رواية الحرب لأجلك سلام الفصل السادس عشر
إلى تلك التي رأت مِنَ الحياة ما رأت، وبقيت على كبريائها تقاوم، ابق قويه للنهايه...
خرج متبعا مصدر الصوت الذي كان صادرًا من بسمه الواقفه امام الباب فسألها باستغراب
- مالك..؟!
صاحت صارخه مترنحة
- اخوك جايب البوكس والقوة وعاوز ياخدنى بالعافيه، اتصرف ياهشام إلا ودينى هقتله واقتل نفسي..
انقعد ما بين جبينه وتقدم خطوة نحو الباب ليتفاوض مع الظباط ولم يكبح أن يتفوه فظهر زياد أمامه ذو الرأس المضمدة وهو يهتف للظابط
- انت لسه واقف...
فابتلع باقى الكلمات فى حلقه عندما سقطت انظاره على هشام الذى نهره معاتبا
- انت اتجننت ولا حصل فى دماغك حاجه..
تحركت شفاه زياد للتحدث ولكن اوقفتها حدة صوت هشام الغير قابله للجدل
- قولت تنهى المهزلة دى يا دكتور..
عقدت بسمة ساعديها أمام صدرها بتحدى وهى ترمقه بنظرات الخسه، فلانت نبرة صوت هشام عندما وجه حديثه راجيا للظابط وبعد ما عرفه بنفسه، فأكمل.
- سيادة النقيب، تقدر تاخد القوة وتتفضل ؛ ووعد منى الموضوع ده هيتنتهى النهارده...
هب النقيب معارضا، فاشار له هشام متفهما للامر
- عارف انه شغلك وحقك، بس ده طلب شخصي ومسئوليته عليا أنا..
صافحه الظابط مرغمًا وقال
- امر معاليك ياسيادة المقدم...
تقهقر الظابط للخلف وولى ظهره ليرحل وفى لمح البصر انقض هشام على قميص زياد ودفعه بقوة لداخل البيت وركل الباب بقدمه منفجرا
- انت مش هتبطل حركات العيال دى...!
صاح زياد مغتاظا
- جرى ايه ياهشام، مراتى وعايزها، أنت مالك؟!
ارتفعت نبرة صوته اكثر
- مراتك مش طيقاك...
ثم تذكر فجاة حالة فجر واخفض صوته مراعيا مشاعرها ودنى منه كاظمًا لغيظه
- افهم بقي وبطل عند، ولا هو شغل عيال وخلاص...
اخرج سيجاره من جيبه متسلحا بالبرود واشعلها واشعل معها نيران بسمه وهشام وسعاد التى ضربت كف على الاخر وولت ظهره لتغادر ذاهبه لغرفة فجر، فعقب زياد على جملة أخيه ببرود.
-اه هو شغل عيال، وانا عايز حقى من مراتى دلوقتى..
صرخت بسمه فى وجهه جازعه متجاهله صخب قلبها ومشاعرها المتضاربه، ملوحة بكفها
- حق مين ياابو حق انت؟! انت تخرس خالص وتنسي كلمة مراتك دى...
تمالك هشام اعصابه ووقف بجواره ليسائله بهدوء
- زياد، بالعقل كده، أنت عايز ايه من بسمه..
- عايزها...
خرجت جُملته مختلطه بدخان سيجارته، فأوشكت حمم بسمه البركانيه على الانفجار فثبطها هشام بنظرته القويه وقال لها.
- وانت يا بسمه، موافقه ترجعى له..
- على جثتى...
جملتها خرجت بجبروت امراة كساها الوجع، فعقب هشام متفهما
- كده تمام، هى مش عايزاك، يبقي تنزل زى الشاطر كده وتنهى المهزلة دى يا زياد...
ثم أكملت جملة هشام وقالت بشموخ
- والا هخلعك...
فبادرها زياد واثقا
- هتخسريها، لان اسبابك معدومه يادكتورة...
لكم هشام كتف زياد لينصب عوده أمامه وقال
- زياااد، لم نفسك ودورك وخليك راجل وسيب بنت خالتك فى حالها، انت فاهم...؟!
هز رأسه رافضًا
- للاسف يا أتش ياخويا، مش هينفع..
فتدخلت بسمه فالمسافه الفاصله بين الاخوين وقالت مهدده
- يبقي أنا اللى هخليك مش هتنفع ليا ولا لاى واحده غيري يازياد لو اللى عايزو حصل...
نفث دخان غضبه فى وجهها وقال
- العبى على أدك ياشاطرة...
زمجرت عواصف غضب هشام وجزعه وهو يلقى جُملته الاخيره متوعدًا
- هى كلمه واحده، تنزل تنهى الدعوى اللى رافعها وبين اولعوا فى بعض، عشان انا مش فاضي لجنانكم وهبلكم...
ترك هشام النار مفتعله بينهم وغادر بعدما طفحت نفسه من سماجة علاقتهم، فتبادلت الاعين بين زياد وبسمه التى هتفت بشرٍ
- هندمك يا زياد...
داعب خصيله من شعرها مبتسما مستلذا بإطاله النظر فى ملامحها وقال بتباهٍ
- مستحيل واحده ست تأذى راجل وقعت فى حبه قبل كده يابسبوسه...
ثم دنى خطوة سُلحفيه وهو يحوى خدها بكفه ويداعبه بابهامه وقال بهيامٍ
- كل ده وحضن زياد لسه موحشكيش...!
خدرتها لمسته لجزء اقل من الثانيه، فيقظ عقلها وهرمون القوة بقلبها وجزت على فكيها وكورت قبضتها وانبعثت نيران الانتقام منها وبغتة ثنت ركبتها وبكل ما اوتيت من تحدٍ ركلته بقوة فى منطقة الخطر مما جعلته يتلوى وجعا وقالت محذرة
- والاحسن ليك إنه مايوحشنيش...
ثم تركته وركضت خائفه محتميه بغرفتها بعد ما رأت لهب الانتقام ينبعث من ملامحه، فصرخ متوعدا متأهبا للمغادرة بعدما جاحت مطامع غروره وتمرده.
- ورحمة ابويا يابسمه ما أنا سايبك...
استندت وراء الباب تلعن حظها الذى جمعها به وتلعن بلاء الحب الذي لا يموت بالرصاص ولا خنقا ولا بالغياب ولا مع اخر كلمة وداع، ولا حتى بذبحه بسكين التجاهل والانتقام، ثم قطع حبال شرورها رساله نصيه بافتتاح هاتف سامر الذي قُفل لايام...
دنت من ( التسريحه ) وشرعت فى تصفيف شعرها بغل
- طيب، طيب يا زياااد، صبرك عليا..
( فى الغرفة الاخرى).
جلس هشام مع سعاد وفجر محاولين التحدث فى اكثر من موضوع وبالاخص مزاحات بسمه وزياد ليشتتوا انتباهها عن حزنها، حتى اردف هشام بهدوء
- يلا ألبسي، عشان نروح نقرأ الفاتحه لباباكى..
اعتصر قلبها حزنا، فأومات باستسلام وهدوء واستئذنت للخروج، احضرت فجر ملابسها وصمدت أمامه مما اثاره الفضول عن وقوفها الغير مُبرر، وسألها
- وقفتى ليه..
بصوت كسيح
- مفيش، ممكن تخرج بره..
وقف بهيئته الفظة والشامخه متعجبا
- ليه؟!
اطرق بحياء.
- محتاجه اغير هدومى، والحمام صغير ؛ مش هاخد راحتى جوه..
اقترب منها اكثر وقاومه اندفاعه نحوها وتجنب ملامستها وقال مستفهما
- فين المشكله؟! انتى لسه على ذمتى لو نسيتى...
ولت ظهرها متحججه بتجهيز ملابسه بحزن فقالت
- تمام، يبقي همشي أنا..
وقف أمامها معاندا
- استنى هنا، رايحه فين؟!
اغرورقت عيونها بدموع الوجع وقالت بانكسار
- هشوف اوضة تانيه ألبس فيها...
اومأ متفهمًا.
- تمام، مش هتروحى إي حته، أنا هلبس وهخرج استناكى بره..
تجاهل نظراتها الحزينه وتحرك متأهبا فى ارتداء جواربه ثم ساعته وحزامه الجلدى ثم حذائه تحت انظارها التى تعمدت الاطاله بكل تفاصيله، واخيرا تناول سترته الشتويه على معصمه وأخذ نظارته الشمسيه وهاتفه ومفاتيحه وقال
- متتأخريش، أنا تحت فالعربية...
اطرقت بخفوت ولازالت ملتزمه الصمت وبرغم من ذلك لم تكف مقلتيها عن التقطر شرعت هى الاخري فى تناول ملابسها السوداء واخرهم شالها الاسود الذي سترت به شعرها وابرز معالم جمال وجهها الذي أوضحه الحجاب..
انتهت (قمر) من إعداد الفطار وايقظت أمها ثم استئذنتها لتوقظ خالد فسمحت لها بعد محاولات عديدده، اطرقت الباب ودخلت فرأته غائصا فى نومه، فظلت تحتضنه باهدابها المشتاقه الى ان جلست بقربه وهى تقبل كفه فلاحظت تحرك جفوفه فقالت بحب
- الضهر جيه، ما بزياداك نوم ولا أنت هتعمل فيها عريس صوح؟!
