكنها تحكمت بذاتها لتشير بخفة له _فاكرة ..
صرخت بقوة حينما جذبها من معصمها ليضغط عليه بيديه القوية قائلاٍ بصوت يشبه الهلاك_يبقى أكيد فاكرة تحذيراتي كويس وفاكرة أني نبهت عليكي أن لو كلمة طلعت من الباب دا روحك هتطلع على أيدي ...

تأوهات من الألم فحاولت تحرير معصمها قائلة ببكاء_سيبني ...أنا عملت زي ما طلبت والله ...
تحاولت نظراته لكتلة من الجحيم ليهوى على وجهها بصفعة قوية أطاحت بها أرضاً أسفل قدماه لينحني إليها،أمسك فكها ليقرب وجهها منه فتتمكن من رؤية عيناه المميتة ثم همس بصوتٍ مخيف_أكتر حاجة بكرهها فى حياتي الكدب ..

حاولت أن تبعد يديه عنها بعدما أندثرت الدماء من وجهها ولكنه كان يحكم قبضة يديه بأحكام فبكت بعجز وهى مجبرة أن تتطلع لنظراته القاسية التى تشعرها بأنها بجحيم أمام معذبها،معذب القلب الذي أحبه بجنون ورغم ما يفعله بها لا يعرف طريقاً للكره ...
وقف "فريد" ليرمقها بنظرة حادة قبل أن يستكمل حديثه_المرادي هعدهالك بمزاجي لكن وقسماً بالله لو أمي عرفت بأي شيء بينا تاني أو بس حست ساعتها متلوميش الا نفسك ...

وتركها ممدة أرضاً منغمسة بآنينها ليتوجه للطرف الأخر من الغرفة المخصص له غير عابئ بدمعاتها! ...
أنكمشت "ريهام" على ذاتها،تبكي بصمت،تؤلمها ذكرياتها السابقة مع طلقيها حينما كان يفرض رجولته المبتورة عليهابالضرب والسب ليتمكن من سد تلك الفجوة التى تنقصه عن باقي الرجال ورغم ذلك صانت سره الأليم وطلبت من أبيها الطلاق منه معللة أنه يضربها بقسوة فلم يحتمل الأب ذلك وطلقها منه رغماً عنه فقررت حين ذلك أن تكمل حياتها غير عابئة بذكريات الماضي،تذكرت حلمها الأمومي بأن تكون أماً فوافقت على الزواج من "فريد" حينما علمت بأن لديه طفلة صغيرة لا تتعدى السابعة أشهر، فرحت وظنت أن الله سيعوضها خيراً ولكنها الآن تعاني نفس التجربة السابقة ولكن مع فارق بسيط أنها أحببته رغم قسوته! ...

نهضت عن الأرض لتستند على ذاتها متجهة لحمام الغرفة المشترك بينهما،توضأت وخرجت سريعاً حتى لا تلقاه ولكنها حينما رأت الركن الصغير الخاص بمكتبه منيراً علمت بأنه بالداخل فهدءت من خطاها، سحبت سجادة الصلاة ثم تضرعت إلى الله الواحد الأحد لعله يستمع لنجوها فهو القادر على كل شيء،شكت له هذا القاسي الذي يحرص على أن يذكرها على الدوام بأنها لن يربطه بها أي رابط سوى القسوة والجفاء،بكت قهراً على قلبها الذي يعاني كانت على علم بأنه مهما طال الليل ستأتي الشمس بنورها لتزوال الظلمات وتسطع بنورها الخلاب ...

جلس على مكتبه بأنفاساً لاهثة، عيناها العسليتان تطاره، خصلات شعرها الغجري تستحوذ تفكيره، نظراتها التى تصرح حبها له جعلته متبلد الفكر، قبض على معصمه بقوة وغضب حينما تذكر بأنه كان على وشك الأستسلام بالأقتراب منها، عنف ذاته كثيراً فهو لا يجتمع معها بغرفة واحدة لذلك يقضي يومه بأكمله بالخارج ويأتي ليلاٍ ليغفو فقط، سحب هاتفه ليطلب رفيقه مجدداً فرغم سفره الذي لا يتعدى اليومين ولكنه يقضي أوقاته بالحديث معه عبر الهاتف،أتاه صوته على الفور قائلاٍ بسخرية _مش لسه قافل معاك،لحقت أوحشك؟ ..

أجابه "فريد" بغضب _أخرس وأسمعني كويس ...
علم "حسام" من صوت رفيقه بأنه بأقصى درجات الغضب فأنصاع له بحرص ليكمل "فريد" بغضب_عايزك توكل حد كفاءة من المكتب بقضية "زين العابد" وتحجزي على أقرب طيارة لباريس ...
ضيق عيناه بصدمة_نعم أنت مش هتتوالى القضية دي؟ ..
أجابه بغضب_لو سمعت كلامي كامل هتعرف أجابة سؤالك السخيف ..

أجابه "حسام" بحرص_مش وقته سفر يا "فريد" القضية دي صعبه محدش هيقدرها غيرك أنا لو أعرف كدا كنت مسافرتش وأترفعت عنها بس أنا سافرت بعد ما سبتلك أنت الملف ...
صاح بغضب_يعني أيه المكتب مفيهوش محامي شاطر يقدر يمسكها لو كدا أرفدهم كلهم أنا ميشتغلش عندي غير الكفء ...
أستمع "حسام" إليه ليقول بحزن_مالك يا "فريد" بتحاول تهرب من أيه؟ ..

