رواية لازلت أتنفسك الفصل الأول


 مقدمه

 فتاة فقدت كل ما تبحث عنه، عاشت في كنف مخاوف لم تنته فرت هاربة من حصار أوهامها مختبئة خلف ستار حب أعاد لها تشكُل الحياة، أحبت حياتها لأجله تاركة نفسها للغرق في أعماق حبه دون أدنى مقاومة لتفيق على حقيقة من غرقت به عشقًا، إذ بشخص سادي لا يركض إلا خلف الاستلذاذ بآلام الآخرين، طُمس قلبها في محبرة حبه وقفت في المنتصف بين الذهاب والعودة لتتخذ قرارها أخيرًا وتندفع إليه بكل ما أوتيت من حب، مقتنعة أنها ستحبه وتسلمه لآله الحب تُصلحه.. فما يكون إنتاج ثمرة قرارها ! اصلاحه أم فقدانها لذاتها معه ؟!

 الفصل الأول

أسدلت الشمس أشعتها الحمراء على الكون محجوبة خلف السحب وكأنها تنزف دمًا علي وجعها وما مرت به ليلة أمس، كان يوم تتحرك عقارب ساعته ببطء يلدغ طرف قلبها علي مهلٍ، رجفة خفيفة أصابت قلبها فجأة، رفعت أصابع كفها ثم بسطتها مجددًا ببطء شديد، تتراقص جفون عينيها متمردة كأنها ترفض هراء هذا العالم واِستخفافه بألم تلك العضلة الموجودة أقصي اليسار ..

اِبتلعت تلك الحسناء غصة أحزانها لترطب حلقها بما أصابه من جفاف الوجع، اتخذت عدة أنفاس متتالية كأنها تتأكد هل ما زالت علي قيد الحياة أم بُعثت لدار الخلد .. أصابها اليأس في مقتل عندما تحسست دقات قلبها وجدته يتراقص علي أوتار وجعٍ يقرضها من الداخل ... انتقلت أناملها من فوق قلبها إلي طرف عينيها لتزيل الدمعة المنسكبة التى باتت في عينيها منذ ليلة أمس ..

اتاها صوتاً جعلها تنهض كالملدوغه
 ماتقومى يااختى ... نموسيتك كحلي

ارتفعت دقات قلبها وسالت سيول دمعها فوق وجنتها أكثر وهى تلتقط أنفاسها بقوة
زاد معدل الطرق علي الباب، كأنه يتنافس مع ضربات قلبها ..
- يعنى نموت من الجوع هنا ماتحنى علينا،،، قومى يلاا بلا دلع بنات ...

أردف زوج أمها كلماته الأخيرة قبل أن يبتعد عن أعتاب غرفتها التى تحكم غلقها كل ليله خشية من نظرات ذلك اللعين، انتصب عودها ودارت بجسدها حتى لمست أقدامها أرضية الغرفه الباردة، طافت بعينيها تبحث عن نعالها ساندة قلبها بكف يديها مرددة

- يارب بقي هون عليا العيشه دى ..

رجّت رأسها قليلاً محاولة تشتيت ذكرياتها الأليمه التى تنهشها من الداخل متنهدة بصوتٍ عال ثم ألقت نظرة خاطفه علي شاشه هاتفها
- مممم اماا اشوف زين بعت حاجة ولا لا ...

وسرعان ماتراجعت بعيون سبحت في محيط الدمع وهي تردد بصوت مرتجف
- ز .. زييي ... زين ! احنا سيبنا بعض امبارح حقيقي ولا دا كان كابوس ؟!

بللت حلقها مجددا ثم أردفت قائله
- لا احنا متخانقين شويه بس وهنرجع تانى أكيد، هو عارف إن قلبى متعلق بيه ومستحيل ههون عليه ... عادى يعنى مااحنا يااما اتخانقنا .. بس هو ليه قلبى واجعنى اوي المرة دي .. هو معقوله يكون مش هيرجع ..

فتحت درج الطاولة الجانبية الصغيرة وامسكت بصورته المدفونة بين ورقات دفترها .. شقت ثغرها ابتسامة باهتة
- صباح الورد عليك ...

فرت دمعه من طرف عينيها فسقطت علي صورته، فشهقت بصوت مكتوم وهي تمد إبهامها لتزيل دمعتها من عليها، استمرت تتأمل ملامحه بحسرة ووجع وهى تمرر أناملها لتتحسسها فنحن جميعا نتحسس الأشياء عندما نفقد الأمل في وجودها .. ثم ابتسمت بيأس وهى تردد لتوهم نفسها

- أكيد كلامك اللي قولتهولى كان في ساعة عصبية وضيقة .. حق أنا عارفاك لما بتتعصب مابتشوفش قدامك ..

