رواية الحرب لأجلك سلام الفصل التاسع عشر
يتجاوز المرء مواقف كانت تستدعي منه الوقوف واتخاذ قرارت مصيرية
يواصل الحياة فلا ينهزم أمام فقدان الأحبة خذلان الأصدقاء، ولا يبكي على أطلال أحلامه المحطمة
يتجاهل
يتجاهل
ويمضي..
ثم ولأسباب تبدو تافهة للبعض، ينهار دفعة واحدة..
هذا ما تفعله التراكمات حين تثور تهدم وتفسد كل شيء
-محمد طارق.
تدخل زياد بعواصفه
- ايه واخدها البيت تلعبوا طاوله يامجدى؟!
تركت رهف حضن فجر وركضت نحو هشام مستغيثه
- هشام أنا فى ورطه ومالقتش حد يساعدنى غير مجدى، عشان خاطرى افهم وبعدين احكم..
هشام وزياد فى نفس واحد
- ورطة إيه؟!
ساد الصمت بيهم للحظات وافسحوا مجالا للاعين أن تتبادل الاسئلة، فالتقت أعين مجدى الرافضه بأعين رهف الضعيفة، فقطع حبالها زمجرة صوت زياد
- ما تنطقى يابت أنت؟!
انتفضت رهف مضطربة وبللت حلقها الجاف وتمتمت بعجز
- ميان يا هشام ...
- مالها الزفته دى؟! انطقى يارهف!
دنت فجر من هشام الذى بات كجمرة مشتعلة من شدة الغضب وربتت على كتفه ليهدا هامسه
- هدى اعصابك شوية..
فغمغت رهف بتردد
- أصلها بتساومنى بين...
فسرق مجدى الكلام من شدقيها وتدخل سريعًا بفطنة.
- عمى الله يرحمه كان معاه ورق مهم جدًا، ومعرفش مين وصلهم أن الورق ده معانا ؛ المهم ان ميان أخدت سكة رهف عشان تجيبلها الورق ده...
انخفضت انظار هشام الحائره لمستوى أخته وسألها بشك
- واشمعنا إنتى؟! وليه...
قطعهم زمجرة رياح زياد المعارضة
- اى الهبل ده؟! أنت هتصدقهم يا هشام؟! ابوك ميت من ٨ سنين ورق إيه اللى بيدوروا عليه...
ثم نظر لمجدى مكذبًا
- ألعب غيرها ياحضرة الظابط...
تجاهله مجدى ودنا من هشام واخفض نبرة صوته ولكنها مسموعة للجميع
- هشام، الموضوع كبير ؛ ومش بتفاهة اللى زياد بيفكر فيه!
رفع هشام انظاره لأعلى متخذا نفسا مسموعًا ثم سألها
- مهدداكى بإيه؟! او ماسكة عليكى إيه!
لم يعط مجدى الفرصة لثرثرة رهف الفوضويه، واجاب
- بمراتك، وهتقول لزيدان عن مكانها لو مسمعتش الكلام..
تفحصت نظراته الاستكشافيه ملامح وجه مجدى الثابتة الواثقة، أما عن رهف فاقتربت من فجر وحضنت كفها متوسلة، فتايع مجدى بحبكة درامية لهشام
- واظن أن المعلومات عندك من قبلها...
اغمض هشام جفونه للحظة ثم اردف بنبرة آمرة
- فجر، خُدى رهف وادخلى جوه..
اومأت بطاعة وهى تنسحب بهدوء ودخلت غرفتها، فتدخل زياد غاضبًا
- يا حلاوووووة! انا جايبلك البت تربيها، مش تقولها ادخلى جوه..
انفجر مجدى بوجهه.
- ما تبطل تخلف يابنى، بقولك فى مصيبة وانت عايز تتخانق وخلاص..!
ثم تدخل هشام ليحسم الامر وقال
- روح شوف شغلك يا زياد..
القى زياد عليهما نظرات الخسة ثم تقهقر مرغمًا ورست اقدامه بالقرب من مجدى وهمس بنبرة متوعدة
- كل البطيخ اللى قولته ده مدخلش دماغى بنكلة يابن عمى، ومش هعديها بالساهل...
ابتسم له مجدى متحديًا وبنبرة اشبه بالسخرية
- وانا مش عايزك تعديها ده إن مسكت حاجة...
انصرف زياد بعدما القى جملته التهديدية فنفض مجدى غبارها واقترب من هشام الجالس على مقعد المائده فسحب المقعد الاخر وجلس بجواره
- الموضوع كبير، واللعب بقي على المكشوف، ولازم نتحرك..
كور قبضة يده المستنده على الطاولة ومن خلف انيابه هبت زعابيب التوعد
- وشرف أمى منا راحم حد فيهم...
- سيب لى حوار رهف ده خالص والدنيا دى هنا، أنا هتصرف فيهم، وانت بقي ربنا يقويك على الحيه التانية..
فكر هشام للحظة.
- استنى بس ، ياترى إيه الورق اللى جايين يدوروا عليه بعد ٨ سنين، حاسس إن فى لغز كبير، إحنا لازم نعرفه...
ثم وثب قائمًا مناديا على اخته التى مسحت دموعها بالداخل إثر ما اخبرت فجر عنه وعن ما فعله فارس، فنهضت سريعا ملبية النداء
- حصل إيه يا هشام...؟!
- احكي لى كل اللى الزفتة دى قالته..
ارتمت انظارها نحو مجدى سريعا فاشار لها بالهدوء وشرعت فى روي كل ما اخبرتها به ميان حرفا ونصا وظلت تحكى باستفاضه حتى اختمت حديثها غضب هشام
- دول رُباطية بقي!
فتدخل مجدى واكمل
- وزيدان ده حواره حوار، لسه خالد كان مكلمنى إمبارح، وبيقول إنه عارف حاجات كتير على عمه توديه ورا الشمس..
اشعل هشام سيجارته التى أخذها من عبوة مجدى والقى عليه نظرة تفهم الاخير مغزاها جيدا.
- لازم اتحرك النهارده، واللى اتفقنا عليه يحصل بالحرف، عشان نهايتهم قربت..
ثم سأله مجدى بحيرة
- معندكش فكرة الورق اللى هما بيدوروا عليه وخايفين أوى إنك تلقاه ممكن يكون عمى شايله فين...
اجابته رهف بانتفاضة
- إحنا قلبنا البيت انا ومجدى ملقناش حاجة..
هز هشام راسه بحيره وهو غائص فى سحب سيجارته مفكرا بصوت مسموع.
- مش عارف، أنا أول مرة يجى فى بالى الحوار ده، ابويا مجابليش سيرة، بس لو موجود فعلا ياترى هيكون فين..
سبحوا كلهم فى ابحر تفكيرهم حتى أتت فجر بقشاية النجدة وقالت
- ممكن فالصندوق اللى عمى كان سايبهولك ياهشام، انا فاكرة إن كان جواه ورق كتير وانت انشغلت فى اعترافه، ممكن اوى يكون هناك..
ضرب على كتف مجدى بحماس.
- مجدى يلا بيا، هلبس ونروح على البيت على طول، اااه فجر خدى رهف وروحى عند بسمة ، عشان عندى عمليه اسبوع كده..
انعقد حاجبيها مستغربة ثم تباعت خُطاه حتى غرفته وسالته
- عملية إيه ياهشام؟! متقلقنيش عليك!
تخلص من ملابسه على عجل فساعدته فى إحضار ما يرتديه وسألته بتردد
- مش بترد عليا ليه!
انتهى من قفل ازرار قميصه، متجاهلا سؤالها
- فجر، تلمى حاجاتك وتروحى تقعدى عند بسمة، مش عايز ابقي قلقان عليكى...
مدت له حزامه الجلدى وسالته بلهفة تمزق قلبها
- طيب هتكلمنى؟!
تبادلت أعينها الهازلة بأعينه الحائرة بالمراة وبين تلك وذاك اسرار لا تُحكى ولكن العين جهرت بكل ما تكنه...
(فى الخارج )
- إنت ليه مخلتنيش اقولهم إنهم صورونى..
همست رهف بجملتها الاخيره فتلقاها مجدى بنبرة ساخرة
- وانت مالك فخورة اوى كده باللى بتقوليه...!
اطرقت انظارها ارضا بخجل ثم غمغمت
- مش قصدى بس بسألك ..
وقف أمامها متحاشيا النظر إليها.
- شوفى يارهف اخواتك لو كانوا عرفوا بالحوار ده، الدنيا كانت هتقوم مش هتقعد وكل اللى مرتبينله هيتهد، ده غير إنهم كانوا ممكن يدفنوكي مكان ماانت واقفه، فأعقلى كده هشام يسافر وانا هخلص حوارك ده كله، فهمانى؟!
ذرفت دمعة متحسرة من طرف عينيها وسالته بخفوت
- يعنى أطمن!
زاغت الأعين الهائمة ببعضها فولى مجدى ظهره متجافيا
- لازم تطمنى طول ماانا جمبك...
ثم ابتلع حلقه واتبع بنبرة أحد.
- لانه ده واجبى ناحية بنت عمى واختى!
ابتلعت رهف باقى كلماتها فى حلقها كاتمه صوت شجونها بمجرد ما سمعت فتح باب الغرفة وصوت هشام المنادى
- يلا يامجدى...
تناول مجدى اشيائه متجاهلا جهش بكاء رهف المكتوم وقال
- جاهز يلا..
توقفت خطاوى هشام للحظة ثم دخل يده فى جيبه وأخرج من حافظه نقوده بطاقتى بنكيتين وأعطى احداهما لفجر وقال
- خليها معاكى لربما اتاخر عليكى
ثم رفع انظاره ناحيه رهف الشارده بعيدا.
- رهف، ابقي قوليلها الباسورد..
ثم قبل جبهتها متعمدا تجاهل عيونها النازفة وهمس
- خلى بالك على نفسك، وانا مش هتأخر..
ثم تحمحم بحماس
- هلحق مجدى، عشان متأخرش عليه، وانت يارهف متخافيش واى حاجه قوليها لمجدى...
حياة مُثقلة بندوب الكبرياء، لا تعطى كل سائل ولا تسأل كُل مُجيب، هى تقتنص الضعفاء ذوى الامنيات البسيطة لجعلها مستعصية، تتراقص بحرافية على اوتار الوجع فتفتح جروحًا لم ندرك وجودها الا عندما تُحال لنزيفٍ يملأ المحيط، تملأنا باسرارٍ لا يمكن البوح بها ولا التخلص من صدحها، هناك من يحمل بقلبه ذيول الخيانه مُرغمًا وآخر يحمل قلبه على كفه متعمدًا ليُبدله وآخرى تطعنها وخزات الندم والأخيره تندلع بقلبها نيران الشك التى لا ترحم، وهذه هى الحياه لابد أن تزرع اشواكها فى ورود ايامنا فنحييا دائما بقلوب معطوبة...
وضعت بسمة صينة العصير على الطاولة الصغيرة ثم جلست بجوار عمتها راسمة ابتسامة مُزيفة إثر هتاف أم العريس وقالت
- ماشاء الله قمر زي ما سمعنا بالظبط!
اطرقت بسمة بحياء
- شكرا ياطنط، ده من ذوق حضرتك...
انحنت سعاد على آذان بسمة متوعدة
- صبرك عليا..
ثم عادت مبتسمة بمُجاملة للضيوف وقالت
- منور يابيشمهندس..
اطرق فاروق بمودة.
- ليا الشرف إنى اتعرف على الدكتورة بسمة وحضرتك، وطبعا المرة الجاية اتمنى يسري بيه يكون موجود..
غمغمت سعاد بتعجب
- وهو هيكون فى مرة تانية؟!
رفع فاروق حاجبه متسائلا
- نعم يافندم؟!
اتسعت ابتسامة سعاد الزائفه
- هاا لا ياحبيبي! ده الشرف لينا..
ثم تدخلت أم فاروق بمكر سيدات وسلطت انظارها بعيدا
- هى بلكونة اللى هناك دى؟! ما تاخدى فاروق يادكتورة فرجيه على المكان لانه حابب يشترى شقة هنا .
تجاهلت بسمة صليل أوجاعها بابتسامة كاذبه ونهضت بحماس معاندة نفسها
- اتفضل يا بيشمهندس، من هنا..
ثم مالت أم فاروق على سعاد وهمست
- خليهم يتكلموا سوا بدل ما هما متكتفين جمبنا كده..
بادلتها سعاد بابتسامة مزيفة مصدره فكيها المنطبقين بغيظ
- اه وماله...
زاحت بسمة الستائر فدخلت البلكونة ثم تابعها فاروق الذي يتملك قدرا معقولا من الوسامة ولكنه لا يُقارن بوسامة زياد ولا شياكته إطلاقًا، فاستندت على السور محاولة تجميله فى نظرها وبأنه جميلا وقلبها يقبله، عقدت ساعديها مفتقدة شغفها فالحديث، فسألها
- ساكتة ليه؟!
كانت نبرة السؤال جافه بارده حد شعورها بالاختناق واجابت
- عادى، اتفضل اسأل..
ساد الصمت بينهم للحظة، ثم سألها ليفتح حوارا
- اى فكرتك عن الجواز؟!