امتد كفه لوجهها ليلاطفه متبسما وقال ممازحا
- ياريتنى كنت عريس صوح، ارحم من الحرب اللى أنا فيها مع نفسي..
انعقد ما بين جبينها غير متفهمه
- مش فاهمه، قصدك ايه؟!
اعتدل بتثاقل من نومته ليفاجئها بقُبله سريعه على طرف فاهها وقال
- مش مهم، صباحك عسل وهنا يا قمرى..
احمرت وجنتيها بحُمرة الخجل وقالت باستيحاء
- يووه عاااد ما بلاها حديتك الحلو ده..
طبع عدة قُبلات متتاليه على اناملها وقال
- الحديت الحلو مش بيطلع غير للناس اللى فالقلب ياقمر..
حاولت تغير مجرى الحديث ثم قالت متحججه
- نمت زين؟!
- أنا منمتش زين طول ال٢٨ سنه غير فى حضنك..
ازدهرت ملامحها واستدارت متأهبه للهروب من سيال المشاعر التى تتدفقت بجوفها، فأمسك ذراعها ليوقفها وقال بلهفة
- قمر، انا عايزك...
سحبت ذراعها منتفضه محاولة تكذيب مغزى كلماته وارتبكت قائله
- قوم قوم، الفطور هيبرد..
جذبها عنوة لتقترب منه أكثر وشرع فى مداعبته اللطيفه وقال بهمس.
- انا ماشي، ومش عايز أمشي غير وانا مصلح كل حاجه جواكى، عايز اداوى جروحك كلها، عايز لما ارجع اشوف لهفتك عليا وإنى ليك وبس، بالمختصر، عايز أمحى آثار الكلب ده من عليكى، وانتى فاهمه قصدى زين..
رغم عنها فرت مياه حزنها ووجهها الدامى من عيونها وقالت باختناق
- خالد، أنا مش فاكرة حاجه، ودا لحسن حظنا..
جفف دموع عينيها متسائلا
- فهمينى..
قبلت باطت كفه الذي اغرورق بدموعها وواصلت بنبرتها المرتعشه حديثها بتردد.
- لما حصل وعمك اعتدى عليا أنا كنت مغيبه، فقدت وعيي، مكنتش حاسه بأى حاجه غير لما صحيت لقيت نفسي إنى مش عايزه انطق، عايزه افضل ساكته العمر كله.
ثم شهقت امامه وقالت
- تعرف أنا بحمد ربنا إنى ماشوفتش حاجه، كان زمانى دلوك ولا طايقاك ولا طايقه ريحة اى راجل على الارض...
قبل رأسها بحب ثم ربت على ظهرها بحنو
- طيب اهدى، ماانت كنتى زينة؟! جرالك ايه..
انتخبت بخزى
- حاسه إنى ظلماك معايا، وانك تستاهل الاحسن منى..
- هو إحنا اللى هنعيدوه هنزيدوه ولا إيه، طيب إيه رايك أنا متحرك من هنا غير ورجلى على رجلك..
فزعت من مجلسها
- قصدك إيه...
- قصدى هنسيب البلد كلها ونمشي...
هزت رأسه رافضه
- لالا، وامى يا خالد..!
اكمل بحب
- هناخدها، انا مستحيل اسيبك فى قرف البلد دى تانى، يلا جهزى حالك، وبالليل هاجى أخدك ونمشي..
احتضنت كفها القابض على جدار عنقها وقالت بتردد
- بس هو هينفع؟!
ابتسم واعدا.
- هينفع، ومش هرجعك البلد دى غير وأنت ستها، يلا عاد ؛ اجهزى وبالليل هنمشوا كلنا...
- إيه ياروفا، نسيتنا يعنى، ولا متبسطيش؟!
اردف فارس جملته وهو ينهض من فراشه الذي يحوى نانسي التى كانت رفيقته ليله امس، فانتهت رهف من إعداد كوب القهوة وقالت بسذاجه
- بالعكس، الجو كان فاميلى أوى وانا حبيتكم كلكم..
صب كأس من النبيذ وتجرعه رشفة واحده
- يبقي نكررها تانى..
تناولت كوب القهوة وقالت بتردد
- لا اصلو زياد اخويا مركز معايا اليومين دول، مش هينفع..
عاد الى فراشه مرة آخرى واخذ نانسي فى حضنه وواصل خديعته
- زياد اخوكى، ااه مش ده اللى ماشي مع واحده اسمها نانسي تقريبا..
تكورت حول نفسها على أحد درجات السلم وقالت بشك
- معرفش بصراحة ؛ هو زياد بيعرف بنات كتير بس مجابليش سيرة نانسي دى..
تغيرت نبرة صوت فارس التى تفعمت بالشهية وهو يقبل نانسي
- أنا لازم اشوفك النهارده؛ ليكى عندى مفاجاة قمر اوى..
امتدتا شفتى رهف ممتعضه بقلق
- مفاجأة ايه..
زفر فارس باختناق وقال.
- رهف ؛ أنا بحبك، ومش قادر ابعد عنك..
احتضنت كوب القهوة اكثر بحيرة وبخبرتها القليلة فى اطوار الخديعه قالت
- يعنى اعمل ايه..
تجاهل فارس تدلل نانسي فى حضنه وقال
- تحبى نروح السخنه سوا يوم ولا تيجى هنا نكمل لعب مع الشباب..
لم تستطع ان تجيبه فاقتحم زياد البيت فانهت المكالمه سريعا وبانتفاضة ونبرة صوت مثيره للشك
- زياد، انت رجعت؟!
من حسن حظها انشغال زياد التام بمشاكله فأردف متأففا
- حلى عن سمايا يارهف...
فتوسلت إليه بنبره متحشرجه
- طيب احكيلى مالك..
تجاهلها متجها لغرفته
- بس يابت روحى شوفيلك كلمة تنفعك، ولا خليكى فى نفسك..
تركها كعادته فى وحدتها وفراغها الذي لا يجلب سوى الجنون والمصائب، وبدون تفكير كتبت رساله نصيه لفارس معتذرة عن انقطاع الخط وختمتها
- شويه وهجيلك، كلم صحابك وانا جايه...
أمام أحد المطاعم صفت بسمة سيارته وهبطت منها مستعدة لمواجهة حربها العظمى، دخلت المطعم واخذت تتفقد الاوجه الى أن وصلت للطاوله التى يقطن سامر فوقها، فتنهدت بارتياح واقتربت منه بخطوات متردده مشوبه بالخوف حتى جلست محاولة تلطيف الجو
- اى ياعم، كل ده فينك؟!
لازال محافظا على انكماش ملامحه فاردف
- لو سمحتى قولى عايزة إيه بسرعه عشان عندى سفر..
احست بجفاء نبرته فتفهمت أن الامر غير قابل للمزاح فاردفت بهدوء.
- انا عارفه إن اللى حصل ده كله سبب لك احراج بس والله أنا مقصدش ومكنتش عامله حساب إن كل ده يحصل...
برفقٍ ضرب الارض بمشط قدمه وقال متفهما
- تمام...
تلعثمت شفتيها قليلا ثم أطرقت حائره
- انا مش عارفه اقولك إيه غير سورى، سورى بجد ياسامر ؛ بس علاقتى بزياد مش زى ماانت مفكر...
بجفاء
- اومال؟!
- سامر بليز، مابحبش الطريقه دى ؛ وانت موترنى مش مخلينى عارفه اتكلم..
اغمض عينيه متأففا
- ماقولتيش ليه انك متجوزه؟!
تنغام صوت انفاسها وتلاعب شفتيها قليلا حتى اطرقت بخجل
- انا وزياد يعتبر انفصلنا، ومستحيل نرجع لبعض..
اصدر إيماءه خافتة مغلفة بنبران الغضب، فقال محاولا تمالك غضبه
- والله؟!
اومات ايجابا بخجل
- و الله زي مابقولك...
اختنق من الحديث معها ثم القى جملته الاخيره الغير قابله لاى تفاوض او اعتراض ؛ وبتبرة حازمه.
- بصي يا بسمة خلاصه الكلام واللف والدوران بتاعك، انا اول مرة قعدت معاكى فيها طلبت منك تفتحيلى قلبك ؛ وانت وافقتى، لكن شكلى كنت مخدوع فيكى، من الاخر إنتى واحده كذابه وخاينة..
شرعت أن تقاطعه معارضة
- سامر انا مش..
وضع حد لثرثرتها وواصل حديثه
- انا ميهمنيش انت إيه، كل اللى يهمنى انى عطيتك فرصة وانت محترمتهاش ؛ وانا راجل اتربيت على إنى ادى الفرصة مرة واحده بس...
- يعنى ايه؟!
لملم أشياءه بحزم.
- يعنى للاسف احنا ماينفعش تكون ما بينا اى علاقه من اي نوع، كده كفايه اوى، بتمنالك الخير، عن اذنك...
كانت زيارتها لوالدها بصُحبة هشام كزخات المطر التى رطبت عجاف صدرها، عادت معه بعد سويعات قضتها فى المقابر وقراءة اجزاء متنوعه من القرآن، دخلت غرفتها بنفس راضيه ؛ صابره على حزنها، متقبله حقيقة يُتمها وشرعت فى نزع حجابها، ففوجئت بهشام خلفها يقفل باب الغرفة، ويسألها مطمئنا على حالها
- حاسة بإيه؟!
توقفت عن فك حجابها وأومأت راضيه
- الحمد لله على السراء والضراء..
