-->

رواية الحرب لأجلك سلام الفصل الثامن عشر

 

 

 بحياتي كلها لم تجبرني مشاعري على المضي تجاه من يبتعد عنها طوعًا، إلا أنت، يشتهي قلبي الركض خلفك لاَسلم بك واُسْلّم لك...

فى مساء اليوم التالى صفت سيارة مجدى أمام أحد الفنادق العائمه على الكورنيش ؛ مما اثار جزع هشام الذي نهره متأففا
- يابنى أنت إيه حكايتك؟! مصحينى من ٦ الصبح وشغال تلففنى بعربيتك بلا هدف، وبتخترع فى مشاوير مالهاش تلاتين لازمه، تقدر تقول لى إحنا هنا هنعمل ايه؟!
سحب مجدى مفاتيح عربيته ضاحكًا


- وانت متعصب ليه؟! مش عاجبك الجو مع مجدى حبيبك؟! ولا البدله خانقاك.

- ولااااه هتغابى عليك؟! وبعدين فين المحافظ اللى أحنا هنقابله!
دار مجدى بجزئه العلوى للخلف ليأخذ شيئا ما وهو يقول متخابثًا
- للدرجة دى هتموت وتروح؟!
كظم هشام غيظه وهو يكور قبضته التى باتت ستناوله فى أي لحظة
- هتتزفت ترجع ولا أنزل أخد تاكسي؟!
نزل مجدى من سيارته، ودار أمام عينيه ليقف مستندا على نافذة سيارته ناحية هشام وقال
- يلا، أنزل، المحافظ مستنينا فوق..
استهزأ هشام بجملته.

- محافظ فى فندق سياحى؟! انت اتهبلت؟!
اتسعت إبتسامة مجدى التى تخفى سرا وراءها
- محافظ روش وبيحب يدلع نفسه؟! هنقوله لا..
- أنا ليه مش مستريحلك!
- وانت ليه محسسنى إنى خاطفك! انزل انزل...
قال مجدى جُملته وهو يفتح له الباب لينزل، فدار هشام مرغمًا مزفرا بدخان غضبه مغمغمًا على مضض
- وايه الزفت اللى أنت شايله ده!
تعمد مجدى افتعال وضع اللامبالاه وهو يقلب ما بيده.

- دى؟! دى علبة شكولاته للمحافظ، هنخش عليه بايدينا فاضيه يعنى! قولت مايصحش!
حك هشام رأسه وهو يقطم شفته السفليه فلكزه بقوة
- شكلك هتترن منى عقلة النهارده تجيب خبرك...
- لالا وفر المجهود ده لحاجات اهم وفكك منى دلوقتى؟!
وطأت اقدامهم بوابة السفينه، فسبقه مجدى بخطوة واستقبلهما موظفي الاستقبال بابتسامة عريضة..
- الدور التالت يا فندم...
فهمس هشام لمجدى من خلف فكيه
- هما بيضحكوا كده ليه..!
نصب مجدى عود بفظاظه.

- تلاقى المحافظ موصيهم علينا، اطلع اطلع..
ثم غمغم مًستاءا
- وعامل فيها ظابط أمن وطنى وبيلقطها وهى طايره، واتاريك عايم فى مية البطيخ..
كانت خطوات مجدى مسبقة لخطوات هشام حتى وصل الثنائى الى سطح السفينه المزينة بأروع مبهجات الاحتفالات، من ورود وشموع وبلونات ملونة وفرقة موسيقية تعزف بألحان عذبة وتعالت صوت المفرقات والصواريخ فى السماء، فمال هشام على مجدى
- هو ده عشاء عمل ولا ناوى يجوزنى بنته؟!

لكزه مجدى ممتعضًا
- بنته مين بس! بص هناك كده..
دار الناحية الاخرى ليرمى انظاره محل ما اشار إليه، فوجد بسمة تقف مبتسمة بجوار آخرى تعطى له ظهرها مرتديه فستان المهرجان، فتوقف نشاط عقله للحظه إثر صخب قلبه الذي اصابه بلذة الشرود وتمتم
- هو في إيه..؟!
أخرج مجدى عُلبة مستطيله عليها أحد ماركات المجوهرات العالمية ولكزه وهو يضع شيئا ما بجيبه
- خد دى عشان تعرف إن ابن عمك مزوق وبيفهم فى الحاجات دى...

اقتربت منه بسمة فارحة
- كل ده تأخير يامجدى؟!
- معلش على بال ما جبت معالييه؟!
هشام بحيره
- ما تفهمونى فى إيه؟!
ضحكت بسمة ومجدى معًا ثم قالت
- دى هتفهمها لما نمشى أنا ومجدى، يلا يا سياده النقيب...
اومأ متفهما..
- وانا بقول كده بردو..
ثم مال على آذان هشام هامسا
- حساب الليلة دى كلها فى جيبك يا سيوفى، منا مش هصرف عليك من جيبي...
ضغط هشام على قدمه متوعدا
- دانت اللى لسه حسابك مجاش معايا!

ضحك مجدى بصوت خافت متأهبا للذهاب
- عايزك ترفع راس ابن عمك حبيبك، وتشرف مصر..
ثم جهر
- يلا يا دكتورة عشان اوصلك فى طريقى...
تقدم مجدى فى خُطاه، فتوقفت بسمة أمام هشام ناصحة بابتسامتها الساحرة
- بتحبك أوى على فكرة، انسي كل حاجه واتبسطوا..
اومأ هشام متفهما ثم غير مجرى الحديث
- بسمه، عدى على رهف خليها تبات عندك ؛ متسيبهاش لوحدها...
- هى فالبيت أصلا وزمانها أكلت دماغ عمتو، يلا هسيبكم أنا...

رحلت بسمة ورحل اى حاجز يمكن أن يعيق بينهم للحظه، قلب العبلة التى فى يده على كلا وجهيها حائرا حتى أخفاها خلف ظهره وتقدم إليها بخطواته الهادئه، فكانت تقف فى انتظاره كالسندريلا فى انتظار أميرها، تحمحم بخفوت وهو يرمقها بلهفة
- هتفضلى مديانى ضهرك كده كتير..!

ملأت صدرها بأوكسجين عطره مبتسمه من عفويته، فدارت أمامه متمهله، فتفقدها من كاحلها لرأسها حتى رست عيونه على وجهه الساطع كالبدر فى عتمة السماء وحجابها التى باتت فيه كالاميرات فغمغم هائما
- الله أكبر...!
دغدغت قلبه بضحكة هادئه
- المفاجاة عجبتك؟!
دنا منها خطوة سلحفية فتراقص قلبها فرحًا، واكمل
- طلعنا بنعرف نعمل خطط بقي ومفاجئات! ايه الحلاوة دى؟!
كورت كفوفها من شدة الخجل فاطرقت بهدوء.

- كان نفسي فى فرح واحس أحساس العرايس والفستان ووجودك، وبجد أنا حاسه إنى طايره من الفرحه، مبسوط..؟!
فاض الحب من عينيه حتى ارتسمت على ملامحه، وبالرغم من ربكته ؛ وقلة خبرته فى التصرف التى احتلت كلماته شاردا بكل تفاصيلها يترقبها ويترقب المشاعر المدججه التى هاجت به..
سحب كفوفه من وراء ظهره وفتح العُلبه فوجد طاقم من الذهب الابيض باهظ الثمن ومعه اسواره وخاتم من نفس الشكل فتمتم منبهرا.

- والله وطلعت بتفهم يا زفت..
ثم رفع انظاره إليه وقدمها له قائلا
- شبكتك...
- اوعى يكون مجدى قالك حاجة؟!
- لا هو حضر كل حاجه وجرجرنى هنا وانا مش فاهم حاجه...
ضحكت على ارتباكه الملحوظ وقالت متدلله
- طيب إيه مش هتلبسها لى؟!

ألتقمت يده العقد وأعطاها العُبله وتحرك ليقف خلفها ويطوق لآلىء حبه حلو رقبتها ثم عاد كُرة آخرى ووقف أمامها وأخذ الاسواره وكلبش يديها باصفاد أمتلاكه لها للابد، ثم بعدها تناول الخاتم والمحبس وأسرها بقلبه لما لا نهاية، فانحنى قليلا وطبع قبلة طويله على يديها جعلت كل ما بها يتنشي إليه..

ظل محافظا على صمته لانه لا يعرف ما الذي سيقال حينها فترك الامر لتصرفاته كى تُخبرها عن كل ما يكمن لها به، نصب عودة مرة آخرى، وطوق جانبها بكفه فجذبها إليه برفق..
رفعت كفها على كتفه فتخففت من عبء العالم المرصوص فوقها، واحتوى بكفه الاخر كفها فشعرت أنها خفيفة كفراشةٍ لا تملك سوى جناحين ومدى لا ينتهي لتحلق بهم معه..
تمايل الثنائى على لحن الموسيقي بصمت تام حكت فيه عيونهم عن كل شيء حتى قطعته هى وقالت بحياء.

- عارفه إن مشاعرك لسه محتارة و عارفه إنك مش عايز تتسرع فى أى حاجه، ويمكن لسه ماحبتنيش زى ما أنا دايبه فيك، بس تعرف إللى شيفاه فى عيونك دلوقتى أحلى من مليون كلمة بحبك؟! وتعرف الاحلى منهم إيه؟!
ابتسامة خفيفه غير ملحوظه ولكنها محسوسة شقت ثغره وسألها
- إيه؟!.
سحبت كفها من يده لتعانقه بكلا ذراعيها، وهبط بذراعيه لخصرها وطوقها أكثر فازدادت قربًا منه، واكملت.

- لهفتك عليا، شعور الحب جميل وبيفرح أى ست، بس احساس اللهفة اللى شوفتها فى عيونك اليومين اللى فاتوا سحرتنى، خلتنى اصمم ان اللى ما بينا مش لازم ينتهى، لازم ندى قلوبنا فرصة وما نكونش انانيين..
ضاقت عيونه متوعدا
- يعنى كل الاستهبال اللى فات ده مدبر ومقصود؟!
ضحكت بصوت عال ولمعت عيونها ببريق الشوق فاطرقت انظارها لاسفل ثم رفعتهم إليه وقالت ببراءه
- أنا معملتش حاجه، أنت اللى كانت عيونك فضحاك..

تعمد ابتعاد عيونه عنها واكتسح أرجاء المكان بينما هى من اطالت النظر بشغف وتفوهت مداعبة
- بتبعدهم عنى عشان خايف اقراهم غلط، ولا خايف يقولوا كلام أنت بتتعمد تخبيه عنى..؟!
فتح لها قلبه وحدثها بخفوت
- عارفه إنتى وجودك فى حياتى عامل بالظبط زي القهوة، اللى بحس بسكرها على لسانى ومُرها في قلبى وفى نفس الوقت بقيت إدمان، مقدرش استغنى عنها؟
- انت بقيت بتحب القهوة؟!

للتو ايقن أنه أمام امراة تصم كل تفاصيله ؛ فتبسم بعيون لامعه
- انا كنت بعوض غيابك بيها؟!
- وعوضتك؟!
- اااه وخدتنى لحد عندك...
عاود النظر إليها شاردا وصدح قلبه هاتفًا ‏
- لا أعلم الكثير من الكلام لابوح عما فاض بى ولكنني اعلم قطعًا ويقينًا أنني سقطتُ في هاوية مخاوفي وأنني في المكان الذي لطالما ارتعبتُ من الوصول إليه، وتحديدا إليك..

اغرورقت عيونها بدموع اليائس من صمته الطويل حتى ارتخت قبضة يديه وسألته بحزن
- طيب أنت سكتت ليه تانى؟!
شرد للحظة ثم حدقها طويلا وقال
- مش لاقى كلام كافى يوصف اللى جوايا، فأنا هسيبلك عيونى اقريهم زى ما أنت عايزه..
- أنا عارفه ان اللى حصل صعب، وانه مش هيتغير من يوم وليله، بس أنا هحضنك لحد ما كل اللى فيك ما يتسرسب ليا..

برغم من حذائها العالى إلا انه كان يجب ان تقف على اطراف قدمها لتصل إليه، بمجرد ما القت جملتها ارتمت فى حضنه وعانقته بحب يسع العالم، فطوقها بذراعه القوى وقال
- دانت غاوية غُلب شكلك؟!
فهمست: وانت أحلى غُلب فى حياتى..
فابتعدت عنه لتعود لمكانها وسألته
- مبسوط؟!
- مش عارف، بس حاسس إنى فرحان، و أوى؟!

اتسعت ابتسامتها تدريجيا فاختلس من طرف فمها قُبلة خفيفة فقطعها صوت عمرو دياب الذي صاح صوته مغنيا ( محسود على عودك )، فقرر نفض مخاوفة والاخذ بنصيحة بسمة ورفع شعار يحيا الحب وتقسط نيرانه والتراقص فوق كل احزانهم واغتيالها باقدامهم..

بعدها عنه ليدورها أمام عينيه كالفراشة التى غادرت كل البساتين ورست فوق قلبه حتى ألقاها مرة آخرى بحضنه وحملها ودار بها على لحن ( أنا وانت بمية لمة، مش محتاجين لمة، لما بشوفك بنسي أنا مين )...
انتهت الاغنية وهى ذائبه فى حضنه الذي يقبض عليها كأنها جوهرة ثمينه يخشى فقدانها، فلمست اقدامها الطائر الارض فقبل رأسها بحنو بالغ ثم أخبرها سرا
- المفاجاة عجبتنى اوى، ووجودك وضحكتك دول كفاية إنهم ينسونى العالم..