ألجمها سؤاله فصمتت وشردت طويلا وتحدث قلبها مذهولا
-(أنا عمرى ما فكرت فى يعنى إيه الجواز، ولا زياد عطاني فرصة اخاف من بكرة معاه او نخطط تفاصيل المستقبل، كان اليوم بالنسبة لى هو وبس واى حاجة هتعدى، حياة خاليه من اى مسئوليات مش معقدة، عقدتى الوحيده كانت غيابه، لكن ده بيقول كلام غريب هو يعنى اى جواز اصلا غير راجل أنا بعشقه وبنملك بعض للابد واى حاجة تهون بعد كده، هو الجواز بقي له فكرة!).
قطع شرودها ندائه المتكرر
- دكتورة بسمة؟! معايا...!
- هااا، اه معاك، سورى متوترة شويه
( أنا مكنتش متوترة أنا كنت شايفاه تقيل أوى على قلبى، مش مستحمله حتى ريحته أو نفسه )
ولكن واصل فاروق وسالها
- ماجاوبتيش؟!
بتلقائية:
- عادى حياة اتنين متفاهمين بيكونوا اسرة...
هز رأسه متقبلا اجابتها ولكنه تابع سؤاله الاخر كأنها فى استجواب، وسألها
- اى اكتر صفة بتتمنى تلاقيها فى شريك حيااتك؟!
دار الحديث بين بسمه وقلبها الاول.
-( أنا مكنتش مستنيه منه اسئله ورا بعضها انا كنت مستنياه يطمنى لما قولتله متوترة، ده حتى مكسرش الحاجز ده وحب يهزر شوية، دخل فالسؤال اللى بعده على طول ؛ زياد عمره ما كان كده ، زياد كان بيخطفنى من كلمة ويطمنى بغمزه، عمرى ما دورت فى زياد على آحلى صفه انا عايزاها فيه، أنا كنت حباه زى ماهو، كنت حابه عيوبه قبل مميزاته، حب من غير شروط ولا تعقيد، هو انا لازم عشان أحب ألقى سبب ومبرر؟! )
امتعضت ملامح فاروق.
- انت رجعتى تسرحى تانى؟!
- حنين، يكون حنين ؛ ويعرف يحتوينى!
- مقابل؟!
القى كلمته بنبرة واثقة استقبلتها مندهشة
- يعنى ايه بمقابل؟!
نصب عوده بفظاظة ثم قال
- يعنى اليوم اللى هتعملى لى فيه أكله حلوة هديكى هديه حلوة، وقت ما تقولى كلمه حلوة لازم يكون لها مقابل منى؟!
بسمة باستغراب
- يعنى ايه؟! اى المعادله الصعبة دى! يعنى يوم ما أنا اتعب واقع مش هلاقي كفك يسندنى عشان أنا معنديش مقابل اديهولك..!
أخذ يبرر وجهة نظره بعبارات متعددة لم تمر بجوار اذانها ولكنه بات محل مقارنة بينه وبين زياد، فجبال الغم رست على قلبها صوت بوق الجزع يصدح منها لاعنة جواز الصالونات سرا.
-( اى العقد دى كلها؟! قاعدة مع شخص بيتجمل وبيحاول يبهرنى ويتشرط عليا ويظهر احلى ما فيه عشان اوافق؟! هو ده جواز صح؟! ولا العلاقات اللى بتبدا بعفويه وصدفه وفجاة تتكعبلو فى الحب من غير اى قصد ما بينكم؟! انا لاول مرة اترعب من الحب والجوازات، منكرش إن زياد كان فيه كل العبر بس عمره ما خوفنى عمره ما اتجمل قدامى عمرى ما حسيت إنه بيتأمر عليا، اول مرة اخوض تجربة صعبة زى دى مقابله بهدف الحب والاستقرار! هو الحب بيجى بالاتفاق اصلا؟! ولا بيجى صدفة كده ترج قلوبنا من غير أى استئذان! انا مابقتش فاهمة أى حاجة غير إنى مش طايقة البنى آدم ده قدامى ).
انا ضدت الارتباط والعلاقات السرية! وكمان مش مع العلاقات الجبرية، بنعمل مؤامرة على الحب عشان نحب! انا هعرض اجمل ما عندى، وانت كمان لحد ما ننبهر ونوافق على بعض، فترة زمنيه مؤقته نحب بعض فيها عشان نتجوز! اى المعادلة الشاقة؟! طيب لو جيه الحب ما بينا هيجى عشان احنا حاطينه قدامنا فنتوهم اننا حبينا! ولا بنتمسك بالطرف التانى على إنه فرصة مش هتتعوض فأنا اتجوزه وخلاص ومحاكم الاسره اهى موجوده؟! حاسة إننا فى رحلة صعبة أوى كل اطرافها بيطلعوا خسرانين سواء كان جواز عن حب او صالونات!
- ها يا هشام هو؟!
يقلب هشام الاوراق التى بيده بعشوائيه مذهولا
- معقوله؟!
مجدى بشغفٍ
- فى إيه ياهشام ...
رفع عيونه المدججة بالدهشة
- كوارث! كوارث يا مجدى؟!
تناول مجدى منه الاوراق والمستندات وتفحصها فتفاقمت حيرته ودهشته التى لم تختلف كثير عن هشام وتمتم
- نهار ابوكم اسود؟! بس ورق زى ده وصل لعمى ازاى؟!
لملم هشام بقية الاوراق وفرغ الصندوق من كل محتواياته وبحماس
- الورق ده لازم يختفى، على الاقل دلوقتى!
جلس مجدى على طرف فراشه وقال
- أنا شايف ان ده ورق كفايه وأدله توديهم ورا الشمس وتكشفهم للعالم كله، يبقي مالهوش لازمه حوار ميان!
فكر هشام لبرهةٍ ثم هز رأسه نفيا
- الورق ده طرف خيط لمخططات من ٨ سنين، أنا عايز أعرف هما وصلو لإيه، اللى اتفقنا عليه هيتم...
رمقه مجدى مترددا
- مش خايف على فجر؟!
- هتفهم كل حاجة فى وقتها، المهم، عايزك تروح توصلهم لبيت بسمة ، اااه وعين حراسة تحت البيت بس مختفية من غير ما يحسوا بحاجة، وانا هطلع على الجهاز اظبط امورى وبعدين نشوف حوار ست ميان؟!
مجدى بشكٍ
- أنا ليه حاسس بإن فى دماغك حاجة أكبر من إنك تدخل جوه دماغ الناس دى؟!
فاتسعت انظار هشام الاستكشافيه وسأله
- زى ما أنا شايف فى عيونك حاجه متعمد تخبيها عليا..
نهض مجدى ليحضر حقيبة ما ولملم فيها الاوراق متفاديا عيون ابن عمه الصقرية وقال
- ركز فى شغلك بس ومالكش دعوة بيا!
اخذ هشام الحقيبه وسحب جرارها وقال
- الحاجات دى هشيلها فى خزنة الجهاز...
ربت مجدى على كتفه
- تمام يا بطل، ربنا معانا...
زفر هشام
- استعنا على الشقى بالله...
- ممكن أفهم اللى أنتِ بتهببيه ده وانتى لسه فى شهور العدة؟!
هجرت سعاد جُملتها باختناق بعدما انصرف فاروق والدته، فعقدت بسمة ذراعيها معانده
- وفيها إيه؟! انا من حقي اتجوز واعيش حياتى..
- إنتى بتعاندى مين؟! نفسي افهم!
تجاهلتها بسمة وسارت نحو غرفتها
- مش بعاند حد، وانا هتخطب ومش هوقف حياتى عشان حد مهما كان هو مين!
-( انا عمرى ما كنت هوافق على فاروق، وكنت مقرره إنه مرفوض نهائيا، بس معرفش ليه كنت برد على عمتو كده ؛ ايوه صح هو أنا بعاند مين وعلى اي حساب! ماهو كمان لازم يعرف إنى مابقتش باقية عليه ولا عايزاه، ولا بقي يلزمنى، وهتخطب ولا هيهمنى حد اصلا )
انتهى صراع قلبها وعقلها بقفل باب غرفتها بقوة ثارت جنون سعاد التى ضربت كف على الاخر وهى تأخذ هاتفها وتغمغم
- البت دى اتجننت ولا جري لعقلها إيه؟!
طلبت رقم زياد الذي تلهفته مستغثيه
- زياد، الحقنى يابنى ...
بعد مرور يومين...
شق نور شمس نهار جديد مغلف باحداث جديده مفاجأه، حركه على غير المعتادة فى قصر زيدان الذي يقف أمام نادية بهيئته الفظة
- هتفضلى ساكتة كده كتير يا نادية، عايزه تموتى إهنه إياك؟!
نهضت من فراشها الذي يتوسط الغرفه المظلمة مستنده على طرفه مستقوية
- عايزنى اقولك على مكان ولدى؟! أنت اتجننت يا زيدان..
اهتزت الجدران لصوت ضحكاته الشريرة وقال
- قابلتى عماد السيوفى ليه يا نادية...
ألتوى ثغرها منتصرا، واجابته بنبرة متحدية
- عشان ألف حبل المشنقة عليكم كلكم وارجع حق جوزى يا زيدان، جوزى اللى اتقتل غدر..
ضرب الارض بطرف عكاز بنفاذ صبر
- افهم من إكده إنك انتى اللى وصلتى له الورق اللى اختفى من بيتى؟!
اتسعت ابتسامتها الشريره التى تشع بالانتصار
- اه انا، زى ماانا معايا الدليل اللى يثبت بإنك ليك يد فى قتله، تحب اعرفك ياسيادة النائب!
نيران الغضب سيطرته على عقله فتتطاولت يده لتخنقها بقوة فشهقته متألمه متعمده اخفاء وجها ولهثت قائله
- مش هيهدالى بال غير لما ألف حبل المشنقة حولين رقبتك...
بدا نفسها يتقاطع تتريجيا وبدأت عواصف غضبه تقتلع كل ما يعوق طريقها مهددا
- عتحلمى يابت عمى، روحك دى اطلعها فى يدى..
- يا سيادة البيه ، كلم كلم حالا ...
انقذ ناديه نداء شيخ الخفر الذي دخل فجأة، متلهفا حاملا خبرا غير متوقع، فتفوه زيدان بغضب وسأله.
- أنت مين سمح لك تيجى اهنه..
طأطأ رأسه متخاذلا
- اسف جنابك، بس فى حاجة مهمه لازمًا تعرفها، حالا..
انحنى واخذ عكازه ثم القى نظراته الناريه على ناديه متوعدا
- راجعلك...
ثم اتجه نحو الباب بخطوات واسعه وسأله
- فى إيه يا ولد المحروق..
- تعالى معايا جنابك، فى واحده عايزه تقابلك ضرورى...
- واحده؟! مين دى؟!
اثاره الفضول فى مقتل فركض خلف فضوله متبعا خطى الخفير الى ان وصل لغرفة الضيوف وسأله بجزع.
- ما تنطق يا ولد المحروق؟!
لم ينطق الخفير بل استدارت الفتاه وهى تنزع الستره السوداء من فوق رأسها واجابت
- أنا فجر يا سيادة النايب؟!
صدمة اصابته فى منتصف قلبه، فتقهقر الخفير ليتركهم معا أما عنها فواصلت ببكاء شديد
- حقك عليا، ابن السيوفى كل بعقلى حلاوة وخلانى انسي حقى وحق ابويا، انا عايزاك تسامحنى...
ويستحوذُ عليك شعور غريبّ كأنك ترغب في الشكوى ولا تجد الكلام المناسب، ترغب في البكاء فلا تجد الدموع بأنك لم تعد كما كُنت.
[أمس]
- (أرغَبُ أن أَكُون معكَ الآن ودائما وللابد، أتمنّي لو تمُوت المَسَافَات والأشخَاص العادات والمهمات، وكُل مَا يفصِلُ بيني وبينَكَ، أتمنّي لو أنّي أملِكُ مُعجِزه تأتِي بكَ إلى، أو تأخُذنِي إليّك بلا عودة. )
تركت صورته فى منتصف دفترها بمجرد ما دخلت رهف عليها الغرفة وقطعت حبال شوقها، هاتفه بقلق يتقاذف من عيونها
- جوجو، مجدى جيه و عايزك بره..
نهضت من مرقدها وتناولت حجابها وردت.
- روفا هاتيله حاجة يشربها، وانا خارجة حالًا..
استجابت رهف لطلبها وخرجت فجر إليه وبها شيء من ذيول الحيره بعقلها فيما سيقوله إليها مجدى، فبمجرد ما طلت عليه وقف مرحبًا، بادرته بابتسامه خفيفه
- اتفضل يا سيادة النقيب..
جلس هو فجلست مقابله وسالته متحيرة
- هو في حاجة؟!
تردد للحظه ثم قال
- بصراحه فيه ؛ بس مش عارف اذا كنتى هتفهمى ولا لا..
أسبلت عيونها المتعجبة، وسألته
- حصل إيه للحيرة دى كلها...؟!
- فجر، أنت بتثقى فى هشام..! مش كده
ألقى مجدى جُملته بعفوية زائده استقبلتها بنبرة اشبه بالسخرية..
- اى السؤال ده؟!
أغمض عينه لبرهة مصدرا زفيرا طويلا، وتابع
- يعنى لو قولتلك أن هشام دلوقتى فى مهمة مع واحده ؛ هتعملى إيه!
