رواية راقصة الحانة الفصل الثالث
نظر لعيناها وهو يقود سيارته وتذكر ما حدث بأكمله وخوفها عليه أبتسمت له ببراءة فأبتسم لها رأي سيارة نقل تأتي من جواره خلف بابها بسرعة قصوي علم بأنها ستقتلهم، جذب رأسها بهلع وأخباها بصدره وهي مُبتسمة وبسرعة البرق صدمت السيارة سيارته وأنكسر زجاج نافذة الباب بظهرها وأنقلبت سيارته نتيجة الصدمة القوي وهي بين صدره ثم فرت سيارة النقل هاربة بعدم صدمهما، تنفس الصعاد بتعب وألم في كل أحناء جسده ودماء تسيل من رأسه وهو مُثبت ذراعه الأيسر في المقودة بقوة ويحمي رأسها بين ذراعه الأيمن وصدره ثن نادها ليطمئن عليها:
- دمــوع.
لم تجيبه مرة وأخرى، حاول فك حزام الأمان بخوف عليها وهو يتاوه بألم ثم خرج من نافذة السيارة وأخرجها معه فاقدة الوعي، جلس على الأرض بتعب ووضعها على قدمه وحاول أفاقتها وهو يصرخ بهلع:
- دمــوع.. دمــوع.
فتحت عيناها ببطئ شديد وأنفاس متقطعة رأته أمامها وعيناه تكاد تبكي من الخوف نطقت بصعوبة وصوت مبحوح:
- عمــه.
وغابت عن الوعي من جديد، نظر عليها وهى بين ذراعيه ملوثة بالدماء بالكامل وتذكر جملتها ( أنا خايفة عليك) وقف بصعوبة من الألم وحملهاعلي ذراعيه لكنه لم يقوى على الحركة فسقط على الأرض، أخرج هاتفه وأتصل بسيارة الأسعاف من ثم ضم رأسها لصدره وحدثها بخوف شديد:
- دمـوع خليكي معايا متموتيش متمشيش زي تيا وتسبيني لوحدي، دموع خليني أعمل حاجة صح مرة في حياتي وأدخلك المدرسة، أنتي مالكيش ذنب في كل ده مش لازم تموتي المفروض أنا مش أنتي ولا تيا.
أنتفض جسدها فجأة بين ذراعيه ثم توقف قلبها عن النبض تماماً.. صرخ بصدمة وهو يضمها بقوة:
-اااااااااه ليـــــــه كـدة ليــــه...
أستيقظ حبيب على صوت رنين هاتفه فألتقته وأجاب عليه:
- آلو.. أيوة أنا... إيه طب هو كويس جراله حاجة.
فتحت جميلة عيناها بتذمر وهتفت قائلة:
- في إيه ياحبيب على المساء أنت مش هتبطل تليفونات.
- طيب طيب أنا جاي حاجة مستشفى إيه.. ماشي سلام
قالها حبيب وأغلق الخط، أعتداء في حديثها وقالت بقلق:
- في إيه ياحبيب وراح فين دلوقتي.
أجابها وهو يقوم من سريره بقلق مُستحوذ عليه بعد هذا الخبر، قائلاً:
- أبنك عمل حادثة هو ودموع في العمليات.
صرخت بهلع مصاحباً أنتفاض قوي، قائلة:
- أبني.
خرج علي مسرعاً من باب العمارة بعد أن جاءه الخبر وركب سيارته ثم قاد كالمجنون إلى المستشفي، رأه يقف أمام غرفة العلميات ورأسه محاطة بشاش طبي وذراعه الأيسر معلق في رقبته، أسرع نحوه ثم هتفت مُردفاً:
- حصل إيه، ودموع جرالها إيه .
لم ينطق إلياس بشئ فقط أبقي كما هو مُتكي علي الحائط بظهره ويفكر بها وصوتها يتردد في أذنه (ممكن تخرجني من هنا )( عمه ) ( بس انا بثق فيك لأن بحس معاك بالأمان ) ( أنا بجد خايفة عليك ) ( بجد هتوديني المدرسة ) فكل لحظة قابلها بها وكانت أمامه كنت بسمتها البريئة تُرسم علي شفتيها وتميل رأسها نحو كتفها بعفوية ويميل شعرها الحرير معاها، ضرب الحائط بقبضته اليمني بقوة وهو عاجز عن ما حدث ولا يعلم ماذا يحدث بها في الداخل وإلى أي مدي سأت حالتها بعد أن توقف قلبها بين يديه...
وصلوا أسرته إلي المستشفي، وقف حبيب أمامه وسأله بفضول عن الحادثة ناظراً لغرفة العمليات:
- حصل إيه، ودموع جرالها إيه.
صرخ به بعد أن نفذ غضبه وقلقه عليها قائلاً:
- معرفش معرفش.
وقفت أثير بجوار والدتها تنظر علي أخاها بعد ما حدث له في الأوان الأخيرة وهل عمله سبب كل هذا، وقع نظرها علي علي الواقف بجواره يربت علي كتفه بمؤاساة وأنتفض قلبها بخوف عليها فأذا وقعت في حبه هل ستكون تماماً كـ تيا وسيظلوا يحاولوا قتله، هزت رأسها بخوف وهي تشيح نظرها عنه بعيداً...
دلف معتصم إلي ڤيلته مُنهك من كثرة العمل ويحمل جاكيته بيده.
- بابي
قالتها أريج وهي تركض نحوه بسعادة، جثو علي ركبته بسعادة يعانقها ثم قال:
- عصفورة بابي صاحية لحد دلوقتي ليه.
أبتسمت له ببراءة وهتفت بطفولية:
- مستنياك تلعب معايا.
قهقه من الضحك بسعادة، أقتربت كارما منه مُبتسمة وهتفت مُردفة:
- حمد الله بالسلامة ياحبيبي، روحي يا أريج لنانا بابي تعبان.
- أوكي
قالتها أريج بطفولية وسذاجة وهربت إلي الداخل، وقف معتصم ووضع قبلة علي جبينها بأرهاق وقال:
- العشاء جاهز.
أشارت إليه بنعم وهي ترسم بسمة علي شفتيها، صعد الدرج لكي يغير ملابسه أولاً...