رفعت عيونها الهائمه وضغطت على كفه بشوق
- بحبك اوى، متحرمنيش منك تانى!
ارسل لها ابتسامه جميله واغمض عيونه للحظه بما يوحى بالموافقه، فخيرته
- تحب نتعشي هنا ولا ننزل الاوضة تحت...
كسح المكان بعيونه ثم همس ممازحا
- الوليه اللى ماسكه الجيتار دى مركزه معانا اوى وحاسسها باصة لنا فالليلة، وانا مش مرتاحلها...
تمايلت ضاحكه فى حضنه وقالت
- يعنى نخلع، وانا بقول كده بردو..
مسكته من كفه وخطت خطوة ولكن ثباته اوقفها.

- غيرت رايك ولا إيه..
- خدى هنا، رايحه فين؟!
اقتطبت مندهشه
- مش قولت هنخلع!
- حصل؟!
- يبقي إيه بقى؟!
قفل زر بدلته متحمحمًا وهو يدنو منها
- وانت عروسة وزى القمر والمفروض إنى أنا عريس بردو وكده...
فقطع جملته فجأة وهى يحملها بين راحتى يديه وواصل بفظاظه
- وانا بردو جنتل وبفهم فى الحاجات دى؟!
لفحته بعطرها وذراعها ووشوشته
- بالرغم من تقلك ورخامتك وغرورك وو
فحدجها بنظره الحاده التى جعلتها تبتلع ما فى فمها سريعا.

- استنى عليا هقول كلام حلو اهو...
- انجزى عشان حااسس العين رشقت..
- ههه لالا مرشقتش ولا حاجه..
ثم حدقته بولهٍ متنهدة بارتياح وقالت بتعزل
- كل الصفات دى ما تمنعش انت جميل بطريقه ت...
صمتت للحظة ثم غمغمت حائره وطوقته بشوق
- انت جميل بكل الطرق ياهشام...
ثقل حُبها فى قلبه للحد الذي افقده اتزانه ورخى يديه للحظه فسريعا ما ريحها فى يديه متحججا
- الفستان ده تقيل أوى، انت شيلاه ازاى؟!

”أرجوكِ أن تغفر لي هذه الثرثرة، وهذا الاصرار العتيق كى تبقي لى وكل محاولاتى فى الوصول إليك، كلاهما عُذري الوحيد يإنني صادقه، وممزقة، وأرتاحُ اليك، واكتمل بك، ولا يشغلنى العالم بدونك “
ايمان هنا عاملة لزياد وبسمه عظمة بجد
https: //www. facebook. com/groups/2018326755145710/permalink/2703757253269320/.

- أنا مش عارف أعملها ايه عشان اصلح كل اللى حصل ما بينا، طنط، ممكن تساعدينى؟!
أطرق زياد جُملته بخيبات الاسف ودموع الخزى تتلألأ من عينيه، فأجبت سعاد معاتبه
- عارف يا زياد، انتو الاتنين غلطانين..
فاجابه بلهفة
- انا عايزه فرصة تانيه نتكلم ونحط فيها النقط على الحروف؟!
رمقته بحسرة.

- عندك مبررات لخيانتك؟! عندك مبررات للعبك بيها وانك ضحيت فى ولادك بمزاجك! عندك مبررات لكذبك؟! عندك مبررات لوجودك هنا قدامك غير إنك حسيت بغيابها عنك للابد، فجاى تتوسلها ترجعلك..!
نفى برأسه كل كلامها وأطرق آسفًا
- عايزها تسامحنى، وبس ؛ أنا مستاهلش واحده زيها، انا استاهل اتعاقب ببعدها عنى عمرى كله!
- متأخر اوى يا زياد، اووووى!
ثم بللت حلقها واكملت.

- عارف مشكلتكم ايه انتو الاتنين؟! حبكم كان حب مُراهقين، أنت مش عايز منها غير حاجه واحده بس وهى مش عايزه غيرك للدرجة اللى سلمتلك فيها نفسها بدون أى مُقابل، وانت للاسف مقدرتش ده، ولما ربنا حب يفوقكم ولقيت نفسك هتتورط وتتحمل مسئوليه طفل وبيت وحوار قولت لا اخلع اسهل وانا كان مالى بالصداع ده كله..

رُدت ورود الماضي لقلبه لاشكواك تنخر في جسده بقوة، ففقدته بحة صوته فاكتفى أن يومىء لها بالايجاب فواصلت سعاد ناصحة
- ابعدو الفتره دى، لانكم لو رجعتوا هتأذوا بعض اكتر، لحد ما الزمن يحكم، والنصيب يغلب..
مثله كمثل بقية الرجال اللذين لا يُقدرون الأشياء التي تُقدم لهم إلا بعد فوات الأوان، أغلب الرجال لا يُقدرون الحب إلا بعد أن ينزلق من بين أيديهم ويهرب من تحت سيطرتهم وسطواهم...

- طنط، أنا اكشفت إنى مش هعرف اعيش مع واحده غيرها ولا حد هيتحملنى بعدها، وحقيقي أنا تايه مش عارل اصلح كل العك اللى فات ده ازاى ولا ابدا منين...
تحيرت سعاد فاطلت النظر بصدق عيونه فاستدلت وقالت
- يبقي حاول، شوف هتعمل ايه بقي..
لم يلحق ان يجاوبها فقطعه صوت الباب ودخول بسمة التى صُعقت بوجوده، فسقطت انظارها على ذراعه المُجبس فاضطرب قلبها قلقا ولكنها عادت متسحلة بالجمود، فوقف زياد مبتسمًا
- ازيك يابسمة..

ألقت مفاتيحها بعشوائيه واقتربت منهم متجاهله وجوده
- مساء الخير يا عمتو...
سعاد بهدوء: زياد عايز يتكلم معاكى..
لم تلتفت إليه بل باتت لامباليه لوجوده وسالتها
- عمو يسري كلمك؟!
نفت سعاد سؤالها:
- لا، خير حصل حاجه..!
رمقت زياد بطرف عينيها وقالت
- اصل فى عريس متقدملى، واهله وعمو جايين بكرة..
ثم اهتزت نبرة صوتها
- ابقي تعالى اتعرف عليه يا زياد، عن اذنكم عشان تعبانه وعايزه انام..

القت الجمر بحلقه وولت ظهرها راحله، فلحق بها وهتف
- خدى هنا، اى الهبل اللى بتقوليه ده؟!
لم تبد اى رد ولكنها اكملت سيرها بثبات حتى قبض على ساعدها واوقفها مرغمة، وجهر
- عايز اتكلم معاكى؟!
- مبقاش ما بينا كلام، حوش ايدك..
رجها بقوة
- أنت لسه مراتى لومش واخده بالك..
استهزأت بجمله
- ده فى احلامك و بس...
جز على اسنانه وتبادل الاثنين النظرات بينهم ثم هدا قليلا وطلب راجيا
- احنا لازم نتكلم..
فأبت باصرار.

- مفيش حاجه لازمه، انت طلقت وانا ارتحت ومش عايزه اشوف وشك تانى وابعد عنى وسيبنى ياخى..
تملصت لتفك قبضته التى كبلت قلبها ولكنها لم ترتخى قط، فشدها إليه عنوة
- بسمة، افهمى أنا لسة بحبك..
كلمة فجرت مكنوناتها بلطمة قويه نزلت من كفها على وجنته صارخه
- انت مش عايزاك تقولها تانى، مش عايز كدب، انت ايه ما بتزهق، روح للارف والزفت بتاعك وسيبنى اعيش حياتى واعرف اتنفسك من غيرك..
ثم ضربته على كتفيه بانهيار.

- كل ما تفتكر أن فى واحده على ذمتك اسمها بسمه ترجع تقولها بحب ومستنى تترمى فى حضنك، ده بعينك..
لطخ وجهها بمياه عينيها وانطفئ برماد حزنها وصرخت
- انا بكرهك، وبكره ريحتك وبكره كل حاجه فيك، سيبنى بقى وابعد عنى عشان انت ولو آخر راجل فالدنيا أنا مش هتجوزه ولا ارجعله، افهم بقي...

سقطت حقيبتها ونزع حذائها ارضا وركضت امامه لتحتمى بغرفتها كى تدفن الروح التى تود أن تضمه وتقتلها للابد، احكمت غلق الباب بالمفتاح واستندت خلفه وواصلت صراخها
- أنا مش عايزه اشوفك تانى، ولا عايزاك تحبى ولا عمرى هسامحك يا زياد، ورحمه ولادى اللى ماشافوش نور الشمس أنا ما هسامحك أبدا...
اقتربت سعاد منه متوسله
- أمشي أنت يابنى دلوقتى، معلش! اعصابها تعبانه..

وطأه راسه بخزى وحزن على الحاله التى وصل الاثنين لها وتقهقر مغادرا فاندفعت سعاد صوب الباب راجيه
- افتحى يا حبيبتى، افتحى مشي خلاص..
تزحلقت بقدميها عمدا لترقد خلف الباب مستنده عليه بظهرها باكيه
- سيبينى لوحدى يا عمتو، مش قادره اتكلم..
- يابنتى...
قطعتها باصرار
- من فضلك يا عمتو، عايزه ابقي لوحدى...

تناولت هاتفها وظلت تُقلب فى صورهما وذكرياتهما معًا مجهشة ببكاء غزير، فتوقفت عند فيديو قديم وهو يحتويها من الخلف فى احد المصايف ورفعت عدستها ليلتقطا صورة لهما معًا، فانقلبت لفيديو استغله مهاتفا بمراح بعد قبل كتفها بغتة
- بسماااااااااه، أنت بحبك اوى...
ألقت الهاتف من يديها منفجره فى نزيفها الداخلى والخارجى وتردد مرات متتاليه
- وانا كمان بكرهك، بكرهك، بكرهكك، ووووو.

فشهقت متفهمة ومدركة بأن ضرره أكثر من نفعه بحياتها وانها علاقة سامة لاجدوى بها ولكنها تتمناه وتشتهى قُربه لانه منحها ضحكة ذات مرة ورجفة حب مرة او اثنين..
ضمت ساقيها الى صدرها وهذيت معترفه بصوت خفيض
-وانا كمان بحبك، بس مستحيل ارجعلك، مهما عملت مستحيل، اللى كسرته جوايا مش هتقدر تصلحه انت ولا الايام...

سكوتك عما يُرضي قلبك تنازلاتك الأولى، فتغاضيك عن كوارثه الهائله، إخفاءك لرفضك، تحملك وجعة، كتمانك، جميعها صلابة لم تؤلم أحداً سواك، ولا تدمر حياة احد غيرك..
- (( ميان، احنا لازم نتقابل فى أسرع وقت، معرفش ليه بس حاسس انك وحشتينى ومحتاجلك أوى ))
انتهى هشام من كتابة رسالته النصيه وارسلها لميان ثم قفل هاتفه نهائيا إثر خروج فجر من الحمام مرتديه ( بيجامة حرير طويله زرقاء ) فتفقدها متسائلا ومتعجبا.

- الله يفتح عليكى يااخت فجر...
ابتسمت لانها تفهمت مقصد جُملته ولكنها لم تجيبه حيث انحنت لتفتح احد الادراج واخرجت منه مُصحفا ثم نادته أن يقترب، فجلس هشام بجوارها
- مالك..
احتضنت اناملها المصحف وولت اليه وقالت
- نتكلم شويه...!
- فى إيه؟!
وضعت المصحف مناصفة بينه وبينها وقالت
- هنبدأ حياة جديده ربنا شاهد عليها..
احتضنت يده ثم وضعت يديها الاخرى فوق الكتاب الجليل وأقسمت بضعف.

- من النهارده أنا هسلملك نفسي وقلبى وحياتى، اوعدك إنى هحافظ عليك واكون ام لولادك تفتخر بيها العمر كله، مش هكذب عليك فى حاجه بعد النهارده ولا هخبى عنك حرف، حياتى كلها هتبقالك كتاب مفتوح، وهحاول بقدر الامكان أكونلك الزوجة اللى بتحلم بيها، والام اللى تعوضك عن كل اللى اتحرمت منه، وبنتك اللى مش هتبطل تدلع عليك مهما كبرتوا..
فرت دمعه من عينيها ثم وضعت كفه على المصحف وطلبت منه.

- اقسم أنك مش هتزعلنى وهتسامحنى وهتحاول تدى قلبك فرصة ننسي بيها اللى فات، ومش هتخبى عنى حاجه، ونطبش سوا فالموج لحد ما نوصل للبر سوا..
أطال النظر بعينيها فتوسلته بعيونها راجية بأن ينطق، فتفوه
- اوعدك إنى مش هخبى عنك حاجة، وإنى هحاول ادى قلبى فرصة يبدا من جديد، بس..
- بس إيه يا هشام؟!

-مش هوعدك إنى مش هزعلك بس هحاول، بس عايزك انت اللى توعدينى، إنك تستحملينى بغضبى بعصبيتى بالحرب اللى جوايا ناحيتك، مش عايز يبقي فى حاجة اسمها خصام ما بينا حتى ولو كنت أنا السبب تيجى فى حضنى تشتكيلى منى، واوعدك انى هاخدلك حقك وزياده، مش عايزك تضيعى فرصتنا التانيه و الاخيره...
تناولت المصحف ووضعته على فخذها واحتوت بكفها الصغير وجنته وأومات متقبله ومذعنة لكل اوامره
- اوعدك، اوعدك ياهشام..

ضاقت عيونه المتخابثه قليلا ثم قال ممازحًا ساخرا
- ااه، دلوقتى هشام؟!، أمال فين حبيبي اللى واكله عقلى بيها فالروحة والجيه!
تراجعت قليلا فاطرقت بخجل وهى تبعد انظارها عنه
- وقتها كانوا البنات موجودين؟!
- لا ياشيخه...!
اومات بطاعه: اه والله...
هشام متخابثًا
- المهم أن فى حاجه بتزن فى دماغى ولو طلعت صح، مش عايز اقولك اللى هيحصل فيكى!
ضمت اصابعها على المصحف وبللت حلقها قلقة.