لم تتحرك شعرة الشك بعقلها، لكن لا احد يفهم معاناة أن تعيش مع أحد وهو يقاوم خوفه من تكرار الخيبات ثم يوهمك خيالك بأن الضربة تأتى ممن تخشى الهواء إذا مر عليه، اغرورقت عيونها للحظة ثم تابعت مبتسمة وقالت بثقه
- ميان، هو مع ميان مش كده؟!
- هو حكالك؟!
تتضاعف ذهول مجدى أكثر ليست لجوابها بل لثباتها، فتابعت
- شوفت رسالتها، متفقين يتقابلو فى شرم، بس هشام محكاش حاجة، لا..
تعجب مجدى أكثر من نضجها وسألها.
- محاولتش تلفتى نظر هشام أو هى يحكيلك..
اتسعت ابتسامتها المخزية والمثقله بندوب الايام، وفرت دمعة الحزن من طرف عينيها
- مجدى ؛ هشام لسه مش بيثق فيا..
مجدى موضحا: لازم تفهمى إن هشام مش بيدى اسرار شغله لأى حد، مهما كان هو مين!
اومأت متفهمة ولكنها غير مقتنعه ؛ فغيرت مجرى الحديث وسألته
- بتقول لى كده ليه!
شرع أن يُجيبها فأتت رهف ووضعت العصير على المنضدة فانتظر حتى جلست فاتبع.
- شوفى يافجر عايز اتفق معاكى اتفاق مابينا، واللواء نشات بنفسه عارف كده، بس هشام اكيد مايعرفش حاجة..
تفوهت رهف بحيرة
- أنت بتتكلم كده ليه!
- استنى يارهف
ثم اتبع مجدى وقال
- الرساله اللى شوفتيها على تليفون هشام دى حقيقة والبنت دى وابوها حوارهم حوار ؛ ومفيش سكة نقدر ندخل بيها وسطهم غير بهشام، لانها عينيها منه ودى الحقيقة اللى انت واخده بالك منها كويس..
فبادرت رهف بجزل طفولى.
- أنا على فكرة حكيت لفجر عن كل حاجه يامجدى..
فبادرت فجر متفهمة
- عشان كده انا سكتت لما شوفت الرساله، وقولت آكيد عشام فى دماغه حاجة..
اشار مجدى لرهف لتصمت
- استنى انت يارهف ؛ لسه هروق لموضوعك، المهم يافجر إن هشام رايح هناك ومش واخد باله لحاجة...
سألته فجر
- حاجة إيه...
ارتشف رشفة من كأس العصير ثم اتبع.
- منصور الشاذلى الصورة الحسنه للكل بس اللى وصلناله او اللى وصله عمى الله يرحمه إنهم من أكبر وأهم القادة الممولين للجماعات الارهابيه، ومش بس كده دول بيمهدوا ليفرضوا سيطرتهم واحده واحده على اقتصاد البلد وأهم سلطتين التشريعيه والتنفيذيه، وعلى المدى البعيد مصر كلها تبقي تحت إيدهم، بقوانينهم...
صمت للحظة ثم عقب على كلامه.
- عارف إن الموضوع اكبر واضخم من اللى اسمه منصور، يس المخطط كله من بره، فى بلاد اجنبيه عايزه تلعبها صح، وماشيه بخطة متخرش الميه، الناس دول بيمشوا ببطء آه بس النواتج كارثة كبيره لو متلحقتش هنلاقى نفسنا قدام حرب ومش اى حرب، حرب هيكون الشعب اطرافها...
رهف بعدم فهم
- أنا توهت ومش فاهمة اي حاجه..!
- وانا مش عايزكم تفهموا حاجة، وبالبساطه هى مهمة زيها زى اى مهمه عاديه بس عايزة حبكة صح عشان تنجح...
فجر بتردد.
- وانا فى إيدى إيه؟!
- هشام رايح لميان وهيفهمها أنه كشفك ؛ وانك مزقوقه عليه من الزفت اللى ما يتسمى، والتحريات اللى وصلتنى إن زيدان من ضمن الجماعه دى، وله صلة بمنصور وآكيد ميان مش بالغباء اللى يدخل دماغها حاجة زى دى حتى ولو كان هشام ذكى...
سات الصمت للحظة ثم ألقى مجدى قُنبلته
- فجر، أنتى لازم ترجعى لزيدان...
رهف وفجر في نفس واحد
- ايييييييه!
- [فى شرم الشيخ]
فى أحد القرى السياحية الفارهة تجلس ميان أمام حوض السباحه مرتدية نظارتها الشمسية مسترخيه على ( الشازلونج ) تستمع لاحد المطربين الاجانب، فشتت تركيزها قدوم النادل وهو يضع الطعام على الطاولة الخاصة بها، فاعتدلت متعحبة
- إيه ده ومين طلب الاكل ده!
نفى النادل علمه ورد
-انا بنفذ الاوردار
ثرثرت ميان من غبائه
- أنت مجنون! أنا مطلبتش اى حاجة، روح راجع الاوردار بتاعك يابنى آدم أنت!
قطع ثرثرتها صوت رجولى قوى وقعت فى غرامه من قبل وهة ينزع نظارته السوداء عن عيونه واثقًا
- بس أنا طلبت..
- مين! هششسشام؟!
اشار للنادل ان ينصرف ثم تحرك بفظاظة ليجلس بجوارها وهو يضع نظارته وعبلة سجائره على المنضدة وقال
- ايه رايك فى المفاجأه دى..!
تدلت اقدامها العارية لتلمس الارضيه مستنده بمرفقيها على رُكبتيها، وتغلفت روحها بالشك
- مش مصدقة!
تناول سيحارة واشعلها وتحدث بها وهى فى فمه.
- إنى قدامك؟! ولا إنى جيت لك، حددي!
- الاتنين!
نفث دخان سيجارته وقال
- مابحبش اضيع فرص!
رمقته بسخرية
- بس انا بحب اضيعها عادى..
سحب نفس آخر من سيجارته وقال واثقًا
- بس هشام السيوفى فرصة ماينفعش تضيع، لانها بتجى مرة واحده وبس...
تأملته بإعجاب
- ليه يعنى ؛ يطلع مين هشام السيوفى؟! ماهو راجل زي بقية الرجالة اللى تتمنالى الرضا ارضي..
وضع فى فمه ثمرة خيار متقطعة وواصل بفظاظة.
- بس أنا هنا عشان إنتِ اللى بتتمنى رضايا مش العكس! وإلا مكنتش جيت..
تعمد اللعب على اوتار كبريائها التى لا تثير الشك فى نفسها، كما تعلم اللعب على اوتار سلاحه حتى تقتنص ضحاياها ببراعة، وثبت ميان قائمة مزفرة واخذت هاتفها
- لا دانت شكلك فاهم غلط..
وقف أمامها معارضا طريقها ووضع كفه فى جيب شرطه الطويل وقال بثقة اشبه بالغرور وهو يتفتنها باشتهاء
- فى الستات! تؤ، نظرتى ماتخيبش فى اى واحده..
لانَ قلبها فرمقته طويلا وبعيون متأرجحة
- عايز إيه ياهشام بيه!
- مش ده السؤال المتوقع...
- اومال إيه المتوقع؟
اصدر إيماءة خافته
- ممممم يعني ايه اللى جابك وجيت ليه! حوار اللى كانت مراتى! وكده..
اتسعت ابتسامتها المنتصرة، وجدحته باعجاب
- طالما الاسئلة متوقعة تبقي إجابتها جاهزة ومتوقعة هى كمان، فسيبنا منها ونسأل اللى مش متوقع..
ثم دنت منه خطوة وداعبت اظافرها زر قميصه متدلله.
- هشام باشا السيوفى، ايه اللى حنن قلبه عليا!
ثبت انظاره الصقريه على بروز نهديها متعمدا لفت انتباهها إليه كى يسد كل ثقوب عليها التى ربما يتسلل منها الشك للحظة وقال هائمًا
- المصلحة..
نغنجت ضاحكة بصوت عالٍ ثم رددتها
- المصلحة!
غير مجرى الحديث بنبرة ممازحة
- اه، مابعرفش اكل لوحدى ولازم حد ياكل معايا ؛ فأنت مضطرة تسمحيلى وتدينى من وقتك وتتكرمى تاكلي معايا لانى ممكن اقعد الاسبوع كله من غير أكل، قولتى إيه؟!
اجابته بسخرية
-ياحرام! كنت جبت عايده هانم، مامتك تأكلك وتلبي لك كل طلباتك..
غمز لها بطرف عينه وأسبل جفونه لأسفل وقال بمكر
- لا، عايده هانم للاسف مش هتعرف تلبى لى كل طلباتى!
- يعنى إيه حامل؟!
نهض فارس من مقعده المجاور لمقعد نانسي التى ألجمته بجُملتها الاخيرة جازعة من اصراره على معرفة احوالها، فأحتضنت بطنها بشوقٍ
- زى ما سمعت يافارس! انا حامل فى ابن زياد السيوفى، وهو قال لى هيعترف بالولد..
بكُل ما اوتى من غضب ركل المنضدة بقدمه فانقلبت بما تحمله وجهر بصوت كالرعد
- انتى اتخبلتى؟! واعيه لكلامك يابت عمى! طب وانا؟! وانت ازاى تعملى كده اصلا؟!
وقفت امامه متحديه وشيعته بنظرات السخط
- أنت اقذر حد انا عرفته فى حياتى!
ثم ولت ظهرها وابتعدت عنه خطوة وصاحت
- ٥ سنين مفهمنى إنى مش بخلف وان عندى عيب خُلقى وخلينا ويوم ورا التانى هنتجوز وهعملك فرح وسنة تجيب سنة وبتعايرنى بحادثه حصلت لى ماليش ذنب فيها..
ثم ضربت كف على الاخر وهى تضحك بقهر، فواصلت بغل
- لا وفى الاخر تطلع أنت اللى معيوب وبتدارى على عيبك مع كل واحده شويه، لانك يا حرام اخرك شوية كلام وبس..!
صاعق كهربى اصاب فارس فى مقتل بعد ما اصبحت مُقلتيه كجمرتان من نار، واطرق بصوت منخفض
- يعنى إيه الهبل ده! انتى سلمتى نفسك للكلب ده يانانسي..!
رمقته ساخرة
- هاا، اللى مش عاجبك ده احسن منك ومن اللى زيك، اااه وحاجة آخيره انا طيارتى اخر الاسبوع ده، ماشيه هرجع عند ماما ومش عايزه اشوفكم تانى...
ما لبثت أن تنتهى من آخرة كلمه فكانت يد فارس ممسكة بشعرها ولفتها لتسقط تحت قبضته صارخه بصوت يتنافس مع رعد صوته.
- لا دانا اللى هوديكى عند أبوكى، واهو هترتاحى مننا خالص..
ظلت تتلوى صارخة تحت يده لا حول لها ولا قوة طالبة الاستغاثة ولم يغمض له جفن الرحمة بل باتت طعناته تتسابق مع سباته اللعينة، ركضت الخادمه إليها لتبعدها عنه ولكنها نالت ما نالته من كفه القوى، فلم يكف عن افعاله الى عندما خرت كل قوتها تحته وسقطت مغشيًا عليها..
- إحكيلى، اى حوار الزفت ده؟!
اردف مجدى سؤاله بنبرة خشنة جافه بمجرد ما نهضت فجر لاعداد اشيائها، فاصابت رهف هزة ضعف وانكسار وسالته
- أنت هتعمل إيه؟!
جحظت عيناه الغاضبة، ونهرها
- ماتنجزى!
زاد ارتباكها، وتفوهت موضحة بتردد وعيون منتفضة
- قصدى يعنى لو عملت أى حركة كده ولا كده ممكن ميان تعرف، وتبوظ خطة هشام، ولا إيه..!
ثم غمغمت بشك
- ولا كلامى مش صح؟!
زفر باختناق:.
- اسمعى يارهف انا مش بالغباء اللى ابوظ بيه مهمتنا ولا بالسذاجه اللى تخلى صباعنا تحت ضرس عيل زى ده..
ثم جز على فكيه جازعا
- فأخلصي وقولى كل اللى تعرفيه عنه؟!
اومأت بطاعه وقاومت انسكاب دموعها
- حاضر، حاضر يا مجدى هحكيلك...
أجمل ما يمكن أن يُقابل المرأه هو السند المهيئ فى صورة رجل مهما عصف به التيار بات كالجبل راسخًا لا يهزه غضب ولا يذيب حباته دموع الوجع! فاللهم السند الجميل الذي لا يميل وإن مالت بنا الدنيا...
[ عودة للوقت الحالى ]
- خفى كيد نسوان واتعدلى، واعرفى إنتى بتتكلمى مع مين يابت!
اردفت مُهجة جُملتها الاخيره بنبرتها المتدللة من الخلف قاطعه حديث فجر مع زيدان الذي اسكتها
- اتكمى انتى يامهجة...
أدركت فجر للتو إنها امام حيه متلونه لابد من سيطرتها وتمالكها زمام الامور قبل أن تبخ سُمها، فتدخلت بعيونها الباكية
- انا جيتلك عشان تلحقنى، هشام ناوى يقتلنى يا زيدان، انا غلطانة إنى مسمعتش كلامك وسميته..
ثم اجهشت بالبكاء بصوت مسموع
- انا سمعته وهو بيتكلم مع ممرضة فالتليفون وبيهددها لو فتحت بؤها، انت مكذبتش عليا لما قولتلى هو اللى قتل أبويا، زيدان انا فى عرضك خُدلى حقي متسيبنيش...
