-->

رواية حب خاطئ الفصل الثالث

 

 

 

 -أخبروه أنه لا يلعب في خصلات شعرها بل يلعب على أوتار قلبها-.

دلفت إلى المنزل وهي تترنح يميناً ويساراً بتعب، رؤيتها مشوشة بسبب الحِمي، بالكاد وصلت إلى غرفتها، تسطحت على تختِها القاسى، فتأوهت بألم لكنها لم تتحرك من مكانها من التعب، بل غفيت وهى تتفصد عرقاً من الحِمى وبداخلها حُزناً عميق بسبب فقدانها طفلتها، فهي إن لم تكن تعمل لكانت بحثت عنها في كل مكان لكنها لا تملك وقتاً وزوجها العاق لا يساعدها سوى بأخذ أموالها وإنفاقها على القهوة أسفل منزلهم..



دلف إلي الشقة المُتهالكة ثم عاد أدراجهِ إلى الخارج، بصق على الدرج ثم ولج إلى الداخل وصفق الباب خلفه بعنف ثم ولج إلى غرفتهما وصفع الباب بقوة وألقى جسده على الفراش بتعب من كثرة الجلوس دون فعل شيء مُفيد..
لكزها بذراعه بخفة كي تستيقظ لكن لم تصدر عنها أي ردة فعل..
قال بضجر وهو يدفع ذراعها بقوة: إنتِ يا وَلِية اصحي وفوقي كده حضريلي حاجة أطفحها..
شهقت وهي تعتدل قائلة بلهفة: جـنَّـة..

شخر بسخريه وقال بتثاقل كـ الثمالي: إنشالله ماترجع الفاجرة، أقسم بربي هقتلها لو رجعت السافلة..
بكيت بقهر وهي تعتدل جالسة ثم قالت بحرقة: حسبي الله ونعم الوكيل فيك إنت السبب ولو هربت يبقى بسببك إنت..
صفعها بظهر يده بقوة جعلها تصرخ وهي تسقط من على التخت أرضاً بقسوة: بتحسبني على مين يا ده أنا هربيكِ من جديد إنتِ و الـ الثانية ماشي..

بكَت بقهر وهي تهز رأسها اسفاً عليها هي وطفلتها فهي لم تحسن الإختيار بتاتاً..

سألها بحنان وهو يربت على كتفها: هتفضلى نايمة كده كتير؟
رفعت رأسها عن صدره وسألته بنبرة غلب عليها الحزن: اومال هعمل ايه؟
إعتدل جالساً وهو يربت على شعرها بحنان ثم تحدث مُقترحاً: تقومي و ظبطي نفسك عشان نتعشى برا تغيري جو شوية تمام؟.
أومأت له ثم ابتسمت بخفة وهي تداعب وجنته بنعومة: قوم خُد دُش إنت الأول عقبال ما اجهز اللبس يلا..

أومأ مبتسماً ثم قبل راحة يدها برقة وتركها ودلف إلى دورة المياه، تركت الفراش وسارت باتجاه الشرفة، توقفت داخلها تُدخن لِفافة التبغ بعصبية وإفراط وهي تُمرر أناملها المُرتجفة داخل شعرها وعقلها لا يتوقف عن التفكير قط، ماذا تفعل؟ هل تذهب؟ وتختفي؟ هذا سيكون الأفضل بالتأكيد..

بعد مرور بعض الوقت..
عانقها من الخلف بحنان وأراح ذقنه المُبللة على كتفها بخفة ثم تحدث باستياء عندما رأي لِفافة التبغ بين اناملها: مش هتبطلي بقي عشان صحتك؟
قهقهت بخفة ثم مالت برأسها على رأسه وقالت بصدق وهي تنظر إلى السماء: وعد مني يا قُصيّ هبطلها، هبطلها لما اسيبك إحتفالاً بنضافتي بقي وكده..
إبتسم بخفة وهو يضم قبضته حول خصرها أكثر وأمال جسدها إلى سور الشرفة وهتف بتهديد: أوقعك دلوقتي يعني؟

ضحكت بنعومة وهي تنظر إلى الأسفل ثم قالت بهدوء: وقعني هيحصلي ايه يعني؟ جسمي هيتكسر بس صح؟
قهقه وهو ينظر إلى الأسفل معها وهتف بتفكير: مش عارفة تيجي نجرب؟
أومأت موافقة وابعدته عنها وقالت ببراءه: تمام يلا نُط..

سحبها من خصرها بقوة لـ تصطدم بصدره بحميمية جعلته يبتسم بعبث وقربها من حافة الشرفة وهتف بمكر: إنتِ اللى عايزة تجربي مش أنا، تعرفي شكلك هتموتي واقعة من هنا وأنا اللي هوقعك، ثم وضع يده خلف ظهرها والأخرى أسفل فخذها وحمل جسدها وعلقه خارج الشرفة بمزاح وهو يضحك ثم قال بتهديد: أوقعك دلوقتي بقي؟
لوحت بقدميها في الهواء بسعادة وهي تطوق عنقه بابتسامة وشعرها يتطاير حول وجهها بنعومة جعلته.

يبتسم وهو يراقبها ثم أسند مرفقة على سور الشرفة العريض وتركها في الخارج معلقة بين يديه وقال بتسلية: عارفة لو كوعي فلت دلوقتي هتبقي في خبر كان يا بيبي..
شدّدت قبضتها حول رقبته أكثر وقالت برقة: هفضل ماسكه فيك وهاخدك معايا على فكرة، ثم تابعت بحنو وهي تتأمله: يلا ادخل عشان البرد وشعرك مبلول..

أومأ ورفعها من الخارج وسار بها إلى الداخل بهدوء وهو يداعب أنفه بأنفها بنعومة طابعاً بعض القُبلات الخاطفة على شفتيها..
دلفت إلى دورة المياه تغتسل وظل هو الخارج يرتدي ملابسه..
حاوطت جسدها المُبلل بالمنشفة ووقفت أمام المرآة تنظر إلى إنعكاسها المُشوش الضبابي بفعل البُخار، رفعت راحة يدها وقامت بمسحه و تطلعت إلى هيئتها الهذيله بحزن..

فهي لا تفهم نفسها ولا تفهم قُصيّ وخاصتاً تلك الرقة معها في الآونة الأخيرة؟ هو ليس قاسياً ولم يكن قاسي يوماً لكنها لا تفهم؟ فمعظم الوقت يكون شارداً ينظر لها نظرات عميقة لا تستطيع فهمها! ينظر لها بعمق يثير في نفسها الغرابة والخوف في أنٍ واحد، كل شيء متغير تلك المرة! هل لأنها أتت مُبكرة تشعر بكل شيء منقلب رأساً على عقب حتى هي! لا تفهم؟ هل تعود وتأتي في وقتٍ آخر أم ماذا؟

استدارت وأولت ظهرها إلى المرآة، أسندته على الحوض ومررت أناملها داخل شعرها بعصبية وهي تقضم شفتيها بقوة تفكر بعقل مُشوش وأفكار متضاربة..
إنتهي من إرتداء حِلته الرسمية ثم جلس على التخت ينتظرها لبعض الوقت لكنها تأخرت، أخرج حافظة أمواله الجلدية من جيب سترته وقام بفتحها، ظل يتأمل تلك الصورة التي تتوسط الحافظة وهو يبتسم بحنان..

هتف بحزن وأنامله تداعب وجهها الطفولي البريء: وحشتيني اوي، وماما كمان وحشتني أوي، تنهد بألم ناظراً مطولاً بأسى لا يُريد أن يحيد بنظرة عنها، لقد فارقت الحياة مُبكراً يا أسفاه عليها، أغلق حافظته ووقف واتجه إلى دورة المياه، توقف خلف الباب يسألها لما التأخير..
أخرجها من شرودها نبرتهِ الهادئة العميقة التي أتتها من الخارج: إنتِ كويسة؟
نظفت حلقها ثم قالت بنبرة مهتزة: تمام، تمام، خارجة اهو..

ذهب ينتظرها في الأسفل لأنه بحاجة إلى الإختلاء بنفسه قليلاً، بينما خرجت وجففت شعرها سريعاً وتركته مسدولاً ثم ارتدت جينز أبيض ضيق وقميص فيروزي فوقة كـ عينيها ثم المعطف وأخذت هاتفها وذهبت..
بعد مرور ساعة، كانا يجلسان بالمطعم يتناولان العشاء بهدوء..
سألها بعد تفكير وهو يتناول الطعام: إمتحاناتك هتبدأ امتى؟

تنهدت بإحباط وهي تُحرك الملعقة داخل الطبق دون شهية قائلة بجهل: مش عارفة، ممكن تقريباً تكون آخر الشهر ده مش متأكده؟
ترك الطعام واستند بمرفقيه على الطاولة و سألها بسخرية: وهتعرفي إمتي؟
إبتسمت بهدوء ثم قالت وهي تحدق في الطبق بتركيز: مش هدخل الإمتحانات يا قُصيّ متسألنيش كل شوية بقي..
فعاد يسأل بضيق: ليه هتضيعي سنه من عمرك على الفاضي!

هزت رأسها وهي تبتسم ثم رفعت نظرها له وقالت باستنكار بوجنتين حمراوين من البرودة: طب وايه يعني؟ ما أنا ضيعت أربع سنين و عادي!
تنهد وهو يعقد يديه أمام صدره وقال بعدم رضا: بس كنتي بتروحي الجامعة وبتمتحني كل سنه حصل ايه مختلف المرادي؟
هزت كتفيها بلا مُبالاة وقالت بهدوء مُماثل لسابقه: ولا حاجة أنا عايزه كده، أصلي مش مذاكرة وفي كُتب ناقصاني واكيد مش هجبها قبل الامتحان مش هحصل حاجة؟

أحتضن راحة يدها بين يديه من فوق الطاولة وقال بحنو: لا هتحصلى والكُتب دي انا ممكن اجيبهالك متضيعش سنه على الفاضي عشان هحس بالذنب..
ارتشف بعض المياه ثم قالت بلا مبالاة: متشغلش نفسك بيا يا قُصيّ إنت واحد مشغول مش عارف تلاحق على المشاكل ولا على مراتك اللي مختفية فا خليك في اللي إنت فيه كده أحسن..
وضع يديه على شفتيه وهو ينظر لها بعمق، أتلك غيرة أم جدية فقط لـ يرد عليها الرد المُناسب؟

سألها باستفهام وبعض الترجي سؤالاً لا علاقة له بذلك الحوار بتاتاً: إنتِ مش هتقوليلي برده حاجه عنك؟
أومأت موافقة وقالت بحماس ساخر وهي تمضغ الطعام: لأ، طبعاً هقول، هتعرف كل حاجة بس كُل عشان الأكل بِرد..
إبتسم واحتضن يدها بين يديه بحنان ثم قبل راحة يدها بتملك وهو يسألها: عجبك الأكل هنا؟
أومأت بخفة وهي تبتسم له وتابعت تناول طعامها تحت نظراته الحانية المتأملة لها..

ضم طرفيّ معطفه الثقيل معاً وهو يعقد يديه أمام صدره يراقبهما بابتسامة شيطانية..
أخرجه من شروده صوت النادل بلباقة: أجيبلك كاس تاني؟.
إبتسم سامى بعبث وقال مقترحاً بتفكير: كاس؟، كاس ايه؟ هات إزازة عشان السهرة هتحلو..

فهو عندما تناول طعام الإفطار مع جاسم كما أخبره صباحاً في هذا الوقت القليل جعلتهُ تلك العشق الزائفه يدرك تمام الإدراك أنها ليست عشق!، فمن هذه التي سوف تفقد الذاكرة وتعود محجبة من؟ هل أتت له من مصباح علاء الدين كي تحقق أحلامه؟! هذا مُبتذل!
وما يُحير أكثر حاله جاسم الذي لُعابِه يسيل عليها؟ كيف لم يستطيع التعرف عليها وهو يمكث معها في المنزل طوال الوقت؟ هذا ما لا يفهمه؟!.

هو يتوقع شيءً من الإثنين إما أن يكون جاسم ذكياً كثيراً وقام بكشفها ويعلم أنها ليست عشق وقد أعجبته بسبب شخصيتها الأخذه للعقل وهيئتها المُذيبة للثلوج وقد جعلته يتناسى عشق وهذا سيترك له مجالاً معها! إما أنه غبياً كثيراً ولم يُلاحظها ويصدقها حقاً! وهو يظن أنه الثاني لأن جاسم ساذج كثيراً عندما يتعلق الأمر بها يتحول إلى كُتلة حماقة مُتنقلة..

ماذا يفعل الآن؟ هل يذهب ويجلس معهم؟ أم يذهب ويظل يراقبهما من بعيد حتى يعلم ماهية العلاقة بينهم رُبما تكون صُدفة؟ لكن لن يضر القليل من العبث صحيح؟.

لكن هل عشق تعلم أنه قد تم أخذ مكانها هُناك والجميع سعيد بوجودها بالنسخة المُحدثة التي نالت استحسانهم عِوضاً عن فظاظتها سابقاً! أيخبرها أم أنه سوف يُفجر المُفاجأة ويجرحها هكذا؟ ولما تبدو مُطابقة لها تماماً هي الأخرى؟ وذلك القُصيّ ما به لا يتحرك ساكناً ويبحث عنها؟ أليست زوجته التي هُناك؟ لا يفهم؟
وضع الأموال على الطاولة ثم وقف أخرج الهاتف من جيب معطفه ووضعه بيده ثم أغلق المعطف وذهب..

أخرجها من شرودها صوت إصطدام شيءً بالأرض بالقرب من قدميها، نظرت أسفل الطاولة فوجدته هاتف جوال، انحنت عليه سريعاً، حملته بين يديها وهي تستدير تبحث عن صاحبة بأنظارها، نظرت إلي ذلك الرجُل طويل القامة الذي يوليها ظهره ويسير بهدوء فصاحت به من خلف المقعد بصوت مرتفع نسبياً: لو سمحت، لو سمحت..
اعتلت شفتيه إبتسامة جانبية ثم استدار رافعاً حاجبيه بتعجب متصنعاً البحث عن تلك التي تنادي عليه..

شحب وجهها وارتجفت شفتيها وتسارعت أنفاسها عندما رأته يتقدم وهو يبتسم تلك الابتسامة الإجرامية الخاصة به، عينيها ذاهلين هذه ليست صدفة بالتأكيد..
توقف أمامها وهو يبتسم بهدوء ثم سألها بلباقة: حضرتك نديتي عليا؟ ولا انا متهيألي؟
أطرقت رأسها وحدقت في الهاتف الذي يهتز من ارتجاف يدها بحسرة وهي تزدرد ريقها فاللعنة عليها وعلى أمانتها، ليتها لا تُبصر..

وقف قُصيّ متوتراً ولا يعلم ماذا يقول عندما طال صمتها، فلا يعرف بما يناديها الآن أمامة كي تفيق وتعطية هاتفه؟
مال بجزعة على الطاولة وحاوط كتفها بحنان شاعراً بانتفاضة جسدها بتفاجئ ثم أخذ الهاتف من يدها وناوله له بهدوء: الموبايل بتاعك كان واقع..
أومأ سامي وهو يتناوله من بين يديه وشكره بامتنان وكأنه لايعرفة ومد يدهُ مُصافِحاً: شكراً أوي بجد يا، إبتسم قُصيّ وقال بهدوء: قُصيّ رشدان..

أومأ سامي وهو يبتسم وهتف شاكراً: تمام، مُتشكر أوي، يا، قطب حاجبيه وسأله: المدام اسمها ايه؟
إبتسم قُصيّ بتهجم وهتف بغيره: مالهاش أسم اتفضل خُد موبايلك و امشي، رمش سامي مُتعجباً حِدتِه المفاجئة ثم أومأ وغادر..
ربت على كتفها بحنان ورفع ذقنها بإبهامة كي تنظر له وسألها بحزن: مالك بس سرحانة في ايه؟
ازدردت ريقها واهتزت مقلتيها وهتفت بشفتين مرتجفتين وهي تبتسم بشحوب: مـ، مـ، فيش، هو، هو، خلاص مشي؟

أومأ وهو يداعب وجنتيها بحنان: اه مشي، مالك بقي ايه اللي مضايقك؟ احكيلي؟
هزت رأسها بنفي وهي تلتقط كوب المياه بيدها المرتجفة ترتشف منه بأعين زائغة تجولت على المكان بسرعة وكأن أحدهم سينقض عليها الآن إن لم تنتبه..
جلس وهو يراقب حالتها بعدم رضي ثم هتف بنفاذ صبر: أنا مش مخرجك عشان تفضلي ساكته مكتئبة كده؟ هي مش ناقصة نكد عشان تزوديها عليا لو عايزة ترجعي ارجعي لكن متحسسنيش إنى جبرك على القاعدة معايا؟

ابتسمت بغباء وقالت بانكسار: اومال ايه مش قولتلك سبني؟
تهجمت ملامحه وضرب قبضته على الطاولة بغضب جذب الأنظار ثم هتف بابتسامة ساخرة: ما هو برده مش هسيبك! عشان هترجعيلي تانى، بلاش تاخدي قرارات غبية مُتسرعة..

ضحكت بأعلى صوتها حتى أدمعت عينيها وهي تهز رأسها دون توقف، ثم هتفت بنبرة مُرتجفة تساقطت عبراتها أثرها بحسرة: ده قرار مُتسرع؟ قُصيّ أنا بقالي اربع سنين عايزة أسيبك ومش عارفة؟ عقلي مش بيبطل تفكير تعبت مش مرتاحة! ولا يوم كنت مرتاحة! هتجنن من كُتر التفكير وإنت جاي بكل سذاجة تقولي مُتسرع؟

مرر يده على وجهه بعصبية وقبل أن يتحدث صدح صوت هاتفة، أخذه بغضب لـ يزفر بضيق مُضاعف عندما رأي من ثم تحدث على مضض: نعم يا عمي؟
ابتسمت بسخرية وهي تنظر له بالتأكيد الحوار سوف يدور على ملكة الكون جـنّـة، وهي لا تتحمل فليحترق معها في الجحيم، وقفت بغضب وأخذت هاتفها وذهبت..

توقفت أمام المطعم لـ يلفحها الهواء البارد جعل أوصالها ترتجف، حاوطت جسدها وهي تمسد ذراعيها بخفة تتلفت يميناً ويساراً باحثة عن سيارة أجرة لكن شعرها الفحمي الذي كان يتطاير بقوة حال بينها وبين رؤية شيء
تجمدت الدماء بعروقها عندما سمعت إسمها من بين شفتيه بتلك النبرة الماكرة: رايحة فين!، ذلك الصوت الخشن، تلك النبرة تعرف صاحبها، لقد انتهى أمرها، هي ميتة لا محالة..

تسارعت أنفاسها المُرتجفة بخوف، تراجعت خطوتين إلى الخلف دون النظر له وركضت بكل ما أوتيت من سرعة، ركضت دون توقف وهي تنظر خلفها كل برهة وأخرى برعب بأنفاس متلاحقة وهي تبكِ بحرقة لا يُجب عليه أن يمسك بها إنه مريض، إصطدمت بجسد صلب أمامها جعلها ترتد إلى الخلف، صرخت بخوف ثم نظرت إلى ذلك الغريب بهلع بيّن على ملامحها وهي تلهث هازة رأسها بهستيريا ثم سقطت مغشياً عليها..
بعد مرور بعض الوقت..

كان جالساً بجانبها على طرف الفِراش يربت على شعرها بحنان، حركت جفنيها ببطء ثم فتحت عينيها بتثاقل لـ تنتفض جالسة على الفراش وهي تتلفت حولها بذعر..
هدأها بحنان وهو يربت على شعرها: إهدي أنا جنبك..
نظرت له بتعب ثم ضمت نفسها وبدأت تهتز وسألته بنبرة مرتجفة: هو فين؟ قالك ايه؟
سحبها لأحضانه كي توقف عن الاهتزاز وقام بسؤالها وهو يتنهد بحزن: هو مين ده؟

سقطت عبراتها وشهقت بألم، وجسدها ينتفض بخوف ثم قالت وهي تتشبث بملابسه: سامي، كان بيجري ورايا، هيخطفني..
هز رأسه نفياً ثم رفع وجهها عن صدره وكوبه بين يديه مداعباً وجنتها بحنان وهتف بنبرة مطمئنة: أنا اللي كنت بجري وراكِ..
توقف جسدها عن الاهتزاز مع اتساع عينيها المرهقة، ثم نظرت له بتيه وهتفت بنبرة مرتجفة: ازاي؟
أعاد شعرها خلف أُذنها وهتف بحنان: إنتِ أعصابك تعبانة لازم تريحي نفسك شوية..

دفعته عنها وصرخت به بعصبية مفرطة وأعين جاحظة بانفعال: كنت إنت إزاي؟ إزاي؟
تنهد بنفاذ صبر ثم قال بهدوء: أنا قفلت التليفون وخرجت وراكِ سألتك رايحة فين لقيتك جريتي مني؟
هزت رأسها بهستيريا وعادت تبكِ: لأ مش إنت مكنتش إنت أنا متأكده و عارفة..
جذب رأسها إلى صدره وحاوطها بحنان وهو يهدأها: هششششش، إهدي، إهدي..
دفعته عنها بقوة وأمرته بحده وهي تشهق: امشي وسيبني مش عايزه أشوفك..

هز رأسه نفياً وقال باستنكار: إنتِ مش كويسة؟
صرخت به وهي تترك الفراش وتوقفت أمام المرآة: ملكش دعوه إنت مش من بقية أهلي أخرج برا أخرج..
هز رأسه رافضاً هذا وقال بحدة وهو يدحجها بغضب: مش خارج مش هسيبك وإنتِ كده!

رفعت المقعد الخشبي الموضوع أمام المرآة بانفعال وضربته في المرآة بقوة لـ تتهشم وتطايرت شظايا الزجاج في أرجاء الغرفة، انحنت وحملت قطعة زجاج حادة وقبضت عليها بقوة كادت تجرح يدها ثم وضعتها على رقبتها وهددته بتعب وأعين حمراء دامية مرهقة من كثر البكاء: والله هقتل نفسي وهجبلك مصيبة هنا أخرج برا..

نظر لها برفض بيّن فضغط أكثر على رقبتها وهي تنظر له نظرة خالية من أي حياةٍ أو أملٍ، فهي ستفعلها حقاً إن لم يبتعد...
أومأ لها بطاعة وهو يترجاها: هخرج بس سبيها سبيها..
صرخت به وتشنج جسدها وهي تضرب الأرض بقدمها بعنف: أخرج برااااا، يا إلهي تلك المجنونة..
هز رأسه سريعاً وتركها وغادر نهائياً..

ألقت قطعة الزجاج من يدها وسقطت أرضاً تبكِ بضعف وهي تشهق تضم جسدها إليها علها تدفء نفسها ولو قليلاً، هي بحاجة إلى الراحة تحتاجها بشدّة!.
توقفت عن النحيب بعد بعض الوقت، سارت بترنح حتى وصلت إلى الفراش، جلست عليه؟!، لا بل ألقت جسدها عليه ثم فتحت درج الكومود وأخذت بعضاً حبوب المهدئ الملاصقة إلى حبوب منع الحمل في الدُرج الموشكة على النفاذ..

أخذتها مع ارتشاف بعض المياه ثم تمدّدت كي تنام وقليلاً فقط وتقوست على نفسها في منتصف الفراش وهي تغرز أناملها في قلبها بملامح تنكمش بألم أكثر فأكثر بسبب نبضاته السريعة المؤلمة التي تشعر بها كُلما أخذت المهدئ وتلك الحبوب الأخرى الأثنين يجعلان قلبها يتألم فوق آلامه النفسية..

تحدث في الهاتف بنفاذ صبر للمرة الألف: يا مرات عمي، من الآخر كده جـنّـة معايا ومش مُختفية وإحنا خلاص إتجوزنا متخافيش عليها! حاضر هجبهالك تشوفيها..
اغلق الهاتف وهو يتأفف ثم ضغط أحد الأرقام بوجوم وتحدث بعصبية عندما جاءه الصوت من الجهة الأخرى: كل ده يا بهايم ومش لاقينها ايه انشقت الارض وبلعتها؟! بديكم فلوس عالفاضي أنا؟ لو معرفتش مكانها في اقرب وقت هعرفكم شغلكم كويس..

نظر في ساعة معمصة قليلا، ثم تنحنح وقال بهدوء: آسف يا جماعة لازم أمشى عشان عندي شغل مستعجل..
نظرت له والدته بدون تعبير ثم أبعدت نظرها عنه بسخط كأنه ليس طفلها ولا يشبهها حتى، بينما تالين عبست لأنه هو من يضحكها في هذا العشاء الثقيل على قلبها..
سأله مصطفى وهو يُراقب ارتدائه معطفه مستعداً إلى الذهاب: مش هتوصل سالي؟

إبتسم آدم لها بهدوء وهتف باعتذار لها تحديداً: معلش يا سالى هعوضهالك مرة ثانية، أومأت له بخفة وهي تبتسم بخجل، فتابع مُمازحاً شقيقة: وصلها انت النهاردة أنا ياما وصلت مراتك..
أومأ له موافقاً وهو يضحك وقال باستسلام: المرة دي بس عشان عندك شُغل..
أومأ له وهو يبتسم ثم مال ووضع يده فوق حجاب والدته برقة متحكماً برغبته في خنقها ثم قبل جبهتها مطولاً كـ ولدٍ مطيع يعشق والدته..