دنا منها بخطواته الهادئه التى تتخطو على قلبها متأملا رزق الله الذي ساقه اليه بدون أى سعى منه وقال منبهرا بحجابها
- شكله جميل عليكى، متقلعهوش تانى..
تصلقت انظارها المرتعشة إليه واكتفت بايماءه خافته متقبله الامر بصدر رحب ثم تعمدت الهرب من نظراته الساحره وهى تعيد ترتيب مكتبها، فسألها
- هتعمل ايه؟!
بجبروت امراه تقف على الزجاج المُهشم المُلطخ بدماء قدمها ومع ذلك تتظاهر بالقوة والثبات، هاتفه بحماس.
- هذاكر، امتحاناتى قربت..
تبدلت نظراته من الاشتهاء فيها للاعجاب، فنزع سترته ووضعها على طرف الفراش وقال بفظاظه
- كويس، ربنا يوفقك، متخليش حاجه تعطلك..
رمقته بنظرة عرفان ؛ فوحده الذي منح العمر فرصة من جديد، وغمغمت
- انا بقيت كويسه، تقدر تمشي وجودك ما بقاش له لازمه..
خطى مقتربًا نحوها ثم احتوى كتفيها وقال بحنان يلين قلب الحجر
- لازم تبقي كويسه عشان نفسك ده اولا، ثانيا أنا سامعك لو حابه تتكلمى..
تفقدته بشرود نشبت معاركه بذاكرتها وهى تردد لنفسها، كنت اسعد بأيامٍ تنتهى من سلم العمر كى اقترب من مثواى يوم بعد الاخر وينتهى كل هذا الالم، وبعد ما القاك القدر بى تمنيت ان اخلد الف عام لاشرح لك ما فعلته بى ومثلهم الف عام لارتوى منك واضعافهم لأحبك...
صدح صوت العناد وهى تبتعد عنه مرغمة
- مابقاش له لزوم..
وقف فى منتصف الغرفه بصلابته المثيرة
- اللى هو ايه، اقفى كلمينى زي ما بكلمك...
زالت دمعه فرت من طرف عينيها وولت ظهرها كى لا تضعف
- العتاب، والهرى فاللى فات..
ثم بللت حلقها وواصلت
- انا غلطت من الاول وانت غلطت فى إنك رفضت حتى تسمعنى..
سيال الدموع انهمر من قنواتها الوجعية وواصلت بثبات مصطنع
- كل واحد مننا وجع التانيه بطريقه مختلفه، مظنش أى كلام ما بينا هيصلح حاجه..
مسح على رأسه مستفهما
- يعنى ايه..؟!
باسف اجابت.
- يعنى خلاص ياهشام، كفايه اوى لحد كده وكل واحد فينا يشوف حياته بعيد عن التانى..
ينصت إليها باهتمام اشعل الغرور بجوف مرة آخرى
- يعنى أنت شايفه كده..!
استدارت نحوه بجراءة
- طول مااحنا مع بعض هنوجع بعض بطرق محدش يتخليها، فالبعد هو الحل، المهم انك تسامح ؛ وانا كمان مسامحة، وسيب اللى ما بينا للايام تداويه.
صدح صوت خافت للندم بقلبه فمن يهمل النعم يجازى بفقدها ولكنه تعمد قتل كل مشاعره الاداميه وايقظ عنادها غروره وقال
- تمام يا فجر، تمام ؛ انا اه سامحت، بس مش بنسي ولا هنسي اللى عملتيه...
حدة جملته ذبحت قلبها فاندفعت مسترده كرامتها
- مشكلتك، مش مشكلتى ياهشام، اللى يهنى إنك سامحت...
عندما يتولد شعور غير مرغوب بنفسك تضرع الى الله ان يمنحك الشجاعه لتقتلعه من جذوره وهذا ما فعلته حيث اغمضت جفونها تتوسل الصبر من ربها بأن يهون عليها، ففاقت لتلقى علي مسامعه آخر طلب
- هشام طلقنى، ارمى عليا اليمين وريحنى...
الاشياء التى نتلهف بقائها تأت متاخرة دوما اذا اتت، وان جاءت فرت كأننا خُلقنا بلعنة الفقد الابدى، وقف هشام حائرا عاجزا تناسي كل الكلام ولم يبق بينهم سوى صمت وعيون مشحونه بحب لم يفرغ بعد، رجل مثله تدرب على الانسحاب ان ازفت الهزيمه ليُرمم من جديد، تقبل كل جُملها بثبات ثم قال بفتور
- انا اجازتى خلصت النهارده، هرجع الشهر الجاى وانفذلك كل طلباتك، تمام كده...؟!
اومأت باستسلام وكل ما بها يتمرد وغمغمت بعناد.
- المهم فى اسرع وقت...
بعناد اجابها
- تمام، خليكى فاكرة إنك انت اللى اخترتى، ومن النهارده مش هتشوفى وشى تانى...
تناول سترته واشياءه مرة آخرى وتجاهل بوق قلبه الذي يجره إليها وخرج بهدوء بدون ما يلقى على عيناها السلام بمجرد ما قفل الباب خلفه ارتمت فى حضن فراشها تناديه شوقا وتريد بقاءه ولو كان شوكًا...
خرج هشام فألتقى بسعاد التى تنتظره على جمرٍ، فاندفعت نحوه بلهفة
- طمنى اتصالحتو...
ظلت تتفقد ملامحه الثابته باحثه عن اجابه لصمته ولكنها فشلت، فغير مجرى الحديث واخرج مفتاحا من جيبه وقال بهدوء
- ده مفتاح شقتى، خليه مع حضرتك، وفجر لو حبت تروح هناك فى اى وقت ده بيتها ؛ انا لولا انى مطمن عليها معاكم كنت وديتها بنفسي.
اخذت من يده المفتاح وسألته
- طمنى ياحبيبي طيب..
اومأ ايجابا كمن فقد رغبته فى الحديث
- خير، باذن الله خير...
أشعر معك أنني لست مجبرًا على ادهاشك، معك أشعر أنني أنا، أنا الذي كنت أفتقده كثيرًا ووجدته معك، أتحدث معك عمّا يدور في قلبي كما هو، وهذا أكثر ما يطمئنني.
صباح يوم جديد بأمل جديد تتقادم فيه الامنيات بحدث فريد يبدل حالنا وحال قلوبنا التى هلكها ليل الانتظار...
نهضت فجر من فراشها باضطرابات قلبها التى اعتادت على وجودها حتى أحست انها باتت عضوا اساسا من جسدها لا تأمل فى بتره، فالوجع يحييه دومًا بها ؛ فإن استشفت منه دل على خلاصها الابدى من شبح حبه..
استردت صحتها واصبح كل ما يؤلمها هو صليل الغياب السرمدى، الذي لا يقطعه عودة ولا ينهيه نسيان، اتجهت نحو المطبخ لتعد كوب القهوة الخالى من سُكر وجوده ويؤنس صبحيتها كما تعودت..
تتحرك فى ساحة المطبخ بانسيابيه وقررت تفصح عن دواخلها لا مباليه..
- عدى ٦ شهور من اللحظه اللى اتفقنا فيها أنا وهشام على الطلاق، ومن وقتها متقابلناش غير مرتين وبس وكل مره كانت متزدش عن ٥دقايق ويختفى تانى بعادته، وافضل استنى الايام اللى تيجى بيه مره تالته ؛ فى كل مرة افكره بطلبى وإن مش ناوي يطلقنى، كان يتجاهلنى، يرد ببرود ؛ يتحجج بمأمورياته اللى ما بتخلصش، كنت بتابع اخباره من الصحافه والتلفيزيون، كنت اطمن عليه من صوره ؛ بيتظاهر انه فى افضل حال بس مابين ملامحه كنت بشوف الوجع، كنت بشوف تجاعيد قسوة الايام محفوره عليه..
تحركت لتجلب الفنجان وتصب قهوتها واكلمت
- مش هكذب واقول إنه مش بيوحشنى ؛ هو بيوحشنى لدرجة إنى جبت خط جديد مجهول بالنسبة له وللكل وكان كل ما يغلبنى الشوق ارن اسمع صوته واطمن منه إنه بخير، ومش هكذب على نفسي أكتر من كده وافكر إنه بالغباء اللى يخليه ما يعرفنيش ؛ حتى ولو عقله نفى، قلبه مستحيل يطاوعه..
انتهت من اعداد قهوته وعادت الى غرفتها بخطواتها الهادئه، وافصحت.
- فى كل مرة كنت بشوفه فيها، كنت بتلكك بحوار الطلاق عشان افتح معاه كلام وهو كان بيتلكك بشغله عشان يمد العلاقه اطول وقت ممكن، وادينا احنا الاتنين بنقتل الوقت عشان منفكرش فى بعض ومع ذلك الوقت هو اللى بيقتل نفسه نفسه عشان تيجى اللحظة اللى تجمعنا...
شرعت فى ازاحة ستائر الغرفة لتتنفس بهواء جديد متأمله إنه يحمل نسائم رائحته ذات يوم وجرت مقعدها وجلست امام الشرفة وبيدها هاتفها وكتابها الذي أنس وحشيتها طوال غيبته وتابعت مردده..