خرج الدكتور من غرفة العمليات ونزع الكمامة عن وجهه، أسرع إلياس له بفزع وسأله:
- خير يا دكتور هي كويسة.
- الحمد لله حالياً صحتها كويسة وتجاوزنا مرحلة الخطر، طبعاً خرجنا الزجاج من ضهرها وجبسنا رجلها الشمال، بس...
قالها الدكتور وهو ينظر له ثم توقف عن الحديث، نظر إلياس له بخوف بعد أن توقف عن الحديث، نظر الدكتور لــ حبيب ثم أكمل حديثه بأسف:
- هي دخلت غيبوبة علمياً مفيش أي أسباب توحي للغيبوبة دي يمكن جسمها مش قابل الحادثة وصدمة أن شاء الله تفوق في أسرع و قت عن إذنكم...
أرتطم جسده بالحائط بخذلان وأنهيار بعد خبر الغيبوبة، نظروا جميعاً لبعضهم ثم له بذهول من خوفه الشديد عليها ومن فقدها، ذهب إلى غرفتها بضعف وهو لا يقوي علي الحركة، دلف بتعب ورأها علي السرير وأنبوبة التنفس الصناعي علي فمها وعليها غطاء أبيض وشعرها مسدول بجانبها، جلس بجوارها علي الكرسي وتأملها بهدوء وذرفت دمعة من عيناه مع دقة قلب من أجلها هي فقط، طفلة سكنت تفكيره منذ أول لقاء لهما بالحانة وأسمها الذي تردد بأذنه منذ أن سمعه من فريدة وعيناها الحزينة كأسمها وكيف تحتضن عيناه، تشبثها به وبيده مع صوتها الرقيق بهدوءه وبسمتها البريئة وسذاجتها...
كل شيء بهذه الطفلة سكنه وحدها. من جعلت قلبه يدق من أجلها من جديد، دقة قلب رغم خوفه منها إلا أنه سعد بها، ذهبت عيناه على يدها رغم الكانولا المعلقة بها، أقترب بجسده نحوها ثم أحتضن يدها بيده اليمنى وهتف بضعف وصوت مبحوح ودموعه تنهمر قائلاً:
- دموع، دموعي بتنزل بسبب واحدة ست بعد العمر كله حتى لما تيا ماتت دموعي منزلتش قد ما كتمت وجعي جوايا، دموعي نزلت بسببك يا دموع، هان عليكي عمه ودموعه...
ترك يدها ثم رفعها ليمسح دموعه وتنفس بعمق ثم هتف مُردفاً:
- متخافيش آنا معاكي فوقي ومتخافيش من حاجة، صدقيني لو أعرف أن ده هيحصل كنت سيبتك عند ماما.
صرخ بانهيار وهو يقف من جوارها، قائلاً:
- فوقــي بقــي.
دلف الجميع إلى الغرفة علي صراخه وزاد ذهولهم من صراخه وأنهياره هكذا بسببها هي فقط، هتف على بهدوء:
- إلياس أنت كويس .
تركهم وخرج من الغرفة بأنفعال وقلبه يعتصره الألم خوفاً من فقدها هي الأخرى يعلم بأن هذه فعلة معتصم وحده، جلس في الأستراحة منتظر شئ واحد وهو أن تستعد وعيها وتناديه بـ ( عمه) مجدداً بلطفها...
ظل هكذا حتي جاء علي له مع أذن العصر وجده شارداً لا يعلم ماذا يحدث لصديقه لما جن جنونه هكذا من أجلها...
سأله بوجع قائلاً:
- عرفت اللي عملها، هو صح ؟؟.
هتف علي بضيق قائلاً:
- اه هو.
وقف إلياس بغضب مُشتعل كالثور الهائج وخرج من المستشفي كالمجنون ومنها إلي شركته وهو يفكر بشئ بواحد قتله لــ تيا و دموع علي وشك تركه...
كان يجلس يباشر أعماله بأستياء، فتح باب مكتبه بقوة فرفع نظره ووجد إلياس يقترب منه وعيناه تشيع نار من الغضب بداخله موج غضب خارجة عن سيطرته ممزوج بألم الفقد ولما دائماً هو من يخسر وكل من يقترب منه هو من يتأذي بالنهاية... خلفه رجال الأمن، وقف معتصم من كرسيه وألتف حول المكتب ويقول:
- إيه ده، أنت داخل فين هنا.
أقترب إلياس منه ومسكه من عنقه بقوة وهو يزداد في ضغطه ثم يهتف قائلاً:
- كان لازم تفكر في ده لما قتلتها، ليــــه هي ليــــه.
ولكمه بقوة في وجهه أسقطه أرضاً، أقترب الرجال منه ولكمهم بقوة وأطرحهم ضرب وصرخ بقوة ونار بين صدره قائلاً:
- ااااااااااه ياقلبي...
وقف معتصم بمساعدة رجاله وصرخ به بإنفعال، قائلاً:
- أنت أتجننت ياحيـوان أن ما خليتك تندم علي اللحظة اللي أتولدت فيها...
دلف علي خلفه وهلع حين رأهم هكذا، أسرع له ومسكه من يده وهو يهتف قائلاً:
- إلياس أنت فقدت عقلك بعد اللي حصل، دخولك هنا جريمة...
نزع ذراعه من يد علي وتركه بلا أهتمام وأستدار لكي يخرج وقابل سعيد أزدرد لعوبه بخوف وأرتباك من إلياس ، دفعه بقوة وأكمل خروجه ومن الشركة إلي المقابر فاقداً كل أعصابه تماماً ويفكر بــ تيا وهل سيفقد دمـوع هي الأخري، وقف أمام قبرها ثم قرأ الفاتحة وعقله وقلبه مع هذه الطفلة التي علي وشك الفراق والرحيل...
رن هاتفه بأسم أثير فتح الخط وقال ببرود:
- نعم.
- إلياس دموع فاقت وبتدور عليك.
ركض بسرعة كالمجنون وكأنه مسافر وهبط علي أرض الوطن أمام عيناه بسمتها فقط وهي تناديه.