رفع رأسه ونظر لها بتحدي وهتف وهو يبتسم: جهزي لـ خطوبتي أنا وسالى ياست الكُل، أومأت وهي تغتصب أبتسامة أمام الجميع ثم ربتت على صدره وقالت بحنان مصطنع أصابه بالغثيان: طبعاً يا حبيبتي هو أنا عندي أعز منك أنت وأخوك! يلا روح شغلك وخلي بالك من نفسك وسوق براحة، ضحك من كل قلبه كأنهُ استمع إلى ما هو فكاهي الآن، فإن كان بيدها لنزعت له مكابح السيارة كي تنقلب به ويموت وينتهي الأمر!، أو تتمنى حدوث زلزال قوى يهدم المبني فوق رأسة، مثير للسخرية ذلك الحنان المصطنع..

أومأ لها وهو يسعل بخفة كي يوقف ضحكة السخيف ثم لوح إلي تالين وهو يبتسم وهتف بحب: مع السلامة..
ابتسمت ولوحت له بالمثل لـ يقع نظرها على والدته ذات الوجه الممتقع، فأنزلت يدها سريعاً ونظرت إلى الاتجاه الآخر بخوف فهي مُرعبة، كيف كانت تُربي أطفال هذه؟ هل تعرف البسمة أو ما يسمى بالدلال حتى؟

نظر مصطفى إلى سالي التي كانت تحدق في ظهر آدم وهو يسير بإعجاب، أعادت نظرها إليهم بعد إختفاء آدم لتجد مصطفي ينظر لها وهو يبتسم وكأنه يهنئها من أجل حصولها على شقيقة..

توقف بسيارته بجانب الطريق قليلاً ثم ترجل منها وهو يمسك مؤخره رأسه بألم، بصقت في أثره بِبُغض بعد أن خرج ثم نظرت على المقعد الخلفي للسيارة تنظر إلى طفلتها الغافية بحنان، ذلك اللعين هذا لن يتزوجها على جثتها أن تتركها له..

تحركت قليلاً وهي تتأوه بألم ثم إلتقطت قنينة المياه من بين يد نادين الساقطة بجانبها، أفرغتها على مقعده وهي تبتسم بتشفي ومازالت تشعر بجسدها المتهشم ذلك الهجمة سوف يموت علي يديها، ألقت القنينة من النافذة وظلت تنظر منها بهدوء وهي تفكر بعمق على ما هي مُقبلة عليه..

زفرت بألم وهي تحاول التحرك لكنها لم تتحمل الألم فبكيت وهي تضع يدها على وجهها، تشعر بأن ظهرها منقسم إلي نصفين، لقد هَشَم عمودِها الفقري، لم يكتفي بيدها فقط..
استقل السيارة من جديد حاملاً حقيبة بين يديه بها أشياء، نظر لها بتعجب عندما رأها تبكِ، لما تبكِ؟.
سألها بتعجب: حماتي مالك بتعـ، قاطعه قولها بحرقة وهي تتألم: ربنا ينتقم منك يا عمّار ربنا ينتقم منك..
رمش متعجباً ثم سألها بعدم فهم: أنا عملت حاجة؟

صرخت به وضربت صدره القريب منها بقوة جعلته يتعجب أكثر: إنت بريء مبتعملش حاجة خالص احنا اللي وحشين يا حيوان..
مرر يده على وجهه بنفاذ صبر ثم ألقي الحقيبة أمامة على تابلوه السيارة وهتف بهدوء وهو يمد يده لها: هاتي ايدك..

صفعت يده وهي تشهق كالأطفال فـ هدر بصوتٍ جهوري فجأة أفزع الاثنتين: ناديييييييين، انتفضت فزعاً عن المقعد وهي تتلفت حولها بخوف ثم زفرت بضيق عندما رأت كل شيء بخير، حكت شعرها بنعاس وقالت بتثاقل وهي تتثاءب: في ايه يا عمّار بقي؟
هتف بنبرة قاسية وهو ينظر إلى ليلى بحدة: في حزام جنبك هاتيه..

اتسعت عينيها و إرتجف جسدها بشكل غير ملحوظ وتسارعت أنفاسها الدافئة ثم شحب وجهها وهربت الدماء من عروقها وهي تنظر كـ الفرخ الصغير هل سيضربها أمام إبنتها ذلك الوقح عديم التربية؟
أخذه من يدها ورفعة بين يديه وهو يحدق به بنظرات شيطانية عميقة تحت نظرات ليلى الخائفة وهي تزدرد ريقها بحلق جاف..

فغرت فاهها عندما وجدته يرفع جسده عن المقعد قليلاً وهو يقول بعبث: البنطلون هيقع يا حماتي لامؤاخذة يعني لازم البس الحزام، قهقهت نادين عليه وعادت إلى النوم من جديد..
بينما ليلى تنفست الصعداء وهي تضع يدها على فمها بأعصاب تالفة، مُطلقة زفيراً مُرتجفاً من بين شفتيها، ذلك اللعوب اللعين، سيتوقف قلبها بفضله في يومٍ ما..

قطب حاجبيه عندما شعر بذلك البلل تحته، رفع نفسه وجلس على المقود بتعجب وهو يميل بجذعه إلى الأمام يرى ما هذا..
نظر إلى ليلى ثم قال بشك: ايه يا حماتي سبتي الدنيا كلها وجاية تعمليها على الكرسي بتاعي؟
نظرت له والشرار يتطاير من عينيها لـ يقع نظرها على الهاتف الخاص به موضوع على التابلوه يصدر منه وميض خافت، اختطفته سريعاً كـ طفلة ووضعته على المقعد في المياه ثم نظرت من النافذة دون إهتمام كأنها لم تفعل شيء..

رمش ذاهلاً وهو ينظر لها بفاه فاغر ثم إنفجر ضاحكاً وهو يرى وجهها المحتقن بحمرة غاضبة، تلك المرآة حقاً لا يعلم؟ ما هذا؟!
زفرت بضيق والتفتت تنظر له بحدة وهي تلعنه ذلك البغيض يضحك، سحقاً له يظن أنه وسيم و يظهر جاذبيته بتلك الضحكة، معه حق، هو وسيم ويملك ضحكة جذابة لا يستحقها، الخنزير..

أخرجها من شرودها قوله بتسلية: ده ضد الماية يا حماتي متتعبيش نفسك، ثم مال قليلاً وأخرج منشفة برتقالية وجفف المقعد وجلس براحة ثم مد يده أمامها وعرض عليها من جديد وهو يرفع حاجبيه بتحذير أن ترفض: هاتي أيدك يا حماتي..

نظرت له طويلاً بـ عسليتيها في ظلمة السيارة عدى من ذلك الضوء المنبعث من خارج النافذة أستقر على وجهه جعل خضراويه تلمع وهو ينظر لها بدوره صانعين تواصلاً بصرياً تأمل من خلاله ملامحها الرقيقة وعينين الغزال خاصتها المأخوذة من أكثر الغزلانِ جمالاً، مُدللة تسير بغنج أنثوي يغوي من يراها بلا استثناء، هي بالفعل غزالاً من أعلاها لأخمص قدميها، غزالاً مُتأصلاً، سيقوم باصطيادها في يومٍ ما! وبعدها؟ بالتأكيد سيلتهمها بِنهم..

حيّد بنظره عنها عندما ألمته عينيه من الضوء في الخارج، ثم قال بخفوت: أيدك يا حماتي..
بللت طرف شفتيها بلسانها ثم قالت بتردد: عشان تكملي عليها صح؟
ابتسم وقال لها بهدوء بنبرة مطمئنة لم تُريحها: أنا هادويكِ يا حماتي..

قضمت شفتها السفلية وهي تنظر إلى يده من فوق أنفها المُدبب ثم مدت يدها إليه ببطء وملامحها تنكمش بالألم أكثر، إقترب هو أكثر وأمسك يدها برفق فـ شهقت وعادت تبكِ من جديد بألم وهي تسند ظهرها على المقعد تنظر خارجاً وعبراتها تنساب بحرارة على وجنتيها..

تنهد شاعراً بتأنيب الضمير لكن قليلاً فقط ليس كثيراً، فهي من تملك لساناً سليطاً وكلمات لاذعة!، رغم أن رأيها به لا يهمهُ كثيراً وتلك الكلمات لا يعبأ بها ألا إنها أغضبته حقاً!.
أراح يدها على فخذه بخفة وتحدث بهدوء وهو يقوم بوضع الجبيرة لها: الحمار اللي ربطلك رباط ضغط ده عايز قلمين مُعتبرين عشان كان لازم دكتور..
حركت رأسها ونظرت له بدون تعبير ثم قالت بشفاه مرتجفة: طيب واللي عمل في ايدي كده عايز ايه؟

إبتسم بعبث وقال بهدوء كـ هدوء ملامحة: أكيد عايز يتجوز بنتك!
لويت شدقيها وسألته بخفوت كـ حملٍ وديع: قول لنفسك أنت الأول؟ ليه تعمل كده في واحدة إنت عايز تتجوز بنتها؟!.
هز رأسه وهو يقهقه بخفوت على ذلك الهدوء ثم قال بسخرية: عليكم حاجات انتوا يا ستات! ما أنا كنت خنزير وزبالة؟، والله عيب عليكِ يا حماتي، الواحد نفسه يحترمك ويترعب لما يشوفك كده لكن أقول ايه بقي لسانك متبري مِنيكي..

أستنشقت ما بأنفها ثم قالت بحرقة: ماشي ياعمّار ماشي..
رفع حاجبيه وهو ينظر لها بتعجب هل أصبحت صديقته أم ماذا؟ عمّار! ضحك بسخرية عندما سمع بقية حديثها: عمّار الكلب ماشي..
هتف وهو يهز رأسه باستياء: تعرفي اني طيب اوي وعلى نياتي! يلا بقي رديلي الجميل..

نظرت له بعدم فهم وهي تحرك أهدابها المُبللة بتعجب فتنهد وأشر على رأسهُ ثم على ذراعها: أنا خلصتك من ألمك دلوقتي وهتخفي المفروض بقي تخلصيني أنا التاني من ألمي وتنضفي جرح دماغي ده..
محت عبراتها بضيق ثم نظرت له بتلك الوجنتين والأنف المتوردة بدون تعبير وقالت ببرود وهي تمرر يدها السالمة على الجبيرة: مش إنت السبب في الألم ده؟ يبقي لازم تداويه!.

اعتلي ثغرة ابتسامة عابثة ثم قال وهو يضع يده على مؤخرة رأسه يوقف النزيف: طيب ما إنتِ السبب في الألم ده برده ويبقي لازم تداويه، خلصانة، من أفسد شيءً فعليه إصلاحة يا حماتي، ودي قاعدة عندي، وقبل أن تتحدث مال بجذعه مقرباً رأسه منها ليتسنى لها رؤية الجرح جيّداً لـ تتغلغل رائحته الرجولية الجذابة أنفها ثم أخرج القطن من الحقيبة وسكب عليها المُطهر وناولها إياها دون التحدث..

لعنته بضيق وهي تكتم أنفاسها بسبب رائحته التي ترجف قلبها، أخذتها منه بيدها السالمة وقالت بتهكم: ما تحطها طالما عملت كل ده جي علي دي و ايدك بقِت قُصيرة يعني؟
قهقهة وقال بهدوء: قلة أدب بقي معلش لازم أخد حقي..

وضعتها على الجرح بخفة ثم ضغطت عليه بقوة جعلته يتأوه فقضم شفتيه وكتم تأوهه وهو يتوعدها ثم قال بسخط: لاحظي إني طويل و رقبتي هتوجعني و هيجيلي غضروف خلصيني!، تجاهلت قوله ظلت تنظف الجرح ببطء وكأنها لم تسمعه قط..
زفر بضيق شاعراً بأنفاسها الدافئة التي تضربه، تشعره بالضيق، لا يُحب هذا!، وذلك العطر الهادئ، أنه ياسمين خالص..

حرك مقلتيه الماكرة ونظر بجانبه ليقابلة صدرها المُلاصق لأذنه وهي ترتدي ذلك الثوب الضيق شقيق البقية، تنهد بحرارة وهو يتساءل بنفسه ماذا سيحدث إن أراح رأسه علي صدرها الآن وأخذ قيلولة ما المشكلة؟ أليست والدته؟ وهذا واجبها توفير الراحة لأطفالها؟، إنه طفلها ما المشكلة؟!.
قهقهة على أفكاره البذيئة وهو يهز رأسه جعلها تسأله بضيق: بتضحك على ايه يا منيل؟، بالتأكيد لا تريد أن تعرف حقاً..

قهقهة أكثر وقال بتسلية: حلوه يا منيل دي حلوه منك يا حماتي..
تنهدت عندما إنتهت بسلام، ثم مدت أناملها الرقيقة أسفل فكة لـ تتغلغل ذقنه المشذبة، رفعت رأسهُ أمامها وقالت بهدوء وهي تنظر له: كده نبقي خالصين، أومأ بخفة و أبعد رأسهُ عن وقع يديها بضيق، فهو يكره أن يلمسه أحداً دون وجه حق ولا بحق لا يحب هذا، هو فقط من يلمس ما يشاء، اعتدل جالساً وهو يحمحم وعاد إلى القيادة من جديد بهدوء..

كان يقود بسرعة غير مُنتبهاً على المَزْلق المُنخفض الممتد بعرض الطريق لإجبار السيارات على تخفيف سرعتها، إرتفعت السيارة بقوة ثم هبطت بعنف جعلتها تصرخ وهي تضع يدها على خصرها فأوقف السيارة على جانب الطريق وسألها بضجر: ايه تاني؟
أطبقت عينيها بقوة وهي تهز رأسها ضامة قبضتها بعنف حتى إبيضت عروقها ثم قالت ببطء وكأنها تتهجى: أ، شو، ف، فيك، يوم، يا، بعيد، ضهري مش حاسة بيه..

نظر لها بطرف عينيه ثم عرض عليها وهو يعود إلى القيادة: أعملك مساج تدليك أو حاجة كده؟
قضمت شفتيها بقهر وهي تنظر له لتصرخ من جديد عندما قابله مزلق من آخر..
صرخت به بألم: أمشي براحة ضهري بيوجعني..
تنهد وسار ببطء وهو ينظر لها بضجر ثم قال بسخط: ماهي نادين قمر اهي ونايمه ولا كأن فى حاجة حصلت..
هتفت بتثاقل وهي تبتسم: والله إنت اللي قمر يا حلو إنت يا حلو..

إبتسم وبعث لها قبلة في الهواء فضمت قبضتيها معاً كـ قلب وهتفت بحب: قلبي يارب، قهقهة عليها ثم نظر إلي ليلى بازدراء وعاد يضحك وحده عندما أبعد نظره عنها..

أنهي تأمله إلى القمر وهو يبتسم ثم أنزل نظره إلى الأسفل لـ تلتقط عيناه تالين تجلس على الأرجوحة في الحديقة وحدها تحاوط جسدها بوشاح ثقيل..
بالتأكيد شقيقة نائم الآن يطلق شخيراً غير عابئًا بها..

إبتسم وهو يراقب شعرها كيف يتطاير أثر مداعبه الرياح له أفضل من أي عاشق قد يفعل، فكم يُحب تأملها وهي هادئة هكذا تتأمل ذلك القمر شبيهها، رفع نظره إلى القمر من جديد لـ تتسع إبتسامته الجذابة، لقد علم الآن لما ليس مُكتمل! لقد ترك قطعةً منه بمنزلهم يُجب أن يعتني بها تقديراً وإحتراماً له..

هو لن ينسى يوماً هيئتها الملائكية عندما رأها أول يوم عملٍ لها وقد جعله الأخير، لقد كانت ضعيفة وهزيلة كي تتحمل العمل القاسى وتوبيخ صاحب العمل لها كل خمس دقائق!، لم يكن هذا السبب وحده كان سببه الوجيه حقاً نظرات صاحب العمل لها لقد كانت نظرات بذيئة وماكرة متربصة بكل حركة تصدر منها، خشِي عليها قبل أن يعرفها، هو لم يحتج أن يعرفها هي خطفت قلبه من الوهلة الأولى بتلك البراءة والعفوية، لقد كانت زهرة متفتحة، هي بالفعل مازالت زهرة متفتحة، لكنها أوشكت على الذبول وسوف تذبل إن لم يلحقها وينتشلها من تلك الحياة، فإن شقيقة لا يحسن مراعاتها ولا سقيها كي ترتوي جيّداً، لكن هو يستطيع فعل هذا بسهولة ويرحب بتلك الفكرة..

يوجد كثيراً من الأشياء المشتركة بينهم هي تشبهه، هو الأحق بها لكن والدته، فليلعنها الله في كل وقت وكل ساعة تلك الظالمة، لقد حرمته من دفء أحضانها صغيراً ومن دفء حبيبتهُ كبيراً حرمتهُ من كل شيء لكنهُ لن يكون آدم إن لم يجعلها تتحسر على كل شيء وخاصتاً إبنها الكبير..
إستفاق من شروده لـ يجدها إختفت من الأسفل، نظر في أرجاء الحديقة بلهفة لكنها اختفت، تباً..

مسد جبهته بضيق ثم زفر وركل سور الشرفة بغضب لـ يقاطعه صوتها الرقيق وهي تسأله باستفهام: متعصب ليه يا آدم؟
نظر بجانبه بتفاجئ ثم إبتسم بسعادة وسألها بأعين براقة: طلعتي إمتي؟
ابتسمت وهي تمد يدها له وناولته قدح قهوة ساخن: طلعت لما شُفتك واقف بتبص عليا..
إبتسم وسألها بتفكير: ايه رأيك في سالي؟
اختفت ابتسامتها وقالت بهدوء: حلوا، كويسة، وتابعت بمزاح: بس مش احلى مني..

ضحك ببحة رجولية وقال وهو ينظر لها بهيام: طبعاً مش أحلى منك، متخلقتش اللي احلى منك لسه..
توردت وجنتيها بخجل وهي تضم قدح القهوة بقوة ثم رفعته إلى شفتيها وارتشفت منه وهي تتجنب النظر له بارتباك..
سألها من جديد وهو يأشر على الغرفة: مصطفى نايم؟

أومأت بضجر وهي تلوك بشفتيها ثم قالت بسخط ظنت أنه لم يلاحظه لكنه لاحظه، بالتأكيد سيلاحظه فعينيه لا ترى غيرها ونظرته لا تتربص بِـ سواها، وكم هذا أسعده: مش بيعمل حاجة غير النوم ريح نفسك..

ابتسم واقترب أكثر من السور الفاصل بينهما، وضع قدح القهوة عليه ثم توقف أمامها مباشرةً، ومن دون سابق إنذار رفع يده وداعب وجنتها برقة وهو يبتسم بحزن ثم هتف بحنان كان كـ لغة آمرة أيضاً وهو ينظر داخل عينيها مباشرةً: أحسن، خليه نايم، أنا مش عايزه يلمسك تاني ممكن؟

تلون وجهها في حمرة شديدة وتحركت أهدابها في ذهول من تلك الجرأة وذلك الطلب الغريب بالنسبةِ لها وأكثر من عادٍ بالنسبةِ له! حركت شفتيها كي تتحدث وعينيها تتجول على ملامحة لكنها أعادت إغلاقها مجدداً عاجزة عن إيجاد الرد المناسب لما يقول؟.
تابع هو وهو يبتسم: عارف إني بفاجئك بكلامي بس أُعذريني أنا بحبك وبغير عليكِ إطلقي!.

توقف جانب الطريق من جديد مع صدوح صوت أذان الفجر، أطفأ مُحرك السيارة وهو يردد الأذان وفتح الباب كي يترجل من السيارة..
نظر إلى نادين الغافية بابتسامة ثم نظر إلى ليلى المُستغرقة في نومها، أسند مرفقة على المقود وتأمل ملامحها الناعمة بعمق وتفكير، فكيف يخرج هذا الحديث اللاذع من بين شفتيها الصغيرتين المثيرتين كيف؟ لا يعرف؟.

مرر لسانة على طرف شفتيه في محاولة لكبح تلك الرغبة في تقبيل تلك الوجنتين الورديتين وقرصها..
أطبق جفنيه بقوة وهو يضم قبضته حتى إبيضت عروقه مُبعداً رغبته في تقبيلها لكنه لم يبعد رغبة قرصها!.

مد يده بخفة إلى وجنتها كي يقرصها كـ طفلاً منزعجاً لكنه توقف وعلق يديه في الهواء وقام بصفعها براحة يده الأخرى زاجراً نفسه بحدة، زفر وتجهز للذهاب وهو يرمقها بسخط فهو توقف من أجل الصلاة وتلك اللعينة عطلته كـ إبليس تماماً، سُحقاً لها..
فتحت عينيها بتثاقل عندما شعرت بتوقف السيارة ورأته يذهب، سألته بنعاس: عمّار! إنت رايح فين؟
نظر لها ثم قال بهدوء: رايح أصلى الفجر..

رمشت بسرعه تستوعب ماقال وطار النوم من عينيها ثم سألته باستنكار: إنت! بتصلي؟!
رفع زاوية شفتيه بجانبيه و سألها بسخرية: إنتِ قاعدة مع جرجس ولا ايه؟ ده انا رايح أصلى؟
نظرت له مطولاً وهي تُضيق عينيه ثم قالت بهدوء محاولة ألا تضحك: ربنا يوفقك، بارك الله فيك يا شيخ عمّار هههههههههه..
قلد ضحكتها بسخرية وقال بتهكم: بلاش إنتِ تلاقيكِ مش حافظة الفاتحة أصلا!

كادت تتحدث لكنه قاطعها بضجر: ناميلك شوية قبل ما نوصل عشان هنوصل الصبح ومش هتعرفوا تناموا مش هتلاقوا فُرصة أصلا للنوم غير بليل وتبقي فكريني أخلي مرات عمي تعالج ضهرك..
سألته بتعجب: ودي هتعالجو ازاي؟
هتف بتسلية وهو يترجل من السيارة: هتقف عليه هتعالجة ازاي يعني، وصفق الباب في وجهها وذهب..
يعلم أن أي أحد لو رآه وعلم كونه يقضي فروضة سيتعجب لكن لما؟ هل سُمعتهُ الجميلة تسبقة كثيراً؟

هذا لا علاقة له بهذا؟ تلك شخصية بغيضة وهذه فريضة لا علاقة للأمر بها؟ المشكلة الوحيدة التي يواجهها هو ذلك الوشم الذي يمتلكه، لقد كان صغيراً ولم يكن يعرف؟!
لعنته بضيق وهي تعود إلى النوم من جديد وهي تتمتم بامتعاض: قال بيصلي قال يروح يربي نفسه الأول النكرة، الخنزير، الخرتيـ، قاطعها صوت نادين الثقيل المتذمر: حرام عليكِ والله يامامي عمّار جميل..

قلبت عينيها بضيق ولم تتحدث فتابعت نادين وهى تبتسم: طب بزمتك مش جنتل مان يا ماما وملو هدومة..
رفعت ليلى زاوية شفتيها بسخرية وهتفت بسخط: ده هيفرتك هدومة مش ملو هدومه، قهقهت نادين بنعاس ثم قالت بخفوت قبل أن تثقل مجدداً: متنكريش أن رغم كل ده هو عاجبك برده، أصلك مش هتوافقي عليه وإنتِ كارهاه أصلاً..
هتفت ليلى من بين أسنانها بهمس تُسمع نفسها: ما إنتِ مجربتيش الحزام! اللى ميعرفش يقول عدس فعلاً..

في السادسة صباحاً..
إبتسم وهو يقود ببطء يتمايل بالسيارة بسبب عدم إستواء الطريق يحدق من النافذة مُراقباً عربات الخيول التي تسير في السوق، والضوضاء المفتعلة من البائعين مع تلك التي تعترض على الأسعار والأخرى تتشاجر مع أطفالها بضيق، والآخر الذي يسير بالطبول ويصيح كي يبيع العسل الذي معه وتلك العجوز التي تسير ببطء تتحدث بالترهات كما يقول الجميع لكنها ليست ترهات بالمرة..

أفزعهم ذلك الرجل التابع إلى غفر عمّار الذي أدخل رأسه من النافذة السيارة وتحدث بصوت مرتفع أفزع ليلى وهو يسير مع السيارة: حمد الله علي السلامة يا سِيدي البلد نَوّرِت والله حمد الله على السلامة، يا عمـ، دفعته ليلي من رأسه بضجر بسبب طنين أُذنها أسقطته أرضاً وهي تقول بحدة: خلاص هي الأملة جت يعني..

قهقهة عمّار وتابع القيادة بهدوء، إعتدلت نادين بجلستها وهي تتثاءب ثم قالت بإعجاب وهي تحدق بأحد المنازل الكبيرة الضخمة دوناً عن البقية: حلو أوى البيت ده يا عمّار..
إبتسم وهو ينظر له ثم تحدث ساخراً: ده بيت عيلة النِتِن..
قهقهت نادين ثم سألته باستفهام: اسمها عيلة النِتن بجد؟
ضحك وهو يهز رأسه: لأ، أسمها عيلة الطحاوي، بس عملوا حاجات كده ومن ساعتها بقى اسمهم النِتِن ومتقلقيش عشان هتسمعي عنهم كتير أوي..

أومأت وهي تحدق به بإعجاب ثم سألت والدتها: شوفتيه يا مامي؟، مامي!، مامي!.
وضعت يدها على كتفها جعلتها تنتفض ثم نظرت لها بوجه شاحب وسألتها باستفهام: ايه ياحبيبتي في ايه؟
عبست نادين قائلة: لأ، إنتِ مكنتيش هنا خالص!
أومأت لها بهدوء وهي تمرر يدها على وجهها: معلش يا حبيبتي كُنت سرحانة..