- فى إيه ياهشام، انت بتبصلى كده ليه...؟!
حدجها بنظراته الفاحصة ثم قال بمكر
- هو مش المفروض يعنى فى ما يمنع؟! ولا هو ما يمنع ده عند هشام وبس والمصحف لا؟!
تقاسم التوتر والخوف ملامحها وافتعلت وضع الغباء
- ها، أنت قصدك إيه؟!
- قصدى إن المصحف مش من ضمن الممنوعات ياهانم ولا هو مفيش موانع وانا كان بيضحك عليا؟!.
ولت بهدوء لتضع المصحف على ( الكومود ) ثم قفزت مرتعبة وهى تشير بسبابتها.

- هو بصراح ماكنش فى ما يمنع ولا حاجه، بس والله والله اخر مرة هكذب عليك فيها..
ثم تراجعت للخلف خائفه وهى تحدجه بعيونها الثائره
- هشام أنت بتبص لى كده ليه؟!
- بحوش نفسي عنك، عشان لو مسكتك دلوقتى ما هرحمك...
- والله اخر مرة، خلاص بقي؛ شوفت اهى عنين الوليه اللى كانت مضايقاك رشقت وبوظت الليله..
يعض بقوة على شفتيع ويحدجها مغتاظا حتى ركضت لتلهيه
- بص بص العشا قمر ازاى، تعالى ناكل يلا...
دار إليها بهدوءه المريب.

- انت بتجرى ليه؟!
توقفت مرتبكة: عشان خايفة!
- منى؟!
هزت رأسها بالإيجاب واصدارت ايماءه خافته، فدنا منها وأخبرها
- بس انا الوحيد اللى ما ينفعش تخافى منه..
دبت الفرحه فى قلبها وابتسمت
- يعنى ما أخفش؟!
فكر للحظه: لا خافى شوية صغيرين..
ثم سحب مفرش الطاوله واستخدم السكينة ليشقه لنصفين فارتعدت اكثر لفعله الغريب وسألته
- أنت هتعمل ايه..
- هتفهمى دلوقت؟!

انشقت القماشة لنصفين ثم ثنى النصف الاول واقترب منها وطبع قلبتين على كلتا جفونها فبث بقلبها رعشة خفيفه تغلفت بنبرة صوتها
- أنت هتعمل ايه؟!
- غمضي عينك...
استجابت لطلبه على الفور ثم وضع الغمامه على عيونها وربطها برفق، فلامست امانلها القماشة وسألته
- ليه كده...
فعل بنفسه ما فعله بها وغمى عيونه بالجزء الاخر وقال.

- خلينا متفقين إنى فاشل فى موضوع الحب والكلام، بس هحاول اثبتلك كل اللى ما بعرفش أقوله فعل، وتصرفات تفضل محفورة العمر كله جواكى...
غمغمت بصوت هائم
- اشمعنا؟!
احتوت انامله جدار عنقها فاصابت جسدها بقشعريره احسها هو بقلبه وقال
- العيون مرايا للحزن والفرح، العيون والعقل بيفسدوا كل اللحظات الجميله اللى بنعيشها، واحنا اتفقنا أن المساحه تكون لقلبنا وبس؟!
- بس أنا ماشوفتش فى عيونك غير الحب..
همس مغمغما بهيام.

- وانا مش عايز اشوفه، أنا عايز أحسه معاكى...
كانت تلك أخر جملة اردفها بهمس شفتيه قبل ما ينحنى على عظمة الترقوة الخاصة بها ويقبلها طويلا حتى انتشت فى يده وترنح هو من سكرها، وغمغمت منادية عليه
- هشاااام.

فعانقت مستجيبه لكل افعاله العذبة متثملة لحركة انامله التى تتراقص بحريه على كل جسدها، فلقد كان كافيًا أن تلمس يدي يدك ليذهب عن قلبي كلّ هذا التعب والمرار والعذاب، لأشعر بأن الحياة تفيض من كفيك، وأنا مذاق العوض هو شهدٌ يصبه فاهك بين شفتي، ذابت فيه أم ذاب بها؟! فكل منهما بات يفرغ شوقه بالاخر منتقمًا كانه ولو آخر لقاء بينهما حتى غرق الثنائى فى عالمهم الخاص القادر على بتر كل عائق بينهم...

سأظل متيقنًا بأنكِ الإستثناء الوحيد لدي، وبأنني لم أشهد مثلك في حياتي ولم اتذوق لذة القرب إلا معك، وبأن عمق علاقتنا لم يصله أحدٌ من قبلنا، وبأنني معك تجردت من غموضي ومن قوتى، و سأكون غبيًا إذا فكرت بالبحث عنك في شخصٍ آخر لاننى حتمًا سأفشل، سأظل أحبك جدًا في داخلي، حتى وأن كنت يومًا سيئًا في علاقتي معك، حتى لو أنني لم أعرف كيف تقال( أحبك) ولكننى سأثبتها لكٍ.

انتهت رهف من أخذ ما نسيته فى شقة هشام وهى تتحدث فى الهاتف مع مجدى بخجل
- انت وصلت فين؟!
حرك مقود سيارته وتحدث معلقا سماعته اللاسلكيه
- ربع ساعه واكون عندك، هرنلك انزلى على طول..
نظرت على نفسها فى المرآة ثم تدللت
- طيب سوق على مهلك، وخلى بالك..
التوى ثغر مجدى مبتسمًا
- بس إيه الرضا ده كله..؟!
- أبطله يعنى؟!
لحق نفسه
- لالا، اثبتى كده لحد ما اخلص على عيلة السيوفى اللى باعدانى عنك دى واجيلك...

ضحكت بصوت عاالِ ثم قالت بتردد
- مجدى...
- قلب مجدى من جوه؟!
قطمت اظافرها بخجل ثم قالت
- مش أنا اكتشفت اكتشاف، وحاسه إنى لازم اقولهولك؟!
- خير؟!
- احم، وهقفل على طول بعدها؟!
- اخلصي يابت؟!
- ما تقولش بت دى تانى؟!
ضحك مجدى على طفولتها وقال مسايسًا
- وست البنات كلهم، يلا قولى...
فكرت لدقيقه أو اكثر ثم استقوت وألقت جملتها بعشوائيه قبل ان تنهى المكالمه
- أنا بحبك...

وضعت كفها على قلبها ليكف عن ضجيجه، وشرعت انا تعاتب نفسها ولكن توقفت على صوت رساله صوتيه منه على الواتس آب
-طيب منا عارف، وانا كمان بحبك يامجنونتى..
تنطت من كثرة الفرحه بمجرد ما سمعتها منه هاتفه بلذة انتصار
- يس يس يس...
ثم قطع فرحتها صوت جرس الباب الذي ركضت لتفتحه ففوجئت بميان فى وجهها، انعقد جبينها حائرا
- ميان؟!
تمايلت مختاله
- هنقف على السلم كده؟!
- هشام مش هنا..
زفرت ميان مختنقه، وقالت.

- وانا مش جاية عشان هشام، جيالك...
فكرت رهف للحظة حائره وسألتها
- هى مامى بعتتك عشان ارجع البيت والشغل وكده، لالا أنا قررت اهتم بدراستى..
تغيرت ملامح ميان لواحده تخشاها وتجهلها وصرخت
- ما تخلصي يابت، انا جيالك أنت
ثم دفعتها ودخلت وبنبرة آمرة
- اقفلى الباب..
قفلت رهف الباب وتابعت خُطاها خائفه
- فى إيه؟!
- بصي من غير كلام كتير، هجيبلك من الاخر؟!
نفذ صبر رهف وارتفع صوتها
- فى ايه يا ميان؟!

فتحت ميان هاتفها وشغلت الفيديو لها مع فارس ثم ولت الشاشه نحوها وحدجتها بحذر
- شايفه ده؟! لو منفذتيش كل حرف هقولولك، الفيديوهات دى هتوصل لاخواتك وعمك ولعيتلك كلها وهتبقي تريند مواقع السوشيال، ها يا حلوة؟! قولتى إيه...

للبدايات الحنين والدموع، وللنهايات الارتماء بين الضلوع، حينما يخبرك أحدُهم، الذي وجدته ووجدك قدرًا، أنك أخيرًا وصلت...
أو كما يقولون؛ إن أجمل ما في الحرب، نهايتها، ونهاية الحرب، السلام...

بخّت الحية سُمها ثم استدارت لتستريح متفرجة على نياط ضحيتها أمامها التى اتسع بؤبؤ عينيها من شدة الذهول كمن سكب الثلج فوق رأسه وغمغمت بعدم تصديق
- إيه، إيه ده اصلا...!
وضعت ميان ساق فوق الاخرى وهى تُشعل سيجارتها وأجابت
- زى ما أنت شوفتى يا حلوه، هااا نتفق..
اندفعت رهف نحوها وهى تهذى بجنون محاولة أخذ الهاتف من يديها ولكن ميان تعمدت اخفائه وراء ظهرها محذرة
- بطلى جنان واسمعينى، ده لمصلحتك يعنى؟!

هذيت صارخة بذهول..
-الفيديو ده محصلش، مستحيل ؛ انت واحده كذابه..
وقفت ميان ونصبت عودها أمام رهف واردفت بمكر..
- أنت صح ؛ هو فعلا محصلش بمزاجك، بس أهو حصل..
ثم انحنت لتطفىء سيجارتها التى لم تأخذ منها سوى نفسا واحدا
- بس ياترى اخواتك هيفرق معاهم إذا كان بمزاجك او لا! خصوصا سيادة المقدم صاحب القيم والاخلاق!
-انتى واحده قذرة...!

حفر الحزن وديانا على وجنتيها وهى تهز رأسها غير مُصدقة، فألتوى ثغر ميان ضاحكا بانتصار
- هاا نتفق ولا ابعته قدامك دلوقتى؟!
تغلفت نبرتها بالفزع والخوف وببكاء هستيري
- لا، لا ؛ بلاش هشام، ولا زياد، بلاش اخواتى، أنا انا هعمل كل اللى تقوليه، بس هما ما يعرفوش..
- كده حلو نبتدى الكلام...
رفعت رهف عيونها الهالكه من كثرة البكاء لتنصت إليها ؛ فواصلت ميان.

- قبل وفاة ابوكى بيومين اتنين بس مسك ورق على عمى مختار وابويا يودى فى ستين داهيه، يمحى اسم الشاذلى من الوجود..
فقطعتها رهف بصوت طفولى باكى
- طيب وانا مالى! تعملوا فيا أنا كده ليه؟!
عقدت ميان ساعديها أمام صدرها وقالت بغلول.

- ازاى؟! وانت الطُعم اللى هنصطاد بيه كل اللى احنا عايزينه، المهم أن الورق ده كنا مفكرين انه بقى معانا ومفيش نسخ تانيه لحد سنتين فاتوا، الظابط اللى كان ماسك القضيه مع ابوكى، اتعذر فى شويه فلوس عشان عملية لابنه مُقابل أنه يقولنا الخبر ده...
ارتعشت شفتيها وسألتها
- خبر إيه؟!
- أن ابوكى قبل ما يموت بكام ساعه كان مسجل المعلومات دى على هارد محدش يعرف طريقه لحد دلوقتى...
ثم خطت لتدور حولها.

- أحنا حاولنا ندور على الحاجات دى بطريقتنا ونبعدك عن الحوار كله، ومنها لما لقيتى فارس عندك فى البيت كان بيدور، بس للاسف فشل، ومعرفش يوصل لحاجه...
فتراجعت رهف بخوف للوراء وغمغمت
-بس انا معرفش حاجه..
نهرتها ميان بوجهها الشرير وعيونها التى تشع شرار
- هتعرفى، وهتجيبه لحد عندى، عشان لو معلومة منهم وقعت فى ايد اخوكى هشام مش هيرحمنا...
صمت الثنائى للحظة فزفرت ميان بكلل
- معاكى شهر تدورى فيه على اقل من مهلك..

ثم قبضت على ساعدها بقوة ورجتها، مهددة
- بس من غير يمين كلمة تطلع هنا ولا هنا هخليكى تحصلى أبوكى..
تملصت رهف وجعا وهى تلهث بذعر محاوله فك قبضتها منتحبة
- حاضر، حاضر ؛ مش هقول لحد، والله ما هقول، بس بلاش اخواتى يعرفوا حاجه
ابتسمت ميان بغل وهى تفك قبضتها تدريجيا فاتبعت
- وفى طلب تانى كمان قبل ما انسي، مراة اخوكى...
اتسعت عيون رهف مندهشة منتظرة سن اوامرها
- مالها...

تناولت ميان حقيبتها بهدوء ثم عادت لتقف أمامها بمسكنة
- عايزالها فيديو حلو زى ده...
- اييييييه؟! مستحيل..
وضعت ميان حد لاعتراض رهف ساخرة
- بت أنت! أنا مش بستئذنك يا حلوة، انا آمر وانت تنفذ بشششششششش، بسكات، فاهمه..
ثم ربتت على كتفها محذرة
- مش محتاجة آكد عليكى تربطى لسانك وألا النتيجة مش هتعجبك خالص، باى باى يا حلوة، على رنات...

