-->

رواية الحرب لأجلك سلام الفصل السابع عشر

 

 

 ما الذي يحدث عندما يُصبح شخصٌ ما غير قادر على أن يُحبّ أيّ أحد؟ ماذا يحدث لو كان خائفاً جداً من نفسه، وخوفه ذلك يمنعه حتى من الوقوع في الحُب والانكشاف التام أمام الآخر؟ هل يغدو إنساناً متوحشاً؟ هل يصبح خطيراً إلى درجة وجوب ابتعاد الناس عنه؟
- جيمس بالدوين.

خرج زياد من مبنى الجامعة يتشاجر مع الهواء الذي يحاصره وهو يسب ويلعن فى نفسه، فأى نتيجة تأتى على عكس المتوقع عاقبتها الاختناق..
تم رفض رسالته لعدم اكتمالها وغير إلمامه بكافة عناصرها وتم تأجيلها للعام القادم، صعد سيارته يشتاظ غضبًا وهو يبحث بعشوائيه عن بقية الأوراق مزفرا


- راحو فين بس؟!

اخرج هاتفه المغلق اكثر من اربعة ساعات ليجرى مكالمة هاتفيه مع رهف ولكن رنين بدون جدوى، استقرت فى حلقه غصة الخيبة والضجر وبتلقائيه اتكئ على مقعد سيارته للخلف ؛ وفعل بيانات الهاتف، فتتابعت الرسائل والاشعارات واحد تلو الاخر بسرعة فائقه، أوقفه اسم رهف على رسالة (فالواتساب ) مرسله من ستة ساعات..
سمع الرساله النصيه التى تتلوها رهف بسذاجه وضحك.

- زيزو، هقولك على سر ؛ شكل بسمه رضيت عليك وناويه تساعدك فى الماستر، عارف ليه؟! انا هقولك ليه، دى طلبت منى الورق وحاجات كده تخص الموضوع وانا جبتهم من ملفك وهى قالتلى تعرف دكتور تقيل اوى هيظبطك، ابسط ياعم شكل الدوك حنت عليك...

اعتدل زياد من اتكاءه وهو ينصت للرسالة الصوتيه باهتمام حتى باتت انظاره كحلقة من النيران المشتعلة التى قررت أن تحرق كل ما يعوقها، رمى الهاتف من يده ودور سيارته متأهبًا للذهاب متوعدا
- ورحمة ابويا ما هعديهالك يابسمه، هى حصلت تضرينى فى مستقبلى كمان؟!لا دانت زودتيها اوى...

ثم تحركت واقتربت منه واحتوت كفه
- اقولك على سر ممكن متصدقنيش، بس دى الحقيقه، أنا حلمت بيك من قبل ما اشوفك، لدرجة إنى عندى احساس اننا اتقابلنا فى زمان تانى وعشنا الحب ده قبل كده وجينا هنا عشان نكمله..
ثم غمغمت بحزن
- مكنش قصدى ااذيك فى شغلك، ولا انى اتفق مع زيدان عليك خصوصا بعد ما عرفتك، بس والله هددنى بيك وبأبويا وانا مكنتش عايزه اخسر حد فيكو...

**كانت تلك آخر جُملة منها ألتقمتها آذان هشام قبل ما يشرد بخياله معها فى عالمهما الخاص، اندفعت كل مشاعره إليها سارحًا بما يأمره به قلبه الذي يود ان يفجر حممه الغيابيه بقُربها، فلا زال فى قعر كاسه بعض الرغبة فى العودة..
صنع من عطرها فيلمًا خاصًا به لوحده، حتى تبسمت شفتيه على آخر جُملة ترددت فى ذهنه
- عضلة لسانك دى لو اتحركت النهارده هقصها، وسيبينى كده اخد حقى منك بمزاج، مش عايز مقاطعه، فاهمانى؟!

لاحظت تبسمه الغير مألوف فى موقفهما على حديثها الذي يمزق قلبها إربًا، وهى تناديه مستفهمة
- هشام، هشااااااام أنت معايا...؟!
فاق من آحلامه وامنياته وخياله الذي جعله يتفوه بأكثر كلمه لا يؤمن بها ولم تضع فى قاموسه من قبل وهى ( أحبك )، ألتفت إلى صوتها العذب حيث وجدها لازالت جالسه على طرف الفراش وتحتوى كفه القوى، ولازال هو بجوارها لم يتقدم نحوها إنش، فغمغم
- أنا معاكى؟!
هزت رأسها بعدم تصديق.

- لا، أنت مش معايا خالص، سرحت فى إيه...؟!
هرب من صاعق سؤالها ونصب عوده بهيئته الجامحة وقال بجمود مصطنع
- هتعرفينى أكتر منى يعنى؟!
تابعته وقالت مستفهمة
- انت جبتنى هنا ليه؟!
تردد للحظة ولكنه مازال محافظًا على شموخه
-منا قولتلك حبيت نحتفل بمناسبة نجاحك وبس...
شيعته انظارها المكذبه
- نحتفل؟! يعنى مش عشان نتعاتب؟!
لم ينظر إليها و رد بفظاظةٍ
- لا، أنا ما بحبش اتكلم فى القديم، اللى فات مات..

تحركت هى لتقف أمامه وتقرأ عيونه التى دائما تصدق حتى وإن كذب لسانه
- ماهو اللى فات مش هيموت غير لو أحنا اتكلمنا فيه، وطهرنا جرحنا وسبناه للوقت عشان يلم، اما لو سبناه على كده هتبقي عواقبه أكبر..
تفادى النظر إليها كى لا يخونه قلبه، وقال مبررا
- أنت فهمتى الموضوع غلط خالص..
ثم تحرك ليقف امام الفستان الذي لازال معلقا فتأمله واتبع
- حبيت بس اهديكى حاجه جات على اسمك فى يوم من الايام، وده انسب وقت..

لوهلة هاج ثور عنادها ولكن ثبطته بجُملة سعاد الناصحه من قبل ( الرجاله مش عايزه اللى تناطحهم يا حبيبتى، دول تاخديهم على أد عقلهم وبس، هما دايما اللى صح، هما مابيعرفوش يغلطوا )، تراجع عنادها لمرة وقررت أن تستغل ذكاءها وقالت بخبث
- يعنى الشموع والزينه دى كلها والخطه اللى جيت بيها لحد هنا، عشان تدينى الفستان وبس؟!
بات امره مفضوحًا أمامها، فتحير قائلا.

- ااه وبس، وعلى فكره طنط سعاد هى اللى خططت لكل ده، وانا محبتش احرجها بس...
كتمت ابتسامتها وسارت على نهج تمرده وقالت بمكر
- وهى طنط سعاد بردو اللى جابت النتيجه من الكنترول؟! مممم طلعت مش سهلة طنط سعاد دى؟!
كثرة تجاهله منارة أهتمامه، شد مقعد الطاولة الصغيره وجلس واشعل سيجارته ليتواري خلف دخانها من عيون امراة فاحصة تعريه، ثم هتف.

- اللى بينا عمره ما هيتغير، ولو كان فى مشاعر ليكى عندى، دى مشاعر تقدير وعشرة وبس..
ثارت نيران برج الحمل بقلبها لتحرقه ولكنها حاربت ألا تضيع آخر فرصه من يدها، تمايلت فى خُطاها لتجلس على المقعد الامامى وقالت بتريث
- تعرف طنط سعاد بتقول إن إحنا الاتنين مش عاوزين غير فرصة تانيه وبس، تفكتر عندها حق؟!
نفث دخان سيجارته واطرقت انظاره أرضا ململما بقايا كبريائه التى اطاحت به إمرأة يهواها وقال بتمرد.

- الفرصة التانيه للى عايز يرجع، أما أنا مابقاش عندى رغبه فى أى حاجه..
تجاهلت وخزة جُملته وقالت بمكر
- اللى اعرفه عنك إنك مستحيل تعمل إي حاجة غير لما عقلك يكون مقتنع ؛ ايه اللى حصله؟! معقولة يكون اتفق مع قلبك على المفاجأه دى ممم او عليا عموما!
ثنى سيجارته فى قلب المطفأه وقال
- بلاش تستنتجى اوهام أكتر من كده..
عقدت ذراعيها أمام صدرها واتكأت على حافة الطاولة وقالت
- اوهامى مبنيه على أدله ياسياده المقدم...

ثم غمغمت بخبث عاشق
- ورد وشموع وجو شاعرى عشان تحتفل بنجاح واحده إنت كل اللى جواك ناحيتها عشرة وتقدير؟! علموكم كده فالكليه؟!
- لمصلحتك متصدقيش حاجه أنا ماقولتهاش ؛ ولو تصرفى ضايقك ممكن تتفضلى تمشي، اصلا الموضوع مابقاش يهمنى...
جرت المقعد من اسفلها لتدنو منه وتلامس ساقيها ركبتيه وقالت
- وإن قولت لك إنى مش همشي، اصل بصراحه الموضوع يهمنى...
سألها باقتطاب
- موضوع إيه؟!
ضاقت حدق عينيها بحيلة.

- مش حاسه إنك سامحتنى وكده، فأنا قررت اقعد هنا لحد ما احس إنك سامحتنى بجد، مش مجرد كلام، عندك مانع...!
‏الحب ليس فقط اتحاد هوى , تفاهم , تلاؤم , إندماج عقلين , بل هو أيضاً ارتياح الفطرة إلى فطرة أخرى تأنس بها وتكتمل بوجودها ..
لم يتوقع قط قرارها المفاجئ بل كان يحمل هم عنادها الذي يقف بينهما وغروره الذي يأبى التنازل، تسربت السعاده لجوفه ولكن لازال خارجه صلبا متماسكا، فوثب قائما وهو يأخذ مفاتيحه.

- طول ما انت على ذمتى فهو بيتك، مقدرش اخرجك منه..
- يعنى مش عشان أنت عايز كده؟!
تأهب للذهاب
- لا، أنا مش عايز اى حاجه...
هرب منها ومن التناقض الرهيب الذي يسكنه ؛ قلب يريد وعقل ينفر وفى ذات اللحظه ينفذ اوامر الاول مطيعا، فلازال بطبعه الحاد يخذلها كورقة خريفية..
لامست اناملها اواخر الفستان وتنهدت بتعبٍ.

- لحد أمتى هتفضل تعاند قلبك كده ياهشام، وتاعبنى معاك، كل حاجه فيك بتلمع بحب كبير، واللى يوجع اكتر لا انت قادر تبينه ولا قادر تخفيه ولا أنا قادره أملكه ولا اتجاهله..
ثم رأت صورتها المعكوسه على المرآه تحسست طرف فاهها الممزوجه بعطر قُبلته الساحر وقررت بتحدٍ.

- لازم نوصل لنهايه، ومش أى نهاية ؛ أنا عايزة النهايه اللى يكون أخرها اننا نفجر الحب ده لبعض، بدل مابنقتله، وطالما انا اللى غلطت يبقي لازم هحاول على الاقل عشان قلبك اللى مايستاهلش غير كل الحب...

تراقصت جفون رهف بتثاقل وهى تتفصح المكان حولها فغمغمت بذهول
- أنا فين؟!
قفل فارس عُلبة العطر بعد ما تشممتها وفاقت وقال باسماً
- حمد لله على السلامة...
بصوت مفعم بالنوم سألته بقلق
- هو إيه اللى حصل؟!
رسم ابتسامة خديعته
- انا اللى المفروض اسألك، ايه اللى حصل؟!
استوعبت رهف الامر سريعا ثم فزعت من مرقدها شاهقة وهى تتفصح ملابسها..
- أنا هنا بعمل ايه، هو حصل إيه..

تمت التأكد من ارتداءها لمبلابسها كاملة فارتاح قلبها قليلا، فاجابها فارس بمكر
- ابدا فجأة دوختى وواغمى عليكى جبتك هنا...
استدارت مسرعة وهى تبحث عن حذائها متجاهله صداع رأسها الذي يزلزل رأسها وقالت بصوت موشك على البكاء
- أنا لازم أمشي، انا اتأخرت قوى..
تحرك فارس ليقترب منها ويعرض عليها مساعدته
- طيب اهدى محصلش حاجه يابنتى، طيب استنى هوصلك..

لم تعلم لما تقاذف الرعب فى قلبها لهذا الحد ولكنها دفعته بحركات جنونيه واخذت حقيبتها الموضوعه بجوارها وغادره مرتعده، مرتجفه
- هاخد تاكسي، ابعد عنى..
تابعها مناديا ولكنها تجاهلت ندائه وقفلت الباب خلفها بقوة وهى تجرى وتكتسح المكان خلفها برعبٍ وتسند قلبها الذي اوشك على الانخلاع بكفها وهى تقفد على اول الطريق تشير للسائق..

ركبت فى المقعد الخلفى وللحظة انتابها شعور الاشمئزاز من نفسها فانفجرت باكيه متضرعه مما لفت انتباه السائق فالمرآة
- ايه الارف اللى أنا بعمله ده، ياربنا سامحنى انا اسفه، انا مش هشوفه تانى، ولا هعمل حاجه تزعلك منى تانى، بس متزعلش منى...

