-->

رواية راقصة الحانة الفصل الرابع

 

 

 وقف سيد مساءاً بعد منتصف الليل أمام الحانة في أنتظار أحدهم، جاءت سيارة سوداء وتوقفت أمامه ثم فتحت نافذة السائق ومد له هاتف وتمتم بهدوء قائلاُ:
- أدي التليفون ده لدموع البيه هيكلمها عليه.



أخذه منه وهتفت بقلق قائلاً:
- دي ممكن تكلمه بيه وتعملنا مشاكل إحنا في غني عنها.
جاءه صوت الرجل من الخلف يهتف مُحذراً لـ سيد بنبرة جادة قائلاً:
- ســيد نفذ وأنت ساكت.

ثم أشار للسائق بأن يذهب، دلف إلي الحانة مستغرب حديثه وطلبه وأمس كان يطلب قتلها والآن تغير الطلب، رأها ترقص علي المسرح كعادتها وجهها شاحب وحزينة وكأنه عروس تتحرك بالخيوط يمسكها ذلك الرجل في يده، جلس علي البار بجوار نارين بوجه عابث، سألته بينما ترتشف كأسها:
- عملت إيه .

أجابها بشرود في هذا الطلب وماذا يريد من دموع قائلاً:
- في حاجة غريبة حصلت من أمبارح للنهاردة، أمبارح قرر يقتلها زي ما قتلنا أمها وبنفس الطريقة ودلوقتي... لا في حاجة غريبة.
فكرت للوهلة ثم هتفت بجراءة قائلة:
- طب ما تسأله هو عايز إيه.

جز علي أسنانه بغضب وهو ينظر حوله وقال بهمس شديد:
- من امتي وأنا ليا حق اسأل، أسأل يعني أموت، وبعدين ده ميخصنيش حتي لو هيقتلها هو أنا مالي ولا عايزني أحصل أمها...
لم ينتبه بتلك العاهرة التي تجلس بجواره علي البار مع أحد الرجال وسمعت حديثهما بالكامل، إبتسمت فريدة بمكر بعد أن حصلت علي دليل تهددهما به لتنال حريتها من أسرهما...

- هتعمل إيه ياحبيب ؟؟
سألته جميلة وهو يقرأ الجريدة، فأجابها بلا مبالاة قائلاً:
- هعمل إيه في إيه ؟؟ ده راجل أبن اخوكي ده يطلب أيد البت الصبح وقبل العصر يقولك مش عايز عنه ما عاز أنا بنتي مش بايرة.
قطعت التفاح له وقالت وهي تمده له بتفاهم:
- إلياس قالي أن جلال اللي مانع الجوازة.

ترك الجريدة من يده ثم اخذ الطبق منها وتمتم بحديثه قائلاً:
- أبن أخوك عيل، ده لو راجل كان جالي وقالي ياعمي آنا عايز أتجوز بنتك وأنا كنت هجوزها له غصب عن ابوه بس ده جالك أنتي، وبعدين اخوكي ده مكبر الموضوع زيادة عن اللزوم حد قاله يتاجر في المخدرات ولا هو فاكر أني عشان متجوزك هتغاطي عن جريمة زي دي.

- يعني أنت كان لازم تبلغ عنه أهو العيال دلوقتي اللي بيدفعه الثمن عجبك كدة
قالتها بصراخ مكتوم خوفاً من أن تسمع أبنتها حديثهما...

أجابها وهو يأكل التفاح بوقار قائلاً:
- كان لازم عشان اليمين اللي حلفته، وبعدين خلافه معايا أنا بيدخل الولاد في الموضوع ليه بكرة يندم حسك عينك تفتحي الموضوع ده تاني مش علي قالك مش عايز يتجوزها خلاص اقفلي الموضوع...

أقتربت منه ثم أربتت علي كتفه بحنان تردف بترجي قائلة:
- طب عشان خاطر بنتك روحله وحله الخلاف آللي بينكم.

وقف وهو يصرخ بها بأنفعال شديد:
- أعمل إيه، آنا روحتله ثلاث مرات بعد المصيبة دي والثلاثة تبتة زي ما بيقولوا، آنا مجرمتش لما عملت شغلي متعاقبنيش آنا علي جرايم اخوكي، ويكون في علمك لو أخوكي جالي لحد هنا بنفسه وطلب أيد أثير أنا لا يمكن أحط أيدي في أيد تاجر مخدرات ولا هوافق علي الجوازة دي ها...

وتركها ودلف إلى غرفتهما مُستاء من حديثها، أنزلت أثير رأسها أرضنا بحزن ودموعها تجمعت في عيناها بعد أن سمعت حديثهما بالكامل وتنازله عنها ورفض والدها، أغلقت باب غرفتها بخفوت حتي لا تشعر أمها بشئ، خائبة الأمل به بعد أعلان استسلامه قبل بدأ الحرب، جلست علي سريرها تبكي وهي تضع يدها علي فمها تخشي أن تشعر أمها بها وتشعر بألم في قلبها، تعلم بأنها كالبلهاء وقعت في حبه منذ الوهلة الأولى التي ألتقت عيناهما بها...

دلف إلياس شقته بتهكم وتعب من التفكير بها رحلت منذ ثلاثة أيام ولم ترحل عن تفكيره لوهلة واحدة، جلس علي الأريكة وأسند ظهره للخلف ينظر للسقف بشرود في لحظتهما يشتاق لها بجنون وأصبحت هواجس عشقها تسكنه بلا فرار، نظر بجانبه علي الأريكة مُشتاق لها فوضع يديه عليها يتحسسها مُفتقد لها حد الموت...

دلف إلي شقته متأخراً بسبب عمله ورأها نائمة علي الاريكة يبدو أنها لم تستطيع الدخول إلي فراشها بسبب جبس قدمها، أقترب منها بهدوء وأطفي التلفزيون ثم أنحني وحملها علي ذراعيه بحنان ودلف بها إلى غرفتها وضعها في فراشها بخفوت وكاد أن يتحرك لكنه صدم حين طوقتها بذراعيه من خصره وأستدارت تخفي جسدها الصغير ورأسها في صدره، أزدرد لعوبه بإرتباك من قربها هكذا منه، نظر إليها فتسارعت دقات قلبه، لم يجد مفر منها فرفع قدمه علي السرير وجذب الغطاء عليهما ثم طوقها بذراعيه بحنان وظل ينظر عليها يتأملها وقلبه يدق كالمجنون حتي غاص في نومه هو الأخر...

ركل الترابيزة بقدمه بإنفعال شديد صارخاً بإلم تعتصر قلبه المُنهك من عبث الحب به قائلاً:
- ليييــــــه، ليـــــــــه يا دمــــوع.
ضرب بقبضته علي الترابيزة فأنكسر زجاجها وجرحت يده، أغلق قبضته بغضب يلتهمه والدماء تنزف بغزارة منها...

