رواية الحرب لأجلك سلام الفصل الحادى والعشرون
بعد اليوم الثاني من الفُراق:
- إستقيظت من نومي سبعة وثمانون مرة وأنا أفكر به، واراه يلاحقنى في منامي، أخشى أن أكون لازلت أحبه يا صديقتي بعد ما رفضني صراحة!
( فلاش باك )
- مش بتاكل ليه يا هشام؟!
سأله الشاذلى وهو يرتشف كأس النبيذ على سطح السفينه الراسية، فاجابه
- ابدا مش بحب اتقل اكل بالليل، خفيف خفيف يعنى..
فنهضت ميان واحضرت كأس من النبيذ الأحمر
- لازم تدوقه، واثقه إنه هيعجبك؟! ده من امريكا
فالتوى ثغره ساخرا
- وافرضي عجبنى! هجيبه منين بعد كده...!
فضحكت بصوت ميوعى
- عندى أنا دى، متشلش همها..
- بس للاسف انا مش بشرب..
- ده كحل ٥% بس...
تدخل الشاذلى.
- خلاص ياميان، متضغطيش على سيادة المقدم..
- اهو زى ما قال لك ياميان...
حينها اشار الشاذلى للنادل وامره بجلب مشروبات غازيه وقال الشاذلى بثقه
- ومش بتشرب صودا كمان...
فتناول هشام الكأس من النادل وارتشف
- لو على الصودا تمام، مفيش مشكلة...
استمر الحديث طويلا بين هشام والشاذلى وحتى بدأت جيوش النمل تتسابق في رأسه مقاومًا جفونه المنغلقه باصرار والصداع الذي يشق رأسه لنصفين حتى استندت رأسه على الطاوله نائما، صدحت ميان مذهوله
- هو ماله، الصودا كان فيها حاجه ولا ايه..
نادى الشاذلى على رجاله وامرهم
- نزلوه فالاوضه اللى تحت، وخلو القبطان يتحرك يلا..
كررت ميان سؤالها
- بابا، هشام نام ليه؟!
- بكره هتفهمى كل حاجة...
تلاقت الاعين الجاحظة ببعضها فلاول مرة يشعر بنفسه مكبل الايدى واللسان، امتدت يد الشاذلى في خصر الحارس ليخرج سلاحه ويصوبه ناحية رأس هشام وصراخ
- واخرهم بضاعة تمنها يساوى تمن البلد كلها تدخل الحدود برساله منك من تليفون ميان بتى، اللعبة انتهت ياسيادة المقدم، الداخليه هتخسرك...
اندلعت اصوات الصراخ المكتوم خلف الشريط اللاصق من جوف فجر ورهف، واحتضنت قبضتى هشام الكرسي الخشبى الجالس عليه، فأصبحت قلة حيلته كالنار على قلبه تلحفه...
أكمل الشاذلى جملته متوعدا
- هاااا بقي تحب نبدأ بمين؟! مراتك ولا أختك؟!
قطعت تفاوضهم جملة ميان المذهولة
- هشام إنت عملت كده! كنت بتضحك عليا...
فألتقطت ذاكرتها( فلاش باك ) لهما وهى خارجه من المرحاض فوجدت بيده هاتفها الخاص فسألته
- أنت ماسك موبايلى ليه..
فداهمها بضحكته المخادعة وأغلقه ودنى منها مطوقًا خصرها ليبخ سمه ليقتل بكتيريا الشك في رأسها
- رن ؛ قولت افصله، عشان أنا كمان محتاج افصل معاكى عن العالم...
فاقت من سطو فكرها وعادت محدقة النظر بعيونه كإنها ارادت أن تخبره بعثورها على الجواب متمتمة
- ياخسارة يا هشام...
فتدخل زيدان باغتياظ
- اللى هموت واعرفه، ازاى البضاعه دى دخلت البلد..
فقهقه الشاذلى مُبديا اعجابه بخطة هشام.
- حضرة الظابط ملقاش دخله غير عن طريق ميان ولحسن حظه وقعت في ايده رساله من قبطان السفينه، فالمهم إن اللى مايعرفهوش إن جهاز ميان بنتى متصل باللاب بتاعى الخاص، وطبيعى مش ميان اللى هتعمل حركه بالغباء ده...
- انت عايزه إيه؟!
قطعه سؤال هشام الحاد بنبرته الثباته، فأجابه الشاذلى
- عايز أعرفك إنت كنت داخل تلعب مع مين...
ثم أشار لحرسه أن يقتربوا بفجر ورهف وهمس بمكر.
- حلوة مراتك، بس غبية، والاغبى منها اللى بعتها تتجسس على واحد زى زيدان..
هشام بغضب: أنا مابعتش حد!
ضحك زيدان ضحكته الساخرة
- اللعب بقي عالمكشوف خلاص..