جففت الباقي من دموعها بطرف كُمها ثم أكملت قائله
- أنا هقوم دلوقتى أفطرهم وهرجع ألقى رسالة منك زي ماعودتنى كل يوم .. ماتخلنيش استنى كتير،، ممكن !

وضعت صورته في مكانها المعتاد ثم وثبت قائمه وهي تجفف وجهها وتلتقط عدة أنفاس متتالية
- اجمدى يا داليدا اجمدى، زين معرفش الحب غير معاكى فمسير الحب يرجعه ... هو كان بيقولى كدة ..

استجمعت شتات شملها وخرجت من غرفتها كجبل صلب قوي من يراه يخشاه ولكن مابداخلها تصدعات وشقوق أوشكت علي الانيهار ...
أصوات تصدح بداخله جعلته يستيقظ من نومه الهادئ مسح بكفه الخشن على وجهه وهو يغمغم بنوم:
_ صباح القلق زمان دليدا باعته مليون رسالة
دليدا ...؟!
دليدا...؟!
لقد انفصل عنها بالأمس تذكر بكاءها صدمتها توسلها له ولكنه تذكر أيضا تلك المشادات الدائمة بينهم أزال عن باله تلك الذكريات واستقام يعد قهوته رفيقته العزيزة وهو يردف بهدوء:
_ القهوة لا تكذب وإن كانت كل يوم بوجه.

ابتسم بحنان لصورة والدته الراحلة منذ سنوات وهو يردد:
_ صباح الخير عليكي يا ماما وأنا مش بخير من غيرك عشر سنين من غيرك يا ست الكل
امبارح أنا ودليدا سيبنا بعض دليدا مملة وصعبة أوي امبارح مكنتش زعلان وأنا بسيبها بس هو النهاردة أنا حاسس بلخبطه سيكا يعني ووجع خفيف بس أكيد هيروح الواد أكرم عازمني علي الغدا مامته بتعمل أكل حلو أوي بس مش أحلى من أكلك هقوم أروح أفطر وأروح لأكرم وأرجعلك يا ست الكل بالليل مش هتأخر عليكي علشان متزهقيش.
قبل وجنتيها الظاهرين بالصورة واتجه يبدل ملابسه ويغادر.

_ وأنت بقا سنجل ولا مرتبط يا زين
ابتسم بتلاعب وهو يردد:
_ ده أنا لو مش سنجل اسنجلك نفسى والله سنجل يا قمر من امبارح الصراحة
صدح صوت ضحكتها وهى تقول:
_ يا بختي
_ ده أنا اللي يا بختي والله الفطار وصل افطري يلا ونتقابل بالليل عند أكرم فى الخن
_ ما تيجي نطير بعيد عن أكرم
_ نطير فين
_ العجمى عندك
اختفت الابتسامة من على وجهه ليردف بحدة وجمود:
_ العجمى لا واتفضلي افطري خلينا نمشي

ذلك الحي أصابه فى مقتل أنه حي ذكرياته الجميلة العزيزة حي داليدا المفضل لها وله ولن يلوثه بزيارته له مع أي فتاة أخرى حتى ولو انفصل عن داليدا.

 

في إحدى منازل حي امبابة

انتهت داليدا من إعداد الطعام ووضعه فوق الطاوله الخشبيه المستديرة، ولم تخل من نظرات زوج أمها ( اسماعيل ) التى تشعر بها تأكل معالم جسدها المستتر ..

 عاوز حاجه تانى أعملهالك
وقفت أمامه بضيق وحنقة وهي تقول جملتها، رفع حاجبه قليلا ثم أردف قائلا
- لو بس الجميل يحن علينا ويجى يقعد جمبي يحلى اللقمة معايا بدل ماهى نازلة وحيدة كدة .. ماتيجى تفتحى نفسي ياديلوو ..

نظرت له باشمئزاز وسرعان ما دارت بجسدها هاربة من حصار نظراته اللعينة
- انا هصحي أخواتى يفطروا قبل ماأنزل الجامعة ..

انسحبت من أمامه علي الفور، مازال يتاملها بنظراته الخبيثة ثم أردف قائلا وهو يعبث بشاربه
- كنت فين ياخشب لما كنا نجارين ... يامستقووووى!

أيقظت داليدا أخواتها من أمها ثم ارتدت ملابسها الفضفاضة وغادرت منزلها الأشبة بسجن يتربع في قلبه سجانها ...