أومأت لها بهدوء وهي ترتب شعرها وجلست تراقب الطريق حتى توقف عمّار بعد إن فتح له الحارس بوابة المنزل الحديدية أمام منزل أكبر ثلاث مرات من الذي رأته مُنذ قليل، إنها سرايا، فغرت فاهها بذهول وهي تحدق بها ثم ترجلت من السيارة سريعاً ووقفت تشاهدها عن كثب بفاه فاغر ما هذا؟ يا إلهي ماهذا الجمال والفخامة؟ لم يطرق باب مخيلتها بتاتاً أن تمكث بهذا المنزل الجميل؟ إنها سرايا جميلة بطريقة مبالغ بها كيف يترك كل هذه الفخامة وجمال الطبيعة ويأتي إلى المدينة المُزدحمة؟ ذات الهواء الملوث بسبب دخان محركات السيارة!

تأملت لون طلاء الجدران الأبيض الزاهي تحت ضوء الشمس ثم ذلك الدَرج المصقول بالرخام الموصل إلى المدخل الموضوع به جلسات أرضيه شعبية من أجل فصل الصيف والجلوس في الهواء الطلق مُحاطة بِسور عريض، ثم بوابة المنزل و بعدها بهو المنزل الكبير المنقسم بفضل السلالم الموصلة إلى الأعلى إلى غُرف النوم..

النصف الأول يوجد بها نوافذ بطول الحائط وبعض الستائر الثقيلة الفخمة فوقها، وهناك بعض الجلسات الأرضية المتماشية مع ألوان الطلاء والأثاث الداكن وشاشة عرض كبيرة، يتناولون بها الطعام والشراب معزولة عن النصف الآخر بـ باب زجاجي يُجر غير مكشوفة ولا يظهر مابداخلها لمن بالخارج، في داخلها يوجد باب في زاوية يوصل إلي دورة المياه يساراً ويميناً المطبخ وهناك باب في زاوية المطبخ ملحق بدرج يوصل إلى الأعلى لأن لا أحد يمر وينزل من على الدَرج الأساسى عندما يكون هناك اجتماعات عائلية، وباب ثاني مُلحق بِدَرج يوصل إلى خلف المنزل، وباب ثالث مُلحق بِدَرج يوصل إلى الأسفل تحت الأرض في المكان المُخصص إلى الخدم...

أما النصف الآخر خُصص إلى الإجتماعات الخاصة وحل الخلاف بين العائلات هُنا، ملِئ بالأثاث القاسي المُناسب لمن يجلس علية عدي ذلك المقعد المريح في المنتصف الذي يرهب كُل كبيراً وصغيراً كـ صاحبة، قاسي لا يعرف الرحمة..

أما الطابق الثاني مقسم نصفين نصف يملكة والد عمّار في آخر الرواق لا يذهب إليه أحداً كثيراً سوى والده والخادمات من أجل التنظيف و النصف الآخر أخذه عمّار تاركاً منهُ حُجرتين واحده ملاصقة له إلى حجرته والأخرى بعيدة قليلاً، أما حجرته إضافة إلى أنها واسعة مُرتبة أنيقة فهو لا يمكث بها بل يعيش في جناحة الذي خصصه له عبر ذلك الدَرج الخشبي المخفي أسفل بلاط أرضية الغُرفة يوصله إلى الأسفل جناحة بحق، جناحة الملوكي الذي خصصهُ إلى نفسه، فهناك حياة أخرى أسفل المنزل تقريباً، الجميع يعرف بشأنها عدى جناح عمّار..

أما الطابق الثالث فهو مخصص إلى عمه وزوجة عمه فقط..
أما خلف المنزل فيوجد إسطبل يوجد داخله الخيول الخاصة به وأبرزهم ذلك الخيل الذهبي النادر الذي كلفه الكثير حقاً، وبداخل ذلك الأسطبل وخاصتاً أسفل ذلك الخيل المُميز تحت مكان وقوفة تحديداً باب أرضي سِرى يوصل إلى جناحه لا يعرف طريقة غيره..

يميناً الإسطبل ويسارا بوابة المطبخ الموصلة إلى بوابة المنزل الخلفي، وأمامهم فارغ لا يوجد به سوى أرض خضراء خاوية ينبت بها بعض الأعشاب الصغيرة وفي المنتصف كوخ دائري من الأغصان القوية يبعد عنهم رُبما عشر دقائق سير وهو خاص بـ عمّار أيضاً يختلي بنفسه داخلة، صغير من بعيد ويبدو متهالك وسيسقط لكنه كـ صاحبة يتحمل أكثر من اللازم، تطل عليه شُرفة عمّار وشُرفة الغرفة المحاذية له..

أما الشرفة التي تطل على الطريق العام و المنزل والحرس فهي ملك والده..
أخذت صفعة خفيفة على وجنتها من قِبل ليلى وهي توبخها عندما رأتها تكتم أنفاسها: إتنفسي يا حمارة في ايه شُفتي قصر؟ ايه يعني عادية جداً متحسسهوش أنه ورانا عجيبة من عجايب الدُنيا السبعة؟
ضحك وهو ينظر لها ثم قال باستياء: وحشة اوي من جوا يا حماتي..

أمسكت نادين ذراعه وهتفت برجاء وهي تنظر له بأعين القطط خاصتها كي تستميلة: لما نتجوز اكتبلي السرايا دي يا عمّار بليز..
ضحك بخفة وهو يحاوط كتفها: شكلك داخلة على طمع بقى يا بنت ليلى، أومأت بسعادة وهي تتشبث بذراعه وسارت معه إلى الداخل وليلى خلفهما وهي تتأوه بألم، من الجيّد أنها استطاعت الترجل من السيارة دون تعب، ومن حظه الجيّد أنها لم تسمع قوله أيضاً..

سبقت خطواته وصعدت الدرج بحماس، فقهقه عليها وذهب خلفها أوقفها ثم سحبها من ذراعها متجهاً بها خلف المنزل وتحدث مُبرراً: تعالي مش بندخل من هنا مش شايفة العربيات! في ناس أكيد جوا إنتِ محتاجة تتعلمي القواعد إنتِ والساحرة الشريرة اللي ورانا..

=: سمعاك يا خرتيت، هتفت ليلى بِبغض، قهقهة بخفة، توقف أمام الباب المطبخ الخلفي ثم ركله بقدمه بخفة ودلف وهو يتلفت حوله يحدق بالفتيات التي تعمل وتتحرك هُنا وهُناك وهو يبتسم باحثاً عنها بعينيه..
صاح فجأة جذب الأنظار له: توحشتكم يا بجر..
صرخت تلك الفتاة التي تُجدل شعرها وتضع فوقة حجاب شفاف ارتدته بإهمال ترتدي عبائة صعيدي متسعه..

وقفت من وسطهم وركضت له بسرعة البرق وهي تصرخ: واه، عمّاااار، ضحك وفتح يديه على مصراعيها لتقفز بأحضانه وهي تضحك مطوقة خصره بقدميها لـ يحاوط ظهرها من الخلف بدوره وهو يضحك..
قطبت نادين حاجبيها بانزعاج وهي تضع يدها بخصرها بينما ليلى لويت شدقيها وهمست بخفوت إلي إبنتها: هو ده الصعيدي أبو دم حامي؟!
هتفت بسعادة وهي تكوب وجهه بين يديها: توحشتك جوي جوي جوي يا عمّار..

ضحك وهتف بسعادة: إنتِ أكتر يا بجره بتعملي ايه عِندِينا وفين جوزك؟
هزت رأسها بعدم إهتمام ثم هتفت بابتسامة وهي تمرر أناملها على وجنتيه: جوزي ايه دلوك؟ إنت بس لو توافج تتجوزني أطلِج وأتجوزك ياجمر، ايه الحلاوة ديّ يا خلج يا هو..
قهقهة وهو يضرب جبهته بجبهتها: جولتك يابت إنك أختي الكَبيرة مبتفهميش ليه عاد؟

لويت شدقيها وعدلت قوله بضيق: بِزْيداك عاد يا واد عمي؟ همه خمس سنين عُمي! وبعدين اللي عيشوفني ماهيجولش إني كبيرة يا جحش إنتِهِ..
رفعت ليلى حاجبيها وهي تنظر لها هل تلك بمثل سنها؟
صرخت بألم وقفزت عندما وجدت حذاء والدتها التي تعرفة جيّداً يهوي على مؤخرتها بعنف وهي تزجرها بحده: يا فاجرة يا بت الفاجر مش جولتلك إتحَشمي جوزك دمهُ حامي وعيغير عليكِ ولو شافك عيبجي فيها دم؟

وضعت يدها بخصرها وهي تحركة بدلال وهتفت باعتراض: واه واه واه يبجي يتحددت وِلِد المحروجة ولا يفتح خَشمه عاد! ده واد عمي وعيبجي جوزي انشاالله..
ضربتها مجدداً بقوة وهتفت بغيظ: بتتجصعي كومان يا جليلة الرباية!، ضحك عمّار وهو يراقبهم لـ تتوقف أخيراً زوجة عمه وهي تلهث ثم رفعت رأسها له..
فتح يديه على مصراعيها وقال بحنان: سِت الناس..

تقدمت تحت إبتسامته التي تحولت إلي ضحكات عندما ضربته بالحذاء هو الآخر وهي تشتمة بِغل: بجي يا ناجص تغيب كل الغيبة ديّ ولا تسأل ولا تجول إنك راجع؟، هملني..
ضحك وهو يعانقها عنوة وهتف بحنان: توحشتك جوي جوي يا أم عمّار، توحشني وَكْلِك، ضربته بالحذاء الذي استقر بين يديها خلف ظهره وهي توبخه: الوكل هو اللي توحشك يا ناجص مش أني..

ضحك وهو يضمها إليه أكثر بحنان فقبلت كتفه وربتت على ظهره وسألته بحُب: كيف حالك يا وَلدي..
إبتسم وهتف يطمئنها وهو يقرص خصر ذهب: الحمدلله بخير، صرخت وهي تستدير إليه لتصرخ بها والدتها بحدة: اكتمي يا فاجرة..
ضحك عمّار وهو يفصل العناق ثم سألها بحنو: عاملين ايه من غيري؟ مزجططين وَلِّيه..
هزت رأسها وقالت بحزن: لاه يا حبيبي لاه كل حاجة ماصخة من غيرك أنا مجدرش على فراجك عاد..

قبل رأسها بحنان وهتف بوعد: ما عُدتش ههملك واصل يا غاليه، تعالي أعرفِك على الضيوف..
إستدار ونظر خلفه ليجد نادين تقف تنظر له بوجه أحمر وعدم أتزان وليلى تحدق في الأرض بريبة فقال بشك وهو يضيق عينيه: إنتوا كنتوا بتضحكوا؟
هزت نادين رأسها وهي تمسك أرنبة أنفها ثم أنفجرت ضاحكة بشدّة جعلت ليلى تضحك معها وهي تلكزها بذراعها بخفة كي تصمت..

إبتسم وهو يراقبهما كيف تضحكان بسعادة وخاصتاً ليلى فإنها تملك ابتسامة جميلة رقيقة جذابه، من الجيّد أنها ضحكت هذا جيّد، توقفت عن الضحك ثم رفعت رأسها وهي تبتسم لـ تخترق عسليتيها اللامعة خضراويه البراقة إختراقاً بلا هوادة، فهو مُختلف هُنا يبتسم أكثر، سعيداً أكثر، لقد تلون وجهه و دبت الحياة داخله من جديد عندما قابل أحبائه، عينية تبرق بسعادة، وشفتيه لا تتوقف عن الحراك أثر ضحكاته المتسلية دون أن يخفيها عن وقع أنظارهم، تلك المقلتين تلمعان ببريق من نوعٍ خاص لم تراه من قبل، هي لا تستطيع وصفه سوى، إنه مُختلف..

بالطبع سوف يكون سعيداً بعودته ومتغيراً للأفضل فماذا سيحدث إذاً إن قابل حُب حياته؟ هذا يستحق أن نفكر به قليلاً..
أبعدت نظرها عنه وهي تبعد شعرها خلف أذنها بتوتر تحت نظرات دَهب الماكرة التي كانت تراقبهما بثقب لـ تتحدث حُسنه والدتها تسأله: مين الجمرتين دول ياوَلدي؟

ابتسم عمّار وقال بهدوء: عروستي وأمـ، وبتر قوله تقدم حُسنه منهما بسعادة، عانقت ليلى بقوة وهي تبتسم ثم قبلتها بشعبية قبلتين قلبتين على وجنتيها بالتناوب وهي تقول بفخر: كيف الجمر يا وَلدي يازين ما اخترت ومين ديّ أُختها الصِغيرة؟، مرر عمّار يده على وجهه عندما رأي نظرة ليلى المتعجبة له بينما نادين كانت تضحك ببلاهة وهي تراقبهم..

فقال بهدوء وتحدث مُصححاً الخطأ: لاه يا أم لاه، دي حماتي ليلى ودي نادين بِتها العروسية أنا جبتهالك مخصوص عشان تخليها كيف الوظووظِه علي الفرح..
ابتسمت حُسنه بفرح ثم عانقتها وقبلتها بحُب: من عنيا التِنين يا وَلدي، إبتسمت نادين بخجل وهي تنظر لها، بينما هو إقترب و قبل أجفان زوجة عمه بالتناوب وقال بحنان بالغ لا يخرج سوى معها: تسلمي..

ثم نظر إلي ليلى ونادين وتحدث يعرفهم على بعضهم البعض: دي مرات عمي وكُله هنا بيقولها أم عمّار وياريت تقوللها إنتوا كمان كده، ودي دهب بنت عمي متربين مع بعض واختي الكبيرة..
قاطعته دَهب بضجر: بس متجولش اختك بس..
ضحك ثم تابع وهو ينظر إلى ليلى: زيك كده يا حماتي..
أومأت له بهدوء وقالت بابتسامة: إتشرفنا..

إبتسمت حُسنه ثم فتحت فمها ورفعت يدها أمام شفتيها، وبدأت تزغرد بسعادة وصوت واضح مرتفع و واحد إثنان ثلاثة وأطلقوا جميع خادمات المنزل ودهب، زغاريد سعيدة تُرحب بهم كانت هي من افتتحتها لهم..
ضربت نادين قدميها في الأرض بحماس وهي تبتسم وتكاد تبكِ قابضة على معصم ليلى: مامى أنا حبيتهم أوي مش همشي من هنا، هزت ليلى رأسها بفقدان أملٍ من تلك الحمقاء، هل تظن أن حياتها سوف تكون زغاريد ومُزاح فقط؟!

أخذتهم حُسنه إلى الداخل وهي تربت على ظهر ليلى بحنان قائلة برفق: قوضكم هتكون فوج جار النبي حارسهُ وصاينهُ عمّار وَلدي ومتجلجوش هُما عيجيبوا الشُنط من برا، نوِرتونا والله يادي النور يا دي النور..
تحرك عمّار إلى الداخل خلفهم لكن يد دَهب التي أمسكت ذراعه أوقفته وهي تسأله: عمّار، متوكد من الجوازه ديّ؟
نظر لها بتعجب وسألها باستفهام: ليه العروسية مش عاجباكِ ولا عِفشة؟

هزت رأسها وقالت بضيق: لا ديه ولا ديه يا واد عمي، العروسية زينة وأُمها كومان زينة؟
أومأ بهدوء وهو يحدق بخضراوتيها الكريستالية التي تتآكله وتنظر له بشك يعلمه جيداً، لـ يقول بعدم فهم: مليش صالح بيها زينه لنفسها وعِفشة لنفسها يا بت عمي!

ضحكت وهي تعقد يديها أمام صدرها وهزت رأسها بأسف وقالت بخزلان: بجي إكِدِه يا واد عمي بتدس عليِّه؟ تكونش فاكرني مش عارفاك إياك! الجوازة ديّ غلط وأكبر غلط كومان عشان إنت مش عاوزها هيّ يا عمّار!
زفر بضيق وسألها بوجوم: إنتِ ايه اللي جابك إهنِه؟ أنا هروح أجول لجوزك عملتي ايه خليه يجتلك وأرتاح منيكي معلوم؟
هزت رأسها مُوافقة وقالت وهي تبتسم: معلوم يا واد عمي، معلوم..

وصمتت قليلاً تتبادل معه النظرات ثم قال بتفاجئ عندما تذكرت: صوح نسيت أجولك، خليل الطحاوي بيحوم حوالين عمي عشان عاوز يجوزك ندى بِتُه..
تهجمت ملامحه، وانقبض قلبه وخفق بقوة أغضبته من نفسه ثم قال بضيق: مليش صالح ومش موافج..
ضحكت بسخرية وهي تنظر له، ثم رفعت يدها وفارقت بين فتحتي قميصه من على صدره قليلاً لـ تتسع ابتسامتها أكثر عندما رأت طرف حرف الياء من ذلك الوشم مازال محله..

هتفت بسخرية وهي تنظر له من أعلاه لأخمص قدميه بتفحص وكأنها تخبره أن يخجل من نفسه: لِساك باجي عليه يا واد عمي؟ مش جولت لما تنزل مصر المرا دِيّ عتشيله؟، أغلق أزرار قميصه بضيق، هو أحمق لأنه تركة مفتوحاً من البداية..
قال وهو يتهرب من نظراتها التي تُحاصرهُ وتكذِبهُ: المرة الجاية، أنا روحت لكن الألم واعر جوي وما هجدرتش أتحملهُ واصل..

ضحكت وهي تضرب يديها معاً متعجبة وقالت مشدوهة: واه، واه، ده الوجع دِيه بالنسبالك جِبرة في جوم جش يا عمّار؟ جرالك ايه عاد؟
وتابعت بعويل وهي تحرك حجابها بين يديها: عمّار الصعيدي بيدجلِع وعيجول ماجدرش يتحمل؟ بتدس على مين يا عمّار ده أنا اللي مربياك..
فقال بضجر وهو يدفعها من أمامه: ما هي تربية ناجصة على رأي أُمك..

هتفت من خلف ظهره قبل أن يذهب: عمّار الجواز مش لعبة وجرِر واختار إنت عايز مين؟ ليلى ولا نادين ولا ندي إحنا مش بنلعب إهنِه معلوم؟ عشان ولو جالو إنك عتتجوز ندي عتتجوزها اجباري! ولو إنت عايز نادين عتتجوزها بردك، لو عتتجوز أربعة عتتجوزهم يا عمّار ومحدش عيجولك لاه! بس أنا خبراك و عارفه إنك مش عايز غير واحدِة! جلبك ماعيزش غير واحدِة بس ياعمّار وإنت خبِرها عاد وأكتر مِني يا واد عمي..

تركها وصعد إلى الأعلى بملامح متجهمة وهو يلعنهم جميعاً هو لن يتزوجها لن يفعل، سوف يقوم بذلها وإهانتها إن وقعت بين يديه، سيثأر من أجلهم، هي لن تكون سوى خادمة للجميع وجارية له هذا إن أراد، فمن فقدهم لم يكونوا أشخاصاً عابرين أو بلا قيمة وأهمية لديه؟ لا بل كانوا أشقاء، فهو سوف يذيقها الويلات وخصوصاً أنها إبنه ذلك اللعين، خليل الطحاوي، ندى خليل الطحاوي، إن عادت سوف تندم، فهو ليس متفرغ كي يحيي حُبها داخل قلبه، لكن هل هو مات من الأساس داخله كي يحيي؟

طرق على الغرفة الملاصقة إلى غرفتهِ بهدوء وهو يبتسم واضعاً يده على المقبض ثم أداره بخفه وكاد يدلف لكن اوقفه صوت حُسنة الحاد وهي تنزل الدرج: واه إنت بتهَبب ايه عِندك يا جِلف؟.
ضحك عمّار وهو يلتفت ثم سألها باستفهام: مش ديّ جوضة نادين؟
هزت رأسها بنفي وقالت وهي تتقدم منه: لاه مش جوضتها ديّ ديّ قوضة أُمها!

أخذ شهيقاً طويلاً أخرجه في ضحكات متقطعة بعصبية وهو يحك طرف حاجبيه ينظر لها ببلاهة لاعناً حياته أجمع ثم سألها وهو يصفق بيديه: ليه يا أم عمّار ليه؟
رفعت حاجبيها وزجرته بحده: شوف جليل الرباية الناجص عاوز ليه خطيبتك تبجي جنبك؟ يا جليل الحيا لسه بدري عـ الكلام دِيهِ خلى حماتك جنبك عشان تُشكمك شوية..
لطم وجهه بخفة معترضاً: تُشكم ايه ديّ دِي الفساد كُله إنتِ ما تِعرفيش حاجة يا أم عمّار ما تِعرفيش حاجة..

قالت بهدوء وهي تقرص صدره: عرفني يا ولدي سمعاك، ثم أبتسمت عندما تذكرت وتابعت: صوح يا واد أنا عطيتها خلجات من بتاعة دَهب جبل سابج..
هربت الدماء من وجهه وسألها بشحوب وهو يزدرد ريقه: جَبل سابق كيف جَبل ما تتجوز؟
أومأت وهي تبتسم فأعاد ببطء: يعني عبايات دَهب الدَيِجة مع حماتي دلوك وعتلبس مِنيهم؟
أومأت له وهي تبتسم لـ يضرب كفية معاً وهتف وهو يهز شفتيه إلى الجانبين بشعبية: الله، يا أم عمّار، الله..

صاحت به بتعجب عندما وجدته يذهب بعيداً: ماتفوتنيش يا واد رايح فين؟
هتف بضجر وهو يفتح باب غرفته: أنا هنعس شوي إيكش أتحرج وأخلص من كُل دِيهِ جاكم الهم، ودلف وصفع باب غرفته..

في الإسكندرية..

تنهد وهو يغلق الهاتف بنعاس ثم وضعه بجانبه كي يعود إلى النوم لكنه لم يستطع، نهض وتوجه لدورة المياه، فعل روتينة اليومي، توجه إلى الأسفل فوجد والدته تحضر الإفطار وجـنّـة ليست في الأرجاء لم تنزل بعد، ابتسم وعاد أدراجه وصعد إلى الأعلى كي يوقظها، فتح الغرفه والإبتسامة تعتلي ثغرة لكنها اختفت في نفس الوقت عندما لم يجدها ووجد الفراش مُرتب وكأنهُ لم يمس، هل فعلتها مُجدداً وتركته وذهبت؟ بحث عنها في دورة المياه لكنه لم يجدها فنزل للأسفل وسأل والدته بقلق: ماما مشفتيش عشق؟!

استدارت والدته وردت وهي تبتسم: عشق! ورايا أهي؟، نظر خلفها بلهفة فوجد جـنّـة تقف خلفها تتناول إحدي ثمرات الفاكهه وهي تلاعب له حاجبيها بعبث فتنهد براحه وهتف بغيظ: خضتيني عليكِ، عندي خبر وحش ليا وحلو ليكِ..
قطبت حاجبيها ثم تقدمت ووقفت أمامهُ، أسندت مرفقها على البار الفاصل بينها بمرفقها ورمشت بعينها الناعسه مُنتظره أن يتحدث: الامتحانات إتقدمت وهنطر إننا ننزل القاهره..

أومأت بهدوء فسألها بتعجب حقيقي: إيه مش مبسوطة؟!
ضحكت برقة وبررت جمودها: بتقول إمتحانات اتبسط إزاي؟ وبعدين أنا مش فاهمه حاجه هدخل أكتب إيه؟!
مسد جبهته وهو يفكر بعمق ثم تحدث باستسلام: حتي لو روحي وحاولي..
أمسكت يده وهي تبتسم ثم قالت باقتراح: إيه رأيك ادخل أمتحن في هندسة؟!
رفع حاجبيه وهو يبتسم وقال بتعجب: يا سلام وإسم حضرتك نجيبهُ منين؟!

تنهدت بحزن وغمرت وجهها بين راحة يديها وقالت بإحباط: عندك حق مش مهم بقي، ثم هتفت بحماس فجأة: دلوقتي أطلع أجهز شنطة هدومي؟!
قهقهة عليها ثم مال وقبل أرنبة أنفها برقة مع قولة: أطلعي يا قمري..

في القاهرة..
دلف إلى الشقة، يسير على أطراف أصابعه كي لا يحدث صوتاً وتستمع له، يحمل معه حقيبة بها بعض الملابس المُحتشمة من أجلها، يعلم أنها سوف تثور لكن لا يملك حلاً غير هذا ويُجب أن تُساعده..

أدار مقبض غرفة النوم لـ يسعل عندما أمتلأت رأتيه بالدُخان المُضر بالصحة، زفر وهو يلوح بيده يبعده عن وجهه باحثاً عنها بعينيه في أرجاء الغرفة، هي ليست هُنا، هل ذهبت؟، أم بدورة المياه؟، لكن الغرفة مُرتبة عادت كما كانت في السابق عدي من تلك المرآة المهشمة..

تنهد وتقدم إلى الداخل، جلس على التخت ثم وضع ساعديه خلفه على الفراش الناعم يستند عليه ومدّ ساقة جعلها تلامس الأرض ضاغطاً على كاحله من داخل حذائه الأسود الأنيق اللامع المُشابه لـِ ملابسه..

خرجت من دورة المياه لـِ تبتسم بعبث عندما رأته، تقدمت منه بمنامها البيضاء العارية ثم جلست على الفراش وأسندت ظهرها على جزعه الخشبي و مدت ساقيها الناعمين على فخذه لـِ تتسع إبتسامته الماكرة ثم رفع يده ومررها على ساقها العارية صعوداً ونزولاً بـ نعومة يُتابعها وهي تخرج لِفافة تبغ من علبتِها الخاصة المُلحقة بالقداحة ووضعتها بـِ فمها كى تُشعلها، من جديد! من الجيّد أنها بخير وتناست أمس..