‏الحياة تُقسو أحيانًا على الناس ليدركوا كم كانوا مترافين من قبل، وان ما تمردوا عليه فى ماضيهم أهون من حياة كانت من اختيارهم، تقسو ليعود الإنسان اكثر نضجًا وادراكًا..

بكل ما اوتى من قوة يضرب على الباب حد اوشك على الكسر، فكان غضبه يغلب عقله فساقه بلا وعى، جاهرا
- افتحى يابسمه، انا عارف إنك جوه...
انتهت سعاد أداء صلاة المغرب ؛ وركضت نحو الباب مضطربه
- زياد...! اى ده كله؟!
دفعها زياد بقسوة وهو يهذي
- بسمة فين..
تحيرت ملامحها
- بسمه نايمه ياحبيبي، هو حصل حاجه!

كالمجنون اندفع يفتش فى الغرف عنها إلى أن وصل للغرفه التى تقطن بها، وفثار مندفعا إليها فلم يرحمه نومها وسخونها وانقض علي شعرها وسحبها بقوة، فصُرعت مذهوله متوجعة
- زياد، اه سيب شعرى...
شرار الحنق تتناثر من فاهه وعيونه كالسيال ويجهر
- وكمان نايمه؟! ياجبروتك..
تملصت وجعا متمسكة بكفيه متوسله بصراخه
- ايه الهمجية دى، ابعد عنى بقولك..
دخلت سعاد راكضا، فذهلت مما رأت فارتمت إليه لتخلصها من تحت يده.

- انت اتجننت يازياد؟! هى دى التربية ياابن الاصول..
تحررت بسمه من آسر قبضته القويه وهى تأخذ انفاسها بصوت تنافس مع ثرثرة غضبه وهى يصرخ مندهشًا
- وبنت الاصول تضيع تعبى سنة كامله؟!
وجعها لم يكن لها عائقا لتحديه حيث وقفت على ركبتيها ولوحت
- احمد ربنا اصلا إنى خليتك تشوف نور الشمس تانى؟!
تطاولت يده لتتناولها ولكنها تفاديتها باعجوبة وهى تهبط من سريرها لتحتمى خلف سعاد التى صرخت جازعه.

- فهمينى يا بسمه يابنتى عملتى إيه...
تراقصت عيونها بقلق ثم اردفت
- ده اقل حاجه تتعمل فيه؟!
فتأففت سعاد بحنق
- طب فهمنى أنت يابنى حصل إيه؟!
تجاهل زياد سؤالها واشار لبسمة متوعدا
- عمرى ما اتخيلت ان السواد اللى جواكى يوصل بيكى لكده..
فواجهته باسف
- إنت اخر واحد تتكلم عن السواد والقسوه اللى جوانا، لانك للاسف بنى آدم مقرف، مش بيفكر غير فى نفسه ومصلحته وبس..

- ياستى انا ابن ستين فى سبعين، تدخلى فى مستقبلى ليه؟! فاكرة إنك كده كسبتى؟! بالعكس انت مابقيتيش تفرقي عنى فى حاجه، الشر والانتقام خلاص عملك غسيل مخ..
جميعا نولد وبداخلنا بذور الخير والشر، والحياه وحدها المسئوله عن رى وتغذية احدهما، فلم يكف زياد عن معاتبها التى كانت كخناجر تطعن فى قلبها حتى قذف قنبلته الاخيره وقال بنبرة متعبة.

- كان عندى أمل إننا نرجع ونصلح غلط ارتكبناه فى وقت لا أنا ولا أنت كنا بالنضج بتاع دلوقتى، فانت جبتى النهايه خلاص..
ثم أقترب منها خطوة وهى يشيعها باسهم الخسه
- أنت طالق يا بسمة...
كلمة تحدته لنطقها ولكنه ابى، وعاند، قلب جيوش تمردها جيوش حبها عليه لتنالها، وبمجرد ما قالها شعرت بالهزيمه، بالخذلان، بأن جيوشها التى كانت تحارب بها تخلت عنها وتركتها عاريه فى ساحة الحرب وفرت كلها إليه تتوسله ليعود..

غادر زياد بعدما فجر قنبلته الموقوته، فاستدارت سعاد إليها بصدمة
- إنت عملتى إيه خلتيه يوصل للحاله دى؟!
فاق جبروت حواء بقلبها واجابتها بثبات تشققت اساسه بجوفها وقالت
- سرقت ورق الرساله بتاعته، وسقط..
لم تصدق سعاد ما قالته بتلك النبرة الباردة، رجتها ممتعضة
- بتهزرى، إنت عملتى كده؟! ومن أمتى الشغل والدراسه ليهم دخل بالتفاهات اللى مابينكم، انتى كده مرتاحه يعنى؟!
ابعدت عنها ورددت
- اه، جدا..
بحزن اردفت سعاد.

- يبقي انتقامك قتل كل الحلو اللى فيكى يابسمه..
ذرفت دمعة من طرف عينيها وقالت مستعطفه
- واللى عمله فيا قتلنى، كان لازم ابرد نارى منه..
سعاد بحكمة، سألتها
- هااا، ونارك بردت خلاص، انتقمتى؟! فضحتيه قدام صحابه، قللتى منه، مرتاحه كده..
طافت عيونها المتألمه بعشوائيه وقالت بقوة مصطنعه
- ااه مرتاحه، قلم بسيط على اللى عمله فيا...
طأطأت سعاد رأسها باسفٍ
- ياخساره يابسمه..
عقدت ذراعيها أمام صدرها فاستدارت متحدية.

- هو اللى خسر مش أنا
- انتو الاتنين بغباءكم خسرتوا..
- خسارته بالنسبه لى مكسب..
لم تكن تتخيل سعاد كم الجبروت المدفون بقلب ابنة اخيها، فقررت ان تضع حلا لسذاجتهم وقالت بحزمٍ
- طيب بصي يابسمة، أنت هتروحى تعتذريله وتتأسفى عن اللى عملتيه، وترجعى بهدوء، ومن غير يمين لو معملتيش كده أنا همشي ومش هقعد معاكى يوم كمان، انت فاهمه؟!
شهقت بسمة مذهوله، ساخطه على اوامر عمتها
- نعم؟! ده على جثتى..
سعاد بتحدٍ.

- يبقي بتطردينى بالذوق يابنت اخويا..
تأففت بسمة بامتعاض فالاختيار امامها بات مستحيلا، بين خسارة عمتها ثم دراستها وحياتها مقابل الاعتذار من زياد الشخص الوحيد الذي دمرها...
تناولت سترتها المعلقه وارتدتها بعشوائيه فوق بنطالها الجينز واخذت مفاتيحها وهاتفها متأففه وتركت البيت ورحلت هى الاخرى مجبره...

-ليك ليلتين بتجهز لليوم ده وبتستعد وبتحفظ فى كلام إنت ماقولتش منه حرف، هتنكر إنك كنت طاير بنجاحها وانت اللى عمرك ما حسيت طعم الفرحه بانجاز واحد وصلتله!
غبى، وهتفضل طول عمرك غبى، ماهى اعتذرت وقالت مبرراتها، ايه اللى مانعك وانت من جواك هتموت عليها؟! بأى حق تعاتبها على حاجه عملتها من قبل ما تعرفك، ولما عرفتك انسحبت؟! مشيت عشان خافت لتوجعك اكتر؟!

يقف هشام على كوبري قصر النيل يتأمل امواج المياه الهدرة التى تمنى ولو يصير نبضه هادئا مثلها، ثم ملأ صدره بالهواء وتذكر حديث سابق دار بينه وبين سعاد التى شعرته لدقائق بحنان الام.

- (( لحد أنت ياهشام هتفضل محكم عقلك وسايبه يدوس على قلبك، الحياه فرص ؛ ولو شايف نفسك مع واحده تانى غيرها يبقي سيبها ومترجعلهاش تانى، لكن جو أنا بحبك بينى وبين نفسي، وهى مموته نفسها من العياط كل ليله عليك ولما تتقابلوا تنطحوا فى بعض ده ظلم، موت بالبطىء، اضحك عالدنيا ومتسبهاش هى اللى تضحك عليك وتحط قدامك حدود لتمنعك عن فرحتك، احنا هنعيش كام مره عشان نضيعهم فى وجع وحرمان، دى مراتك ومنك ياحبيبى خدها فى حضنك وربيها من اول وجديد ؛ لكن تعاقب نفسك ليه معاها، بلاش توهم نفسك إنك مش بتحبها بلاش تاخد قرارات اساسها وهم من دماغك، اتعلم واجه وسامح وارجع لو عايز كده، جرب وامشي ورا قلبك ولو مره )).

تأوهاته الخافته ترددت فى صدره فنظر للسماء مناجيا متذكرا مذكراتها، ابنهما الذي فُقد، كسرتها، حزنها وبالرغم من ذلك تجاهلها وولى ظهره وغادر، أغمض عينه حاسما قراره مسترشدا بكلمات سعاد
- هى بتحبنى، وانا مش قادر أكمل من غيرها! ليه احط فواصل ما بينا؟! ليه البعد والعذاب، الحل إنى مجبر امشي ورا قلبى ولو لمره واشوف هيودينى لفين، يمكن يصيب المرة دى!

عاد الى سيارته حاملا قلبه على كفه ليواجه به ايامه التاليه، كدرع حمايه لتقلبات عقله المفاجأه، ابتسم ملهوفا وهو يدور سيارته
- هروح اطمن على رهف الاول...

دخلت مُهجة الغرفة السفليه المُظلمة المسجونه بها ناديه منذ شهر مضى وغمغمت متأففه
- أنت لسه ما موتيش؟!
قفلت ناديه المصحف الشريف، ورمقتها بوجهها الشاحب وجسدها الهزيل وقالت بجبروت
- هفضل واقفالك زي اللقمة فى الزور اكده، حتى ولو موت هسيبلك شوكى يامهجة...
تقصعت مهجة فى فستانها الضيق وقالت بغل
- خالد ولدك فين يا ناديه، صبري عليكى نفد..
ابتسمت ناديه بحسره.

- اقولك إيه، ما تقتلينى وتخلصي منى اريحلك، بدل مااقتلك أنا واهو اتغدى بيا قبل ما اتعشي بيكى..
قعدت على طرف فراشها القديم وتحدثت بشر
- لولا إنى عايزاكى كنت عملتها، فكرك هغلب؟!
تجاهلت ناديه أمل صدرها وقالت بقوة
- وانت فكرك هقولك على مكان ولدى؟!
هزت مهجة رأسها ساخرة
- طب سيبك من دى ؛ مجدى السيوفى اللى ساعد ولدك فينه، بيخدم فين؟! لانه فص ملح وداب من البلد كلها..
اتسعت ابتسامة ناديه وقالت بشماته.

- وهى نفوذ سيادة النائب معرفتش حتة ظابط بيخدم فين؟!
تلوت كالحيه وقالت
- لا ماهو سيادة النائب بيرسم على تقيل مش فاضي للعلب بتاعى ده، اصله فوضنى وكيلة اعماله، وانا وعدته إنى هجيبله كل اللى مزعلينه تحت رجله..
تجاهلتها ناديه وتجاهلت شرها وعادت لتكمل وردها اليومى وفتحت المصحف وشرعت فى تلاوته بصوتٍ عال، هز كيان مهجة التى نهضت مغلولة
- طب والله ماانت طافحة حاجه النهارده..

توقفت ناديه عن التلاوه وتذكرت جُملتها التحذيريه لمجدى وهى تهاتفه
- انت ليك عندى جَميلة يا ولدى، سيب الخدمه هما باسرع وقت، لان زيدان كشفك ومش ناويلك على بره، وهو اللى فك لك فرامل عربيتك...
ثم تنهدت باختناق
- ربنا يحفظك ويبعد عنك كل شر إنت وخالد ولدى، قادر ياكريم مايخلى يد زيدان تطولهم واصل..

- رهفف، يا رهففففف..
يقف تحت غرفتها بالطابق السفلى مناديًا عليها ولكنها فاجاته وهى تفتح الباب فارتعدت لرؤيته خيشه من انكشاف امرها، فاستدار نحو الباب مُرحبا بشرٍ
- اهلا، وكمان لسه مشرفه..
غمغمت بخوف وعيون هتكها الحزن
-هششام!
اقترب منها بخطوته الواسعه
- انا عايز افهم إنت هتحسي بالمسئوليه أمتى؟!
انفجرت باكية متجاهله صراخه وارتمت فى حضنه وطوقت خصره منتحبة ومعتذرة وهى تتذكر ايامها مع فارس وصحبته اللعينه.

- انا اسفه، حقك عليا، أنا معرفش عقلى كان فين طول الفترة دى، بس انتو كلكم سبتونى لوحدى، انا مكنتش لاقيه حد اشكيله..
لينت دموعها حجره الصلب وضمها بحب
- طيب اهدى..
فارتعشت باكية
- انت زعلان منى، صح ؛ انا استاهل، اقولك اضربنى وزعقلى، بص علمنى الادب من اول وجديد بس متسبنيش تانى، انا اسفه والله يا هشام..
قبل رأسها بحنو وربت على كتفها معاتبا
-كده يارهف تسقطى؟! احنا كنا قصرنا معاكى فى ايه؟! ليه الاستهتار ده..!