- الغريب فى كل ده إن زيدان اختفى محاولش يظهر قدامى طول الست شهور ؛ سمعت انه بقي عضو مجلس شعب، معقوله ضمير الذئب صحى وركز فى شغله ونسانى ولا ده الهدوء الذي يسبق العاصفة، العاصفة اللى هتطير الكل...
ايام بحواف زجاجية مرت عليها ولكنها كانت اقوى من ان تعتق خُطاها، ظلت ترتشف قهوتها بهدوء وتناولت دفترتها لتكتب خواطرها الصباحيه وتنزف حبر قلبها فوق الورق، ودونت.
- النهارده يوم مش عادى ؛ حصاد وشقى وتعب سنة كامله هجنيه النهارده، أعلنوا ان النتيجة النهار ده، وعلى أد ما أنا خايفة ومرعوبة إلا إنى واثقه فى ربنا انه مخبيلى حاجه حلوة، انا خايفه افتح اشوفها اتصدم واول سلمة فى حلمى تتهد بس مفيش مفر من المواجهه مهما طولنا المده..
ثم وقف سن قلبها عن النزيف وتنهدت بحرارة.
- كان نفسي اوى يا هشام تكون هنا ؛ كان نفسي نفرح سوا واول حد اترمى فى حضنه، أو تطبطب عليا لو اتهزمت..
ثم هزت رأسها نافيه مستقوية
- لالا، انا قويه؛ انا هفتح واشوفها قبل ما انزل الشغل..
ارتفع هرمون الادرينالين فاضطرب جسدها وارتعشت اناملها وهى تبحث عن موقع النتيجه لاهثه بتسبيحات صاحب الحوت، الى أن تصاعدت اصوات قلبها بمجرد ما عثرت عليه فأغمضت عينيها وهى تقبس عليه لتفتحه، وبعد اختلاجات قلبها وحروبها التى اندلعت مع نفسها واوهامها بحثت عن اسمها فى القوائم بلهفة، بخوف، بأمل غريق يبحث على بر الامان..
فلمس ابهامها اسمها وسحبته تدريجيا تحت درجة كل مادة الى أن استراح قلبها آخيرا عن اخر مادة فوثبت مهللة لحصولها على تقدير عام امتياز وترتيبها الاول على دفعتها، فرحة غابت عن قلبها دهرًا، فاندفع سيالها دفعت واحدة وانصبت فى قلبها، ابتهج قلبها وتسربت مخالب النجاح بروحها فركضت بلا وعى مناديه على سعاد
- أنا طلعت الاولى، انا نجحتتتتت، يااااماما ؛ باركيلى...
وعلى حدى تجلس رهف فى منتصف فراشها متهجمة الوجه بائسة تاركه الهاتف مضيئا امامها بدون ما تلتفت، فدخلت عليها أمها
- انت مش هتنزلى الشغل معايا..
اجابتها بنبره بائسة
- ماليش مزاج، روحى أنت..
تركت عايده الباب مفتوحا ثم دخلت إليه مستفهمه
- ازاى يعنى مالكيش مزاج، رهف ؛ الشغل شغل، مالهوش علاقه بحالتنا المزاجيه دى ولعب العيال..
تأففت رهف ممتعضة
- اوووف يامامى، هى ميان لسه مرجعتش من السفر..
جلست عايده على طرف السرير مرغمة
- هترجع النهار ده، انت مالك، فيكى إيه؟!
رفعت انظارها بخزى وقالت
- اصلى سقطت، وهشام ولا زياد لو عرفوا هيسودوا عيشتى..
لم يفرق لها كثيرا رسوب ابنتها فقالت.
- روفا حبيبي، متزعليش نفسك، وايه يعنى سقطتى وهما اللى نجحوا يعنى جابوا الكاس! ماهما قاعدين فى البيت ؛ الحياه الجامعيه دى احلى ايامك وكون انك سقطتى دى فرصة جديدة لحياه جديده، متشليش هم حد، أنت عملتى اللى عليكى والنتيجه بتاعة ربنا..
زهرت ملامح رهف بحيويه
- يعنى حضرتك مش زعلانه مني؟!
قبلت عايدة جبهتها بحب وبتشجيع
- لا ياحبيبتى، زهزعل ليه، اهم حاجه نفسيتك ؛ قومى اخرجى واتبسطى مع صحابك وانزلى بكرة الشغل..
نهضت رهف لتجلس على ركبتيها وتعانقها بفرحة
- أنت احلى أم فى الدنيا...
بالرغم من بساطة الحياه فى نظر عايدة إلا انها لم تظفر مرة فى توصيل احساس الدفء لقلب رهف، كان حضنها باردا، غير مبالايا بااوجاع ابنتها، تركتها وغادرت فتابع قفل الباب صوت رنين فارس الذي لم يكف عن ملاحقتها طوال الستة أشهر، اجابته
- هاى فارس...
هتف بحماس.
- بصي أنا قدام بيتكم وسايبك طول الفترة اللى فاتت بمزاجك وعشان امتحاناتك، لكن لو منزلتيش حالا وجيتى معايا هاجى أخطفك ومش هيهمنى حد...
فكرت حائرة حتى اجابته مجبرة
- تمام، حاضر يا فارس نزلالك...
ثم انهت المكالمه على الفور وهى تعيد ذكريات الست أشهر الماضيه وتغمغم لنفسها وهى تعد ملابسها متجهزة للذهاب.
- كنا جو فاميلى وتيم حلو أوى، كله لعب وضحك وهزار، وسطهم لقيت حاجات كتير مفتقداها، ومنكرش انى بدات اتشد لفارس! اوو حبيته، لحد اليوم اللى شوفته بيخونى فيه مع نانسي، ااه انا شوفته بعينيا ومع ذلك سامحته ؛ معرفش سامحته ليه بس مش عارفه ارجعله زى الاول، له ٣شهور بيحاول يصالحنى وانا مكنش الموضوع فارقلى اوى خاصة بعد ما قال لى انه كان شارب ومش فى وعيه..
انتهت من ارتداء ملابسها فسقطت عينها على الصوره التى تجمعها مع اخوتها ومجدى وقالت بأسف.
- أنا ما سبتش مجدى هو اللى سابنى، طول الوقت فى شغله وبعيد عنى، ايام كنت بحتاجله مش بعرف اوصله، سمعت أنه اتفق مع هشام انه يخطبنى اول مااتخرج بس انا مش حاسه بأى حاجه غير نقص، نقص جوايا بعوضه بوجود فارس المؤقت، أما مجدى مظنش إنى هحس معاه بكل اللى بحسه مع فارس بالرغم من إنى مش مصدقاه وحساه كله مزيف، انا تايهه، تايهه لدرجة إنى معنديش شغف للعودة لحياتى الاولى، كلهم بقيوا شبه بعض...
يبدأ فقدان الامان حينما نجوب الشوارع بلا مقصد بلا هدف بلا خوف من عرقلات الطُرق، نلقى انفسنا بالنيران ولم نخشي الاحتراق، ويبدأ فقدان الحب بأن نكف عن العطاء، بعدها نكف عن الأخذ، ونمل الانتظار حيث إنه يصبح بثقل الجبال على قلوبنا...
(قبل كُل شيء دعني أُخبرِك، بإنني غارقة فى الحُزن الذى سحبنى لاعماق الوجع، لأن الأمور دائماً على حالِها. كُل شيء بنفس درجة البؤس والملل، والرتابه، مازلت تتملكني الرغبة أن أهربُ مِن كُل شيء، إلى علاقة حُب حقيقية بدون زيف أو تصنُّع، بدون حروب وهميه هدفها قتل كل ما هو بى إليك، ).
تكحلت بسمة بسواد ايامها أمام المراة وهى تستعد للنزول لاداء بقية امتحاناته التى بدات من شهرين ولازالت مما كانت كحبل رحمة لانتقامها من زياد لاشهر وعلى النقيض انشغاله هو الاخر برسالة( الماستر ) التى انسته أمرها قليلا خاصة بعد انقضاء الدعوى التى رفعها عليها بأمر من هشام، ولكنه لم يشغله عن ملذاته الخاصة واهوائهم الدنيئة..
مر ٦ اشهر على اختفاء سامر التام ولكن الامر لم يشغلها فمن البدايه لم يكن حبا بل كان وسيلة انتقام، انتهت من ارتداء ملابسها فتناولت هاتفها وطلبت رهف بتردد
- روفا، صباح الفل...
رهف تخرج من غرفتها وهى ترتب ملابسها
- صباح النور يا بسمة، هو فى حاجه..
تلملم بسمة ادواتها فقالت بتردد
- هو زياد عندك..
رهف حائره
- مش عارفه، استنى اشوفه..
فارتفعت نبرتها منبهه
- بس اوعى ياخد باله إنى بكلمك..
تأففت رهف ممتعضة وهى تضرب الارض بقدميها
- انا ارفت منكم، ما ترجعوا لبعض وتريحونى..
داعبتها بسمه ممازحة
- ده بعينك انت واخوكى..
اثناء حديثهم فتحت باب غرفه فزياد فلم تجد، ثم عادت لتخبر بسمه بفتور
- مش موجود يابسمه..
ارتفعت انفاس بسمة بارتياح ثم قالت بمكر
- طيب ادخلى كده دوري على مكتبه على إي ملف او فلاشه او اي حاجه تخص الرساله بتاعته.
قلقت رهف من طلبها ولكنها استسلمت لتنفيذه وهتفت اثناء بحثها.