دلف علي وهو يحمل بيده عبوات العصير للجميع، وجدها منكمشة في ذاتها كعادتها وتبكي بخوف من كسر قدمها، أعطي العصير لـ جميلة وحبيب أقترب من أثير ووقف إمامها ومد يده بالعصير نظرت لعيناه بخجل وأخذته منه فتلامست أصابعهما معاً ودق قلبه مع دقات قلبها ثم جلس بجوارها، دلف إلياس للغرفة وعلي جبينه حبات العرق من كثرة الركض ويهتف بذعر قائلاً:
- دموع.
رفعت نظرها له ورسمت بسمتها الطفولية وقالت بعفوية:
- عمه.
أسرع لها وعانقها بشغف مُشتاق لها وقال بلهفة:
- أنتي كويسة.
أبعدته عنها بخوف عليه وقالت بهلع وهي تديره يمين ويسار:
- عمه أنت كويس صح محصلكش حاجة وحشة.
أبتسم لها بسعادة فتنحنح علي بإستياء...
خرجت نارين من غرفتها وأغلقت الباب ثم أستدارت فصرخت بهلع حين رأت...
خرجت نارين من غرفتها وأغلقت الباب ثم أستدارت فصرخت بهلع حين رأت فريدة أمامها تمسك بيدها سكينة الفاكهة، سألتها نارين بخوف أستحوذ عليها ونبرة متقطعة تكاد تجمعها:
- أنتي بتعملي.. ايه بالبتاعة... دي.
أردفت فريدة بأستفزاز وبرود جاف قائلة:
- هكون بعمل إيه بقطع الفاكهة مش برضو بتعملي كدة.
ضحكت نارين بقلق وهي تبعدها عنها وقالت بخفوت:
- اه بألف هنا ياحبيبتي.
قهقهت فريدة بأنتصار لأخافتها وقالت بمياعة تستفزها أكثر:
- عن أذنك ياأبلتي ورايا شغل، فينك يا دموع كنتي شالة الحمل شوية...
وذهبت وهي تعلم بأن ذكر أسمها وحده كفيل بأغضبها، زفرت نارين بغضب ورفعت يديها للعدم تريد قتل هذه الفتاة المتمردة عليها...
صفعة قوية نزلت علي وجه سعيد من معتصم بغضب شديد مُحدثه قائلاً:
- أنا مقولتلكش تقتله يبقي متتصرفش من دماغك.
نظر سعيد أرضا وقال بأحراج من فعلته وندم قاتل:
- متأسف آنا كان قصدي أخلصك منه ونرتاح.
صرخ به وهو يدفعه بإنفعال شديد قائلاً:
- وخلصت منه بقي، تفتكر إلياس هسكت المرة دي علي قتله بعد ما رجع الشغل، بدل ما كان بيدور ورانا علي راحته هيدور بأيده وسنانه أزاي يخلص مننا وكلهرمن غباءك.
- متأسف يافندم
قالها مُعتذراً عن أفعاله المتهور، زفر معتصم بضيق وهو يتجه نحو مكتبه ويجلس علي كرسيه، وهتف بحيرة:
- اللي زينا بيقولوا يا حيطة دارينا من الحكومة وأنت بغباءك بتعادي الحكومة أكتر كل يوم عن اللي قبله... غور من وشي وخليهم يبعتلولي قهوتي.
خرج سعيد من المكتب غاضباً من هذه الإهانة ويتواعد لــ إلياس أكثر...
دلف إلياس للغرفة وهو يحمل في يده شنطة أعطاها لها وهو يحدث أخته:
- قومي يا أثير ساعديها تغير هدوم المستشفي دي.
سألته جميلة بأستغراب من تصرفات أبنها:
- ليه لسه مش هتخرج دلوقتي أنت هتخرجها ولا لا ؟؟.
أجابها بلا مبالاة وهو ينظر لــ دموع بشك من الحادثة وهو لا يعلم المقصود بها قتله آما فقدها هي للضغط عليه أكثر وأخافته، قائلاً:
- اه هتخرج يلا يا أثير.
وقف علي من كرسيه وهو يضع يديه في جيبه ويقول بنبرة جادة:
- إلياس آنا عاوزك في كلمتين.
خرج معه من الغرفة وجلسوا في الأستراحة معاً، سأله على بفضول وشك من أمره:
- مش ملاحظ أنك متغير شوية.
سأله إلياس وهو يخرج علبة سجائره من جيبه، قائلاً:
- متغير أزاي يعني.
- دموع إيه علاقتها بيها بالظبط ومتقوليش مالهاش حد وصعبانة عليا، دي مش طريقة واحد واحدة صبعانة عليه وبيشفق عليها
قالها وهو ينظر لصديقه بثقة من حديثه وحتماً هناك شيء بينها وبينه أو علي الأقل في قلبه، لم يجيبه وفكر بسؤاله وهو يعلم الأجابة جيداً هو مُغرم بهذه الطفلة لأبعد الحدود وهذا الغرام تجاوز كل الحدود في عشقها، سأله علي مجدداً بوضوح:
- أنت بتحبها يا إلياس.
وقف إلياس وهو يجمع شجاعته ويشعل سيجارته قائلاً:
- اه بحبها ومن غير مبررات ومش عايز أسمع أعتراضات خالص ده موضوع يخصني آنا بس.
كاد أن يرحل لكنه أوقفه علي وهو يمسك يده بقوة وأردف بهدوء شديد قائلاً:
- آنا مش هعترض ولا هكون جاهل زي الناس وأقولك أنت زي بابها أو هي أصغر منك، بس قبل ما تغرق في مشاعرك أتأكد الأول تعلقها بيك حب كرجل ولا حب كأب حنين عليها شايفه أنه بيعوضها عن أبوها وأمها...
تركه ورحل وهو يفكر في جملته، دلف إلي غرفتها وجدها تضحك بسذاجة وهي تحاول الوقوف بالعصا الطبية ولم تنجح وأخته تساندها، رفعت رأسها له مُبتسمة وهتفت ببراءة مُردفة:
- عمه.
كلمة تنطقها تأسر قلبه لها أكثر وأكثر، هتفت أثير بتذمر من محاولاتها الفاشلة قائلة:
- آنا هجيب كرسي من الاستقبال.
وخرجت من الغرفة، أقترب منها بهدوء ثم جلس بجوارها علي حافة السرير، نظرات متبادلة بينهما مع بسمتها الساحرة، رفعت يدها لجبينه بحنان واضعها علي جرحه وقالت بخفوت هامس:
- بتوجعك صح.