جلس على مقعده بألم أشعل نيران قلبه_خايف أخون حب عمري بتصرف أندم عليه بعد كدا ..
زفر "حسام" بغضب_ماتت يا "فريد"، "لياااان" خلاص ماتت قولتلك ألف مرة عيش حياتك وسيبك من الوهم اللي أنت عايش فيه دا ذنبها أيه البنت اللي أتجوزتها تعذبها كدا ..

عاد لقسوته من جديد ليقول بصوته الممييت_أحجزلي على الطيارة زي ما قولتلك ولو ملقتش حد مناسب يترافع عن القضية أرجع من أسكندرية وأمسكها أنت ..
كاد بالحديث فقطعه بحدة_الكلام خلص ..
وأغلق هاتفه ثم ألقاه لجواره ليصفن بألم بذكرياته!

أما بالأسكندرية ...
وضع "حسام" الهاتف لجواره ليتنهد بألم على رفيق عمره ليتسلل الحزن على ملامحه فأقتربت منه والدته بأستغراب من تبدل حاله السريع فقالت بتخمين_ دا "فريد"؟..
أشار لها بهدوء ليكمل بحزن_مش عايز يقتنع أن "ليان" خلاص توفت وأنه يبدأ حياته من جديد ..
لمعت الدموع بعيناها لتقول بألم_ربنا يرحمها يارب ويصبر قلبي وقلبه علي فراقها ..

أحتضنها "حسام" بتأثر فقالت ببكاء_أنا عارفة هو كان متعلق بيها أزاي؟، عشان كدا جوزتهاله وأنا مطمنة عليها معاه لأنه كان بيحبها أكتر من نفسه ..
رفع "حسام" عيناه على الحائط الذي يحوي صور شقيقته فأغلق عيناه بقوة ليحتمل الألم قائلاٍ بصوتٍ مرتجف بالأحزان_ربنا يرحمها ..
ثم تماسك مجدداً قائلاٍ بحرج_أنا أسف يا ماما عارف أني ملحقتش أقعد معاكم بس أنا لازم أرجع مصر فى كذا قضية مهمة و"فريد" ضايع خالص مش قادر يترافع عنهم وأنتِ عارفة المحامين اللي شغالين عندنا لسه مبتدئين مينفعش يمسكوا قضايا بالحجم دا ...
ربتت على كتفيه ببسمة صغيرة يشوبها التفهم _سافر يا حبيبي وخليك جنب صاحبك .
قبل يدها بأمتنان ثم نهض متوجه لغرفته ليحزم أغراضه ليعود صباحاً للقاهرة ...

بمكانٍ أخر بالقاهرة ...
كان يرتشف الخمور بكثرة ووجهه يكسوه غضب وحسرة لا مثيل لها ليتفوه من بين حالته المزرية قائلاٍ بوعيد_بقى أنتِ تسيبني أنا عشان تتجوزي المحامي دا يابنت ال... طب ورحمة أمي ما مهنيكي على الجوازة دي ولو مقولتيش حقي برقبتي مبقاش أنا "طلعت" ...

أزاحت الشمس عباءة الليل الأسود لتنثر الضوء المبهج بالنفوس ...
بغرفة "فريد" ...
نهضت من نومها فبدلت ثيابها لفستان وردي يضيق من الأعلى ويهبط بأتساع جعلها كالأميرات، ثم عقدت حجابها بأحكام لتتوجه لغرفة الصغيرة بأشتياق لرؤياها بعدما أعدت لها الحليب الصناعي،ولجت للداخل لتتبادل بسمتها سريعاً للعبوث حينما رأته بالداخل يحمل الصغيرة بحنان لا يتناسب مع شخصيته القاسية ! ..
قال بحدة دون النظر إليها_سيبي البيبرونة عندك وأخرجي،عايز أبقى مع بنتي شوية ..

أستمعت له بألم فوضعتها على الطاولة الصغيرة ثم خرجت بحزن من معاملته الجافة معها، أما هى فجذب الطعام ليقربه من فم الصغيرة التى تبتسم بفرحة تزرع البسمة على وجه القاسي فتجعله كمن يتعلم كيف يبتسم بعد ما مر به، حملها بين يديه كمن يحمل كنزاً يخشى أتلافه،جلس بها على المقعد المجاور للشرفة ليتمعن بعيناها التى ورثتها عن والدتها ليصفن بها.

شعر بألم يحتج رأسه فحزم الملفات بحقيبته الجلدية الصغيرة فولج "حسام" ليجده يضع ما يخصه بها فقال بأستغراب_ماشي ولا أيه؟ ..
أشار له "فريد" بتعب_أه تعبان شوية فأخدت الملفات هدرسهم بالبيت .
ثم قال بأهتمام _وبعدين أنت لسه هنا ليه مش بتقول عندك مشوار مهم؟ ..
جلس على المقعد ببسمة ضيق_أه ياخويا بس منتظر الست هانم لما تحن عليا ..
تطلع له "فريد" بعدم فهم _ست هانم مين أنت أتجوزت من ورايا يا حيوان! ..

تعالت ضحكاته قائلاٍ بصعوبة _جواز أيه بعد الشر عليااا أنا لسه شباب دا أختي جيت من أسكندرية من كام يوم وعايزاني أفسحها بكل شبر بالقاهرة فقولتلها تعدى عليا بعد ما أخلص شغل وأديني أهو مستنى ..
تطلع له بأهتمام _مين فيهم "ليان ولا ليليان"..
رمقه بنظرة متفحصه _أممم وأنت يهمك مين فيهم ؟ ..
تحاولت نظراته للغضب ليسرع الأخر بالحديث حتى لا يقتل على يد هذا الوحش المفترس_خلاص خلاص متزعلش "ليان" يا سيدي ..