شهقت مجهة بكهن انثوى واضعه كفها على خصرها وجهرت ساخرة
- اغلبوهم بالصوت، زيدان البت دى كدابة ومزقوقة عليك، اسمع منى..
هزت فجر رأسها نافيه بنظراتها المتوسلة، وانفجرت باكية.
- ماليش مصلحة فى كده، هشام السيوفى رمانى فالشارع وحالف إنه يقتلنى، وانت لازم تاخدلى حقي منه، زيدان بيه احنا مصلحتنا واحدة! إحنا لازم نقتله
تطاولت يد مُهجة وضربها على كتفها
- لا ياحبيبتى، كان فيه وخلص! إحنا مش قتالين قُتلى يا دلعادى..
حسم زيدان الامر بحزمٍ
- قولت اسكتى يامهجة!
- دى حرباية ومزقوقة عليك اسمع منى، متصدقهاش..
تباطئت خطواته حتى باتت المسافه بينهم لاتذكر وكانت نظراته التهديديه تشير بكل مكنوناته، وجهر مناديا على إحدى الخادمات
- تعالى وصلى ستك فجر لاوضتها فوق، وتتعامل احسن معامله فى البيت ده..
ثم حدج مهجه محذرا
- مفهووم...
تشبثت فجر بمعصمه
- انا عارفه كل حاجه عن هشام، ولازم احكيلك هو ناوى على إيه!
- مش وقته، لما أحب اسمع هجيلك وندردشوا، روحى ريحى دلوك...
تأملته بنظراتها الاستكشافيه باحثه عن نظرة واحده توحى عما يكنه بجوف ولكنه كان بارعًا فى دفن شعوره، جرت اقدامها مغادرة الغرفه وخيبات الامل تتقاسم وجهها، ما لبثت أن اختفت من أمامهم، فأخبرته مهجة بذهول
- إنت هتثق فى البت دى؟!
قهقهه زيدان بصوت مسموع
- البت دى مزقوقه ووراها حوار وهشام السيوفى راسم على تقيل، بس سيبينى اتاكد الأول...
قلبت مهجة الحوار برأسه واردفت
- فى حاجة مش مفهومه؟! مش مريحانى!
اتكئ زيدان على عكازه وقال
- اللى لاعب فى راسي إن مش هشام السيوفى اللى يدخل حريم فى شغله، فى حاجة لازمًا افهمها..
- يبقي نمشي البت دى من هنا، احسن ما تجيبلنا المصايب...
تاوه بصوت مسموع مغلف بالمكر
- العقرب لازمُا تحطه تحت عينيك عشان مايلدغكش فى ضهرك...
غبية المراة التى تنتظر رجلا اكثر من أربعين يومٍ، وتظن انه ايضا ينتظرها! اتظننين انه فى غيابك سيصبح راهبًا فى ديره! يُحاكى شموع الليل عنكِ حتى تذوب من حرارة كلماته! ان يشرقكك بجوفه المُظلم كشروق شمس يومه الذي لا يرى الا انعكاس شعاعها الخافت! غبية من تتوهم قديسية رجل فى دير حبها!
و إن غِبت سَنة، أنا بردو أنا لا أقدر انساك ولا ليا غِنَى
- أنا حاسة إن حياتى واقفه عند نقطة واحده! مش عارفة أتقدم عنها خطوه واحدة، ليه كل ده؟! معقولة وجود زياد كان هو الدافع لكل حاجه أنا وصلت لها! بس ده مقدمش ليا غير كل أذى ووجع؟! كان عمل لى إيه يخلينى متشعلقة فى روحه للدرجة دى؟! طيب لحد أمتى انا ولا قادرة ابص فى وشه ولا قادره أكمل في بعده ؛ أخرة الطريق ده إيه معاكى يا بسمة؟!
وجهت بسمة حديثها لنفسها فى صورتها المنعكسة فى المرآه بسخرية تتأمل ملامحها الشاحبة والذابلة إثر جفاف الغياب الذي افقدها عقلها فباتت كالثور الدائر فى ساقية يلف حول أوجاعه التى لا مفر منها...
- طيب هو بيحبنى؟! طيب أنا على باله؟! طالما أنا بفكر فيه آكيد هو كمان بيفكر فيا ما مش معقوله أنا هتجنن كده لوحدى وهو مش فاكرنى أصلا..
باتت حائره حد تمنيها لو تستريح سفن قلقها في ميناء الوضوح، لان الإبحار في التخمين يرهقها ويميتها ببطء حينها تدخلت رهف وسألتها
- بسمة، أنتى فيكى إيه! عمتك قلقانه عليكى..
جففت دموعها وابتسمت معاندة حزنها الذي تعاهدت مع نفسها ألا تظهره أمام أحدٍ
- أنا كويسه يا رهف!
ثم تعمدت تغير مجرى الحديث
- هى فجر فين؟!
استندت رهف على طرف التسريحه، واجابتها بقلق
- ادعيلها عشان أنا قلقانه عليها أوى!
لم تكد بسمة أن تُجيبها فأوقفها صوت زياد من الخارج متحدثا مع سعاد
- هى فين؟!
تهامست سعاد بحرص، وترجته
- كلمتك عشان تصلح الدنيا! مش تعقدها ما بينكم..
كور قبضة يده متأففا، ثم اطرق بصوت منخفض واخبرها
- أنا رديت بسمة...
لم تاخذ سعاد فرصتها للاندهاش بل فوجئت بهبوب زعابيب بسمه الخارجه من غرفتها، وصاحت
- شايفه إن رجلك أخدت على المكان يابن خالتى؟! ايه اللى جايبك عندى...
ألقى مفاتيحه وهاتفه بعشوائيه فوق المنضدة، وصاح ساخرا
- اهلا ببنت خالتى ؛ وعروستنا، خير سمعت إنك هتتخطبى قريب، حبيت آجى ابارك..
صوبت انظارها المعاتبه نحو سعاد وسألتها
- أنتى قولتيله!
فجهر زياد مستهزءا
- كمان كنتى عايزه تخبى عليا؟! ايه حابه تعمليهالى مفاجأة!
اكلت شفتيها بتلقائيه من شدة الغضب حتى رفعت رأسها شامخة ودنت منه خطوة متعمدة المحافظة على هدوئها
- عايز منى إيه يا زياد!
باتت مشاعره مخضرمه، بين الحنين والجفاء واجابها
- عشان متتغريش مش هموت عليكى يعنى؛ ده بس علشان مش أنا اللى آجى بلوى الدراع وواحده ست هى اللى تمشي كلامها عليا وتنفذ اللى فى دماغها..
تدخلت سعاد بينهم
- استهدوا بالله ياوولاد وتعالو اقعدوا..
اعترضت بسمة بحزم
- سيبيه يكمل ياعمتو، عايزة اشوف آخرته إيه...
فأفحمته وواصلت بثقه وهى تحدجه بعيونها الثابته.
- بس الحقيقة غير كده خالص ؛ لسه بعرف اقرا عينيك كويس وبيقولوا إنك هتموت عليا فعلا بس شيطانك رافض يعترف...
أصابت كبريائه فى مقتل تقبله بسعة صدر، وتبسم ساخرا
- لسه متغيرتيش، عامله نفسك فاهمانى وفاهمة كل حاجه وانتِ مش فاهمه نفسك اصلا، اطلعى من الجو ده مش لايق عليكى..
عقدت ذراعيها أمام صدرها وهزت ساقها معاندة.
- تؤ، أنت اللى لازم تتواضع شويه وتسأل نفسك إنت هنا ليه! ايه جاي تاخد بركات عمتى ولا تسلم على رهف اللى مخاصمها ليك يومين!
اوقدت النيران فى قلبه ولكن بفطرته الذكوريه المتغطرسة يأبى الاعتراف بالهزيمة امام امرأه اعتاد على تلميع حذائه بكحل عيناها، فتبسم منتصرا
- لا معاكى حق، أنت صح ؛ انا هنا عشانك؟! جاي ابارك لك وافرحلك واقولك مبروك يا عروسة..
ثم دنا منها خطوة حتى اختلطت انفاسهم وهمس فى آذانها متوعدا بنبرته المخيفه
- بس للاسف الشديد مش هينفع تبقي عروسة لحد غيري..
حدجته بنظراته الساخطة
- موتى أهون، بككككرهك..
ابتعد عنها وانحنى ليأخذ اشياءه المُلقاه، وقال بهدوء اشبه بالبرود
- هو أهون فعلا من اللى هعمله فيكى لحد ما أعدل دماغك دى...
ثم جهر محذرا
- ياريت تعقلى بنت أخوكى يا عمتو...
ثم غمز لها بطرف عينه.
- الزياره الجايه للعريس لازم اكون موجود، احسن ما يفكر إن مالكيش أهل، سلاام ياااااا، احم بنت خالتى!
ينسحب ليحمى رجولته من اغداق امراة كتمت انفاس تمرده فبذكائه انتصر وظفر فى تحول قلبها من مضخة حب لجمرة مُلتهبه، فجثت مجهشة بالبكاء
- أنا جوايا واحده بتكرهك وواحده تانيه بتعشقك، أنا تعبت من الحرب اللى مش خلصانه دى...
ثم صرخت بصوت عالٍ أحزن كل من رهف وسعاد اللاتان تبادلا النظرات بينهم باسف، وصاحت.
- هو بيأذينى وانا شايفه الاذيه منه بس مش قادرة استغنى عنه، عايزاه يفضل، يفضل حتى ولو كان وجع، وجعه أهون بكتير من العذاب اللى بيقطع فيا ده..
جلست سعاد بجوارها وحاولت أن تأخذها فى حضنها وتواسيها ولكنها انتفضت مذعورة وعاندت بصوت مفعم بالنهيج
- انا هتخطب وهكمل حياتى عادى من غيره، هو، هو مش هينتصر عليا، انا لازم اقتله من جوايا حتى ولو هقتل نفسي بس مش هرجع له..
حدف شدقيها جملة تمردها وركضت نحو غرفتها لتحتمى بها من عيونهم المشفقه، ما كادت ان تخطو رهف خلفها خطوة إلا أن اوقفها نداء سعاد
- رهف، سيبيها
زاحت رهف دمعه حزنها وتمتمت
- مايتفعش اسيبها كده!
تنهدت سعاد بثقة وحزمت أمرها، واحتدت نبرة صوتها كإنها قررت ما ستفعل، وأجابت
- ما ينفعش نسيبهم أكتر من كده، كده؟!
- مش فاهمة! يعنى إيه..
- هقولك...
كل المحاولات كانت من المفترض أن تكون المحاوله الاخيرة ولكن الحنين دوما ما كان يجبرنا أن نعود لنحاول ضاحكًا علينا بإنها تلك ستكون آخر مرة، ولكن هيهات ؛ إلى تلك اللحظة لم تدق ساعة المحاولة الاخيره بعد كثيرا من المحاولات.
تتأمله ميان وهو يقف أمام النافذة بعيون انثى ذات خبرات وتجارب متعدده مع الكثير من الرجال، فصدح عقلها وهى تعقد حزام منامتها البيضاء وردد واصفا حالته التى رأتها
- أنه يُدخّن بطريقة مربكة تجعل من يراه يشعر ان ما بين اصابعه انثى عاشقة و ليست مجرد سيجارة، هذه السيجارة ان لم يبتعد عنها يومًا حتمًا ستقتلني! كأنها جرعة مُسكنة عن غياب جزء منه..
دنت منه بابتسامه واسعة واضعه كفها على كتفه العاري وسألته.
- بتفكر فيا؟!
سبحت فى دخان سيجارته وقال متعجبا وبدخله شيء من الاشمئزاز
- مكنتش متوقع أن العلاقه تتطور ما بينا بالسرعة دى..
ضحكت بميوعه ووقفت أمامه متدلله
- وهى كده اتطورت؟! مين فهمك كده؟!
رفع حاجبه مستنكرًا
- أومال اللى حصل ما بيننا ده اسميه ايه؟!
تردد صوت ضحكاتها العال واجابت بثقة
- لا تقدر تسميه كتير، توثيق علاقه جديده، معاهدة سلام، فضفضة عن حاجات متتحكيش..
ثم سكتت للحظة ترمقه بعيونها الخبيثه واتبعت بمكر
- خاصة فى حالتك دى!
سحب نفسا طويلا من سيجارته وتبسم بابتسامه مزيفه
- ومالها حالتى!
تحركت امامه باقدامها العاريه لتصب كأسا من النبيذ وضحكت
-واحد متخانق مع مراته هيكون محتاج ايه يعنى!
ثم استدارت برأسها فقط واطرقت بغمز
- لعلمك بفهم كويس أوى فالرجالة..
أطفئ سيجارته كاظما غضبه وقال متخابثا.
- لا ماهو واضح، عشان كده بقي قولتيلى إنك مش بتعرفى تتفاهمى فى الاماكن المفتوحه!
مسكت كأس النبيذ وجلس على طرف الفراش واضعة ساق فوق الاخرى فتعرت ساقيها الممتلئه قليلا واجابت
- الاماكن المغلقه دايما هى الحل...
لفح منشفته على كتفه متجها ناحية المرحاض وقال متغزلا
- عايز القمر ده يجهز نفسه عشان محضرله مفاجاة..