جال ببصره في الوجوه الملطخه بالشر وغمغم مساومًا
- نتفق!
هبت رياح ميان معارضة
- نتفق على ايه، خلاص بقيت كارت محروق ياهشام..
ثم وثبت قائمه ومسكت فجر المُكبله من شعرها فتأوهت متوجعه وهى تقول
- اما أنا بقي هحرقها قدامك، لحد ماتشوفها رماد...
للتو شعر بأنه بوقف خارج عن سيطرته وفاللحظة التى تأهب للنهوض فوجىء بايدى الحرس تكبله من الخلف فرفع يديه مستسلما مطاوعنا عدوه كى يربح وقال
- تمام تمام...
فجهر الشاذلى
- هتفضل طول عمرها اغبى حكومه الحكومة المصرية..
اخرج زيدان حينها سلاحا ابيض ( مطوة ) من سترته التى تخلص منها ونهض ضاحكًا
- بس حضرة الظابط يجى منه بردو، بقولك اى انا ممكن اديك فرصة جديده للحياه...
صرخت ميان:
- ولا حد منهم هيطلع عايش..
فأمرت آحد الحرس بلغز بينهما
- نفذ أنت...
فتدخل الشاذلى
- استنى استنى يا ميان نشوف زيدان بيه بيفكر في إيه...
مرر مصل مطوته على وجنة هشام واجهش قائلا بمكر مشيرا على فجر التى اوشكت على الانهيار...
- تقتلها وبشرفى تطلع أنت واختك من هنا من غير خدش واحد...
لا يوجد كلام يوصف شناعة الحدث، ولكن العين تفجرت صراخا لقلة حيلتها، فسقط حزنهم من بين يديهم فنزف روحها اثر طعنات الخوف لعرضه
- قولت إيه؟!
كانت كلماته كاشواك تتناثر على مسامعهما ولكن تفاداه هشام بذكاء
- كده كده هتموت، هشام السيوفى ما بيحبش الخونه...
عصفت جُملته بكيانها تلك المره الى حقل الصبار فسبحت بعينيها الباكيتين في بحور صدمتها التى خيمت على الجميع، فاستلذ لمذاق الشر معه
- حابب تموتها ازاى؟! نحرقها ولا ندبحها ولا اقولك إحنا نرميها برصاصه من مسدسك الحلو ده تجيب خبرها..
- عندى اقتراح أحسن، بدل ما تلوث إيدك بدم واحده خاينة زيها...
- نورنى..
- أنت عارف كويس اوى انها ما بتعرفش تعوم، فلو رميتها في الميه هنخلص منها كلنا وناخد حقنا..
لمعت عيون زيدان بالاعجاب
- فكرة حلوة بردو، واهو ريحة الدم بتطبق على نفسي..
احضر حرس ميان دلو به غاز ووضعه بجوارها واعطى لها مشعل للنار، فهبت عواصف غضبها معارضة
- للاسف، كان نفسي افرح باقتراحكم، بس النار اللى جوايا مش هتتطفى غير لما تتحرق قدامى قدامه وبعدها نبقي نتفاوض...
حينها ألتفت اصفاد الحديد على عنق هشام فبات الامر خارج سيطرة عقله وقوته البدنيه، تملص متوجعه لرخو الاصفاد من حوله ولكن بدون جدوى، فقهقه الشاذلى ساخرا
- تصدق موته زى دى مش لاقيه على ظابط في مكانتك..
تتضاعف نواح رهف على حالة أخيها وضرب الارض بقدميها وحينها شرعت ميان في سكب الغاز على ملابس فجر التى اصبحت ملامحها تصرخ بحزن يتجاوز ال٩٠ عاما..
وما لبثت أن انتهت فقربت من هشام المكبل وقالت بشماتة.
- انا تسيبنى عشان دى! انا بقي مش هخليك تنسانى طول عمرك، ودينى لقهرك ياهشام..
ثم سحب مقعد ما وجلست عليه واضعه ساق فوق الاخرى ممسكه بمشعل النار واشارت للحارس ان يبتعد لتقف فجر بفردها برائحة الغاز التى تغطيها من رأسها للكاحل، فانفجر صراخ رهف بهستريا مما جعل ميان تصدح
- اخرسي، هتحصليها إنت كمان متخافيش...
صراع عنيف اندلع بداخلهم فكل منهما يزوم حول حفرة الموت التى ربما تبتلع بجوفها الجميع بدون اذن، طفق يقول وكأن يهذى بالكلمات محاولا فك قبضه الثلاث رجال من الحرس اقوياء البنية
- ميان استنى، بطلى جنان، ورحمة ابويا ما هرحمك، محدش هيخلصك من اللى هعمله فيكى
ضحكت بصوت هدر
- خلص نفسك الاول...
- ارمى اللى في ايدك.