قالها بغمزة من عيناه فدفشه "فريد" بغضب وهو يهم بالخروج_حيوان ..
أجابه الأخر بضحكة عالية _كدا ماشي بكرة تيجي تطلبها مني وتترجاني أوافق هااا خاليك فاكر ...
رُسم على وجهه بسمة خافتة رغماً عنه على حديث رفيقه بعدما توجه للمصعد الذي أستقاله للوصول إلى جراج المبني،صعد لسيارته ثم شعل محركها ليخرج من مكان ركنتها ولكنه تفاجأ بمن يصدمها من الخلف فصاح بغضب من نافذة سيارته_مش تفتح يا غبي ..
هبطت من سيارتها بغضب _مين اللي غبي يا حيوان أنت اللي خارج شبه الطور مش بتبص قبل ما أ...

بترت كلماتها حينما أقتربت من السيارة لتجده هو من يسكن بالقلب قبل أن يحفر ملامحه بعيناها، وضعت عيناها أرضاً بحرج، خرج "فريد" من سيارته يتأملها بأشتياق وبسمة ترسم بوجودها، قالت بتلعثم_أنا أسفة يا "فريد" معرفش أنها عربيتك والله ..
تأملها بهدوء ثم قال _ولا يهمك ...
_نعم!،باليساطة دي ! .. دا لو حد تاني كان زمانه أندفن هنا ..

قالها "حسام" بصدمة بعدما هبط على رنين هاتفه ليعلم بأن شقيقته بالأسفل فهبط ليستقبلها ليرى ما جعله بصدمة عارمة ...
خجلت "ليان" للغاية ورمقه "فريد" بنظرة مميتة جعلته يبتلع ريقه بتوتر ليسرع بالحديث_طيب يالا يا ليو نروح مشوارنا ...
ورفع يديه على كتفيها لتزداد نظرات "فريد" حدة فسحب "حسام" يديه قائلاٍ بحيرة وهو يحك طرف أنفه_دي أختي على فكرة ..
ثم صعد جوارها سريعاً قبل أن يفتك به لتلمحه بنظرة أخيرة قبل أن تخرج من المكان ويتأملها هو بنظرة عميقة أنهاها بقراره بأن يتقدم لخطبتها فقد حان الوقت ليقطع المسافات بينهما ..

عاد للوقت الحالي على صوت بكاء الصغيرة فهدهدها برفق حتى غفلت على ذراعيه فأعادها لفراشها الصغير ثم هبط للأسفل ليجدها تضع الطعام على الطاولة،كاد بالمغادرة ولكنه توقف على نداء والدته قائلة بحزن _مش هتفطر ؟ ..
أجابها دون النظر إلي من تختلس النظر إليه_ماليش نفس ..
أجابته برجاء_طيب كل اللي تقدر عليه ..

علم بأنه سيدخل معها بنقاش حاد وسيخسره بنهاية الأمر لذا جلس على مقعده ليشرع بتناول طعامه بهدوء تام قطعته ببسمة هادئة_عجبك الأكل "ريهام" هى اللي عملاه..
رمفها بنظرة جانبية محتقنة ثم قال بثبات _مش بطال ...
حزنت "ريهام" من رده المتصلب معها ولكنها ألهت ذاتها بتناول طعامها، نهض عن الطاولة قائلاٍ بجدية _عن أذنكم ..
وكاد بالرحيل فأوقفته والدته السيدة "زينب" قائلة بهدوء_"فريد" ...

أستدار لها فأكملت حديثها _وصل "ريهام" بطريقك لبيت والدها رايحة تطمن عليه بدل ما تتبهدل بالمواصلات ..
نظرات عيناه التى تحاولت إليها أرهبتها فأسرعت بالحديث المرتبك_مفيش داعي يا ماما أنا هأخد تاكسي من على أول الشارع ...
تطلعت له "زينب" بنظرة مطولة كأنها تنتظر رده فخرج عن أطار صمته بكلماته الآمرة_هستانها بره ..
وغادر سريعاً وهي بحالة خوف لا ترثي لها ...

خرجت بخطوات بطيئة لسيارته،حلقها جاف من فرط توترها الملحوظ، سحبت الباب الخلفي لسيارته فتخشبت أصابعها علي مقبضه حينما قال بغضب _أنا مش السواق الخصوصي بتاع جنابك ..

أغلقته سريعاً ثم جلست جواره بحزن من كلماته، تحرك بسيارته بغضب كأنه لم يحتمل تلك الدقائق القليلة التى ستجمعه بها،سرعته جعلتها ترتجف من الخوف بأن يفتعل حادث على الطريق فحمدت الله حينما توقف أمام المنزل، هبطت من سيارته بعدما حمدت الله على كونها تقف على قدماها من جديد، كاد بالرحيل ولكنه أنتبه لصوت والدها الذي كان بالخارج هو الأخر فقال ببسمة هادئة_أيه الصدف اللي تفتح النفس دي، أزيك يا إبني عامل أيه؟ ..

تجمدت "ريهام" محلها بخوف من أن يهين والدها أو يتعامل معه بجفاء ولكنها تفأجات به يخرج من سيارته ويصافحه بود_الله يسلمك يا عمي،أخبار حضرتك أيه؟ ..
أجابه بفرحة _الحمد لله يا حبيبي،ثم بنبرة ود أجابه_متطلع تقعد معانا شوية ولا أحنا مش أد المقام ؟ ..
إبتسم القاسي قائلاٍ بمحبة _لا طبعاً أزاي ...هركن عربيتي وهطلع ورا حضرتك ..