- فهمينى طيب بدل ماانا بدور مش عارفه على ايه زى الهبله..
- من غير اسئله كتير يا رهف، شوفى وانا معاكى...
استغرقت رهف عدة دقائق لتبحث عن طلبها إلى ان تنهدت بارتياح عندما وجدته فى احد ادراج المكتب وقال بكلل
- هو فى ملف كبير وفلاشه، وشويه ورق كده مش فاهمه فيه حاجه..
اتسعت ابتسامه بسمة بخبث ثم قالت
- طيب معلش، ممكن تاخدى الميموري من الفلاشه وكمان الورقة السادسه والعاشره من الملف..
هبت رهف معارضه.
- لا لا ازاى، ده اكيد ورق مهم لزياد يخص رسالته، هى مش النهارده هيناقشها..
تحججت بسمة بحجة زائفه
- يابنتى وانا مجنونه هضره فى شغله، لالا طبعا، دول بس لان الدكتور اللى هيناقشه معرفه قديمه فانا كنت عايزه اخدمه من غير ما يعرف، و كمان يعنى عشان ما ابينش إنى مهتمة، فهمانى..
اومأت ايجابا بعدم تصديق ثم قالت
- تمام، اجيبهملك أمتى، انا خارجه دلوقتى..
فكرت بسمه
- بصي خليهم معاك ولما اخلص امتحانى هكلمك نتقابل..
رهف بسذاجة
- تمام يا بسمة، على تليفونات..
قفلت مع رهف وقامت لترتدى حذائها وصدى صوت الضمير يعول بقلبها، يصدح نادما
- انا عارفه إنه بيتعب فى شغله ومهما عمل هيبقي الحاجه الوحيده اللى مايستاهلش إنه يتأذي فيها، بس أنا جوايا نار من ناحيته عايزة تاكل تدمره، عايزاه دايما مهزوم زى ما هزمنى وكسرنى لحد ما بقيت بالبشاعه دى، بقيت اخاف ابص لنفسي فالمرايه...
ثم عادت لتتمم على ادواتها.
- عمتو سعاد بتقول لى إن الانتقام حب ومصممه على كده، بس أنا مش حاسه بده، حاسه إنى عايزه احسسه بنفس الوجع اللى عيشنى فيه، بس الفكرة ان امر الرجاله دول غريب مالهمش نقط ضعف، مالهمش زر ندوس عليه يتوجعوه، كل اللى عملته فيه وهو لسه مكمل ماتهزش لدقيقه سواء فى شغله فى علاقته فى سهره وانبساطه، دايما مدلع نفسه، ودايما شايفه انهم اتخلقوا من طينه غير اللى اتخلقنا منهم، هل هما بيتوجعوا زينا؟! ولا الوجع ده شعور اتخلق عشان يكون من نصيبنا وبس؟! معنديش ردود بس عندى رغبة فى إنى اشوفه فاشل، مايعرفش ينجح، ابقي أنا انجح واشطر منه، ماهو مش هياخد كل حاجه، انا لازم اخد حقى منه...
وتبقى أفضل الأمنيات هي أن نجد من نبدأ معه وننتهي معه وألا نتذوق مرارة الفقد ثانية، وألا نشعر بصعوبة اللجوء لمن ليس لنا، ألا تقام بيننا الحواجز والعوائق التى نفكر فى كيفية هدمها بدلا من ترميم دواخلنا ونحن معًا، أن نجد من يهون علينا مرّ العيش وأن ينير لنا ظُلمة الليل، من سيبقى كما عرفناه أول مرة ولا يغره الزمان، ألا نقطع طريقًا كاملا مع شخص خاطئ ثم نكتشف أن عمرنا تناثر هباءًا...
- مصممة بردو تتعبى روحك كل يوم وتقومى تجهزى فطور..
جُملة قذفها قلب خالد فارتطمت انفاسها بجدار عُنق قمر الواقفه على الموقد لتجهيز الفطار وهو يحاوط خصرها ويدنوها إليه...
تركت ما بيدها مبتسمه
- وانا هلاقى أغلى منك فين عشان اتعبله..
رفع كفها المبتل لمستوى ثغره وقبله وقال بحب
- ربنا ما يحرمنيش منك يا قمر..
فابتعد عنها قليلا ليجلس على ركبتيه ويضع اذانه عند كُرتها المنتفخه متحدثا.
- صباح الفل يا حبيب ابوك، يلا عاد شد حيلك وتعالى عشان انا متوحشك قوى..
ردت الحيويه فى وجهها وتغللت اصابعها بشعره ضاحكه
- والله انت اتجننت خلاص، ياحبيبي لسه باقى ٥ شهور على شحتفتك دى..
نصب عوده مرة آخرى ورمقها بحب
- أنا فعلا اتجننت، بس اتجننت بأمه، وملهوف لشوفته عشان هو حته منك..
نكزته بحرص
- وطى صوتك طيب وبعد كده أمى هتصحى..
طفح كيل خالد من خجلها الدائم من أمها وانكمشت ملامحه بخطوط تحوى بينها شظايا الغضب وقال
- يادى أمك، طفى عالبوتجاز ده وخدى عايزك..
لم ينتظر ردها بل بادرها هو بقفل أعين الموقد وسحبها بقوة خلفه وما لبث أن قفل الباب فانهال عليها بقبلات شوقه العشوائيه، فتملصت منه متدلله
- ياخالد، هتتاخر على شغلك يا نور عينى..
بعدم اكتراث لجملتها واصل افعاله العذبه
- شغل ايه بس كبرى راسك ياقمر...
اوقفته بغته.
- يعنى صاحى متأخر وكمان مش عايز تروح؟!
انحنى ليحملها راغبا تائقا بها وهمهم
- ماهو مفيش شغل تانى، كده خلصت..
مغزى كلماته ارعبها وبث الخوف فى قلبها للحد الذي لم يشعرها بملاطفاته، فبمجرد ما اجلسها برفق سألته
- انت ناوي على ايه...؟!
شرع ليواصل ما بدأه قائلا
- هتفهمى بعدين..
وقفت مبتعده عنه
- خالد مش مرتحالك..
اختنق متأفقا
- راجع البلد ياقمر، راجع أشوف امى ومالى وملايينى اللى بيلعب بيها زيدان..
انفجر شلال الحزن من مقلتيها
- البلد؟! ليييييه، ماحنا مرتاحين ومستورين..
انفجرت نيران كبته
- هو ايه اللى مرتاحين، مرتاحه بشغلى جرسون فالمطاعم ولا بالشقه الاوضتين وصاله اللى شايلين هم تاجيرها كل اول شهر، ولا بالعشا اللى بنوفره لتانى يعنى، وخايف ابيع حاجه ولا اقرب من البنك احسن عمى يشم خبر ومايقتلنيش، دى مش عيشه ياقمر، دى مذلة، ولدنا ولد عُمد ونسل عز، مش عايزو يتولد فالفقر..
انفجرت صارخه.
- وانا راضيه، ومستعده اعيش على ضلك من غير وكل ولا شرب، مين بس كان اشتكالك، خالد انسي، انسي وحياة ولدنا اللى جاي..
ثم اقتربت منه لتحتويه متوسله
- ماتوجعش قلبى عليك، أنا ما صدقت لقيتك..
بدلا من أن تضمه ضمها هو إليه واحتوى بكفه الاخر بطنها ليطمئنها
- مش عايزك تقلقى، لازم نجمد قلبنا عشان نرتاح بعدين..
اغرورقت ملابسه بمياه حزنها وهى تترجاه.
- وغلاوة قمر عندك ما تعمل اللى فى راسك ياخالد، انا راضيه بالفقر طالما اخر اليوم بسند راسي على دراعك، هيفيدنى بإيه الغنى وانت مش معايا...
ثم رمقته بعيونها الذابله
- مش هتروح صح، اوعى ياخالد، بلاش وحياتى عندك..
دفن رأسها فى حضنه ورمم مخاوفها بتربته الهادئ على كتفها ليطمئنها
- طب اهدى خلاص، اهدى عشان اللى فى بطنك..
- مش هتروح، اوعدنى..
هز رأسه نافيا متظاهرا بعكس ما يبطنه وحملها بين يديه بحب فعناقته كغريق تعلق بقشاية النجاة وغمغمت بصوت باكى
- أنا بحبك قوى ياخالد، متسيبنيش..
جلس بها وضمها بركبتيها المثنيتين إليه وقال مداعبا
- واللى يحب حد يبوظله اليوم كده؟!
هزت رأسها غير متفهمة
- مش فاهمه، قصدك ايه؟!
ضحك بلطف ثم ضمها إليه أكثر وقال
- اه ياختى اعملى فيها مش واخده بالك، ادى اللى واخده منك...
سلام على الذين لا تبدلهم حياة، ولا تفرقهم طرق، ولا تغيرهم ظروف ولا تغريهم الملاذات ولا تملأهم المطامع الدنياويه، فكل ما يريدونه حب وضمة أمان فى ليله مفجعة...
وقف سيارة فارس أمام احد عربيات المحلات ليحضر مشروبا لرهف التى تجلس فى سيارته وبعد عدة دقائق عاد إليه واعطى لها مشروب البرتقال وقال معاتبا
- شهر كامل يارهف مش بتردى على تليفوناتى..
شرعت فى ارتشاف العصير ثم قالت
- ما انا قولت افضيلك الجو مع ست نانسي...