لمست أقدامها أرضيه الشارع الطينى الممزوجة بأصوات المارة المزعجة، كانت عيناها تطوف يمينا ويسارا كأنها تبحث عن جزء فقدته من أجزاء جسدها وربما فُقدت كلها ولم يبق منها إلا شبح يمر بين الخلق .. كانت تبحث عنه تحديدا في أوجه المارين حذاها حتى أن قلبها كان يرتعش بمجرد أن مر الشبيه او تنسمت ريح طيفه القابض علي قلبها بقوة ..

وصلت إلي موقف سيارات النقل تبحث عن سياراته التى كانت كل صباح تنتظرها، ولكنها أصيبت بخيبة أمل جديد كمثل التى أصيبت بها فلم تجد اسمه علي شاشة هاتفها .. فاقت من شرودها علي صوت السائقإ
- ٢٦ يوليو يااابله ..

لم تلتفت إليه وأكملت طريقها بتثاقل شديد في قدميها،، وصلت إلى مدرجها كالتائهة لم تع كم استغرقت من الوقت للوصول، كأنها تصارع شيء ما بداخلها لم تصل له حتى الآن فلا تهتم بمحطات وصولها علي أرض الواقع ...

 يادودو .. مش بتردى. ليه عليا من امبارح ؟!
قالت شروق رفيقتها جملتها بعفوية وهي تقترب منها ..

رفعت داليدا عينيها بأسي
- انتى بعتى حاجه ...
- اه يابنتى وكنتى أون لاين طول الليل امبارح .. حتى زعلتينى منك والله ... كده تنفضيلى ...

نظرت لها بأسف
- سامحينى .. مخدتش بالى والله .. كنتي عاوزه حاجة ..

《《 عندما ننتظر رساله بعينيها من أحدهما فإننا نصاب بالعمى الكلى عن باقي البشر، كأن الرسالة المنتظرة تأسر بين طياتها جميع الحواس الآداميه 》》
نظرت لها شروق بعيون غير مصدقة
- أخبار زين ايه ؟!

اسمه كان بمثابة آله حاده مرت علي جدار القلب، وقفت بجسدٍ مرتعش
- زييين ! انتى شوفتيه ؟!

تعجبت شروق من ردها وارتباكها، فأردفت قائلة
- داليدا ! مالك ؟ انا بسألك عادى علي فكرة .. اتفزعتى ليه ؟!

شهقت نفسًا بألم
- انا ماشيه ..
قبضت شروق علي معصمها
- استنى .. والمحاضرررة ؟!

زاحت كفها بعيدا
- مش قادرة بجد .. ابقي ابعتيلى الريكورد ..

تركتها داليدا قبل أن تنتظر منها ردا، سارت خلف خريطة قلبها بدون وعى كالهائم علي وجهه في قلب الصحراء باحثًا عن طوق النجاة لينتشله من توهانه ..
 بعد ساعات
قادتها أرجلها لمكان ذكرياتها، المكان الوحيد الذي ضحكت فيه كثيرًا واليوم جاءت إليه لتبكى له أكثر، فالشاهد علي الضحك له كل الحق لمسح دمع العين ..

تحركت فوق أحجار شط اسكندرية بتوازن مختل كالطائر الذي أقسم على الطيران بجناح مكسور، وصلت إلى المكان الذي عاش معهما لحظاتهم المسروقه من الزمن، لمس الهواء البارد وجنتيها مختلطا بقطرات من أمواج البحر القويه التى رست علي وجنتيها بهدوء تاام كأن جيوش حزنها كانت أقوى من اندفاع الموج فنجحت بجدارة علي تهدئته وسكونه ..

ظلت طويلا تتأمل البحر مستلذة بخلوتها معه متكأة علي عكاز الصمت، أصبحت ذكرياته، طيفه، كلماته، لمساته، ضحكاته تدور أمام عينيها كشريط سنيمائى .. ساكنة مكانها كالمصاب بشلل الذكريات ..
《《 يقولون أن المرأه حينما يهاجمها الحب تفقد القدرة علي كل شيء،، وعندما تصاب بغيابه ذلك يهدد طاقات القلب بالنفاذ 》》
على طاولة الطعام
سيدة خمسينية تردد بحنان:
_ كل يا زين يا حبيبى
ابتسم هو بألم مردفًا:
_ بأكل يا سوسو تسلم إيديك ربنا يخليهالك يا أكرم.