ابتعدت عنه ومسحت دموعها مرتجفة شاهقة
- ناقصنى انتو يا هشام، انت فى شغلك وزياد بشوفه صدف ؛ وماما زى ماانت عارف، حاسه إنى تايهه، عايزة جو العيله تانى، انا ساعات بشتاق لايام بابا برغم انها كانت صعبة وشديده بس كنا نتجمع كلنا على سفرة واحده، دلوقتى أنا مابقتش فاكره اخر مرة اكلت امتى، هشام انا تعبانه اوى..
مسح دموعها متبسمًا وقبل رأسها بعطف
- طيب اهدى خلاص، حقك عليا أنا..

ثم قبل كفها الصغير المرتعش فزادها بكاء وقال لها مداعبا
- ما خلاص بقا، يعنى دى اول مرة تسقطى؟!
فانفجرت ضحكتها من جوف وجعها وهى تمسح دموعها وقالت ببراءة
- اومال انت بتزعق ومتفاجئ ليه؟!
ضحك بصوت مسموع ثم ضم رأسها لصدره وقال
- قولت اصحى ضميرك الميت ده شويه، بس شكله مفيش فايده..
ضربته بقبضتها الصغيره على كتفه ممازحة ثم وقفت على طراطيف اصابعه و طوقته بشوق
- وحشتنى أوى ياهشام..
- وانت كمان وحشتينى ياهانم...

ابتعدت عنه بحماس
- بص انا مش هسيبك تانى، انا هجيب شنطة هدومى من فوق وهاجى اقعد معاك، واهو تربينى واخلينى اتلم وأذاكر، طبعا طاير من الفرحه انى هقعد معاك واونسك صح، ٥دقايق بس وهتلاقينى عندك، مش هتأخر..
لم تعط له اى فرصه للاعتراض، كانت تتعلق بأى شيء جديد ينسيها أخطائها السابقه، جريت امامه بسرعة النحل لتحضر حقيبتها، فانعقد حاجبى هشام مغلوبا على أمره
- اى النحس ده ياربي...
ثم رفع نبرة صوته متحججا.

- اخلصى يا رهف، وإلا همشي واسيبك...

على مائده الطعام الفارهه، يجلس منصور الشاذلى على مقدمتها واقصي يمينه نانسي وميان، وعلى يساره يقطن زيدان، كلاهما منغمسين فى تناول العشاء الفاخر، فتفوه منصور
- منورنا ياسيادة النائب؟!
زيدان بأريحيه
- ده نورك انت والبنات القمر دى يا منصور بيه..
وضع منصور اللقمة فى فمه وتحدث
- وايه الاخبار، مش ناويين نرجع لشغلنا؟!
زيدان بحماس.

- ماهو ده اللى جاي افاتحك فيه، بزيادانا وقف حال ؛ السوق بقي بتاعنا دلوق، وانا سمعت كلامكم ونفذته بالحرف، ونارى لساتها قايده يا منصور بيه..
تدخلت ميان
- ونار سيادتك ناحية أيده ناحيه عيلة السيوفى ولا البنت اللى هربت من بلدكم..
اتسعت ابتسامه زيدان بمكر
- الاتنين ياست هانم، نارى طايله وبدها تحرق الكل..
ارتشفت ميان رشفه صغيره من كوب العصير وتبسمت بشؤم واذى.

- اخلص بس اللى بخططله عشان صباعنا مايبقاش تحت ضرس حد، ونبدا اللعب..
قهقهه زيدان مذهولا وهى يكسر (الدجاجه المشويه) بكلتا يديه
- وانا مافيش حاجه بتبسطنى غير دماغ ولعب الحريم..
تفقدته نانسي باشمئزاز ثم تركت مابيدها من طعام وقامت
- انا شبعت...

- يابسمة طيب اهدى، انت بتعيطى ليه دلوقتى!
وضعت سعاد سيف الحيرة على رقبة بسمة التى جارت الشوارع فلم تجد مأوى الا شقة هشام خاصة بعدما قصت لها سعاد ما رتبته معه لرجوع فجر، مسحت دموعها وقالت
- هما ليه كلهم ضدى، انا اللى غلطت وانا اللى لازم اعتذر، ليه محدش مقدر وجعى..
مسحت فجر على رأسها
- محدش ضدتك، احنا كلنا معاكى، بس مكنش ينفع تعملى كده، ده تعبه ومستقبله...
انفجرت بسمة معاتبه.

- وانا اللى دمرنى ودمر مستقبلى ورمانى بسهولة كده عادى؛ خلاص انسي واسامح واقوله عيش حياتك يابيبى واستمتع، انتوا ليه مش حاسيين إنى بتقطع من جوه، انا اكتر واحده محتاجة لسند وعزوة، كنت هربى ابنى بعيد عنه ومش عايزه منه حاجه، هو وجعنى اوى يافجر، للدرجة اللى خلتنى اقرف من نفسي...
ربتت على كتفها مواسية.

- طيب متعمليش فى نفسك كده، طالما مقتنعه إنك صح ومرتاحه متبرريش، واهدى ومتشليش جواكى، طالما مش فارق معاكى وجوده يبقي الموضوع بسيط، واهو حققلك رغبتك وطلقك...
ابتلعت فجر بقية كلماته إثر افتتاح باب الشقه، فدلف منه هشام ثم تابعته رهف صائحة
- الله! دى بسمة وفجر هنا؟! انت ازاى ما قولتليش ياهشام...
تفوه ثغر هشام مصدوما غير قادرا على تحمل الصاعقه فألقى مفاتيحه بعشوائيه واردف بملل
- خير يابسمه.؟!

ركضت رهف كالطفله اليهم وتربعت فالمنتصف بينهم فارحة وهى تسقف
- الله، داحنا هنسهر للصبح بقى...
تبادلت الانظار بين هشام وفجر للحظة ثم لمحت فى عيونه لمعة التحسر والاسي لوجود بسمة ورهف كأن هنالك مخطط ما برأسه فشل..
قررت حواء على استخدام اسلحتها لاخضاع قلب رجل عنيد مثله إليها، حيث طفرت قائمه وهى تربط حرام ( روبها ) الحريري الطويل وتدنو منه متدلله وعانقته بلهفة وبنظرات لم يفهمها سواهم وهمهمت.

- حمدلله على سلامتك ياحبيبي..
ثم تجاهلته ونظرت إلى الفتيات بحماس
- بقول كفايه حزن ونكد بقي، وانا وهشام هنعملكم عشا محصلش، ايه رايك ياهشام
أشارت رهب بسبابتها بروعة
- انتو اتصالحتو اخيرا، ياااه انا مبسوطة اوى، بجد ده احلى خبر...
دست اصابعها فى كفه ورسمت ضحكة زائفه خبيثه
- اه اتصالحنا، مش كده ياهشام..؟!
ثم احتضنت كفه وجذبته برفق وهى تستأذنه بنظراتها التى لا يستطيع عصيانهم..

- اتبسطوا انتو يا بنات، واحنا مش هنتأخر، روفا البنت بسمه دى عندك عايزه ارجع القى ضحكتها منورة وشها...
وصل الى المطبخ وتعمدت ان تقترب منه بقدر المستطاع متدللة متغنجة وهى تقطم شفتها السفلية باغراء جفف حلقه
- سورى إنى عملت كده لانى عارفة إن الموضوع مايهمكش، بس هما فيهم اللى مكفيهم ماحبتش احملهم مشاكلنا أحنا كمان..
- تمام.

كلمة واحده خرجت من بين قاموس الكلمات الدائره فى راسه، ابتعدت عنه متجاهله نظراته عمدا، حيث تخلصت من ( روبها ) الطويل واكتفت بما اسفله حتى باتت أمامه كثمرة برتقال مجهزة للعصر...
بالرغم من ثباته الانفعالى الذي تدرب عليه لأعوام فى الكليه إلا أنها من النوع التى لا يمكنه مقاومته، جلس على اقرب مقعد بجوارها وهو يحرقها باهدابه وقال متعمد لفتح اى حوار
- هى بسمة هتطول هنا..

- ااه، وانا اقترحت عليها تبات هنا النهارده..
كور يده مغتاظا متمتما
- طيب حلو، ما نفتحه ملجأ بالمره
انتهت من غسل الخضروات واقتربت منه متعمده مائله بجسدها
- قطع دول مكعبات...
إن المرأة يسحرها أولًا الأمان الذي يزرعه الرجل من حولها بعدها كل شيء يأتي من تلقاء نفسه للحد الذي يفاجئها هى بأفعالها، تأمل منحنيات جسدها بشهوة عارمة فقد اصبحت اكثر جمالا عندما ازداد وزنها قليلا..

زفر واخذ يفرغ طاقته فى تقطيع الخضروات وشرعت هى فى تجهيز باقي الاطعمة ولكن لم يشغلها الطعام عن الكلام، بل باتت أن تلقى بعبارات لتفحمه
- انا سمعت كلامك على فكرة، لانى لقيت عندك حق، اقعد هنا فى بيتى أولى من قعادى عند بسمه، مش كده..
باتت سيكينه تتشاجر مع قطاعة الخضروات الخشبيه فتصدر صوتًا لا يختلف كثيرا عن صخب قلبه، فولت ظهرها كاتمه صوت ضحكاتها وتابعت
- أنت بتحب الشطه؟!

رمقها بنظره حادة من طرف عينيه فاستقبلتها بايتسامه واسعة
- عارفه انك بتموت فالكبدة الاسكندرانى، بس أنت ماقولتليش بتحبها حراقه ولا بارده..
رد مجبرا
- اى حاجة..
فاخرجت من الثلاجه الفلفل الحار، وبعد ما غسلته اقتربت منه ووقفت بين ساقيه المنفرجتين واخذت السكينة منه وقالت بعجل متعمد
- اى البطىء ده، دانا كان زمانى خلصتهم من بدرى..

انهد جدار ثباته باستشاق عطرها وتغنجها الغير ملحوظ تحت انظاره، باتت المسافه بينهم لا تذكر وبلغ شوقه لذروته ولكنه تجمد عاجزا، غير قادرا على احتضانها، فتفجر نفسا طويلا من صدره ونصب عوده ووقف خلفها ليحاصرها بكلتا يديها المستندتين على ( رُخامه ) المطبخ وقال
- نتلم ونبطل مرقعة وعدى ليلتك على خير، عشان عفاريت الدنيا بتتنطط قدامى...
لا يلتقي الرائعون في بداية العمر أبدا، لا يلتقي الرائعون إلا بعد رحلة طويلة من التعب، ولا يحدث الحب الحقيقي إلا متاخرا، يحدث بين قلبين عاشا في حياة مختلفة وكان مستحيلًا أن يلتقيا، لهذا لا شيء يصف فرحة كل شخص عثر على نصفه الأخر.

- بنات، أنا ممكن أطلب منكم طلب صغير؟!
تتقاذف عينى فجر هُنا وهناك تخشى خروج هشام من الحمام، فأدرفت جُملتها الاخيرة بهمس ثار فضول رهف وبسمة اللتان تركن ما بايدهن وألتفتن نحوها
- طلب ايه؟!
رهف بحماس: ما تقولى على طول، عايزة إيه..
رمت فجر انظارها بعيدا، أقصى الطُرقة وقالت
- عايزة اتفق معاكم على هشام..
اتسعت عيون رهف الفضوليه وقالت مستنكره
- اخويا؟! لا حرام ده طيب..
تغاضت عن جملة رهف بملامح ساخرة، وواصلت.

- بصوا من الاخر كده، أحنا لسه متصالحناش ؛ وهو عامل فيها الواد التقيل الجنتل اللى مافيش بنت تهزه..
سندت رهف ذقنها على قبضة كفها المستند مُعصمه على ارجلها وقالت باستغراب
- هو هشام اخويا كده فعلا، مش عامل فيها يعنى..
تحمست فجر اكثر
- ماهو ده بالظبط اللى أنا عايزه اعمله، وانتو هتساعدونى، ممكن، لانه مش هيحن غير بكده..
تناست بسمة أمرها لدقائق وقالت
- طيب عايزانا نعمل ايه..

- مش عاوزاكم تخلوه يستفرد بيا، بصوا تقفوله زى الشوكة فالزور كده..
صدى صوت ضحكة رهف تردد فى المكان وهى تضرب كف عالاخر بعدم تصديق، فكتمت فجر ضحكتها محذره
- اشششش، والله واثقه ماحد هيفضحنى غيرك..
ابتلعت ذيل ضحكاتها واكملت ساخرة
- ده كان يعلقنا، لالا مش لاعب ياعم، وكمان اتش اخويا حبيبي ما يهونش عليا..
رمقتها فجر متوسله ومحذره
- رهف، قدمى السبت يا حبيبتى عشان تلاقى الاحد..
وضعت سبابتها على شفتيها مُفكرة.

- أنا موافقة، بس بشرط واحد...
فجر بلهف:
- الف شرط ياستى بس انجزى قبل ما يقفشنا..
تقمصت دور المفتش ( كرومبو ) وقالت
- والدكتورة بتاعتنا رايها ايه..
تردد بسمه حائره ثم غمغمت مُنذرة
- عمتو سعاد لو شمت خبر بالمهزلة دى هتقتلنا، دى ما صدقت إنكم اتصالحتو..
فجر بحمية
- ماهو مش هيتصالح ويرجع غير لما اكون قدامه ومش قادر يوصلى، هااااااا انجزوا..
تبادلت ضحكاتهم الخبيثة المكبوته فهجست بسمة مغلولة.