خرجت دموع من حمام غرفتها بعد أن أخذت دوشها ووجدت فريدة في غرفتها، سألتها بأحتقار:
- خير في حاجة ؟؟.
ضحكت فريدة بمياعة وسخرية ثم وقفت وأقتربت منها تربت على كتفها وتقول مُردفة:
- أنتي والله كلمدي بتصعبي عليا أكثر، أسمعي الأغنية اللي جبتهالك هتعجبك أووي .

وتركتها وخرجت، جلست دموع تصفف شعرها ثم نظرت علي الهاتف بفضول وفتحته تستمع تلك الاغنية وصدمت حين سمعت أعتراف سيد ونارين بقتل أمها ويتفقوا علي قتلها هي الأخرى، سقط الهاتف من يدها بخوف وهي ترتجف من الصدمة بعد أن أستحوذ الرعب عليها ركضت الي سريرها تخفي جسدها أسفل الغطاء بخوف من أن يقتلها كما قتل أمها تعتقد بأن هذا الغطاء سيحميها منهما، أنهمرت دموعها الحارة علي وجنتها بغزارة ويزيد أرتجفها مع كل ثانية تمر عليها، تمنت أن يأتي إلياس لكي يأخذها قبل أن يحدث بها شئ، أردفت بتلعثم مُحدثة ذلك الغائب قائلة:
- عمه تعال... بسرعة خدني... من هنا...

أستيقظ إلياس بفزع من نومه بعد أن رأها تبكي في حلمه وتناديه، مسح على وجهه بيده وهو يلتقط أنفاسه بصوت عالي ويفكر بدموعها وهي تناديه، وقف يتثاءب بكسل ثم غير ملابسه وذهب الي القسم ليبدأ يوم عمله الشاق...

خرجت أثير من الجامعة ورأته يقف بسيارته بعيداً ينظر عليها، تعلم بأن لن يتجرأ للحديث معاها أو أن يظهر أمامها، أصطنعت عدم المعرفة بوجوده وهو يراقبها وذهبت مع سارة وقلبها يجرحها...

دلف سيد إلى غرفتها فشهقت بقوة خائفة منه تعتقد بأنه جاء لقتلها، نظر لها بلا مبالاة ثم وضع الهاتف على السرير وقال بنبرة مُخيفة:
- الباشا بتاعنا هيتصل بيكي، آللي يطلبه تنفيذي بالحرف والا هتحصلي أمك.

تهديد صريح بقتلها إذا لم تفعل ما يطلب منها ولكن ما أخافه حقاً جمتله التالية حين قال بتهديد واضح:
- مش انتي بس ده هيكون انتي وكل الناس اللي شافوني وعرفوكي في مصر الظابط بعيلته الكريمة وصاحبه وكل حد قابلتيه هندعيله وندعيلك.

وتركها وخرج بعد أن صدمها بتهديد، ذرفت دموعها بخوف عليهم أكثر منها فهم لم يخطئوا بشئ، سقطت على الأرض تبكي بخوف وحزن يعتصر قلبها ألم يكفي أشتاق قلبها له وأفتقده...

وصلت أثير إلى بيتها تبدو مُتعبة وروحها منكسرة، رأها حبيب وهي تدخل غرفتها حزينة وكأن روحها وعفويتها سلبت منها، أخرج تنهيدة قوية وزفر ثم ذهب إليها، فتح الباب ودخل...
هتفت أثير بأنكسار قائلة:
- أتفضل يابابا.
جلس أمامها على السرير وهتف بتهكم، قائلاً:
- مالك يا أثير حد زعلك في الجامعة، دخلتي من غير سلام ومناقرة معايا يعني.

أجابته بوجه عابث وهي تتحاشى النظر له قائلة:
- مفيش تعبانة شوية يابابا.
نظر إلي يدها ثم مسكها يحضنها بين كفيه، ثم أردف حبيب بحنان أب قائلاً:
- عشان على صح، أنا شوفتك أمبارح وأنا داخل سمعتي كلامي مع أمك صح.
إردفت بأسف وهي تنظر للأرض بأحراج من فعلتها قائلة:
- أنا أسفة أنا مقصدتش أسمع كلامكم والله يابابا، أنا كنت خارجة أكل وسمعت...

بتر الحديث من فمها حينما سألها مُبتسم:
- بتحبيه ؟؟.
ألجمها سؤاله فرفعت رأسها له بذهول وقالت يتلعثم بعد أن أحمرت وجنتها بلون الدم من شدة الخجل:
- ها... لا.
أبتسم بلطف ثم مسح على شعرها بحنان وقال:
- عيناكي قالتلي الأجابة يا أثير وأنا معنديش في الدنيا أغلى منك أنتي وأخوكي مادام بتحبيه يبقى هجوزهلك غصب عن ابوه وأبوك .

جذبت يدها من يده بحزن وقالت بوجع:
- لا يا بابا أنا عمري ما هخليكي تقلل من نفسك عشاني وتروح أنت لخاله جلال بعد كل ده عشاني، وأنا مش زعلانة منك بالعكس زعلي كله من علي هو لو عايزني كان حارب عشاني الدنيا بحالها لكن ده اتراجع من قبل ما يواجهه، وأنا عمري ما هتجوز راجل جبان يابابا ولو خاله جلال نفسه وعلي جم هنا يطلبوني وأنت تقعد وتتشرط زي كل أب يبقي مش عايزه الجوازة دي.
أبتسم لها بسعادة وفخر بأبنته ثم وضع قبلته علي جبينتها...

خرج إلياس من القسم من علي بالقوة مشتعل من الغضب وهو يكاد ينفجر من صدره.
- هي مش دموع قاصر ده ليلة أبوه سودة ده جواز باطل وفيها 7 سنين سجن
قالها علي بأنفعال وهو يفتح باب السيارة ويركب بجواره يقود بهم وخلفهم سيارات الشرطة، إغلق قبضته بغضب وهو يتذكر دموعها في منامه...

رن هاتفه مُعلن عن وصول رسالة أخرجه من جيبه وفتحها وصعق حين وجدها من نفس الرقم المجهول محتواها ( دمــوع في خطر يا حضرة الضابط... )
كبت خوفه وغضبه بداخله...

وقفت علي المسرح كالمعتادة ترقص أمام هؤلاء الذئاب ودموعها تنهمر، إصوات خلخالها يرن في أذنه وهو يجلس علي الترابيزة ويتابعها بنظره ويرتشف الخمر من كأسه، عيناه تكاد تقتلها وهي تتمايل أمام الجميع وشعرها الحرير يتراقص معاها مداعب خصرها النحيل.. أنهت رقصتها وصعدت، وضع كأسه علي الترابيزة وذهب خلفها.