رحلت ميان وارتحلت خلفها آخر ضحكات رهف التى بمجرد ما قفلت ميان الباب خلفها خرت باكية جاثية على ركبتيها غير مصدقة ما حل فوق رأسها، مناجية ربها بصراخ..
- أنا توبت ووعدتك إنى مش هعمل حاجه غلط تانى!ليه بيحصلى كده؟! ليه تكون دى النتيجة، يارب يارب أنا مش عايزة اخسر اخواتى ولا اوجعهم، يارب خليك معايا عشان أنا لوحدى، يارب كله الا نظرة اخواتى ليا...

فمالت رأسها على المقعد وهى تجهش باكية ؛ مستاءة على مصيرها المنتظر، مودعة النوم للابد
- ‏غرقانه فى دوشة كل ذنوب الماضي، و فى زحمة كل غموض الجاي واللى هيحصلى واللى هعمله؟! أنا هعيش ازاى بعد النهارده وانا عينى مكسورة كده قدام نفسي..

صعق مجدى عندما لمح ميان خارجة من بوابة العمارة وتتفقد هاتفها باهتمام شديد، فذهلت لرسالة هشام الغير متوقعة التى لم تراها الا صدفة وهى تشغل الفيديو لرهف، فأشتعل الفضول فى رأسها
- ماله ده؟! آكيد ما لحقتش تقوله؟! معقولة يكون طب كده وسلم؟! عموما هنشوف ياابنى السيوفى...

صعدت سيارتها تحت انظار مجدى الصقريه، فتناول هاتفه ليطلب رهف ولكن رنين بدون جدوى ؛ فنبتت مخالب الشك فى راسه ونزل من سيارته متجهًا نحو البوابه ومنها أمام باب المصعد حتى وقف أمام باب شقة هشام وأخذ يدقه برفق اولا اشتدت بقلقٍ بعدها مناديا
- رهففف، أنت جوه؟!
ثم عاود الاتصال بها فسمع رنين هاتفها بالداخل ؛ فاشتعل القلق فى صدره كالمحموم وأخذ يدق الباب ويرن الجرس فى آن واحد مناديا
- يااااارهف، افتحى...

لم يجد مفرا سوى كسر الباب إثر الشكوك التى تراكمت فوق رأسه، فأخذ يضربه بكتفه بكل ما اوتى من قلق وخوف ولكن صلابة الباب انتصرت، فتحركت رهف بخطواتها المتكاسحة لتفتح الباب، وما ان رأته ارتمت فى حضنه باكية وبصوت مسخن بالوجع
- مجدى..
تعمد ألا يُلامسها رافعا يديه لاعلى وهو يسألها ملهوفا
- حصل إيه احكيلى..
طوقت خصره بقوة بشعر بارتجاف جسدها كله بقلبه، فجن
- رهفففففففف، انطقى حصل ايه...

لم يطاوعه قلبه أكثر فأحتوى بكفه ظهرها وتقدم خطوة للداخل وقفل الباب، فاختل اتزانها لكثرة ما انصب الحزن بهم فلم تتحمل، فجلس معها ارضا، والقلق يتقاذف من عيونه
- فهمينى طيب...
صرخت فى حضنه
- أنا والله ما عملت حاجه، معملتش..
مسح على رأسها بقلق بلغ ذروته
- معملتيش ايه طيب، بصي بصي احكى لى كده واهدى هنتصرف..

بعدها عن حضنه ليفهم منها ما أوصلها لتلك الحالة، ممسكا بها بكفيه حتى باتت تحت يديه كطائر ذبيح ينتفض فى دماء الالم، وشفتيها الاتى يرتعشن بسرعة حتى افقدها قدرتها على الكلام، فتمزق قلبه أربابا على حالها وترجاها
- متخافيش وقوليلى الزفته دى كانت هنا بتعمل ايه..
هزت رأسها نافيه بضعف
- هددتنى ما ينفعش اقول، هتأذينى وتأذي اخواتى..
ثم شهقت بهستريه.

- اخواتى يا مجدى، هشام وزياد ميستاهلوش منى كده، أنا معملتش حاجه والله..
- تمام، تمام انا مصدقك، اهدى، وفهمينى..
اتخذت عدة انفاس متتاليه مجهشة بالبكاء فقالت بحزن بالغ
- ضحكوا عليا الكلاب ونيمونى وقلعونى وصورونى، صورونى يامجدى، والله والله انا ما عملت كده، انت انت تصدق إنى اعمل كده؟! قالت هتوديهم لهشام وهتفضحنى، كله إلا هشاام يامجدى، أنا ماليش غيره والنبى، هشام لاااا.

ظلت تهذى بين يديه بجنون حتى افقدها الحزن وعيها وسقطت مغشيا عليها وسقط قلبه مرعوبا بين يديه فصرخ باسمها مناديا ولكن بدون جدوى، حملها بين يديها وركض بها فوق درجات السلم بخطوات غير متزنه...

- قولتلك يافارس ما تقلقش، البنت دى هبله وهتخاف ولا هتقدر تعمل حاجه؟!
تقود ميان سيارتها متحدثه فالهاتف بعد ما فشلت كل محاولاتها للوصول لهشام الذى أغلق محموله، وقالت جملتها الاخيره، فأجابها فارس
- منا مش بخاف غير من الهبلة دى، ميان اخوها لو شم خبر هينسفنى؟!
امتعض وجه ميان متاففه
- أنا مش فاضيه للهبل ده كله ؛ بقولك إيه مكنش قدامنا حل غير كده، وبابى مرحب جدا بالفكرة...

ارتشف فارس كأس النبيذة دفعة واحدة، ثم قال
- بقولك إيه، انا مش مطمن، وهسافر...
ضحكت بهدوء:
- بقولك ايه ما تيجى على شرم، ونتقابل هناك..
سألها بتفكير
- نانسي هناك؟!
- نانسي مش عارفه مالها الفترة دى، بتنام بدرى ؛ وبتصحى متأخر مش بتكلم حد ودايما فى اوضتها، انتوا اتخانقتوا؟!
- لا خالص ؛ دى حتى مقابلاتنا قلت خالص، ومابقيناش زى الاول! وانا قلقان عليها...
اومأت ميان رأسها متفهمة.

- هحاول اعرض عليها تيجى معانا شرم، تغير جو ونشوف مالها...

( فى المشفى ) تركض بسمه بسرعة على درجات السلم باحثه عن مجدى الى ان وصلت للطابق الثالث فوجدته واقفا أمام أحد الغرف، فاندفعت نحوه
- مجدى، مجدى ؛ رهف مالها...
بات الحزن يتقاسم ملامح وجهه
- عندها انهيار عصبى، واغمى عليها ؛ جبتها هنا، والدكتور لسه مطمنى
عشتت الحيره على جفون بسمة التى تجاهلت أوجاعها واتت، وقالت بخوف
- انهيار عصبى، ليه؟! حصل ايه لرهف يامجدى قول لى..
كور مجدى قبضة يده متوعدا.

- طيب يا ولاد الكلب، طيب..
زفرت بسمه باختناق لعدم الرد على اسئلتها، فرجعت شعرها للخلف وقالت
- اووووف، ما تفهمنى يا مجدى...
غير مجرى الحديث، وباتت الحيره تتراقص على ملامحه حتى اشتعلت الافكار الشرقيه فى رأسه واخفض نبرة صوته وطلب من بسمه بحزم
- بسمة، هاتى دكتوره وعايزك تكشفى على رهف نسا..
دهشة بعد الاخرى كادت ان تُطيح بعقلها، فسألتها بعدم استيعاب
- أنت اتجننت! أنت بتقول إيه؟!
باصرار وبنبرة حاسمه.

- اسمعى الكلام يابسمه...
طافت عيونها الحائره كأمواج البحر غير مصدقه، فمن المؤسف أنك لا تعرف حقًا كم يعاني الآخرون، يمكننك أن نقف بجانب شخص محطَّم تمامًا، ولا نعرف حتى ما به...
- أنت مستوعب بتقول إيه؟! واصلا ايه اللى خلاك تقول كده...!
حاول تمالك أعصابه بعناء ؛ محافظا على ثباته
- اعملى اللى بقولك وهفهمك كل حاجه، يللااااا يابسمة مفيش وقت...

لأول مرة منذ لحظة غيابها عنه أن يشعر بمعنى الونس ؛ وان تغفو جفونه سالمة ؛ مطمئنه، وقلبه هادئا مرتاحًا لنيله جرعته الكافيه من الحب الذي يكسو الجسد أمنا...

إن احبوا الرجال نامت جفونهم، وان اغرمت النساء قضت ليلتها تراقبهم نيام، وهذا ما حدث بعدما انتهت معاركه معها التى خرجا منها الاثنين منتصرين، نام هو وظلت هى تراقبه طوال الليل، تتأمل ملامحه بتمعن حد انها قادرة على عد رموش عينه، انتصاب انفه، خصيلات ذقنه الموشكة على الانبات، انفاسه المطمئنة، وارتفاع وهبوط صدره، كل جزء به كانت تقع فى غرامه كأنه أول مرة..
فتبسمت، هسمت بعشق.

-هذه الابتسامة التي على وجهك الآن قد أدفع عمري كله حفاظًا عليها..
ابتلع حلقه فتراقصت ( تفاحه ادم ) بحلقه فتسمت وحركت معها قلبها الذى جذبها لتقبيلها، انحنت لتطبع قُبلة خفيفه عليها ثم عادت مرة آخرى تتأمل متبسمة، شارده كلانا ينتقص منه جزء بطريقة ما، باهت بطريقة ما، كل ما تمنيته أن تجتمع عتمتك مع عتمتي لينير الكون، وها هو قلبى بات يشع نورا..
داعبت بناملها خصيلات شعره بشوق وهمست.

- أنا عايزه ضمان واحد إنك مش هتمشي تانى ؛ انا ما صدقت لقيتنى ولقيت قلبى معاك، تعرف انا بتخيل لو كنت اتجوزت حد غيرك ؛ هل كنت هحس بكل الحاجات اللى أنا حساها دلوقتى؟! ولا دى حاجات متتحسش غير معاك وبس؟! هل كنت هابقي طايره كده وانا فى حضنه..
ثم قبلت جفونه ثم ثغره طويلا فغمغمت بعدها بخفوت.

- هشاام، انا مش عايزه أبطل احبك ؛ ولا ابطل ابقى دايبه فيك كده زى منا بعشقك، أنا عايزة بس كل ما قلبى ينادى عليك ألقاك! مش عايزه ارجع الخلاط اللى كل شوية بحال!اشوفك ومقدرش احضنك، متسبنيش؟!
رد عليه بنبرته المغلفه بالنوم
- مش هسيبك...
- ايه الضمان؟!
- معنديش؟!
- طيب وايه اللى يخلينى اضمن وجودك؟!
احتوى كفها الموضوع على صدره وقال
- يكفيكى حضن طيب؟!
هزت رأسها نافيه ثم انبطحت برأسها على صدره.

- ما يكفنيش بك عمر، بعشقك يابن السيوفى..
تغللت أنامله بشعرها ثم طبع قبله خفيفه على رأسها وسألها ممازحًا
- بتحبى كل حاجه فيا يعنى؟!
لم تفهم مغزى سؤاله، ولكنها اجابته بعفوية
- انا دايبه فى كل حاجة فيك؟!
تبسم بخبث
- بس انا ليه مش مرتاح لشحنة الحب الفياضه دى؟!
استندت بذفتها على صدره فالتقت اعينهم المدججه بالشغف ؛ وسالته
- قصدك إيه؟
ضاقت عيونه متخابثا
- هو الاداء ما كانش كفايه ينيم كل المشاعر دى!

تلجلجت بشك مبتعده عنه
- أنت تقصد إيه؟!
فكر مستنتجًا ثم قال بضحك
- لالا خلاص ؛ أنت لسه قايله أنك بتحبى كل حاجه فيا، وبما إنك قولتى كده يبقي الاداء كان تمام يعنى؟!
بللت حلقها مبتعدة عنه بخجل مندهشه من وقاحته الزائده لتنام موليه ظهرها
- يخرب عقلك؟! لالا أنا مش هتكلم معاك فى حاجه تانيه!
استند على مرفقيه ومال على اذنها وهو يداعب خصيلات شعرها بخبث
- ممم افهم إنى مش جامد..

- هشام، عيب بجد والله، ويلا نام ؛ أحنا اتفقنا ااننا هنام؟!
- وانا التزمت بالاتفاق وصعبتى عليا ونمت ؛ بس شكلك انت اللى رجعتى فى كلامك..
احتدت نبرة صوتها بخجل
- ياهشام، قولت نام بقي؟!
- طيب اعترفى وانا هنام...
رفعت انظارها إليه وقالت بحياء
- اعترف بايه؟!
- إنى جامد! وانا هابقي حنين بعد كده ومش هخليكى تفرهدى فى حضنى تانى...

وضعت الوسادة على وجهها متواريه خلفها من جراءته الزائده عن الحد وصرخت بوجهه وهى تبتعد عنه لطرف السرير
- يوووووه منك، بجد عيب والله، هعيط..
- لفين طيب؟!
ضحك بصوت مسموع وبنشوة انتصار ثم عاد ليريح ظهره ففوجىء بها تفرد ذراعه مندسه فى حضنه واخبرته بجزل طفولى
- ليك دايما، انا عايزة أنام هنا...
تركت لجسدها أن يتحسس مذاق لمساته ولطف ضمته، بالنهاية أمسكت بقلبها وقالت داعيه.

-فلتبقى وإلى مسكنك الأبدي، فلتسكنني، فسكنتك، ‏
لكنَّك أغلى وأثمن الأشياء التي نلتها من الحياة، الشَّيء الوحيد الذي لا أجرؤ على التَّفريط بشأنه ولا أستطيع الرُّكون إلى غيره.