أنهى طعامه الذي لم يأكل منه شيء يعبث به فقط يعبث مثل قلبه يوجد شيء يعبث به لا يعرفه لكنه يؤلمه حد الموت ..فقدان .. خذلان.. حقًا لا يعرف
غادر هو وصديقه إلى مقر شركته الذي سيتم افتتاحها عن قريب
يجلس وسطهم بنصف عقل نصف روح نصف قلب عقله فقده عندما رأي عينيها وروحه فقدها عندما فقد أمه وقلبه عندما ابتسمت له ولكن كل ذلك تعوّد فقط تعوّد انتشلته من دوامته اللعينة صوت أنثوى يردد:
_ يا زوز سرحان فى ايه
هز رأسه عدة مرات قبل أن يردف بخبث:
_ سرحان فيكى يا جميل واقفة بعيد ليه قربى هنا.

اقتربت وهى تترنح من أثر المادة الكحولية التى تناولتها مغمغمة:
_ بحبك يا زوز ومحبتش حد قدك والله
ردد بسخرية:
_ لا منا عارف متقلقيش قربى بقا هاتى الورق اللي هيتمضي ده وتعاليلى أكرم فين صحيح
أجابت بغنج:
_ فى المكتب اللي جنبنا هو و سوزى
_ يا حبيبتى يا سوزى
اقترب منها وهو يقبل شفتيها عنقها كفيها كل جزء بها يقبلها تارة وينظر للأوراق تارة ويأخذ رشفة من النبيذ الأحمر الذي أمامه مشروبه المدمر المفضل تمر أمام عينيه سحابة طيف دليدا ليزفر بحنق ويجذب الفتاة يقبلها مرة أخرى بعنف.

لازالت جالسه أمام بحر اسكندرية ساكنة العينين، ولكن قلبها لم يكف عن البحث .. كأنها تريد البحث عن شيء تتعمد نسيانه .. ابتسمت بآسي كأن شبح ذكري ما هاجمتها

 أنا حقيقي حاسة قلبي طاير من الفرحة... أنا نجحت خلاص، كدة عديت أول سنة من الكليه وهابقي صحفية اد الدنيا
قالت دليدا جملتها بفرحة وهى تتنقل أمام عينيه كطفلة مشاغبة حصلت للتو علي مرادها ..

وضع كفيه الاثنتين على ذراعيها حتى أصبحت محاصرة بأسوارهما، تلك المرة الأولى التى تكون بقربه بهذة الدرجة .. كان قلبها ينجذب منها أوشك علي الانخلاع .. كانت مغناطسية عينيه قوية للحد الذي يمكنها أن تقلي بجسدها صوب بؤرة جاذبيته .. قلبه تحديدا ...

قطع زين حبال الصمت قائلا
- المهم دلوقتي مش هوصيكى علي دعايا وإعلانات لشركتى اللي ناوي افتحها .. كام مقال من إيديكى الحلوين دول .. دا أنا حتى زيزو حبيبك ...

احمرت وجنتيها بخجل
- أنت هتوصينى علي قلبي يازين .. وبعدين ياحبيبي احنا واحد ... فأكيد نجاحنا هيبقي واحد ..

اقترب منها خطوة سلحفيه قائلا
- إن شاء الله ياديدا هعوضك على كل وجع إنتى عشتيه .. وطول منا عايش هيكون هدفي الوحيد إني إزاي أخليكي طايرة من الفرحة ...

ردت باندفاع
- أنا عاوزة أبقي طايرة من الحب يازين ... الحب اللي محستهوش غير معاك ..

ابتعد عنها قليلا ثم وضع أناملها على شفتيه طابعا قُبلة دافئة قائلا
- وأنا أوعدك يا داليدا عمري ما هسيبك مهما حصل ...

شعرت بقلبي ينخلع بداخلى، يقاومنى شعرت، كلماته شنت الصراع بينى وبين قلبي .. قلبي يريد أن يحضنه حضن تسمع له آذانى صوت قرقعة عظامى بداخلة،، ولكنى كنت أريد أن أحضنه أنا كحضن أم تملؤه حنان وحب يروينا سوياا ..

فاقت من شرودها علي صوت تكبير آذان العصر

نظرت في ساعتها
- خبر أبيض دانا يادوب الحق أرجع القاهره قبل العشا ..
لملمت شتات شملها بعد ما ألقت آخر نظرة علي البحر كأنها تودعه ..
- هرجعلك تانى عشان أنت اللي باقيلى دلوقتي ..

نصبت عودها متنهدة بحرارة ثم دارت بجسدها فجاة وللحظات أصيبت بالشلل، كل عضو بجسدها عجز عن الحركة .. إلا قلبها لازال يؤلمها ضجيجه، اغرورقت عيناها، وتجمد الدم بداخلها .. ثم أردفت قائلة بذهول
- زين ! أنت هنا من إمتى ؟!