- يااادى ست نانسي..! انت ليه مش عايزه تفهمى ان ده العادى، ده مجرد وسيله عشان ننبسط بيها كلنا لكن المهم أنا بحب مين، وعايز اكمل مع مين..
انغمست رهف فى شرب العصير ثم قالت ساخره
- يعنى ماكنش سكران زي ما أنت مفهمنى، وقعت بلسانك اهو..
ضرب على مقود سيارته بعنفوان متضجر
- وبعدين فيكى، فين الفرق طيب احنا بنشرب وبنعمل علاقات ليه!؟ مش عشان ننبسط، حبيبتى افهمى ان كلنا اتولدنا واتربينا فى امريكا فى دى حياتنا، وانت لازم تبقي زينا...
انتاب رأسها تنميل خفيف اضعفها وهى تقول
- انا عمرى ما هبقي زيكم، عشان أنا...
لم تكبح أن تكمل جملتها فتقطعت انفاسها ومسكت رأسها متوجعه وتفوهت بهزل
- انا مش قادره، هو العصير ده فيه ايه..
وقعت رهف اسيره لمطامع نانسي وفارس الدنيئه حتى فقدت وعيها تماما، اعتلى ثغره ضحكة انتصار وهو يقود سيارته بفرح
- والله ووقعتى يابت السيوفى، واخيرا جالنا الامر...!
وصلت فجر إلى محل الورد الخاص بها الذي فتحته بالمناصفة مع سعاد، فألقت التحيه على الفتاه العامله بها..
- يازهره، صباحك ورد..
- صباح الفل يا ست فجر، كويس إنك جيتى...
جلست فجر على مكتبها وقالت
- خير؟!
- فى زبون عايز بوكيه ورد بمواصفات معقدة، ومصمم إن حضرتك اللى تعمليه بنفسك..
- غريبه، ماقالش اسمه؟!
طأطأت باسف.
- لا، بس عايزه كمان ساعه بالكتير وطالب اغلى انواع الورود اللى فى المحل، وعايزه كبير لحفلات مش مجرد بوكيه وخلاص، حضرتك كل مواصفاته الغريبه مكتوبة عندك..
للحظة خُيل لقلبها لو كان هشام الذي يطلب منها إعداد ( بوكيه ) نجاحها وسرعان من نفضت غبار الفكرة من رأسها وقالت
- تمام يا زهره، انا هشتغل فيه دلوقتى..
شرعت فى تجهيز الباقة حسب المواصفات مع اضافات لمساتها الخاصه، حتى توقفت أمام زهرة الاوركيد التى يعشقها هشام وتذكرت يوم افتتاح المحل عندما اتى ليبارك لهم متعمدا توجدها بتجاهله القاتله وقام بشراء باقة مختلفه من اختياره من عندهم واهداها لسعاد بعد ذلك...
ثم وقفت خلفه وهو يتأمل الزهور وقالتله
- هتفضل تتجاهلنى كده كتير؟!
لم يلتفت إليه ولكنه اجابها فى ثبات تام.
- بعض الناس فى حياتنا زي زهرة الخشخاش بالظبط، بالرغم من جملها وحسها العالى ورقتها للدرجة اللى بتخليها تتأثر بالغُنى وبتنمو عليه الا إننا لازم نتجاهلها وما نتخدعش فيها لانها مصدر أساسى للافيون، اللى بيدمرك لو سبت نفسك له..
القى جملته وولى ظهره مغادرا بعد ما رمى اشواك المحل فى صدرها ففاقت من شرودها منشغله فى اعداد باقة الورد وظلت تتسأل.
- طيب هو أنا بوحشه زى ما هو بيوحشنى؟! اول حد نفسي اجرى عليه يشاركنى بنجاحى واكتر حد هو بيعد للدرجة إنى لو شوفته هعمل نفسي ماعرفهوش، احنا اصلا اتعودنا على كده...
حمل فارس رهف النائمه بين يديه ودخل بها احد الغرفة فتابعته نانسي وقالت آمرة
- يلا نيمها هنا...
فارس متحيرا بعد ما وضعها على الفراش وقال
- ناويه على إيه يا نانسي، فهمينى..
- أنت تنفذ وبسسسس، يلا قلعها هدومها..
فارس باستغراب
- مااحنا مصورينها كتير، هتفرق ايه..
تذمرت نانسي وهى تفتح الكاميرا
- قولت قلعها يافارس، يلا..
شرع فارس فى تجريدها من ملابسها شيئا فشيئا ولازالت نانسي تلتقط تحركات فارس الذي حرر رهف من كل ملابس ولم يبق سوى ملابسها الداخليه، فنظر الى نانسي مستفهما
- تمام كده؟!
نهرته بغلٍ
- انت بتهزر يا فارس؟! قولت كله...
لم يغمض لهما جفن الرحمه للاعتداء على خصوصياتها قهرا فنفذ فارس اوامر نانسي مستمتعا حتى امرته
- وانت كمان، يلا اقلع..
- لا كده جنان، اللى فى بالك ده مستحيل يتصور..
نانسي بثقه.
- ومين قالك ياحبيبي إنى هسمحلك تقرب منها، ده فيديو تشويش كده وكده، عشان نعرف نلوى دراعها، يلا يافارس انجز قبل ماتفوق...
فعل كل ما امرته به بالحرف حتى نالت غرضها وقامت بالتقاط فيديو بخديعة بصرية وما هى الا عدة دقائق فقلت الكاميرا وقالت بارتياح
- يلا بقي كفاياها كده، ونلبسها..
فارس مندهشا
- أنامش فاهمك بصراحه...
همت نانسي فى تلبيس رهف مرة آخرى فقطعها فارس منتشيا
- ماتسيبنى أنفذ، واهو مش خسرانين حاجه...
حدجته بقوة
- وربنا اقتلك، انت ليا أنا لوحدى وبس، فاهم، يلا لبسها معايا وبلاش دماغى تروح لبعيد...
ماهى الا لحظات ودخلت ميان عليهما متلهفه
- هاااا، كله تمام؟!
(بعد الظهيره )
انتهت فجر من إعداد الباقه التى انبهرت بجمالها، ما لبثت ان تعود لمكتبها ففزعتها سعاد راكضه لاهثه متخذة انفاسها بصعوبة
- مصيبة يافجر، الحقى..
تقاسم الرعب ملامحها
- خير، مالك؟! بسمة كويسه
بللت حقلها ثم طفقت قائله وهى تبكى
- هشام، هشام عمل حادثه كبيره اوى، وهو بين الحياه والموت يافجر، الحقييييه يابنتى...
لهذا الحد تنفرها الحياه ولم تتم فرحتها، أطلقت انظارها بحريه فى ارجاء المكان ولازالت صامده مذهولة، جملة اصابتها بشلل كلى كمن سكب ماء كاويه على جروحها الغائره باتت مشاعرها مخضرمة بين الحنين والوجع غير مصدقها انها ستفقده للابد، فكل ما مر من العمر أملا فى لقاءه فى نهاية المطاف، فماذا ستفعل إن رحل عنها للابد؟!
افتقدك كما لم أفتقد شئ قبلك، أفتقد أحاديثنا القديمة وليال الشتاء التى ألتمست دفئها من صوتك، أفتقد تفاهمنا الغائب منذ زمن افتقد سؤالك عنى، أنا لم أتخلى عنك كما تعتقد، فقط هجرت نسختك الجديدة التى تعمدت اظهارها لى كمحاولة للحفاظ على مشاعري تجاهك، او بمعنى الأصح إضطررت لذلك قبل أن يختلط كلاهما وتتلوث ذكرياتنا بغبار الحاضر وتتآكل من كثرة الخلافات، ولكنى إرهقت انتظارا واملًا، متى ستعود لى؟!
بللت حقلها ثم طفقت قائله وهى تبكى
- هشام، هشام عمل حادثه كبيره اوى، وهو بين الحياه والموت يافجر، الحقييييه يابنتى...
لهذا الحد تنفرها الحياه ولم تتم فرحتها، أطلقت انظارها بحريه فى ارجاء المكان ولازالت صامده مذهولة، جملة اصابتها بشلل كلى كمن سكب ماء كاويه على جروحها الغائره باتت مشاعرها مخضرمة بين الحنين والوجع غير مصدقها انها ستفقده للابد، فكل ما مر من العمر أملا فى لقاءه فى نهاية المطاف، فماذا ستفعل إن رحل للابد عنها؟!
فاقت على تكرار نداء سعاد لها
- يافجر، انتى روحتى فين؟! بقولك روحيله..
تفوهت بمرارة صبار الحزن الذي تفرغ بحلقها
- هو فى مستشفى إيه..
بدت علامات القلق تظهر على سعاد التى تفوهت تلقائيه
- من امبارح وهو فى المستشفى وصمم إنه يرجع البيت، وبسمه وزياد عنده عشان يقنعوه يروح المستشفى مش راضي، وحالته تصعب عالكافر..
ثم دفعتها بحماس
- إنتى ليكى كلمة عليه، روحى له خليه يبطل عناده ده..
نشجت وتردد البكاء فى صدرها بدون صوت، فالخبر انهال على قلبها كالصاعقة التى افقدتها عقلها ؛ تناولت حقيبتها واكلت خطاوى الارض ركضا واوقفت ( تاكسي ) واردفت متوسله ان يوصلها باقصي سرعة للعنوان التى القته على مسامعه...