تأملها وهي هكذا ويدها علي جبينه، مسك يدها بيده وقال بهدوء شديد ونبرة صوته تكاد تسمعها:
- بتوجع وكانت هتوجع أكتر لو كان جرالك حاجة بسببي.
صدم من فعلتها حين تشبثت بذراعه وكتفه لترفع جسدها قليلاً ثم وضعت قبلة لطيفة علي جرحه فوق جبينه، نظر لها وشعر بحرارة جسده تزداد من قربها هكذا ودق قلبه أكثر وقال بأبتسامة:
- نروح.
أشارت إليه بحماس شديد وهي تقف علي قدم واحد وهتفت بحماس:
-اه يلا نروح البيت.
وقف أمامها وخلع حامل ذراعه الأيسر، شهقت بقوة بلهفة عليه وقالت:
- عمه كدة هيوجعك خليه...
بتر حديثها حينما حملها على ذراعيه مُبتسم لها ويشاكسها بحاجبيه قائلاً:
- نروح.
ضحكت بعفوية ثم تشبثت بعنقه وأشارت إليه بنعم، شد عليها بذراعه وكإنها ستهرب منه أو سيخطفها أحد منه.
خرجت علي من المصعد مُتجه إلى الغرفة فرأتها تقف في الممر وتحاول فتح الكرسي المتحرك، أقترب منها بهدوء...
كانت تحاول فتح الكرسي ولم تقوي عليه، رأت يد تفتحه لها رفعت رأسها فرأته أبتسمت كالبلهاء له، نظر لعيناها وبريقها الساحر له وتلك الخصلة التي تتمرد دوماً علي أسر حجابها تنحنح بهدوء وهو يشيح نظره عنها ثم قال:
- أحم أحم، شعرك باين.
تركت الكرسي من يدها ورفعتها لتخفي خصلتها بججابها، سألته بخفوت وخجل قائلة:
- كدة كويس.
نظرها لها وأشار بنعم، أخذ منها الكرسي ومشي بجوارها وهو يلاحظ أرتبكها بوجوده.
سألها بفضول عن وهو يدفع الكرسي بهدوء قائلاً:
- أنتي في سنة كام ياأنسة أثير.
أبتسمت لبدا الحديث معاها وقالت بعفوية وهو تمشي أمامه بظهرها:
- رابعة كلية إداب.
هز رأسه بخفوت وقال دون النظر لها:
- اممم مش صغيرة يعني اللي يشوفك يقول في ثانوي.
قهقهت من الضحك وقالت بعفوية:
- أكمني بس كيوتاية وصغنونة آنا بس اللي مبحبش أتكلم عن نفسي كثير.
ضحك على خفة دمها وقال بسخرية مازحاً:
- فعلا متواضعة جدا زي أخوكي بالظبط.
أنفجر ضاحكة بقوة فهي تعلم بأن أخاها مصدر الغرور والبرود فكيف يشبهها به، رأي ممرض يقترب من خلفها وتكاد تصطدم بيه، جذبها من يدها بقوة وغيرة نارية تلتهب بداخله عن لمس غيره لها حتى لو بالخطأ، أنتفض جسدها بذهول حينما أصطدمت بصدره الصلب، خرج منها أنين شهقة أثر صدمتها، تقلبات عيناهما معاً ثم بدأت قلوبهما بالأسراع في دقاتها...
شعر بأصابعها النحيلة تربت علي صدره بخفوت تحديداً فوق قلبه المتسارع في دقاته وكأنها تلقي عليه عشقها أبدياً، أبتعدت عنه بخجل ثم ضمت ذراعيها إلى صدرها تنكمش في ذاتها بخجل، أشاح نظره عنها للأمام وصدم حين رأى إلياس يخرج من الغرفة وهو يحملها على ذراعيه مُبتسم وكأن روحه ردت للحياة من جديد وعاد قلبه للنبض بحيوية وأمل، نظرت أثير لهما بصدمة فأخاها لم يفعل ذلك من قبل حتي مع زوجته لم يفعل هذا ويحملها أمام الجميع، دائماً يخجل من مسك يدها أمامهم والآن يحمل هذه الطفلة أمام الجميع...
خرج بها من المستشفي ثم أدخلها سيارته وقاد بها ولم ينتبه لأخته، مازالت أثير في ذهولها منه...
أقترب علي منها بهدوء وقال بأبتسامة:
- تعالي أوصلك.
هتفت بشرود في ما حدث بغضب قائلة:
- إلياس نسيني هنا.
ضحك وهو يخطو للأمام ويفتح باب سيارته مٌحدثها بسعادة لعودة صديقه، قائلاً:
- أتعودي أنه هينساكي كتير من دلوقتي، أركبي.
هتفت بجراءة تعارضه قائلة:
- لا مينفعش أركب مع راجل معرفهوش لوحدنا آنا هأخد تاكسي.
إجابه وهو يستدير لها ويضع يديه الاثنين في جيبه بغرور قائلاً:
- وسواق التاكسي تعرفيه.
- اه كان زميلي في المدرسة
قالتها بسخرية من حديثه بنبرة غليظة وهي تشيح نظرها عنه بتذمر، ركب سيارته وفتح لها الباب من الداخل زفرت بضيق ثم ركبت بجواره بأحراج ظل ينظر لها وهي تنظر للأسفل بأرتباك، مال عليها بخفوت شهقت بقوة وأصابها الفواق يصدر من فمها من أرتبكها، تقابلت عيناهما في نظرة صامتة أغلق لها حزام الأمان ثم أبتعد عنها وقاد، وضعت يدها علي قلبها وهو يكاد يتوقف من سرعة ضرباته المستمرة بقربه...
أتاه هذا الصوت من داخله يشاغبه قائلاً:
- طب ما تقولها بحبك وعايز اتجوزك بدل جو التوتر اللي فيك ده وقلبك اللي مبطلش دق من الصبح.
كاد إن يصرخ بهذا الصوت ولكنه تماسك لوجودها وتجاهله، أردفت بخفوت وصوت عاذب، قائلة:
- أنا مُتشكرة جدا.
سألها وهو يقود دون أن ينظر لها، قائلاً:
- علي إيه .