وضع مجدى رهف النائمه على فراشها فى شقة بسمه بلطف، وساعدته بمد الغطاء عليها، فأكملت يداه فرده حتى عنقها وهمس لبسمه
- خلى بالك منها..
ثم تأهب مغادرا فلحقت به حتى وصلت لخرج الغرفه مناديه عليه
- استنى يا مجدى ؛ فهمنى، رهف حصلها إيه..
- مش وقته يا بسمه..
أمسكت بسمة بمعصمة معارضه واوشك صبرها ان ينفذ
- هو إيه اللى مش وقته؟ انت عارف انت طلبت اى وشكيت فى إيه وخليتنى اعمل ايه؟! مستوعب؟!

- أه يا بسمة عارف، والحمد لله اطمنا عليها...
- يبقي تعالى احكيلى وفهمنى، لو سبتنى كده هتجنن..
اخرج مجدى سيجارة من جيبه واشعلها وهو يجلس على أقرب مقعد وقال باسف
- الزفته اللى اسمعها ميان بتهدد رهف بفيديوهات ليها، واللى فهمته منها، انهم نوموها وصوروها وبس وبعدين اغمى عليها...
تفاقم الامر سوءا، فتجمدت الدماء بعروق بسمه غير مصدقه
- نعم؟! الكلام ده حقيقي؟! طيب ليه وعشان إيه..

اخذ نفسا من سيجارته ونفث دخان غضبها فيها ثم اهتزت ساقه اليمنى واردف متوعدا
- ماهو ده اللى عايز اعرفه، ولو طلع اللى فى بالى صح ؛ وشرف أمى ما هرحم واحد فيهم..
ثم وثب قائما
- أنا هنام فالعربيه تحت ؛ وانت نامى جنبها واول ماتصحى رنيلى على طول..
بسمه عارضته بهدوء
- فى اوضة فاضيه جمب عمتو، تقدر تنام فيها..
حسم امره باصرار متجها نحو الباب
- ميصحش يابسمه ؛ كفايه إنى نزلتك فى وقت زى ده، مش هوصيكى على رهف..

اومات راسها بطاعه
- فى عينيا، متقلقش...

(فى صباح اليوم التالى )
الحياة أثمن من أن تهدرها على علاقات مزيفة، أحلام ميّتة، صداقات هشّة، أماكن لا تنتمي إليها، إن تلك الأشياء تُنقِص من عمرك وتثقلك وتستنزفك، لست مُلزَمًا بها، ابحث عما تجد نفسك حقًا فيه، فأنت جدير بأن تعيش حياة حقيقية مليئة بالشغف والحب، قضي زياد ليلته فى المشفى فاقدا الشغف من ناحية كل شيء ؛ يراجع حساباته ونفسه ظل يتسائل دومًا: لِمَ كل هذا؟!

نصب عوده ويظل يجوب مكتبه بعبثٍ، تمنى ولو يخلع قلبه الذي لم يكف نباحًا طوال الليله ‏ولكن حتى لو إقتضى الأمر أن يخلع قلبه ويمضي من دونه، الأهم أن لا تبقى مرهونًا بالمشاعر التي تُمرّر لجوفك القلق والأذى وتُبقيك بائسًا حزينا وتوقظ صراخ الوجع الابدى بك...
التفت لصوت طرق على بابه، فأذن للطارق بالدخول ؛ فهتف مندهشا
- نانسي؟!
أطرقت باسف
- انا اسفه لو جايه من غير معاد، بسس
تعمد الانشغال فى اي شيء وسالها.

- خير يانانسي..
قفلت الباب خلفها بحزن يتقاسم ملامحها وطلبت منه
- عايزه اتكلم معاك، فاضي..
لم يتحمل رائحتها المشوبة باخطاء الماضي وقال غير مكترث
- للاسف، عندى نبطشيه ووو
فقطعته راجيه
- مش هطول عليك؟!
ثار فضوله هيئتها الشاحبه ووجهها الخالى من مستحضرات التجميل ؛ وعيونها المتورمه من كثرة البكاء، فحن قلبه وسألها
- أنت تعبانه؟!
اقتربت منه خطوة سُلحفيه وقالت بتردد
- زياد، أنا حامل...
وقع الملف من يده مذهولا.

- انت ايه ياختى!
انفجرت باكيه لتستعطفه
- عندى طلبين وبس، وهختفى من حياتك للابد...
اقترب منها مشحونا بالغضب ويلعن حظه الذي يلاحقه دومًا
- انت مستوعبه بتقولى إيه؟!
مسحت دموعها سريعا واردفت بصوت هدر
- ااه، انا حامل فى ابنك، اسمعنى للاخر..
صحى ضمير الذئب فى جوفه، وصاح
- لا ياماما، روحى شوفى حد غيري يتحمل غلطتك، مش هفأ أنا..
اجهشت بالبكاء وصمتت مستمعه لكرباج اهانته، حتى اردفت.

- انا مش عايزه غير إنك تكتب عليا يومين اتنين وتطلقنى، وتكتب الولد باسمك وانا اوعدك، هختفى من حياتك للابد ؛ هسافر بره البلد ومحدش هيعرفلى طريق بس انت وافق..
قبض على ساعدها ورجها بقوة
- شكلك كده متعرفيش مين هو زياد السيوفى، لا فوقى ياماما..
انفجر باكيه وهى تتوسله، ثم شرعت فى قص روايتها.

- كنت عايشه فى امريكا ؛ واتعرفت على شاب وانا عندى ١٦ سنه وحبيته وحبنى واتجوزنا ٨ سنين، وطول الفترة دى مابخلفش، خاصة كل التحليل اثبتت كده، وكل الدكاتره قالولى الامل ضعيف جدا...
صمتت للحظة تاخذ انفاسها ثم أكملت باكية.

- زهق منى طلقنى ورمانى، اضطريت إنى اعيش حياتى بالطول والعرض، واعمل كل اللى نفسي فيه، حتى لما جيتلك هنا انا كنت قاصده ادخل حياتك لانك عجبتى، وفعلا اتعلقت بيك، وطول الفتره اللى فاتت محدش قرب منى غيرك، واكتشفت من فتره إنى حامل، مكنتش مصدقة! طيب ازاى معرفش معرفش...
ثم دنت منه خطوة واكملت.

- وحياة اغلى حاجه عندك متكسرش بخاطرى، عارفه إن الموضوع ما يفرقش معاك، بس هيفرق معايا اوى دى فرصتى الاخيره، انا نفسي يكونلى ولد، انا محتاجاه فى حياتى يا زياد، انت مش هتخسر اى حاجه، وانا مستعده اديك كل الضمانات بس وافق..
ثار جنونه رافضا
- ايه الهبل ده، مستحيل طبعا، بصي يابت انت ؛ روحى اتصرفي فى البلوه دى بعيد عنى، احنا الاتنين كنا بننبسط ؛ بس متفقناش على كده، وانا مش هشيل بلاوى حد..

ترجته للمره الاخيره
- زياد، هتخلينى اقتل ابنك..! لا انا مش هقدر اعمل كده، انا مستحيل اقتله، لانى ماصدقت لقيته..
لملم دفاتره متأهبا للذهاب
- يبقي بعيد عنى يا حلوة، مش أنتِ اللى يكونلى منها عيال، سلام..
خطى عدة خطاوى حتى وقف على باب مكتبه متذكرا جُملة السائق (( شوف يابنى ربنا دايما هيتعمد يختبرك فى نقطة توبتك، عشان يتأكد إنك فعلا رجعتله بكل كيانك ولا لا)).

قفل الباب كرة آخرى ثم دار إليها وجدها منهارة من البكاء، فغمغم نادمًا
- وانا إيه اللى يثبتلى إنه ابنى..
شعاع نور تسلل لجوفها إثر سؤاله، فهتفت
- انا جاهزه لاى تحاليل او اثباتات، والله ابنك يا زياد، مش بكذب عليك..
طأطأ راسه صامتا مفكرا محاربا شيطانه
- تمام، اجهزى لده، أنا مش هقتل ابنى واعيش بذنوب اكتر من كده، ولو فعلا طلعت النتيجة صحيحه ؛ أنا هنفذ كل طلباتك والاختيار هيكون ليكى...

المجد لنهاية الحدَيث مثلما تمنيت أن يكون، نهاية العلاقة باحترام، المجد لنهاية المجاملات ونهاية الكذب وانكشاف الحقائق، المجد لنهاية اسبوع من الحزن، المجد لكل النّهايات، بحسنها وسوءها، والمجد لتوبة صادقة تقف بينك وبين أفعالك السيئه كسور يحفك دومًا عن السقوط فى فحل ما توبت عنه...

- بحاول اكلمك من امبارح...
اردفت ميان جُلمتها بميوعة وهى تصعد لاحد الغرف فى الفندق بشرم الشيخ، فاجابها هشام بنبرة رقيقة
- وانا معرفتش انام غير لما بعتلك اللى حاسه..
فتحت باب غُرفتها ساخرة
- ايه، زهقت من مراتك ولا ايه؟!
تغيرت نبرة صوته بحزن مفتعل
- ميان، انا مش عايز اسمع اسمها، من فضلك يعنى..
اصيبت بلعنة الفضول فسألته
- ليه كده؟! حصل إيه..
عض شفته السفليه مختنقا ثم قال.

- لما اشوفك هحكيلك، احنا لازم نتقابل..
ارتمت بدلال فى حضن فراشها، وقالت
- تجيلى شرم..
بدون تفكير اردف متلهفًا
- ياريتتتت..
اتسعت ابتسامتها
- أمتى؟!
فكر للحظه ثم قال
- بكرة؟!
ضحكت بصوت عال افحمه، فاجاب وهو تداعب خصيله من شعرها
- اتفقنا، مع إنى هموت وتيجى دلوقتى، بس تمام اللى يريحك..

نهضت فجر من رحيق ليلتها التى لم تنم فيها سوى ٣ ساعات على فترات متقطعه، فبات الشوق والنعاس فى صراع ابدى بجوفهم، كلما يغفيان تفزعهم صدح قلوبهم فينهضا ليتحدثان ويمرحان، فكانت من اجلى ليال العمر التى غلبت فيها الفرحه حد نسيانهم العالم ورائهم، باتت تغفو ثم تنهض لتتاكد من وجوه بجانبها لكى تثبت لنفسها إنها لست بحلم
تحسست بكفها فسحة فراشها الذى خلى منه مناديه عليه بصوت متكاسل
- هشااام...

انعقد حاجبيها على مضض أزالت الغطاء عن جسدها الذي يؤلمها قليلا، فنهضت ولمست اقدامها العاريه الارض وقفلت زرار جاكت ( بيجامتها ) الذي لم ترتد سواه، وظلت تبحث عنه، فاطرقت على باب الحمام مناديه
- هشااام، حبيبي أنت جوه؟!
ولكن بدون فائده، تسرب اليها شعور القلق الذي حاصرها من كل صوب وحدب فجلست على طرف فراشها حائره
- هو راح فين؟!

فتولد فى بها افكار لا يستوعبها عقلها الغض، فسالت دموعها خائفه من وهم رحيله، من فكرة رد الوجع الذى ذاقه من قبل، تجوب الغرفه بجنون وبخطوات عشوائيه حتى تكونت بعقلها مستعمره من الافكار السوداويه..
لم أفلت يديى عنك عمدًا، فالخوف خدعنى و بتر أصابعي
ولم أكن أعني الوداع، كنت أقصد أنني أحبك، فلا ترد لى الوجع ؛ افعل بى ما شئت إلا أنك تغيب عنى..

احتشدت العبرات بمقلتيها فما كادت لتخطو خطوة للأمام فتوقفت بمجرد ما سمعت صوت فتح الباب، وطل منه فاندفعت إليه بكلها، كطفل دام اعوام يبحث عن امه وانفجرت باكية، تعجب لفعلها وركل الباب بقدمه وضمها إليه
- اششششش، حصل ايه لكل ده..
اردفت بصوت متهدج بالبكاء.

- افتكرتك مشيت وسبتنى، كنت هموت فيها، تعرف انا عارفه إنى وجعتك بس اول مرة احس إنى دبحتك، أنا اسفه، انا هعيش عمرى كله عشان احاول اغفر حركة زى دى، حقك عليا..
انحنى ليحملها بين يديه كأبنته حتى جلس بها على اقرب مقعد وضم ساقيها ورأسها اليه
- إيه الفيلم الهندى ده كله، الموضوع مش مستاهل..
هزت رأسها نافيه
- لا، يستاهل، انا وجعتك اوى، عارف فكرة إنى نايمه فى حضنك وصحيت ما لقتكش جمبى دى لوحدها قتلتنى..

قبل رأسها ومسح على شعرها بحنو محاول اخفاء اعبائه:
- طيب اهدى خلاص، محصلش حاجه..
قبلت وجنتيه ورأسه ثم كفه ثم عادت لعيناه ناثره قبلات اعتذارها عليه حتى ارتمت فى حضنه وعانقته
- متعملش كده تانى..
ربت على ظهرها وقال
- انا طلعت بس اعمل مكالمه عشان مزعجكيش، كفاية انك منمتيش طول الليل..
- لا، بعد كده ابقي ازعجنى عادى..
ثم ابعدت عنه وابتسمت بحب
- صباح الخير ياحبيبي؟!
استعجب من مزاجيتها المتقلبة وقال ممازحا.

- ممم مكدبش اللى قال أن الستات دول مزاج زى الطقس، كل دقيقه بحال..
سألته ممتعضة
- ودى حاجه حلوة ولا وحشه؟!
زاح خصيلات شعرها وراء اذنها متغزلا
- دى حاجه قمر اوى...
احمرت وجنتيها فاطرقت بخجل
- طيب يلا اتصل بيهم خلينا نفطر..
رمقها بخبث وهو يشتهيها
- مش لما أفطر أنا الاول، هفضل اعلم فيكى لامتى؟!
انعقد حاجبيها متسائله
- ايه ده؟! يعنى مابقتش بروفيشنال لسه؟!