ألقى جملته بملامحه لا تثير الشك للحظة فاستقبلتها بابتسامة واسعة ماكرة، فما لبث أن تأكدت من دخوله الحمام ليطفئ نيرانه الداخليه وغضبه من فعله المكروه مستغفرا ربه سرا، فتصنت حتى تأكدت من تشغيله لصنبور المياه ركضت ناحية هاتفها بذعر وتحدثت فيه
- ايوه يا سيادة النائب...
أخبرتنى أمى ذات مرة
-ان كُل العقبات التي كُنت تجزِم أنّها أصعَب من أن تتجاوزها هي اليَوم خلفك؛ لتتأكد أنّ الله لا يُكلّف نفسًا إلّا وسعها..
اختلج قلب فجر بشيء من الذعر وهى تتأمل السماء الصافية بخوف، فشيء ما انتابها فى منتصف قلبها بوخزه وجع قلقة على هشام، فتوالت الهواجس على مخيلتها وتولد ألف سيناريو لاصابته بمكروه ما، فما الحب إلا اثنان يضحكان للأشياء نفسها، يحزنان في اللحظة نفسها، يشتعلان و ينطفئان معاً بعود كبريت واحد، دون تنسيق أو اتّفاق، ولكنها نفضت غبار أوهامها سريعا واغرورقت الدموع من مقلتيها.
- أنا عارفه إننا حالفين على مصحف ؛ وإنى ما ينفعش كنت أعمل كده، بس أنا هنا عشان احميك، عشان نعيش الباقى من عمرنا من غير وجع، أنا و انت والراحة..
ثم احتنضنت السلسله المعلقة برقبتها وتحمل ميداليته وتنهدت بحرقة
- أنا متأكده إنك هتسامحنى، يارب ساعدنى وابعد عنه اى شر، ورجعه لحضنى سالم غانم وصبرنى لانه وحشنى أوى..
ثم سقطت عيونها على شعاع الشمس المنكسر من النافذة وتبسمت بأسف وقالت لنفسها.
- حتى الشمس مش كفايه لتُضيء طريقى، قلبى محتاج شُروقك ليكمل...
فتح ايوب الباب بدون استئذان واندفع نحوها الصغير بكل ما اوتى بشوق مهللا
- وحشتتتتينى يا فجر...
جلست على رُكبتيه وعانقته بشوق اطفأ قليلا من نيران شوقها لحبيبها وقبلت جبهته
- وانت كمان وحشتنى يا ايوب..
ثم ابتعدت عنه محتويه بكفيها ذراعيه
- طمنى عليك..
- انا زين قوى قوى يافجر، لما شوفتك بقيت فرحان...
قبلت كفه الصغير بحب وحدثته بلهجته.
- وانا عايزاك تفضل على طول فرحان إكده..
- قوليلى إنك مش هتمشي تانى واصل؟!
تلعثمت الكلمات بحلقها بحزن
- بص انا هوعدك إنى هزورك على طول..
انكمشت ملامح ايوب بكلل
- انتى كمان هتمشي كيف ما خالد مشي؟! انتو مش عايزين تعيشوا جارى ليه، كلكم بتمشوا..
تلقت بابهامها لؤلؤة عينه المنبثة من قنواته الدمعيه وسألته
- من ميته عندينا رجاله عتبكى يا ايوب، انا علمتك إكده..
نفذ صبر الصغير وتفوه بتعب.
- ابويا رافض يخلينى اروح المدرسة وألعب مع العيال، دى حتى خالتى نادية مش مخلينى اقعد معاها عشان تحفظنى قرآن..
سألته فجر بتلقائيه
- وهى فين خالتك نادية يا ايوب ؛ انا ماشوفتهاش..
وشوش لها الصغير فى اذنها بحرص
- اصل ابوي حابسها فى المنور تحت، ورافض اى حد يشوفها، اوعى تقولى إنى حكيتلك..
اتسع بؤبؤ عينيها إثر الصدمة محاولة استيعاب ما اردفه أيوب ببراءته، وعادت لتسأله
- حابسها ليه! هى عملت إيه...
هز كتفيه بجهل تام
- ماخابرش، هروح اجيب الألعاب ونلعبوا زى زمان، مش هعوق عليكى...
نهضت فجر خلفه وتأكدت من قفل الباب ووضعت السماعه فى أذنها مناديه على مجدى...
- مجدى، مجدى، أنا عملت إللى أنت قولت لى عليه بالظبط..
- تمام، تمام يافجر، خلى بالك على نفسك عشان حياتك قصادها حياتى من ابن السيوفى..
تبسمت بهدوء ثم قالت واثقه
- هشرف متقلقش، المهم تفتكر ليه زيدان حابس أم خالد فالمنور تحت!
ابتعد مجدى عن مقر اللجنة التى تتوسط الطريق وقال متعجبا ساخرا
- وانا هعرف منين؟! ماانت هناك عشان تجيبلى أخبار مش اسئله يافجر..
زفرت باختناق
- اووووف، طيب طيب ؛ هعرف واقولك، سلام..
نزعت السماعة من اذنها متأففه
- العيله كلها روحها فى مناخيرها، ياباى منهم كلهم عينة واحده، مممممم ياترى خالتى نادية عملت إيه عشان يحبسها!
ضرب مجدى كف على الاخر
- انا عرفت هشام مش بيدخل حريم فى شغله ليه ؛ دول يجيبوا الهم...
ثم جهر بصوته العال
- افتح الكمين يابنى...
- ايه يا ولد منك له الدوشة دى؟!
خرج الصياد من سفينته الراسيه جاهرا بجملته الاخيرة إثر إستماعه لضجيج بالخارج، فلم يعط خالد فرصة لأى احد من رجالخ بالرد بل بادر قائلا
- انا، انا خالد يا بيه، ولازمًا نتكلم...
رمقه بعيونه الضيقه المكذبة وسأله
-انا فاكرك، مش أنت خالد ابن اخو زيدان..؟!
تحرر خالد من قبضة يد رجال الصياد واقترب خطوة
- ايوه، ايوه انا، بس المرة دى جيت عشانك، وعشان مصلحتنا كلنا..
استدار الصياد وعاد الى سفيته وجهر
- تعالى...
تابع خالد خُطاه بتردد الى أن وصل لساحه واسعه بها افخم الاثاث، فجلس الصياد ووضع ساق فوق الاخرى ووقف خالد اقصى يمينه مطأطأ الرأس، فسأله بفظاظة
- إحكى!
تردد للحظة ثم قال له بلهفة
- ست مُهجة فى خطر..
تدلت ساقه بذهول
- مهجة؟! بتى؟!
اومأ خالد ايجابًا، وأكمل
- زيدان عايز يخلص عليها...
نهض الصياد مفزوعُا ممسكا بياقة قميص خالد ورجه بغضب.
- إنت اتجننت ياض انت، إنت عارف لو سلمتك لعمك هيعمل فيك إيه!
لم يتحرك إنش إثر تهديداته، وتفوه بثبات
- وانت عارف لو ماشترتش منى هيحصل فيك إنت وبنتك إيه..
تراخت قبضة يد الصياد من عليه، وتدلت يديه تدريجيا
- وايه اللى يضمن لى...
هندم خالد ملابسه وتابع حديثه بثقة
- الدليل لو رنيت وسألت بتك دلوقتى عن حالها هتحكيلك إن البت اللى كان عايزها زيدان رجعت، ممم تفتكر رجعت ليه!
- بت مين؟! تقصد مراة الظابط..
قهقهه خالد بسخرية وأجابه
- قصدك اللى ضحكت على الظابط، وسرقت منه هارد يوديك أنت وجماعتك كلها بالاخص لحبل المشنقة..
إن اشتدت الصدمات ثُقل اللسان، اهتز الصياد أمامه بخوف تعمد اخفاءه، فواصل خالد
- صدقنى أنا معاك مش ضدتك، والبت دى مش سهلة واللى عرفته أنهم متفقين على قتل مهجة بتك لانها بدأت تلعب بديلها، وتنجس مع زيدان..
هز رأسه بعدم تصديق
- مهجة بتى بتحب جوزها ومستحيل تغشه، انت هتسرح بيا يا واد أنت...
ما لبث أن انتهى من جملته، فاخرج هاتفه وفتح رسالة نصيه من رقمها مكتوب بها ( عايزاك الليلة تنفذ )
- لسه وصلانى حالًا، اهو اتاكد
تأكد الصياد من الرقم والرساله مذهولا فتابع خالد واثقًا.
- البت اللى مع زيدان بينى وبينها قصة حب طويله قوى واكيد أنت عارف اكده زين وانى كنت هخطبها، بس اللى متعرفهوش إن سرها كله فى حجرى، لانى واعدها اول ما أخلص من عمى ومرته واورث هنتجوز، لامؤاخذه يعنى هى هتعمل إيه براجل عجوز زيه...
تلعثمت الكلمات بحلقه وسأله
- هى عايزاك تنفذ إيه؟!
- افجر اكبر مستودع للسلاح، فيه بضاعه بالملايين..
تأرجحت عيون الصياد بحيره
- وبتى تعمل كده ليه، انا لازم أكملها، اوعى من وشي..
تحرك الصياد ممسكًا بهاتفه غير مُباليا لجملة خالد
- تبقي بتضرها مش بتخدمها، وزيدان للاسف مراقب كل تليفوناتها لانه كاشفها...
ثم تحمحم بخفوت واكمل
- وبتك بتعمل كده ليه لانها حبت تتغدى بيه قبل ما يتعشي بيها خاصة لما شمت ريحة الغدر من البت التانيه ومالقيش غيري لانى مشحون من عمى، وحضرتك عارف وبحركة زى دى الكبار ممكن يعملوا إيه فى زيدان...
سأله:
- وانت هتعمل كده؟!
- بقولك كاشفنا، ولو هوبت من هناك هتقتل...
ثم تنهد بثبات واكمل
- اسمعنى ومش هتخسر حاجة، مفيش غيرك هيساعد مهجة وهيبعد عنك حبل المشنقه...
- أنت عايز إيه..!
اتسعت ابتسامة النصر على ثغر خالد
- مش هنختلفوا، المصلحة واحده والهدف واحد...
ترقد نانسي فى منتصف فراشها تنوح ألم الفقد الذي تذوقته بمرارة الصبار وهى تعتصر بطنها التى خسرت آخر أمل لتحييا، اجهشت بعويل مكتوب وهى تدب حظها
-لم يكف قلبى عن الصياح للحد الذي يوقظنى فى منتصف الليل باكيه، متألمه، اشعر ما يتمدد عليه جسدى لهبا ولست قطنا، باتت قنواتى الدميعه ممتلئه من نهر قسوة الايام حتى فضت أنا، بات الفقد رفيقا لى وبت ارى ما حولى سراب...
حملقت فى السقف بعيونها الهالكة إلى أن دخل فارس من باب الغرفة وقال
- شايفك بقيتى أحسن!
تجاهلته او على الاغلب كانت تلملم شتاتها لتنفجر بوجهه دفعة واحدة، اقترب منها واشار للممرضة أن تخرج، فخرجت وقفلت الباب خلفها واردف معاتبا
- كده؟! كده يا نانسي تخلينى اتعصب عليكى؟!
ثم انحنى على كفها وقبله وواصل
- هتفضلى ساكته كده كتير...
ثم احتنضن كفها وقال بمزاح عصر قلبها.
- شوفتى لما خلصتى من روح زياد السيوفى جواكى وشك نور إزاى؟!
انخرطت دموع عينيها بحرقة ولازالت محتفظة بصمتها وألمها الذي لم يصفه كلام، فنهض فارس من جوارها وقال
- حبيت اطمن عليكى، هروح النادى وبالليل هرجعلك..
شحذته بانظار التوعد الكافيه على حرقة مدينه بأكملها، كاتمه بكاؤها بصعوبه متغذيه على قوت الصبر الذي يعقبه بركانا سيطيح بالجميع، فما يحرض اسهم غضبها نحوه سوى خيبته منه قضت على حياتها...
انصرف فارس مدندنا ببعض الاغان، فانفجرت نانسي باكيه بصوت عال اسبه بالنواح، فركضت الممرضة نحوها وسرعان ما نجدتها بإبرة مهدة كجرعه مسكنه لتثبط وجعها...
* على الطريق الذي يبتعد قليلا عن قصر الشاذلى توقفت سيارة فارس تدريجيا إثر وجود لجنه على الطريق، فاتسعت ابتسامة مجدى الذي يُراقب موقعه من رقم هاتفه جيدا متابعا خطوات سيره، فنهض من مقعده ووقف أمام سيارة فارس طالبا رخصه
- رخصك!
تمازح فارس.
- انت جديد فى المنطقه ولا ايه..!
اكتظى وجه مجدى بدماء الغضب، وانفجر مجلجلا
- انت هتصاحبنى بروح أمك...
تراجع فارس للخلف بعدم تصديق صادرا من ثغره صوتًا نافيا
- تؤتؤتؤ، بدأنا نغلط! وكده غلط، خاف على رُتبتك ياحضرة الظابط..
ركل مجدى باب السيارة بقدمه، بتوغر وتغلظ
- انزل لى وانا هعرفك رُتبتى..
ثم رفع صوته أكثر مناديًا على العساكر
- تعالى يابنى فتشلى العربية دى!