إختطفها من يدها و هتف بشفتيه المُثيرة لـ يطرب أُُذنها بصوته الرجولي الأجش المُنزعج بسبب ما تفعل: مش قُلنا تبطلي السجاير؟ وايه كل اللي في الطفاية ده؟ بتنتقمي من نفسك؟
إرتفع حاجبها الأيسر بإعجاب مع زاوية شفتيها الصغيرة اللامعه ثم ضيقت عينيها وسألته ساخرة: وده يهمك في حاجة؟
إبتسم بمكرٍ شديد ويده أخت طريقها إلي فخذها هاتفاً بنبرة لعوب: طبعاً ياسمك ايه؟

هربت ضحكة من شفتيها رغماً عنها بتلك الرقة التي رُكبت بها وهي تشعل لِفافة التبغ ثم وضعتها بفمها ورفعت نفسها و أقتربت لـِ تكون مُقابلة له ثم نفثت الدخان بـِ طعم الفراولة بـِ وجهه بتسلية وهي تضع لفافة التبغ بين أناملها النحيفة تُقهقه دون توقف جعلته يزفر وهو يُراقبها فكاد يتحدث لكن قاطعه قولها بتسلية: بس حلوة ياسمك ايه دي حلوة!

نظر لها بـ عُمق وهو يقطب حاجبيه الكثيفين المُبعثرين بطريقة مُحببة إلى قلبها وقال بامتعاض وهو يقرص ساقها بخفه: ماهو لو إنتِ تبقي زي الناس الطبيعية وتقولي إنتِ مين وأسمك ايه كان زماني دلوقتي بدلعك كمان لكن إنتِ مش عايزة تقولي! وأنا عند وعدي مش هدور وراكِ خلاص خالصين!

هزت رأسها بعدم إهتمام وأعادت إسناد ظهرها للخلف ورفعت نظرها تحدق في السقف بـِ شرود وكل برهة وأخري ترفع يدها وتستنشق ذلك السُم فمن دونه سوف تجن..
كُل ما جال بخاطرها في هذه اللحظات زوجها الذي يعشقها كـ إسمها تماماً وهي تركته خلفها بكل سُهولة ومضت في طريقها ولم تعبأ به ولا تعلم كيف ستكون نهاية هذا الطريق أيضاً أو نهايتها حتى؟.
استفاقت من دوامة أفكارها على صوت صفيرهُ.

لـِ تشرد بـ ملامحه الجذابة التي أخذتها إلى عالمٍ آخر لا يوجد به سواهُ هو وخفقاتِها المُتألمة ويا ليته يشعر بها..
هزت رأسها كي تستفيق من ما يحدث بداخلها كُلما رأته، لملمت شتات نفسها ثم همّت بالتحدث وسألته بهدوء وهي تغمز له بعبث: مقولتش جي ليه يعني؟

حك طرف ذقنه التي أصبحت تحكهُ الآن لـِ تعلم أن هُناك ما يود قوله فهي تفهمهُ دون أن يتحدث تعلم أن هُناك ما يُريده دون أن يبذِل مجهود بإظهار هذا! هي معه مُنذ أربع سنوات فكيف لن تنتبه على إضطراباتهِ و إنفعالاتهِ كيف؟
تنهد ورفع نظره لها وقال بنبرة هادئة إستشعرت بها الرجاء وهو يحرك أهدابه وكأنهُ يُفكِر بشيءٍ ما: عايز منك خدمة! توافقي؟

رفعت حاجبيها بتفاجئ وهي تنظر له ثم ربعت قدميها وجلست بانتباه وسألته ببعض السخرية: قُصي باشا رشدان محتاج مساعدتي أنا! لأ مش مصدقة!
قهقهة بخفة وهو ينظر لها ثم قال بقِلة حيلة مُصطنعة: شوفتي الدُنيا؟ ها هتساعديني؟
هزت كتفيها وقالت بتفكير وهي تعود إلى وضعيتها السابقة بعدم إهتمام: علي حسب ما تطلب وكل حاجة بمقابل خليك فاكر..

رفع حاجبيه وتحرك ببطء وبدأ يسير علي الفراش بـ ركبتيه كـ أحد الضِباع المُتربص بـِ فريستهُ فـ تتحركت تلقائياً وعادت إلي الخلف لـ يُحاصرها بين يديهِ عندما أراحها على الوسادة وسألها مُستنكراً بخشونة وهو يميل عليها بجذعه أكثر: مُقابل؟ ومن إمتي وأنا بستناكِ تطلبي يعني؟، ثم قرص خصرها بإحدى يديه بِخفة جعلها تضحك برقة وتابع بمكرٍ: إنتِ بتاخدي كُل حاجة؟ مفيش حاجة لسه مخدتيهاش!

هزت رأسها بنفي صانعة معه تواصلاً بصرياً وهي تقول بنبرة عميقة غلف عليها الحُزن والأسى: لأ لسه في حاجة مش عارفة أخدها منك ومش مُتأكدة إذا كُنت هاخدها في يوم من الأيام ولا لأ!
إبتسم بجانبيه وهو يتأملها ببطء وتروي وأهدابة تتحرك تاركة المجال إلى قهوتيه الآسرة تتأمل ملامحها الناعمة وخاصتاً ذلك الأنف المُدبب الذي تضع به أحد الأقراط الفضِية دون التخلي عنه..

مال كي ينهل من رحيق شفتيها الذي إشتاق له كثيراً لـ يبتعد سريعاً عندما شعر بِسقوط بقية لِفافة التبغ على إحدي يديه فقال بضيق وهو يأخذها وأطفأها بالمطفأه الزُجاجية الموضوعة على الكومود قبل أن تشعل الفراش بهما ويتفحموا هُنا: مش هتجبيها لِـ بر إنتِ والقرف اللي بتشربيه ده قال دكتورة قال بلا نيلة!
قلبت عينيها وهي تهز رأسها بقلة حيلة من نفسها ثم سألته وهي تداعب أنفها بِأنفه: عاوز إيه بقي؟

تنحنح وطلب منها بهدوء ولم يتخطى حديثة دقيقة لـ يجدها وقفت بعصبيه وظلت تقطع الغُرفة ذهاباً وإياباً كـ طائر جريح ولم تكتفي بهذا بل أخرجت لِفافة تبغ جديدة بعصبية و أشعلتها بِأنامل مُرتجفة وظلت تدور وتدور وتدور حتى مرت نصف ساعة تقريباً وهو يجلس على الفِراش يُراقبها بِبرود حتى أطفأتها بِعصبية وهي تدعسها بِـ سبابتِها بِعُنفٍ أكبر ثم صرخت به بِحِدة وهي تُحذره بِـ سبابتِها: بقولك إيه يا قُصيّ رشدان! أنا مش هيه إنت فاهم؟ وعُمري ماهكون أصلاً متحاولش تخليني هيه عشان مش هسمحلك وطلبك مرفوض روح لِـ حد غيري!

وقف عن الفِراش وهو يزفر ثم دار حولها ببطء كـ أحد المُحققين وهو يعقد يديه أمام صدره قاطباً حاجبيه يُفكِر ثم قال بكل بساطة وبرود دون أن يعبأ إن كان سوف يجرحها بِكلماتهِ أم لا: طيب ما إنتِ عُمرك ما هتكوني زيها ولا ضُفرها حتى مفيش داعي للكلام ده بقي!

هزت رأسها بِعصبية وقالت له بابتسامة باردة شبيه لِخاصته: كويس إنك عارف وأنا منفعش! روح دور عليها وشوفها فين يمكن متطلعش الشريفة اللي إنت عارفها وهربت مع واحـ، صرخت بِألم عندما صفعها بظهر يديهِ بِقُوة مع قوله بتحذير وخشونة: دي أخر مرة تتكلمي عنها و تجيبي سيرتها علي لسانك فاهمه ولا لأ؟ دي أنضف من ميت واحده زيك؟

قهقهت بِهستيريا وهي تنظر له ثم دفعته من صدره بِقوة فاجأته مع صُراخِها بِحِدة: إنت بتضربني عشانها؟! أخرج برا أخرج براااااا..
نظر لها بدون تعبير ولم يتزعزع ولا تحرك من مكانهِ خُطوة واحدة بل قال لها بِسُخرية: دي شقتي!

هزت رأسها وهي تتنفس بِعُنف ثم دارت في الغرفة وقفزت أمام الخزانة عِدة مرات حتى أنزلت حقيبتها من فوق الخِزانه وفتحتها مع صفعِها إلى ضلفة الخزانة بِقُوة ثم لملمت ملابسها بِعصبية بينما هو لم يكن هُنا بل كان يتفرس جسدها البيّن أمامه ببذخ بِنظراتٍ داكنة لا تظهر سوى لها وعندما يراها فقط والآن كل ذرة بِجسدهِ تُريدها فلا يستطيع الإستغناء عنها مهما حدث فهو يعود لها كُل مرة وكأنها زوجته لقد أدمنها!.

استفاق من شرودهُ على تلك الرياح التي هبت من النافذة ضربت وجهه جعلت من خُصلاتِها الفحمية الغزيرة تتطاير خدرت جميع حواسه عندما وصل له رائحتها الطيبة أثناء مرورها من جانبه بِسرعة وغضب..
جذبها من معصمها بِقوة أعادها أمامه من جديد وهتف بضيق: خليكِ رايحة فين؟ بطلي شغل الاطفال ده!، ثم حاوط خصرها بِقوة جعلها تصطدم بِصدره وهتف بِعبث وهو يداعب خصرِها بِنعومة: مش التفاهه دي اللي هتخسرنا بعض!

نزعت يدهُ من حول خصرها بِعُنف وهي تنظر له بِبُغض ثم قالت بِكُره: الكلام ده كان زمان ورأيي هيفضل زي ماهو صدقني مش هتطلع الشريفة العفيفة اللي إنـ، وصرخت بألم عندما قبض على شعرها بِعنف وهز رأسها بين قبضته بِقوة مع سماع صوت صرخاتِها المُتألمة التي ازدادت بشكل ملحوظ مُمتزجة بِصوت صُراخه بِقُوة وحِدة أمام وجهها بِعنف: أنا مش قولتلك متتكلميش عنها تاني؟ مش بتسمعي الكلام ليه؟ ولا لـ، بصقت على وجهه بِتقزز جعلته يغلق عينيه بِنفاذِ صبرٍ وهو يصك أسنانه بغضب..

فتح عينيه التي أصبحت لهيباً مُشتعلاً وقبضته على شعرها تزداد قُوة كادت تقتلعه من منابتهُ لـ تقول له باستحقار بِنبرة خرجت مُرتجفة على وشك البُكاء: ماهو الشخص الزبالة كده مش بيختار غير المُحترمين عشان فاكر إن كُل الناس زبالة زيه..
قرب رأسها من وجهه أكثر وقبضته ما زالت تعتقل شعرها بقوة جعل عيناها تدمع من الألم بينما عيناه كانت مُعلقة على شفتيها بِجوع لـ يهتف باشمئزاز.

و إحتقار حطمها: لأ، الزبالة بتختار النظافة عشان زهقت من الزبالة اللي معاها يا زبالة فهمتي؟!، وهجم على شفتيها فجأة يُقبلها بِقوة ونهم مُعتقلاً خصرها بين قبضتيه الفولاذية عوضاً عن شعرها دون سابق إنذار فـ حركت رأسها بِِقوة وهستيريا وهي تدفع صدره لكن بلا فائدة!

فـ هوت بيدها على وجنته صفعته بقوة مع تساقط عِبراتها بألم جعلت وجهه يلتف للجهة الأخرى وهي تقول بِتقزز: إبعد عني يا قذر، ضحك بِبحة رجولية وبصوت رنان مُرتفع ساخر وهو يهز رأسه ثم لعق شفتيه بتسلية ودحجها باستحقار بالمعنى الحرفي للكلمة من أعلاها لأخمص قدميها وقال بِخشونة وإزدراء وكأنها لا تسوى فِلساً: اهي دي بقي الرخيصة لما تحاول تعمل لِـ نفسها سعر لكن علي مين؟ يا بت ده أنا قُصيّ رشدان فوقي!

أدمعت عينيها وقالت بنبرة مرتجفة وهي تنظر له: أنا عارفة إنت مين كويس مش محتاج كل العصبية دي عشان تقول إنك قُصيّ رشدان!
زفر وهو يحدق في السقف بنفاذ صبر ثم قال لها بتهكم: على الأقل أعملي حاجة حلوة في حياتك!
انفجرت ضاحكة وهي تهز رأسها بتفهم رغم بكائها من ثوانٍ فقط ثم سألته باستفهام: والمقابل؟
قلب عينيه وقال بعدم إهتمام: اللي إنتِ عايزاه!

فقالت وهي تعقد يديها أمام صدرها: إفرض معندكش الحاجه اللي أنا عايزاها ومعرفتش تجبهالي هعمل إيه؟!
رفع حاجبيه وهو ينظر لها باستنكار! أهُناك ما يعجز عن جلبه حتى؟ سألها باستفهام: وإنتِ محتاجه ايه هيبقي صعب للدرجادى؟!
ابتسمت بألم ونظرت له بفيروزتيها التي ينبعث منها الحُزن داخل قهوتية مباشرةً وأردفت وهي تضع يدها على قلبة النابض: ده أصعب مما تتخيل يا قُصيّ..

أومأ بهدوء وحقاً أراد أن يعلم ما هذا الشيء كثير الصعوبة الذي يصعب عليه لكن لتفعل هذا من أجله أولاً..
أردف بنبرة هادئة مخالفة إلى ثورانة قبل قليل: أنا موافق علي أي حاجه بس اعمليلي الخدمه دي..
أومأت موافقة وأردفت بهدوء: عاوز ايه بالظبط بقى؟
تحمحم مُنظفاً حلقة ثم قص عليها بهدوء ما سوف تفعل وهو يناولها الحقيبة ومع انتهائه مباشرةً وجد الحجاب الذي كان بالحقيبه ملتصق بوجهه بسبب إلقائها له عليه..

زفر وأنزله عن وجهه وتحدث بضيق: في ايه تاني؟!
صرخت بوجهه بحدة: في إنك عاوزني أبقي واحده ثانيه عاوزني أبقي زي جـنّـة بتاعتك لكن أنا مش جـنّـة ومش هبقي فاهم مش هبقي هي!
هب واقفاً وصرخ بها بعصبية مُفرطة: وأنا مقولتلكيش تبقى جـنّـة بقولك مَثِلي إنك جـنّـة عشان فى واحدة هتموت لو مشفتهاش إيه كمان مش عاوزه تعملي حاجه عِدله في حياتك؟!، أعادها مجدداً لِثانِ مره يقول هذا و يثبت ويؤكد لها بشاعة ما تفعل..

ضحكت بسخريه وهي تمرر يدها بشعرها بعصبية وتحدثت بأنفاس مرتجفة من الانفعال: طالما انا مش بعمل حاجه كويسه في حياتي إيه اللي هيخليني أعمل دلوقتي مفيش فرق؟!
أبتسم وأمسك يدها وهتف بهدوء: لا في فرق إنتِ بتعملي كده عشاني..
هزت رأسها وهي تحملق به ثم هتفت باستفهام: إنت مين إنت معلش؟!

زفر ومرر يدهُ على وجهه بضيق وهتف بضجر: برده هنرجع للموضوع ده تاني؟! أنا مش بعمل كده عشان بحبها أنا بعمل كده عشان مامتها تعبانه من غيرها ووعدتها اني أرجعهالها ولازم تيجي معايا دلوقتي أنا بطلب منك مش بأمرك!
أومأت له وهي تبتسم ثم أردفت بحزم: والطلب مرفوض برده وانا مش موافقة مش هبقي زيها فاهمني..
هدر بغيظ بنبرة خشنة بسبب حديثها المُتكرر: قولتلك مرة إنك عمرك ما هتبقي زيها أصلاً؟ متحلميش!.

أطبق جفنيه بضيق عندما تساقطت عبراتها وهي تنظر له بانكسار مُعبرة عن تحطم قلبها لأشلاء..

ضحكت بهستيريا ثم قالت وعبراتها مُستمرة في التساقط: عندك حق إنت بتتكلم صح، إقتربت منه وتوقفت أمامه مباشرةً وتابعت بابتسامة مُنكسرة وجسدها يهتز من البكاء: قولهالي في وشي يا قُصيّ! قولي إنك إنسانه رخيصة وسافله ومنحطه، قولي إن محدش هيبص في وشي لما يعرف حقيقتي قولي إن مستقبلي إتدمر ومفيش حاجه كويسه هتحصل في حياتي قول ساكت ليه؟! بدل ما كُل شويه تفاجأني بِكلمه جديده قولي كُله فوشي عشان ترتاح وتعرفني أنا إيه عندك وتريحني انا كمان إتكلم قول؟!

رفع يده بأسف كي يمسك يديها لكنها عادت خطوتين إلى الوراء ورفعت يدها أمامه بحزم مُحذرة أن يقترب منها أكثر فظل واقفاً مكانه وهتف معتذراً: أنا أسف مكنتش أقصد..

هتفت بتهكم وكم تمنت أن تصفعه من القهر الذي تشعر به: بجد! كُل مره متقصدش مش كده؟! أنا إنسانه وبحس وعندي شعور على فكرة لو متعرفش!، ثم أشرت إلي قلبها وتابعت بحرقة: هنا في حاجه إسمها قلب وبيتجرح وبيتحطم لو مكنتش تعرف يعني بس مش مهم اهم حاجه جـنّـة هانم محدش يدوسلها على طرف ومش مهم أي حد تاني مش كده وياريتك تعرف هي فين لأ متعرفش، أنا بكرهك يا قُصيّ بكرهك..

رد ببرود ولا مُبالاه كأنه لم يسمع سوى آخر كلمتين فقط: محدش قالك حبيني على فكرة؟ وإنتِ اللى مُصممه تدخلي جـنّـة معانا كل كلمة وبتعملى مشاكل..
نظرت له بكُره من أعماقها ذلك البارد اللامبالي! تحركت من أمامة لكنه أمسك ذراعها أوقفها فأعادت قولها بكُره مضاعف وهي تنزع يدها من بين يديه: أنا بكرهك..

حرك أهدابه متعجباً ثم أعاد ببرود أعصاب يُحسد عليها: الله! أنا مش قولتلك محدش قالك حبيني! أكرهيني عادي معنديش أي مشكلة؟

صرخت به بانفعال وفقدان صواب: ايه البجاحه إللي إنت فيها دي؟ إنت عارف أنا هنا إيه؟ أنا هنا واحده رخيصه أهلها ميعرفوش هي فين وإنت مع عشيقتك إللي هتفضل مخبيها دايماً عن عيون الناس ده لو بتعتبرني كمان عشيقتك! فا متجيش وتتكلم معايا بالبجاحه وكأني مراتك عشان بشفق علي نفسي أوي فاهم فوق وروح دور عليها بدل تضييع وقتك هنا مع واحده زيي..

تحدث ببرود وكأنه لم يسمعها فهي لا تأتي بالهدوء ولا المسايسة!: خلاص خلصتي البسي عشان تيجي معايا..

صرخت به وهي تضرب قدمها بالأرض: يا بارد إنت أنا مش جايه معاك مش رايحه أخرج بره مش عاوزه أشــ، صمتت عندما اقترب وهجم على شفتيها التهمها بين شفتيه فى قبلة حارة أرادها منذ أن رآها تتحدث بتلك الشفتين المغريتين دون توقف، يطوق خصرها بقوة غلف عليها النعومة عندما داعبها برقة تخضعها له دائماً، حاولت التملص ودفعه بقوة لكنها لم تستطع فاستسلمت إلى تلك القبلة التي اضعفتها أكثر، مدّ يده وأبعد حمالة كتفها ومال يقبلة بنهم وحرارة ويده الأخرى تحركت كي تُجردها من ملابسها..

تنبهت حواسها ودفعته عنها بقوة وهي تلهث وقلبها يضرب قفصها الصدري بعنف، نظرت له بعيون زائغة وهي تلملم شتات نفسها عندما رأت دكون عينيه ونظرته تجاه مفاتنها بجوع، إنه يريدها الآن وفقد تحكمه بنفسه، تقدم منها لتعود إلى الوراء بدورها في توجس منه، سحبها من خصرها بقوة جعلها تصطدم بصدره بعنف ألمها وقبل أن تتحدث عاد يقبلها من جديد وهو يقيدها بيديه الاثنتين عائداً بها إلى الفراش لكنها ظلت تعافر وتتلوى بين يديه حتى فقدت الأمل في إبتعادة فأعادت صفعة من جديد بقوة أكبر جعلته يتوقف مشدوهاً بسبب فعلتها تلك! من جديد؟ لقد ذهبت هيبته وكرامته حد الجحيم اليوم..

رفع نظره لها بتهجم وغضب أخافها لكنها تشجعت وصرخت به بحدة وهي ترفع حاجبيها مع سبابتها بتحذير: دي أخر مرة تقربلي فيها تاني فاهم ولا لأ..
إبتسم بدون تعبير وهو يمرر راحة يده على وجنته مكان صفعتها بتفكير وهتف بكل بهدوء: ماشي ومتجيش و هدور عليها وهجبها وهنتجوز وخليكِ إنتِ قاعده هنا..

استدار كي يغادر بوجوم وغادر بالفعل لكنه توقف أمام باب الغرفة واعتلت شفتيه ابتسامة خبيثة عندما سمع حديثها من خلف كتفه بنبرة مرتجفة: هاجي معاك إستني..
استدار لها ثم ناولها الحقيبة بهدوء وهو ينظر لها بتركيز دون التحدث، أخذتها من بين يديه هي تبتسم ابتسامة تعجب لها، هذا ليس وقتها ولا محلها، إلى ماذا تُخطط تلك؟.

دلفت إلى دورة المياه وهي مازالت تبتسم أمام ناظريه كي ترتدي تلك الملابس لـ تختفي إبتسامتها تزامناً مع إغلاق الباب خلفها لـ تنهار ساقطة على الأرضية الباردة وظلت تبكِ بصوتٍ مكتوم، تسند ظهرها إلى الباب وهي تضع يدها على قلبها المنشطر بألم وأسى على نفسها روحها المُحترقة بسببه، هي مُتعبة ولا تستطيع التحمل أكثر، الألم يتضاعف في تزايد دائماً بقدر لا تستطيع تحمله..

ظلت تبكِ فوق النصف ساعة في الداخل وحدها، يكفي لن تكمل حياتها على هذا المنوال فهذه ستكون المرة الأخيرة التي ستراهُ بها ستفعل هذا من أجله فقط للمرة الأخيرة كـ شُكراً له قبل أن تذهب نهائياً..

لكن شكراً على ماذا؟ على تزوجه منها؟ أم منحها قلبه وحُبه؟ أم على المدح الذي تسمعه عن شخصيتها الرائعة كثيراً في الآونه الأخيرة! أي شكر هذا الذي سوف تمنحه إياه؟ رُبما يكون شكراً لـ تدنيسها، جعلها خائنه، شكراً لصُنعهِ عاهرة خاصة به كي أكون أدق..

خرجت عليه بعد بعض الوقت ترتدي ثوبها الواسع الثقيل المتماشى مع أنحاء جسدها تماماً، إبتسم بعبث وهو يتفحصها بنظراته الداكنة مادحاً نفسه ونظرته الدقيقة، فهو علم ما إن وقعت عينيه عليه في المتجر أنه سوف يليق بها ويتماشى مع ذلك الجسد المنحوت..

توقفت أمام المرآة كي ترتدي الحجاب متحاشية النظر له لـ يهتف وهو يبتسم بمشاكسة كي تفك تقطيبه حاجبيها المُنمقين ببراعة: بقيتي جـنّـة، نظرت له عبر المرأه بدون تعبير ثم هتفت بإقتضاب: متقوليش يا جـنّـة، ثم صمتت قليلاً وتابعت بنفس الاقتضاب: ممكن تقولي يا عشق..
قطب حاجبيه ثم عقد يديه أمام صدره وإستهزء بها: علي أساس إن ده إسمك الحقيقي يعني؟ بس تمام يمشي أهي بدأت تندع!.

هزت رأسها بسخرية وهي تنظر له عبر المرآة فهو لايُصدق حرفاً مما تتحدث به!، هذا جيد رُبما إن أخبرته بعض الحقائق عنها لن يُصدق وهذا سيريحها كثيراً لكن هي لن تبقى أيضاً حتى هذا الوقت فقط فلتظل صامته حتى تذهب في سلام..
إنتهت بهدوء ثم إستدارت ونظرت له، فتحدث وهو يأشر على وجنتيها: جـنّـة مش بتحط حاجة في وشها؟

قطبت حاجبيها ثم نظرت خلفها في المرآة فوجدت أنفها ووجنتيها حمراوتين بسبب البكاء وهذا الأحمق يظن أنها تضع شيء هي لا تعلم هل هو غبي حقاً أم يتصنع الغباء لا تعلم..
أردفت بهدوء وهي ترتدي حذائها: أنا مش حطه حاجه ممكن من البرد بس ثم تابعت بسخرية: ويمكن عشان ضربتني بالقلم من شويه مثلاً..

تحدث بلا مُبالاه لكن عينية الداكنة كانت تقول شيءً آخر كـ تحذير كي لا تتمادى في هذا أكثر: ضربتيني وبزيادة كمان خلصانين نبدأ من جديد؟ ومدّ يده لها كي تصافحه، نظرت له بدون تعبير ثم خرجت قبله من الغرفة، أعاد يده مكانها ومررها على صدره بخفة وهو يتحمحم ثم ذهب خلفها منطلق صوب منزل جـنّـة..

- جميع الطُرق تؤدى إلى السعادة، عدى طريقي إليك فإنه يؤدي إلى الجحيم -.