جملة اندلعت من جوف الضباب بغيث النجاة الذي سقط على بركان منفجر ليطفئه، فعلى غير المتوقع القت مهجة جُملتها وهى تصوب سلاحها على رأس ميان في تلك اللحظه المباغته التى طوق فيها الصياد عنق زيدان بقبضته القويه مهددا بالسلاح، فتفجرت كل قوة هشام حينها بمجرد ما ألقي الصياد له سلاحا فارتخت ايدى الحرس من اثر الصدمه، فاغتنم هشام عنصر المفاجأة لينهض بمقعده ويضربه في بطن احد الحرس ثم التف حينها مستغلا لياقته البدينة ومهارته القتاليه لتكسير المقعد فوقهم هما الثلاث مستخدما كل اجزاء جسده وللحظة انحنى فيها الشاذلى ليبعد السلاح عنها التقمته قبض هشام واخذ معصمه عنقه ليخضعه تحت قوته فتراجع به ليحمى ظهره بالحائط وصدره بالشاذلى وانفجر قائلا.
- فكهم...
ثم تنهد بصوت عال والعرق يتصبب من كل جزء به غارسا فهوة المسدس في راس الشاذلى
- اهو كده اللعب يحلو، اى حركه هفجرلكم دماغه، نعقل بقي...
ألجمت ميان بصاعق الصدمه
- مهجة!
- اااه مهجة اللى كلكم مطبخينها عشان تتخلصوا منها هى وابوها..
ثم واصل الصياد
- اللعبه انتهت يا زيدان، ومخططك نزل على مافيش..
فأكملت مهجة موجهة حديثها لهشام لتشكره
- انا اتاكدت، وطلع عندك حق في كل كلمة قولتها...
- وانا لسه عند وعدى ليكى...
تملص الشاذلى وجعا من قبضة رسغ هشام الحديديه التى اشتدت عليه حتى تقطعت انفاسه، فجهر هشام مصوبا مسدسه ناحية الحرس تارة ورأس الشاذلى الصلعاء تارة آخرى
- محدش يقرب، بقولك فُكهممممممم...
فأشار الشاذلى لرجاله بانفاسه المتقطعه...
- فكوهم، فكووووهم
شرع الحرس في فك فجر ورهف اللاتى ركضن ليحتميان بجانب هشام كمن عثر حياته بعد ما تذوق الموت، فواصل هشام اوامره للحرس محذرا.
- اى حركة غدر انتو اللى جبتوه لنفسكم، ابعدو، قولت ابعدوووو
ثم اشار لرهف
- رهف، هاتى الحبل ده...
ترددت رهف للحظة من شدة خوفها فتسرعت فجر واندفعت لتحضره نيابة عنها فأمرها هشام
- اربطى بيه ايديها ورجليها يلااااااه..
تلاقت اعين العتب بين زيدان ومهجة إثر جملته
- ليه، دانتى الوحيده اللى امنتها على روحى...
فردت عليه
- وشغلانتنا دى مفيهاش آمان لحد...
( فلاش باك)
رن جرس هاتف مهجة من رقم مجهول فأجابت
- مين ييتكلم!
- عايز مصلحتك...
- الصوت ده مش غريب عليا، أنت مين..
- أنا هشام السيوفى يا مهجة هانم...
- واى المصلحة اللى ممكن تجمعنا، انا وانت طريقنا مش واحد...
- صح، بس حياتنا واحده، انا عايز احذرك...
- العب غيرها...
- منا عشان كده بكلمك دلوقتى، لانى قررت ألعب غيرها واخدك شاهد ملك من كل المصايب دى...
- عاوز ايه ياابن السيوفى...
ركب هشام حينها سيارته وواصل حديثه فالهاتف
- زيدان كلم مراتى وبيترجاها ترجعله ولما سايرته فالكلام قالها إنك مابقاتي تلزميه، فمتثقيش فيه اكتر من كده لانه هيبيعك، واللى عايز اوصله ليكى إن انت وابوكى الصياد باشا بقيتوا كارت محروق، ففكرى بعقلك وهسيبك تاخدى وقتك وتتأكدى من كلامى وفى اى وقت تليفونى مفتوح، وساعتها انت وابوكى تكونوا شاهد مللك في كل حاجة..
(باااااااكككك).
فاقت مهجة من شرودها على صوت رصاصة مقتنصه هدفها ببراعة فاصابت الصياد في جانبه الايسر فوقع في الحال واطبقت يدى فارس على عنق مهجة الصارخه باسم والدها فتحرر زيدان وتناول السلاح وتناولت يد احد الحرس فجر الصارخه، واتسع بؤبؤ عينى هشام الذى خر معاونيه لدخول فارس الغير متوقع، وما لبث أن يفيق من صاعقه فاقتحم جيش من رجال الشاذلى المكان مرة ثانية، فوقف حائرا فما سيفعله أمام العشرات من الرجال...