أجابته وهي تنظر للطريق وتتحاشي النظر له، قائلة:
- علي كل حاجة من يوم ما أتقابلنا وأنا تعباك معايا مرة أتخطف والراجل يشلفطك خلاك شبه طبق الزر باللبن وعلي وشه مكسرات واللي عملته في القسم عشاني وتوصيلة النهاردة.
نظر لها بفضول وقال برومانسية وهو ينظر لعيناها:
- وانتي بقي بتحبي الرز باللبن ابو مكسرات ولا مالكيش في الحلويات.
ضحكت بعفوية عليه وقالت بخجل:
- علي حسب الرز باللبن ده بيتي يخصني لوحدي ولا بتاع الشارع متاح للجميع.
أبتسم بلطف ومال رأسه نحوها قليلاً ثم أردف بحنان قائلاً:
- لا بيتي لسه أول مرة ومبحبش يتاح للجميع يتحب كدة صح...
توقف بسيارته أمام العمارة ففك حزام الأمان وهربت من السيارة بسرعة وخجل بعد أن أحمرت وجنتها بلون الدم من شدة خجلها منه ومن حديثه وتلميحه، أبتسم بعفوية علي خجلها وقال بجراءة مُحدثاً نفسه:
- يبقي نكلم سيادة الرائد يكلم لنا سيادة اللواء في موضوع المكسرات دي...
كاد أن يقود ولكنه أوقفه صوتها وهي تنظر من النافذة من الخارج وتقول بخجل وصوت مبحوح:
- يتحب علي فكرة.
وركضت للأعلي بسرعة البرق، هز رأسه بالموافقة وقال بثقة أكبر قائلاً:
- كدة نكلم سيادة اللواء علي طول بقي.
خرج إلياس من المطبخ يحمل صنية الغداء وعليها فرخة وبولة الشوربة الساخنة من لسان العصفور وكأس العصير، جلس بجوارها علي الأريكة فأبتسمت له ببراءة، وضع الصينية علي قدمها وقال بحنان:
- يلا عشان تأكلي، عايزكي تخلصي الأكل ده كله.
كاد أن يقف لكنها مسكت يده نظر ليديهما ثم لها، فهتفت بلطف قائلة:
- عمه وأنت مش هتأكل.
جلس بجوارها وهو يضحك ويسألها بفضول:
- عمه ههه أنتي كنتي بتقوله عمه لكل واحد بتقابلي، قصدي يعني البيئة اللي عيشتي فيها ورقاصة في حانة وسط الرجالة والخمر أزاي بالبراءة دي كلها وبتخاف أنا توقعت أن عقلك هيكون أكبر من سنك بمراحل بسبب حياتك.
تركت يده بحزن وجمعت شجاعتها وهتفت بجراءة قائلة:
- آنا عقلي علي قد سني بس في فرق بين البراءة والنضج، أنا مش ناضجة كفاية بس عارفة الصح من الغلط وعارفة أن حياة الحانة حياة ربنا غضبان عليها، عايزني مخافش بعد اللي عيشت جوز أمه يحولني رقاصة عشان مراته عايزة كدة وبتكرهني ونفسها تخلص مني بس أن تخلص مني عندها معناها الموت بس مينفعش أسيبلهم البيت وأمشي، لما جوز الأم اللي فمقام الاب يعاملني كدة عايزني مخافش من الغرباء اللي معرفش هيعملوا فيا إيه، حياتي في الحانة كانت زي السجن ممنوع أطلع من اوضتي غير عشان أرقص بس غير كدة ممنوع ولو طلعت منها لازم اتعاقب، وبعدين آنا مكنتش بتكلم مع حد عشان أقوله عمه خناقي كله مع سيد وده ميتقالوش عمه ده يتقالوا حيوان وبس...
أنهمرت دموعها الحارة علي وجنتها وهي تتحدث عن ماضيها الأليم، نظر لها بحزن وألم تعتصر قلبه علي دموعها وهي تذرف، مسح دموعها بأنامله وقال بحنان:
- خلاص متعيطيش أنا كنت بسأل عادي.
أردفت بحزن باكية قائلة:
- أنا والله مش حد وحش زي ما أنت فاكر وكلكم شايفني رقاصة بس، أنا زي كل البنات في سني نفسي أروح مدرسة ويبقي عندي صحاب وحد يخاف عليا من الأشرار وأوضة جميلة أحط فيها عرايسي وألعابي ومكتب أذاكر عليه وأبقي دكتورة شاطرة أساعد الناس...
أقترب منها بحنان وضمها له وهو يقول بطمأنينة:
- مين قالك أني شايفك وحشة أو رقاصة، أنا شايفك أجمل واحدة في الدنيا دي روحك حلو وبريئة عيبك الوحيد أنك بريئة يادموع عائشة وسط ذئاب المفروض تقوي تدافعي عن نفسك وتحقق أحلامك كلها من غير خوف مش عايزك تفضلي تخافي من سيد وأمثاله لحد ما تلاقي حد تحبيه ويحبك لازم تتعودي تكوني جريئة بنفس الوقت تحافظيعلي نقاءك وبراءتك لوقتها.
أبتعدت عنه بسعادة وهي تتوقف عن البكاء وقالت بخفوت وصوت خامس وهي ترفع رأسها له:
- طب ما أنا بحبك أنت يا عمه.
أتسعت عيناه على مصراعيه بذهول وتذكر حديث على فقال بأرتباك واضح:
- عشان متعرفيش غيري وبتحسي معايا بالأمان، أنا قصدي لما تكبري وتحبي وتتجوزي آللي بتحبه.
أشارت إليه بنعم وهي تبتسم كالبلهاء وهتفت مُردفة:
- طب مانا بحبك أنت ياعمه، تتجوزني.
ضحك بقوة عليها وهو ينظر بعيد عنها، ثم أدار رأسه لها وضربها على رأسها بخفة وأردف قائلاً:
- أنا عايزة تتجوزني أنا ها، أنتي قاصر لسه صغيرة على الجواز مفيش مأذون هترضي يكتب كتابك.
قالت بسخرية وهي تقوس شفتيها بحزن مصطنع:
- عندنا بيتجوزوا عادي سيد بيجوزبنات أصغر مني كمان المأذون بيكتب عادي يعني ولا أنت مش عايز تتجوزني صح.
أتسعت عيناه بذهول وقال بصدمة وهو يقف:
- مأذون مين ده اللي بيكتب دي جريمة.