تنهدت وهي تجلس على الفراش المُرتفع عن الأرض بأربع أعمدة ذهبية، نظرت في أرجاء الغرفة تتفحصها بعسليتيها بثقب تبحث عن خطأ ما، لكنها جيّده نظيفة، مُرتبة، أنيقة، رُبما تفوق غُرف الفنادق ترتيباً وأناقة فهم نظيفين جداً كما يبدو، حسناً جميع الصعيد هكذا فالمرآة هُنا لا تفعل شيء سوى الترتيب والتنظيف وطهي الطعام فقط، وذلك الطابع القديم الذي يغلفها زادها أناقة ورونقاً لقد راقتها لأنها جميلة و بها شرفة واسعة ماذا ستحتاج أكثر من هذا؟

أستفاقت من شرودها على طرق باب الغرفة بخفة ثم دلفت منه الخادمة وتحدثت باحترام: الفُطور جاهز حضرتك..
أومأت ليلى وهي تبتسم وهتفت بهدوء: شكراً هحصلك..
أومأت لها الخادمة باحترام وذهبت في طريقها لـ تصطدم بـ حُسنة التي كانت تدلف من باب الغرفة، فوبختها بحدة: أُنضرى جِدامك يا حزينة؟

أومأت بطاعة ثم تابعت طريقها إلى الأسفل لـ تغلق حُسنة الباب خفلها ثم تقدمت من ليلى حاملة بين يديها زجاجة صغيرة بها نوع من أنواع الزيوت الطبيعية الخالصة..
إبتسمت حُسنة وقالت لها وهي تلوح بيدها تشرح لها: عمّار جالي إن ظهرك عيوجعك صُوح؟
أومأت لها ليلى ثم عادت تتأوه وكأنها تذكرت الآن أنها تتألم وقالت بخفوت: أه يا حاجة أم عمّار..

قهقهت حُسنة وهي تتفحصها بنظراتها بثقب ثم قالت وهي تهز رأسها لـ يتراقص قِرطها الذهبي: زينة حاجة مِنيكي يا غالية..
ابتسمت ليلى بهدوء لتجدها تقدمت منها ومن دون سابق إنذار رفعت قدميها على الفراش جعلتها تتعجب ثم هربت شهقة رقيقة خافته من بين شفتيها عندما سطحتها وقلبتها على معدتها كـ طفلاً رضيع في أقل من الثانية..

رمشت بتعجب وهي تنظر إلى الوسادة التي إحتضنت وجنتيها ثم صرخت بألم عندك شعرت بسحاب فستانها يفتح ويدها الباردة تتحسس ظهرها باحثة عن مكان إصابتها..
أردفت حُسنة بتهكم وهي تخلع ثوبها الضيق: ايه الخلجات الديِجة ديّ بتتحمليها على جِتتك كيف؟ وماله جسمك أوحمر إكدِه ليه؟
هتفت بألم وهي تشعر بيدها تمسد ظهرها بذلك الزيت: عندي حساسية..

توقفت يدها متعجبة ثم هتفت وهي تلوي شدقيها: واه! عندك حساسيه وعتلبسي خلجات ديِجة إكدِه؟ مخبولة إنتِ وَلِّيه؟
هتفت ليلى بأعين دامعة وهي تدفن وجهها بالوسادة: والله ما في حد مخبول غير الخنزير اللي طالعين بيه السما..
توقفت حُسنة مشدوهه ثم هتفت بغيظ وهي تصفع ظهرها بخفة لكنها تألمت: واه واه واه، شكل لسانك مِتبري مِنيكي وعاوز يتجصجص يامرة؟

هتفت بقهر وهي تقلد نبرتهم: يَد ولدِك العار هي اللي عايزِه تتجصجص لاه تتجطِع تجطِيع يا حُسنة..
توقفت وهي ترمش بتعجب من تلك الوقاحة وسب عمّار بتلك الطريقة دون خوف ثم هتفت بتهكم: شكلك مش ناوية على خير واصل يا بت البندر إنتِ عينك مفنجلة وِكَدْ إكدِه! أنا كَد أُمك يا بت! بس ماشي، ماشي يا بت البندر ملحوجة كُله بالهوادِه..
زفرت بضيك ثم هتفت وهي تدفن وجهها في الوسادة أكثر وبكَت بألم: متزعليش مني..

توقفت ناظرة لها بتعجب تلك المرأة المجنونة لما تبكِ الآن وهي المخطئة؟، نزعت الثوب عن جسدها وهي تهز رأسها بتعب فعقلها مشتت كفاية كي تأتيها و تشغل تفكيرها هي الأخرى، دثرتها تحت الغطاء جيّداً ثم سطحتها على ظهرها وعدلت نومتها وسألتها بحزن وهي ترى عبراتها: بتبكِ ليه عاد؟ متخافيش محدش عيزعلك واصل إهنِه؟

هزت رأسها وهتفت بألم: أنا متعودتش أكلم حد بالطريقة دي بس آسفة إبنك همجي ومعندهوش قلب وأنا مش موافقة على الجوازة دي..
توسعت عينيها في ذهول وهي تضع يدها أسفل ذقنها تفكر ثم صعدت وجلست أمامها على الفراش وربعت قدميها وسألتها بتعجب: واه! وايه اللى جابك إنتِ وبتك عاد؟ جيتي إهنِه يعني موافجة و مفيش حاجه عتمنع الجوازه ديّ واصل؟ إنتِ ما هتعرفيش عمّار ده يجيب عليها واطيها يا بتي؟

أومأت وهي تشهق ثم تابعت بحرقة: قولتله مش موافقة بس جبني غصب عني وكان هيضربني بالحزام وكان هيكسرلي ضهري هو السبب في حالتي دي وحالة دراعي كمان هو اللي بيأذيني..

تنهدت حُسنة ومحت عبراتها بأسى وقالت بحنان أم: بصي يا حبيبتي عمّار عصبي جوي، وهادي جوي جوي، ومِتبلد، وعيضحك ويهزر وعيحب كومان! عمّار فيه كُل حاجة يا بتي وعلى حسب ما تجولي عتشوفي مِنيه! أني مِتوكدِ إنك رطيتي معاه في الحديت صُوح؟ ده وَلدِي وأنا خبراه مش عيعمل فيكِ إكدِه ظُلم عمّار ماهيظلمش حد واصل يا حبيبتي ده نسمة مع اللي عيحبهم!.

هزت ليلى رأسها بسخرية وهتفت بحزن وهي تحني رأسها: اللي يحبهم بقي مش أنا..

ضحكت حُسنة وهي تهز رأسها ثم مدت يدها ورفعت ذقنها بين يديها كي تنظر لها، إبتسمت لها بحنان لـ يتجعد حول عينيها الدال على كِبر سنها وهي تتأمل ملامحها الرقيقة: ومين جالك إنه ماهيحبكيش عاد؟ عمّار ماهيدخلش علينا البيت غير الغالبين بس يا غالية مش أي حد عاد؟ يلا يا حبيبتي جومي عشان الفُطور وتحددتي معاه بـ هوادة وصدجيني مش عتشوفي مِنيه غير كل حاجة زينة عمّار جلبُة كَبير وطيب..

أومأت لها وهي تجفف عبراتها بظهر يدها وقبل أن تتحدث وجدت حُسنة تتحدث بابتسامة مُتمنية: كُنت مفكراكِ إنتِ العروسية، بس ملحوجة الغندورة الصِغيرة عتكون زينه كيفك صُوح..
ابتسمت ليلى بنعومة وأومأت مؤكدة: دي أحسن مني يا أم عمّار..

أومأت ونظرت لها مطولاً وهي تفكر في ذلك السؤال الذي يُحيرها لكن قبل أن تتحدث وجدت باب الغرفة يصفع أثر هجوم نادين وهي تصيح: مامي القمر جاهزة؟، شهقت بمكر ثم سألتها وهي تضع عينيها عندما رأتها تُدثر نفسها بالغطاء: ايه ده مالك سلبوتة كده ليه؟

قهقهت ليلى ثم طلبت منها قبل أن تصل إلى الفراش: طلعيلي هدوم من الشنطة قبل ما توصلي، أومأت نادين وهي تتحرك برشاقة بتلك العباءة الضيقة المنشقة من الجانبين بأكمام واسعة لونها أحمر داكن وتركت شعرها منسدلاً وهي تبتسم بسعادة فهي تحب التغيير والتجول بالأماكن المختلفة طوال الوقت، فلا تُحب أن تمكث في مكانٍ واحد طويلاً وهذا يجعلها تسافر كيثراً في الأماكن الساحلية وقد قابلت عمّار هُناك في المرة الأخيرة..

قهقهت ليلى وهي تراها تتقدم منها بالثياب وهي تهز رأسها للجانبين كي يتراقص القِرط الدائري الكبير في أُذنها..
تحدثت بإعجاب وهي تتفحصها بنظراتها: مين القمر دي؟
إبتسمت نادين بسعادة وهي تدور حول نفسها جعلت حُسنة تقهقه عليها ثم وقفت وإنقضت عليها وأغرفتها بوابلاً من القُبلات ثم عانقها وهتفت بسعادة: كيف الجَمر يا حبيبتي..

إبتسمت نادين وقالت بسعادة وهي تقلدهم: أنا بحبكم جوي جوي يا أم عمّار دهب اللي ظبطتني إكدِه..
ضحكت ليلى وهي تراقب سعادتها ثم أخذت الملابس ودلفت إلى دورة المياه المُلحقة بالغرفة..
ضحكت حُسنة وهي تُرتب على شعرها بحنان وهتفت بابتسامة: إنتِ مِسكره جوي يا حبيبتي، ثم تابعت وهي تُراقب سير ليلى: أمك ديّ يا حبيبتي كيف البسكويتِّة الدايبة يابتي..
عبست نادين وسألتها بحزن: وأنا ايه؟

قبلتها بحنان وهتفت وهي تعانقها: إنتِ إنتِ كيف الملبن يا حبيبتي كفاية إنك عتبجي مَرَتْ الغالي..
بعد بعض الوقت..
هبطوا الدرج ثلاثتهم معاً، توقفوا داخل المطبخ الكبير ومقلتيهما تتجول على كل شيء بتفحص واستفهام في كيفية استخدام تلك الأدوات؟، قاطع صفونهما صوت حُسنة التي حثتهم على التقدم وهمت بالتحدث: بت يا صباح خدي الجمرات دول وصْلِيهم المُندرة اللي بناكلوا فيها يلا هِمي..

أومأت الفتاة بطاعة ثم تقدمتم في السير إلي الخارج لـ يلفحهم هواء الصباح النقي مع ضوء الشمس الدافئ الخاص بالعاشرة صباحاً، إبتسمت ليلى وهي تأخذ شهيقاً طويلاً مع تطاير بعض خصلاتها الكستنائية التي رفعتهم بإهمال لـ تنسدل مداعبه وجهها بنعومة..
أراحت نادين رأسها على كتفها وقالت بسعادة: الجو حلو أوي هنا يا مامي صح؟
أومأت ليلى وهي تنظر إلى الأرض الخضراء الواسعة أمامها بابتسامة ثم قالت بنبرة هادئه: أه حلو..

قاطع تأملهم قول الفتاة بنبرة غلب عليها الخوف: إتفضلي ياسِت هانم من إهنِه سيدي عمّار لو شافكم برا بخلجاتكم دِيّ عيخلي نهاري مغفلج..
حدقا الإثنان ببعضهم البعض قليلاً ثم هتفت نادين باستفهام: ايه مغفلج دي يا مضروبة؟
لكزتها ليلى بذراعها بضيق وزجرتها بحدة: بس الألفاظ متنطقهاش..
ضربت الفتاة فخذيها براحة يدها هي تقول بخوف: يا مراري الطافح يا مراري، فوتوا الله يخليكم..

اومأت ليلى وأمسكت ذراع نادين وأخذتها معها إلى الداخل، فكانت ترتدي بنطال قطني ضيق بالكاد وصل إلى ركبتيها لونه أزرق داكن و فوقه كنزة بحمالات رقيقة زرقاء أيضاً وفوقها كنزة بيضاء أسدلتها عن كتفها الأملس وتركته فهي ارتدتها بدون أكمام بسبب وجود الجبيرة، رغم شعورها بالبرد من الطقس ألا إن المنزل دافئ من الداخل..

جلست أمام المنضدة المستديرة المنخفضة بتروي وهي تتأوه بسبب ظهرها وجلست نادين يسارها وظلا يُراقبان الفتيات وهن يضعن الطعام أمامهم بمختلف الأصناف، لما كل هذا الطعام الكثير؟ ألا يتبعون حميه هُنا؟
صفقت نادين بحماس وهي تقول بسعادة: هيعلفوني يا مامي الحقي..

ضحكت ليلى وهي تعانقها بحنان وقالت برفق: عشان تاكلي وتبقي وظووظة على رأي الخنزير، قهقهت نادين عليها وهي تهز رأسها حتى لفت انتباههم صوت ضحك القادم من الأعلى..
هبط الدرج وهو يُمازح دهب فضربت كتفها بكتفه بمزاح فلم تُزعزع به شعره واحده لـ يرد لها تلك الضربة بكتفه أسقطها على حافة الدرج وظل يضحك عليها..
تأوهت بألم وهي تشتمه بضيق: جولتلك ميت مرة متهزِرش معايا واصل وإنت كيف الطور إكدِه..

ضحك بتسلية وهو يحدق بها ثم أوقفها بهدوء وربت على رأسها بخفة: إنت اللي ما هتبطليش مُناجره يا بجرة فوتي جِدامي..
عبست نادين وهمست إلى ليلى بحزن: مامي دهب دي هتاخدو مني!
ربتت ليلى على كتفيها بحنان ونفت قولها: لأ مش هتاخدو يا حبيبتي دي متجوزة وهي هنا زيارة وشوية وهتروح بيتها متقلقيش، أومأت بعبوس وهي تنظر لها بعدما جلست مُقابلها..

حدق عمّار بظهر ليلى بوجوم وهو يتقدم منهم تلك اللعينة لما لا ترتدي كـ البقية هل هي تمكث في فندق، أم أنها برحلة هُنا..
رفع طرف عباءته وجلس على رأس المنضدة بهدوء، يمينة ليلى ويسارة دهب..
جلست حُسنة بجانب نادين لـ تعرض عليها ليلى برقة: تيجي هنا مكاني يا أم عمّار؟
إبتسمت لها حُسنة ونفت بهدوء: لاه يا حبيبتي خليكِ مِرتاحة..

أومأت لها ليلى وهي تبتسم ثم نظرت إلى نادين وحثتها على تناول الطعام: يلا يا حبيبتي كُلي..
أومأت بهدوء وهي تنظر إلى الطعام ولا تعلم بماذا تبدأ لـ توفر عليها حُسنة عندما وضعت أمامها بعض الفَطِير الدسم: كُلي فَطِير مِشلتت مخبوز بالسمنة البلدي كُلى..

أومأت بابتسامة وبدأت تتناول الطعام بهدوء، بينما ليلى تناولت طعامها الطبيعي المُكون من بيضة واحدة مسلوقة دون خُبز وبعض قطع الجُبن أخذتهم بالشوكة فقط، وظلت تراقبهم وهم يتناولون الطعام بهدوء..
طلب عمّار وهو يمضغ الطعام: لا فيني جَحرودِه يا دهب، لم ترد ولم تنتبه له بسبب إنغماسها في الطعام فأعاد وهو يمد يده لها: جَحرودِه يا جموسية..

زفرت ليلى وأخذت بيضة ووضعتها في راحة يده بهدوء، ضم قبضته عليها وأعاد يده لكنه قطب حاجبيه عندك رافع رأسه ووجد تلك اليد الناعمة تبتعد، فقبض عليها سريعاً كأنه أمسكها تسرق بالجرم المشهود ثم سألها بشك: وعرفتي منين اني عايز بيضة؟

زاغت عينيها وهي تنظر له كـ الفرخ المُبلل مثل سابقاً كأنه سيضربها إن لم تتحدث الآن، حركت شفتيها المرتجفة بعد إن جمعت حروفها وقالت بهدوء: عشان، عشان، عشان هي شكلها مجحرد وكده، ماهذا التفسير المُعجز يا إلهي..
رفع حاجبيه مع زاوية شفتيه بسخرية من وقع هذا الرد الساخر على مسامعه، هل تسخر منه؟.
سألها بشك وهو يضيق عينيه: حماتي إنتِ جوزك كان صعيدي؟

هزت رأسها نفياً كـ طفلة مذنبه وهي ترمش بتعجب لـ تضيف حُسنة وهي تأكل: دي تحددت معايِه فوج كيف المرة الجِرَرية يا وَلدي شكلها عتحبنا..
ضحك عمّار بسخرية وترك يدها وهو يقول مؤكداً: أه عتحبكم جوي جوي، زفرت ليلى بأنفاس مرتجفة وهي تضم يديها إلى صدرها بذعرٍ أخفته جيّداً فهي ليست مستعدة كي تخسرها هي الأخرى بعد..

سألتها حُسنة بتعجب عندما رأتها لا تأكل: إنتِ وجفتي وَكْل ليه؟ ولا تكونيش مِفَكْرة إنك عتدفعي حَجو إياك؟
هزت رأسها نفياً وقالت بهدوء: ده فطاري الطبيعي مش باكل أكتر من كده معدتي تتعبني..
رفعت حُسنة حاجبيها وهتف باعتراض: ومِعدة ايه ديّ اللي عتجوعك إكدِه؟

رد عمّار بدلاً منها ساخراً: ديّ مِعدة بتتعشي ستيك أوت يا أم عمّار، قهقهت نادين عليها حتى غصت اللقمة داخل حلقها، بينما هي نظرت له بحنق وضيق، لـ ترد حُسنة وهي تقطب حاجبيها بجهل لهذا: و ايه دِيه ان شاء الله؟
ضحك عمّار وقال باستياء: دي حكاية واعرة جوي بعدين بعدين، أجفلهم صوت دهب وهي تصيح فجأة: مفيش حكاية واعرة وخفعانِه إهنِه غير حكايتك يا واد عمي..

ضرب البيضة بجبهتها بضجر كي يقشرها جعلها تصرخ وهي تضرب كتفه بغضب لـ يقول بضيق: بطلي طج حنك ورطرطة عمال علي بطال يا بومِية وخلصي وَكل وغوري على بيت جوزك..
هزت رأسها بضجر وهتفت بتهكم وهي تعود لتناول الطعام من جديد: بيت أبوك دِيه إياك يا فحل إنتِه! روح جصجص دجنك اللي بجِت كيف المجشة لوْوَل وبعدين تحددت بالثِجة ديّ..

دفعها بضجر وهو يلعنها فضربت مؤخرة رأسه وقبل أن تشتمه تأوه بألم فصرخت بها والدتها بحدة: إتهدي يا بت يا مخبولة إنتِ وبطلي صغرنه!، ثم نظرت إلي عمّار وسألته بقلق: مالك يا عين أمك راسك مالها؟
ضحك وهو يرى تعابير دهب الحانقة وقبل أن يتحدث تحدثت هي بتهكم: عين أمك ما إنتِ بتجلعِيني بس وهو مش موجود وأول ما ياجي أتركن أني..

وقفت حُسنة بغضب وتقدمت منها وهي تخلع حذائها: شكلك عاوزاني أجطع الكتنلِة ديّ على صِدغك يا ناجصة..
قهقهة عمّار وهو يوقفها: دي حبيبتي دي يا أم إقعدي كملي وَكلك إنتِ وهمليها..
تنهدت ليلى وهي تلعب في الطعام بصمت لـ ترتجف فجأه عندما مرر عمّار يديه على جبيرتها رغم أن يديه لن تصل إلى جلدها لكنه شعرت به..
سألها بابتسامة وديعه: كيف يدك يا حماتي دلوك؟

أومأت بهدوء وهي تتحاشى النظر له ترى بريق عينيه الشيطاني وهو يخترقها بنظراته، هل رأها وهي تضحك عليه ياتُرى عندما تألم من دهب؟
سألت دهب والدتها بهدوء: عنعمل ايه معاها لما تاجي يا أم؟
تنهدت حُسنة بحزن وقالت بقلة حيلة: ولا حاجة يابتي إنتِ خابره وواعية انهم ماهيرجعوش حتى لو جتلناها.

صاحت بصوت مرتفع غاضب افزعتهم: واه، أني جاعده إهنِه مستنظرة اليوم اللي عتاجي فيه عشان أطلِع البلا الأزرج كُله على جتتها وإنتِ عتجولي ماهتعمليش حاجة واصل؟ داني أروح فيكم في داهيِة صوح! بت الناجصة ديّ وربي عجطف شعرها تَجطِّيف..

صرخ عمّار بها بعصبية جعل من عروقة تبرز داخل جبهته هو يضرب المنضدة بقوة: هو مفيش سيرة غير سيرة بت الفاجرة ديّ ولِّيه مسمعش حد يتحددت عنها واصل في المخروب دِيه فاهمين؟ وإنتِ يا بومية لو سمعتك تتحددتي عنها واصل عسفخك بالجلم على خلجتك ديّ معلوم؟
صمتت دهب على مضض وتابعت طعامها على بضيق، وظل الجميع صامتاً لا يتحدث..
قطع ذلك الصمت صوت نادين الخافت العابس: سي عمّار..

إبتسم رغم ضيقة عندما نظر لها وهتف بابتسامة عابثة وهو يرى هيئتها: عيون سي عمّار..
نظرت له وهي ترمش برقة ثم قالت بنعومة: متعصبش نفسك ياقلبي..
إبتسم وبعث لها قبلة في الهواء: حاضر يا عيوني..
ضحكت دهب بسخرية وهي تهز رأسها جعلته يشد جديلتها بضيق: بطِلي وإنتِ شبه بت النِتن إكدِه..

شهقت وكادت تتشاجر معه وتخبره أنه من يأتي بسيرتها لكن أجفلهم صدوح صوت تلك العصا التي ضربت الأرض بقوة مع قول صاحب ذلك الصوت الخشن الوقور: مين ديّ اللي عتجول عليها شبه بِت النِتن يا وَلدي؟

هب الجميع واقفاً إحتراماً له عدى ليلى ونادين اللتان تعجبا من هذا من ذلك!، نظرت نادين حولها بتعجب ثم وقفت مثلهم وهي تحدق بذلك الرجل ذات الملامح القاسية وتلك العينان المسكونتان بالقسوة والقوة والصلابة إضافة إلى البسمة البشوشة التي اعتلت شفتيه، يرتدي عباءته الثقيلة الفخمة وعمامته البيضاء يقف بوقار وشموخ يتكئ على عصاه السوداء براحة يده و نظره معلق على عمّار وبجانبه يقف رجلاً يشبهه كثيراً يبدو أنه عمه، بالتأكيد هو، وكم هو هادئ ساكن وبداخل عيناه حزن عميق لا يستطيع الجميع التعايش معه كما يفعل هو..

همس عمّار سريعاً إلي نادين قبل أن يذهب له: لما أشاورلك تعالي سلمي عليه وتعملي زي ما هعمل دلوقتي بالظبط ماشي، أومأت له سريعاً وهي تلتفت وراقبت ما يحدث بحماس بين بينما هو تحرك من مكانه وتقدم مهرولاً إلى والده وهو يبتسم مع قوله بسعادة: أبوي..
توقف أمامه ثم أنحني وقبل يديه باحترام لـ يربت متولي والده على رأسه بحنان: حمد الله علي السلامة يا وَلدي، كيفك؟

إبتسم عمّار ورفع رأسه وقال باحترام وهو يبتسم: الحمد الله يا بوي أنا كويس طول ما أنت كويس، ثم نظر بجانب كتف والده وهتف بسعادة وهو يترك والده وعانق عمه عبد الغفور: عمي كيفك يا عمي توحشتك جوي، إبتسم عمه بود ثم ربت على ظهره بحنان وتحدث برفق تحت أنظار حُسنة الحزينة: إنت أكتر يا وَلدي..
أدمعت عينا حُسنة وهي تُراقب زوجها بقلب مفتور بسبب حالته التي لا تجد لها حلاً منذُ سنوات منذ قتل أولاده تقريباً..

فصل العناق ولوح إلى نادين فهرولت له سريعاً بارتباك وقلب يخفق بقوة، توقفت أمام والده وهي تبتسم ثم مالت بجذعها وقبلت يديه وهتفت بابتسامة: توحشتك جوي جوي يا بوي، ضحك عمّار وبعثر شعرها ثم قال إلي والده المبتسم وهو يراها: نادين يا بوي العروسية، إبتسم والده وربت على رأسها بحنان
بحنان وقال برضي عن اختياره: زينة يا وَلدي زينة.

تركت نادين يدية ثم عانقت عمه بقوة جعلت عينيه تجحظ وتوسعت عينان عمّار ثم أخذها من حضنه سريعاً وسألها بتعجب: بتعملي ايه؟
هتفت بعفوية وهي ترتب شعرها: مش قولت أعمل زيك..
أوقفها بجانبة وهتف بهمس: زيي مع ابويا مش عمي يخربيتك! كويس إن أمي مخدتش بالها دي ممكن تاكلك..
أومأت وهي تضحك بخفوت لـ يأشر عمه إلي إبنته دهب أن تأتي خلفه ثم صعد إلى الأعلى..

تحرك والده هو الآخر صاعداً إلى الأعلى لكنه توقف عندما أبصر ليلى التي مازالت جالسة في وجوده وشاردة أيضاً، لعنها عمّار بخفوت ثم تحدث مبررا وهو يضع يديه خلف ظهره: دي حماتي يا بوي جِتتها مردوخة شوي ومش جادره توجف..
أومأ له بهدوء ثم صعد إلى الأعلى وهو ينظم حلقة بصوت مرتفع، لكن أوقفه سؤال حُسنة: الفُطور جاهز؟ يا أخوي..