- هما صنف مش عايز غير كده اصلا، يلا بقي استعننا على الشقى بالله...
ما لبثت أن تُنهى جُملتها فأسكتهم صوت خروج هشام من الحمام فنهضت فجر من بينهم مُرتاعة وهى تستعد لنشوب الحرب مؤكده عليهم
- زى ما اتفقنا...
ثم ركضت بخفة من أمامهم متوجهه نحو غرفته فوجدته أمام المرآه عارى الصدر يصفف شعره بتريث، فدنت منه متغزلة
- اى الحلاوة دى؟! حمام العافيه ياسيادة المقدم..

ألقى لها نظره خاطفة فالمرآه بها شظايا الانذار ثم واصل تسريح شعره صامتًا، احضرت ( تي شيرت ) من الخزانه واقتربت منه وقالت بغيرة
- شكلك نسيت إن فى بنات معانا فى البيت، فلو سمحت ألبس هدومك ؛ ميصحش كده..
ترك الفرشاة من يده وقال بعدم اكتراث
- فين المشكلة، أنا متعود اخد راحتى فى بيتى، اللى مش عاجبه يمشي...
- مش فاهمه يعنى، هتطلعلهم كده ولا ايه؟
- عادى..
اتسعت ابتسامتها المزيفه وألبسته مُرغمًا.

- لا مش عادى، أنا مش عايزة حد يشوفك غيري..
طاوعها مرغما وأكمل ارتداء ( ال تى شيرت ) الذي علقته فى رقبته قسرًا
- خلصتى العشا..
جلست متدلله على طرف ( التسريحة) أمامه ثم اخذت زجاجة العطر وشرعت فى تعطيره بدلعٍ
- كل حاجه جاهزه ياحبيبي، مش باقى بس غيرك تيجى عشان ناكل...

سقطت عيونه على بروز نهديها التى يشبهن إحقاق العاج وما تعمدت من ظهوره له فأصابت بقلبه ما اصابت ولكنه قرر ألا يُهزم امام اسلحتها النوويه التى سلطتها على كيان رجل وقال متنهدا بابتسامه كاذبة
- البنات مش هنا عشان تمثلى قدامهم!
ثم غمر لها بطرف عينه متأهبا للمغادره وهو يلقنها آمرا
- غيري اللى إنت لابساه ده، مش عاجبنى..

بالرغم من أسرى جيوش صدره التى تريد أن تنطلق، وشمسه التى تتلهف أن تشرق، وشلال شوقه الذى يتوق ليتفرغ بها تمرس فن البرود، فن التجاهل الذي يُشعلها غيظا، ضربت الارض بقدمها متأففه
- ياربي منه، ما ياهيشلنى هو، ياما هيشلنى هو بردو..
جلس على مقدمة السفرة التى تحوى ألذ الاطعمة التى احضرتها سريعًا، وعلى يساره سحبت رهف مقعدها فارحه
- الله! فجر عملت كل ده بسرعه كده؟!

فأتت فجر من وراءها بعد ما استبدلت ملابسها ب ( هوت شورت جينز ازرق وتوب قطنى باللون الاسود ) من خزانة الملابس التى يطبع عليها ذوق سعاد فتأكدت فجر انها من اتت بهم لهنا، فردت على رهف بثقه
- ست البيت الشاطره هى اللى بتعرف تتصرف فى اقل وقت..
ثم احتضنت هشام من الخلف وتدللت متغزلة فى نفسها
- وانت معاك ست الستات ياحبيبي، مش ده رايك فيا؟!
صاحت رهف هاتفه
- الله، الله! نحن هنا على فكره؛ متحسسوناش إننا عازول.

ضحكت فجر بخفوت وانسحبت لتسحب الكرسي بجوار بسمه وجلست بينها وبين هشام وشرعت فى غرف الاطباق مرحبة
- اخص عليكى دانتو منورين البيت، خليكو على طول..
فهتفت رهف
- انا عن نفسي قاعدة هنا على طول، بس اللى مايزهقش..
حدجها هشام بغلٍ
- انتى تخرسي خالص..
اقتطبت ملامحها بجزل طفولى
- شايفه جوزك بيعاملنى ازاى ياست فجر؟!
شرعوا فى تناول العشاء، فوجه هشام سؤاله لبسمه متجاهلا ثرثرة رهف
- انت سبتى البيت ليه..
التوى ثغرها باسف.

- اصل اخوك زياد طلقنى...
اعجب بجملته و هنئها
- حلو، واخيرا عمل حاجه صح، الف مبروك، انت تستاهلى الاحسن منه، فين المشكله بقي؟!
فانفعلت وأكملت
- اصل عمتو مصممة انى اروح اصالحه، وحلفت عليا منا راجعه غير لما اعمل كده والا هتمشي وتسيبنى، وانا طبعا مستحيل أعمل كده، على جثتى، وسبت البيت وجيت هنا ومش راجعه تانى..
انكمشت ملامحه مضجرا متحسرا
- لا ازاى؟! وتسيبى عمتك لوحدها، ميصحش..
ثم قفز مقترحا.

- انا ممكن اوصلك لحد هناك واتكلم معاها وكمان خدى رهف معاكى ملهاش لازمة..
تدخلت رهف معارضة
- انت بتجيب سيره رهف ليه دلوقتى؟! ياعم انت هى اللى مزعلاها مش أنا، وبعدين انا مش راحه فى حته خالص ؛ بصراحه بيتك حلو وانا حبيته..
ألجمها بغضب مكتوم
- أنا مش قولتلك اخرسي..
تدخلت فجر متخابثة
- ايه ياهشام ماتسيبها تتكلم، واحنا لينا غير رهف بردو، دى حبيبتنا كلنا ودلوعة البيت..

ثم ارسلت لها قُبلة فى الهواء فبادلتها رهف بقُبله مثلها تابعتها غمزه خاطفة جنت جنون هشام الذي فجّر كل طاقته فى الاكل الحار حتى بات داخليا وخارجيا كجمرة ملتهبة بحُمرة الغضب..
مالت فجر على آذان بسمة ووشوشتها بهمس، فابتلعت بسمة ما بحلقها واجابت بصوت مسموع بعد تفكير للحظات
- مممم يعنى استنى ممكن يومين تلاته كده عشان الدنيا تظبط ويحصل باذن الله..
ففتوهت فجر مستفهمة
- يعنى يوم ١٨ فالشهر مش كده؟!

هاج فضول هشام لالغاز كلماتهم فسألهم بنبرته المستكشفه
- هو فى ايه..
احتضنت كفه بحنو وقالت متبسمه
- ما تشغلش بالك ياحبيبي، ده كلام بنات..
- والله!
- اه، والله..
قطع حبل انظارهم الغريبة صوت تنهيده رهف
- انا شبعت خلاص..
فجر بحب: هنا و شفا يا حبيبتى..
- تسلم ايدك يا جوجو..
ترك هشام الشوكه من يده وارتشف كوب المياه رشفة واحده متأملا ان تطفئه، وقال متحمسا
- هااا يلا عشان ننام..
رهف معارضه باصرار.

- ننام ايه، دا سهر للصبح النهار ده، مفيش نوم خالص..
جز على فكيه بنفاذ صبر
- انا مش قولت تسكتى خالص؟!
حدجته معاتبه
- فى مشكله، إن أوضتين بس اللى مفروشين فى الشقه والباقى لسه ؛ اوضتى انا وهشام، وسرير صغير فالاوضة التانيه..
رهف ببرود
- انا هنام فالاوضة التانيه لوحدى، عشان مش بحب حد ينام جمبى..
تدخل هشام بحزم.

- لا يا رهف ياحبيبتى، أنت هتنامى فالصاله هنا، فى كنبة هتعجبك اوى، وسيبي الاوضة لبسمة عشان تاخد راحتها..
زمجرت رهف كالطفله المتدلله
- لا مش هنام أنا فى الصاله ياهشام، انا ضيفة عندك بردو..!
- ماهو كرم الضيافه بيخلص مع العشا، يلا عشان اروحك..
- لا ياهشام مش هروح انا..
تدخلت فجر لتحسم الامر بخبث
- خلاص خلاص محلوله، بصي ياروفا انت ادخلى نامى فالاوضة لوحدك وانا وبسمه هننام فى اوضة هشام..

ثم اخفضت نبرة صوتها واطرقت
- وانت ياحبيبي معلش نام فى الصاله..
- ايه الهبل ده؟! مش موافق طبعا. وبعدين انا مش هرتاح غير فى سريرى...
حدجته ملتاعه
- ايه ياهشام حركات العيال دى، معلش تعالى على نفسك..
لم يبد اى رد بل قام متأففا يأكل بغضبه خطاوى الارض مسبًا فى نفسه سرًا، فلكزتها بسمه معاتبة
- طيب والله صعب عليا..
انتقلت رهف لتجلس على مقعد هشام فارحه
- هشام الود وده يولع فينا...
فواصلت بسمة باعجاب.

- سيبك انت، هيتجنن عليكى، أنا كنت مراقبه نظراته ويالهوى هموت من الضحك، والله حرام اللى بنعمله ده..
احست فجر للحظه بتأنيب الضمير وقالت بخفوت
- دانا اللى هموت عليه وماسكة نفسي بالعافية والله..
ثم فاقت سريعا
- بس يستاهل عشان هو رخم وردوده كلها مستفزة، قومى يارهف شغلي لنا فيلم حلو، وياسلام لو رومانسي..
ركضت رهف متحمسة
- من عينيا دول...

- زياد انت جيت؟!
اردفت عايده جملتها الاخيره غاضبة وهى تُقبل على زياد الذي ركل الباب بقدمه متأففًا
- خير؟!
- شوفت، شوفت عمايل هشام أخوك يا زياد؟!
تلاعبت جفونه بجزعٍ
- عمل ايه هو التانى...
انفجرت عايدة بحنق وهى تهذي فى كلمات انطوت فى ثنايا صراخها.

- البيه، البيه اخوك جيه خد الهانم اختك ولا عملى اعتبار ؛ لا ولما كلمته رد ببرود وقال لى لقيتك مش واخده بالك منها فقولت اعفيكى من المهمة دى يا عايده هانم، وقفل فى وشي..
ثم ابتلعت باقى كلماته شاهقة واغرورقت عيونها بالدموع
- هو ليه بيعاملنى كده، ده جزاتى إنى ربيته لحد ما بقي راجل بيستقوى عليا، نسالى كل حاجه بسهولة كده؟!

زفر زياد مختنقًا من هذا الجو الكئيب الذي لا يليق به، فظل يُرمقها طويلا وبدلا ما يغمض له جفن الرحمه ويأخذها فى حضنه ويواسيها تقهقر للخلف وغادر البيت وتركها تندب حظها لحالها...
بفعله فجر كل مكنونات حزنها واسفها، فلا جدوى من ابنٍ ربته ولا ابن ولدته، كلاهما استغنوا وولوا ظهورهم غير مباليين بحزنها، بات وجعها يقرض فى داخلها كفار عنيد..

قد يضيق بنا الحال ممن هم منا ؛ فنلجأ لمن يسكننا حتى وان تجاهلنا وجوده لأعوام، افقدها ألمها عقلها واندفعت وراء قلبها لاول مرة وهاتفا منير أبو مجدى متوسله
-منير، محتاجة اشوفك أوى...
وصل زياد أمام أحد الملاهى الليليه بسيارته التى صفت بالقرب من فتاه فى انتظاره، فصعدت سيارته ضاحكة بميوعة
- فين ايامك يا زيزو، اهو أنت كده كل ما يرميك الشوق تفتكر سمورة حبيبتك..

تعمد نسيان همومه وضحك بصوت عال ثم صوب سهم انظاره على مغرياتها باشتهاء وقال
- اهو هو ده بالظبط، عايزك تنسينى اسمى..
ارتفع صوت ضحكها بسخافة
- اهو أنت ما لكش غير فى كده؟! عارف يا زيزو..
دور سيارته متأهبًا للذهاب وهى يتفقد المرآه اعلاه واجاب
- ايه؟!
- ساعات بحسك إنك مش بتحبنى زى ما انت مفهمنى و طمعان فى جسمى وبس...
التوى ثغره ساخرًا ثم حدق النظر فى بروز نهديها وقال.

- ياشيخه؟! وهما كورتين البلياردو دول يطمع فيهم بردو؟!
ترددت صوت ضحكاتها هنا وهناك مما اثار حماس زياد وهو يسقف مستمتعا
- حلاوتك ليلتنا عنب...

وضعت فجر صنية التسالى على الطاولة وهى تلقن هشام باستغراب
- هشام هو مش كفايه شرب ببسسي ياحبيبي، غلط على صحتك؟!
اعتصر الكوب الفارغ فى يده ونهرها جازعا
- يعنى صح الشط اللى كنت حطاها دى؟!
رهف بتدلل
- مالك بس ياهشام، دى كانت لذيذه موووت، و اجمد كبده أنا اكلتها فى حياتى..
حدج فيها ببصره بنفاذ صبر
- انا لما بقولك اخرسي مش بتسمعى الكلام ليه؟! عشان النار اللى جوايا دى مين هيطفيها..