وقفت معه بغضب وفقدت توازنها يوقفها على قدم واحد، كادت أن تسقط ومسكها من خصرها النحيف، تشبثت بقميصه ثم رفعت نظرها له فتقابلات عيناهما معه.
- إحنا أتقابلنا كدة أول مرة
قالها وهو ينظر لعيناها الخضراء بضعف أمامهما، أبتسمت له بسعادة كالبلهاء وقالت:
- هنتجوز.
جعلها تجلس علي الأريكة وجلس بجوارها وهو يداعب خصلات شعرها ويضعهم خلف أذنها وهتف بتهكم قائلاً:
- لما تكملي سن الجواز.
- لسه سنة وشهرين
قالتها بتذمر وهي تقوس شفتيها للأسفل، ضحك عليها وأردف:
- أعتبريها خطوبة.
تذمرت عليه بضيق وقالت بضجر وهي تجذب يدها من يده بأنفعال وغضب:
- أنا عارفة أنك مبتحبنيش أصل.
قهقه من الضحك ووقف ثم حملها على ذراعيه وقال يغيظ ليشاكسها:
- يلا عشان تنامي.
زفرت بضيق في وجهه ورمقته بنظره حادة غاضبة منه...
مر أسبوعين وعاد هو لعمله و أثير تعتني بها في غيابه..
نزل سيد من الأعلي ووجد رامي بأنتظاره.
- أنت شرفت
قالها سيد وهو يجلس بجواره، سأله رامي بغضب شديد مكتوم بداخله
- أحنا هنسيب دموع كدة مع الضابط ده يتحكم فيها وفينا.
- يعني عايزني أعمل إيه ؟؟
سأله سيد بحيرة وخوف من هذا الضابط المتهور، أجابه رامي بمكر ولهجة خبيثة قائلاً:
- أتجوزها ولو أتشقلب علي رأسه مش هيقدر يأخدها مننا ولو قربلها يبقي القانون بتاعه اللي بينا وبينه.
فكر سيد بحديثه وقال بأقتناع شديد:
- موافق طبعاً، أتجوزها بس أزاي هي مش هترضي.
- ومين قالك أنها هتعرف المأذون هنا بتاعنا ورقة بخمسين وهيكتب ونروح نجبها من عنده بالقانون وكام ضابط حلو من القسم عنده وناخدها بالقوة
قالها رامي بمكر وهو يقترب منها...
أردف سيد بقبول للفكرة بإيجاب شديد قائلاً:
- ماشي بكرة نكتب علي طول ونروح نجبها منه.
أبتسم رامي بخبث وصافحه بأنتصار...
دلف إلياس من باب الشقة بعد أن أنهي عمله بتعب مُنهك جسده، ركضت دموع نحوه بسعادة وهي تبتسم له وتناديه:
- عمه أتاخرت ليه.
قرصها من خدها وأجابها وهو يدخل معاها:
- أتعودي على كدة ده شغلي، كلتي.
أشارت إليه بلا وهتفت بسعادة:
- لا وعملت عشاء حلو هيعجبك.
ضحك لها وكاد أن يتحدث لكنه أوقفه طرقات باب الشقة ذهب ليفتح وهي ترتب السفرة، ووجد أمامه ضابط شرطة من قسمه ومعه بعض العساكر ومعهم رامي و سيد ...
دلف إلياس من باب الشقة بعد أن أنهي عمله بتعب مُنهك جسده، ركضت دموع نحوه بسعادة وهي تبتسم له وتناديه:
- عمه أتاخرت ليه.
قرصها من خدها وأجابها وهو يدخل معاها:
- أتعودي على كدة ده شغلي، كلتي.
أشارت إليه بلا وهتفت بسعادة:
- لا وعملت عشاء حلو هيعجبك.
ضحك لها وكاد أن يتحدث لكنه أوقفه طرقات باب الشقة ذهب ليفتح وهي ترتب السفرة، ووجد أمامه ضابط شرطة من قسمه ومعه بعض العساكر ومعهم رامي و سيد ، كبت غضبه بداخله بعد رؤية هذان الوحشان وهتف بتهكم قائلاً:
- خير يا محمد باشا في حاجة.
تنحنح الضابط بأحراج من وجوده ببيت رئيسه وقال بهدوء:
- أستاذ رامي عايز يأخد مراته مدام دموع هي موجودة.
أتسعت عيناه بصدمة علي مصراعيها وشعر بخنجر مسموم غرس في قلبه وأنتشر سمه في قلبه يلتهمه، سأله بصدمة:
- مراته ؟؟.
مد الضابط يده بالقسيمة وقع نظره علي أسمها، تركهم دون أن يتفوه بكلمة ودلف إليها، نظرت له بخوف وقالت بحزن وهي علي وشك البكاء بعد أن سمعت حديث الضابط:
- عمه أنا...
بتر الحديث من فمها وهو يمسكها من ذراعها بقوة ويشعر بخذلان بكذبها عليه وأخفاء خبر زواجها ولم تكتفي بذلك بل أوقعته في شباك حبها وتغويذة غرامها، ضغط بقبضته علي ذراعها بقوة وهتف بضعف وقلب مجروح ينزف وعيناه تداعب عيناها بنظرة ألم وأستحقار قائلاً:
- عشان كدة كان بيدور عليكي وعايز يوصلك عشان مراته، أنتي شايفني أزاي بتستخفليني وتلعبي بيا وبمشاعري.
أنهمرت دموعها الحارة علي وجنتها وهي تتأوه بألم من قبضته وحديثه عنها وبتلك الطريقة القاسية، دفعها بقوة بعيداً عنه عاد لبروده وقسوته وهتف بنبرة غليظة دون النظر لها بغرور يخفي ألمه خلفه قائلاً:
- روحي لجوزك يامدام .
هرعت له ومسكت يده بخوف من الذهاب معاهما وتركه هنا، قالت ببراءة باكية وتشهق بقوة مُردفة:
- عمه أنا والله مش...
صوتها يزيد من ألمه وصدمته وتلقيبها له بهذا اللقب يجعله يرغب بها أكثر فتزيد من جرحه فأخذها من يدها بقوة وأخرجها لهم وأغلق الباب بقوة في وجههم، مسكها سيد من يدها بغضب وشراسة ويرمقها بنظرة مُخيفة ثم أخذوها وهربوا بها إلى حانتهم...