كاد فمها بأن يصل للأرض من فرط صدمتها حتى أنها لم تستمع لنداء والدها الذي يحثها على الصعود فأستدار لفريد قائلاٍ بسخرية _هى البت مسهمة فيك كدليه ؟ ..
أستدار لما يشير إليه ليجدها تتطلع له بصدمة فكبت بسمته بصعوبة فهى أعتادت منه على الجدية والصرامة بالتعامل معها حتى أنها ودت لو نقلت صورة تفصيلية لأبيها عن القاسي الذي تعيش معه فربما ألتمس لها العذر بأن ما تراه درب من الخيال! ...
أفاقت على هزات يد والدها فشعرت بالحرج فصعدت الدرج سريعاُ حتى لا يرى أحداً وجهها المتورد ..

هبط من سيارته معدلاً من وضعية الهاتف على أذنيه فقال بلطف لسكرتيرة مكتبه_أنا وصلت أهو أعمليله قهوة لما أطلع .
وأغلق هاتفه ليتوجه لمصعد العمارة سريعاً،ولج للداخل ثم كاد بالضغط على الزر الجانبي ولكنه تفاجأ بفتاة تدلف خلفه ثم وقفت أمام اللوحة بأرتباك فقالت بصوتٍ مسموع_هى قالتلي الدور الكام؟! ..

ثم حكت رأسها بتذكر غير عابئة بمن يقف خلفها بضيق فكان يود الصعود مسرعاً لمن ينتظره بمكتبه منذ ما يقرب الساعة والنصف، أخرجت هاتفها لتطلب رفيقتها حتى تتأكد من رقم الطابق الصحيح فأنتبهت للصوت الرجولي القادم من خلفها ..
"حسام" بغضب_هنفضل كدا كتير ؟ ..

إستدارت "فاطمه" لمصدر الصوت لتجد أمامها شاباً فى نهاية العقد الثاني من عمره،يتمتع بمظهر جذاب للغاية،عيناه زيتونية محاطه بهالة من اللون العسلي،شعره فحمي اللون يتوسط رقبته،بجسد رفيع قليلاٍ ولكنه ممتد بعضلات توضح قوته الرجولية،تنحنحت بحرج ثم أستجمعت كلماتها _حضرتك تقصد أيه؟ .
وجدها فتاة بملامح رقيقة للغاية حتى وجهها المستدير تكمنه ملامح من البراءة غريبة، أنغمس غضبه خلف هالة من الهدوء فجاهد للحديث بصوتٍ أقل لهجة من ذي قبل _أحمم بقول يعني تعرفيني عايزة تطلعي فين ولمين ممكن أساعدك؟ ..

تحدثت بلهفة _ أنا جاية أشوف الوظيفة اللي نزل عنها أعلان عن مكتب محاماة هنا فى العمارة وبصراحة مش فاكرة المكتب فى أنهي دور ..
إبتسم بفرحة لصدفة هكذا ثم أستعاد ثباته ليشير لها برفق_طب تسمحيلي ؟ ..
فهمت مقصده فتباعدت عن اللوحة ليضغط "حسام" على الطابق المنشود ليصعد للأعلى بهما ثم توقف بعد لحظات أمام الطابق الرابع، خرج "حسام" من المصعد مشيراً له ببسمته الجذابة _إتفضلي يا أنسة ..

لحقت به بخجل حتى وقفت أمام الباب الرئيسي لمكتب من أفخم ما يكون، يعلوه لافتة ضخمة مكتوب عليها "فريد أيوب، حسام الزيني"، رفعت عيناها على الأسماء بلمحة أمل على أن تكون جزءاً من جفن عمالقة القانون بالقاهرة، تراقبها "حسام" ببسمة خافتة، تحاولت ملامحها للتوتر حينما رأت عدد لا بأس به من الفتيات الحاملة لنفس الإعلان، غامت سحابة الخذلان على ملامح وجهها؛ فحسمت أمورها سريعاً، إستدرات لتغادر المكان فأقترب منها "حسام" بأستغراب_رايحة فين يا أنسة؟!..

توقفت محلها بحرج حينما تذكرت عدم شكرها له فقالت على إستحياء_أنا بشكرك جداً على مساعدتك الكريمة دي وبعتذر لو كنت عطلت حضرتك عن حاجة..
أجابها ببسمة هادئة_مفيش داعي للشكر ولو على العطلة فأنا جيت المكان اللي كنت رايحله...
تأملته بتركيز فقالت بذهول_هو حضرتك جاي عشان الإعلان اللي نزل؟

إبتسم "حسام" على برائتها ثم أشار لمحامي يعمل لديه تحت التمرين فهرع إليه بوقار _تحت أمرك يا "حسام" باشا
شهقت "فاطمة" بصدمة؛ فوضعت يدها على فمها خجلاً محدثة ذاتها ( معقولة دا "حسام الزيني" صاحب المكتب )
ثم نظرت إليه بعين ترتجف فوجدته يكبت بسمته بصعوبة ليقطع سيل الصمت بكلماته الحازمة "لعلاء" _ الآنسة "فاطمة" هتنضم لفريق العمل معانا، فعرفها طبيعة شغلنا وبعدين أديها ملف قضيه "أحمد فرج" تدرسه وتشوف هتقدر إزاى تطلع بحلول قضائية نخرجه منها من قفص الإتهام..

تنحنحت بحرج بعدما أوشك على الأنصراف_أنا بجد مش عارفة أشكر حضرتك إزاى يا مستر"حسام".
" حسام" بمرح_إشكرينى بفنجان قهوة مظبوط بدل اللي بتعملها "منى"وبشربها جبران خاطر
تعالت ضحكتها فجاهدت للحديث_ثواني وتكون عند حضرتك .