دلفت إلى غرفتها غاضبة بعد أن أنتهت من رقصها أمام تلك الوحوش الغائبين عن الوعى للغاية بسبب شرب الخمر، عيونهم كالصقر يكاد يلتهموها بأعينهم ومنهم من يمرر لسانه على شفتيه بشهوة حيوانية ورغبته بجسدها، والبعض الأخر يريد خطفها من فوق الأرض وألتهمها بالقوة، لعنت ذاتها وذلك الرجل اللعين الذي يأسرها هنا فى جحيمه وكلما حاولت الهروب منه يقبض عليها ويعاقبها أشد من المرة الأخرى، شعر بقذارة من جسدها تمنى لو لم ينعم الله عليها بهذا الجمال الذي أخذها إلى هذا الجحيم وجعل منها راقصة حانة تحت أنظار وحوش بشرية...، جلست فوق سريرها بتعب وجسدها يكاد يستطيع حملها من الأرهاق والرقص طول الليل..
رن هاتفها وألتقته بتعب وهى تمدد جسدها على السرير بضعف وتهكم شديد، رأت رقمه يظهر على شاشة الهاتف، وأجابت بنبرة هادئة ضعيفة:
- عايز ايه.

أتاها صوته من بعد عبر الهاتف، يردف بنبرة غليظة ولهجة أمر يلقي عليها، قائلاً:
- أقتلى الظابط.
أتسعت عيناها بدهشة، وجلست على السرير بهلع وأنقبض قلبها وكأن جملته صعقة كهربائية صعقت قلبها وقتله، قالت بتلعثم شديد وتكاد حروفها تخرج من فمها:
- أقتله.. مستحيل.
نطق الرجل محذراً لها بلهجة أكثر قوة وحدة، يعيد أمره وليس طلبه قائلاً:
- قولت أقتليه مفهوم.

أزدردت لعوبها الجاف بصعوبة بالغة، أغلق الخط دون أن ينتظر ردها فأمره عليها لا يرفض، ولا تستطيع نطق أى كلمة سوى نعم فقط، سقط الهاتف من يدها، غير مصدقة أنه يحولها لقاتلة، وليس بأي قاتلة بل يطلب منها قتل من أحبته رغم قسوته عليها ولكنها تحبه، أى قدر هذا يلعب بها داخل دائرة واحدة تحمل أسم الجحيم، وليس بأى جحيم تعيشه بل جحيم ألتهم كل ما بها وجعلها مجرد قطع متناثرة على الأرض لا يستطيع أحد جمعها من جديد، فقد أصبحت كالغبار فى هذه الحياة الذي يبعثر فى الهواء ويختفي ولا يستطيع أحد العثور عليه، أنهارت علي الأرض باكية لا تصدق ما يطلب ومن هذا الرجل، أخبرها سيد بأن توافق من أجل سلامته ولكن طلبه هو حبيبها، كانت تبكي وصوت شهقاتها يعلو في المكان، فتح باب الغرفة ودلف رامي مسحت دموعها بأناملها ووقفت بغضب فهو وسيد سبب كل ما يحدث بها وقالت بأنفعال:
- أفندم عايز ايه.

أقترب منها وهو يهتز يمين ويسار ثملة تماماً من كثرة الخمر، تزحزحت قدمها بخطوة للخلف بخوف منه...

فتح باب الحانة بقوة وإنكسر زجاجه، نظر سيد وصدم حين رأى العساكر بكل مكان في الحانة وفزع الجميع وبدأت الفتيات تصرخ، دلف إلياس وهو يمسك المأذون من ملابسه ودفعه بقوة علي الأرض حتي سقط أمام قدم سيد ، إزدرد لعوبه بخوف حين رأى ذلك الضابط المتهور.

سألته نارين وهي تقف بجوار زوجها:
- خير يا حضرة الضابط في حاجة.
نظر حوله يبحث عنها ولم يجدها، أجابها علي بأستفزاز قائلاً:
- خير أن شاء الله الموضوع بسيط جيدا، جوزك قواد بيتاجر في البنات القاصر وعندنا قسيمة جواز مزورة ومن قاصر فيها مؤبد شوفتي الموضوع سهل ازاي وبسيط...
سأله إلياس بأنفعال بعد أن فقد أعصابه بعدم وجودها قائلاً:
- دموع فين...

حاصرها في الحائط بقوة وهو يحاول تقبيلها ويتمتم قائلاً:
- أنا جوزك يا دموع وبحبك...
حاولت إن تقاومه وهو يضغط علي يدها، مسكت المزهرية بيدها وضربته علي رأسه بها أبتعد عنها بألم، هربت من أمامه خارج الغرفة وهي تبكي، وضع يده علي رأسه ورأي الدماء، صرخ بغضب قائلاً:
- دمــوع.

أعاد سأله مجدداً وهو يمسكه من ملابسه بغضب:
- دموع فين.
إجابه سيد بأستفزاز وهو ينظر لعيناه بمكر قائلاً:
- تلاقيها في اوضه مع زبون.
لكمه إلياس بقوة، نزلت الدرج ركضاً بخوف منه وهي تبكي وترتدي ملابس الرقص، رأته يقف هنا ومعه الكثير من العساكر، ألتقت أنفسها بصعوبه ونادته:
- عمه.

كاد أن يلكمه مجدداً لكنه أوقفه صوتها وهي تناديه، أستدار لها وصدم من ملابسها التي تفضح من جسدها أكثر ما تخفي ومقطعة ودموعها علي وجنتها، أكملت الدرج ركضاً إليه حتي وصلت أمامه وتشبثت به بقوة، سمعت صوت رامي يناديها من الأعلي بغضب:
- دمـــوع.

نظرت هي وهو عليه، ومسكت ذراعه بأرتجاف، نزل رامي ودهش من وجودهم ونظر لها وقال بثقة وهو يجذبها من يدها بقوة:
- مش عيب تمسكي في راجل غير جوزك.
تشبثت بــ إلياس وهتفت ببراءة مُردفة:
- عمه حوش الراجل المجنون ده عني...

مسكها إلياس وأخافها خلف ظهره ثم مسك يد رامي التي لمستها وكسرها بغضب قائلاً:
- أنت معترف أنك جوزها وأتجوزها وهي قاصر وكمان بالتزوير والله ده شي جميل.. خدوه.

- الجواز من قاصر جريمة عقوبتها 7 سنين وطبعا بتطبق كل اللي اشتراك فيها المأذون والزوج واهل الزوجة، يعني حضرتك كمان مشرفنا ونوصل القسم ونشوف باقي القواضي اللي عندك
قالها علي بثقة وهو يضع يديه في جيبه بغرور مُحدثاً سيد ، أغلق الحانة بالشمع الأحمر.، ذهب علي مع القوي وبقي هو يقف مكانه معاها، خلع جاكيته ووضعه علي كتفها بحنان ويقول:
- أنت كويسة.

صرخت به بغضب شديد:
- أنت جيت ليه، مش أنت اللي طردتني وخليتهم يخدوني.
مسح علي رأسها بحنان، فأبعدت يده عنها بأنفعال مُستاءة منه وقالت بغضب طفولية:
- أنا مبكلمكش ومخاصمك...
فتحت باب السيارة وركبت بوجه عابث وعقدت ذراعيها أمام صدرها ناظرة للأمام بدون أهتمام له...