هبط فارس من سيارته محاولا إصلاح الامر.
- لالا، انت فاهم غلط، الموضوع مش مستاهل، انا كان قصدى نتعرف وكده..
زاحه مجدى بقسوه ودخل الى سيارته وأخذ يفتش بها بعشوائيه حتى أخرج من جيب قميصه عدد ما من ( لففات وقراطيس الحشيش ) المُبرة للتدخين، وفتح من الداخل شنطة السياره ليفتشها العسكرى، فعاد إليه مررة آخرى وبيده المواد المخدره، وقال بفرحة
- لو على التعارف فشكلنا هنقضيها للصبح...
اتسع بؤبؤ عيني فارس بصدمة عندما رأى ما لا ينتمى إليه مذهولا.
- مش بتوعى! اى الهبل ده؟!
ما لبث أن عاد العسكرى وبيده ( فرش حشيش ) واعطاه لمجدى
- لقينا ده فالشنطة يابيه..
صاح فارس
- اى التهريج ده، مش بتوعى معرفش عنهم حاجه؟!
اصدر مجدى اصوات نافيه بشدقيه، وتابع بهدوء
- اومال بتوع مين! معقولة يعنى العسكرى الكُمل ده هيتبلى عليك؟!
ثم جهر بكُل ما اوتى من غضب
- تعالى حرر لى محضر هنا يابنى...
انفعل فارس
- مش بتوعى بقول، اى الجنان ده؟! دانا هوديكم فى ستنين داهيه..
مال إليه مجدى وهمس بالقرب من آذنه
- بينى وبينك انا عارف إنهم مش بتوعك، بس أنا غاوى تعارف بقي وحابب اجر رجل؟! وكمان كل العساكر دى عارفين إنهم مش بتوعك، بس بردو هيشهدوا إنهم لقيوهم فى عربيتك، يعنى بالبلدى، أحنا مطبخينها ومزاجى بقي اتسلى عليك فالحجز كام يوم...
تدخل ظابط المرور الاصلى وسأله بفظاظه
- هاا ياسيوفى، تمام!
ربت مجدى على كتف فارس بتوعد
- لسه هنشوف البيه إذا كان تمام ولا مش تمام...
- انتو، انتو عايزين منى إيه، إنتو هتروحوا فى ستين داهيه، انا هعرفكم مقامكم...
ثم ابتلع بقية الكلمات فى حلقه عندما تردد فى ذهنه الاسم الذي قذفه الظابط
- سيوفى!
نصب مجدى عوده بشموج وقال
- بص قدامك عربيتين زُرق، واحده فيهم البوكس وواحده بتاعتى، شوف بقي إنت حابب تركب أنهى فيهم!
- يازيدان اسمع منى، البت دى ناوية على خراب ديار؟!
نفذ صبر مهجة من إلحاحها المستديم الذي لا يسمع، فاردفت جملتها الاخيره بنبرة مختنقة وهى تجلس بجواره، فترك خرطوم ( الشيشه ) ونهرها
- اباااااى عليكى عاد يا مهجة، ما تتمسي، وهى البت كانت عملتلك إيه ماهى قاعدة مع ايوب...
زفرت بضيق
- قلبى مش مطمنلها، الفار بيلعب فى عبى من ناحيتها!
التوى ثغره بابتسامة ماكرة.
- مش أنت اتاكدتى بنفسك إن البيه بتاعها مع بت الشاذلى، واللى طلبتيه منها بالظبط عملته، وعطتنا التمام...
هزت مهجة ساقها بغل وهى تتضرب غلى فخذها بحرقة
- ماهو مش معنى إنه نام فى حضنها يبقي نسلم له دقنها، يازيدان افهمنى ده ظابط وممكن يعمل أى حاجة عشان يوصل للى عايزه...
- وهشام السيوفى مش بالغباء اللى يشغل حريم معاه يا مهجة، لمى دورك...
صرخت مهجة بنفاذ صبر.
- يالهوى منك، وانت كمان عايز تصدقها؟! لا لا دانت اتجننت رسمى...
ثم تغيرت نبرة صوتها محذرة
- زيداااااان بقولك إيه، اقف معوج واتكلم عدل، ولو البت احلوت فى عينيك تبقي بتكتب شهادة وفاتها بيدك...
اخترقت فجر مجلسهم بتردد فاذن لها زيدان بالاقتراب، فدنت معتذرة
- انا مش هعرف انام قبل ما ارجع الامانه لصحابها...
نهضت مهجة بكهنها الانثوى، منبهه
- بت أنتى حركات التعابين دى مش عليا، ما تيجيبى اخرك معايا..
فتحت فجر كف مهجة بغلٍ ووضعت به ( هارد ) الذي كان مع مجدى ووجدته رهف فى اغراض ابيها، وقالت
- الهارد ده كان مع ولاد السيوفى ؛ وكان هيودى ابوكى ورا الشمس اللى فهمته من كلامه، ولو مااخدتهوش كان زمانك بتوديله عيش وحلاوة دلوقتى!
أومأت بهزة بتثاقلة وعيون ثابته
- قصدك إيه يابت...
- قصدى إنك تهدى على نفسك كده وتفهمى إن كلنا فى مركب واحده، وانا معاكى مش ضدتك، تصبح على خير يا سيادة النائب..
اوقفها ندائه بصوت الخشن
- استنى عندك، نشوفوا الاول البتاع ده فيه إيه!
اندمل قرص الشمس وذاب فى حضن السماء فسادت العتمة، وانتهى هشام وميان من رحلة السفارى التى ذهبوا إليها معًا حتى جلسا الاثنين فى أحد الخيام وسالته ميان
- أنا ليه مش مصدقة!
اخرج هشام من جيبه علبة السجائر التى باتت شيئا ملزمًا له وسألها
- مش مصدقة إيه؟!
- مممم إنك هنا جمبى ومعايا، على عكس قبل كده كنت جاف ومصدر الوش الخشب كده، بصراحه كنت بخاف منك..
اتقن دور العاشق معها ببراعة واحتوى كفها الصغير وسألها
- ودلوقتِ، لسه بتخافى!
القت نظرة على كفها الذي يحتضنه وسرعان ما انتقلت لعيناه وقالت بجراءة
- ما أحنا خلاص وثقنا العلاقه ومابقاش فى خوف..
شعر بالاشمئزاز من نفسه للحظة قتلها بابتسامه مزيفة وقال مرحبا
- انت صح، صح جبتى الخلاصه...
تبادلا الضحك معاً، فسألته بغيرة
- هى كانت عاملالك إيه عشان تحبها كل الحب ده!
اتكئ بمرفقه على ركبته التى ثناها وتنهد بهدوء لا ينتمى لعواصفه الداخليه وقال
- كانت بتكذب...
لم تبال بوجوم وجهه ورفعت حاجبها مستنكره
- بتكذب! واى العلاقات.!
اتكىء على ذراعه الايسر واجابها
-معروفه أن الرجل الشرقي يطمن للستات الكذابة...
فكرت للحظة واجابته.
- وما تقولش ليه إن كُتر التذاكى ف الاختيار ممكن يخسرك اكتر واحده بتحبك وبيخليك تسلم نفسك للى هتخدعك...
قاد زمام الامور لصالحه وقال
- منا عشان كده لحقت نفسي وجيتلك، وكويس إنى لقيتك...
مضغ عقلها بانياب احدايثه المعذوبه حتى ذابت فى سحرهم، ضحكت باعجاب على ذكائه فى اكتساب انثاه وتتدللت مرتميه فى حضنه
- يلا ناخد صورة..
طاوعها جبرا حتى التقطت اكثر من واحده، فانسحب بهدوء متحججا.
- كملى تصوير بقي وانا هجيبلك الاكل...
- متتأخرش عليا...
اعتدلت فى جلستها واخذت تحرق ظهره بأهدابها، ثم تصفحت هاتفها ودونت رساله نصية مضمونها
( الاسبوع الاول قرب يخلص وانتى ولا حس ولا خبر، لا شدى حيلك معايا وإلا هتفرج انا واخوكى عل الفيديو بتاعك ) ارسلت ما كتبته لرهف مصحوبا بصورتها مع هشام ثم اعتلى ثغرها ابتسامة انتقام متوعدة.
- كلكم بقيتوا زى العرايس الخشب فى ايدى يا ولاد السيوفى، هحرككم زى ما أنا عايزة وبس...
وعلى حدا تفقدت مهجة محتوى (الهارد) الذي اثبت صحة ما قالته فجر، فبث فى قلبهم وميض من الثقة، فهلل زيدان فارحًا
- عفارم عليكى يا ست فجر
اتسعت ابتسامتها بفرحه
- يعنى سامحتنى...
تفوهت مهجة بغل
- اخرك قرشين وهنرميكى بره...
حدجها زيدان بعتب وأكمل ساخرا.
- عيب يا مهجة، احنا بردك نعمل إكده فى حريمنا! ليه قيللات أصل إحنا زى ولد السيوفى...
ثم ضرب على رأسه كأنه تذكر شيء وغمغم
- ااااه ابن السيوفى! فكرتينى...
ما لبث أن تناول هاتفه فبثت ادخنة القلق فى جوفها منتظرة فعله الجهنمى الذي يكنه خلف تغير طبقات صوته، وما هى للحظة إلا وحال ظنها ليقين عندما فتح زيدان مكبر الصوت الذي تتابع رنينه ثم لحقه بنبرة صوت هشام التى خلعت قلبها من مكانه
- ألو...
جف حلق فجر من شدة الخوف وتراجعت خطوة للخلف وكل ما بها تكور من شدة إثر الصدمه، فصاح زيدان جاهرا، وبنبرة اشبه بالعتب وهو يدور حول فجر ضاحكا
- هى دى الاصول يا ولد السيوفى! ترمى حريمك فالشارع! عموما اللى يرمى النعمة زيدان صياد وقاعد يتلقاها، بالمناسبة مرتك عندى وبتقولك تعيش وتاخد غيرها...
**إننا نحبّ الحياة لأننا نحبّ الحريّة، ونحبّ الموت متى كان الموت طريقا إلى الحياة**.
سلامى الى الشخص الذى تتعافى من ندوبك به وجوده معك يجعل الطمأنينة تسكُن في أعماق قلبك شخص ينتشلُك من عُمق المُحيط ويرميك على حافة الشاطئ شخص مُرسل إليك من اللّه ليُراضيك.
جف حلق فجر من شدة الخوف وتراجعت خطوة للخلف وكل ما بها تكور من شدة إثر الصدمه، فصاح زيدان جاهرا، وبنبرة اشبه بالعتب وهو يدور حول فجر ضاحكا
- هى دى الاصول يا ولد السيوفى! ترمى حريمك فالشارع! عموما اللى يرمى النعمة زيدان صياد وقاعد يتلقاها، بالمناسبة مرتك عندى وبتقولك تعيش وتاخد غيرها...
اتسعت ابتسامة مُهجة الشامتة وهى تضع كفها فى منتصف خصرها وتتمايل بفرحة ترمق فجر التى انسكب دلو من الثلج فوق رأسها مدركة مدى قسوة المأزق الذي وقعت فيه..
على حدا ترك هشام الطبق الابيض من يده على طرف طاولة ( اليوفيه ) محاولا استيعاب ما خر من اشواك على قلبه، انفرج ثغره ليكذبه ؛ ينهره، وآخر يتوسل له بأن يعترف بأكاذيبه، للحظه فقد نبرة صوته لتربط رأسه الخيوط ببعضها، فتردد فى آذانه بعض اللقطات العباره لصوت ميان المتهامسه فى الهاتف ( يعنى إيه هى عندك؟!)، ولقطة آخرى لصوت فجر متعهده ( أنا مش هكذب عليك مهما حصل )، وفلاش من جُملة زيدان ( اللى يرمى النعمه فزيدان صياد )، ثمة شيء يدور من حوله لا يعى نتيجته، ولكن تحرك حسه الامنى وقاده ذكائه للثبات، ففاق على جُملة زيدان التى انتهت بضحكة انتصار.
- ايه ياولد السيوفى، روحت لفين!
تحمحم هشام متجاهل تمزق قلبه، وقال بهدوء مفتعل
- معاك، معاك ياحضرة النائب!
التقت أعين فجر المرتعشه بعيون زيدان الشرانيه، فواصل زيدان
- عموما الامانه رجعت لصحابها..
بادله هشام بضحكة غير متوقعة
- ما هى خلاص ما بقيتش تلزمنى، حلال عليك..
شهقة عاليه اندلعت من قلبها دفنتها بكفوف يديها التى غُسلت بدموع عينيها، فواصل هشام بجدية.
- ولو كانت فاكرة اللى حصل ده هيعدى بسهولة، يبقي متعرفش هشام السيوفى...
اشتعلت نيران الحيرة فى رأس مهجة التى وقفت تتأمل الحسرات المتراقصه على وجه فجر مستدله منها على إجابه ما ولكن بدون جدوى، فانهى زيدان المكالمه بجُملته الاخيره ؛ وقال
- عيب لما حتة ظابط زيك يهدد واحده فى حماية عضو مجلس شعب زيي!
لم يعط هشام فرصة للانفجار حيث إنه انهى المكالمه سريعا وحدج بانظاره الواعره فجر، وتفوه بنبره مغلفه بالتهديد.
- متخافيش منه، ولا يقدر يقرب لك ؛ بس خافى منى لو فكرتى تنجسي معاى..