وقف خلف الباب بصدمة وتزيد نيرانه المُشتعلة بداخله من غضبه بدأ يكسر كل شئ أمامه ويخرج غضبه وأخذ الطعام التي أعدته بنفسها من أجله ووضعه بسلة القمامة ثم كسر الأطباق كالمجنون، جلس علي الأرض بضعف وتعب جسده تنفس الصعاد ثم أشعل سيجارته ينفث بها غضبه من كذبها عليه وأكثر ما يؤلمه أنها ملك لغيره وهناك رجل أخر يحق له لمسها الضحك معاها غيره هو...
وصلوا للحانة دخل سيد بها ودفعها بقوة فسقطت علي الأرض وخرجت منها صرخة قوية.
صرخ بها كالثور الهائج، قائلاً:
- أنا حتي بت مفعوسة تعمل فيا كدة ها، كنتي فاكرة أن الضابط بتاعك هيقدر يحميكي مني ولا يأخدك مني، أنتي كلبة آنا بس اللي أقدر أبيعها للي آنا عايزه.
وصفعها بقوة علي وجهها فصرخت به كالمعتاد وهي تقف بألم،قائلة:
- الكلبة دي تبقي أنت، الراجل اللي تمشيه مراته ميبقاش راجل، الراجل اللي يبيع بنات عشان الفلوس مبيقاش راجل ده بيبقي دكر في البطاقة بس...
أنقض عليها بالضرب كالمجنون من حديثها وذهب رامي نحو البار يجلس مع فريدة ويرتشف كأس من الخمر بلا مبالاة، مسكها من شعرها وسحبها للأعلي خلفه و هي تصرخ بقوة من الألم، دخل غرفتها ودفعها بقوة وهو يصرخ بها قائلاً:
- أتنيلي غيري هدومك عشان تنزلي ترقصي وأول كلب هيعوزك هتروحي معاه ورجلك فوق رقبتك، أنا هوريكي أنا راجل ولا لا...
خرج من الغرفة وأغلق الباب، سقطت علي سريرها تبكي بخوف من حظها السيء الذي جمعها بهذا الرجل وقدرها الذي جعلها أبنه زوجته تمنت لو لم يغضب إلياس وتقبل الصدمة لكان قتلهما بذهابهما لبيته وطلبها، تمنت لو أستطاع المجيء لها وأخذها قبل أن يقتلوها وينفذ سيد تهديده لها بذهابها مع رجل أخري يدمرها للأبد...
خرجت جميلة من العمارة ووجدت علي يقف أمام سيارته ويلعب بهاتفه ينتظرها، سألته بدهشة:
- خير يا علي إيه اللي جابك هنا.
رفع رأسه لها بعد سماع صوتها، وأبتسم بخفة وهتف قائلاً:
- هوصل حضرتك يا عمته، أتفضلي.
ركبت معه بدهشة وقاد بها وهي تلاحظ أرتبكه فسألته بفضول:
- إيه اللي جابك ياواد مش معقول عمتك وحشتك يعني، ألا عمرك ما عملتها من ساعة ما رجعت من برا بقالك ثلاث سنين في مصر وعمرك ما عملتها خير إيه الموضوع.
أردف علي بأحراج شديد قائلاً:
- ما حضرتك عارفة أخوكي من يوم اللي حصل مع عمي حبيب وهو حالف ما ندخلك بيت.
نظرت له بتساؤل وهتفت مُبتسمة لتقبلها للموقف، قائلة:
- وإيه اللي جد النهاردة عشان تجي توصلني بقي للمدرسة ؟؟.
جمع شجاعته وهتف بجدية وهو ينظر للأمام قائلاً:
- أثيـر...
نظرت له بخوف وقلق علي أبنتها، وتردف قائلة:
- مالها أثير عملت حاجة.
ضحك بتهكم وقال بعفوية:
- هي من ناحية عملت فهي عملت، بس مش حاجة تقلق، بصراحة ياعمته أنا فكرت كتير قبل ما أجيلك، أنا عايز أتجوز أثير وأكون ممنون ليكي لو كلمتيلي عمي حبيب في الموضوع ده .
أبتسم بأرتياح لطلبه وسألته بهدوء لتتأكد من شي:
- عايز تتجوز أثير عشان تفض الخلاف اللي بين أبوك وحبيب ولا عشانها هي لشخصها وذاتها.
أخرج تنهيدة قوية من صدره وهو يتذكر بسمتها وعيناها العسليتين الباكيتان، وقال بشرود في عالم عيناها ولحظاتهما البسيطة معاً:
- هو أنا هضحي بحياتي اللي جايه وعمري عشان اخوكي وجوزك يا جوجو ولا ايه، عشانها هي مكنتش أعرف أن جوجو عندها بت زي القمر كدة أنا فاكر أخر مرة شوفت فيها أثير كانت فرابعة ابتدائي قبل ما أسافر مع أبويا، معرفش أنها كبرت كدة وبقيت زي القمر تخطف القلب قبل العين.
نكزته جميلة في ذراعه بقوة وهتفت بجدية وحدة قائلة:
- لاحظ أنك بتتكلم عن بنتي، وبعدين ياحبيبي آنا طول عمر بنتي زي القمر بس أنت آللي طالع لأبوك بتحب بنات برا ميعجبكش بنات بلدك.
- يا عمته أنا لما سافرت مع أخوكي كان عندي 19 سنة يعني لسه وبعدين مانا معجبنيش بنات برا أهو ولما عاجبني عجبني بنتك اللي عايزة لسانها يتقص
قالها علي وهو يتذكر كيف كانت تتشاجر مع محسن في القسم وتصفعه بالقلم.
قرصته من أذنه بقوة وقالت بتهديد:
- قولتلك دي بنتي.
رمقها بنظرة غضب وقال بضيق:
- بنتك أم لسان طويل تقولي مبركبش مع راجل غريب معرفهوش ها، أبقى عرفيها آني أبن خالها وقريب هكون جوزها ها عشان لو عاملتني كدة تاني هرزعها بالقلم.