خرجت أثير من العمارة ووجدت إخاها ينزل من السيارة ومعه دموع و علي، أشاحت نظرها عنه وقالت بخفوت:
- كنت فين بقالي ساعة مستنياك.
أجابها وهو يغلق سيارته:
- مشوار كدة.
أشارت إليه بنعم وقالت:
- أنا هروح عشان أتاخرت.

إوقفتها دموع قائلة:
- خديني معاكي عند طنط.
مسكها من معصمها بأهتياج قائلاً:
- مفيش مروح، تعالي.

إخذها وصعد بها رغماً عنها، نظر علي عليها وأقترب بهدوء يكاد أن يحدثها لكنها تركته ورحلت، لوحت بيدها لسيارة تاكسي وركبت دون أهتمام به بقلب خذل من حبيبه، نظر للإرض بحزن فهو من إختار الفراق ويجب أن يتحمل أختياره...
فتح باب الشقة وهو يمسك يدها وهي تصرخ به وصدم حين وجد الشقة في حالة فوضي وكأن لص دخل إليها...

-.سيـد لازم يخرج من الحبس وإلا كل شغلنا هيقف
قالها الرجل في الهاتف مُحدثاً أحد رجاله...

فتح باب الشقة وهو يمسك يدها وهي تصرخ به وصدم حين وجد الشقة في حالة فوضي وكأن لص دخل إليها، نظر بأحراج ثم أدار رأسه لها بأحراج، نظرت له بزفر وجذبت يدها من معصمه وهتفت بأنفعال:
- إيه اللي أنت عامله في الشقة دي، أنت صغير تبوظ كدة.

- كنت بدور علي ورق مهم للشغل
قالها بأحراج وهو يخفي عنها حقيقة فعلته حين غضب منها حين ذهبت معاهما لرجل أخر، دلف إلي الداخل ويعدل الكرسي المقلوب وهو يقول:
- أنا هظبطتها أدخلي أنتي .

صدم حين دلفت إلى غرفتها حقاً ولم تعري أي أهتمام له آو تساعده، ركل الكرسي بقدمه بأنفعال وبدأ يرتب الفوضي التي فعلها، خرجت من غرفتها بعد نص ساعة رفع نظره لها وجدها غيرت ملابسها وأرتدت بيجامة بيتي زهرية اللون بنص كم وشعرها البنى مسدول علي الجانبين مبلل وتتساقط منه حبات الماء يبدو أنها أخذت حمامها، رأته يقف هناك بعد أن توقف عن ما يفعله يتأملها وعيناه تحتضنها بين جفينه، أشاحت نظرها عنه وبدأت ترتب المكان معه دون أن تتفوه بكلمة واحدة تأكد بأنها بالفعل لم تصالحه ومازالت غاضبة منه، أقترب منها وهو يدعي أنشغاله بالتنظيف، أبتعدت عنه بضجر فأقترب مجدداً، صرخت به بغضب طفولية:
- ممكن تبطل تخبط فيا بقي.

هتف ببسمة هادئة قائلاً:
- لا مش ممكن.
ألقت المكنسة من يدها بغضب فوق قدمه وقالت بضيق منه تثير غضبه:
- نضف لوحدك بقي أنا غلطانة أني بساعدك أصلا...
تألم من قدمه وهو يمسكها أبتسم بأستفزاز ومكر ثم تركته ودلفت المطبخ، ألقي من يده وسادة الأريكة غاضباً من تذمرها...

في شقة مصر الجديدة
دق جرس الباب، فتحت الخادمة سيدة في منتصف الاربعينات ودلف علي وهو يسألها:
- بابا صاحي.
- ايوه يابيه في اوضته
قالتها وهي تغلق باب الشقة.

طرق الباب بهدوء ثم دخل إليه، سأله علي عن صحته وهو يجلس على الكرسي:
- ازي صحتك يابابا دلوقتي أحسن ؟؟.
أدار جلال رأسه دون أن يجيب عليها، هتف علي مجدداً بأستياء قائلاً:
- رد عليا يابابا، أنا عملت إيه لكل ده أتصل بيك متردش واجيلك متردش عملت ايه أنا .

صرخ جلال به بأنفعال وهو ينظر له قائلاً:
- عملت إيه رايح تحط ايدك في ايدك الراجل اللي كان يوديني فداهية وتقولي عملت إيه .

وقف علي بغضب ثم جز علي أسنانه وقال مُنفعل:
- كان هيوديك في داهية وانت لما تاجرت في المخدرات وابنك في كلية الشرطة كان عادي عندك، انت عارف لو كان اتقبض عليك انا كان هيجرالي ايه في كليتي، أحمد ربنا أن متقبضش عليك وواد تاني اللي شالها وإلا كان زمانك خسرتني آنا كمان مع أختك.

أخرج تنهيدة قوية من بين صدره بزفر، ثم هتف ببرود مُستفز:
- عشان كدة رايح تتجوز بنته وكمان من ورايا يابجاحتك ياواد.

جلس علي أمامه علي السرير وقال بخفوت شديد يريد موافقته عليها:
- وأثير ذنبها إيه في الموضوع ده يابابا، وأنا ذنبي إيه في كل ده المشكلة أتحلت وأنت في السليم وسافرت وسيبت كل البلد ومضرتش في حاجة وعمي حبيب اهو طلع معاش وقعد في البيت خلاص نحلها إحنا بجوازي من أثير وتصالح أختك.

رمقه جلال بنظرة غضب وقال بلا مبالاة:
- برضو مفيش جوازة وقوم أمشي بقي من هنا.
زفر علي بضيق وقال بخفوت شديد مُضطراً:
- يعني أبنك مش مهم عندك، يعنا آنا أتنازل عشانك وأنت مستكتر تتنازل عشاني وعشان حبي، ماشي سلام.
وتركه وخرج من الشقة مُستاء من رد والده ورفضه وقلبه يتألم وأمامه صورتها وهي تتركه وترحل غاضبة منه، زفر بضيق وهو يركب سيارته...

جلست دموع علي السفرة تأكل بشراسة، خرج إلياس من غرفته ورأتها كما هي، جلس علي كرسيه وتناول بأصابعه الملعقة يستعد للطعام، قرب يده من الطبق فضربته علي يده بغضب وقالت بحزم:
- متأكلش من أكلي، قوم أعمل لنفسك.

أخذ الكفتة بالشوكة يغيظها وهتف بتهكم:
- جعان.
صرخت به وهي تأخذ الشوكة قائلة:
- قولتلك مش هتأكل يعني مش هتأكل اللي يغلط يتحمل غلطه.

وأخذت الأكل معاها ودلفت إلي غرفتها، ذهب خلفها فأغلقت الباب في وجهه، طرق الباب بقوة وهو يقول:
- أفتحي يادموع أنا جعان يرضيكي عمه ينام من غير أكل.
أبتسمت بخبث عليه وقالت بلهجة حادة مصطنعة:
- اه يرضيني جدا.