أومات رأسها بطاعة فلم يفرق معها تهديداته الفارغه أكثر ما شق رأسها رد فعل هشام الذي أضرم النيران بقلبها، فتقهقرت منسحبه او على الاقرب هاربة من شجون الموقف الذي انصب كالغاز على لهب دواخلها..
اقتربت مهجة من زيدان ولازالت تحت تأثير صدمتها وسألته
- بتفكر فى إيه!
هندم جلبابه الصعيدى وقال بهدوء
- البت طلعت براءه، ارتحتى!
رمقته بنظرات الخسة وقالت محذرة
- زيدان! ناوى على إيه!
قهقهه زيدان بمكر تعالب وجلس على مقعده الجلدى بفظاظة
- البت احلوت قوى يا مهجة، ولا إنتِ شايفه إيه!
انفجرت غيرة النساء بجوفها، وصاحت مهددة
- شايفه إن اللى فى بالى لو طلع صح ما هرحمك يازيدان، كله إلا البت دى...
اسبل عيونه المتوقة بشظايا شهواه الدنيئه وقال لاعبا على اوتار كهنها
- ايه، خايفه تاخدنى منك إكمنها احلى واصغر..
استندت مهجة بكلتا كفيها على سطح مكتبه واطرقت متوعدة
- تبقي متعرفش مين هى مهجة الصياد يا زيدان!
ألقت جُملتها وغادرت وهى تلعن فى نفسها سرا وآخر صدح صوت شيطانها مهولا
- أنت اللى اخترت يا زيدان...
وعلى الجهة الاخرى يقلب ابهام هشام قائمه الاسماء باحثًا عن اسم مجدى ففوجئ بكف ميان يتصلق كتفه قائلة
- مين واخدك منى؟!
حارب ليبدو عاديُا
- معلش معايا مكالمة مهمة بس!
ضاقت عيونها بفضول
- مكالمة إيه؟!
جهر بغضب دفين، وصاح.
- اتوقفت عن العمل يا ميان، واتحولت للتحقيق..
جحظت عيونها بذهول
- ازاى وليه؟!
زفر مختنقا حائرا، حيث باتت الحيره تنهش فى خلايا رأسه
- أنا لازم ارجع القاهرة، حالا..
اومات متفهمة
- تمام، هنرجع يلا...
تجوب فجر الغرفة بخطاوى فوضوية حد دورانها حول نفسها من شدة التفكير ؛ فوضعت السماعة منادية على مجدى عدة مرات بصوت موشك على البكاء..
- مجدى، مجددددى، يامجدى!
نزع مجدى سماعته اللاسلكيه المتصلة بالميكرفون الذي ذرعته فجر فى مكتب زيدان ؛ فتنهد مطمئنا
- ايوه يا فجر...!
ضربت الارض بقدميها
- مصيبة...
اوما مجدى متفهمًا
- سمعت يافجر كل حاجة، وبصراحه مكنتش متوقع البجاحة بتاعته دى كلها..
فرت دمعه من طرف عينيها، وتفوهت بصوت مختنق
- انا مرعوبه من هشام يا مجدى..
ثم سكتت للحظة وواصلت نادمة.
- هو معقولة يكون بيكرهنى بجد، هشام خلاص استغنى عنى، ياريتنى ما سمعت كلامك يامجدى، أهو هشام عمره ما هيسامحتى!
زفر مجدى حائرا
- فجر إنتى ليه مستهونه بذكاء هشام؟! هشام آكيد فهم إن فى لعبه فهو مشي مع الموج، وبصراحه ده المتوقع منه...
اجهش صوتها بالبكاء
- يعنى هو ممكن يسامحنى!
كور مجدى يده غاضبًا.
- نامى يا فجر، نامى واطمنى بخصوص هشام؛ وكمان الزفت اللى اسمه زيدان ده اطمنلك، عايزك تركزى كده وتنفذي باقى خطتنا زى ما اتفقنا..
اطرقت بنبره مهزوزه
- طيب وهشام، انا مش هقدر انام كده!
احتدت نبرته الجازعة، وأمرها بعنفوان
- فجر انا مش فاضي لحركات العيال دى، اركنى هشام على جمب اليومين دول لحد ما نوصل كلنا على البر، فهمانى، ويلا نامى الوقت اتأخر..
غمغمت مجبره وبضعف
- حاضر...
(عادة ما فِي القلبِ أشياءٌ تثورُ، ولا تُرى، وإن سالَتْ منا لفَاضتْ الابحر، ولو انصب حزن القلبِ فى نهرٍ، لَأذبلَ كُلَّ ما هو أخضرٌ، ).
- مجدى بيه، الواد اللى فالحجز تحت عامل دوشه ومش مخلى المساجين ينامو...
تدلت اقدام مجدى الممتده على سطح المكتب ارضا وهو ينزع السماعه من اذانه وقال بتأفف
- انزل قوله يحط جزمه قديمه فى بؤه وإلا هنزل ادفنه مكانه...
تردد العسكرى للحظة، فقال بخوف
- مجدى بيه، كده فيها مُسائله قانونيه...
ألجمه مجدى بجزع
- وانت هتعلمنى شغلى! اللى بقوله تنفذ وبس...
أوما العسكرى بطاعة وانسحب وقفل الباب خلفه، فتمتم مجدى بكلمات غير مفهومة فجر بها شحنات غضبه فاستدار نحو صوت رنين هاتفه الذي اضاءه باسم رهف التى لم تكف عن اتصالاتها المُتكرره، فامسك بهاتفه مختنقا واغلقه ورماه بضيق
- اتربى لك شويه أنتى كمان..
ثم نهض نحو الاريكة ليمدد جسده المُتعب لينال قسطا من الراحه قبل نشوب المعارك، وعلى حدا القت رهف هاتفها متأففه واختنق صوتها حتى اوشك على البكاء.
- شوفتى ياطنط، بردو مش بيكلمنى ولا عايز يطمنى...
قفلت سعاد احد الروايات الشهرية بيدها وتبسمت بثقة
- ومش هيرد...
انعقد جبين رهف بجزل طفولى
- ليه...
أكملت سعاد بتفهم
- ياروحى مجدى راجل وطبعه حامى ومش معنى إنه بيساعدك هيعديلك عملتك دى ويرجع يكلمك عادى!
انخفضت نبرة صوتها بحسرة
- هو قال لى يابنت عمى، وكان بيكلمنى باسلوب كده معجبنيش..
جملة رهف ايدت حديث سعاد التى واصلت.
- أهو، يبقي نظريتى فى محلها ؛ استحملى بقي عقابه..
اغرورقت عيونها بلألأ الحزن، ونشجت
- يعنى ايه! هو مش هيكلمنى تانى خلاص على كده!
تعمدت سعاد اللامبالاه عازفه على اوتار ضعفها
- جايز، وجايز كمان يكون فاق وعرف إنك مش البنت المناسبة له ؛ كل الاحتمالات معانا...
- ده بجد! لا أنا مش هقدر ابعد عنه ؛ وهو عارف كده كويس، أنا الصبح لازم اروح له...
حدجتها سعاد بطرف عينيها وبنظرات متخابثة كتمت ضحكاتها وعادت لتقرا حيثما توقفت، فعادت رهف إليها لتسألها
- طنط طيب اللى إحنا عملناه فى بسمة وزياد، صح!
- والله لو نجحت تبقي صح، ولو فشلنا نبقي عطناهم فرصة جديد ة محاوله وهما معرفوش يستغلوها...
ترمقها رهف بنظرات حائره على تلك اللامبالاه والراحه التى تتحدث بها كأن العالم ينحصر بين اصابعها كحبال العرائس الخشب تحركهما كما شاءت، فغمغمت
- هى ازاى هادية اوى كده!
لكي ترتاح، تعلم أن تختصر في كل شيء، كلامك، مشاعرك، غضبك، وأحيانا بعض الناس، فى الاختصار كنز لا يدركه اصحاب الثرثرة المبالغ فيها...
هبت نسائم الفجر مغبره بأتربة الامس، فتسللت فجر بحرص شديد نحو الغرفه التى تكن بها نادية، فهبطت على درجات السلم وهى تكتسح المكان بانظارها المنتفضة حتى وصلت الى الدور الارضي وتسحبت تحت السلم لتقف أمام الباب الحديد المُغلق بالقفل ففشل مُخططها حينما عجز عن الوصول اليها..
وقفت للحظات تفكر فى طريقة آخرى للدخول ولكن لا يؤدى إليها إلا باب محكم قفله باصفاد الشر، خاب امل فجر الى أن كتمت صوت شهقاتها إثر الصوت الصادر من الخلف
- كنت متأكده إنك جايه عشانها..
حبل الهزيمة التف حول عقنها إثر غباءها، فتصبب عرق الارتباك من مسامها وهى تبرر
- انا، انا هنا عشان جُعت وكنت رايحة المطبخ ادور على أكل..
نزلت نورا أم ايوب من اخر درجة على السلم واقتربت منها.
- مفكرة إنك هتقدرى تقفى قدام زيدان! وتخلصي البلد من شره؟!
ذهلت فجر من سؤالها الغير متوقع فسرعان ما استقبلته بالنفى
- بس انا...
قطعتها نورا بتفهم
- أنا معاكى مش ضدتك!
ثم اقتربت منها وهمست لها
- انا عارفه وانتى عارفه إن الظابط جوزك اللى باعتك هنا..
باصرار نفت فجر جُملتها
- لا، محصلش ؛ هشام مايعرفش حاجة..
فهمست لها نورا.
- والسلاح اللى تحت مخدتك ؛ والسماعات! والشنطة اللى مليانه حاجات غريبة، هى فى واحده مطرودة بردو تيجى بشنطة!
تقاسم الخوف ملامح فجر التى تكورت حول نفسها وظلت ترمقها بخوف..
- انت فاهمه غلط..
اقتربت منها نورا خطوة سلحفيه، وواصلت
- الشنطة والسلاح خبيتهم لك فى مكان آمن، متنسيش مهجة مش هتسيبك..
ثم ابتلعت ما بحلقها من كلمات للحظة وهى تتفحصها بنظراتها الاستكشافيه، واخرجت من جيبها مفتاحا، وقالت.
- المفتاح أهو، بس هتنزل تقوليلها إيه؟! ومش خايفه زيدان يقفشك!
فاقت فجر من كرباج اتهاماتها نافيه، وتشجعت
- انا مش فاهمه اى حاجة، وانتى كبرتى الموضوع يا أم ايوب بالفاضي..
- لا يافجر هو كبير من زمان بس إحنا اللى ساكتين عنه، ظلم وقتل ودم وقهره وغيره، واحنا عاملين نفسنا مش شايفين..
ثم زفرت بكلل
- أنا مش عايزه اى حاجه غير إنى احمى ابنى وبس، وهساعدك، ولازم تثقى فيا..
خفق قلب فجر بحيرة إثر النارين التى وضعت بينهم، ما بين مصافحة يد العون، واتباع اوامر مجدى المحذرة من اشفاء سرها لمخلوقٍ، غاصت فى صمت طويلٍ، قطعه صوت حمحمة زيدان المستيقظ للتو، فسحبتها نورا من كفها بحذر ناحية المطبخ وهمست لها
- صدقينى لوحدك مش هتوصلى لحاجة...
استندت فجر بظهرها على الحائط واردفت بتردد
- عمرى ما شوفت منك حاجة وحشه، عشان كده هثق فيكى..
ارتاح قلب نورا اخيرا وتبسمت بامتنان.
- صدقينى مش هتندمى...
ٰ
لكنني أستيقظ دائمًا وأنا أحبّك، رغم كلِّ عذابات الأمس، ووعود الغياب، يأتي الصباح وأنا ممتلىء جدًا بك، أتفقدك، وأبحث عنك وأكتب لك الرسائل، الصباح هو فخ المحبين الذي لا نجاة منه، أكتب لك صباح الخير، ودائمًا كانت تعني أحبّك.
تراقصت جفون بسمه النائمه فى الفراش بتثاقل إثر ثقل الحبوب المنومة التى تجرعتها وفاقت من حلمها الجميل الذي انقطع، فتارة تنفتح عينيها وتارة ينطبقا على بعضهما، وظلت تلك الحرب ناشبه الى أن التقط عقلها صورة للمكان المجهول الذي تقطن بها..
نهضت بمساعدة ذراعيها متجاهلة آلام جسدها وهى تكتسح المكان بعيونها ورأسها الذي يشقه الصداع لنصفين وغمغمت
- هو أنا فين!
حاولت تذكر ما السبب الذي اتى بها الى هنا ولكن بدون فائده، غادرت فراشها وقمت لتشعل مصدر الضوء ومن بعدها اقترب من احد النوافذ محكمة الغلق وحاولت فتحهما ولكنها فشلت، نبتت براثين الخوف فى قلبها وهى تدور حول نفسها حائرة فى الغرفة باحثه على هاتفها او اى وسيلة اتصال ولكنها لم تجد...
فتحت الباب وخرجت مستغربة تماما المكان، فهى لا تعلم إلى من ينتمى، تتفقد كل إنش به بذهول حد شكوكها بأنها لازالت تحلُم..
سارت فى الطابق العلوى خلف خريطة فضولها لاكتشاف المكان منادية بهمس
- مين هنا...!