- ترزع مين ياواد بالقلم، طب جرب تعملها ومش هقولك حسابك معايا هقولك قبل ما تعملها هتلاقيها رزعتك أنت القلم ها، نزلني هنا
قالتها جميلة بصراخ في وجهه وترجلت من السيارة ثم دخلت إلي المدرسة، قاد سيارته إلى القسم.
كان إلياس جالساً في مكتبه ومُتكي بظهره علي الكرسي وشارداً في جرح قلبه ويفكر بلحظاتهما في الأيام الماضية...
كانا جالسان علي الأريكة يشاهدان فليم كرتون ( الاميرة الضائعة ) شعر بأنها تشبه هذه الأميرة الصغيرة فنظر لها يتأملها، أدارت رأسها له وتقابلت عيناهما معاً وهي تترتبك من نظراته وتساءلت.
- أنت بتبصلي كدة ليه ؟؟
قالتها دمـوع بخجل من نظراته المُثبتة علي عيناها كالصقر الذي وجد فريسته بعد أن طال أنتظار...
رمقة عيناها بنظرة مليئة بالغرام ويفيض منهما العشق المقدس بداخلهما ثم وضع رفع رأسها بسبابته وهتف بخفوت هامس لها يذيب قلبها بهمسه قائلاً:
- بدور علي نفسي وذاتي فيك ولاقيتهما في نظرة عيناكي.
ضحكت بسعادة وطوقت ذراعيها حول ذراعه الأيسر ومن ثم وضعت رأسها علي كتفه بسعادة، أبتسمت أكثر حين وضع رأسه علي رأسها وكفه الأيمن علي يدها وتشابكت أصابعهما معاً وظلوا هكذا حتي غفو في النوم معاً هكذا حتي الصباح...
رن هاتفه يقطع شروده بها ورأي أسم أمه أجابها فأخبرته بحديث علي وطلبه بالزواج من أخته وطلبت منه مساعدتها في أقناع والده أغلق معها وذهب لمكتب علي وجده يتشاجر مع والده في الهاتف بصوت مرتفع...
- يابابا أنا خلاص اختارت أثير اللي بيانك وبين عمي حبيب ميخصنيش
قالها بأنفعال من رفض والده ومعارضته لزواجه من أثير .
- أنا قولتلك اللي عندي آنا مش هحط أيدي في أيدي الراجل ده ولو أتجوزت بنته يبقي أنت لا أبني ولا أعرفك وهأخد عزاءك بنفسي
قالها جلال بصوت مرتفع حتي سمعه ألياس عبر الهاتف.
أردف علي بحيرة من حديث والده الذي يضعه في الاختيار بينه وبين حبه قائلاً:
- يابابا متحطنيش في الإختيار بينك وبين قلبي أنت عارف آني هختارك وأدوس علي قلبي بس ده مرضيش حد، بلاش تحط ايدك في أيد عمي حبيب أتكلم مع إلياس وعمي حبيب هيتفاهم الموقف وهنروح نطلبها من إلياس في بيته وأنا أبقى اروح لعمي حبيب لوحدي.
صرخ جلال بغضب أكثر وتهديد صارم قائلاً:
- أنا قولتلك آخر كلامي لو فتحت الموضوع ده تاني هتعتبر أبوك مات أنت فاهم، شوفلك واحد غير بنت الراجل ده، مفيش جواز يعني مفيش جواز أنت فاهم.
هتف علي بهدوء مصطنع حتي يصل لحل مع والده، قائلاً:
- يابابا أسمعني بس...
أغلق الخط في وجهه دون أنتظار حديثه، نظر علي لــ إلياس بعجز وهو يعلم قرار والده وتهديده أذا كان قطع علاقته بأخته بسبب زوجته فهو قادر علي قطع علاقته بأبنه...
- الموضوع معقد مش كدة
قالها إلياس ببرود وهو يري صديقه الوحيد يسلك نفس طريقه في الفراق...
جلس علي علي كرسيه بزفر وعجز وهتف بوجع وقلب مُنهك قائلاً:
- خالك بيمسكني من أيدي اللي بتوجعني عارف آني مش هزعل عشان قلبه المريض ميقفش لكن هو يدوس علي قلبي عادي اكمنه مش مريض...
أتصل بــ جميلة وأخبرها بسحب طلبه وتنازله عن حبيبته، ثم وضع الهاتف علي مكتبه ببرود وأتكي بظهره علي كرسيه، نظر لــ إلياس بوجع وهتف قائلاً:
- أتجوز دموع قبل ما تقولهم لأحسن يعارضوا ويبقي حالك من حالي.
ضحك إلياس وأخبره بما حديث ورحيلها، صرخ علي به وهو يعتدل في جلسته قائلاً:
- أنت أزاي عملت كده...
ألتزم إلياس الصمت وليس لديه رغبة في الحديث عنها...
- أنت فكرت أزاي وقتها، أزاي تسيبهم يخدوها كدة وأنت واقف، عقلك كان فين وقتها ياإلياس..
قالها علي وهو يجز علي أسنانه بغضب من تصرفات صديقه وتنازله عن حبيبته لعدو يريد إهانتها وذلها...
زفر إلياس بغضب ثم وقف بإنفعال ثم قال بنبرة غليظة:
- كنت بفكر في نفس اللي أنت كنت بتفكر فيه لما أتنازل عن حبك بسبب غرورك.
وتركه وخرج من المكتب ثم أغلق الباب بقوة من غضبه المكتوم بداخله من الضيق، وحالة الحزن التي سكنته بعد مغادرتها لحياته...
أردف سيد وهو يتحدث في الهاتف قائلاً:
- وأعمل معاها إيه يابيه، دي تودينا في داهية لو فتحت بوقك للضابط ده.
- نقتلها، اللي يعاشر الحكومة في شغلنا بندعيله بس بطريقتنا إحنا
قالها الرجل عبارة الهاتف له بصرامة، ثم أكمل حديثه قائلاً:
- البت دي تدخل الكار معانا فاكر مراتك الاولي تحصلها بنفس الطريقة مفهوم.
أجابه سيد بإيجاب وطاعة قائلاً:
- تحصلها يابيه أهو شكل أمها وحشتها ودموع مش هتاخد في أيدينا حاجة مسمارين ثلاث بودرة مع كام حبة من البضاعة الجديدة وتروح للخالقها...
تااابع ◄ راقصة الحانة