أكلت الطعام وتمتمة بعاند لتغيظه أكثر:
- اممممم طعمه رائع.
سمعها من الخارج وأشتاط غضب من دلالها عليه وعاندها مع عقلها الطفولي، قال بحزن مصطنع:
- دموع أفتحي عشان خاطري.

لم تجيبه، ظلت تقف خلف الباب ولم تسمع صوت من الخارج وضعت أذنها خلف الباب فسمعت صوت باب الشقة يغلق، فتحت الباب بسرعة ولم تجده في الشارع، قوست شفتيها للأسفل بحزن عميق أعتقدت أنها أغضبته فتجمعت دمعة في عيناها وأنهمرت علي خدها وبكيت ببراءة...

ظلت تنتظره ساعتين ولم يعود، فتحت شرفة الصالون وطلت منها تنظر في الشارع عليه ولم تجده، فتح باب الشقة ودخل رأها تقف في النافذة أبتسم وذهب نحوها بخفوت علي أطراف أصابعه حتي لا تشعر به، كادت دموعها تنهمر من جديد وهي تبحث عنه في الشارع، شعرت بهواء ساخن خلفها شعرت بالخوف مُعتقدة بأن هناك لص، أستدارت بقلق ورأته أمامها شهقت بقوة وضربته علي صدره بقوة وهي تصرخ به:
- خضتني حرام عليك .

أخرج باقة ورد جميلة من خلف ظهره وأبتسم لها، رفعت حاجبها له ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بأستياء مصطنع وقلبها يرفف من السعادة تخفيها:
- إيه ده.
وضع قبلة علي جبينها بحنان وقال بهيام وهو ينظر لعيناها بحب وشغف:
- أسف.

فرح بسعادة حين أبتسمت له ببراءة وأخذت منه الورد بدلال، أقترب خطوة منها ودهش حين رفعت نظرها له وتغيرات تعابير وجهها للغضب من جديد وقالت:
- شكرا علي الورد، بس أسفك مش مقبول.

أنهت جملتها ثم بعدته عن طريقها بيدها في صدره وجلست على الأريكة تداعب الوردات بأصابعها وتستنشقهم بسعادة تغمر قلبها الصغير وتتناغم بدقاته، جلس بجوارها .
- وحياة عمه سماح المرة دي
قالها إلياس وهو يداعب كفها بيديه ويحتضنه بدفء.

أردفت دموع بزفر شديد منه، وهو يظل يشاكسها ويذهب خلفها أينما ذهبت..تعانده وهي تخرج لسانها له كطفلة صغيرة قائلة:
- وحياة عمه حبيبي مش هسامحك.
أبتسم عليها وقال وهو يغلغل أصابعه بين خصلات شعرها بحنان:
- سماح المرة دي عشان خاطر عمه حبيبك.

أبعدت يده عنها بأستياء وقالت بحزن عميق وهي تنظر له:
- ده أنت مستنيتش تسمعني طردني وخليتهم يأخدوني مستحيل أسامحك ياعمه أنت وحش وشرير.

ضحك علي براءتها ثم وضع قبلة علي جبينها بلطف شعر بشفتيه تلتصق بجبينها فتسارع قلبها بنبضه وأغلقت قبضتها بأرتباك منه فهي الأخري إشتاقت له و لحديثهما ولكنها غاضبة حقاً منه
أبتعد عنها ثم نظر لعيناها بدفء وهتف بخفوت يهمس لها في أذنها:
- صدقيني عمه مش شرير ويحبك والله ومش واجعني بجد الا جرحي لكي ومع أول خطر قرب منك سبت أيدك، أنا أسف حقك عليا غلطة مش هتكرر.

أبتسمت بداخلها بمكر ورفعت حاجبها ثم وقفت بدلال تثير غضبه أكثر وأكثر، وهي تتجه الي غرفتها مُستديرة له:
- برضو مخاصمك ومش هسامحك علي عملتك دي ها.

وضع يده خلف رأسه بزفر وهو لا يقوي علي هذا الخصام أكثر من ذلك ودلالها المفرط وهو يعلم بأنها تعاقبه بدلالها هذا...
أستسلم لدلالها وذهب إلى غرفته بغضب شديد.

خرجت أثير صباحاُ من غرفتها أوقفتها جميلة وهي تتحدث:
- أثير مش هتفطري.
أجابها وهي ترتدي حذاءها بروح حزينة:
- مش جعانة وهتاخري عندي محاضرة بدري...

تركتها وخرجت، أردفت جميلة وهي تسديرة لزوجها قائلة:
- عجبك بنتك كدة.
أجابها وهو يأكل بلا مبالاة:
- أنا اللي عملت كدة ولا ابن أخوكي وأخوكي .

تتنهدت بزفر رغماً عنها وقالت بهدوء تستأذنه:
- طب إيه رأيك أروح أتكلم مع جلال آنا يمكن أوصل لحل...
نظر لها بضيق ثم قال بأستياء:
- أعملي اللي يريحك بس يارب هو اللي مطردتكيش من بيته.
ووقف من كرسيه ثم ذهب إلي الداخل...

أستيقظت دموع علي صوته وهو يناديها ويربت علي كتفها، أردفت بصوت نائم وهي مغمضة العينين ونسيت غضبها منه:
- عمه خليني أنام شوية بليز.
أربت على كتفها بحنان وقال وهو يبعد خصلات شعرها عن وجهها:
- قومي يادموع بطلي كسل من أول يوم.

رفعت رأسها من فوق الوسادة ووضعتها علي قدمه بتشبت به وهي تقول بخفوت وهي شبه نائمة وغير واعية:
- عمه عايزة أنام.
مسح علي رأسها بيديه وهو يقول بأبتسامة:
- والمدرسة مين يروحها ولا مش عايزه.
فتحت عيناها بذهول ونظرت للأعلي له وقالت بعدم تصديق:
- هروح المدرسة.

أبتسم لها وهو يضع خصلات شعرها خلف أذنها ثم أشار إليها بنعم، قفزت من فوق السرير بسعادة وهي تعدل من هيئتها قائلة:
- أنا جاهزة يلا بسرعة.
أبتسم عليها وقال مٌشيراً علي الأريكة:
- ألبسي لبس المدرسة بسرعة عشان الباص هيجي بعد نص ساعة وبسرعة عشان تفطري قبل ما تنزلي.

- عملتي فطار
قالتها بدلال وعفوية وهي تضع يديها علي وجهها بطفوليه وترمش له بعيناها مُبتسمة، قرصها من خدها وخرج، أخذت حمامها ومن ثم جهزت نفسها للمدرسة خرجت ورأته يرتدي قميص وبنطلون وتجهز للعمل، قوست شفتيها وهي تتذكر غضبها منه...

- أفطري بسرعة
قالها وهو يرتشف قهوته، حملت شنطتها وقالت بغضب:
- أنا مخاصمك إياك تنسي كدة ها...
وتركته وخرجت، أعد سندوتشات لها وأسرع خلفها رأها تركب الأتوبيس، أعطهم لها من النافذة فأبتسمت بسعادة للذهابها للمدرسة ولوحت له بيدها الصغيرة من النافذة مُبتسمة، لوح لها بيده ثم ركب سيارته...