فضحك بصوت عال فكلما تطلعت اليه ملأته بحبٍ لم يعلم من اى ثقب تسرب لصميم قلبه، واجابها
- انا بنسي طيب، احنا ممكن نعمل تيست صغير دلوقتى عشان اقيمك!
هربت منه راكضه لتحتمى خلف المقعد الاخر
- لالا، انت بتستهبل، بقولك يلا نفطر والله بجد جعانه..
نهض محاولا الامساك بها فركضت لتقف فوق الفراش ضاحكه بصوت هز كل ساكنا به..
- على فكره أنت مش ادى..
عض على شفتيه متوعدا ومحذرا
- ولا انت ادى، تحبى افكرك؟!

فانفجرت ضاحكة على اسلوبه الساخر منها
- يابنى أنت متأكد انك المقدم هشام السيوفى؟!
دنا منها خطوة وغمز بطرف عينه
- تعالى وانا اثبتلك...
- يوووه هو انا كل شويه هقولك هات دماغك اللى بطير فى حتت معينه دى، على فكرة مش قصدى...
تأملها بعيونها الفاحصة من راسها للكاحل بلهفة
- اومال ايه هى الفكرة؟!
- يعنى حاسه انى بكتشف جزء جديد فى شخصيتك، أول مرة اشوفه..

تأملها فى غفلة منها وقفز هو الاخر فوق السرير بغتة فألتهم صرختها وضحكتها فى حضنه، وبات يستنشق رائحتها، واخبرها همسا
- انا اللى بكتشف نفسي معاكى..
عانقته بحب
- أنا بحبك اوى يابن السيوفى..
فأجابها تقبيلا اضرم النيران بأحشائهم، فابتعدت عنه وسألته
- امبارح قولتلى إنك عايز تحس الحب معايا ؛ كان اى احساسه..
احتوى بكفيه وجهها برفق واخبرها.

- حاجه كده عامله زى الجنان، المرض...! بس فى كل الحالات بتطيرك لفوق وبتخليك أسعد حد فى الدنيا، وده اللى حسيته معاكى أنتِ، أما الحب ده وهمكم انتوا...
- وهمنا احنا؟!
امتدت انامله لتفك ازرار سترتها وسألها ممازحا
- ماقولتليش، عجبتك الشخصيه الجديده ولا لا..
تلونت وجنتيها بزهور الحب ضاحكة واخبرته بهيام
- اوى، اوى..

- ها يارهف، احكيلى؟
جلس مجدى بجوارها بعدما اجبرها عل تناول فطارها وسألها سؤاله الاخير فانفجرت باكيه
- ما ينفعش أقولك...
احتوى كفها
- رهف، لازم تثقى فيا اكتر من كده، محدش هيساعدك غيري، ومتقلقيش هشام مش هيعرف حاجة، يلا..
بللت حلقها الذي جف إثر البكاء، واخبرته
- أنا اتعرفت على واحد اسمه فارس...
لاحظت بأن وجهه بات جمرة مم نار مشتعله، فابتلعت باقى كلماتها، فحاول افتعال وضع الهدوء كى لا تهابه..

- كملى يارهف، متخافييش..
- ضحك عليا وقال لى بيحبنى، وعرفنى عل اصحابه وكنا بنلعب ونهزر سوا وكده، وبس و الله...
جففت دموعها ثم اكملت جلد فى قلبه
- من كام يوم اتقابلنا، وقال لى هعزمك عل حاجه ساقعه، كل اللى فاكراه إنى نمت وصحيت لقيت نفسي فى اوضته..
ثم اجهشت باكية
- والله ماحصل حاجه، حتى انا كنت لابسه كل هدومى، لحد لحد..
شهقت متخذة نفسها بصعوبة وتقطعت نبرة صوتها.

- الفيديو اللى اتفاجئت بيه مع ميان، معرفش اصلا جابته منين، ولا ايه علاقتها بفارس..
كور يده كالقابض على الجمر وسألها بنبرة مكتظة
- وعايزه منك إيه..
- قالتلى إنها عايزه ورق مهم وهارد كان مع بابا، لانه لو وقع فى ايدين هشام هيوديهم ورا الشمس، وووووو وكمان اصور فجر فيديو وحش زى اللى هى صورته ليا..
- ااااه ياولاد ال*****.
- مجدى، انت وعدتنى مش هتقول لهشام صح؟!

كتم حزنه وضجره منها فى نفسه ووقف حائرا غير مستوعبًا ما روته ثم قال لها بحماس نفض به مشاعره
- أحنا لازم نعرف إيه الورق اللى بيدوروا عليه، رهف اهدى كده واشرحيلى الموضوع من أوله لاخره وكل المعلومات عن الشله دى، وانا هجيبلك حقك، تمام يارهف..!

انتهت فجر من تناول الفطار ثم نهضت لتبحث عن ملبس آخر لترتديه، وقفت أمام الخزانه حائرة الى ان اخذت قميص من الحرير يصل لركبتها، قفلت الخزانه وتولدت فى رأسها فكرة أخذ حمامها معه، ما لبثت أن تتحرك خطوة للامام فأوقفها صوت رنين هاتفه، برقم ( ميان )
وقفت على باب الحمام منادية
- هشام، حبيبي فونك بيرن..
يغسل الصابون من على عينيه
- طيب شوفى مين...
فصاحت
- ماهو رقم غريب، مش متسجل..

ثم أخذت الهاتف وفتحت الباب وقالت
- دى تالت مرة يكلمك، خد شوفه يمكن حاجة مهمة..
لازال يغسل رغاوى الصابون من على وجهه وقالها
- افتحى وشغلى الاسبيكر طيب...

‏بتُ أخاف الصُدف وأخاف شبح التعلُّق، أخاف من اللحظات الأخيرة، وكل النهايات، وارتعبت من أنّ يحدث كُل هذا معك.

فصاحت
- ماهو رقم غريب، مش متسجل..
ثم أخذت الهاتف وفتحت الباب وقالت
- دى تالت مرة يكلمك، خد شوفه يمكن حاجة مهمة..
لازال يغسل رغاوى الصابون من على وجهه وقالها
- افتحى وشغلى الاسبيكر طيب...
كانت جُملته تلقائية مُتناسيًا كل شيء حتى مهماته ؛ كأنه حينماا قرر ركن عقله رُكنت معه كل مهامه، وضعت فجر ابهامها على زر الرد ولكنها انتظرت للحظة وغمغمت.

- طيب اغسلى الصابون اللى على عينك الاول عشان ما يدخلش جواهم، هترد ازاى؟!
مسح بكفيه على وجهه بحركات سريعة للتخلص من رغاوى الصابون وعندها تراجعت هى خطوة لتُحضر المنشفة فانقطع صوت الرنين، فبمجرد ما فتح عيونه سقطت انظاره عليه مبتسمه وتمد له ( الفوطة )
- خد نشف وشك الاول وايدك ؛ وبعدين شوف مين عايزك..
تدلت انظاره عليه بتسليه قطعتها بنداءها عليه
- هششاام، روحت فين ؛ التليفون ياحبيبى..

اومأ مستجيبا وهو يأخذ الهاتف من يدها فرُد الرقم بقلبه حينما تأكد من هوية المتصل وتبدلت ملامحه لأكثر حيرة وقلقا، فسألته مستفهمة
- فى ايه؟!
- هااا! لالا مفيش ؛ ده رقم مش مهم..
قال جُملته وهو يقبس على زر اغلاق الهاتف ثم اسنده أعلى المرحاض وقال ممازحا لينفض عنها غبار اوهامها
- أنا واخد بالى إنك جايه لحد هنا برجلك ؛ ومش خايفه يعنى!
حدجته بشكٍ، وهى تعبث بخصيلات شعرها بإستيحاء وتراجعت خطوتين ؛ ومغمغت.

- التليفون، هو اللى جابنى لهنا ؛ اصلو، يعنى، خوفت يكون حاجة مهمة، ولا ايه؟!
اطلق انظاره عليه بحُرية وهو يقفل مياه الصنبور، وحياها
- أنا مبهور بشجاعتك، خطوة جريئه وحلوة عجبتنى..
تحاشت النظر إليه بكل الطرق بخجل، وأمضت
- ما بلاش اسلوبك ده؟! انا مافكرتش فى كل الحاجات دى، وبعدين انا غلطانه أصلا انى انشغلت عليك..

ما كادت أن تولى ظهرها فجذبها إليه بغتة فانزلقت قدمها وسرعان ما لحقها وهو يرفعها بذراعه القوة لتسقط اسيرة ضلوعه، أكتست ملامحها بالخوف والفزع، والذهول والحب والربكة فى آن واحد، واكتسي هو بها، فطأطأ رأسه واحتوى كفها ووضعه على قلبه، وسألها
- أنا نفسي افهمك، منين بتكونى بتعومى فى حضنى ومنين بتتكسفى وبتخافى منى..؟! افهمها ازاى دى؟!
تقلصت ملامحها واجابته بحياء.

- تختلف طبعا، وبعدين أنت مكلبشنى كده ليه..؟! سيبنى...
لفها لتتخذ من الحائط مسندا لظهرها وبات هو مطل لعيونها، وقال متيمًا
- للاسف جيتى برجلك ؛ وانا بموت فى استغلال الفرص..
أزريت على كلامه ساخرة وبنبرة مغلفة بالتحدٍ
- وزى ما جيت هعرف أهرب بردو..
حدجها متعجبا من جراءتها
- خوف ولا تحدى؟!
شحذته بعينيها ؛ واردفت متدلله
- أنت قولت لى ماينفعش أخاف وانت معايا، يبقي مش لا خوف ؛ نمشيها تحدى، ونشوف مين اللى هيغلب!

اصدر إيماءه خافته تحمل بين ثناياها خيوطا من التوعد ؛ وتعمد الاتكاء على ذراعه أكثر تبرز عضلاته القويه، وقال
- ااااه، تتحدينى؟! ما بلاش عشان هغلبك..
سقطت انظارها على بروز عضلاته اللاتى تتدرك جيدا مدى قوتهما وأن التفتوا حولها فلا نجاة من اسرهم الا إن اذن، وبالرغم من يقينها التام بالهزيمة الا ان عناد حواء وقف أمامه، وقالت
- مش بالعضلات على فكرة!
ضحك ساخرا من سذاجتها ؛ وتدللها.

- لا هما بالعضلات على فكره، وشكلى لازم افكرك لانك بتنسي بسرعة..
بغتة ابتلعت بقية جُملته فى شدقها وهى تُقبله بلهفة فاستند بكلتا ذراعيه على الحائط مستسلمًا لفعلها المُفاجئ، فلا هُو ولا هِي يعلمَان ما هو الحبّ، لكنّهما كانا يشعران بأنّ شيئا ما يجْري بينهُما ويحركهما ولكنه كان مذهلاً وجميلاً..

أمتدت أناملها لتفتح مياه الصنبور الذي غرقهما بمطر العشق الذي بلل اجسادهم فاصبح الثنائى مخدرين تحته فخلدا معًا فى ألذ لحظات الحب، فساب هشام نفسه مع الحب يقتله، الى ان تناسى قوته التى لم يستخدمها إلا فى لحظاته الحالكة بينهما، فى تلك اللحظة التى شعرت فيها بانسجامه التام وخضوع قلبه لها، انخفضت عن مستواه متعمده وفرت هاربه من تحت ذراعه وقفلت الباب بسرعه من الخارج فلم يلحق ان يفيق من فعلها الجنونى سمع صوت ضحكاتها المنتصره وهى تقول فارحة.

- قولتلك مش بالعضلات ياسيادة المقدم ؛ تعيش وتاخد غيرها..
أشعلت بثلج تحديها نيران الحب به، فجزلها قائلا
- طيب افتحى..
- تؤ، قول إنى كسبت الاول..
- أحنا متفقناش على الخديعة..
عقدت ساعديها أمام صدرها وقالت مترنحة
- فالحب مفيش اتفاق ؛ كله مباح، وعقاب المهزوم إنه يتحبس ساعتين فالحمام، قولت إيه؟!
افحمته أكثر ببرودها، فنهرها
- قولت افتحى وإلا هفتح دماغك..
- مابتهددش..!
- فجر، متقليش حسابك معايا؟!

ارتعدت قليلا لنبرته الحادة، فتراجعت عند عنادها خطوة وسالته
- طيب لو فتحت ؛ مش هتزعلنى؟!
ارتدى منامته القطنيه، وقال بثقه
- لا هتزعلى...
- يووووه، والله كنت بهزر معاك، قول أنك سامحتنى ؛ وانا هفتح..
فجر بغضب الهزيمة
- أنت اصلا لسه عقابك مخلصش للدلع ده كله..
شهقت مفزوعة وهى تضع اناملها على ثغرها
- أنت كل ده ومخلصتش عقابك، هشام بجد هو أنا مابصعبش عليك طيب!
هشام بحزم
- مش هكرر كلامى تانى...

حاولت تجميع قوتها وجراءتها لمواجهته، حيث امتدت يدها لفتح مقبس الباب ؛ وركضت بعيدا لتحتمى بظهر المقعد ؛ معتذرة
- خلاص والله، هو احنا مش كنا نلعب، أنت زعلت عشان كسبت ليه؟!
دنا منها، واجابها ساخطًا
- كسبتى بالخديعة؟!
كتمت ضحكتها واردفت متحدية ومتفاخرة بدون تفكير
- الصُحف لا تُسجل الا النتائج، خديعة بقي مش خديعة، أنا اللى كسبت...