بعد مرور النصف ساعه من تململها كالجالس عالجمر تترقب الطرقات وتمسح الارصفه بأهدابها تتمنى ولو يطير بها القدر لبابه، ظلت ناجى ربها متضرعه.
- يارب انا مش هستحمل اشوفه بيتوجع، مش هستحمل تحصله حاجه، يارب متوجعش قلبى، انا مش عايزاه معايا، انا عايزاه يكون بخير وبس..
آخيرا وقف السائق امام بوابة العماره فألقت له النقود التى أكثر من حقه وركضت هائمه على وجهها تلهث مرتعده، وقفت امام باب المصعد فوجدته فالادوار العلويه والثانية باتت لها دهرا، حسمت امرها واكلت درجات السلم ركضا بخطواتها الواسعه وعيونها المتقطره بغيوم وجعها..
وصلت لباب شقته فوجدته مواربا فوقع المفتاح من يدها المرتعشه وقفت لبرهه تاخذ نفسًا لتستريح وهى تتفقد الشموع المتقدة من مدخل الباب وحتى يودي بها لمقصده..
شحذت المكان المزين بأجمل انواع الزهور الحمراء وادوات الزينه المعلقة كأنه عيد ميلاد، التفت خلفها لتتأكد من رقم الشقه مغمغمه بحيره انستها لهفتها
- الله؟! هو باع الشقه..
اتبعت خطاوى فضولها بين صفى الشموع مناديه عليه بصوت خفيض
- هشااااام، ياهشام أنت هنا..!
لم تجد اي رد حتى وجدت نفسها أمام غُرفته ووجدته واقفا بهيئته الشامخه الصلبه موليا ظهره للخلف متجاهلا ندائها، إن قضي الخوف على نصف عقلها فصدمتها مما رأته اطاح بكل عقلها، استجمعت كل قوتها مرة ثانية وتمتمت بانتفاضة
- هشام، أنت كويس، قول لى إنك كويس وانى مش بحلم..
استدار بشموخه نحوها واضعا كفه الايمن فى جيبه مبتسمًا، ثم عاود النظر للخلف مرة آخرى يتأمل فستانها المُعلق الذي ابتاعه لها من أول مرة ارتدته فى حفل عايده واردف ممازحا
- انتِ ازاى كنتِ لابسه الفستان ده، ده اتقل منك...
انخرطت عيونها بدموع حفرت وديان على وجنتيها متوهمة انها جُنت، فكل الصدمات التى انهالت عليها مرة واحده كانت اشبه بعاصفة رعديه انتابتها، وقالت بصوت باكى
- هو فى ايه؟!
زلزلته دموعها فأقبل اليها حاملا كل جيوش حبه فى عيونه التى تلمع بأنوار شوقه ووضع كفه على وجنتها وشرع فى مسح دموعها بابهامه وهمس
- اشششش، اهدى، انا كويس..
تجنبته متراجعه للخلف، مرتبكه
- اصل، ماما، طنط سعاد قالتلى إنك عملت حادثه..
ثم شهقت باكية وهى تلوح بكفوفها
- وانا كنت هموت عليك...
ابتسامته لم تفارقه للحظه، اكتفى باحتواء كفها وسحبها برجاحة ورفق وأوقفها أمامها وشرع فى فك حجابها الذي زادها جمالا وقال.
- الف مبروك على النجاح، كُنت واثق إنك أدها..
كل ما بها ثابت الا عيونها الحائره التى اوشكت من فرط الحيرة أن تطير، نزع عنها حجابها ووضعه على كتفيها فتحرر شعرها الذي امتد طوله عن اخر مرة رأه وواصل بهدوء
- على فكرة انا كنت عارف النتيجه من يومين، وقولت لازم اجهزلك حاجه مختلفه تفرحك، آكيد تعبتى أوى لحد ما وصلتى..
فجمح حبه فلم يبق عليه سلطان، فمال تدريجيا لمستواها وبالاخص مستوى شفتيها المرتعشتين واحتضنهما بثغره متمهلا، فرجل مثله لا يحب أن يتجرعها دفعة واحده بل يود أن يتأنى فى تذوقها..
لازالت عيونها متسعه، حيث عششت الحيره والذهول برأسها حتى وقفت امامه مُكبلة..
نصب عوده مرة آخرى وسحبها خلفه ليقفا أمام الفستان المُعلق ثم قال
- مكنش حد ينفع يلبسه غيرك، أنت وقعتى جوه قلبى من أول ما شوفتك لابساه...
تفوهت بغرابة وسهو.
- انت اللى اشتريته..
ملء صدره بأوكسجين وجودها وقال برزانه
- انا عملت حوارات كتير عشان اجيبه، بس كله فداكى..
شدت كفها من يده وقررت ان تقضي على حيرتها فسألته
- انا هنا ليه؟!
زاح خصيلات شعرها المتدليه على وجهها وقال بعطفٍ
- أنت هنا عشان نحتفل بنجاحك سوا..
- هو أحنا مش متفقين على الطلاق؟!
قضب حاجبه مستغربا
- اه حصل، هنحتفل واطلقك حاضر..
تبدلت ملامحها وتراجعت خطوة للخلف بسبب خنجر جملته الساخره، وقالت باستسلام.
- تمام..
ثم فرد عوده اكثر ووقف على طراطيف قدمه لينزل الفستان ووضعه على الفراش وقال لها
- يلا ألبسيه...
طافت نظراتها حائره بينه وبين الفستان الذى فى انتظارها لترتديه، فاطرقت مولية ظهرها بتوتر
- أنا لازم امشي، وووو
- أنت ما قولتليش ليه إنك البنت بتاعت البير؟!
لم تجرؤ أقدامها على التحرك خطوة واحده بعد صاعقة سؤاله، فمن اين عرف سرها، منذ متى كشفها...؟! وتيرة اسئله تدفقت من رأسها فكبلت خُطاها..
تحرك ليقف أمامها واكمل بهدوء تام
- كُنت عايزة تخبى عليا لأمتى؟!
#فلاش باكككك.
اندمل قُرص الشمس واختبئت الزواحف فى جحورها قبل بنى البشر، بعد شيوع بعد الاساطير المرعبة فى جميع ارجاء القريه، منهم من يذيع بأن فى النهر جن عاشق للفتيات يسكنه يتسلل خفية كل ليله ليشبع اهوائه، واخر ؛ ان هناك عصابه مجرمة تقوم بقتل الفتيات بعد هتك عرضهم، وغيرهم كالضالين الضعفاء اللذين يعلقون مصائبهم على ظهور السيدات، فهن وراء كل كارثه او مصيبه، وهى من تفر مع حبيبها وتسلمه نفسها ثم يقتلها ليخفى اثار جريمته..
تسللت فجر خفية ملثمة الوجه بعد منتصف الليل خلف فضولها لترى ما سيكون حال قريتهم الصغيره بعد منتصف الليل، هل هى نفسها اثناء النهار أم ينقلب حالها رأس عن عقب!
تسير هنا وهناك فى الفضاء والخلاء الذي لا يقطعه الا صوت الديكة والثعالب ونباح الكلاب حتى وصل لاذانها صوت بشري آخر يتسلل خفية، فاختبأت مرتعده خلف احد الاشجار تترقب ظهره محاوله التعرف على معالم وجهه المُلثم، ولكن بدون فائده، فقررت اتباع خُطاه ربما تجد مقصدها..
يتحرك المُلثم أمامها بمهارة قتالية كأنه يحفظ الشوارع واحجارها او على الاغلب يهرب من شيء ما حتى ذاغ عن عيونها للحظات ظلت تبحث عنه وعن هويته بجنون...
ما هى الا عدة دقائق ودوى صوت صرخه مكتومة لأحد الفتيات جعلت اقدام فجر تدفن فى الرمال تحتها كاتمة صوت صرخاتها وخوفها الذي تفاذف هنا وهناك...
فى نفس ذات اللحظة ظهر المُلثم باحثا عن مصدر الصوت كالمجنون وعندها صاح أحد الغفر مناديا
- حرامىىىىى..
ركض المجهول بسرعة وتابعت فجر خُطاه بتطفل متوعدة
- والله لامسكك وافرج عليك أمة لا اله إلا الله..
بغباء مفتعل ظلت تلتقمه باعينها وتواكبه باقدامها حتى لمح ضلها من خلفه ثم تابعته بصوت صرخه عالية عندما اختل اتزانها وسقطت فى بئر عمقه مترين ربعه ممتلىء بالمياه على جانبه ماكينة ري يُسقى منه الزرع..
وقف حائرا للحظة ما بين انقاذها او انقاذ نفسه، كان نور القمر ساطعا فلاحظت حركه احد التعابين بجوارها فارتعدت صارخه فازعة، فقاده شهامته لانقاذها ولم يتردد للحظه حيث جرى نحوها ومد يده فتشبثت بها الغريق وبشدة واحده جذبها الى البر فضألة جسدها لم ترهقه..
التقت اعينهم للحظه بثت بجوفه رعشة لازمته آمد باحثا عن صاحبه تلك العيون التى نورهما يتنافسان مع نور القمر، فخانه وشاحه وانفك عن وجهه فاندهشت هى الاخرى عندما وجدته الظابط الجديد بقريتهم، فهتف محذرا متاهبا للذهاب
- انت ماشوفتنيش، فاهمه...؟!
#باااااااك.