كتمت بسمه صوت ضحكتها متفهمة وتكورت حول نفسها لتشاهد التلفاز، وعلى حدا اقتربت فجر من هشام وتعمدت أن تتكور بجانبه متخذة من سياج صدره مسندًا وملاذا لانتقامها هامسة ببراءة مزيفه
- مالك بس يا حبيبى، مين مزعلك؟!

باتت قدمه اليمنى تهتز سريعًا حيث زودتها بوضع كفها على بطنه ومداعبته بابهامها بحركات دائرية أفحمته واصبح وجهه مضرجًا بدماء الغضب اكثر عندما رمقها فوجدها غير مكترثه لعاقبة فعلها ومهتمة بمشاهدة التلفاز بعنايه...
بعد دقائق تعالت اصوات النقاش بصوت محتدم بين الفتيات فى منافشة أحداث الفيلم الذي لم يشغله للحظة بل بات اقصي امنياته اطفاء ما اشعلته ذكاء أمراة بجوفه..

تبدلت الشاشه لمشهد فائق الرومانسيه بين البطل والبطله ما كاد أن يهدأ لئلا يعود لثورته كرة اخرى فنفذ صبره فلم يبق عليه سلطان وترنح قائلا وهو يقفل التلفاز
- ايه قلة الادب دى؟!
هبت زعابيب رهف معارضه
- قفلته ليه ياهشام، الفيلم لسه مخلصش..
رمى الريموت متأففًا
- انت يابت ازاى تتفرجى على المسخرة دى؟! هى دى التربية اللى تربتيها؟!

- وانا مالى ياعم، هما كانوا باسونى أنا؟! منا بتفرج زيكم وبسمه كمان بتتفرج، ومراتك اهى بتتفرج، اشمعنا رهف الغلبانه يعنى؟!
افتعلت بسمه وضع الغباء وأجابت
- عشان احنا متجوزين عادى؟!
تقلصت ملامح رهف ساخره من جُملتها
- يا سلام هو يعنى حلال ليكو وحرام عليا..
وجد هشام ما يفجر كبته به، فسحب نفسه من حصار فجر ووقف ليزعق
- انت واخده بالك بتجادلى فى ايه، هى كلمه واحده مالهاش تانى، تخشي تتخمدى مسمعش نفسك..

- يووه بقي، هو مفيش غير رهف اللى تعكننوا عليها فى البيت ده؟!
تتشاجر مع خطاوى الارض وهى تسير متجهه الى غرفتها فتابعتها فجر سريعًا بعد ما القت نظرات العتب على هشام
- حرام عليك ياهشام..
وجدت بسمة نفسها بمفردها أمامه فنهضت هى الاخرى متحججه هاربه من شرور نظراته، وقالت بارتباك قبل أن تركض امامه
- طيب انا هشوف رهف مع فجر..
فرغ شحناته وهو يركل المنضده الصغيره بقدمه متأففا
- اى النحس ده بس ياربى..

ثم اقترب ناحية الاريكه وفردها فاصبحت سريرا القى بنفسه عليه مزفرا بضيق
- انسب حل فى الحريقه دى انى اتخمد..
اغمض عينه للحظة ثم فتحهما مرة اخري وصرخ متوعدا
- أنا هنام، ومن غير يمين لو سمعت نفس واحده فيكم، هنيمكم انتو التلاته فى الحجز...
ثم عاد ليغمض عينيه مرة اخرى وهو يسب فى سره متوعدا
- طيب يافجر، ماهو كله هيطلع على ميتين اللى خلفوكى، اصبري بس...
قفلت بسمة الباب بهدوء وهى تكتم ضحكتها.

- جوزك استوى خلاص، انا بقول نمشي قبل ما يكهربنا...
ضحكت رهف
- طب انا عايزه اكمل الفيلم، ماليش دعوة
لكزتها فجر محذرة
- طيب فكرى كده اطلعى بره، والله يحبسنا بجد، ده مجنون ويعملها انا عارفاه..
ثم غمغمت بحزن وضعف
- انا شغاله بتلكك وخلاص عشان هو واحشنى اوى، الله يكون فى عونه هو بقي...
جلست بسمه على الاريكه وردت
- نمشي طيب..
نطت فجر خائفه.

- لا طبعا، متسيبونيش لوحدى، دانا متحاميه فيكو، بقولكم يلا ننام عشان نفوقله بكرة..
بسمة مازحه
- والله ذنب الواد ده فى رقبتك، صعبان عليا
تدخلت رهف بعدم فهم
- هو أنا مش فاهمه ليه، هو ماله هشام يعنى، انتو مكبرين الموضوع ليه..
اقتربت بسمه منها وضربتها برفق فوق رأسها
- لا هو كبير لوحده، ده فحل الشطه اللى أكله كان كافى إنه يقوم يولع فينا كلنا بس والله طلع جامد، اسكتى بس انتى اللى مش فاهمه بس؟!

- طيب متفهمونى، بدل ما انا حاسه إنى هبله كده وسطكم..
فجر بسخريه
- فهميها ياست الدكتوره، اهى طلعت حمارة حافظه مش فاهمه..
- لا لا أنا عايزه انام، افسحى كده سبينى انام عشان دماغى هتنفجر..
نطت فجر
- لا تعالى نامى معايا، هتسبينى لوحدى! يلا يلا بدل ما يستفرد بيا، وبعدين انا قلبى خفيف وممكن اضعف اكتر منا ضايعه كده...
ضحكت بسمه بخفة
- الله يكون فى عونك ياهشام، قاعد مع تلات اجن من بعض...

عدت ليله بتوقيت سنه على قلب كل من هشام وفجر، فبمجرد ما غاصت بسمة فى سبات عميق بات قلب فجر متراقصا على اوتار التردد بين الذهاب إليه والنوم وعاقبة كل منها إلى أن غلبها النوم على الاريكه من كثرة تجولها فى الغرفه وحيرتها التى مزقت قلبها إربا..

أما عن حال هشام فهو لم يختلف عنها بل كان اسوء، فلاول مرة يتغلب عليه قلبه لتلك المرحلة، باتت خطواته متواليه بين باب غرفتها وعائق وجود بسمة وبين فراشه الذي كان عباره عن شوك غُرز فى قلبه كلما ذهب إليه، واصبح دخان سجائره العديده كسحابة سوداء تكونت من تبغه وغضبه..

تمللت فجر بتكاسل فى الصباح الباكر متألمه من رقبتها، فنهضت بتكاسل واتجهت نحو حمام الغرفه فلم تجد به متطلباتها اللازمه للاستحمام، فخرجت متأففه متجهه للحمام الرئيسي وانتهت من مخططها الصباحى..
لفت جسدها (بمنشفة) بيضاء قصيره واخرى على شعرها وخرجت من الحمام فسقطت عيونها على هشام بدون غطاء، فساقها قلبها إليه بخطوات متردده فوقفت بجواره متأمله ملامحه النائمه باعجاب واصدرت تنهيدة حارة.

- اه لو بس تبطل عناد ياابن السيوفى..
ثم انحنت لتمد عليه الغطاء ولكنها توقفت للحظة فتراجعت وجلست جانبه واخذت تمسح على رأسه بحنان أم على صغيرها محدثة نفسها
- تعرف إنى ساعات بسأل نفسي كان ليه كل ده حصل؟! اى الحكمه فى تجميعنا سوا وكل العقد اللى ما بيننا دى كلها!
ثم اخذت نفسا طويلا وواصلت.

- أنا عارفه إن الحياه مش وردى، بس والله ما اتمنيت غيرك الحاجه الجميله فى حياتى وتولع الدنيا عادى، بس بينى وبينك ارجع واقول أن تقلب الطبيعة سر جمالها وروعتها..
مالت إليه تدريجيا لتغتنم من شهده قُبلة باتت نارها فى قلبها ليلة كامله، فأكتفت بطبع قبله خفيفه على ثغره وتأهبت للقيام وألقاء الغطاء عليه ولكنها فوجئت به يمسكها من كفها بقوة..
تأوهت قليلا
- هشام انت صحيت، اااه سيب إيدى؟!

تفقدها بعيونه الصقريه فسرت فى جوفه قشعريره مبهمه وقال متخابثا
- وكمان جاية هنا برجلك؟!
حاولت تحرير يدها من قبضته القويه
- سيب ايدى ياهشام، ماينفعش كده، التكييف شغال وهبرد..
- انت كنتى بتعملى إيه من شويه؟!
شعرت برجفه الحمى التى كان سببها مكر رجل، وغمغمت
- معملتش لأ..
ضاقت حدق عينه
- لا افتكرى كده..
اصرت
- لا معملتش حاجة أنا..
فالتوى ثغره بابتسامه خبيثة
- لسه محتاجه تدريب شويه، لو ليكى نصيب هخليكى بروفيشنال..

رمقته باقتطاب
- بروفيشنال فى ايه، مش فاهمة قصدك..؟!
قطم شفته السفليه كمن يعد لجريمته، فنظرت فى عينيه لتستدل ولكن شخص مثله غريب الاطوار غير متوقع، لا تزيده التفاصيل الا غموضا، فكانت تنظر اليه مرتعشة، مرتبكه، بها شخص يخشاه وآخر يتمنى ان يضُمه لاخر العمر..

شدها اليه مباغته فانبطحت على صدره شاهقه بشهقة ألتهمها بُقبلة طويلة لا نهاية لها، قبلة كانت مزيج من الانتقام والحب انطفىء بها هو واشتعلت هى بنيران شوقها التى تثبطها مذ أمس حيث تمرغ قلبها فى فسحة حبه فطار عقلها منها وتناست نفسها..
تعمد الابتعاد عنها مجبرا وهو يتحسس ضربات قلبها التى ترد فى صدره وانفاسها السريعه المضطربه وقال بمكر
- بروفيشنال فى كده...

ارتخت اعصابها فلم تتحملها لتنهض بل استندت على صدره لتستريح من انفاسها التى تعمد كتمها لأطول وقت، مسح كفه على عنقها من الخلف وغمغم بغرور يقتله
- على فكرة أنا خلصت، ولا أنت عاجبك الوضع..
ثم اردف بصوت هادر سلل الرعب الى اوصولها
- لو عاجبك أنا ممكن اكمل؟!
تضرجت وجنتها بحمره قانية وفزعت لتنجو من براثين جنونه التى لا يوقفها أحدا، وهى تتأكد من ربط منشفتها وسبته علنا.

- عيب على فكرة اللى أنت بتعمله ده، انا غلطانه إنى جيت اغطيك، قلة الادب دى؟!
ألا سُميت القلوب قلوب لكثرة تقلبها إلا قلبى اسميته وتين لان التقلب عليه مُحرمًا، اشتعل بكِ ولك ولا يحق لناره عند غيرك ان تُوقدُ، ثبتت أنت به كمسمار يؤلم ولا يخرجُ فعليكى التحمل، تحمل سطو عشق الرجال إن وقعوا..
تقدمت راكضة حتى وصلت الى المطبخ وتوقفت لترتشف كوب مياه متأمله أن يطفأ حرائقها التى اشعلها، فتفوهت متوعدة.

- طيب يا هشام، صبرك عليا...
عادت الى غرفتها وارتدت قميص قطنى قصير وصففت شعرها ووضعت عطره المفضل وندهت على بسمه لتفيق ثم خرجت لتحضر فطار فسمعت دربكته فالحمام، فمضت بفضولها الى الباب وجدته يحلق ذقنه فتأملته فالمراة وسألته
- تحب اساعدك فى حاجة؟!
انتهى من وضع الصابون على ذقنه وشرع فى تمرير الماكينه وقال منذرا
- احسنلك تختفى من قدامى..

عاندت ودخلت وقفلت الباب خلفها ثم رفعت نفسها لتجلس على ( رخامة ) الحوض أمامه متدلله
- ليه، خايف تضعف قدامى مثلا..
ابتسم ساخرا
- الستات دول عيبهم الوحيد الاوهام اللى بيخترعوها من دماغهم..
- يعنى أنا موهومه؟!
توقف عن الحلق وقال
- لا مش موهومه، بس كلامك ده لو بتكلمى راجل عادى مش راجل أمن وطنى، الحاجات دى بالنسبة له زى البيبيسي بعد الاكل يعنى قلته من وجوده مش هيفرق نهائيا..
كظمت غيظها وقال بابتسامه منتصره.

- انت اد كلامك؟!
- المهم انتى تكونى أده..
سرقت منه الماكينه ووضعت خلف ظهرها وقالت بعناد
- هحلقلك أنا..
زفر بنفاذ صبر
- هاتى خلينى أخلص..
هزت رأسها معانده
- متقلقش، ثق فيا..
ثم وضعت ساق فوق الاخرى متعمدة ليرتفع ردائها فسقطت انظاره عليه فزفر متعبا
- انت عايزه إيه..
تصنعت البراءة
- والله هظبطلك دقنك بس..

ثم رفعت نفسها وبدات فى تمرير الماكينه بحرص على وجنته فاغمض عينه كى يحافظ على ثباته اطول وقت ممكن ولكنه إذا ظن بان الاغماض سيحميه فما سيكون مصيره من عطر فتح شهيته عليها اكثر واكثر..
تعمدت ان تلامس باناملها المتدلله عنقه تارة فصدره تاره اخرى كاظمه ضحكاتها وكاظما هو صبره للحد الذي لطخ وجهه بحمرة الغضب..
اخيرا انتهت من مهمتها فسالته بغرور
- ايه رايك فيا؟! انفع حلاقه..