دلف سعيد الي مكتب معتصم سأله وهو يباشر أعماله:
- عملت ايه.
أجابه سعيد وهو يقرب:
- سيد هترحل علي النيابة بعد يومين ورجالتنا هتخلص الموضوع قبل ما يوصل للنيابة...

سأله بفضول أكبر:
- ودموع.
أزدرد لعوبه بصعوبة وقال بضيق مخفض رأسه للأرض:
- رجعت لإلياس وداها المدرسة مع مامته.

أسند بظهره للخلف مُتكي علي كرسيه وصمت لوهلة من التفكير ثم هتف بتهكم قائلاً:
- كويس أنه خرجها جبهالي قبل ماتفتح بوقها...
بتر سعيد الحديث من فمه وقال بثقة:
- بس...

- مبسش دموع لو قالت أنك طلبت منها تقتله هيأخد رأسك قصادها
قالها معتصم بأنفعال يخشي تهور إلياس .
أجابه وهو يضم يده أمامه بهدوء مُطاع لأمره:
- النهاردة وهي خارجة من المدرسة هنجبها حاضر...

دلفت دموع الي الفصل مع جميلة توقفت المُدرسة عن الشرح ووقفت الطالبات أحتراماً للمديرة، نظرت حولها في المكان بسعادة وهي تتأمل المكان وتحمل شنطتها المدرسية علي ظهرها وكتبها الدراسية علي ذراعيها بعد أستلامها قبل مجيئها الي الفصل نظرت نحوهم و جميلة تتحدث مع المُدرسة بخفوت لا تسمعه هي ثم أبتسمت المُدرسة وأشارت لـ دموع مُتمتمة:
- أدخلي يا دموع أقعدي جنب حنين، أرفعي أيدك يا حنين .

رفعت يدها لكي تعرفها دموع فذهبت لكي تجلس بجوارها في الصف الثالث في المنتصف، أبتسمت دموع بتكلف وهي تجلس ثم وضعت كتبها الدراسية أمامها فعادت المُدرسة للشرح من جديد، أخرجت من شنطتها مسلتزماتها وبدأت يومها الدراسي بنشاط وحيوية كبيرة من أجل تحقيق حلمها وتصبح طبيبة، أنتهت الحصة وخرجت المدرسة، فتحت شنطتها لترتبها وتضع بها الكتب، وقف حنين مُبتسمة وقالت بترحيب:
- خليني أساعدك.

ثم مسكت الشنطة لها ووضعت دموع الكتب بها فأبتسمت شاكرة وهتفت مُغمغمة:
- ميرسي تعبتك.
مدت حنين يدها لها لكي تصافحها وقالت تقدم نفسها لها:
- لا تعب ولا حاجة أنا حنين.

أبتسمت دموع وصافحتها بسعادة تغمرها لحصولها علي صديقتها الأولي لأول مرة وقالت:
- دموع.
جلسا الأثنين معاً يتحدثوا عن حياتهما وتخفي دموع كونها راقصة حانة وأخبرتها أنها تعيش مع قريبها فقط ووالديها متوفين...

في مكان جديد تحديداً في جريدة الحقيقة، كانت تجلس كارما علي مكتبها في غرفة مستقلة تتشاركها مع صديقة لها تباشر أعمالها في كتابة مقال عن أحد الفاسدين في البلد، دلفت فاطمة صديقتها الي الغرفة غاضبة ووجنتها حمراء من شدة إنفعالها، ألقت بالملف علي مكتبها بضيق وجلست تنزفر بعجز فسألتها كارما بفضول وهي تكتب المقال دون النظر لها:
- مالك ياست فاطمة داخلة شايطة ليه كدة، أكيد عملتي مصيبة والمدير أداكي كلمتين.

أنفجرت فاطمة بعد أن وصلت لأقصي درجة من الغضب وهتفت بإنفعال:
- مصيبة عشان عايزه ينشر المقال ده ويبطل الرشاوي اللي بيأخدها دي، بسبب أمثاله هيفضل الفساد مالي البلد والناس اللي فوق مطمنين أوي أن محدش هيتكلم ويفتح بوقه.

رفعت كارما نظرها بتهكم وسألتها مباشرة بوضوح:
- فساد ورشاوي، المقال ده عن إيه.

تتنهدت فاطمة بهدوء تهدأ من روعها وقالت بتوضيح للتفسر الأمر لها:
- شركة أدوية كبيرة ياستي بتاجر في المخدرات عن طريق الأدوية بتخلطها فيها وتقلل نسبة المخدر في الدواء عشان تشتري بسعر وتنتج كمية أكبر من الكميات المحددة وتكسب أكتر وياريت كدة وبس لا ده كمان الأدوية دي بتحقق مفعول فعال أكبر من مفعول الدواء السيلم وده بيضر المرضي وأحيانا بيسبب وفاة.

وقفت كارما من كرسيها وألتفت لتذهب لها وهي تقول:
- أسمها إيه الشركة دي وليه المدير رفض ينشر قضية بالحجم ده فيها حياة وموت الناس.

أجابتها فاطمة بغضب من رفض المدير قائلة:
- أسمها شركة الشربيني للأدوية تبع مجموعة شركات الشربيني وطبعاً سيادته رفض بحجة آن مفيش دليل ملموس أو مستند يثبت صحة كلامي وإنه الجريدة هي اللي هتضر من مقال زي ده مالهوش اي اثبات من الصحة.

وقع علي أذنها أسم الشركة وكأنها صخرة نارية ألجمت لسانها وكأن أحدهما ألقي عليها دلو من الثلج، فهي شركة زوجها هل حقاً هذا ما يحدث ؟؟ وهل هو علي علم به ؟؟ هل مكسب رزقه غير مشروع ؟؟ هل يقتل الألف من الابرياء بأدويته ؟؟...
ألاف الأسئلة دارت في عقلها وهي تشعر بأشمئزاز أكثر مع كل كلمة تقرأها في المقال، أخذته في شنطتها وخرجت من الجريدة...

رن جرس المدرسة يعلن عن أنتهاء الحصة الأخيرة واليوم الدراسي، أسرعت دموع في جمع أغراضها بسرعة لكي تعود له مُشتاقة لمشاجرتهما معاً وألتصقه بها طالباً السماح وقبول أعتذاره، وقفت حنين معاها وخرجوا من الفصل معاً يتحدثوا وذراعيهما متشابكة معاً...

توقف إلياس بسيارته أمام باب المدرسة ورأي سيارة سوداء تقف هناك شك بالأمر بضغط علي بوق السيارة وفتح له البواب البوابة الكبيرة فدلف الي الداخل بسيارته، رأته أمه وهي تقف في الفناء مع المشرف وتنظر علي الطالبات وهم يركبوا الأتوبيس أعتذرت من المشرف وذهبت نحوه وقالت بأغتياظ:
- إيه اللي جابك هنا ياإلياس أنت موركش شغل في القسم.