ظلام احتل عينيها وهي تراه أمامها يقف بجمود لا يوجد بعينيه شوق من الأمس إلى اليوم يقف صامدًا غير مباليًا لأسهم العتاب التى تصيبه من عينيها التى أصابها الذبول أي ذبول هذا الذي يحدث بين يومًا وليلة أجابها بهدوء:
_ جاي هو إني آجي هنا ممنوع أنتي ايه اللي جايبك مش خايفة تتأخرى أو حد يخطفك أو أي حاجة
أجابت بصوت مبحبوح من كثرة البكاء:
_ خايفة وجيت أطمن بريحتك هنا
زين ..؟ا

رجفة قوية يشعر بها عندما تنطق اسمه من شفتيها الناعمة أردف بهدوء على عكس الضجيج الذي بداخله:
_ نعم
تنهدت وهى تهمس بنبرة مهتزة:
_ زين أنت واحشني يوم واحد ومش قادرة فيه أفضل من غيرك أنا بحبك أرجوك متسبنيش أرجوك أنا مليش غيرك
لو زعلان منى علشان بتخانق معاك كل شوية
أو بغير عليك أوفر أنا هتغير أوعدك
بنبرة جدية مصطنعة أجابها:
_ داليدا كدة أحسن لينا أنا تعبت ومليت من العلاقة دى أنتي صعبة ومملة وحمل تقيل عليا.

وأنا مش قد الحمل ده أنا آسف بس لما أقولك الكلام دة دلوقتي أحسن لما أقولهولك بعد أربع خمس سنين واحنا بينا أطفال ملهاش أي ذنب
داليدا أنتي جامدة وجبل وهتعرفى تقاومى مشاكل الحياة
جلست أمامه على الرمال وهي على وشك البكاء تنظر له فقط وفى ثوانٍ تمرد داخلها وبكى بعنف شديد تبًا لبكائها وشهقاتها هتف باقتضاب:
_ قومى علشان أروحك
ردت ببكاء:
_ هروح لوحدى
صدح صوته العالى الشواطئ وهو يقول:
_ قولت قومى.

دقائق وكان على الطريق عائدًا بها إلى القاهرة
غفت هى من تعب البكاء والطريق وقبل الوصول للقاهرة ببعض الكيلو مترات أوقف سيارته وأخذ ينظر لها مجاهدًا نفسه ألا يقبل شفيتها المرتعشة من برودة الجو والبكاء وضع يده على جبينها وباليد الأخرى احتضن كفها الصغير مرددًا بتوجس:
_ كده أحسن ليا وليكي مينفعش أنا كمان أظلمك معايا صدقيني مينفعش
ترك كفها وانطلق مرة أخرى حتى وصل إلى الحى التى تقطن به ليوقظها برفق هامسًا:
_ داليدا قومى احنا وصلنا.

غمغمت بتقطع:
_ بابا ..، وحشتنى ..، أنا كويسة ..، بتسيب إيدي ليه ..، أنت مش قولت هتاخدنى معاك ..، بابا متمشيش ..لا استنى ...لاااااااااااااا
آه بابا .. بابا فين
ردد بلهجة مطمئنة:
_ اهدى ده حلم أنتى كنتى بتحلمي
نظرت حولها ِلثوانٍ قبل أن تترجل السيارة وهى تهزي:
_ كله راح كله مشي وسابني حتى أنت يا زين

ينشق قلبه نصفين لأجلها لما كل هذا الوجع هو من قرر واختار ونفذ فلماذا ذلك الشعور الذي يهاجمه كل شيء يؤلمه انطلق عائدًا مدينته قاصدًا إلى قبر والدته
ظلام دامس هدوء مخيف شئ يتكشل فى يدٍ تقبض على قلبه وهو يتحرك فى هذا المكان المرعب خاطف المحبين لكل محب حبيب هنا يشتاق له يتألم لأجله يفتقده فى كل مرحلة يمر بها وهو وصل لقمة الألم والفقدان يفتقدها فى الثانية وهو يتناول طعامه وحيد وهو يتفوق فى كل سنة دراسية فى الأعياد والمناسبات يوم ميلاده تنهد بقهر وهو يردد بصوتٍ عالٍ:

_ أه يا أمى وحشتيني ..، الدنيا واقفة من غيرك أوى أنا تعبان تعبان أوى حاسس إني لوحدي حتى داليدا اللي كانت مالية عليا يومي سبتها ده أحسن ليها مش هينفع تاخد واحد كل شبر فيه ضايع منه نص أو مات منه نص مات معاكى ماما القميص البيج اللي جبتهولى هدية آخر عيد ميلاد مبقاش بيدخل فيا بحاول ألبسه مش عارف كمان الأزرار بتاعته وقعت وأنا مش بعرف أركبها عارفة يا أمى مبخليش حد يعملى حاجة لما قميص يتقطع أو زرار ليه يقع بجيب غيره علشان مينفعش حد يعملى حاجتي غيرك يا أم الزين .. أنتي مبتزورنيش فى الحلم ليه زعلانة منى لو زعلانة زوريني وعاتبيني بس متقطعيش بيّه كده ومتطلبيش منى أسامح حد أنا مش مسامح ولا هسامح زوريني بالله عليكي مبقاليش غير زيارتك فى حلم جميل عايش بيه متقاطعنيش وغلاوتى أنا همشى بقا وهجيلك تانى يا حبيبتي فى جنته ورعايته يا أمى.

وصلت داليدا منزلها الكئيب محاولا عقلها أن يستوعب ما مرت به، اليوم قادها قلبها لموطنه كأن قلبه أرسل تنبيه لقلبها ليجذبه لمكانهم .. وربما يكن قلبها هو من أرسل التنبيه لرداد قلبه فأتى به هائمًا على وجهه لمكان تواجدها ..

فاقت من شرودها علي صوت أمها (سعاد) وهي تعد العشاء لصغارها قائلة
- داليدا جات ياإسماعيل ؟!

اعتدل في جلسته مبتسمًا وهو يتغزلها
- القمر بتاعنا وصل .. طب والله البيت ما له لازمة من غيرك ...

خرجت أمها من المطبخ وهي تجفف كفها بالمنشفة
- الله ! مش انا بكلمك ياراجل مابتردش ليه !

انتصب إسماعيل في جلسته مرتسم الجدية
- معلش التلفيزيون عالي وكدة ..

رمقتها بنظرة معاتبة ثم اقتربت من ابنتها
- ليه التأخير دا ياداليدا .. كنتى فين ياحبيبتى ..

نظرت لأمها بعيون باهتة، حاصرها الأرق والوجع ثم أردفت قائلة بارتباك
- أصل ككان عندى كورس ونسيت أقولك، وكمان موبايلي فصل شحن .

ربتت أمها علي كتفها بحنو
- طب ياحبيبتى يلا روحى غيري هدومك وأنا خلصت العشا أهو ..

أومأت إيجابًا ثم انسحبت بهدوء، لم تشعر بأي شيء حتى ضجيج قلبها سكن .. سكن تماما وجف دمع عينيها وأصبح نفسها يدخل إلى رئتيها بصورة طبيعية، تلك المرة لم يحمل معه حرارة الخزي والوجع .. أصبحت كلها تحت تأثيره ووجوده .. أغلقت باب الغرفة خلفها وبدلت ملابسها بتكاسل شديد ..

قربت من مكتبها الخشبي ثم أمسكت بدفترها لتكتب شيء ما، وقف قلمها أول الصفحة حائرًا .. ماذا سيتكب ! لم لا تحركه اناملها ! لم لا تتخلص من قطرات دمعها بحبري ! الليله أين ذهبت دموع عينيها ! هل هي سعيدة أم حزينة ؟! اليوم تحاصرنى أناملها بنبضٍ هادىء عكس المعتاد، لم أرتعش في يدها ..

أخيرًا تنهدت داليدا بارتياح ثم كتبت

 للمرة الألف أخوض حربًا بكُل قواي وجيوش جوارحي للقضاء عليك بداخلي، فانهزم وبجدارة .. وسرعان ماأرفع راية الاستسلام وفتح بوابات حصن قلبي لتملكه ..
أحتاجُ إلى هُدنة لوقف أعمالك الاستحواذية على قلبي وعقلى ..ربما أستعيد بها قواي مجددًا
للأسف فالهُدنة ليست انتهاء للمعركة بعد
للتو آمنتُ بأن
لا مفر منك إلا إليك

تركت قلمها فوق دفترها ثم رفعت شعرها على هيئة ذيل حصان مغادرة غرفتها بسلام داخلى، وجدت أمها وأخواتها التؤام الصغير  عمر و زينه

زينة بصوت طفولي
- ياديدو وحستينى أوي ..

طبعت قبلة علي وجنة أختها ثم جلست بجوارها

سعاد بحنو: ما تاكلي ياداليدا مالك يابتنى مخطوفة ليه كده ..

ابتسمت ابتسامة باهتة
- لا ياماما أنا كويسة ...

عمر بصوت عفوي: مش تباركى لماما ياديدو !

رفعت عينيها قليلاً ثم أردفت قائلة
- أباركلها علي إيه ؟!