هتف بنفي وهو يصعد الدرج: أنا هنعس شوي، بعدين، صمت الجميع مراقبين صعوده إلى الأعلى باحترام كأنه يقف أمامهم وليس يوليهم ظهره، حتى اختفى عن وقع أنظارهم..
عادت نادين ظافرة وجلست بجانب ليلى بفخر فزجرتها بحدة قبل أن تتحدث: إنتِ بتبوسي ايده ليه؟
صمتت قليلاً تنظر إلي ملامح والدتها الحادة ثم قالت مُبررة: زي عمّار ما قال! وبعدين ده مش زي بابا؟

ضمت قبضتها على الملعقة بغضب وقالت بضيق ونفاذ صبر: لأ مش زيه لسه مبقاش..
هتف عمّار بهدوء وهو يجلس: لأ بقي من ساعة مادخلت البيت ده ومتزعليش أوي كده يا حماتي أدي إيدك أهي، وأمسك يدها ومال يقبلها ببطء وهو ينظر لها بضخراوية الماكرة أربكها، فكان يتذوق يدها، هذه لم تكن قبلة خاطفة بتاتاً، وليست بريئه كذلك!.
تركها وهو يبتسم بخبث ثم قال ببطء وخفوت: كل ما نادين تبوس إيد أبويا هبوس ايديك خالصين يا حماتي؟

هزت رأسها بنفي وضمت يديها إلي صدرها وقالت بضيق: لأ، شكراً، خلصتي أكل يلا عشان تطلعي ترتاحي شوية، أومأت نادين ووقفت ثم مالت بجذعها عندما وجدت ليلى تتأوه وهي تحاول الوقوف باتزان.

لـ تقول حُسنة: أستندي عليها أستندي عليها يابتي ومتجلجيش عاجيكي بليل وعحطلك تاني لحد ما ضهرك يصحي، أومأت لها ليلى وهتفت بامتنان: تسلم ايدك يا أم عمّار، إبتسم عمّار ابتسامة عابثة وهو يستمع إلى ذلك الإسم من بين شفتيها فهو يروقه..
تحركت ليلى مع نادين بهدوء لـ يوقفها طلب عمّار بهدوء: معلش يا حماتي لو ممكن تلبسي زي نادين أو أمي يعني عشان الهدوم دي متصحش هنا؟

نظرت ليلي حولها بتعجب فكل شيء مخفي هُنا ولا وجود إلى رجال بالمكان ماذا إذاً؟
حركت شفتيها وهمت بالتحدث لكن قاطعها قول حُسنة باعتراض: ليه يا وَلدي مفيش غريب وِسطينا أبوك وعمك مش بيجعدوا زي ما إنت شايف هملها براحتها؟ إطلعي يا بتي ريحي ظهرك إطلعي، أومأت لها ليلى وهي تبتسم باستفزاز ثم غمزته بعبث وتابعت سيرها إلى الأعلى مع نادين، ضم قبضته بغضب وهو ينظر لها، تلك الشيطانة، سيقتلها يوماً..

هتف عمّار بضيق وهو ينظر إلى والدته: ليه إكدِه بس؟
هتفت حُسنة بتعجب: ليه إيه يا وَلدي؟ واحدِة واحدِة عالبِنية وملكش صالح بيها عاد بعد كل اللي عملتهُ دِيه؟.
حرك شفتيه وكاد يتحدث لكنها أصمتته بنبرتها الحادة: هملها لَحالها يا ابن الصعيدي وكفاياك عاد دي بَكَت فوج وجالتلي على اللي عمِلتهُ فيها! من مِيته وإنت بتتعافى على حُرمة يا وَلدي؟

مرر يديه على وجهه بنفاذ صبر وهتف بتهكم: ديّ شيطانة اللي هتحابلها ديّ ولسانها فلتان مِنيها!.
تنهدت حُسنة وقالت بهدوء: خابره يا وَلدي خابره بس مش إكدِه دي حُرمة بردك! وبعدين دي كيف النِسمِه وحَجْها تخاف على بِتها!
زفر وهتف بنفاذ صبر: دِيه مش موضوعنا دلوك واللي فات مات! أنا عتحددت على المحروجة الخلجات جولتلها لاه ليه؟

ضربت كفيها معاً وقالت بتعجب: واه؟ مالك إنت بخلجاتها وبعدين مين راجل بيفوت عِندينا وعيشوفها مفيش عاد!
هتف بانفعال هو يضرب صدره: أنا موجود؟ ولا مش راجل أنا إياك؟
رفعت حاجبيها ووضعت أناملها أسفل ذقنها وهتفت وهي تهز رأسها إلى الجانبين: وإنت عتبص لحماتك و لِّيه يا محروج إنتِه؟

نفي سريعاً وقال كـ رجلٍ نبيل تم إتهامة بالقيام بأكثر الذنوب إثماً: واااه! إنتِ عتغلطي إكدِه يا أم عمّار! إنتِ خبراني عاد تعرفي عني إكدِه؟ بجي أنا أغازل حماتي على آخر الزمن؟ واه واه واه نسوان الأرض اتحرجوا وليِّه عشان ملاجيش غير عود القصب ديّ وأغازلها؟
ربتت على صدره وهتفت بنبرة ذات مغزي وهي ترفع حاجبيها: جول لنفسك عاد يا يا حبيب أُمك، تحب تاكلوا ايه النهاردِه؟.

مرر يده على وجهه بضيق وهو يزفر لـ يقع نظره عليها وهي تصعد ببطء تتحامل على نادين في نهاية الدرج جعلته يدرك اليوم فقط أنهم يملكون سُلم طويل للغاية..
هتف بضجر وهو ينظر إلى جسدها المتمايل أمامة بإغواء يغري أكثر الرجال صموداً: محشي ولِفّيه زين يا أم عمّار لِفيه زين لما نشوف أخرتها..

ترجلت من السيارة عندما توقف بها في الحي الشعبي الخاص بمنزل جـنّـة، تجول نظرها في المكان وهي تبتسم بسخريه هل قُصيّ رشدان بجلالة قدره سوف يتزوج واحدة من هنا؟ إنها تعيش بمقلب قمامة مُثير للسخرية؟! لكن لا يهم فهي إبنة عمه ولن يشكل هذا فارقاً كبيراً معه! هو لا يلتفت إلى تلك الأشياء بقدر التفاته إلى جسدها وتقييمه فهي تعلم جيّداً اهتماماته التي تأتي أولاً ودائماً!.

صعد الدرج بهدوء وهو يمسح الدرابزون وهي خلفه، توقفت عندما توقف أمام الباب في الطابق الثالث ونظر لها بثقب جعلها ترتاب منه..
رفع إصبعه مع حاجبيه محذراً أن تفتعل شيئاً أحمقاً كما أوصاها داخل السيارة، طوال الطريق لم يتوقف عن التحدث بالترهات وعن الإحترام في الحديث والهدوء والرقة، اللعنة على جـنّـة..
قلبت عيناها وتحدثت بسخط: خلاص خلاص عرفت إتفضل خبط خليني أخلص وأغور..

تأفف وكاد يتحدث لكنه وجد الباب فتح فجأة وحده ليطل عليه مسعود عمه الذي تحدث بابتسامة قبل أن يراها: بتكلم مين يا ابن أخويا؟!

تحرك قُصيّ إلي الجانب قليلاً لتتبين له عشق التي كانت تنظر له بامتعاض ومن دون سابق إنذار ومن دون أن تتوقع، جذبها من حجابها بقوة قابضاً على شعرها من أسفله جعلها تتأوه ثم دفعها إلى الداخل بعنف كادت تكتفأ على وجهها أثره، توسعت عينا قُصيّ بتفاجئ لكنه ضحك من ذهولة ودلف خلفها سريعاً وأخذها من يد والدها وقبل أن يتحدث تحدثت هي بوجه محتقن بالحمرة من الغضب وهي تعدل حجابها: إنت مجنون ياراجل إنت؟!

أغمض قُصيّ عينيه بنفاذ صبر وهو يدحجها بنظرات ناريه فقالت له بحدة وعينان جاحظة: متبصليش كده إنت كمان هو بيمد ايده عليا وجوزى واقف؟ لأ و بتتفرج راجل صحيح!
رفع حاجبيه وهو ينظر لها بتعجب فبادلته بأخرى عابثة ألن يطلب منها أن تكون جـنّـة! ستكون ولكن على طريقتها..
رمقها بأخرى تحذيرية وهتف وهو يصك على أسنانه بقوة: معلش يا عمي هي أصلها متعصبة مني شوية..

سألها مسعود بتهكم وهو يدحجها بنظرات ناريه: وكنتي فين بقي يا صايعه؟!
رفعت حاجبيها وردت ببرود: الصايعه دي تربيتك يا والدي، مرر قُصيّ يده علي وجهه بنفاذ صبر بينما والدها تقدم وهو يضم قبضته بقوة وبعينيه نذير شر وقبل أن يمسكها وقف قُصيّ عازلاً بينهما وهتف وهو يبتسم: أقعد يا عمي لازم نتكلم عشان الفتره دي كانت معايا أنا إحنا دخلنا..
إنتفض وصرخ به بغضب: نعم يا خويا عملتوا ايه؟!

تحدثت عشق بتهكم وهي تضع يدها بخصرها: دخلنا إيه إللي مش مفهوم؟!
هتف مسعود بعدم تصديق: دخلتوا إزاي؟!
ضحكت عشق بسخرية وتحدثت بتسلية: دخلنا على رجلينا زي كده، وأخذت تسير في الغرفه أمامه وهي تلوح بجلبابها كإحدي الأميرات فتنهد قّصيّ وهمس لنفسه بضيق: الله يحرقك يا عشق..
تقدم مسعود بغضب وقبض على ذراعها بعنف جعلها تتأوه وهتف بتهكم: تعالي هنا يا سافله..

تحدثت ببرود وهي تدفع يده: قولت مره تربيتك يــ، ثم نظرت إلى قُصيّ وتحدثت بازدراء وهي تأشر عليه: إسمه إيه ده؟!
قبض مسعود علي شعرها مجدداً بغيظ جعلها تتأوه أكثر وهو يقول بحدة: بقي عيشتك معاه في العز نسِتك إحترامك يا فاجرة..
إقترب قُصيّ وأخذها من بين يديه ثم دفعها إلى الغرفة وقال بتحذير: ماما جوه إدخوللها إنتِ جايه عشانها يلا..

تحركت وهي تُدحج والدها بنظرات ساخرة، لِـ يهم بالتحدث وهو يضع يديه على كتف قُصيّ عندما رآها تذهب: تعالي بقي يا ابن أخويا إحكيلي علي التفاصيل عشان الفرح إللي متعملش ده هاخد حقه كاش..

: حسبي الله ونعم الوكيل فيك ياشيخ الهي ما تتهني بيهم، هذا ما أردفت به حنان والدتها بقهر عندما سمعته فاستدار قُصيّ ونظر إلى عشق التي تقف خلفها تشاهدهم وهي تبتسم بعبث فعلم أنها فعلت شيءً ما؟! لكن كيف في هذه الثوانِ القليلة!.
هي لم تدلف بل وجدتها تخرج عليها ويبدو أنها سمعت كُل شيء..
رفعت عشق نظرها لتجد قُصيّ ينظر لها بحدة فهزت كتفيها بقلة حيلة وهي تبتسم بتشفي..

تحدث مسعود وهو يقترب من حنان مكوراً قبضته بقوة وكاد يعنفها: إنتِ بتدعي عليا بعد كُل إللي عملته عشانك يا فقريه إنتِ وبنتك الفقر..
تحدثت وهي تبكِ بقهر: بعد كُل ده إيه إنت عملت إيه إنت ياراجل يا عايب حسبي الله ونعم الوكيل فيك..

تحرك مسعود بعصبية لكن قُصيّ قيده بقبضته وهو ينظر إلى عشق بحدِة، فأمسكت بيدها بحنان عندما شعرت بتغير الأجواء بسبب ذلك الرجل البغيض ويبدو أنها إمرأة صالحة لن تتركها هكذا تتأذى بلا ذنب من ذلك الرجل..
ابتسمت لها بنعومة واخذتها ودلفت إلى الغرفة و.

بعد دخولهم مباشرةً عانقتها والدتها بقوة وحنان بالغ وهي تبكِ بحرقة وتحدثت بقهر: ليه عملتي في نفسك كده؟ يا بنتي مش قولتي مش عايزاه وده كان سبب الخناقة الأخيرة قوليلي لو مش عايزاه مستحيل اسيبك تمشي معاه مش هجبرك علي حاجه اهم حاجه تكوني مرتاحه يا حبيبتي كفايه اللي حصلك كفايه أوي..
تساءلت عشق بتعجب هي تمسك يديها بين راحة يدها مظهره التأثر علي ملامحها: هو أنا كنت رافضة قُصيّ يا ماما؟!

أومأت بحزن ثم تحدثت بأسف: أه كنتي رافضاه عشان دخل حياتنا فجأه وبعدين طلبك ورفضتيه لكن أبوكِ المادي الله يجازيه هو السبب هو اللي راحلهم لما أخوه مات وعرفهم إنه أخوه وكل ده عشان ياخد فلوس من ثروِته فاكر إنه ده وِرثه وهمه مكنش حِلِتهم حاجه أصلاً وأخوه هو إللي أشتغل وكون نفسه بنفسه وهو عايز ياخذ علي الجاهز ومن سعتها وإحنا في القرف ده وإنتِ اللي بتدفعي الثمن..

أومأت عشق بشرود ثم تساءلت: طيب ليه موفقتش عليه هو مش وحش؟!
أومأت والدتها وتابعت حديثها بتعب: أيوه ياحبيبتي مش وحش وإنتِ بعد فتره وافقتي عليه بس جيتي بعدها بيومين بالظبط قولتيلي إن قُصيّ عامل علاقه مع واحده وجيبلها شقه بيتقابلوا فيها في وقت معين من السنة، ومن ساعتها وإنتِ كارهاه..
توسعت عينيها و خفق قلبها بعنف ثم أزدردت ريقها وتحدثت بارتجاف: و و و عرفت هي مين؟!

نظرت لها والدتها بتعجب ثم سألتها باستفهام: إيه يا جـنّـة إنتِ مش فاكره؟!
ضحكت عشق بتوتر وهي تقبض على أناملها بقوة وقالت وهي تقضم شفتيها وبدأت تهز قدمها بتوتر: مش فاكره أوي يعني يا ماما فرحتي بـ قُصيّ نستني كل حاجه..

أومأت والدتها وهي تنظر لها بحنان وقالت بذهول: أنا مش مصدقه اللى بيحصل ده بس اهم حاجه تكوني مبسوطة معاه يا حبيبتي، أومأت لها عشق وهي تبتسم بوجه ممتقع وصبرٍ نفذ، فتابعت والدتها بنفس النبرة الحزينة: المهم جتيلي وكان معاكِ ورقه فيها عنوان الشقه بتاعته وإدتهاني..
إبتسمت عشق بعصبية ورفعت راحة يدها تجفف جبينها المتعرق بتوتر: وهي معاكِ الورقة أصلي نسيت العنوان ده؟! عشان اتأكد بس..

أومأت والدتها ثم تحركت بالغرفه وبحثت بإحدي الأدراج الملحقة بالكومود البالي حتى ألتقطت تلك الورقة المُلقاة بإهمال وأعطتها لها..
فتحتها بعيون زائغة، توسعت عينيها وشحب وجهها عندما وجدت عنوان الشقة التي تمكث بها؟، ماهذا؟
تساءلت بوجه قد نحل واصفر: هو أنا مقولتلكيش مين ساعدني عشان اعرف العنوان ده؟!
شردت والدتها وهي تفكر بعمق ثم تحدثت فجأة: أه صح قولتيلي إسمها عشق..

هزت رأسها باستنكار وهتفت بنبرة مرتجفة مُشوشة وهي تكاد تبكِ: عشق مين؟! صاحبتها معاها في الجامعه وكده يعني؟!
هزت والدتها رأسها بنفي وقالت بهدوء: لا عشق نفسها عشيقة قُصيّ!
خفق قلبها بعنف ثم هتفت بذهول وعدم فهم: أنا.

هزت والدتها رأسها وقالت بتعجب: أه يا حبيبتي إنتِ قولتيلي إنها قابلتك وحكتلك كل حاجه وإدتك العنوان عشان تثبتلك إن قُصيّ خاين، أومأت عشق وهي تحدق في ذلك العنوان بأعين جاحظة وكل مايجول برأسها ماذا يحدث بحق الجحيم ماذا يحدث؟! كيف تعرفها؟!.
جمعت حروفها ثم تحدثت بتلكأ في محاولة لضبط نبرتها حتى لا تخرج مرتجفة: طيب يا ماما أنا لازم أمشي ومتقلقيش عليا أنا قابله حياتي كده ومبسوطة..

سألتها حنان بحزن وهي تنظر لها بلوم: مش هتديني عنوانك؟!
ابتسمت عشق بتوتر وهي تنظر بكل الإتجاهات عدي وجه والدتها ولا تعلم ماذا تقول، فابتسمت حنان وضربت كتفها بكتفها وقالت: خلاص متقوليش أنا عارفه العنوان خلاص..
قطبت ما بين حاجبيها وهي تفكر ثم سألتها باستفهام مُراوغه: طيب ما تقوليلي عشان أعرف إنتِ عارفه العنوان الصح ولا لأ؟!

هتفت بتلقائية وهي تداعب وجنتيها بحنان: قُصيّ معندهوش غير بيت واحد محدش مننا يعرفه ولا دخله قبل كده بس أبوكِ إللي مش بيسكت عرف وجبلنا العنوان..
ابتسمت عشق و هتفت بحماس مصطنع: كويس أوى فين بقي يا قلبي إنتِ..
ضحكت والدتها وقبلت وجنتها بحنان بالغ ثم قالت: في
رفعت عشق حاجبيها بتفاجئ أخفته سريعاً ثم صفقت لها وهي تبتسم: شطوره يا ماما تنوريني والله..

عانقتها والدتها بحنان بالغ ودَعت لها برضا: ربنا يسعدك يا حبيبتي، ثم فصلت العناق وظلت تتأمل تلك الملامح الرقيقة التي إشتاقت لها كثيراً، لكن، هُناك شيءً مُختلف بها لا تعلم لكنها مُختلفة؟ ابتسامتها مهتزة! لا تتحدث براحة معها كما كانت في السابق! توقفت عن كونها بريئة؟ لا تعلم إنها مُختلفة؟ رُبما لأنها تزوجت رُبما!، لا تعلم!

عانقتها بحنان و أراحت رأسها على صدرها وهي تبتسم لكن ابتسامتها اختفت وتحدثت بتعجب عندما رأت لون شعرها: إنتِ غيرتي لون شعرك؟!
إبتسمت عشق وهي ترفع رأسها ثم عدلت حجابها المنزلق بنفاذ صبر فهي تكرهه بسبب تحركه بتلك الطريقة المزعجة وعجزها عن تثبيته والتحكم به: أه قُصيّ بيحب اللون الأسود عملته عشانه..

أومأت والدتها وهي تتنهد براحه فهي قد اطمأنت عليها الآن لقد أصبحت بخير في أيدٍ أمينةٍ الآن، كادت تتحدث لكنها وجدت قُصيّ يدلف عليهم وهو يبتسم فابتسمت له بالمثل فهو يسعد فتاتها وهذا أكثر من كافي بالنسبةِ لها..

حاوط خصر عشق بتملك ونعومة لـ تهتز مقلتيها بتوتر ويرتجف قلبها وهي تزدرد ريقها ثم رفعت نظرها له كي تري إن كان هو أيضاً يتأثر ويتبعثر من قُربها مثلما يحدث معها أم لا، وكانت الإجابة واضحة، لا، لقد خذلها تماماً مثلما يحدث كل مرة، لقد اعتادت على هذا..
أخرجها من شرودها اقتراحه عليها: مش نمشي بقي؟!
أومأت له بهدوء فتحرك بها ليذهب لكن حديث حنان أوقفه جعله يقطب حاجبيه وهو يحملق في عشق: هجيلك بكره يا حبيبتي..

استدار وتحدث بهدوء وهو يبتسم: إيه ده جـنّـة مقلتلكيش يا ماما إننا مسافرين بكره عشان هنقضي شهر العسل برا؟.
ابتسمت حنان وهتفت بسعادة: ربنا يسعدكم ياحبايبي تبقي طمنيني عليكِ ها؟!، أومأت عشق وهي تأشر على عينيها بالتناوب واحده تلو الأخري: من عنيا الاتنين يا حبيبتي..
نظر لها قُصيّ وهو يرفع حاجبيه يبحث عن عشق التي يعرفها فرفعت رأسها ونظرت له وهي تبتسم بنعومة ثم مررت يدها على صدر برقة: نمشي يا حبيبي؟!

أومأ وهو يرمش بتعجب ثم أخذها وذهب في طريقة..

وطوال الطريق كانت صامته تحدق بالورقة التي بين يديها باقتضاب وهي تُفكر بذلك الحديث كيف تعرف عنها جـنّـة وكيف تخبر والدتها أنها قابلتها وهي لا تعرفها كيف؟! قُصيّ بالتأكيد لن يفضح نفسه أمامها ويخبرها أنه يملك عشيقة! هل تتجسس عليه؟ حتى إن فعلت لن تستطيع معرفتها! قُصي نفسه لا يعرفها كيف علمت هي؟، وعنوان منزلهُ هو الآخر لما لم يخبرها به لما؟! هل توجد امرأة ثالثة في حياته ذلك القذر؟ وأين إختفت جـنّـة؟ يُجب أن تجدها أولاً لكنها تريد الذهاب من هنا فكل مايحدث لن يُفيدها بشيء سواء عملت حقيقته أم لا!، فهي لن تستفيد سوى الحزن وتحطيم فوائدها أكثر وتعلم هذا، لأن قُصيّ لا يفعل سوى هذا، لا تتوقع منه أن يسعدها يوماً حتى ولو عن طريق الصُدفة!.

استفاقت من شرودها على هُتاف قُصيّ بصوت مرتفع: فوقي يا ماما فى إيه؟!
نظرت حولها بتعجب وهي تحرك أهدابها في ذهول هل وصلوا بتلك السرعة؟.

تحدثت بهدوء وهي تنظر له بتعجب وكأنها لم تعرفه يوماً: مفيش أنا طالعه، ثم ترجلت من السيارة وصعدت إلى الأعلى دون أن تنبس ببنت شفة معه تحت تعجبه ونظره الثاقب المُعلق عليها هي ستفعل شيءً ما بالتأكيد، شرد قليلاً وهو يُفكر بكل لحظاتهم معاً وحديثها المُتكررعن ذهابها لتجحظ عيناه فجأة ثم ترجل من السيارة وصعد خلفها ركضاً..

بينما هي في الأعلى كانت قد إنتهت من تبديل ثيابها وارتدت جينز أسود و كنزة سوداء ثقيلة سريعاً وأخذت حقيبتها التي قامت بتجهيزها منذ أمس..

توقفت أمام الباب ولملمت شعرها تحت إحدي القبعات كي لا يعرفها أحداً هذا إن قابلت أحداً للإحتياط فقط، ثم وضعت يدها على المقبض وأدارته بخفة لـ تقطب حاجبيها عندما وجدته مغلق، حاولت من جديد وهي تفرغ فاهها بذهول لكنه لم يفتح! توسعت عينيها وأعادت إدارته مُجدداً بعصبية وهي تطرق علي الباب براحة يدها لكنه لم يفتح فصرخت وهي تلقي القبعة بعيداً وركلت الباب بقوه وغضب عدة ركلات بقدمها وهي تشتمه: غــبــــــي حيوااااااااااااان ربنا ياخدك يا قُصااااااااي.

بينما في الخارج كان يقف يستند على الحائط بجذعه يرفع إحدى قدميه عليها واضعاً يديه في جيب بنطاله وهو ينظر إلى الباب بتسلية، إنفجر ضاحكاً وهو يهز رأسة باستخفاف فهو توقع أن تفعل هذا مسبقاً فسبقها بخطوة كما يفعل دائماً، إعتدل بوقفته ثم عدل سترته وهز رأسه بأسي وهو يستمع إلي صراخها في الداخل ثم ترك المبني وغادر، هل تظن أنها ستهرب وتذهب متى أرادت؟ تحلم..

في الإسكندرية..
ألقت جسدها على الأريكة بإرهاق وهي تزفر بتعب فجثا جاسم على الأرض بجانبها وهتف وهو يضرب أرنبه أنفها بسبابته: أقدر أفهم إنتِ تعبانه من إيه؟!
تنهدت وهي تمرر يدها على وجنته بنعومه وهتفت برقة: كفايه إني أشوفك بتعمل مجهود ده يتعبني لوحده..
إبتسم ورفع حاجبيه وهو ينظر لها؟ فهذا غير متوقع! فقال بمزاح: لا مش معقول انا كده أقعد جنبك بقى عشان أطمن إنك هتبقي دايماً كويسه..

أومأت له وهي تزم شفتيها ثم أمسكت يده ووضعتها تحت وجنتها وأغمضت عيناها بنعومة كي تنام فابتسم بحب وهو يتأملها، لما هي جميلة ورقيقة هكذا؟، قرب وجهه منها أكثر كي يُقبلها وقبل أن يلتقط شفتيها أجفله صوت والدته الحاد: بتعملوا إيه اطلعوا وضبوا الأُوض قبل ما نمشي..
هز جاسم رأسه سريعاً موافقاً لـ تتحرك والدته وصعدت إلى غرفتها، ليزفر براحه ثم همس لـ جـنّـة بخفوت: مرعبه أوى..

ضحكت بنعومة وهي تومئ له فحملها عن الأريكة فجأة لـ تشهق بخفه لكنها حاوطت عنقه بنعومة وهي ترمش ثم دفنت رأسها برقبته كـ قطة فابتسم وتحرك صاعداً بها إلى الأعلي كي يقوم كل واحداً منهما بترتيب غُرفته قبل الذهاب..
بعد بعض الوقت..
صاحت بإسمه وهي تنزل الدرج بتعب بسبب ثقل الحقيبة عليها: جاسم إنت فين جاسم!
شهقت برقة عندما وجدته يحاوط خصرها بنعومة وتحدث بعبث أمام شفتيها: عيوني..