فحص ذقنه بالمراة ثم ابتسم باعجاب وادرف بتخابث متعمدا اشعل غيظها
- شغلك هايل، انت خلاص بقيتى الحلاق بتاعى من النهارده؟!
كانت بيدها ( الفوطة ) الصغيره لتجفف وجهه ولكن جملته الاخيره جعلت يدها تتوقف وبدلا ما تمسح على وجهه القته بها غاضبه
- اى الرخامة دى؟!
رغم عنه تبسم وهو يرجع خصيلات شعرها خلف اذنها مداعبا هائما.

- بس متنكريش انه حلاق قمر، وشغله عجبنى وكمان حاطط البرفيوم اللى بحبه، وانا هعتبرها دعوة صريحه لحاجات انا بحبها وبموت فيها بردو...
اوشك مخططها على النجاح ولكنها تعمدت التدلل أكثر
- ده بعينك، وسع كده خلينى انزل...
اقترب أكثر متحديا
- تؤ مش لما اشكرك الاول، اثبتى زى ما انتى كده...

‏من أعمق مفاهيم الحب في التاريخ هو مفهوم الحب لدى الديانه الأغريقية وكانوا يعتقدون بأن الإنسان عبارة عن أربعة أرجل وأربعة أيادي وقلبين لكن مع مرور الزمن انفصلوا وأصبح يولد في الحياة لكي يبحث عن نصفه الآخر طيلة حياته ويكمل فراغه، وهذا ما فعل ليطبق منهجهم حيث ضمها إليه مشتاقا وواصل من بدأه صباحًا واخذ يمرر انفاسه على جدار عنقها متمتما بكلمات حب غير مسموعه ولكنها محسوسه..

فأفشل مخططه صوت رهف وهى تطرق الباب..
- ياهشام انجز عاوزه الحمام..
فابتسمت فجر منتصره فقطمت شفتها منتشية وهمست فى اذنه بشماته
- لو كانوا دربوكم على الثبات الانفعالى فالحرب، فأكيد نسيوا يدربوكم عليه فالحب..
ثم طوقته مستنده عليه لتهبط وقالت جُملتها الاخيرة بنبرة قائد منتصر
- واحده قصاد واحده، نصيحة بلاش تدخل حرب ضد نفسك وضد واحده متربعه جواك، هتخسر وهيبقي شكلك وحش..

ثم غادرت وفتحت الباب فتابع خُطاها مغلولا فرمقتهم رهف بذهول
- انتو كنتوا بتعملوا إيه؟!
- كنت بحلق له دقنه يا روفا وبس...
تجاهلت رهف تخابثهم ودخلت الحمام، فسار هشام خلف فجر ولقنها مبررا لموقفه
- كنت هشكرك وبس على فكرة، شوفى بقي إنت دماغك بتروح على فين هاتيها من هناك؟!
وقفت على الموقد لتسلق البيض وقالت ضاحكة
- انا دماغى موديها هناك مخصوصا عشان تبعد بس عن دماغك اللى مش عارفه بتفكر فى إيه وهى هنا معايا...

زفر مغلوبا
- اصطبحى..
ضحكت متدلله
- مااحنا اصطبحنا خلاص، ولا ده كان شق ريق..!
دخل المطبخ خلفها مغتاظا على كبريائه الذي حطمته وقال
- لالا، دى كلها تسالى، أنا بتاع البروتين والاكل كامل الدسم، ولو تحبى اوريهولك دلوقتى مستعد..
قال جُملته وهو يميل نحوها فصدته بكفها الصغير الذي وضعته على ثغره لتفشل مخططه محذرة
- البنات هنا، اتلم عيب..
فى تلك اللحظه خرجت رهف وهى تسأله بصوت عال
- هشام أنت اجازتك هتخلص أمتى؟!

بلع حصي كيدها الانثوى وحدج كفها بتوعد
- هقطعها...
قربت رهف منه
- هى ايه هى اللى هتقطعها ياهشام؟!
غمغم متأففا
- الاجازه، الاجازه يارهف هقطعها..
خرجت بسمه من الغرفه
- هشام عايزاك، ممكن...
- خير يا بسمة؟!
تابعت بسمه خُطاه حتى جلست بجواره على المقعد وقالت
- انا عايزه حقوقى من اخوك زياد..
رمقها بعدم تصديق.

- هو حقك وكل حاجه، بي متقنعنيش إنك مفلسه للدرجه اللى المليون جنيه بتاع زياد هيغنيكى؟! اللى اعرفه أن ليكى التلت فالارباح السنويه من الشركه عند خالتك؟!
ارتبكت
- وده معناه انى اسيب حقى، لا ياهشام؟!
اخفض صوته متحدثا بحكمه وسألها
- بسمه، إنتى مبسوطه؟! يعنى حاسه بايه بعد ما اطلقتى؟!
اجابته بشك راه فى عينيها
- ااه، ايوه، مبسوطه..
- بس اللى انا شايفه غير كده؟!
حدجته خائفه
- اللى هو ايه؟!
تحمحم بخفوت ثم اطرق قائلا.

- عقلك مش مستوعب أنك خلاص مش هتشوفى زياد تانى، فبيتلكك، عايز يخترع أي حجه عشان تتقابلو تانى حتى ولو هتتخانقوا، عارفه علاقتك بزياد عامله زي إيه؟! زي حتة زجاج بتوجعكم وانتو بردو مصممين تشيلوها فى قلبكم وكل شويه تحركوها عشان يعوضكم وجعها عن الحب اللى اختفى مابينكم..
اصابها كلامه فى مقتل ؛ ولكن كبريائها أبى الاعتراف واستنكر
- لا، لا طبعا..

- ردك عليا مش هيفيد بحاجة، انتى فكرى بينك وبين نفسك، وشوفى عايزه ايه، بس من رايي تتجنبى زياد خالص عشان قرارك يبقي من عقلك...
شردت بسمه فى حديثه الذي واجهها به هشام حتى ولو كان اشد قسوة ولكنه كان لا بد أن يُقال، رصت رهف الاطباق على المائده وقالت..
- هشام، كلم فجر، عايزاك جوه...
نهض فاستولت عليه رغبة ألتقاءها مفكرا
- هى مش ناويه تجيبها لبر...
وصل اليها فطلبت منه ببساطه
- ممكن تقفل الباب؟!
رمقها بخبث.

- إيه قررتى تيجى أنت ودماغك لعندى ولا إيه؟!
- شوفت بقي مين اللى بيخترع أوهام؟!
ثم قفلت باب الخزانه واقتربت منه
- هو مين اللى جايب اللبس اللى فالدولاب ده، ولا هو مش ليا؟!
تعمد اللعب على اوتار غيرتها، فاجابه فى تودة
- والله مش فاكر مين جابته بالظبط، بس انا شاكك فى ميرنا لان المفتاح كان معاها، ذوقها مش حلو؟
قطمت على شفتها متعجبة من وقاحته ولكنها داعبته بذكاء.

- لا ذوقها جميل، بس حاسه انه مش عاجبك، عشان كده حبيت اسالك، البس انهى بيجامه، دى ولا دى؟!
حك رأسه ثم تابع حديثه بصوت خفيض محتارا ثم زفر لامباليا
- مايفرقش معايا، سواء دى ولا دى، كلهم مصيرهم واحد بالنسبالى...
تنحنحت بخفوت
- يعنى إيه مصيرهم واحد؟!
تقلصت المسافه بينهم ويفحصها من راسها للكاحل
- تحبى اعرفك مصيرهم إيه دلوقتى؟!

كورت اصابع قدمها بارتعاب وهى تلصق ظهرها بالحائط فلم يكف هو عن الدنوء منها وسألها هائما
- لعبة القط والفار دى هتستمر كتير؟!
هزت رأسها نافيا وهى ترمقه بعيونهت الزائغه
- انا مش بلعب..
بلل حلقه وتعالت انفاسه
- طب ايه تفسير اللى بيحصل ده؟!
انخفضت نبرة صوتها بعتب
- مش انا قولت إن الموضوع مايهمكش واحنا اتفقنا نمثل قدام البنات، كده وكده يعنى...
حرك كفه الاخر ليدلك به جدار عنقها فانتفضت وقال بفظاظه.

- لا ماهو خلاص بقي يهمنى، وانا عجبتنى التمثلية وناوى اقلبها جد بقي..
بللت حلقها عدة مرات وتراقصت جفونها
- انت عايز ايه؟!
فكر للحظه ثم اجاب
- حسابك تقل، وعقابك بقي اتقل ؛ فأدعى ربنا إنك تطلعى من تحت ايدى فيكى النفس..
- ليه كده؟! أنت هتقتلنى؟!
دنا منها اكثر ليخدرها بأنفاسه وقال
- ممكن بس مش اكيد، بس الاكيد إنى هقتل العند والغرور اللى جواكى، عشان هشام السيوفى مش بيحب الست اللى تعمل راسها براسه...

- يعنى عشان موحشتكش؟!
آهات مُلتاعة صاحبت نبرة صوتها المرتعشه فكانت ارق من نسيم الربيع التى جعلته يحن داخليا وقال بصوت خفيض حاد
- قدامك حل من التلاته، ياما تسربي البنات اللى بره دول، ياما تخترعى اي حجه وتيجى هنا تقعدى معايا ما تتحركيش لاخر اليوم، ياما نسيبلوهم احنا البيت واخدك نصفى حسابنا فى اى مكان تاني، ها هتختارى ايه؟!
- انت مخوفنى على فكرة...
انكمشت اكثر وهى تحدثه بنبرتها المهزوزه ؛ واجاب بكبر.

- ااه، ماانتى لازم تخافى شوية..
ارتعشت شفتيها وفكرت للحظه ثم حسمت أمرها عازمه الفرار منه، فثنت ركبتيها لتهرب من تحت حصار يده ولكنه افشل مخططها بمخالبه القويه واحتدت نظراته الانتقاميه
- قولت بطلى حركات العيال دى، ومفيش مهرب..
- طيب مين ميرنا دى؟!
هدأ قليلا
- معرفه قديمة...
فحزنت متأسفه
- خلاص روحلها..
- ماهو مش بمزاجك على فكرة، هتخلصي ولا اخلص أنا؟!
فجر بمكر:
- طيب هو الموضوع يهمك أد ايه؟!

-- لدرجة إنى هطربق البيت ده فوق نفوخك لو منفذتيش...
كور قبضته وضربه بها ضلفة الخزانه بجوار اذنها فارتعد مغمضة كلتا عينيها وجهر
- خلاص خلاص، موافقة و الله..
تنهد بارتيااح مشجعا
- ايوة كده، كل ما تسمعى كلامى عقابك هيخف...
- طيب هطلب طلب أد كده عشان اقدر انفذ...
امتعض بغضب
- بت انتى انا صبرت عليكى بما فيه الكفايه..
ترجته بخفوت مشيرة بسبابتها وابهامها الملتصقتين
- قولت اد كده؟!
- انجزى...؟!

- قول لى إنى وحشتك ومش قادر تستغنى عنى ؛و انك سامحتنى وبتحبنى وبتموت فيا كمان؟!
- تصدقى انا اللى غلطان عشان بتفاوض مع عيلة زيك!
ثم انحنى بغل ليلفحها على كتفه فصرخت متوسلة
- البنات بره ياهشام يخربيتك؟!
فانقذها صوت رهف العالى
- هشاااااااااام تعالى مجدى جييييييه هنا عايزك...

يجوب زياد فى الشوارع بسيارته بسرعة فائقه وكأنه يهرب من شبح يطارده فى كل مكان بعد ما لبى له كل متطلباته ؛ ولكنه لا يعلم ان شبحه يسكنه لا مهرب منه..
للحظة اصدر هاتفه صوتا تنبيها بوصل رسالة جديده، تناول الهاتف ممتعضا وقرأ الرساله المرسلة من رقم مجهول
- ( خلى بالك على رهف اليومين دول، لانها واقعه وسط شله مش تمام وناويين لها على خير، خلى بالك منها ).

ما لبث ان انتهى من قراءتها ففزع مصدوما على صوت ارتطام سيارته بالاخرى وانحرافها اقصى الطريق مقلوبة على ظهرها..




أمنيتى تلك الليله 4فبراير بتوقيت العالم، 30يوليو بتوقيت قلبى، ماذا لو اخترعنا طريقة مُغايرة في الحب؟ لِمَ لا نبدأ من الخاتمة؟ نفترق أولا ثم نلتقي إلى الأبد، بدلا من لقاء استمر بضعة أيام ودام فراقه لعوامٍ..

خرجت هشام من الغرفة جامحًا بعد ما أوصد الباب خلفه بقوة رجته حد الانخلاع فوضعت فجر كفها على صدرها متنهدة بارتياح، مُعاتبه نفسها على غباءها
- ياغبية؟! ايه مش عارفه تمسكى نفسك قدامه ٥د بس! بتنسي كل حاجه كده؟! هو بيعمل فيا ايه، الحمد لله مجدى جيه فالوقت المناسب...
وصل هشام لصاله شقته وكان مرتديا ( ترينك) باللون الاسود الذي يعكس شخصيته واردف مختنقًا
- دايما مواعيدك زى وشك..