ولكن بدون أى فائدة لم تجد رد يطمئنها، فأول من قفز فى فكرها طيف زياد بتنهدت بكلل معاتبه قلبها ألا يُحركك قول أنني تائهة وأنني لا أتذكر إلا الطريق إليه؟.
فتحت ابواب الغرف المجاوره بعشوائيه ولم تجد شيئا سوى غرف من الطراز الحديث، كانت تشبه رهبة الوقوف لأول مرة.
على مسرح ممتلئ بالحاضرين، وما لبثت أن تفتح ثالث غرفة فوجدت زياد كاد ان يخرج منها فى تلك اللحظه، فتراجعت خطوة للخلف شاهقة واضعه كفها فوق قلبها ولم تنكر قط بأن ضجيجها حال لسكون، وصاحت
- والله كنت شاكة فيك!
حيرة تحولت لغموض فى راس زياد وسألها
- هو أنت خطفانى؟!
فانفجرت معارضة
- ومتكونش ليه أنت اللى خاطفنى!
ثم دنت منه خطوة محذرة.
- ورحمة ابويا وامى يا زياد لو أنت اللى عامل الحركة العبيطة دى لهندمك على اليوم اللى عرفت فيه بسمة..
حدجتها باستهزاء ثم انصرف من امامها وهبط نحو الطابق السفليه، وهو يقول
- اتنيلى لما نعرف إحنا فين الاول..
تابعت خُطاه مغلولة، وانفجرت بثرثرة وهى تلوح بيده
- ياسلام، عايز تفهمنى إنك متعرفش إحنا فين، لالا الشويتين دول مايدخلوش دماغى، احسن لك خرجنى من هنا بدل ما اخرج انا من هنا على المستشفى..
تفحص زياد النوافذ والابواب المغلقة بالحديد وحاول فتحها ولكنه فشل، حينها تأكد من إنه تحت رحمة فخ، فاستدار إليها عاجزا
- كل الشبابيك مقفولة..!
ارتفعت نبرة صوتها، وصدحت
- عايز تقنعنى إنك متعرفش!
اجابها مختنقا
- والله ياستى ما أعرف ايه حاجة! واسكتى شويه خلينى افتكر..
اندفعت نحوه وهى محملة بعواصف الغضب، وحدجته بقسوة
- النهارده كان معاد مقابلتى مع فاروق ؛ تقدر تقول لى مين له مصلحة يبوظ المعاد..!
ضحك زياد ساخرا.
- تلاقيه فاروق نفسه، ياعينى حس إنه هيلبس فخلع..
ثم تحرك من امامها متجها نحو المطبخ ذو الطراز الحديث واكمل سخريته
- انتى ليه مش عايزه تقتنعى إن مافيش حد ممكن يتسحملك غيرى!
شرعت فى تكسير كل ما يُقابلها كمجنون تاه عقله وصرخت
- بقولك خرجنى من هنا! انا وانت مستحيل نقعد فى مكان واحد..
فتح الثلاجه فوجدها ممتلئه بجميع الماكولات والفواكه، فأخرج بيتضين واشار إليها ببرود غير مكترثا بثرثرتها.
- هتاكلى اعمل حسابك؟! دول متوصيين بينا جامد..
بروده ما كان سوى لهب يشعلها اكثر واكثر، فأمسكت بأحد الفازات ورمته بها فتفادها باعجوبة، وصرخت
- انا كنت متأكده إنك إنت ورا الجنان ده!
ثم استدارت حول نفسها وهى تسبه علنًا
- يلعن اليوم اللى عرفتك فيه..
تخرك زياد لامباليا، وهو يضع الاناء على النار ويدندن بالغناء ثم جهر مستمتعا
- المفروض تكونى واثقه فى نفسك أكتر من كده يابسبوسه..
ثم استدار برأسه ممازحا.
- ولا خايفة تضعفى زى كل مرة ومتقدريش تقاومى زياد السيوفى!
اندفعت نحوه بخطوات هادئه ولكنها واسعه مُثقلة بجمر الغضب وفتح احد الادراج ومسكت سكينه ورفعتها فى وجهه، مهدده
- اقسم بالله لو دماغك وزتك كل ولا كده أنا اللى هخلى الطب يحتار فيك يا زياد، عشان المهزلة دى لو مانتهتش، هتكون نهايتك إنت من على الوجود!
أسبل عيونه متغزلا ثم سحب نفسا طويلا يستنق عبقها، وقال
- ريحتك وحشتنى اوى يابسمة!
بات غضبها كدقيق متقاذف فى وجهه ولقد تحول قلبها من كمية شعور إلى قائمة تحذيرات، فدنت منه أكثر رافعه مصل السكين أمام عينيه، وجزت على فكيها
- تبقى بتحلم، وهتفوق منه على كابوس يازياد..
ثم وضعت السكينه بقوة على رخامة المطبخ وولت ظهرها مغادرة وهى تهذى بكلمات غير مفهومة، ويصدح صوت قلبها كل مرة انظر فيها إلى الماضي أتيقن أنني كنت محاربة قوية انتصرت على نفسي كثيرًا في أمور كنت أظن أن بنهايتها ينتهي الكون وها أنا هنا ابدأ من جديد كل يوم آتى بى فوق هاويته مرة آخرى، كأن الحياة تعاندنا دائما بتقشير الجرح
تنهد زياد بارتياح
- اه يابت المجنونه!
واخيرا تذكر ( الطاسه ) التى احترقت على البوتجاز وتأفف.
- هى طلعت ريحتك إنتِ مش ريحتها هى..
لست مجبرًا على ان تكون نفس الشخص الذي كنته قبل سنة او شهر لك الحق في التغيّر والنضج متى شئت وبلا تبرير او إعتذار و عد ودافع عن ما تريده حتى وإن لم يريدك..
أغلق الموقد مبتسمًا، ودندن
- مش يكمن الحياه بتدينا فرصة جديده!
دفع هشام بكل قوته باب مكتب مجدى حتى انشرخ حوافه موشكة على الانخلاع وانهال على ياقة مجدى النائم وجره مفزوعًا، ونهره
- مراتى بتعمل إيه عند زيدان يامجدى؟! هى دى الامانه يابن عمى!
اخذ لحظه ليستوعب مدى حديثه وطلب منه
- هشام بطل جنان...
تركت قبضته ياقته وهو يلهث من شدة الغضب
- ها، اهو بطلت جنان يابن عمى، ممكن اعرف مراتى بتعمل اى عند الزفت ده..
اجابه بهدوء وهو يقفل الباب.
- دى الخطة الجديده بتاعتى أنا واللواء نشات عشان نقفل كل الابواب وراك...
دفث بقدمه الطاولة الصغيره وصرخ
- وهشام السيوفى من أمتى بيدخل مهمة وسايب وراه باب موارب؟! ومالقتش غير مراتى يامجدى وتوديها للتعلب ده؟!
- ياهشام افهمنى، فجر متأمنه كويس، ورجالتنا مش سايبينها، انا مش هضحى فيها..
ضربه هشام بقوه بكلتا يديه فتقهقر مجدى خطوة للخلف
- أكون سايبلك مراتى آمانه ارجع القاك بتلعب بيها الكوره، لييييه..
- ياهشام افهم، انت متخيل بخطتك دى ميان كانت هتصدقك!
فنطحه بقوة صوته
- وانت ليه مفكرنى غبى اوى كده ومش عامل حساب كل خطوة، شكلك نسيت ابن عمك وعايز تتنجم على كتافه وهو ومراته..
فجهر مجدى رافضا اتهامه
- انا مش محتاج حاجه تنجمنى ؛ وانت عارف كده كويس، راجع تاريخ ابن عمك قبل ما تتكلم، ولو على مراتك هترجعلك ولو فيها خدش واحد ابقي احبسنى...
كور هشام قبضته محاولا تمالك غضبه وهو يأكل شفته السفليه ويتنفس بصوت مسموع، ثم اشار إليه بسبابته
- ٢٤ ساعه مراتى تكون قدامى وإلا هجيبها عليها واطيها ومش هيهمنى حد ؛ اما انت يابن عمى فاعتبر الحركة دى نهاية المشوار ؛ وطالما كل واحد قرر يلعب مع نفسه يبقي تمام..
ثم ربت على كتفه بقوه معاتبا
- بس الجدع اللى يوصل الاول...
كانت تلك آخر جملة ألجمه هشام بها قبل ما يولى ظهره مغادرا، فاشعل نيران الغضب فى صدر مجدى الذي فرغها بالمقعد الامامى حيث ركله بكل ما اوتى غضب وجهر مناديا على العسكرى
- هاتلى الزفت اللى تحت...
مشاعر الإنسان هشة، لدرجة أن يومه الكامل قادر أن يتعكر بسبب كلمة، أو نبرة صوتٍ حادة أو حتى نظرة، فلم يكن سهلا عليه حديث هشام الحاد بل قرر أن يفش غضبه فى كل من يقع تحت رحمته...
وضعت فجر مائده الطعام التى بيدها متدللة أمام زيدان الذي اعتدل منشيا لرؤيتها ؛ وجهر
- ياصباح العسل...
بادلته بابتسامه مزيفه
- قولت اكسر الروتين وتفطر هنا فالجنينه يا سيادة النائب..
لمعت عيونه الماكرة التى تلتهمها بشراسه
- قولنا يا صباح العسل، بس اى الرضا ده كله..
اطرقت فى حياء
- تسمحلى اقعد؟!
فبادرها بشغف
- وتفطرى معاى كمان، وانا فى دى الساعة!
تعمدت ان تصدر ضحكة عاليه اخترقت نوافذ غرفة مهجة، وأكملت بتدلل واخفضت صوتها قليلا
- لا المقامات محفوظه جنابك، بس أنا كنت عايزه اتكلم معاك، ينفع؟!
شرع زيدان فى التهام طعامه، و رد
- اتكلمى يافجر، مع إنى شايل منك بس ده مايمنعش إن ليكى حته جوايا..
- وانا هعمل المستحيل عشان ارجع لمكانى تانى..
وقفت اللقيمه فى حلقه إثر حديثها المعسول فسعل بقوة فنهضت لتعطيه كوب المياه مردد بلهفة.
- بعد الشر عليك يا عمده، شالله عدوينك..
ارتشف رشفة من المياه فارتاح متنهدا
- خبر إيه عاد أنا قلبى رهيف مايستحملش حديتك دهون!
- وانت لسه شوفت ولا سمعت حاجة؟!
انفرطت مشاعره أمامها، فبات القلق يركض بقلقها، ولكنها ثبتت لتكمل مخططها..
- هو جنابك سامحتنى؟!
- زيدان ماتعودش يقفل الباب فى وش ندمان أبدا...
- و ده العشم فى كرم جنابك، يبقي خلاص انا مش هينفع اخبى عليك حاجة من النهار ده، ولازم احذرك من كل اللى بيكرهوك...
- خير يابت، هو فى حد بيتلفت ورايا؟!
فكرت للحظة ثم اردفت
- خالد، خالد ولد اخوك مش سايبنى فى حالى..
ترك الطعام من يده، والتفت مهتمًا
- خالد! انتى تعرفى مكانه يابت..
اطرقت بهدوء
- ايوه، عارفه وعايزه احذرك منه...
نهض من فوق مقعد ليجلس بجوارها متلهفًا
- هو فينه، فين اراضيه...
- الأول لازم تعرف هو عايز منك ايه؟!
- ما تنطقى..
رفعت عيونها المتأرجحه ثم اسبلتهم متعمده
- بيلف عليا عايز يرجعلى، وبيوعدنى يخلينى ست البلد كلها لو نفذت كلامه...
انعقد جبين زيدان بفضول
- وايه كلامه؟!
- إنى اقتلك، اقتلك وهو يورث الجمل بما حمل وبعدها نتجوزوا ولا من شاف ولا درى..
ثم لحقت نفسها.
- بس أنا مستحيل أعمل كده جنابك وانت عارف ؛ أنا غلطت وعصيتك مرة مستحيل اكرر غلطى، زيدان أنا مش هينفع أكون مراة حد غيرك...
كانت كالحيه تراوغ بألوانها المبهجة وتدلل وتبخ سمها فالاذان ؛ ففرح زيدان كالطفل الصغير
- يااااه يااااه يافجر، اخيرا عرفتى وحسيتى بقلبى! ياااااااه...
هزت رأسها نفيا
- بس أنا خايفه عليك، لان خالد مش سهل ومش هيعديها وعايزاك تاخد بالك...
قهقهه ساخرا وهو يأكلها باهدابه.
- ولا تحطى فى بالك، ده حتة عيل افعصه وقت مااحب..
- حتى ولو قولتلك إنه اتفق مع الصياد عليك؟!
- ايييييه؟!
ثم لمحت فجر ظل مهجة تتجسسس عليهما من وراء الحائط ورفعت صوتها وهى تحضن كفه
- مهجة وابوها ناصبين لك فخ تقيل قوى، خلى بالك منه، زيدان انا مابقيليش غيرك من النهار ده، متسبنيش..
كانت صدمة بثقل جبل دكت على رأس زيدان
- كنت حاسس..
ثم ألقتنه.
- واحنا فيها، معانا اللى يودى أبوها والشاذلى ورا الشمس، ونوقعهم فى شر اعمالهم وتبقي أنت الكل فالكل، ولا إيه جنابك...؟!
تاااابع ◄ الحرب لأجلك سلام