ابتسمت وهي تُداعب أرنبه أنفها بأنفه ثم قوست شفتيها وهتفت بحزن: إيدي وجعتني من الشنطه ينفع كده؟!
قوس شفتيه مثلها وهز رأسه بنفي وقال بعدم رضي: لا طبعا مينفعش عشان كده البرنسيسه عشق هشيلها لحد العربية بنفسي..
أومأت بسعادة وهي تحاوط عنقه بقوة فقام بحملها
كـ ريشة ناعمة ثم توجه بها إلى الأسفل، وضعها على المقعد الأمامي بجانبه ثم عاد إلى الداخل وجلب بقية الحقائب حتي انتهي أخيراً..

استقل السيارة وأدار المقود كي يتحرك لكنه توقف وانتظر حتى أتت والدته، استقلت السيارة وبعدها تحرك..
سألته جـنّـة باستفهام: إيه ده هي ماما جايه معانا؟!

ابتسم جاسم وهو يومئ لها وتحدث بسعادة: دي كانت مفاجأتي ليكِ قررت إننا هنفضل مع بعض علي طول مش هتقعدي في المدينه الجامعيه ولا الشقة لوحدك هنفضل مع بعض ولو ماما عجبها الوضع هنستقر هناك دايماً، وأنهى حديثه بإبتسامه ساحره فهزت رأسها له بابتسامة مُماثلة ثم شردت ولم تتحدث وهو لم يتحدث مجدداً بل صمت، وتابع قيادته إلى القاهرة..

استقلت السيارة وهي تبتسم بنعومة، ثم قالت بجوع وهي ترتب كُتبها على قدمها: آدم، الحقني بالأكل أنا جعانة أوي، ثم أخذت شهيقاً طويلاً وصاحت كـ طفلة بصوت مُرتفع تستعجله: آدم أنا جعانة جداً وعايزة آكل دلوقتي يلا..

إبتسم وأدار المقود وهو يبتسم لها بحنان لـ تبادله نفس الإبتسامة بنعومة لكن إبتسامتها اختفت سريعاً عندما سمعت صوت تلك الضحكات الخافتة فنظرت خلفها بتفاجئ لتجد سالي تجلس في المقعد الخلفى وتبتسم لها..
بادلتها ابتسامتها بأخرى متعجبة ومتفاجئة لما لا تجلس هي في المقدمة؟ طالما هي هُنا؟ ولما لم يخبرها أنها سوف تكون معه..
قامت تالين بتحيتها بهدوء: ازيك يا سالي..

ابتسمت سالى وردت التحية بهدوء: الحمد الله كويسة، أتمنى إني مكنش تقيلة عليكم النهاردة!
إبتسم آدم ونفي: لأ، طبعاً يا حبيبتي بالعكس اليوم هيبقي جميل أوي..

أومأت وهي تبتسم له عبر مرآة السيارة وإعجابها به بيّن جلياً على وجهها، بينما تالين اعتدلت في جلستها بضيق وظلت صامتة ثم أخرجت هاتفها وعبثت به بيد والأخرى بدأت تقضم أظافرها وهى تفكر به وبتصرفاته ذلك المنفصم هل هو أحمق؟ أمس يخبرها أن لا يجعل زوجها يقترب منها لأنه يشعر بالغيرة وهاهو الآن يُغازل حبيبته؟ أليست تشعر بالغيرة هي الأخرى؟ هل هي تفعل حقاً؟

استفاقت من شرودها على طرقعة آدم لأصابعة أمام وجهها وهو يوقظها: تالين، تالين، فوقي وصلنا يلا عشان ناكل..
أومأت بشرود وهي تفغر فاها ثم تحركت سريعاً بارتباك أسقطت الكُتب عن قدمها جعلته يتعجب وهو يراقبها ثم انحنى وقال بهدوء: سبيهم هلمهم أنا..
هزت رأسها بنفي ولملمتهم باقتضاب ثم نزعت الكتاب الذي التقطه من يده بعنف بيّن وحملته أمام صدرها مع البقية لـ يسألها بتعجب: إنتِ هتاكلى بالكُتب؟

لاحت إبتسامة ساخرة على مِحياها لم يراها من قبل ثم قالت باقتضاب وحِدة لم يتوقع أن تتحدث بهما يوماً: لأ أنا مروحة شكراً وأعمل حسابك مش هتصولني تاني لا رايح ولا جاي اعتبرني مش موجوده مفهوم، ثم ترجلت من السيارة وصفقت الباب بوجهه بعنف جعلته يتعجب أكثر هو ماذا فعل لها لنوبة الغضب هذه؟
راقبها من نافذة السيارة وهي تستقل سيارة أجره وهو يرمش متعجباً حتى إختفت عن وقع أنظاره نهائياً..

أخرجه من شروده جلوس سالي بجانبه بعد أن استقلت السيارة من جديد وسألته بتعجب: ايه يا آدم مش بتنزل ليه؟ وتالين راحت فين؟
هز رأسه بنفي ثم قال وهو يدير المقود وأخبرها بتلك الحِجة: أصل طلع عندي إجتماع مفاجئ وهي روحت عشان عايزه ترجع بدري و هتتأخر لو فضلت معايا وأنا دلوقتي هوصلك إنتِ..
أومأت بإحباط وهي تقوس شفتيها ثم قالت بعبوس: طيب رجعني الشركة تاني..

مساءاً...
عاد قُصيّ مساءاً وكل تفكيرة طوال تلك الساعات كان محصور حولها، هو فقط تركها قليلاً كي تهدأ ومن ثم سيعود لها فهو لا يملك غيرها..
أدار المفتاح داخل المقبض ببطء كي لا يصدر صوتاً وتأتي ركضاً من الداخل وتقتله! ورُبما تكون متربصة به خلف الباب أيضاً، دلف وأغلق الباب خلفه بهدوء و متأكد تمام التأكد أنها في الداخل لكن لا صوت، صوت أنفاسه فقط هو ما كان مسموع..

بحث عنها في غرفة النوم لكنه لم يجدها، بحث في كل ركن وكل مكان في الشقة لكنهُ لم يجدها! عاد إلي غُرفة الجلوس أمام الباب المفتوح من جديد لـ يفرغ فاهه بذهول وهو يلتفت باحثاً عنها بأنظاره في الأركان الضيقة رُبما تمازحهُ وتختبأ لكنها ذهبت حقاً كيف خرجت تلك اللعينة؟، أغلق الباب بقدمه، لا، بل صفعه وهو مازال يبحث عنها لا يريد أن يصدق أنها ذهبت حقاً..

إنفجر ضاحكاً عندما أبصر تلك الورقة البيضاء الكبيرة المعلقة على ظهر الباب نُقش عليها بخطٍ بشع عريض: معايا مفتاح يا زباااااله يا غـــبـــي، ضحك من جديد بعدم تصديق وهو يلعن غبائة أثناء تحديقة بتلك الورقة ثم فتح الباب وذهب كي يبحث عنها فإن كان يعرفها تمام المعرفة كما يعلم فيعرف أين يجدها الآن، إنها لاتملك أموالاً صحيح؟

بعد ساعتين تقريباً من مغادرتها الشقة كانت تقف بمحل مصوغات تحدق بالرجل الذي يُقيِّم تلك القلاده الذهبية المحلقة بالقِرط الخاص بها موضوعين معاً بعلبه واحده كانت قد ناولته إياها من دقائق فقط، وضعهم أمامه على الكاونتر وهو يبتسم ثم قال: دول حلوين جداً هدفع فيهم إللي إنتِ طلبتيه..

أومأت له وهي تبتلع غصتها بحزن وأدمعت عينيها وهي تحدق بهم لأنها تفرط بأغلى ماتملك الآن فهم ملك والدتها قد أهداها إياهم والدها بيوم زفافهم بعد قصة حُب أسطورية بينهم ومن المفترض أن ترتديهم هي أيضاً بيوم زفافها مثلما كانت تخبرها والدتها دائماً وهي صغيرة، لكنها ظلت تقنع نفسها طوال الليل أمس وهي تتكور على نفسها فوق الفراش كي تبرر فعلتها وهو كـ التالي، أنه من المُفترض أن تصنع قصتها الخاصة بها يُجب أن ترتدي ما يجلبهُ لها زوجها وليس ماهو ملكاً لوالدتها وقد ذهب الآن على أي حال..

انتهى الرجل من عد الأموال النقدية ثم ناولهم لها، أخذتهم من بين يديه ووضعتهم في حقيبة ملابسها ثم تحركت كي تذهب لكنها ارتطمت بكتف شخصٍ ما كان يدلف فكادت تسقط لكنها تماسكت وتابعت سيرها بترنح وقلب يخفق بقوة..
تحدث معتذراً وهو يطالع ملابسها المحتشمة وحجابها: أسف، أومأت بصمت وهي تكتم أنفاسها ولم ترفع رأسها عن أرضية المتجر قط ثم عجلت بخطواتها وذهبت سريعاً..

تنفست الصعداء بعد خروجها مباشرةً ثم نظرت خلفها وهمست لنفسها بذهول: قُصيّ بيعمل إيه هنا؟
سأله قُصيّ وهو يضع الهاتف أمام وجهه: دي جت هنا؟!
نظر الصائغ إلى الصورة مُطولاً ثم هتف بذهول: أه دي لسه خارجه المُحجبه!
رمش قُصيّ قليلاً ثم توسعت عيناه عندما تذكر تلك الغبية التي ارتطمت به كيف تُفكر؟ يا الهي؟ ألم تُحاربه كي لا ترتدي تلك الملابس؟

سأله قُصيّ من جديد و عينيه تتجول عليه مُراقباً ابتسامتهِ وسعادتهِ بالقلادة كأنه حصل على ثروة قومية: هي باعت حاجه؟!
أومأ الرجل وهو يبتسم ثم ناوله القلادة لِـ يهم قُصيّ بالحديث وقال دون تفكير وهو يحدق بها: هشتري كل اللى باعته..
هتف الصائغ بتعجب: بس ده غالي اوي!

فتحدث قُصيّ بتهكم وهو يدحجه بنظرات غاضبة: شايفني شحات قدامك خلص هاتهم، أومأ الرجل بإزدراء وهو يلعنه بسره هل يعمل لديه؟! هو حتى لم يتأمل تلك القطعة الثمينة ويحتفظ بها لوقتٍ طويل..

توقف جاسم بالسيارة أمام متجر المصوغات بابتسامة، فهو يريد أن يأتي لها بـ دُبله جديدة عوضاً عن الأخرى لأنه يشعر أنها تجلب النحس لهم وتغيرها سيكون جيّد، إبتسم وحث جـنّـة على الترجل معه: جـنّـة انزلي بسرعه انزلي، أومأت وترجلت من السيارة معه وهي تبتسم فأمسك يدها وأخذها معه ودلف إلى المتجر بهدوء..

إبتسم البائع عندما رآها وقال بأسف وبعض التعجب عندما وجد الملابس متغيرة: جيتي تاني ده في واحد سأل عليكِ واشتري العقد والحلق شكلهم يهموه أو إنتِ اللي تهميه..
تبادلت جـنّـة النظرات مع جاسم بتعجب ثم هتفت وهي تأشر على نفسها: انت بتكلمني انا؟!
إبتسم وهو يومئ لها وتابع: أه و بعد ما إشتراهم خرج يدور عليكِ..

نظرت لها بدون تعبير ولم يصدر عنها أي ردة فعل فقطب الرجل حاجبيه وهو يرى نظراتها المُكذبة له ثم أخرج هاتفه ورفعه أمام عينيها كي تصدقة: شكلك نسيتي بس أنا صورت الحاجه اللى بعتيها عشان نادرة من نوعها أهي ثم ناولها الهاتف..

أخذته من بين يديه ونظرت إلى الصورة بهدوء ثم نظرت إلى جاسم وهزت رأسها بعدم فهم وناولته الهاتف ليراها، قطب حاجبيه وهو ينظر إلى الصورة بجهل فهو لم يراه من قبل أيضاً لكن نقل الصورة على هاتفه ثم أعاده إلى الرجل وتحدث وهو يبتسم: جايز واحده شبها يخلق من الشبه أربعين..
ضحك الرجل وقال بقلة حيلة: قالوا يخلق من الشبه! مش الشخص نفسه دي إنتِ بالظبط أنا مُتأكد والمرة الجاية هصورها لو رجعت يعني..

فسأله جاسم وهو يرى ذلك الإصرار عن كونها هي نفس الشخص: طيب عرفت إسمها أو حاجه عنها ولا حاجه؟!
هز الرجل رأسه بنفي وتحدث بهدوء وهو يتذكر بتروي: لا بس جه راجل سأل عليها وطلع اسمه قُصيّ باين؟ إسمه مكتوب في الفاتورة قُصيّ..
دق قلب جـنّـة بعنف و نظرت إلى جاسم بخوف ثم تحدثت بقلق: أنا حاسه إني سمعت الاسم ده قبل كده؟!

أومأ جاسم بشرود وهو يحدق في الفراغ ثم قال بهدوء: نمشي؟، أومأت له وهي تبتسم بشحوب فأمسك يدها بين راحة يده وذهب..
إستقل السيارة بهدوء وقبل أن يدير المقود تحدث بسخط وهو يضرب جبهته: إيه ده أنا مجبتلكيش الحاجه إللي كُنت عاوز اجيبها!
ربتت على صدره وهي تبتسم بنعومه: مش مهم يا حبيبي إنت عندي بالدنيا، أمسك راحة يدها ورفعها عن صدره وقبلها بحب وهتف وهو يحدق بفيروزتيها بحنان: ربنا يخليكِ ليا..

تبسمت والدته بحنان وهي تراقبهم من مكان جلوسها في الخلف بسعادة وهي تدعو أن تدوم تلك السعادة والمودة بينهم دائماً..
تنهد قُصيّ براحه عندما رآها تجلس على أحد المقاعد الخشبية المطلية باللون الأخضر بالطريق العام ويبدو أنها شاردة، بالتأكيد ستكون شارة..

تقدم منها بهدوء وهو يبتسم ثم جلس بجانبها وتحدث بخفوت: لسة بتيجي هنا لما بتبقي مخنوقه؟!، لم يأته رداً منها فرفع رأسه ونظر لها ليجدها شاردة والحزن والهم يكتسي ملامحها الرقيقة، هتف وهو يطالع هيئتها قاصداً السُخرية منها: مبروك الحجاب!
هزت رأسها وهي تبتسم باستهزاء: بتتريق!
نظر لها بعمق ثم سألها بعتاب: إنتِ عايزه تمشي ليه؟!

ابتسمت بحزن وهتفت بنبرة مرتجفة حزينة وهي على وشك البُكاء: عشان انا اتخنقت وزهقت وقرفت من نفسي عرفت ليه؟!

تنهد بحزن وإقترب أكثر منها ثم أمسك يدها بين راحة يديه ورفع ذقنها بإبهامه جعلها تنظر له وهتف بكل صدق ونبرة حانيه لأول مرة يتحدث بها معها: أنتِ أي حاجه هتقوليها هيبقي عندك حق فيها بس أنا مش جاهز إنك تخرجي من حياتي! الفكره مش مستوعبها سميها حُب إعجاب تعلُق سميها زي ما تسميها بس أنا مش جاهر إنك تسبيني وتخرجي من حياتي مش جاهز يا عشق ومش عاوز كده!.

سقطت عبراتها بأسى وهي تستمع له وخاصتاً إلى تلك الثلاثة أحرف، أحرف إسمها من بين شفتيه كم هو جميلاً، كانت تتمني حقاً أم تستمع له من بين شفتيه عندما يعلم أنه إسمها الحقيقي..
رفع يده وقام بمحو تلك العبرات اللؤلؤية خاصتها وهتف برقه وحنان بالغ: متعيطيش بتعيطي ليه أنا مش متعود عليكِ كده! وإنتِ مش بتعملي حاجة الفترة دي غير العياط؟.

شهقت وهي تغمر وجهها بين يديها وهتفت بحرقه من أعماقها: عشان أنا مش كويسه يا قُصيّ وانت هيجيلك يوم وهتسيبنى وأنا متأكده من ده! قُصيّ إنت لو خيروك بيني وبين جـنّـة هتختارها هي مش هتختارني أنا، عانقها بحنان وهو يدفن رأسها بصدره مطلقاً زفيراً حزيناً من أجلها..

بكت أكثر وهي تشهق وجسدها ينتفض على صدره بقوة فرفع رأسها ومحي عبراتها وهو يهدئها مربتاً على ظهرها بحنان ثم أردف بوعدٍ صادق: أنا مش هسيبك ولو معايا ميت جـنّـة إنتِ فاهمه ولا لأ؟! أنا قبلتك إنتِ الاول، دخلتي حياتي الأول، وهتفضلي الأول دايماً صدقيني هاا؟!، هزت رأسها بإيماءات سريعة وهي تستنشق ما بأنفها فقام بمسح بقية دموعها من جديد وهو يبتسم بعبوس ثم إقترح عندما رأي مُثلجات: هروح اجبلك آيس كريم بقي، ابتسمت بنعومة وأومأت له بهدوء..

تركها وذهب صوب بائع المثلجات مباشرةً والإبتسامة تعتلي ثغرة، توقف أمامه وقام بشراء إثنان واحدة لها والأخرى له وعاد أدراجه بقربها من جديد لكنه توقف بمنتصف الطريق عندما لم يجدها مكان ماتركها هي وحقيبتها، وهُناك من جلس مكانها أيضاً رجلاً!

زفر وهو يلعن غباءه لقد صدقها تلك اللعينة ذات الإبتسامة الخادعة، لكن مازاد الأمر سوءاً رؤيته ذلك الرجل الجالس يلتفت يمينه ويساره ليتبين وجهه بوضوح، أليس هذا الذي قابله في المطعم؟ لم يعرف إسمه لكن عشق عندما بكَت قالت أنه سامي صحيح؟.

كانوا يجلسون على طاولة الطعام يتناولون عشائهم بهدوء مُثير للريبة دون أن ينبث أحداً منهم ببنت شفة..
فقط صوت الملاعق وارتطامها بالأطباق كان مايقطع ذلك الصمت الرهيب المؤذي إلى العقل والفكر..
قطع ذلك الصمت صوت شهيرة المتسائل: جيتي النهارده بدري يعني يا تالين؟

نظر لها آدم يتابع تناولها إلى الطعام بهدوء وتركيز يحاول قرائتها أو قراءة أي شيء يجعله يعرف سبب غضبها منه! لكنه لم يعرف سوى أنها غاضبة منه بشدّة فقط على ما يبدو..
ردت تالين بهدوء: مفيش عادي سبت محاضرة عشان تعبت شوية..
أبتسمت شهيرة وقالت بنبرة ذات مغزى: طيب ما روحتيش للدكتور ليه؟
نظرت لها بتعجب ثم سألتها باستفهام: ليه أنا كويسة ده أرهاق بس؟

ابتسمت شهيرة ثم لكزت ذراعها وهي تلفت نظرها: مش بتقولي تعبانة! ممكن تكوني حامل..
توقفت عن مضغ الطعام بتعجب لـ يبتسم مصطفى وهو يحاوط كتفها ثم قال بسعادة: ده يوم المُنى لما تالين تجبلي بيبي..
إبتسم آدم بسخرية وهو يلعب في الطعام ثم هتف بهدوء كي ينهي ذلك النقاش قبل أن يخرج عن شعورة ويقول ما لا يحمد عقباه: أنا بعد أسبوع أسبوع ونص كده مسافر لواحد صاحبي تبقى وصل إنت مراتك بقي..

هتف مصطفى بابتسامة: طيب ما تاخدها معاك
قطب آدم حاجبيه بتعجب ثم هتف باستفهام: أخدها معايا فين وليه؟
هز مصطفي كتفية وقال بهدوء: عادي مش عشان حاجة معينة، إنت عارف إن تالين مش بتخرج غير بتروح الجامعة بس متهيألي كان قصدي تغير معاك جو شوية، ثم صمت قليلاً يفكر وتابع: ولا أقولك خلاص إنسي ممكن أخدها أنا معايا السفرية دي..

أومأ له آدم وهو يفكر بعمق لـ تتحدث تالين معترضة: ولا إنت ولا هو أنا عندي إمتحانات محتاجة مذاكرة وتركيز..
إبتسم مصطفى وقال بعدم إهتمام: و ايه يعني؟ عادي لو شلتي مادة أو اثنين مش حكاية؟
هزت رأسها وهي تبتسم بغباء: لأ طبعاً أنا متفوقة في كل سنين دراستي هاجي أفشل في الآخر ولا ايه؟ وبعدين أنا عايزة أتعين في الجامعة ولو متعينتش على الأقل أشتغل في مستشفى كويسة!

ربت مصطفى على شعرها برفق وقال بهدوء: طيب افرضي إنك فجأة بقيتي حامل هتفضلي تلفي بقي وتتعبي نفسك؟
هزت رأسها بعصبية وقالت بضيق: لأ مش حامل يا مصطفى، واحنا متفقين إني هشتغل! أنا مش بعمل كل ده عشان اقعد في البيت في الأخر فاهم!، ثم نظرت إلى آدم الذي كان يحدق في طبقة بصمت دون أن يشارك رأيه كما كان يفعل دائماً ويقف في صفها وكم هذا أزعجها جعلها تصرخ به بعصبية: إنت ساكت ليه إنت التاني؟ قول حاجة؟!

رفع رأسه متعجباً ثم هتف وهو يبتسم باصفرار: أصلى مش هوصلك تاني ولا هجيبك عشان مشغول فا مجتش على دى بقى اعتمدي على نفسك، تصبحوا على خير، وتركهم وصعد إلى غرفته تحت نظراتها الحزينة التي كانت ترمقه بها..
بعد عدة ساعات، كانت تقف داخل شرفتها تحدق إتجاه شرفته في هذا البرد القارص تنتظر دخوله لكنه تأخر اليوم ولم يدلف هل هو غاضب منها إلى تلك الدرجة؟ هي مخطئة وتعلم لكن هو طيب ويُحبها أليس كذلك؟

رفعت هاتفها الذكي ونقرت على شاشته بخفة وكتبت له تلك الرسالة النصية بتردد: آدم، أنا آسفة، حدقت بها قليلاً ثم هزت رأسها بنفي وقامت بمسحها سريعاً ثم أغلقت الهاتف وتركته على سور الشرفة بضيق وعادت تلتقط قدح قهوتها وبدأت ترتشفه بحزن وحدها وهي تنظر داخل شرفته باقتضاب وانزعاج ثم نظرت إلي قدح قهوته الخاص التي صنعته من أجله ذلك الطفل الغاضب، لما لم يخرج اليوم؟ هل نام كـ طفلاً رضيعاً مبكراً! زوجها وتعلم أنه لا يفعل سوى النوم أما هو فما سببه؟! هل تنادي عليه بحجة القهوة كي لا تهدر سُكراً ولا يرتشفها في نهاية المطاف هذا إسراف؟ حسناً هي غبية هو يشربها بلا سُكر يشربها مُره كـ حياتها، حسناً، حسناً، فليفعل ما يشاء لن تتحدث معه! لن تفعل هي ليست مخطئة..

دلفت إلى الداخل بحزن وهي تقوس شفتيها ثم تسطحت على الفراش بجانب مصطفي، نظرت إلى ظهرة قليلاً بتركيز تري كيف يغفي بعمق دون أن الشعور بما حوله، ليتها تستطيع التجاهل مثلما يفعل هو..

وضع يديه على خصرها عندما تقلب على حين غرة، أبعدتها بضيق وهي تتقلب وأولته ظهرها عندما وجدت وجهه مقابلها وقليلاً فقط وحاوط خصرها بقوة وسحبها مقرباً جسدها منه دون أن يدري جعلها تزفر وهي تنفخ وجنتيها ثم أبعدته بضيق وأخذت غطاء ثقيل وبدلت مكان نومها واستقرت على الأريكة..
دلف إلى الشرفة متسلِلاً بخطوات حثيثة بطيئة كي لا يصدر صوتاً كـ اللص، ثم سرق قدح قهوته وهو يبتسم ودلف إلى الغرفة سريعاً قبل أن يتجمد..

جلس على تخته أسفل الغطاء الدافئ ثم أرتشف منه بتمهل وبطء وهو ينظر داخله بعد كل رشفة وأخرى يطمئن أنه ممتلئ كي لا ينتهي لا يريده أن ينتهي، هو لا يستطيع شرب القهوة سوى من يدها الآن، لقد أدمنها، سابقاً كان يرتشف قهوته في العمل ويضع بها الكثير الكثير من السُكر، لكن عندما أعدتها له في مرة صدفة دون سكر وتذوقها لم يعد يشربها سوى مُرة وللغريب أنه يتلذذ بها أصبحت المُحلاه مُرة والمُرة مُحلاه بالنسبةِ له، فهي تدفئة كثيراً في هذا البرد القارس، ومن المفترض أن يستفيق عندما يرتشفها أيضاً لكنه يغط في نومٍ عميق كـ أهل الكهف كل يوم بعد ارتشافها كأنه ارتشف حليباً دافئ وليس مُنبه!.

تنهد وهو يفكر بعمق مُمرراً أنامله على حافة الكوب، لقد لفت مصطفي نظره إلى السفر، هو لم يفكر بهذا من قبل بتاتاً لأنه من الطبيعي ألا تذهب معه وألا يوافق شقيقة، فكيف ستذهب معه من الأساس؟ وبأي صفه سوف تسير معه؟ لكن يبدو أن شقيقة الحبيب لا يُمانع؟، فكم يحبهُ عندما يوفر عليه الكثير من الجهد والعناء..