رجل مثله اعتاد ألا يهزم أبدا، فتتطاولت يده لتنالها حيث تجاهل صراختها وتوسلاتها وألتف ذراعه حول خصرها وحملها ثم رماها بقوة على سريره، فتكورت متراجعه وهى تترجاه
- أنت اللى كسبت خلاص، أنا سحبت كلامى..
ثم انخفضت نبرة صوتها وهى تتوسله عند دنوءه منها
- بص أنا عيله، هتاخد على كلام عيلة زيي ياهشام، انت دماغك اكبر من كده؟!
ثم رفست بساقيها واغمضت عيونها بكفوفها مستجدة.

- طيب بلاش عقاب تانى، انا غلطانه والله، اخر مرة، حرمت خلاص.

كتم ضحكته على طفولتها وبراءتها ولكنه واصل عقابه المستلذ وضغط على معصميها بكفه ورفعهما بمستواها وأسرهما ليشل مقاومتها، فبات انظاره مُلتقيه فارسل لها ابتسامة انتصار استقبلتها متوسلة، ولكنها تجاهل استعطافها ومال على شدقها ليرتشف من شهدها كيفما شاء، باتت قُبلاته خفيفة حد ما شعر بسكونها التام تحت يديه، ثم اخذت قبلاته تشتد تدريجيا حتى وصلت حد انكتام انفاسها، ظلت متخدرة بقربه الى ان احست بروحها تنسحب منها، فلقد.

ضاق الدرب عليها فلا يكفى لمرور تنهيدة حاولت أخذ الاوكسجين فافشل مخططها وواصل فعله الغض طويلا حتى افقدها قدرتها على الاستغاثه حد انبثاق الدمع من قنواتها الدمعيه واحمرار وجنتيها لضيق التنفس، فحال انتشاءها صراخ مكبوت، وتراقصها فى حضنه لتملص بأنين الوجع...

وبعد دقائق من المعاناة والالم اخيرا اعفى عنها وافسح لها المساحة للتنفس ففزعت كالملدوغه تحتضن بكفها قلبها وتسعل بقوة وتلتقط الاوكسجين سريعا، لاهثة حتى سبته علنا
- ياغبى، نفسي حرام عليك كنت هموت فى ايدك..
تحرك أمامها مصدرا صفارة خافته ودندن ببعض الاغان ثم اردف محذرا
- مش عايز غلط، وألا عقابى هيزيد...
تهبط انفاسها تدريجيا حتى استعاد قلبها النبض بانتظام وغمغمت.

- همجى، ومتخلف، انا غلطانه إنى هزرت مع واحد زيك..
وقف أمام المراة ليصفف شعره وقال
- مش عايز برطمه..
فحدجته بغل وهى تستند بظهرها على الوسادة متجاهله تحذيره، ثم عاد إليها مبتسمًا وقبل جبهتها بحنو وغمز لها بطرف عينه فولى ظهره
- عشان تعرفى انها بالعضلات..
- لا مش بالعضلات..
- هرجعلك!
فارتعبت لتهديده
- خلاص خلاص هى بالعضلات، انا اللى حمارة مابفهمش، وسحبت كلمتى..
- شاطرة...
ثم غمغمت بهدوء:.

-يلا تعالى صالحنى، وصلح اللى أنت هببته
غمز بطرف عينه وهو يشعل سيجارته واثقه
- لا، ماليش مزاج دلوقتى، ويلا قومى ألبسي عسان نمشي.

أنا أعرف أنه يحبني، لا لستُ كما أحبه، ولكنه يحب كل ما يؤدى إلى وان كان شجارا، يهرب مني في الوقت الذي لا أكف فيه عن الاندفاع نحوه , وأنا أعرف أن الحياة قد خدشته بما فيه الكفاية ليرفض مزيداً من الأخداش فبات انتقامه يتفجر بى وان كانت الاسباب منعدمة، ولكن لماذا يتعيّن عليً أنا أن أدفع الثمن؟! ثمن حبى وثمن اخداش الزمن؟!

صعدت رهف بجوار مجدى فى سيارته، فبالرغم من ظهوره عاديا دون اى تغير الا أن دخان المشاعر المتحرقة ينفذ رائحته منه، ظلت تتأمله رهف فى غفلة منه، وانطلق بسيارته الى فيلتهم تحت صمت تام بخلاف الحروب المُندلعه بصدورهم..
ولكن كان صدح قلوبهم ونزيفهم أقوى.

- (‏أتمنى لو بإمكاني إتلاف كل شي حدث بيننا وقتل كل الاشباح التى غوتنى للانحراف عن مسارك، ونعود إلى الوراء إلى ما قبل النضج والى ما بعد الالم، حينما كنت ارتمى بين ذراعيك مستغيثة، فبضمة واحدة منك انجو منى، )
تعمد ألا يحدجها شاردا مع صراع عقله الذى يعاتبه.

-( كنتُ أهرول إليكِ وقطعت الاميال لتكونى لى، وكنتِ تهرولٍ منِي، وكانت المسافات تُرهقني وحبال الامل تتمزق أمامى، فكانت المسافات إنجازك العظيم، وكنتَ أنتِ إنجازي الاعظم، ولكنه كان متأخرا )
صفت سيارته أمام البيت فنزلت رهف راكضة فتابع ركضها بخطواته الواسعه الثابته، فكان البيت خاليا لم يقطن به أحدا، فتوقفت ونظرت لمجدى متسائله
- هنعمل إيه؟!
- هنقلب البيت على اللى هما عايزينه..
امتعضت غير مقتنعة.

- انت ليه متأكد انه هنا!
بنبرة حادة اجابها
- عشان مفيش مكان آمن من هنا عمى ممكن يشيل فيه حاجات مهمة زى كده، المهم هو فين..؟!
هزت كتفيها مستعجبة
- اهو ؛ هنشوف، يارب بس نلاقى حاجة...
اشار إليها بسبابته
- اطلعى أنت دورى فوق وانا هحاول ادور فى أوضة المكتب، يلا قبل ما حد يجى...

وصل هشام وفجر للسيارة التى فى انتظارهم، وشرعا فى صعودها فأوقفهم صوت انثوى مناديا عليه
- هشام بيه؟!
أعطى هشام الحقيبه الصغيرع للسائق ليضعها فى السياره ثم استدار نحو الفتاه واجابها على مضض
-ريهام! ازيك ياريهام!
صافحته بعشم زائد وهى تطبق على كفه بكلا كفيها
- ياااه اخيرا اتقابلنا؟!
انعقد حاجبيه باستغراب محاولا سحب كفه
- آخيرا ليه؟! أنتى كنتى مستنيانى...
ضحكت بميوعة فجرت النيران فى قلب فجر.

- أنا متابعة كل أخبارك أول بأول! وحشتنى بجد ياهشام..
تدخلت فجر بجزع
- مش تعرفنا ياهشام؟!
رمقتها ريهام بضيق، ثم ارسلت إليها ابتسامه حقد
- مراتك، مش كده؟!
بادرت فجر بالرد
- ايوه، وكنا بنقضي يوم حلو هنا، بس ياخسارة الحلو ما يكملش...
اتسع ثغر ريهام بابتسامة زائفه
- لذيذه مراتك ياهشام، احم طيب تسمحلى لو أطمن عليك كل فترة..
ألقى هشام نظرة خاطفه على فجر ثم قال مرتبكًا
- ملهوش لزوم..

- لا لا ازاى ده لازم، عايزة اسمعك واعرف كل اخبارك، ممكن رقمك الجديد..
اتكئت فجر على باب السياره بتأفف
- اديها رقمك ياسيادة المقدم...
ضحكت ريهام متعمدة اثارة غيرتها
- اهو واحنا أخدنا الاذن من المدام، شكلها اوبن مايند...
ثم اخرجت كارت من حقيبتها وتغنجت وهى تضعه فى جيبه
- ده رقمى وهستنى تليفونك آكيد..
امتدت يدى فجر داخل جيبه واخذت الكارت ومزقته امامها وجهرت باختناق
- هنتأخر...

فابتسم هشام بفرح لفعلها الغير متوقع وواستئذن من ريهام وقال متعمدا اثارة غيرة فجر
- اكيد هنتقابل تانى يا ريهام، فرصة سعيده..
ثم جهر مناديا على السائق واخذ منه المفاتيح وقال
- هسوق أنا، روح أنت...
تحركت فجر لتجلس على المقعد الامامى متأففه وعلامات الضجر تتراقص فوق ملامحها، أما عن هشام فصعد بعد ما تبادل الحديث مع ريهام لدقيقتين وشرع فى قيادة سيارته بصمت تام قطعته فجاة وهى تضربه بشنطتها.

- امممممم عجباك ست ريهام؟! مخدتش رقمها ليه؟!
تجاهل سؤالها ببروده المعتاد واردف
- أنت أد الضربة دى؟!
فكررت فعلها عدة مرات بغل وحدجته بضيق
- احنا في إيه ولا ايه، تطلع مين ست ريهام دى!
حدجها محذرا
- يابت اسكتى هنعمل حادثه..
ثم لكزته بقضة يدها
- تبقي اترحمت من اللى هعمله فيكى..
تفقد المكان للحظة فوجد نفسه تحت الكوبرى فصف سيارته جنبا وسألها
- عايزة ايه..؟!
ارتفعت نبرة صوتها مختنقة وهى تضربه بغل.

- احسنلك ابعد عن وشي الساعة دى مش طايقه نفسي، اقولك روح لست ريهام...
مسك ذراعيها بقوة وثبتهما فى المقعد الذي رجعه للخلف بضغطه واحده ففوجئت بعيناه تعلوها، فلم يعطيها فرصة للذهول فباغتها بقلبة طويله اخرستها ثم قال منتصرا
- بدل ده كله قولى إنك عايزه كده؟!
فاقت من سحره واسواره التى لم تتحرر إلا بينهم وبات العالم فى بعده منفاها فحاولت تحرير كفها ؛ وقالت متألمه.

- الشارع يا هشام عيب عليك، غلط اللى بتعمله ده..
- ولا يهمنى، العربية ومقفوله ومحدش هيقدر يشوفنا من بره، فين الغلط؟!
فحدجته بلومٍ
- الزنقة اللى احنا فيها دى، ميصحش ارجع مكانك..
رمقها بنظراته الفاحصة واعترافه الصريح بالسقوط فى هويتها، وقال راغبًا
- تصدقى ينفع جدا، اصلا مفيش احلى من الزنقة.
صرخت متوسله ليبتعد عنها ويتوقف عما ينتوى فعله
- بطل جنان ياهشام، وارجع مكانك، خلاص بجد...
اقترب ناحية أذنها وهمس.

- طيب هأجلها بمزاجى برده مع إنه مش بالساهل، بس عايزك تحطى فى دماغك ان اللى حصل منك ده مش هيعدى بالساهل، ولا مفيش حد هيملى عينى بعدك.
ثم عاد لمقعده مستريحًا وعاد ليقود سيارته بسكوت وانكمشت هى فى الباب متوعده وتمتمت
- يخربيت جنانك! طيب ياهشام صبرك عليا...

هتفت رهف من أعلى وهى ممسكة بهارد قديم
- مجدى، يااا مجدى؟!
خرج من غرفة المكتب وسألها
- لقيتى حاجه؟!
قلبت الهارد بيدها
- ايوة لقيت ده فى الحاجات القديمة الخاصه ببابا...
اخذ الهادر منها وفحصه
- أنا عندى جهاز يشغل النوعية دى، ممكن يكون هو اللى بيدوروا عليه..
هزت كتفيها بجهل
- ممكن هو...
- خلاص خليكى أنت هنا، وانا هروح اشغله..
توسلته بانظارها.

- لا هاجى معاك، عشان لو كان هو هتصل بميان تاخده عشان تمسح فيديوهاتى...
رمقها مجدى باستخاف على سذاجتها وعدم اداركها حجم الكارثه التى اوقعتهم بها، واردف محذرا
- اعمل فيكى ايه؟! ميان متعرفش حاجه يارهف، انت فاهمة..
اومات بطاعه ثم تابعت خُطاه ركضا
- خلاص مش هتعرف حاجه..

وصل الثنائى الى سيارته فصعدت وجلست بجواره، وخرج مجدى سريعا من بوابة المنزل فمن سوء حظهم لاحظهم زياد الذي اشتعل بجمر الفضول وقرر أن يتبع خُطاهم خلسة مع وتيرة من اللعنات والسبات فيهما إن حالت شكوكه ليقين...

فتح هشام باب شقته بعد جولة الصمت التى احتلتهم طول فترة العودة الى البيت ؛ فدخل هشام ثم تابعت خطاه متجاهلة وجوده تماما كأنها تعاقبه على اسلوبه المُبرح معها، فأوقفها ندائه الآمر
- خُدى هنا...
ألقى مفاتيحه على الطاولة، ثم أمرها
- افردى بوزك الممدود شبرين ده..
لاحت له بكفها معاندة
- مالكش دعوة بيا...
ركل الباب بقدمه ثم زمجرت رياح غضبه
- أنا لما اقول كلمة تتنفذ..
فكت حجابها بعشوائيه كأنها تفش به غُلبها.

- لما تراعى مشاعر البنى آدمة اللى معاك الاول أبقي اتكلم..
نزع حذائه وسألها مستنكرا إثر فعله
- وكان حصل إيه لكل ده!، أنت اللى مكبرة الموضوع..
ألقت حجابها فى الارض وتابعته بنزع الحذاء بفوضويه وهى تهذى
- هنعدى اللى حصل فالاوضه وانك كنت هتموتنى فى ايدك ؛ وكمان مين اداك الحق تسلم على واحده ست لا وكمان تقولك وحشتنى؟! وواضح عليها أنها متابعاك اوى ومهتمه بأخبارك كمان..