بمنزل "ريهام"
وضع "فريد" القهوة من يديه على الطاولة قائلاً ببسمة هادئة_بستأذن حضرتك يا عمي ورايا شغل كتير فى المكتب، بس بوعدك دى مش هتكون أخر زيارة..
راقبته من خلف الستار بدهشة،تستمع لحديثه مع والداها وتراه يبتسم إبتسامة أذابت قسوة معاملته لها، تنهدت بحزن فكيف سيمنحها الفرصة ليرى كم تعشقه حد الجنون حتى قسوته باتت تعتاد عليها، توجه للمغادرة فأنتبه لها، هائمة به كأنها تراه لأول مرة، تعلقت النظرات بعضهما البعض ليشير لها بهدوء _أول متحب ترجعي البيت كلميني..

إكتفت بأشارة بسيطة من رأسها، كبت بسمته بصعوبة على مظهرها المضحك ثم غادر بصمت، أغلق والدها الباب مبتسما بفرحة ده طلع إبن حلال والله يا بنتى، الحمد لله ربنا عوضك خير عن طليقك دا
أشاحت "ريهام" بوجهها عن أبيها حتى لا يرى دمعتها على كلماته الأخيرة فكيف ستخبره أنه وطليقها على حد السواء ولكن ما زاد الأمر صعوبة إنها تحبه برغم سوء معاملتها .

بمكتب المحاماة..
ولج "فريد" إلى المكتب فلحق به الأخر للداخل قائلاً ببسمة سعادة _ ليك وحشة يا عمنا .
إكتفى ببسمة صغيرة ليجلس على مكتبه بثبات_ وأنت كمان وحشتنى يا *حسام"، أخبار والدتك أيه ؟
أجابه" حسام" بهدوء _بتسلم عليك يا سيدى وبتوصينى عليك كمان .
إبتسم بحزن _ربنا يبارك،" ليان" كانت نسخة منها فى الطيبة والحنية .

زفر" حسام" بضيق من تشبثه بذكرياتها_وبعدهالك يا" فريد"، أنت بتظلم نفسك وبتظلم الإنسانة اللي إتجوزتها، ويا سيدى الحي أبقى من الميت .
رفع عيناه التى حاوطتها الأحزان بتمكن_"ليان" هتفضل موجودة بقلبي وعينى عمرها مهتشوف غيرها ولا قلبى هينبض لحد تاني .
زفر بغضب_طيب" وريهام" ذنبها أيه تعذبها معاك بالشكل ده .

لكم مكتبه بغضب مميت يشير على حدته_ذنبها إنها قبلت تتجوز واحد وهى عارفة إنه قلبه مش ليها وأنا حطيت شروطي عليها إننا هنكون زوجين على الورق، وظيفتها تربية البنت مش أكتر.
"حسام" ببسمة الم _مجتمعنا بيقسى على الست المطلقة فبيجبرها على حاجات هي مش عايزاها فبلاش تظلمها للمرة التانية، وبعدين ليه متحطتش في إعتبارك إنها بتحبك .

تعالت ضحكاته بسخرية_ بتحبني!، أنت متعرفش أنا بعاملها إزاى ؟
رمقه بنظرة مميتة_ طول مأنت شايف حبها ليك بسخرية وإستهزاء طول مأنت بتقرب من طريق الندم، متخليش ماضيك يزيدك قسوة عليها.
شعر "فريد" من حديثه بتأنيب الضمير تجاه تلك المسكينة فما ذنبها حقاً فى الأرتباط برجل بتر قلبه مع موت حبيبته وزوجته ومع ذلك هناك شعور قد تسرب إليه عندما رأها فى كامل زينتها فلم يدرك أكان إعجاباً أم مجرد رغبة عابرة!
"حسام" بأستغراب _رحت فين ؟

إنتبه له "فريد" فقال بحدة مصطنعة _مفيش، وكفاية كلام عن الموضوع ده وياريت تقفله. إنتبهوا على صوت طرق باب المكتب؛ فولجت "فاطمة" للداخل حاملة القهوة، إبتسم تلقائياً حينما رأها فقال بهيام لحظه "فريد" جيداً _حطيه على المكتب وإتفضلى أنتِ، وما أن إستدارت إستعداداً للإنصراف حتى أستوقفها بقوله_ولا أقواك أستني لما أدوق الأول وأحكم عشان أعرف هتستمرى فى الشغل معانا أو لا .

تلون وجهها غيظاً من قوله متحدثة بصوت منخفض_إيه ده هو هيذلنى بفنجان قهوة .
سمعها" فريد" فأبتسم وتطلع لصديقه متسائلاً بخبث_مش تعرفنا بالأنسة ؟
"حسام" بتذكر_أه دي أنسة "فاطمة" إتعينت النهاردة ضمن الفريق الجديد اللي بيدرب عندنا .

ثم إرتشف بضع قطرات من القهوة وأظهر على وجهه معالم الضيق عن تعمد فرتاعت "فاطمة" خوفاً من أن لا تستمر بالعمل فما نالته من فرصة عظيمة أن تتدرب فى مكتب عمالقة القانون، تابع "حسام" حديثه ببرود_مش بطال، أمال اللي كنت بشربه طول الفترة اللي فاتت كان أيه؟! .
تنفست "فاطمة" الصعداء وهرولت للخارج فضحك "حسام" وعيناه تتابعها ليفق على صوت "فريد"_إيه يا إبنى رعبت البنت وهى شكلها مش بتاعت مقالب .
" حسام." بهيام_هى فعلاً رقيقة أوى، وكيوتة كدا تحسها كيكة بالبسكويت.