- جيتى هنا عشان تنتقمى منى؟! عاوزه تعرفى إذا كنت انا اللى ورا قضايا اغتصاب البنات الغير مبرره لحد دلوقتى ولا لا...
طفق جُملته بنبرته المتزنة وهو يجوب أمامها ذهابا وايابا وهى تراقبه فى صمت، فواصل حديثه مستفهما
- عشان كده لما قربت منك فى القسم انتفضتى وضربتينى على وشى..
لم تتحمل اقدامها صدمة اخرى فاستندت بتثاقل لتجلس على طرف السرير وتسأله
- انت عارف كل ده من أمتى..!
عقد يديه خلف ظهره وتحدث بنبرة رسمية
- كنت شاكك فيكى طول الوقت وبكذب نفسي، لحد ما طلعتى بحوار زيدان وابوكى وبقية الفيلم ده كله..
اطرقت باسف
- وموضوع البير إيه اللى فكرك بيه..؟! ومن إمتى!
جلس بحوارها متكئا على كلتا يديه للخلف.
- كنت فى مهمة من شهرين وصادفنى حاجه تشبه الحوض ده، معرفش ليه الموقف كله لف فى دماغى، ساعتها افتكرت عيونك وعيون البنت اللى طلعتها فربطت الاحداث ببعضها، عايز اقولك إنى فضلت ادور عليكى شهر، لحد ما اتوهمت إنك عفريته وكل اللى حصل وهم...
استراحت اكثر فى جلستها، وشرعت فى روي حكايتها بتمهل جعلته ينصت إليها بكل جوارحه..
- انا مكذبتش عليك فى أى حاجه قولتهالك قبل كده، انا كذبت على زيدان، كان مفكر إنه لما يقول لى إنك لفقت قضيه لابويا، وانك السبب فى دخوله السجن كده هصدقه، او بالاخص هصدق واحد ارهابى زيه...
شردت للحظة ثم تابعت
- و قال لى انك السبب فى حوار البنات المنتشر، وانك جاي من بحرى عشان تبوظ سُمعة الصعيد عندنا وترضي مزاجك..
ثم تلعثمت الكلمات بحلقها.
- بصراحه صدقته، خصوصا إنى شوفتك وقتها، وقررت إنى اعرف حكايتك ايه، وانتقم منك واجيب حق كل البنات دى، ولو طلعت ظلماك هطلب منك تساعد ابويا، وفى نفس الوقت حجة اهرب بيها من البلد ومن ظلم وقهر زيدان، بس كان الاتفاق انه يكتب عليا قبل مااجيلك..
صوبت انظاره المرتعشه إليه.
- ركبت عربيتك بخطة منه وعمل كل الفيلم ده عشان انت تصدقنى، بس انا اللى هربت قبل كتب كتابى، مكنتش عايزه حاجه تربطنى بيه، كل اللى حرقه إنى مشيت وخنت الاتفاق...
ثم سكتت للحظة
- اتقابلنا وكنت مرعوبة منك احسن تقتلنى، ولما فوقت ولقيت نفسي جمب رهف اتجننت وخوفت اكتر وكنت عايزه اهرب منك لانى كنت فكراك زيهم، بس واحده واحده لقيت نفسي بقيت شخص منكم، ومن غير ما احسن بقيت بدور عليكى طول الوقت حتى ولو هنتخانق..
ثم اغرورقت بالدموع وقالت
- تعرف، أنا اتعلقت بيك من أول مرة لمحتك فيها عند البير وانقذتنى، كنت دايما بمشي بدور عليك وعايزه المحك من بعيد، بس كان حوليك فى غموض وخوف وقلق، اتجننت واستبيعت وقولت زى ما تيجى تيجى بقي..
ثم تحركت واقتربت منه واحتوت كفه.
- اقولك على سر ممكن متصدقنيش، بس دى الحقيقه، أنا حلمت بيك من قبل ما اشوفك، لدرجة إنى عندى احساس اننا اتقابلنا فى زمان تانى وعشنا الحب ده قبل كده وجينا هنا عشان نكمله..
ثم غمغمت بحزن
- مكنش قصدى ااذيك فى شغلك، ولا انى اتفق مع زيدان عليك خصوصا بعد ما عرفتك، بس والله هددنى بيك وبأبويا وانا مكنتش عايزه اخسر حد فيكو...
حاول اذابة جبال الجليد التى تكونت بينهم وابتسم هائمًا.
- اقولك أنا على سر بقي، بس تحفظيه..
لمعت عيونها بضي الثقه والامان
- اكيد...
بدت انامله تدلل على ملامحها وعلى شعرها بشوق حتى غمغم حائرا غير مدركًا كلام الحب وسحره ولكنه قذف ما بقلبه الذي مل من اظاهر عكس دواخله
- أن هشام السيوفى ما عرفش معنى الحب غير لما قابلك..
كسا ما بقلبها من حسرات وهتف
- جوجو، أنا بحبك..
ثم وقف محاولا قتل شبحه المتمرد وهو يفرك كفيه بارتباك قرر الا يدفع القيمه المضافه على حماقته وفراقها
- خلينا متفقين إنك غلطتى، وغلط لا يغتفر فى سجل هشام السيوفى، ولما قعدت افكر مع نفسي كده وانك تبعدى واطلقك والحوارات دى لقيتنى بعاقب نفسي معاكى، طيب وانا ايه ذنبى!
فاستدار اليها واخفض انظاره لمستواها
- فأنا اخدت القرار إنى هعاقبك بس وانت معايا..
واخيرا فاشرقت شمسها بعد ليل دام لسنوات، وثبت مستندها على مرفقيه هاتفه بارتياح
- يابنى إنت متعرفش تتم حاجه حلوة لاخرها؟!
- لا بقولك ايه؟! انا اللى يحبنى يحبنى زي ما أنا بنكدى بدبشي بفرفشتى بدلعى بغرورى وببرودى بكلى على بعضي، لكن تنقى اللى يعجبك منى لاااا، الاوبشن ده لسه منزلش فالمنيو..
وبعد عناء انتهى عجاف ايامها فارتمت بين ذراعيه ضاحكة مشتاقه لتحكم قفل يدها على خصره وتضمه إليها فلم تتوقف اذانها عن الاصغاء لما تهشم بداخله لتجدده..
طوقها إليه مستريحا فأحس بنبضها الانثوي بين يديه مما زاده اشتهاءً بها، فتعمد دفن انفاسه بجدار عنقها وطلب منها
- مش هقولك يلا ننسي او إنى نسيت اللى فات، بس هطلب منك إنك تنسينى إنتى اللى فات..
غمغمت بهيام
- اوعدك إنى انسيك الدنيا كلها..
زينهما طوق الحب من رأسهم للكاحل، فكيف تعصف المشاعر بارواحنا لتلك الدرجه من الجنون الذي يجعلنا نتمنى ولو نُدفن فى صدر احبابنا، تبدل حاله على يدها حتى سَلم على منياء خفونها كان الحب يخيفه كثيرا قبل ما يراها تغيرت فكرته فاصبح يخاف من فقدانه، حملها مشتاقا ليملء ما فرغته منه الايام اثناء غيابها، فاوقفته فجاة متعمده ان تخرجه من ملاذ عطرها
- هشام، استنى...
زام ما بين حاجبيه قلقا، مستفهما.
- هو فى ما يمنع ولا ايه، ورحمة ابويا ما يحصل خير...
رد الضحك لقلبها من جديد حتى ملء مسامعه فقالت بخجل
- لا ماتقلقش، حظك حلو المره دى...
رفع حاجبه متعجبا
- اومال فى إيه؟!
ضاقت عيونها بدلالٍ
- الباب بره، نسيته مفتوح...
بسطها برفق فى منتصف فراشه وغمز لها بطرف عينه
- راجعلك، متتحركيش، ومتفكريش فى حاجه تعكننا هااا...
غمغمت بتردد
- يعنى مش هتطلقنى خلاص..؟!
فاض صبر فاجابها ملهوفا.
- وهو انا كنت بتلكك طول الفتره دى عشان اجى اطلقك دلوقتى...
ثم اشار لها بسبابته محذرا
- عضلة لسانك دى لو اتحركت النهارده هقصها، وسيبينى كده اخد حقى منك بمزاج، مش عايز مقاطعه، فاهمانى؟!
كيف يقوم انسان بفرض سلطته على إنسان آخر؟! أن يُذبه عشقًا، ويغمره أمنًا، أن يملا قلبه للحد الذي يجعله أن غاب باتت الوجوه شاحبة والشوارع مغبره والاشجار عارية، لا يرى الكون الا ثُقب اسود يبتلع كل الالوان حوله، فيري فى الغياب غربة وأن شمسه لاتشرق الا بصوت حبيبه، هكذا يُكبل الحب العقول باصفاد من ورد لتفوح عطرها برائحة تسكرهما معًا فتصبح روحهما واحده تقسمت بين جسدين مختلفين...
فالحب الحقيقي لا يطفو على السطح بل الزبد ما يفعل؟! فاذا اراد المرء الحب فعليه الغوص في الاعماق عليه ان يستعين بمهارات الاسماك العمياء ليعرف الاتجاهات والطرق ليصل لهدفه، ان يتقن فن الانصات و يلاحظ التفاصيل التى تدله على سكنه ومأمنه بقية عمره...
تاااابع ◄ الحرب لأجلك سلام