أجابها بخشونة وهو يبحث بنظره عنها:
- وأخد إجازة النهاردة، فين دموع.
تتنهدت جميلة بأشمئزاز من تصرفات أبنها نحو طفلة صغيرة وقالت بأستهزاء:
- اللي جابلك يا خليلك ياعين أمك.

نزلت دموع من الأعلي مع صديقتها ورسمت بسمة مُشرقة علي شفتيها فور رؤيته في الفناء بسيارته وأستأذنت منها وركضت نحوه بصعوبة وبطيء من شطنتها الثقيلة التي تكاد تسقط جسدها الصغير حتي وصلت أمامه، أخذ منها الشنطة وأبتسم لها ثم قال ببرود وهو يمسك يدها:
- عن أذنك يا أمي.

وأخذها إلى سيارته وفتح لها الباب، لوحت بيدها إلى حنين ثم ركبت أغلق لها الباب وذهب ليركب أمام المقودة وساق بها ومر من جانب السيارة السوداء أراد أن يتأكد من وجودها أمام المدرسة متعلق بطفلته آما لا وبالفعل تحركت السيارة خلفه تطاردهما عن بعد علم بذلك وحواسه كضابط شرطة لم تخيب أمله أبداً، سألته بفضول وهي تراه يعبر طرق كثيرة غير طريق المنزل:
- إحنا رايحين فين.

أجابها وهو يقود وينظر للأمام بنبرة جادة قائلاً:
- أمي قالتلي أنها كلمتك مدرسين يدوكي دروس هجبلك الكتب االلي طلبوها وهدوم جديدة وهنشتري كل لوازمك عشان لو مقفلتيش مش هيبقي عندك حجة وأكسر دماغك.

أبتسمت كالبلهاء وقد نسيت خلافهما وقالت بخفوت:
- عمه أنت معندكش شغل خالص علي طول فاضي أول مرة أشوف ضابط فاضي كدة.
حدق بها بوجه عابث ثم هتف مُتمتماً:
- خدت النهاردة إجازة عشان أجبلك حاجاتك ومن بكرة مش هتشوفي خلقتي غير الفجر أو كل يومين ثلاثة أرتاحتي كدة.

صرخت بذهول من حديثه مُنفعلة قائلة:
- لا كدة وحش جدا سيب شغل البوليس ده.

قهقه من الضحك ثم أوقف السيارة على جانب من الطريق ونظر لها ثم مسك يدها وقال بتحذير لها:
- عشان كدة عايزك تخدي بالك من نفسك كويس جداً ومتثقيش في أي حد خالص من اللي حواليك والدروس تكون في البيت عند أمي وطول مانا في الشغل رجلك متخرجش من البيت عند أمي وأنا راجع هأخد معايا.

قوست شفتيها بحزن وهتفت ببراءة قائلة:
- حاضر بس خليني في البيت عندنا بلاش بيت طنط ومش خرج ولا فتح الباب لحد خالص بس عند طنط لا أنا بخاف من عمه حبيب.
أشار إليها بلا وقال بخشونة وتحذير:
- لا يعني لا تقعدي لوحدك لا مفهوم...
ثم قاد سيارته إلى مول كبير به كل الأغراض وجعلها تنزل وحدها وهو يري السيارة السوداء خلفه ونزل منها رجلان، أخرج هاتفه وأتصل بمعتصم...

كان يباشر أعماله في أجتماع مع المدينين حتى قطعه رنين هاتفه ذهل في بدء الأمر من رقم إلياس ثم وقف من مكانه ودلف إلى مكتبه وأجابه:
- إلياس باشا بنفسه خير.
أجابه إلياس بنبرة تهديد واضحة وقوية قائلاً:
- طول مانت حاطتني في دماغك يبقى مش خير، أسمع يامحترم باشا أنا قبلت منك كل التهديدات وقتل مراتي وسكت لكن تلعب مع دموع يبقي عليا وعلى أعدائي ويلعن الشرطة والوظيفة آللي حاكمني مش هبقي على حاجة وبنتك قصاد دموع لو دموع جرالها حاجة او أتخدشت خدش صغير وهي بتلعب حتى في المدرسة وأنت ملكش علاقة بيه عد بعدها ساعة واحدة وتترحم على بنتك مش أسمها أريج برضو.

صرخ معتصم بأنفعال وخوف شديد على أبنته من هذا الوحش قائلاً:
- أنت بتهددني ياحيوان أنت مش عارف أنا مين وأقدر أعمل إيه .

ضحك إلياس بأستفزاز ثم هتفت بنبرة جادة خشنة:
- رجالتك آللي وراء دموع أبعدهم أحسن بطريقتك بدل ما أبعدهم أنا وصدقني متخافش من حد أكتر من اللي معندوش حاجة يبكي عليها وأنا معنديش لكن أنت عندك بنتك المحروسة ومش صعب عليا هي مش موجودة في النادي دلوقتي بلاش تضطرني أدخل الشغل في العيلة خلي الشغل شغل وأنت عدوك أنا مش عيلتي ولا دموع معاك عشرة دقائق لو رجالتك ممشيوش همشيهم أنا على المستشفى بمسدس ميري سلام...

وأغلق الخط معه، قذف معتصم الهاتف بقوة ويزيد غضبه وهو يهدده بطفلته وصرخ بأنفعال:
- سعيــــد.
جاء له فور صراخه، هتف معتصم بأنكسار وهزيمة أمام ذلك الوحش:
- أتصل بالرجال وقولهم يسبوها ويجيوا وأبعت حراس لأريج وكارما بسرعة.

سأله سعيد بفضول شديد وأستغراب:
- في حاجة...
قطعه معتصم بصراخ شديد:
- نفذ وأنت ساكت بسرعة.
أشار إليه بنعم وخرج مسرعاً...

ظلت واقفة تنتظره، جاء لها ومروا الرجال بجانبه خارجين من المول فأبتسم لها بسعادة وأخذها من يدها ودخل بها معظم المحلات وأشتري لها ملابس كثير ثم دلف إلي مكتبه دراسية وأشتري لها كتب وكشاكيل وأقلام وأغراض كثيرة، خرجت تنتظره بالخارج وهو يدفع الحساب خرج خلفها ورأها تنظر لمحل هدايا على دبدوب باندا كبير الحجم أكبر من جسدها النحيل، أبتسم عليها وأخذها وأشتراه لها ثم ذهبوا لمحل أحذية وأشتري لها أكثر من حذاء وبعدها إلى محل الأكسسوارات وأشتري لها كل شي يعجبها من إكسسوارت شعر وأكسسوارت لها ثم أخذها لمحل موبايلات وأشتري لها هاتف محمول ليطمئن عليها وهو في عمله وأنهيت جولتهما وذهبوا إلى السيارة، نظرت بسعادة على الأريكة الخلفية التي أمتلئت بالأغراض هي وشنطة السيارة، هتفت بسعادة تغمرها وتبث من عيناها كالبلهاء قائلاً:

- اشترينا كل ده.
أجابها بثقة ومشاكسة:
- آه ومتتعوديش على كدة آنا فلست خلاص.
أبتسمت له ببراءة وجلست مُعتدلة في مكانها وتمسك ذراعه بيديها وتضع رأسها على كتفه وقالت بسعادة:
- اوكية.
أكتفي بالابتسامة وهو يثني رأسه على رأسها بدفء...