جذبه" فريد" بمكر_لا ده شكله حب من أول نظرة.
أجابه بعدما عاد لأتزانه _لا مش للدرجادي، مش أنا اللي أقع بالسهولة دى، ده مجرد إعجاب .
رمقه بنظرة مطولة محملة بالشك_لما نشوف
وتوجه للخروج قائلاً بتحذير_متنساش تحجز على الطيارة
رمقه بنظرة ضيق_مفيش فايدة، عايز تهرب ؟أجابه بغضب _ مش هنرغي كتير بالموضوع دا.

ثم ولج لمكتبه مواصلا عمله لساعات طويلة بدون كلل أو ملل، حتى إنه لم يشعر بوجود رفيقه لجواره فقال بحزن_ كفاية كده النهاردة،ويلا روح إستريح شوية .
رفع عيناه بثبات_روح أنت يا "حسام"، أنا قاعد شوية .
وأمام إصراره تركه على وعد منه بعدم التأخير أكثر من ساعة، ولكن مضى الوقت سريعا ولم يشعر إلا حينما دق بندول الساعة معلناً عن الثانية بعد منتصف الليل .

جابت غرفتها ذهاباً وإياباً قلقاً من تأخيره الملحوظ، حاولت مراراً وتكراراً الأتصال به ولكن كانت تتراجع فى أخر لحظة حتى لا يغضب من إتصالها، إستجمعت شجعاتها وإتصلت به أخيرًا؛ فتعجب حينما رأى إسمها على هاتفه، فشعر بالقلق فربما أصاب إبنته شيئا فأجاب بنوع من القلق _في حاجة؟ البنت كويسة ؟
أسرعت بالحديث _مفيش حاجة هى بخير، بس كنت بطمن عليك، أنت أتاخرت أوى، فيه حاجة ؟

إختلطت مشاعره بين الغضب واللين لقلقها عليه فقال بثبات_ عندي شغل وقربت أخلص وراجع، نامى أنتِ، ثم أغلق هاتفه دون سماع كلماتها، شعرت بغصة مريرة تطوفها من فعلته فحاولت أن تغفو ولكن جفاها النوم حتى تتطمئن على وصوله بسلام .

ولج "فريد" لغرفته فوجدها نورها مضاء يظهر فعلم أنها لم تخلد للنوم فقال دون النظر إليها _أنتِ لسه صاحية؟
أجابته بتردد _مجليش نوم غير لما أطمن أنك رجعت، تحب أحضرلك العشا؟
تذكر إنه لم يتناول شىء طوال اليوم ومعدته تتضور جوعاً فلم يستطع رفض طلبها _ ياريت، أنا فعلاً مأكلتش حاجة من الصبح.
"ريهام" بفرحة حينما شعرت بتغيره بالحديث معها_ثوانى ويكون الأكل جاهز عقبال متاخد الشور بتاعك.

إكتفى ببسمة بسيطة وعقله تستحوذه فكيف لها أن تكون بهذا القلب الناصع للبياض رغم ما يفعله معها، وبالفعل حينما إنتهى من حمامه وجد أمامه طاولة الطعام مليئة بكل ما طاب ولذ، تناول طعامه ببسمة إعجاب فمسح فمه قائلاً بهدوء _الاكل يجنن تسلم إيدك.
رمقته بنظرة مطولة يطوفها الدهشة والذهول فأقترب منها ببسمة هادئة، طافت العينان بعضهما بنظرات مطولة بأنذار بداية عشق .
فهل ستكون بداية حقيقية أم سيقف القدر عائق بطريقهما ؟

أخفض عيناه عنها قائلاً بثبات_شيلي الأكل..
أشارت له بارتبك ثم حملت الأطباق سريعاً فالخوف من تحوله الملحوظ جعل ذكريات قسوته تحدها من جديد، رجفة يدها جعلت ما تحمله يسقط أرضاً فأزداد إرتباكها أضعافاً حينما إستدار برأسه ليرى ماذا هناك؟، أخفصت يدها دون أن تتطلع لما تفعله فعيناها كانت تراقبه لتقول بخوفاً ملحوظ_أسفة هنضف اللي إنكسر حالا..
صاحت بألم حينما إنغرس الزجاج بيدها فأسرع إليها "فريد" ليعاونها على الوقوف قائلاً بحدة_مش تأخدي بالك...

ثم جذبها للفراش ليسرع للخزانة فأخرج علبة الأسعافات الأولية ليطهر جرحها، قال دون النظر إليها وهو يجذب الزجاج المغلف ليديها_هتوجعك شوية..
ثم جذبها ليعقم يدها، تعجب للغاية من سكونها رغم تألمها ببدء الأمر فرفع عيناه ليجدها تتطلع له بهيام، وجد ما أخبره به رفيقه يحتل عيناها، عشقه موصوم بحرافية، تمكن من قراءة إشاراتها، كاد بالأبتعاد عنها ولكنه شعر بما يريده القلب من هوس الجنون!

منح ذاته الفرصة فترقبها بصمت، إنصاع خلف مشاعره ورغباته الجياشة فرفع يديه يحرر حجابها لينسدل خصلات شعرها البني بحرافية، مرر يديه على وجهها ببطء فأغلقت عيناها بقوة، كادت أن تسقط حصونه أمامها ولكن ذكرياته بزوجته أبت ذلك!، أبعدها عنه بجفاد،ليحاوطه شعور تأنيب الضمير حينما تذكر "ليان"، جحظت عيناها من فعلته، ليغلفها الخوف مجدداً حينما عادت عيناه قاسياتان تحاوطتهما هالة من الجفاء..