هز رأسه بملامح ممتعضة وهو يتساءل بنفسه ذلك السؤال الذي يلح على عقله كثيراً، شقيقه مما هو مُركب يا تُري؟ هذا كيف يفكر بتلك الطريقة؟، إنه يقسم لو كان يملك أخاً وسيماً مثله لم يكن ليترك زوجته معه فوق الخمس دقائق سواء كانت قبيحة أم جميلة، يحبها أم يكرهها! فهذه الأشياء لا تتعلق بمقدار الجمال فقط ولا تتعلق بالثقة! هي فقط تتعلق بكونك رجلاً ولا يمتلك الجميع تلك الصفه فهو لا يغير عليها كـ خروفٍ..

لا يهم، هو الآن سوف يفكر بطريقة تجمعهم معاً كـ صدفة كي تصالحة وتبعد غضبه! هو حقاً ليس حزين ولا غاضب، بل يُحبها ورؤية جوانب شخصيتها الأخري تروقة ولا تُزعجه بتاتاً، فكم بدت لطيفة وهي غاضبة وخاصتاً عندك صرخت به كي يساعدها يالهي كاد يضحك، فهي كانت كـ الطفلة التي تستنجد بوالدها حقا، وهذا أسعده، جعله يتلذذ بتلك الكلمات القليلة التي عنت له الكثير..

فقط لا يُجب عليها أن تقلق بهذا الشأن فهو سوف يقوم بشراء مستشفى خاصة بها وحدها إن أرادت حتى إن أنفق كل ما يملك لا يهم هي وهو واحد، هو لن يتركها! سيظل في ظهرها دائماً يُساعدها ويساندها حتى يمل، ولن يمل أبداً..
فقط تلك المصادفة المُدبرة التي سيفكر بها سوف يطلب من خلالها أن تسافر معه وستكون هذه حجة جيّدة كي يسامحها هذا إن كان غاضباً من الأساس..

هو يرى أن هذه ستكون فرصته الأخيرة كي يقترب منها دون عوائق كـ والدته وسالى مثلاً، يُجب أن تأتي معه لأنه لن يقبل أن تعود سوى وقلبها يخفق بإسمة هو سيصبح ملكاً له، هو سيحصل عليها على أي حال طالما شقيقة يساعده دون عناء بتصرفاته وسكونه يساعده بالأثنين!.
لكن يُجب أن يطلب منه مصطفي هذا أولاً وألا يبادر هو بذلك الطلب، ليفكر الآن في كيفية فعل هذا؟!

هدوء، هدوء ما كان يعم المكان، سماء صافية عدى من تلك النجوم اللامعة والقمر الغير مكتمل في منتصف السماء، صوت صرصور الحقل هو ما كان يسمع في تلك الساعة المتأخرة من الليل، صوت الضفدع الذي كان يصدح من داخل بركة المياه كان مزعجاً كثيراً لكن الجميع هُنا قد اعتاد عليه..

في تلك الأرض الخضراء الواسعة كان الحراس يجلسون حول بعض البعض كـ دائرة في منتصفها الحطب الذي أشعلوه كي يتدفئوا من تلك البرودة، كُل واحداً منهم يحمل سلاحة، منهم من كان يتكأ عليه ومنهم من كان يضعه على قدميه ومنهم من وضعه على العشب بجانبه والجميع تارة يتبادلون أطراف الحديث بتسلية وتارة أخرى يلقون مزحات مبتذلة كي لا يتجمدوا ويموتوا من البرد مع الملل أثناء مناوبة حراستهم..

أما في الغرفة في الطابق الثاني..
كان الفراش الحديدي يهتز به بقوة بصوت مزعج من رجيج جسده عليه بعنف وهو يتفصد عرقاً بغزارة، يهز رأسه يميناً ويساراً بهستيريا يحاول التحدث لكنه أبكم لسانة معقود لا يتحرك، جسده متصلب، يضم قبضته بقوة على الملائة يقاوم ويقاوم ويقاوم، حاول التحدث من جديد أكثر وأكثر حتى زمجر بخشونة مع إنتفاضة جسده..

إنتفض عن الفراش وهو يتنفس بإرهاق، متعب، متعب يا إلهي، مختنق الهواء لا يصل إلى رئتيه، قلبه يؤلمه يؤلمه بشدّة، نبضاته السريعة المؤلمه كمن هرب من موته الآن لا يتحملها، يكفي عذاب إلى الآن يكفي، يريد أن يحيا حياة طبيعية كـ البقية! هي تحيا حياتها سعيدة بالتأكيد لما حياته هو هكذا إذاً؟.

يقسم أنها لو وقعت بين يديه سيذيقها الويلات، سيشفي غليله بها، غليل كل تلك السنوات التي أضاعها هباءًا، هذا الإرهاق والعذاب ستتجرعة أضعاف مضاعفة دون سبب، ستتمنى الموت ولن تحصل عليه، ستطلب الرحمة ولن تراها يوماً، يُريد قتلها سوف يقتلها!.
مسد صدره بألم شاعراً بـ ببلل جسده من العرق، زاغت عيناه وهو ينظر حوله بتشوش ثم مرر يده على وجهه زافراً بسخط وهتف بغضب وجسده متصلب: هي ليلة مغفلِجة باينلها..

لكم الكومود بعنف ثم فتح الدُرج بغضب، أخذ منه القلادة الخاصة بها ثم ضرب الدُرج أسقطه أرضاً بضجر ومقتٍ شديد، هو المُخطئ لأنه غفي هُنا!

إنفجر ضاحكاً عندما سمع صوت صراخ أنثوي مذعوراً من الغرفة المجاورة، من الجيّد أن هُناك من لا يستطيع النوم مثله، إنها ليلى، كان يعلم أنها لن تستطيع النوم، لا يعلم ما خطب منزلهم! لكن هذا مايحدث عندما يأتيهم أي ضيف، لا يستطيع أن ينام الليلة الأولى من كثرة الكوابيس، الجميع يقول أن الموضوع متعلق بـ عُمار المنزل والجن وأشياء من هذا القبيل، هو لم يجرب هذا من قبل ولم يحدث له شيءً مريب، لكن كل من يأتي إليهم يستيقظ صارخاً في منتصف الليل بوجهه شاحب كـ الأموات مِصفر باهت ويظل يتمتم بكثير من الترهات التي تجعل عمّار يضحك عليهم لكنه علم ما يصيبهم بسبب مايتكرر على ألسنة الجميع، وحله شيءً واحد فقط..

نظر إلى العروسة الصغيرة التي تتراقص داخل القلادة وهتف بأسف: هخلص منك، ما أنا لازم أخلص منك..
ترك الفراش ثم دلف إلى الشرفة لـ يلفح الهواء الطلق جسده العاري نسبياً الرطب بسبب العرق..
هتف بصوت مرتفع نسبياً وهو يضرب حائط الشرفة التي بجانبه وهو يبتسم: حماتي، حماتي، تعالي أنا هنيمك، ضحك بسخرية ثم أعاد بحدية: حماتي أخرجي بس وهقولك تنامي إزاي..

مررت أناملها داخل شعرها بارتجاف وهي تتنفس بعنف، وجسدها يرتجف بخوف دون توقف، لما عادت تلك الكوابيس تُطاردها من جديد لما؟، نظرت حولها بارتياب وهي تضم جسدها فهي تخاف المكوث وحدها والغرفة كبيرة ولا تستطيع ترك الباب مفتوحاً أيضاً، شردت بذكرياتها المشؤومة وهي ترتجف أكثر..

انتفض جسدها بهلع عندما سمعت صوت هتافه من الخارج، لعنتهُ بضيق وهي تمسد قلبها المذعور برقة ثم أسندت ذقنها إلى ركبتيها بشرود وهي ترمش كل برهه وأخرى ببطء لـ يفزعها صوته المزعج كـ صوت الحمير من جديد..

وقفت عن الفراش بغضب وهي تسبهُ سُباب لاذع بأنفاس مرتجفة ثم وضعت وشاح ثقيل حولها تلفحت به واتجهت إلى الشرفة، فتحتها بيدها السالمة بهدوء لـ يلفح جسدها الهواء جعلها ترتجف من البرودة، البرودة التي تعادل البرودة في القاهرة ثلاثة أضعاف حقاً..

تقدمت إلى الأمام وهي تبتسم برقة وعذوبة ونسمات الهواء تداعب شعرها جعلته يتطاير حول وجهها بنعومة، رفعت رأسها ونظرت إلى السماء تتأملها بتروي كأنها ترى بُساط أرزق خُرافي مزخرف وليست سماء صافية حقيقية، فهي لا تمل من النظر لها أبداً..

تأمل هيئتها وهو يبتسم بهدوء ومقلتية اللامعة تتجول على وجهها بدءاً من خصلات شعرها التي تميل إلى الأحمرار حتى أصابع قدميها الصغيرة، فقط سؤال واحد هو ما يشغل تفكيره كُلما رآها، كيف تكون هكذا؟ فقط ليجيبه أحداً كي يرتاح، هو آخر معلوماته عن النساء أنهم يكبرون قبل الرجل! أي كُبر هذا واللعنة هو عجوز بجانبها، هي تبدو كـ طفلة أمامه! ونادين يا إلهي يتخيلها عندما تكبر ستظل هكذا، يبدو أن نساء تلك العائلة لا تكبر؟ لكن أي عائلة؟ المِنشاوي؟!، لا يعرف، ولن يعرف شيء إن ظل بعيداً هكذا، يُجب عليه أن يكسب حماته بصفة كي يتحدثان براحة أكبر لكن كيف؟ فهي لا تملك رأساً بل حذاءاً مُدبب هكذا هو يرى رأسها، فقط لما تكرهه دون سبب لما؟ سيحاول معها لكنه إن فشل سوف يصفعها لأنها سليطة اللسان..

يعلم أن أكبر خطأ اقترفه في حياته بعد إدخالها هي وأبنتها حياته اللعينة هو مكوثها بجانبه هُنا لكن لا يهم فهو لن يهرب منها يُجب أن تصبح شيءً من روتينه اليومي كـ دهب التي لا يكف عن ضربها كُلما رأها ومثل تلك الندي التي لا يكف عن لعنها يجب أن تكون عادية بالنسبةِ له، لكن منذ متى وهناك امرأة تعجبه ويظل يحملق بها بتلك الطريقة؟ حسناً كل من قابلهم يفعل معهم هذا فالجمال جمال لكنهم عابرين، ليسوا مثلها بتاتاً، هي شيءً مختلف!.

يعلم ما خطبها وما يجعله هكذا بالتأكيد حاجبيها الأسودين الداكنين خلافاً إلي لون شعرها لما هم هكذا؟ شفتيها؟ لما يملكان ذلك الإغراء والجاذبية يا الهي من تلك الشفتين بالتأكيد مُسكِرة تُسكِر من يرتوي من رحيقها وهو متأكد، فهذه هي المرة الأولى التي يحسد بها شخصاً ما حقاً فهو يحسد زوجها عليها، حقاً يحسده بشدّة، فإن مات فهو يشفق عليه لأنه ترك كل هذا الجمال مُبكراً قبل أن يموت مهووساً بها..

وإن كان حياً يرزق وتركها فهو آبله أحمقاً لا يفقه شيء، لا يُسمى رجلاً من الأساس حتى، ليلى هذه بحاجة إلى شيء مميز، رجلٍ مُختلف ليس كأي رجل رُبما رجلاً مِثلهُ مثلاً؟!، قهقهة وهو يهز رأسه بسخرية وهو يتساءل بنفسه إن لم يحب ندي يوماً ورأي ليلى ماذا سيحدث؟

سيعيد من جديد تخطيطه، حسناً، هو إن أراد امرأة جميلة رُبما كانت ستعجبة ليلى، وإن أراد رقة وهشاشة ستكون ليلى بالتأكيد هو إلى الآن مازال يشعر بجسدها الهش الذي حاصرة بينه وبين الحائط، وإن أراد ملامح رقيقة فهي تملكها دون تصنع ولا مساحيق تجميل، إن أراد عينان جميلتان فهي تملك أعين غزال براقة لامعة، أن أراد طفلة فهي تكون طفلة عندما تبكِ وتشهق، إن أراد جسد منحوت وقوام ممشوق فهي غزالاً متجولاً يبحث عن صائد، إن أراد شعراً جميلاً، فهي تملك شعراً أجمل من حصانهُ الذهبي، حسناً ماذا أيضاً، شخصية قوية؟ هي بالفعل تملكها لكنها تتلاشى خوفاً أمامه وهذا يروقة، ماذا ينقص أيضاً؟، نعم الرقص هو يحب المرأة التي تستطيع الرقص هل تسطيع؟ لا يهم هو سوف يعلمها، في النهاية إن تحدث عن المرأة التي المثالية ستكون ليلى بالتأكيد، وبعد كل هذا يقول أنها كـ عود قصب!، مثير للسخرية، هي رُبما تكون المثالية حقاً إن لم تكن أكبر منه سِناً بالطبع، لهذا هي مستبعدة من تلك المسابقة كي تفوز بـ عمّار في نهاية المطاف، يظن أن الجميع يتلهف عليه، مريض..

لكنه سيفعل معادلة صغيرة، هُناك نادين إبنتها وبالطبع تشبهها، هل يصنع منها ليلى أخرى إذاً؟، لا، لن يفعل لأنها ستكون وحدها رُبما هي صغيرة الآن لكنه متأكد عندما تصل إلى الثلاثين ستكـ، لا، لا، عندما تتزوج صحيح؟ لكن إن لم تتغير سينتظر حتى تبلغ الثلاثين ويكون هو في الأربعين!، هذا كثير، هل يُجب عليه أن يمارس رياضة أكثر كي لا يكبر؟، يا إلهي إنه مريض مريض حقاً، وسوف تسوء حالته أكثر إن لم ينقذه أحداً من هذا؟ فهي مُهلكة وهذا ليس عدلاً، هو الأكبر ومتأكد من هذا، هي مجرد شيطانة كاذبة..

مرر يديه على وجهه بسرعة صعوداً إلى شعرة وهو يتنهد ثم تحدث..
أعادها إلى واقعها البغيض صوته الأبغض منه بالنسبةِ لها عندما قال بعبث: أنا شايف إن الجو عاجبك هنا ياحماتي ومش محتاج تقولي عشان أنا عارف..

رفعت زاوية شفتيها بسخرية والتفتت له كي توبخه لكنها توقفت رامشة بتعجب وهي تري هيئته! ما هذا هل فقد الإحساس؟ هي تقف و تكاد تتجمد من البرد بينما هو يقف يرتدي كنزة بحمالات تظهر ذراعيه و الضخمة وعضلات صدره الصلبة، حتى إن الوشم ظهر نسبياً من عري تلك الكنزة، ومعها بنطال قطني، هذا غريب، فآخر ما جال في خاطرها عنه، أنه يسير في المنزل حافي القدمين يرتدي عباءته، يمسد معدته بجوع طوال الوقت ثم يبصق على الدرج أثناء سيرة وبعد إنتهاء طعامه يتجشأ بوجه من يقابلة، هذا ماتخيلته عن الجميع خاصة وليس هو وحده، لكن تبين لها أنه إنسان طبيعي كـ البقيه هذا جيّد..

تقدمت من سور شرفتهُ ثم لكزت ذراعه بسبابتها كـ طفلة تستكشف جعلته يرفع حاجبيه وهو ينظر لها لكنها سألته باستنكار: هو إنت مبتحسش ولا ايه؟
ضحك ببحة رجولية وصوت رنان وهو ينظر لها جعل قلبها يركل قفصها الصدري بعنف جعلها تنحني متأوه بألم..
توقف عن الضحك و سألها بقلق: مالك تعبانة؟

هزت رأسها نفياً وهي تمسد جهة قلبها بملامح متألمة وقالت ببطء: مفيش، أنا لما بخاف أو أتفاجأ أو أتحمل زيادة عن اللزوم بتعب وبفقد الوعي..
أومأ متفهماً وهو ينظر لها ثم سألها بعدم فهم: طيب ايه حصل دلوقتي فاجئك أو خوفك؟
هزت رأسها بنفي وقالت بهدوء: مفيش مفيش ممكن يكون البرد، أومأ لها بتفكير ثم قال بهدوء وهو يرفع أمامها القلادة: أنا ندلك بس عشان كُنت هديكِ دي..

ابتسمت بنعومة وهي تحدق في الفتاة التي تتراقص مع أمامها مع الهواء الطلق، حملتها بين راحة يدها وظلت تحملق بها بابتسامة رقيقة ناعمة ثم رفعت رأسها ونظرت له وقالت وعسليتيها تلمع ببريق سعادة: دي جميلة أوي دي لـ نادين؟
إختفت إبتسامته ونظر لها باقتضاب ويُقسم أنها لا تستحق سوى الضرب والإهانة تلك الغبية، هو الغبي لأنه فكر بها وليست هي..

تحدث برفق وهو يبتسم لها باصفرار: لأ، دي ليكِ إنتِ يا حماتي، دي فضة البسيها و خليها في رقابتك دايماً وإنتِ نايمة ومش هتشوفي كوابيس ونفضي السرير وأقري المعوذتين وآية الكرسي بس وهتنامي مرتاحة من غير كوابيس..
فغرت فاهها وهي تحرك أهدابها بتعجب ثم سألته وقلبها مازال يخفق بقوة: هو هو إنت عرفت منين؟

إبتسم وقال بهدوء: سمعت صوتك وإنتِ بتصرخي، وبعدين يعني اللي متعرفهوش إن الاوضة دي الاوضة بتاعتي حالياً كانوا واحدة ومفتوحين على بعض والصوت بيسمع من هنا لـ هنا..
أومأت بهدوء وهي تنظر له ثم هتفت باستفهام: يعني ايه يعني كانوا مفتوحين علي بعض؟ عايز تقول إنها بتاعتك وسيبني قاعدة فيها بمزاجك؟

قهقهة عليها وهتف ساخراً وهو يأشر على القلادة: كنت فاكر إنك كبرتي على العروسة بس فعلاً مينفعكيش غير العروسة، تفكير عقيم..
رفعت حاجبيها وسألته بحدة: أنا بفكر تفكير عقيم؟

جلس على سور الشرفة الملتصق بصور شرفتها وأسند جزعة على الحائط وقال وهو يعقد يديه على صدره: طبعاً عقيم وأكبر دليل إنك لحد دلوقتي مش مدياني عُقاد نافع بموافقتك على جوازنا رغم إنكم في بيتنا!، صمت قليلاً ثم تابع عارضاً عليها بهدوء: ينفع نتكلم بصراحه ومن غير عصبية ولا تخطي الحدود ونبدأ صفحة جديدة مع بعض..

تنهدت وقالت بهدوء وهي تقف مقابلة: أنا موافقة ياعمّار رغم إني جيت غصب عني وانت عارف كده كويس بس عشان نادين بس، نادين مبسوطة وأنا مش بتمني غير سعادتها، ثم رفعت سبابتها أمام وجهه بتهديد وهي تتقدم منه ثم لكزت ذراعه بخفة: بس خليك فاكر إنك لو أذيتها ولا شوفتها بتعيط بسببك هولع فيك يا عمّار فاهم، هولع فيك..

ضحك بتسلية وهو ينظر إلى تلك الملامح الطفولية التي تملكها ثم مال وهتف أمام وجهها الناعم بعبث: دراعي عاجبك ولا ايه يا حماتي؟
أبعدت أناملها بارتباك ثم هتفت بحنق: أنا بس مش عارفة انت قاعد كده ازاي؟ مُتبلد..
سألها من جديد بنفس العبث: خايفة عليا من البرد ولا ايه؟
هتفت بسخط وهي تقطب حاجبيها: بقولك ايه متفهمش الكلام على مزاجك، وبعدين ايه ده وشم ده؟

اتسعت ابتسامة أكثر واومأ لها وقال بهدوء: أه وشم، إسم البنت اللي بحبها..
رفعت حاجبيها وهي تحملق به، هل ذلك القاسي يستطيع أن يُحب أحداً غير عائلته؟، شهقت عندما رأت تلك النقطة على حرف النون، فسألته مشدوهة: نادين؟ عاملة نادين؟

ضحك بتسلية وأومأ مؤكداً: أيوا نادين طبعاً عشان تعرفي معزتها في قلبي عاملة ازاي بس، ثم صمت قليلاً وقال بنبرة هادئة: هتصدقينى لو قولتلك إني بحسها بنتي معظم الوقت؟ صمت قليلاً منتظراً أن تتحدث وتمدحه وتثني عليه بحديثها لكن لم يأته رداً منها!

نظر بجانبه لـ تتسع عيناه بتفاجئ عندما وجدها قريبة منه بشدّة تكاد تلتصق به وهي تحملق في صدرة دون أن تحيد بنظرها عنه قط، رفعت يدها وقربتها من صدره وخصوصاً جهة قلبه كي ترى ذلك الوشم فأبعد يدها وقفز عن سور الشرفة متعجباً وسألها باستفهام: بتعملي ايه؟
حركت أهدابها بتعجب وأشرت على صدره: عايزه أشوف الوشم، ورهوني ده مش اسم بنتي؟

هز رأسه بضجر وهتف بسخط: مش هتشوفي حاجة ده مفاجأة لـ نادين متقوللهاش كمان ويلا نامي ولا روحي اطمني عليها وشوفيها يمكن في حد مكتفها..
شهقت بقلق عليها وهرولت إلى الخارج تحت قهقهاته المتسلية، توقفت أمام باب الشرفة من الداخل وسألته وهي تحدق في القلادة بتردد: هو بجد الكلام ده مظبوط؟

أومأ وهتف بجدية: أه بجد وأنا هخلي حد يجبلك سكينة وتبقي حطيها تحت المخدة، أومأت له وهي تبتسم ثم قالت بامتنان: شكراً أوي يا عمّار..
هز رأسه بخفة وهو يبتسم لها لـ تتهجم ملامحه عندما سمع بقية حديثها بسخط: بس برده مش هنسي إنت عملت معايا إيه يا خنزير، اللعينة..

تركته يسبها ودلفت إلى الداخل من ذلك الصقيع فهي كادت تتجمد كيف يقف هكذا و اللعنة ألا يشعر؟، ألقت القلادة على الفراش ثم ذهب صوب غرفه نادين كي تطمئن عليها..

أدارت المقبض بهدوء كي لا تزعجها إن كانت نائمة، ابتسمت بنعومة عندما وجدتها مستغرقة في النوم، تقدمت منها بخطوات حثيثة بطيئة، قبلت جبهتها بحنان ثم أخذت الهاتف من بين أحضانها وهي تهز رأسها بأسف بسبب تلك التكنولوجيا المُدمرة، وضعته على الكومود ودثرتها في الغطاء جيّداً ثم جلست تتأملها قليلاً بحنان، وتركتها وغادرت بعد بعض الوقت..

دلفت إلي غرفتها وأغلقت الباب خلفها لكن لحقتها الخادمة قبل أن تغلقة نهائياً جعلتها تستدير لها متعجبة عندما ركلت الباب بقدمها..
ابتسمت لها ليلى بعذوبة وسألتها بهدوء: في حاجة؟
أومأت الخادمة و مدت لها يديها بالمدّية الموضوعة فوق بعض الثياب وتحدثت باحترام: سيدي عمّار جلِّي أجيبلك دول وعيجولك إلبسي من الخلجات ديّ و إتحشمي يا مرة..
فغرت فاهها وهي تنظر لها مشدوهة عاجزة عن التحدث، هل قال هذا ذلك اللعين؟.

أعادت ليلى بنبرة مهتزة بالكاد خرجت لتسألها: قولي كده تاني عمل ايه؟
هتفت الفتاة بتردد وهي تري تجمدها: عيجول البسي من الخلجات ديّ وأتحشمي يا مرة..
أومأت بهدوء وهي تضم قبضتها بقوة شاعرة بحرارة جسدها ترتفع من غليان الدم بعروقها ثم طلبت منها برفق: ممكن تدخليهم عشان ايدي مش هعرف؟

أومأت لها بابتسامة ودلف، وضعت الثياب على الأريكة، ثم حملت المدّية ووضعتها تحت الوسادة مثلما أخبرها عمّار لـ يلتقط بصرها القلادة الملقية على الغطاء، أخذتها بهدوء ثم تقدمت من ليلى وقبل أن تتحدث قامت بوضعها حول رقبتها وهي تبتسم ثم قالت بابتسامة: سيدي عمّار جلِّي أعمل إكدِه لو نضرتها في في أي موطرح، أومأت لها ليلى بهدوء وهي تتحسسها بأناملها وضحكة طفولية سعيده كادت تنفلت من بين شفتيها لكن ملامحها تهجمت عندما تذكرت قوله فتقدمت من الثياب بغضب وحملت ثوب بهمجية لـ تسقط ورقة من داخله، ألقته أرضاً بإهمال ثم فتحتها بخفة وهي تأن من ألم ظهرها الذي أصبح بخير قليلاً فقليلاً بفضل حُسنة..

أبعدت شعرها خلف أذنها بعصبية وبدأت تقرئها: متنسيش تلبسيهم و تستري نفسك إنتِ مش في فندق هنا وإوعي تكوني إضايقتي من كلمة مرة يا حماتي هو ده اسمك هنا، ويلا اتخمدي
ضمت قبضتها حول الورقة بقوة ثم كورتها وألقتها أرضاً بعنف وصرخت بإسمه بصوت مرتفع غاضب: عمّاااااااااار
ضحك بتسلية من داخل الشرفة وهو يغلق أذنيه بأنامله كـ الأطفال كي لايسمع صوتها ثم هتف بصوت مرتفع: تصبحي على خير يا حماتي، ودلف إلى غرفته..


تااااابع ◄