ذهبوا إلى المنزل مساءاً ووجدت رجال أغراب بالشقة مسكت بيده بخوف وقالت بخفوت:
- عمه مين دول.
أبتسم عليها وأحتضن يدها ثم نظر للرجال وقال:
- الله ينور يا رجالة، قدمك كتير ياسطي.

أجابه الرجل وهو يترك ما في يده لباقي الرجال:
- خلصنا الشبابيك كلها وباب المطبخ ركبناله الباب الحديد زي ما طلبت فاضل باب الشقة وركبنا الكاميرات قدام باب المطبخ وباب الشقة ممكن تجربهم قبل ما ننزل وتحاسب، الكاميرات في وضع كويس جدا بحيث انه يظهرلك كل المكان قدام الباب ودي مفاتيح الباب الحديد.

أجابه إلياس بوقار وهو يهز رأسه قائلاً:
- الله ينور تسلم أيدك أدخلي يا دموع أعملي شاي للرجالة.
أشار الرجل بيده قائلاً بشكر:
- لالالا تسلم يا باشا إحنا خمس دقائق هنركب الباب ونمشي.

أربت علي كتف الرجال ودخل إلى الداخل معاها ووضع لها الأغراض علي السرير، أتسعت عيناها الخضراء علي مصراعيها بذهول ووضعت يديها علي فمها من دهشتها وهي تري المكتب الخشبي يزين زواية في غرفتها لونه وردي ومن الأعلي مكتبة مُعلقة أعلي المكتب لكتبها وأغراضها لونها وردي تماماً كلون الغرفة، سألها وهو ينظر لأبتسامتها الساحرة:
- عجبتك الأوضة.

ركضت نحوه بسعادة طفولية وتشبثت بملابسه ببراءة وقالت بنبرة دافئة طفولية وعيناها تحتضن عيناه:
- حلوة جدا ياعمه ربنا يخليك ليا.
وفور أتمام جملتها وضعت قبلة رقيقة علي خده، نظر لها بدهشة ألجمته وشعر بتجمد جسده وحرارته تتزايد من لمسها، قرصها من خدها وخرج للرجال وأبقيت هي تنظف الغرفة وتضع الأغراض الجديدة في مكانها وترتب مكتبها...

جهزت جميلة نفسها وأستعدت للذهاب إلى أخيها ثم خرجت من الغرفة ووجدت أثير تقف أمامها وتضع يديها علي خصرها بوجه عابث وقالت بحدة:
- حضرتك راحة فين ياماما.
أزدردت لعوبها بصعوبة وقالت:
- خارجة يا أثير هتحاسبيني.

رمقتها بنظرة شك وقالت بحزن وأنكسار:
- لا يا ماما أنا مقدرش أحاسبك بس بلاش تروحي لخاله او علي لو روحتلهم هترخصيني وبعد ما أرخص لو خاله وافق آنا آللي مش هوافق بلاش تكسرني وتذلي بابا ونفسك عشاني أذا كان على مش هيحارب عشاني يبقي ميلزمنيش ياماما وأنا مش هتجوزه.
وتركتها ودلفت إلي غرفتها باكية، زفرت جميلة بضيق وعجز ودلفت إلي غرفتها بغضب متراجعة عن قرارها...

وصل معتصم إلى الفيلا وترجل من سيارته دلف الي الداخل ولم يجد طفلته في أنتظاره كالعادة، كاد أن يصعد إلى الأعلي أوقفته كارما بحديثها قائلة بجدية:
- معتصم.

أستدار لها بدهشة وقال بأستغراب للهجتها:
- كارما إيه اللي مصحكي لحد دلوقتي.
صرخت به بأنفعال وهي ترمي له المقال بوجهه قائلة:
- ده اللي مصحيني كده هو ده شغلك المشروع بتكدب عليا وتخدعيني فيك.

نظر للمقال ودهش ثم أجابها بثقة مصطنعة قائلاً:
- جبتي الكلام ده منين، ياحبيبتي أنتي مش روحتي الشركة وشوفتي الشغل بنفسك ازاي تصدقي كدة.
أردفت بغضب ونرفزة قائلة:
- ده شركة الأدوية معقول أنا متجوزة راجل بيقتل الاف الابرياء .

- بكرة أخدك الشركة وتشوفي بنفسك وتصدقي ان الكلام ده كدب وتعرفي أني راجل أعمال ليا اعداء نجاح ومنافسين مصلحتهم يدمروا سمعتي في السوق بأي طريقة
قالها بثقة وهو يربت علي كتفها.
هزت كتفها بغضب تبعد يده عنها ثم نظرت له بتحدي وقالت بأشمئزاز:
- هجي معاك يا معتصم.

في اليوم التالي في كافي عام، وضع النادل المشروبات علي الترابيزة ورحل...
- أنت مخك طق يا إلياس ولا طارت منك خلاص
قالها علي بصدمة وهو يرمقه بالنظر بأشمئزاز.
أعاد إلياس حديثه بهدوء:
- بقولك هتجوزها إيه بقول حاجة غريبة.

رفع علي حاجبه بذهول وقال بتوضيح للأمر:
- لا بتقول آنك هتعمل جريمة أنت نفسك قبضت علي سيد ورامي بيها تتجوز قاصر ياإلياس لدرجتي مش قادر تستني.
صرخ إلياس به وهو يدفع الكأس من فوق الترابيزة:
- هتجوزها عشان أحميها مش عشان اللي فدماغك لازم أحميها دموع لو جرلها حاجة لا يمكن أسامح نفسي مش هستني لما تحصل تيا...

بتر علي الحديث منه وقال بتهكم:
- بس دي قاصر وانت ضابط شرطة وراجل قانون ازاي ترتكب جريمة زي دي.
قال بأصرار وهو يقف:
- هتجوزها يعني هتجوزها...

وتركه ورحل من الكافي لا يفكر بشئ سوي الزواج منها ذاهباً الي شقته ليتأكد بأنها عادت من مدرستها بسلام وصدم حين لم يجدها بالشقة بالكامل وقد مر موعد عودتها بساعتين، أخرج هاتفه وأتصل بها ردت عليه أثير قائلة:
- أيوة يا ألياس.

سألها بقلق وأستغراب من وجود هاتفها مع أخته:
- دموع فين.
أجابت بصوت هامس قائلة:
- دموع عندها درس ماما جابتها وهي راجعة من المدرسة المُدرس عندنا هتيجي تخدها ولا هتبات عندنا.
- هجي سلام
قالها وأغلق الخط...

دلفت دموع الي غرفة أثير وصدمت حين رأيتها علي الأرض غارقة في الدماء فصرخت بخوف...

 

تااابع ◄