قال بصوتٍ غاضب_متحاوليش تتقربي مني بطرقك القذرة دي..
وتركها وقد إبتلت وجنتيها بالدموع؛ فأرتمت على فراشها تبكي من فرط إحساسها بالقهر، أما هو فأضطر للجوء لأخذ حمام أخر ولكن هذه المرة حمام من المياه الباردة رغم برودة الجو ولكن ليطفىء نار قلبه المشتعلة، ثم أرتمى على فراشه محاولاً النوم لتداهمه الذكريات مع من ظن بأن قلبه عشقها للوهلة الأخيرة.

"فريد" بحب_ أخيراً اخوكِ رضى عننا وحدد معاد الفرح، أنا مستني اليوم ده بفارغ الصبر.
"ليان" بمشاكسة_قد كده بتحبنى يا فيرو.
تطلع لها بنظرات عميقة للغاية قائلاً بهمس _ أنا بعشقك يا "ليان"
رددت بخجل _وأنا كمان
إقترب منها بخبث _وأنتِ كمان إيه ؟ قوليها نفسى أسمعها منك
إبتسمت بمكر_ هتسمعها بس فى الوقت المناسب
"فريد" بغضب_ودا أمته ده ؟

وقفت فجأة ثم ركضت من أمامه بمشاكسة_ .لما تمسكني يا خفيف.
تعالت ضحكاته فلحق بها بجنون وبسمات العشق تطوف بالعينان...
إنتبهت لصوته فاهتدلت بجلستها بعدما أوشكت على النوم لتستمع لصوته وهو يردد بأسم "ليان" ..

شعرت بغصة تحتل قلبها وتسائلت لمتى ؟ هى لا تريد أن ينساها ولكن على الأقل يشعر بها وبحبها له، سمعته يهذى بكلمات غير مفهومة فعمٌها القلق وترددت فى رفع الستار بينهم ولكن أردت الإطمئنان عليه،فرفعت الستار لتجده يتصبب عرقاً ويكسو وجهه الحمرة، فأقتربت منه وتحسسته بيديها فوجدت جسده كالنار من فرط الحرارة، ذعرت خوفاً فأسرعت لإحضار طبق من الماء البارد مع قطعة قماش، ثم وضعت القماش المبللة بالماء البارد على جبهته لتخفض من حرارته،فوجدته ينتفض فأرتجف قلبها معه وإنهمرت دموعها خوفاً عليه، وأمسكت بيديها لتقبلها،داعية الله أن يزيل عنه تلك الحُمى.

وهكذا تابعت عمل الكمادات من الماء البارد،ثم ذهبت لتبحث عن أى دواء فى الخزانة لخفض الحرارة، وما أن وجدته حتى أسرعت فساندته وهو لا يكاد يشعر بها ثم قدمت له الدواء،مكثت بجانبه، تتحسس جبهته بين الحين والآخر لترى هل هبطت الحرارة أم لا ؟، وهكذا ظلت طوال الليل بجانبه ترعاه حتى غطت فى النوم وهى جالسة بجانبه من الإرهاق والتعب .

بالصباح الباكر.
فتح عينيه بصعوبة ليجدها غافلة على مقعدها وبيدها قطعة القماش المبللة وعلى المنضدة بجانبه زجاجة الدواء الخافض للحرارة؛ فعلم من ألالام التى بجسده إنه أصيب بالحُمى من جراء إستحمامه بالماء البارد، نظر لـها بشفقة على حالها،وتأكد من حبها له وتفانيها فى إظهار ذلك بدون حديث ( فالأفعال أبلغ من الكلام حقاً)، أراد أن يضمها مرة أخرى ويعتذر عن ما فعله معها، تسلل إلى سمع "ريهام" صوت بكاء الصغيرة، فأضنتفضت من مكانها فوجدته ينظر إليها بشرود فأقتربت منه بلهفه_أنت كويس دلوقتى ؟

إكتفي بهزة بسيطة من رأسه فوضعت عيناها أرضاً بحزن ثم تركت الغرفة لتتفقد الصغيرة،ولج لحمامه الخاص فتوضأ لصلاة فرضه وقد شعر بالتحسن بعض الشىء ثم إرتدى ملابسه للتوجه إلى عمله وعندما همّ ليفتح باب غرفته ليخرج وجدها أمامه فقالت "ريهام" بخوف_رايح فين ؟
أجابها بأقتضاب_المكتب .
"ريهام" _أنت تعبان ولازم تستريح..

قال دون النظر إليها _لازم أخلص حاجات مهمة عشان مسافر كمان يومين إن شاءالله.
قالت بصدمة دون أن تعي ما تتفوه به _ هتسافر وتسبني ؟، قصدى هتسبنا ؟
أجابها محاولا تجاهل مشاعره _ شهر وهرجع إن شاءالله.
تمسكت بذراعيه ببكاء_.أرجوك بلاش السفرية دى وخليك معايا .
حرر يديها ثم إستدار حتى لا ترى الضعف فى عينيه تجاهها، ثم غادر على الفور
لم تجد ريهام سوى أن تلجأ لله عز وجل فتوجهت للصلاة وظلت تدعوا الله فى سجودها أن لا يسافر ويبعد عنها .

فى المكتب
ولج "فريد" إلى الداخل بوجه يملؤه الحزن قائلاً بغموض_عايزك تهتم بقضية ( زين العابد ) وياريت تتولى الدفاع فيها بنفسك .
"حسام" بغضب_برده هتسافر مفيش فايدة، عايز تهرب، بس القضية دى مهمة أوى وكان الأفضل وجودك فيها، أنت عارف المتربصين كتير ( لـ زين العابد ) وكله منتظر يخسر فى القضية، وهو حاطط أمل كبير على الله ثم عليك أنت وهيزعل أوى لو عرف إنك سبت القضية وسافرت .