اتكئ على المقعد ومد قدميه فوق الطاولة واردف بهدوء
- دى معرفه قديمه، عادى يعنى؟!
فاض صبرها
- والله؟! دى مشالتش عينها من عليك يا حضرة الظابط..
ضم ساقيه مرة آخرى ووقف ونصب عوده بثبات وهو يفك ازرار قميصه وسألها باستنكار
- أنت مش واخده بالك إنك بتتخانقى معايا على تصرفاتها هى، فين الغلط اللى أنا عملته ؛ واحده وجات سلمت اقولها لا، بلاش مراتى تضربنى؟!
ترنحت معاندة وشظايا الغضب يتقاذف من عيونها.

- دى مش جاية تسلم، دى كانت قاصدة تفرسنى وكانت بتكلمك بعشم زياده عن اللازم..
اقترب منها واطرق واثقا وبنبرة منذرة مغلفه بالمزاح
- ما بحبش الست اللى بتغير عليا ولا اللى تعلى صوتها فى وجودى، أنت فاهمه..؟!
فرت دمعة من طرف عينيها إثر قلة حيلتها فالكلام معه غير مُجديا بالمرة، فتجاهلته وولت ظهرها متجه نحو غرفتها فتابع خُطاها حتى وقف وراءها أمام الخزانه المنفتحه على مصرعيها، وهمس
- أنت أحلى منها على فكرة..

اطاحت الجملة بعقلها وبكل شحناتها السالبه، ولكنها تعمدت الاطاله فى زعلها، فقفلت باب الخزانه وابتعدت عنه بضجر
- مش أنا اللى تقارنى بواحده تانيه..
تابع خُطاها بطوله المديد وهيبته الفظة
- ومين قالك إنى بقارنك بيها ؛ أنا بدور عليكى فى كل واحده عشان اتاكد إن مفيش غيرك اللى هيملى عينيا...
ازريت على كلامه بتهديد
- ولا تفكر تبص لواحده اصلا..

ثم تناولت سترته لتعلقها على الشماعة فلم تكبح أن تلتف فوجدته خلفها يأسرها من كل النواحى، اشتعلت بشهوة إطالة النظر بعيونه ولكنها استقويت وقررت ألا تحن، وغمغمت
- عايز إيه..
حدجها بنظرة اشتهائه فيها، وقال
- اللى منعتينى إنى اعمله فالعربية...
- بتحلم؟!
غزت عقله وقلبها بتمردها الدائم على قوانينه..
- منا هنا معاكى عشان احقق كل احلامى..
فذكرته بجملته متدللة
- ماليش مزاج...

هاجت اشباحهه بداخله وهو يدفن أنفاسه فى عنقها متيما
- بس أنا ليا..
تلك الرعشات التى اندلعت فى حضرته فانفرطت مشاعرها أمامه وهى تتأمل شعره الداكن كغموضه، وبتلقائيه التفتا كفوفها حول عنقه وهمست معتذرة
- اسفة إنى عليت صوتى عليك، بس والله كنت متغاظة، اوعدك مش هتتكرر...

انتشى لسماع اعتذارها الفورى، فتأكد حينها إنه أمام طفلة لا تعى شيئا عن امور النساء المعجونين بدقيق النكد، فواصل فعله كردا معبرا عن اعتذارها وغمغم هائما بها
- أنت تعملى و تقولى اللى انتِ عايزاه..

تلك اخر جملة اردفها قبل ما يصب شوقه فى فمها ويضمها إليه، فذابت فى سحره وبين يديه متأوهة و كأنها تخبره( احببتك بكل نجومك وثقوبك وظواهرك الكونيه التى تتقلب كحالة الجو )، بات يروى غريزته منها وباتت تراعى زهور حبها التى ترعرعت بريقه الجارى بها..

فحملها بقوته وبلهفته حتى باتت جزءا متصلا به ولا يفرق بينهم إلا بعمليه جراحيه، رجل مثله لا يفهم الحب الا عبارة عن قفص يأسر من أحب بداخله بكل ما خلق به من انانية ليبقي له لوحده، و امراة لا ترى الحب الا اجنحه تحلق بهم فوق سحب السماء مع من تحب، هل يجتمعان؟!
- نعم فالحب لا يجمع الا المختلفين دائما..

صف مجدى سيارته تحت شقته فهبط منها سريعًا لتابعت رهف خطواته متلهفة فلحقت به، وحينها هبط زياد من سيارته متبعا خُطاهم وعيناها يشعان لهب الغضب كالقابض على الجمر..
فتح مجدى شقته وركض نحو الجهاز الحاسوب ليشغل الهارد وفى نفس اللحظه قفلت رهف الباب ودنت منه وسألته
- هااا اشتغل..

يحرك ( الماوس ) بسرعة ويهز ساقه على اوتار القلق متجاهلا سؤالها، ينتظر فتح الشاشه على أحر من الجمر، لاحظت رهف تغيره الشديد معها وتجاهل اغلب اسئلتها فجثت على ركبتيها بجواره واحتوت كفه بضعف واسف
- انا اسفه يا مجدى، بجد آسفه، أنا مش هستحمل معاملتك دى..
تجاهل اعتذارها بمعاناة تخرط فى قلبه ثم رفع انظاره صوب الشاشه التى اضاءت، وفى تلك اللحظة ارعبهما صوت طرق الباب بقوة، فانتفضت رهف خائفه.

- مين اللى بيخبط كده...؟!
نهض مجدى مندفعا ناحية الباب
- خليكى هنا، وانا هشوف فى إيه..
تجمدت رهف خائفة فى مكانها تشع مجدى بنظرات الفضول لمعرفة هوية الطارق، فبمجرد ما فتح مجدى الباب باغته زياد بلطمة قويه فى وجهه مما جعلته يتقهقر للخلف مختل الاتزان، فجهر زياد بغضب
- هى حصلت يا مجدى؟! حصلت اختى عندك في بينك؟!
استرد مجدى اتزانه واضعا يده على موضع الالم، وعارضه
- أنت اتجننت يا زياد؟!

دفعه زياد بقوة بذراعه السليم وصرخ بوجهه
- انت تخرس خالص؛ فاهم، لسه حسابك مجاش..
انفجرت دموع رهف متوسله بصراخ
- يازياد افهم بس..
بخطوة واسعه اتخذها كانت رهف تحت يديه وهو يسحبها من شعرها
- وكمان ليكى عينى تتكلمى!
تلوت رهف وجعا متشبثة بيديه صارخه لتستعطفه
- اسمع بس، حرام عليك.
وقف مجدى أمامه معارضًا، وجهر فى وجهه بحدة
- ماتعقل ياخى وتفهم..
بات نبرة زياد كالرعد وهو ينهره.

- لو كنت فاكر إنك بكده هتلوى دراعنا تبقي غلطان، اوعى من وشي..
تجاهل زياد صراخات رهف المتألمه وسحبها بكل قوته وجرجرها على درجات السلم تارة جالسه واخرى متقاعسة صارخا
- نفسك ده مسمعوش، أنت فاهمه!
تناول مجدى مفاتيحه وقفل بابه وركض خلفهم ليرحمها من جنون زياد الثائر، مزفرا
- اوووووف، هى نقصاك انت كمان يازياد...!

- أحنا مش اتفقنا إنك هتبطل السجاير دى؟!
تستكين فجر على سياج صدره العارى ويطوقهم دخان سيجارته، فاردفت جملتها الاخيره بنبره معاتبة، فاجابها
- ريحتها مضايقكِ؟!
- لا بس مش عايزاك تشربها..
أخذ نفسا اخرا منها وحدجها
- عادى بشربها عشان افش فيها ضغط الشغل ولما أكون مضايق..
أعتدلت من نومتها فألتقت أعينهم، فاطرقت بحزن
- يعنى أنت ومعايا مضغوط ومضايق؟!
اعتدل ليطفئ سيجارته ثم قال باستغراب
- وانتِ مالك بس؟!

امتد كفها الصغير ليحتوى وجنته فاحتضنت بجفونها شيئا بقلبه لم يكن يعلم بوجوده من قبل، وقالت
- خلينا متفقين إنى اكتر واحده عارفه إنك مش تمام، حتى وانت معايا..
عقد حاجبيه
- إزاى؟!
بللت حلقها الجاف وانبثقت دمعه من طرف عينيها.

- أنت ما بتشوفش نفسك معايا، طول الوقت بحسك فى صراع مع نفسك ومع كل حاجه حولينا، حتى وانت معايا وبين ايديا بحسك بتنتقم من الف حاجه، كل ردودك على فرحى وحزنى وزعلى مختصر عندك فى حاجه واحده وبس ؛ وانت اكيد فاهمنى!
شهقت بخفوت فظل ينصت إليها باهتمام بالغ ؛ حتى واصلت بحنو فكانت تُجاهد لتهدأ
- أنا مش بشتكيلك، أنا بحبك بكل حاجة فيك ومهما عملت فيا أكتر من كده، انا راضيه المهم إنى جمبك ومعايا..

- عايزة توصلى لايه؟!
هبط كفها الصغير من على وجهه لقلبه وقالت بخفوت
- لده، عايزة أوصله..
انخفضت انظاره على موضوع كفها وسألها
- وهو قصر معاكى..
اومأت ايجابًا وهى تجهش بخفوت.

- فى حاجات أهم من الفعل أنا محتاجها منك ؛ ندردش وتسمعنى وتفهمنى وتفتحلى قلبك ؛ أهتمامك من قبل ما اطلبه، تحس باللى يزعلنى وتتجنبه، نتفاهم، طول الوقت بتتعامل معايا كأنى أمينة وانت سي السيد، مش هنفذ غير اللى انت تأمر بيه من غير نقاش، متغيريش..
ثم سكتت للحظة
- أنت ليه مش عايزنى اغير عليك ؛ انا بحبك والحب والغيره توأم...
- اللى بيغير بيبقي فاقد الثقة فالطرف التانى يافجر..

- محصلش، ملهاش علاقة ؛ دى حاجه ودى حاجه تانيه، انا بغير عليك من الهوا اللى بيدخل جواك وانا مش كده، بغير من هدومك اللى بتحضنك طول الوقت، يبقي مش هغير عليك من البشر، انت ليه عايش فى كل العقد دى اللى فى دماغك!
بسط ظهره متكئا على الوسادة وقال
- دى شخصيتى، للااسف، مش هعرف اتغير..
انبطحت ممددة على صدره بهدوء، وسألته
- تسمحلى اسالك سؤال..
تغللت أنامله فى شعرها وقال
- اسألى!

- بسمة قالتلى إنك كنت بتحب واحده من ايام الجامعة، وهى اللى عقدتك من كل البنات، ده حقيقي...
اتسعت ابتسامته متعجبًا
- دانت سائله عليا كويس اوى...
- لو مش حابب تتكلم مفيش مشكله..
ثم طبعت قُبلة خفيفه على صدره وواصلت
- أنا بس عايزه احط ايدى على نقطة الوجع عشان نداويها..
فكر طويلا وهو يداعب كتفها بإبهامه واردف
- لا، هحكيلك...

ابتلع باقى جُملته إثر ضجيج صوت الباب ودق الجرس معا وصوت زياد صارخا من الخارج، ففزع من راحته قلقا
- فى ايه؟!
نهضت خلف واعطته ( ال تى شيرت ) الاسود ليرتديه فوق بنطاله ( الرمادى ) سريعا
-خد ألبس ده، متفتحش كده، خير باذن الله..
قطع الطريق بينه وبين الباب وهو يرتدى فى ملبسه تحت اصوات زمجرة صراخ زياد، فما لبس أن فتح له الباب فألقى رهف بين ذراعى آخيها صارخه
- خد ربي اختك اللى عايزه تفضحنا..

احتوى اخته الهالكة فى دموعها وصراخها وتوسلاتها
- والله والله ما عملت حاجه يا هشام...
اطرق مذهولا
- إيه، مالك باختك، انت اتجننت تمد ايدك عليها..
صرخ زياد غاضبا
- كويس مقتلتهاش فى ايدى..
فاستنجدت رهف به
- والله ما عملت حاجة ياهشام، والله هو فاهم غلط..
أطبق كفه فى شعرها بقوة وهو يهزها
- جايبها من شقة مجدى وتقول لى فاهم غلط، اى الصح يامحترمه..
نجدها هشام من قبضة يد زياد فركضت لتحتمى بظهره وهى تهذي.

- متصدقوش ياهشام، هو مش فاهم والله ما فاهم...
قطعهم دخول مجدى الى عقب على حديثها بنبرة حادة
- ما تفهم الاول وبعدين اعمل اللى أنت عايزو يا زياد..
فحدجه هشام مذهولا
- اختى كانت فى شقتك يا مجدى؟!
نفذ صبر مجدى مترنحًا
- ما تهدى وتفهم انت كمان..
فصاحت زعابيب هشام بوجهه
- يعنى كانت؟!
خرجت فجر فى تلك اللحظه واخذت رهف فى حضنها وابعدتها عن مواجهتهم، فنهره مجدى متعجبا.

- وانت كمان هتتجنن زى اخوك، ماتفوق وشوف انت بتكلم مين ياابن عمى..
تدخل زياد بعواصفه
- ايه واخدها البيت تلعبوا طاوله يامجدى؟!
تركت رهف حضن فجر وركضت نحو هشام مستغيثه
- هشام أنا فى ورطه ومالقتش حد يساعدنى غير مجدى، عشان خاطرى افهم وبعدين احكم..
هشام وزياد فى نفس واحد
- ورطة إيه؟!



 

تاااابع ◄