وقف مجدى ليصافحه ثم حضنه ضاحكًا
- دا وش تقابل بيه ابن عمك اللى مشفتوش من ٥شهور، والله وحشتنى يا سيوفى..
ربت هشام على ظهره بقوة ومازحه
- يعنى ليك خمس شهور مُختفى ؛ مفتكرتش ابن عمك غير الساعة دى
ابتعد وقال
- بس اي اللى لم الشامى على المغربى، شايف إن الحبايب كلهم عندك..؟!
لكزه مستنجدًا
- ما تاخدهم وتبقي جِميلة فى رقبتى لاخر العمر..

ضحك مجدى وشرع أن يرد عليه، ففوجئ بظهور فجر مرتديه ( دريس طويل ) وفوقه حجاب، فبادلها التحيه ثم مال ليهمس فى آذان هشام متفهمًا
- اااه طيب ما تقول كده! وانا اللى كنت جاى اقعد عندك يومين افك فيهم عن نفسي، لقيتك محتاج اللي يفكك..
- اااه، ماهى المشرحة ناقصة قُتلى يا مجدى...
مجدى مداعبا
- خلاص يا عم ما تزوقش، فاهم فاهم، دانت شكلك جايب آخرك..
آتت رهف وبيدها كاسة العصير فاتسعت ابتسامة مجدى مشتاقًا.

-هونت عليكى كل ده متسأليش عنى؟!
حدجه هشام بحدة
- وتسأل عليك ليه؟!
اخذ مجدى كوب العصير وقال جازعًا
- وانت متعصب ليه؟! ابن عمها ياخى متسالش ليه بقي؟!
- احنا عيلة قليلة أصل، ومابتسألش على حد ارتحت؟!
ارتشف مجدى كوب العصير منزعجا من قسوة ردود هشام، فلكزه
- ما تطريها معايا عشان اطريهالك..
تهامس هشام معه
- هتعمل ايه يعنى..؟
اجابه بثقة
- جربنى؟! المهم عندى شوية أخبار من وش القفص زي ما بيقولوا..
قطعتهم فجر متدخله.

- هشام يلا عشان الفطار..
ربت هشام على ركبته متحمسًا
- قوم قوم نفطر الاول وبعدين هنتكلم..
على مائده الفطار، رحبت به بسمة وسألته بتلقائيه
- عاش من شافك يا حضرة الظابط، اى الغيبة دى؟!
ضحك ساخرا وهو يفرد بالسكينه المربى فوق التوست وقال
- كنت شغال قهوجى أد الدنيا..
تبدلت النظرات الساخره فيما بينهم، فقطعه هشام مستهزئ
- انت الشغلانه عجبتك ولا إيه؟!
مجدى بحسرة
- متفكرنيش، يوم اسود ومنيل ؛ المهم أن الدنيا خربانه..

ابتلع مجدى باقى كلماته عندما لاحظ فضول البنات يلتهمه فابتسم
- اى يا جماعه التركيز ده، دى اسرار أمن دولة..
للحظة نبتت براثين الشك ناحية فجر فى جوف هشام فضغط على ساق مجدى محذرا وتوقف على الاكل غاضبًا وحدجه بحرص عندما تذكر افعالها السابقة لاحظته فجر فاسرت وجعه فى نفسها ونهضت مستأذنه
- انا شبعت، البيت بيتكم...

ذهبت الى غرفتها باكيه متنحبة، فرمقه مجدى بنظرة فهمها فتراجع هشام مرغمًا بمقعده ومضي خلفها آسفا فوجدها منهارة فى حضن فراشها..
نظرت بسمه لرهف مستعجبة، فسالتها
- هو حصل ايه؟!
رهف بجهل وهى تحدج مجدى باستغراب
-معرفش، فاهم حاجه؟!
طأطأ مجدى رأسه فى الطبق وواصل تناول فطاره
- كلو كلو...
وقف للحظة على اعتاب الباب ثم قفله وتقدم نحوها، فاعتدلت لتجفف دموعها سريعا واردفت بصوت هدر
- معلش انا تعبت شويه بس..

جلس بالقرب منها وسألها متخاذلا
- إنت ليه خدتى الكلام عليكى، مكنش قصدى؟!
طوت كلماتها فى حضن شهقاتها المتتاليه وسألته بأسف
- انت لسه قلقان منى يا هشام، لسه مش واثق فيا؟!
أخفض انظاره ارضا لانها تلك الحقيقه التى لا تتغير وإن حاول تجاهلها، ثم اجابها بهدوء يتوارى خلفه ضجيجه
- خلينا متفقين إن اللى حصل سبب فجوة كبيره ما بينا؟!

ثنت ركبتها وحضنت كفه بيدها المرتعشة ورفعته لمستوى ثغرها فانصبت دموعها وحبها فى باطن كفه وتحدثت
- محدش فينا اختار، الكل كان مجبر ؛ لا انت اخترت تتجوزنى ولا أنا اخترت اخدعك، أنا كنت تايهه..
ثم اسكتتها صوت شهقتها العاليه الممزوجه بوخزات الوجع
- ولا كان البعد هيريحنا، ولا القرب هيرجعنا زى الاول، يبقي إيه الحل، قول لى..!
طبق كلا شفتيه بقوة متأسفة على حالتهم دافنا حزنه وقال.

- لما عملتلك المفاجأة كنت بتحجج ؛ مكنتش عارف أنا هقول إيه ولا بعمل كده ليه اصلا، لاول مرة كنت سايب نفسي للموج، كنت واثق إنك هتتكلمى وتقولى كل اللى أنا مش قادر اقوله، وتهدمى كل المسافات اللى ما بيننا..
ثم سكت للحظه عندما التقت اعينه الحاده بعيونها الهالكة بدماء الحزن وأكمل
- عارف إننا لو رجعنا فى حاجات كتير ممكن مترجعش بسهولة، زى الثقه والشك والخوف، بس على الاقل فى احتمال إننا نرجعها واحنا مع بعض..

فقاطعته باكيه
- أنت مش مجبر تكمل حياتك على احتمالات، يبقي نبعد وكل واحد يحتفظ باللى فى قلبه للتانى، كده افضل من حياه مهددة بالموت فى أى لحظه..
فبادرها بتلقائيه
- ما أحنا بعدنا؟! كانت إيه النتيجه؟! أنت قدرتى تتخطى وجودى فى حياتك؟! ولا أنا كمان مبطلتش ادور عليكى فى كل واحده تقابلنى، وماعرفتش اقتلك جوايا بالرغم من رصاصي اللى كان بيقتل كل حاجه حوليا بضغطه منى!
هزت رأسها رافضة.

- كل ده هينتهى مع الوقت، بس إهانتك وشكك فيا طول الوقت هيقتل كل الحلو ما بينا..
مسحت دموعها واكتسحت بأهدابها تفاصيل غرفتهما التى افتقرت ضمهم معًا، وواصلت
- لما مجدى اتكلم بره عن شغله خليته يسكت عشان للحظه شكيت فيا ؛ ما بالك أنت بقا هتقدر تأمنى على نفسك وقلبك وبيتك وولادك، هتقدر ترجع اخر الليل تنام فى حضنى وتحكيلى عن كل اللى مضايقك ولا هكون بالنسبة ليك سد رغبة وتخفيف وجع؟!

نصب عوده حائرا معاتبا الحياه عن قسوتها وعن محاربتها لنا فيما بثته فى قلوبنًا، و
- كل كلامك صح وهو اللى كان باعدنى طول الفترة دى، بس امبارح لما نزلت وفكرت مع نفسي لقيت إن مفيش حل غير إنى امشي ورا قلبى وارمى كل المخاوف دى فى النيل، كنت راجع وناوى افتح معاكى صفحة جديده عشان قلبى اللى عايز كده، عايز يديكى فرصة تانية ولانه بعدك مش هيقدر يدى فرصة اولى لأى واحدة...
ثم امتعض متأسفا.

- بس رهف وبسمه الله يسامحهم بقي..
وقفت على السرير مستنده على ركبتيها لتعانقه بحب عصف بهما لاحضان بعضهما، فانفجر شلال الدموع فى صدره معتذرة
- انا اسفه ياهشام، أسفه بجد، معاك حق فى كل اللى قولته، وزى ماانت قررت تدى قلبك فرصه تانيه انا همسك فيها بابديا وسنانى ومش هسمح لاى حاجه تفرقنا، واى حاجه بعد النهارده تهون طالما أنا جمبك ومسنودة عليك..

طوقها بذراعه القوى وضمها إليه اكثر كأنه هو من يحتاج لحضنها وليس هى ودفن انفاسه فى جدار عنقها، وعاد الحب المضمور تنبت زهوره بداخلهم، رفعها بذراعها فباتت معلقه فى سماء حضنه مطوقة بأنفاس شوقه، ثانية رجليها كى لا تفيق من الطيران هواها إن لامست الارض، وغمغم ممازحا
- مايصحش تكونى فى حضن هشام السيوفى وتعيطى، إنت عايزاهم يقولوا عليا ايه؟!
- أنا بعيط عشان خلاص رجعت مكانى ومش عايزه ابعد عنه تانى...

لم يُجيبها تلك المرة بل سبق رده صوت قفل الباب بالمفتاح، فتدلت مبتعده عنه وسألته
- انت بتقفل الباب ليه؟!
ابتسم مشتاقًا
- الاتفاق اللى حصل ما بينا ده لازم نختمه بختم النسر...
حاولت الهرب منه ولكنه تلقاها على ذراعه واوقفها
- هشام، انت نسيت الناس اللى بره؟
- تلاقيهم ميشيوا، منا متفق مع مجدى يظبط لى الدنيا..
تراجعت للخلف متوسله
- ياهشام، بطل بقي وافتح الباب..

- مش بمزاجك ياحلوة، خلاص وقعتى فى زنزانة هشام السيوفى...
فركت كفيها متوترة
- ماهو إللى إنت بتفكر فيه ده ما ينفعش خالص؟!
نفذ صبره متأففا
- متحسسنيش إنى جايب بنت اختى معايا هنا، انجزى وبطلى عناد..
فكرت بحيرة لتهرب من حصاره
- ياااربي منك، طيب قرب عايزة اقولك حاجه..
- حاجة إيه؟! مفيش غيرنا هنا، قولى..

- ياهشام بقي، ماهو بصراحه فى اعذار قهرية تمنع اللى فى دماغك ده خااااالص، ووسع كده خلينى اخرج للناس بدل ما يفهمونا غلط...
غض على شفته مغتاظا
- اااه يابت ال****، طيب اعمل فيكى ايه؟!
ترجته باصرار
- يلا افتح بقي...

ثم اقتربت منه وطبعت قبله هادئه على خده فألتقت عيونهما للحظة ‏فتبسمت بحب أفحمه اكثر، اكل شفته السفليه من كثرة الغضب وغيظه منها فاستدار مجبرا وفتح الباب وخرج وهو يضرب كف على الاخر ويسب فى نفسه علنا
- هشام علي سنين هشام على فقر هشام...
ثم صاح مناديا بقوة
- مجددددددى...
كان يجرى مكالمه هاتفية فى الشرفه قطعها مجيبا
- جايلك حالا..

فوقف على رأس الطاولة يتفقد بسمه ورهف اللاتى تبسمن إليه بخبث استقبله بضجر وقال
- منورين..
رهف متدلله
- ربنا ما يحرمك مننا أبدا ياهشام..
كشر فى وجهها اكتر
- يارب ياختى
اتى مجدى على الفور وطلب من رهف بعشم
- رهف، اتنين قهوة مظبوط الله يخليكى..
- مين قال لك تطلبلى قهوة؟!
كأنه وجد ما يفرغ فيه شحناته السلبيه فبات يتمسك بذيول الكلمات ويصنع منها شجارا، فاجابه مجدى
- ومين قال لك إنى طلبتلك، الاتنين ليا لوحدى..

تنهد بهدوء
- اه بحسب، ثم نظر لرهف خليهم تلاته طيب..
رمقها مجدى ضاحكا بسخريه وقال بصوت عال
- حالك يصعب عالكافر يابن عمى..
ثم مال موشوشا
- الحب مبهدلك..
دفعه هشام بقوة وبغل
- طيب يلا ياخفيف، عندنا زفت شغل ؛ امشى قدامى..

تقف رهف فى المطبخ وترمق مجدى بخجل يحوى دموع الندم بمقلتيها بقلب حار اشتعل تلك اللحظه بحبه فغلت عليه قهوته وغمغمت باسف ( اعلم بإن الحياه بين يديك لا تؤذي ولكننى عاندت )، فارت قهوتها فاختفى وجهها فسكبتها واعدت غيرها على مضض، ثم وضعتها مرة آخرى على الموقد ومسكت هاتفها وقررت أن تكتب له رسالة نصية بدلا من صمتها القاتل وعيونه المتوهجة بالشوق.