"فريد" بهدوء _ غصب عنى، وهو أكيد هيطلع منه لإنه فعلا مظلوم، بس بعد كده لازم ياخد إحتياطته كويس وميبقاش بالطيبة دى وسط وحوش السوق، عشان يستعد للضربة الجاية منهم، أكيد هتكون قاتلة لو مخدش باله .
"حسام" بضيق_خلاص، لازم تقابله قبل متسافر وتفهمه على كل حاجة .
أشار له بتأكيد _إن شاءالله.، شوف المهم أيه عشان ابص عليه لاني شوية وراجع البيت.
"حسام" بأستغراب_..مالك ؟..

أشار له بهدوء _تعبان شوية بس
أسرع إليه بلهفة_شكلك مجهد فعلا طب روح إرتاح انت وأنا هنا. ويفضل بلاش السفرية من أساسها..
فريد _مش يمكن السفرية دى اللى تقدر تخلينى إنسان طبيعى .
"حسام" بود_إن شاءالله يا صاحبى، هترجع فريد اللي أنا أعرفه .

ثم تركه ودلف لمكتبه ليتابع عمله، وما هى إلا لحظات حتى وجد مكالمة منها فأبتسم لا إراديا، رفع الهاتف ليستمع لصوتها الباكي فقالت بثبات مخادع_عامل أيه دلوقتى، لو حسيت إنك تعبان إرجع على طول .
حاول تصنع الجفاء ولكن لم يستطيع _متقلقيش أنا كويس .
ثم صمتت للحظات لتتابع بأرتباك_طب فكر تانى فى موضوع السفر ده، أنا محتجالك قصدى كلنا محتجلك وخصوصا "عهد"
"فريد" بحدة_أرجوكِ يا ريهام، الموضوع منتهى، هسافر يعنى هسافر
ثم أغلق الخط وقد أربكته مشاعره وما عاد يدرى ما هو الصائب، هل يسافر أم يظل بجوارها ؟.

دلفت "فاطمة" لمكتب حسام والارتباك يستحوذ عليها من ألا تكون أحسنت فى وضع المخارج القانونية فى القضية التي كلفها بها
أدرك إرتباكها فأردا أن يخفف عنها بالمزاح_ ها هطلعيه براءة ولا شكلك هتلفى حول رقبته حبل المشنقة .
عضت شفتيها غيظاً من الإستهانة بقدرتها ولكن تمالكت نفسها وهو يكاد ينفجر من الضحك على منظرها فقالت بغضب_انا مش عرفة إيه اللي بيضحك حضرتك ؟، على العموم الملف بتاعه اهو، وأنا كتبت ملاحظاتى فيه وكتبت عدة نقاط مهمة نقدر بيها على الأقل نخفف الحكم ده لو مخدش يعنى البراءة.

أعجب بثباتها وثقتها فى نفسها فالتقط منها الملف بشغف ليقرأ ما دونته .
وهي تتأمل ملامح وجهه لتعرف منها هل فعلا أحسنت أم لا ؟
فوجدته يبتسم فوضعت يدها على قلبها لعلها تخفف نبضات قلبها المتسارعة خوفاً.
"حسام" بأعجاب_.لا بجد شابوه ليكِ يا بطة، بالنسبة لأول مرة كويس أوى ومش بطال .

إبتسمت فرحاً ولكن ما لبثت أن تجهم وجهها مرة أخرى، فقال متعجباً._إيه مالك مكنتِ كويسة ورقيقة قلبتى ليه علي جعفر كدا؟
"فاطمة" بغيظ._إسمي الأنسة "فاطمة" .
ثم تركته وغادرت المكتب وهى غاضبة، ولكنه زاد إعجابه بشخصيتها وحيائها وقرر أن تتولى معه قضية زين العابد وإصطاحبها معه إلى المحكمة فهتف لذاته بغرور  ودى فرصة كبيرة أوى بالنسبة لمحامية تحت التمرين

دلفت الحاجة زينب إلى غرفة "ريهام" فوجدتها تحمل "عهد" وتضمها لصدرها بحنان وكأنها تسنتشق بها عبيره بها، أشفقت عليها فربتت على كتفها بحنان، وأخذت منها الصغيرة ثم أجلستها بجوارها ومسحت بيديها دموعها وابتسمت قائلة_ أنا بحبك زى بنتي اللي مخلفتهاش وعندى إحساس إنك بتحبى "فريد"، بالرغم من معاملته القاسية معاكِ، فأنا عيزاكِ يا بنتى معلش تصبرى عليه شوية وتديله فرصة، فراق "ليان" مكنش سهل أبداً عليه، ده كان هيروح فيها بس ربنا ستر، فمعلش يا بنتى أعذريه واصبرى وأنا حاسه إنه بدأ يحس بيكِ.

"ريهام" بدموع._بحاول بس هو اللي بيهرب منى ومن مشاعره
تطلعت لها بحزن ثم قالت بانين صادق_ربنا يهديكم الحال يا حبيبتي

ومازال البائس" طلعت" مُنسكب فى المحرمات وشرب الخمور لينسى ضعفه على توعداً لريهام بالإنتقام بعدما تركته وتزوجت من "فريد"
فأخذ يفكر ما يفعل ليعكر صفو حياتهم التى كانت تتماثل للشفاء بعد معاناة من القسوة والنفور
وربما ستأتى الرياح بما لا تشتهي السفن!

 

تااابع ◄ 

أحدث أقدم

نموذج الاتصال