ضحكت أمها: أنا اترقيت وبقيت مدرس أول .. يعنى المرتب زاد ومش هخليكم تحرموا نفسكم من حاجه خالص ..

داعبت شفتيها شبح ابتسامة ثم قالت بهدوء
- مبروك ياحبيبتى ...

نفث ( إسماعيل ) سحب دخان سيجارته وهو ينظر لداليدا نظرة خبيثة قائلاً
- ربنا يخليكى لينا ياسعاد ومنتحرمش منك أبدًا ..

اتسعت ابتسامة أمها
- ويخليك لينا ياإسماعيل وأنت دايمًا مضلل علينا كده وحمايتنا وسندنا ..

شعرت باشمئزاز يحتلها سرعان ماتركت ما بيدها ودلفت إلى غرفتها وهي تلقي بجسدها في منتصف مخدعها
- بابا مكنش يستاهل منك كل دا ياماما ! لو كنتى فاكرة إنك كدة بتعاقبيه تبقي غلطانة .. أنا اللي دفعت التمن بزيادة . ...

‏《《لقد بدأت روحي تنتقم مني، بات هذا واضحًا
لم أعتني بها بشكل جيد، أرهقتها ف كل شيء .. فأنا ثمرة الحب التى أهُلكت بسبب جذعها 》》

 

 في العجمى

بعد منتصف الليل وصل إلى شقته المظلمة الذي لم يكرس أي اهتمام لإشعال نورها .. إنه يصم حواشي منزله، أردف سريعًا نحو غرفته واضعًا مفاتيحه فوق ( التسريحة ) ثم وقف أمام نافذته يتأمل أمواج البحر القويه التى تنحت في الحواف، كان حاله لم يختلف كثيرا عن حواف البحر .. فالموج يفتت بها هنا وهناك وهي صامتة لم تطلب الاستغاثة ظلت محتفظة بصلابة بصرف النظر عما ينهار من جوابنها،، عقد ساعديه متنهدًا ثم أردف قائلاً:

إنني ملأت بأجساد النساء جيوبى .. ولم أر قبلك إمراة وصلت لصميم قلبى

نظر الي صورتها المعلقة جانب فراشه
- غلطتك إنك عطيتى أكتر ماأخدتى ياداليدا .. وبصراحة إحنا كرجالة عاوزين اللي يشحتنا الحب، عاوزين البنت اللي تلففنا وتنشف ريقنا، حبك كان عفوي واندفاعى وللأسف من غير ماتحسي غرقتيني في بحر عينيكي،، يمكن عشان حبيتك بعدك عنى كنت عاوز أحميكى مني .. أنا ماستاهلش حبك أنا زي السمك مابحملش جواز سفر بروح مكان ماأحب وقت ماأحتاج، كل ساعة بتعجبنى حاجة بنت شكل إلا أنتى عجبتينى وملكتينى كلك، وأنا كان لازم أعاقب أنانية قلبي ببعدي عنك، عمرى ماكنت هكون الفارس اللي مستنياه بحصان يخطفك من الضلمه اللي حواليكى، بعدت عنك عشان مش عاوز نهاية اعتيادية للحب تنتهى ببيت صغير وطفلين ينادونى  بابا ،، صدقينى أنا مستاهلش ... وأنتي بعيدة عنى فى أمان أكتر.

أخذ صورتها وأنزلها من فوق الحائط ثم وضعها مقلوبه فوق سطح مكتبه، دار بجسده ليروي جسده بالماء كأن شيء ما بداخله يحترق يود أن يُطفئه،، علقت عينيه بصورة أمه الباسمة ..

- دلعتينى زيادة يافوفا .. ومشيتى قبل ماتربينى .. ودلوقتي أنا اللي بدفع التمن ...

(اكل الحب من حشاشة قلبي والبقايا تقاسمتها النساء)
 نزار قبانى

وصل للمرحاض ملقي بجسده في حوض المياه الفاتر متذكرًا

 زين أنت اتجننت !
أردف أكرم جملته بصوت خشن وقاسي مندهشًا على حال رفيقه الذي ينفرد بموظفته في مكان عملهما ..

ابتعدت سونا عنه قليلا ولم يعتريها أي خجل أو اهتمام ..

اقترب أكرم من رفيقه ينهره بقوة
- فوق بقي ياأخى فوووق ... وسيب الزفت دا اللي ف إيدك ..

دفعه زين بعيدا عنه
- سيبنى ياأكرم .. سيبنى محدش حاسس بيا ..

فاجئه رفيقه بزجاج المياه التى سكبها فوق رأسه
- أنت حالتك بقت صعبة أوووى

هز زين رأسه بكلل ليشتت قطرات المياه من فوق راسه
- فوقتنى ليه ! كنت عاوز أنساها ..