- ((((وحشتنى أوى على فكرة، وكنت محتاجالك أوى الفترة اللى فاتت ))))
ثم ضغطت على زر ارسال وعادت لتصب القهوة فتلقى مجدى الرساله التى قطع صوتها حديثه، وفتح هاتفه
- استنى...
سها مجدى للحظه من هول رسالتها الغير متوقعة فرفع انظاره وجدتها غير مباليه ومولية ظهرها مشغولة فى رص فنجانى القهوة، فساله هشام
- في حاجه حصلت..؟!
قفل مجدى هاتفه وهو يهز رأسه نافيا.

- لا، لا مفيش هكملك، المهم أن منصور الشاذلى ده طلع داهيه، مصيبة من مصايب الزمن...
هشام بحماس
- مسكت عليه حاجه؟!
- بلاوى، بس ما وصلتش للى عايزينه..
تقدمت رهف بخطوات متباطئه خافضة عينيها لاسفل بخجل، فابتلع مجدى باقى كلماته ورمقها بشوق هز الصنيه فى يدها وغمغمت
- يارب تعجبكم..
اندفع بحب وهو ياخذها منها
- تسلم ايدك يا ست البنات..
فاتسعت ابتسامتها وقالت بحماس
- انا عملتها زى ما جوجل قال بالظبط..

اخذ هشام فنجانه خائفا
- ربنا يستر، روحى اقعدى مع البنات جوه عشان بنتكلم فى شغل..
ارسلت لمجدى ابتسامه خافته هزت قلبه وولت ظهرها متأهبه للذهاب حيث شرع هشام بارتشاف القهوة فتغيرت ملامحه وهدف مشجعا
- عاش يارهف فعلا القهوة زى ما جوجل قال، بس الملح زاد منك...
دارت اليه باسف
- هو طلع ملح مش سكر؟!
كتم مجدى صوت ضحكاته وهو يرشف القهوة ويبتلعها مرغما
- ياريتنى ما كنت طلبت..

ضحك هشام بصوت عال على فشل اخته ونظر لمجدى مازحا
- عرفت انا مش عايز اجوزها ليه؟!
فتلهف مجدى متحمسا
- ياسيدى وانا راضي وابن عمكم وهيستر عليكم بردو...
- اتلهى...
هربت رهف سريعا من امامه متاففه وهى تدندن
- يخربيت غباءك، عقلك راح فين بس..
ثم دخلت الغرفه عند فجر وبسمه، فطلبت منها فجر ان تقفل الباب سريعا، ثم اخفضت صوتها وقالت
-(( عايزه أعمل حاجه ؛ وانتو لازم تساعدونى، )).

عوده لمجدى وهشام الذي يتحدثان باهتمام، حتى اردف مجدى
- بص ياهشام، ياما تحاول انك تفتح سكة للبت ميان دى وتدخل وسط جماعات ابوها وتبقي واحد منهم ودى حاجه مش صعبة، يأما فجر وعايده هانم يتحدوا معانا ويوقعوا البت دى فى شر اعمالها، لان وراها سر كبير وانا حاسس إنه هو مربط الفرس...
هشام معترضا
- لالا ومن امتى أحنا بنشتغل مع ستات، خرج فجر وعايده من الحوار ده، والبت دى سيبها عليا...
مجدى بشك.

- هشام، متنساش فجر، بلاش تخرب العلاقه مابينكم طالما رجعتوا..
- متقلقش انا مش غبى عشان اخسرها، انا هقلبها فى راسي الاول وارد عليك..
رمقه مجدى بخبث
- ياولااااه ياحنين انت يابتاع المكسب والخسارة، عايز ابقي عمو كده بعد كام شهر...
- أنت عارف يامجدى لو بس تشيل عينك دى من حياتى هتتظبط والله..
ضحك مجدى وطمئنه.

- شلتها خلاص، يلا قوم ألبس عشان ننزل، سيادة اللواء مستنينا، عشان فى حاجات مهمه عايز يقولنا عليها وبالاخص ليك..
نهض هشام ليرتدى ملابسه، فطرق الباب ودخل وبالتالى خرجن الفتيات فتوقفت فجر امامه وسألته
- اساعدك فى حاجه..
اجابها بعجل
- لا انتى تختفى خالص كده من قدامى لحد موانعك ما تسمح، اااه وكمان سدالك ده ميتقلعش انت فاهمه..
- خلاص براحتك هطلع اهو...

اخذت هاتفها وقفلت الباب بسرعه ثم ركضت نحو مجدى وطلبت منه بحذر
- مجدى، هات رقمك كده الاول..
مجدى باستغراب
- مفيش مشكله بس ليه..
فجر بحرص
- عايزه اعمل مفاجأه لهشام بكرة، وانت هتساعدنا، بس اوعى تقوله...
ابتسم مجدى مرحبًا بالفكرة
- جيتيلى فى ملعبى، دا اتش ده حبيبي..
ثم انتوى له سرا
- السف والقر هيكون عليك للسنة الجايه يا سيوفى...

خرج زياد من باب المشفى بعد ما جبس ذراعه الذي كُسر إثر حادثته التى نجا منها بأعجوبة فشاور لاحد سيارات الاجرة وصعد بجوار السائق فكان رجلا مسنًا فاخبره بالعنوان والتفت يتفقد الطريق وهو يزفر مختنقا، فسأله العجوز
- استغفر ربنا يابنى، إن مع العسر يسرا...
فرمقه مغلولا وزفر قائلا
- هو انا ليه بيحصلى كده؟! ليه كل حاجه جاية معايا عكسي..
ابتسم الرجل بحكمة ثم قال.

- قضاء ربنا هو اللى صح حتى ولو جيه عكس رغبتنا..
اتخذ كلامه ببعض من السخرية والقنوط
- وايه حكمة ربنا فى إنى اسقط وايدى تتكسر وكل المصايب اللى شغاله ترف فوق دماغى؟!
لم يخل حديث السائق البسيط من الابتسامه والرضا.

- العبد لما يُبتلى لازم يفرح يابنى، يفرح لان ربنا مطلع على قلبه وشايف الخير جواه بالرغم من تصرفاته، فبيبعتلوا الابتلاءات دى عشان يفوق، ويصحى من غفلته، ويراجع نفسه ويشوف هو بيعمل، اكيد فى ذنب كبير فى حياتك ربنا عايز يفوق منه..

راجع زياد شريط حياته طوال الثلاثين عاما فلم يجد حسنة واحدة فى سجل اعماله، فهو لم سلك نهج شيطانه من زنا وفسوق وعقوق وكذب وخداع وألم، هنالك شيء خاطئ يحدث غير مألوف عن الحياه الاداميه، فأى نجاه واستقامة ينتظرها..
فاق من شروده على صوت هداية السائق.

- اهم حاجه سلامة قلبك ياولدى، ( إلا من اتى الله بقلب سليم ) وطالما لسه فيك النفس يبقي باب التوبة مفتوح، اقولك اسمع كلام ربنا وهتلاقي فيه راحتك، واسباب وجعك، وابعد عن طريق الشيطان
ثم علىّ صوت المُسجل فاشتغل صوت (مشارى) بالاية الكريمه التى خرطت قلبه.

(وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ).

فى احد المطاعم الفارخه، تجلس عايدة بصحبة منير منفجرة فى البكاء
- كل عيالى سابونى يا منير، حاسه إنى بقيت لوحدى خلاص، حاسه إنى بموت..
لأول مرة يرى دموعها التى بخلت بهما عليه فى لحظه فراقهم ولو رأهم حينها لهد الجبال لتبقي له ولكنها تحدت واستكبرت، احتضن كفيها مواسيا
- طيب أهدى، واكيد عندهم مشاغلهم..
هزت رأسه نافيه واحتضنت كفه.

- دول سابونى خلاص، هشام وخد اخته وزياد فى دنيا تانيه، انا حاسه هتجرالى حاجه، منير ساعدنى ارجع عيالى يا منير...
انتقل من مقعده وجلس بجوارها ليواسيها
- أهدى اهدى، حاضر انا هتكلم معاهم بس متعمليش فى نفسك كده..
رفعت انظارها المعاتبة إليه واردفت بضعف.

- ياريتنى ما عاندت وياريتك ما سبتنى، انا اللى بدفع التمن من يومها لحد ما اخوك عرف بعلاقتنا السابقة وخلي حياة البيت كلها جخيم لحد ولادى اللى اهملت تربيتهم، مش ولو كنا اتجوزنا كانت حياتنا هتبقي أحسن، شوفت يامنير ادينا بندفع التمن...
اطرق بقلة حيلة بعد ما اشعلت مشاعره المدنونه اليها وقال
- الكلام فى الماضي مش هيغير أى حاجه، احنا ولاد النهار ده...
رمقته بعيونها الباكيه وبنظره رجاء
- هتساعدنى يا منير..

ضم كفها بقوة من تحت الطاولة وابتسم
- هساعدك يا عايده..

حل المساء فعاد هشام الى شقته متأخرا، فاول ما التقمته عينيه نوم فجر على الاريكه التى غلب النعاس انتظارها، فوضع مفاتيحه بحرص الا يصدر صخب واقترب اليها وشمر بنطاله جاثيا على ركبتيه مقابلها، فمسح على رأسها بحب وقال
- حد ينام هنا بردو؟!
تململت بخفة وتراقصت جفونها متفوهه بصوت يغلبه النوم
- انت جيت؟! ليه التأخير ده كل..؟!
اصدر ايماء خافته
- الشغل ياستى ما بيخلصش..
اعتدلت فى نومتها بمساعدة على كفه وقالت.

- هحضرلك عشا..
- دانت النوم مضيعك خالص..
هزت رأسها مصره
- لالا هعملك حاجه خفيفه كدة.
- ياستى اكلت مع مجدى، يلا قومى نامى جمب بسمه.
تتثاوب بتكاسل ثم اطرقت
- لا بسمه مشيت عشان عندها امتحانات..
اتسعت ابتسامته ولمعت عيونه بفرحه، فحملها فجاة وهو يقول
- تمام، يبقي تعالى أوصلك لجوه..
فر آخر عصفور للنوم من فوق جفونها اثر عطره القوي وقربه المفاجئ، فهمست بحب مستنده على صدره ولفحته بذراعها وقالت متدلله.

- استنيتك كتير، لحد ما روحت فالنوم..
- تانى مرة متستنيش، نامى على طول لان مواعيدى مش مضمونه..
تعمدت فك اول زر من قميصه بدلال
- مقدرش طبعا، لازم استناك لحد ما تيجى واطمن عليك كمان..
تحمحم بصوت عال عدة مرات محاولا كبح جيوش شوقه التى موجتها بقلبه، فرمقها منذرا وهو يدخل بها الغرفة
- كمان؟!
ثم انحنى ووضعها برفق مبتسما
- طيب نامى يلا..
فوجئ بها تحوى كفها وسألته
- مش هتنام جمبى؟!
اجابها متخابثا.

- أنتى عايزانى انام جمبك؟!
اصدرت صوتا نافيا بدلع
- تؤؤ، مش عايزاك تنام جمبى...
انكمشت ملامحة لوهله فلحقت نفسها ووثبت قائمه كطفله مدللة واخذت تعبث بعشوائية فى ازار قميصه ثم قالت بحياء وهى تقطع شفتها السفلية
- انا عايزه أنام فى حضنك..
تغنجها ودلالها المُبرح صهر جبل الجليده بجوفه حتى ذاب بها ولكنه لازال محافظا على ثباته وثقله
- هو حضنى مُريح للدرجة دى؟!
انخفضت نبرة صوتها حد وصوله الى آذانه همسًا.

- بالنسبة لى فوق ما تتخيل..
نزع حذائه وشرع فى تبديل ملابسه مبتسما ومستريحا من الداخل، سعيدا بوجودها معه مسحورا بدلالها الذي خدره، انتهى من نزع ملابسه واكتفى بارتداء بنطال فضفاض ثم فرد ظهره بجوارها، فبسطت ذراعه ونامت عليه وطوقته مستريحة وقالت
- هشام، احكى لى حدوته..
اقتطب جبينه مذهولا
- ودى بتتحكى ازاى؟!
- عادى ياهشام حدوته..
- لالالا، تؤ ماليش أنا فى الجو ده..
تغيرت نبرتها مفتعله الزعل.

- يعنى مش هتحكيلى؟!
فزع من نومته منحنيا إليها مستندا على ذراعه حتى باتت عيونه تعلو عيونها بحماس
- طيب ما تحكيلى إنت، وتقوليلى هفضل متعذب كده لحد أمتى...؟!
تلاعبيت بحدق عينيها كاظمه ضحكها
- يعنى ٤ ايام كده..
ابتسم مغتاظا وهو يجز على فكيه
- يبقي عليكى بخير الاجازه الجايه بقي، نامى..
- حاضر..
احتدت نبرته الامره
- غمضي عينك يلا..

استجابت على الفور، فعاد هو لنومته مزفرا وعادت هى سريعا لتختبىء فى حضنه بعد ما قبلته قبله سريعه فى وجنته
- تصبح على خير ياحبيبي...
اكتفى بضمها إليه بدون إى رد متنهدا بكلل ثم اطفىء النور بجواره وظلت جملة اللواء نشأت تتقلب فى رأسه قالقا
- ((( اللى اسمها ميان دى لغز كبير أوى، واحنا لازم نحله ياهشام، وانت المدخل الوحيد للبنت دى ))).

 

تاااابع ◄