انعفل رفيقه أكثر
- ياخى وتنساها ليه ؟! انضف وعيش عيشة بنى آدمين بقي وسيبك من القرف اللي غارس نفسك فيه .. بتعذب نفسك وتعذبها ليه

لأول مرة تنسكب دمعة من عينه بمرارة
- ماستاهلهااش .. هي تستاهل حد نضيف وطاهر زيها .. هي وحشانى لييييييه ! أنا كنت فاكر إني هرتاح ببعدى عنها ..

راقبته سونا بذهول ودهشه علي حالة الضعف التى احتلته .. ربت أكرم علي كتفه برفق
- طيب اهدى وتعالي نقعد ...

أبعده زين عنه بقوة
- لا سيبنى أنا ماشي ! وفهّم المهندسة على الشغل المطلوب ...

تركهم زين وغادر يجوب الطرقات بسيارته، يراها في كل أنثى تمر من أمامه، يتمزق قلبه لفراقها لم يشعر بنفسه إلا أمام عينيها، شيئا ما بداخله اطمئن، كان يشتاق إليها كان شغفه يقوده ليتذوق دمع عينيها ولكنه صُدم بها تثرثر من جديد، فلبس ثوب البرود والعند القاتل مجددا، كأنه يستلذ بثرثرتها، احتله جيش الكبر وقراراته التى لم تتراجع مطلقا .. فحنيتها تثير ما بداخله من نفور، ربما لو استخدمت معه سلاح القسوة كان انهزم أمامها.

خدعوك فقالوا أن الحُب يأتى بدون ثمن، متجاهلين ما يدفعونه من طاقاتهم الداخليه التى تتصدع لها قمم الجبال

فاق زين من شروده عندما شعر بأنفاسه تختنق تحت المياه كالملدوغ، متنهدًا بصوتٍ عالٍ وهو يردد لعقله
- خلاص اسكت كفايه،، بنت عجبتك سنة اتنين واتسليت زي ماانت حابب .. خلصنا بقي .. فوق لمستقبلك يازين فوق ... ولا أنت لعبت اللعبه وهتشبط فيها زي العيال .. تمشي واحدة يجي بدالها ميه ...
يتخيلها هنا وهناك كأنها كانت تقطن معه وغادرت غاضبه منه كأي زوجة .. زوجة هي ليست بزوجته هي حبيبته أراد البكاء أثر الشعور المهاجم له ظهر طيفها واضحًا يهمس له:
_ زين أنت أكلت.

أجاب بطفولية حزينة كطفل لم يتعدى السابعة وهو على مشارف الثلاثيين:
_ نسيت أنتي مكملتنيش تسألى
_ مكملتكش علشان أنت قطعت الخيوط اللي بينا يا زين يلا اخرج من هنا الجو برد عليك وتروح تأكل هتوحشني أوى على فكرة
اختفى طيفها كأنه لم يكن هنا ضرب بيده المرآه جعلها حطام كقلبه الحطام جلس أسفل الباب يبكى من كل ما يؤلمه ومن وحدته أول يوم فراق لم يتخيل أنه سيكون مؤلمًا هكذا رغم اختياره له لم يتخيل أنه سيسبب له كل هذا الوجع ..، صوت خطوات يصدح من الخارج ويقترب من المرحاض.

قبل ساعة عن أذان الفجر
كانت تجلس أعلى سريرها وفى يديها ألبوم الصور الخاصة بهم

الصورة الأولى
يوم ميلادها وهو يحتفل بها على شاطئهم الخاص شاطئ العجمى تقف فى دائرة ورد أزرق بفستان أبيض جعلها كالملائكة يحتضن كفيها ويقبلهم

الصورة الثانية
يوم جاءها من عروس البحر المتوسط خصيصًا ليفاجئها فى امتحانات فصلها الدراسي الأول بالكلية وفى يده باقة من الورد والشوكولاتة المحببه لديها

الصورة الثالثة
وهى تحت ذراعيه تبتسم بطفولة ووجهها ملطخ بالألوان المائية ويبتسم هو لابتسامتها التى تربك فؤاده

يجلس بجانب زوجته النائمة وفى مخيلته تلك الحورية القابعة بالغرفة المجاورة له تهدد كيانه الرجولي بالإنفجار من جمالها هيئ له الشيطان كل شيء ليتجه إلي غرفتها ويضع يده على مقبض الباب عازمًا على إطفاء النيران المشتعلة به.

تاااابع ◄

أحدث أقدم

نموذج الاتصال