اخذ زيدان مهجة من قبضة يد فارس متوعدا
- أما انتى عاد، فدبور وزن على خراب عشه..
تفاقم صراخ مهجة حزن على حال ابيها الذي يخرج في انفاسه الاخير
- ابوياااااا، لااااا متسبنيشششش..
وابتعد فارس متجها نحو فجر التى اخذها من قبضة يد الحارس وامره بفك ميان قائلا
- نزل سلاحك ياابن السيوفى، خلاص...
طوقت رهف خصر اخيها برعب تناثر من عيونها وغمغمت
- لا ياهشام، متسمعش كلامه...
فجهر فارس الهزل الهيئة.
- اهلا بعصفورة السيوفى...
ثم جهر
- خليك عاقل ونزل سلاحك وإلا هقتلها قدامك زى ما قتلت اللى قبلها، اعقل واتقى شري...
فكر هشام طويلا حتى تلاقت اعينه بعيون فجر الرافضة اقتراح فارس وصرخت
- متسمعش كلامه يا هشام، متسبش سلاحك...
تحررت ميان من الحبال المكبله لها ووثبت بقوة متناوله سلاح مهجة الذي سقط من يدها ودنت منها تحدجها ينظراتها الساخطه فنتالت وجنتها صفعة قويه من يد ميان المردفه
- طلعتى غبيه زيهم...
فصاحت لقبطان السفينه
- قوله يتحرك، الاشكال دى ما ينفعش معاهم البر، دول هيكونوا وجبه حلوة لحيتان البحر...
جهر هشام وهو يطبق يده على الشاذلى
- ميان، انت كده بتتجننى..
- عادى اهو جنان بجنان، ااه وعلى فكرة اللى عندنا اغلى من اللى عندك...
ثم انخفضت نبرته الشرانيه
- ابويا عاش كتير ولو جراله حاجه كل الهيلامان ده هيكون بتاعى، الدور والباقى على الحلوة بتاعتك..
ما لبثت ان انهت جملتها فجرتها من شعرها فضربتها فجر معاندة السير
- ابعدى عنى...
- لا ياحلوة، ماهو مش بمزاجك، اقعدى هنا...
وللحظة شتت فيها انتباه هشام فوجئء على صراخ رهف التى تناولتها قبضة يد الحارس من الخلف كرهان لسلامته، فضحكت ميان
- قولتلك اللعبة انتهت...
فشرعت ان تجرب اشعال الولاعة عدة مرات مراوغة قلب هشام الذي صرخ مستسلما
- خلاص، خلاص ياميان، هسيبه وتسيبيها وحسابك معايا أنا...
- حلو، نزل سلاحك يلاااا..
صرخت فجر متوسله
- عشان خاطرى لا ياهشام...
وتابعتها رهف راجيه وهى تضرب بكوعها بطن فارس
- اتصرف ياهشام، انا هموت من الخوف..
سحبها فارس عنوه بالقرب من فجر وهمس في آذانها متوعدا
- ابقي خلى ابن عمك حضرة الظابط يجى يلحقكم...
حينها اختل اتزان كل من في السفينه إثر تحركها المفاجئ فسقطت فجر على ركبتيها أما عن رهف احتمت بظهر فارس الذى التصق بالحائط وتعالت اصوات الصيحات، فجهر هشام رافعا سلاحه مستسلما عندما وجد فجر تحت مظلة شر ميان وقال
- تمام سبيها...
حينها باغته الشاذلى بضربه قوية إثرها التف الحرس حول هشام ونجى منصور من الموت المحدق به، وامسك سلاحه لاهثا
- انت جبت النهايه، عاوز تقتلنى يابن السيوفى مش كفايه اللى عملو فيا ابوك.
فصرخت ميان لوالدها
- استنى يابابا، يشوفها وهى بتولع الاول...
لحظة وقف عندها الزمن وخيم فطر الموت على ارواحها فلم يكن في استطاعتها سوى أن تلهج بتسبيحات صاحب الحوت طالبه النجاة، فرغ ثغر رهف وهى تراقب ميان التى اكملت سكب الغاز على فجر وانحنت لتأخذ الولاعه وباتت تتطوف حولها وتهذى بكلمات انتقاميه...
فجهر صوت هشام كالرعد
- لا يااااميان، ميااااان.
جلست ميان على ركبيتها وهمت باشعال النيران في طرف فستان فجر التى انتابتها عاصفه من الخوف رجت كيانها، في لحظة ما انهارت رهف مستغيثة بعيون هشام التى امرتها ويده التى تسللت في جيب بنطاله، فبكل ما اوتيت من خوف استندت بظهره على صدر فارس وركلت يد ميان لتسقط من يدها الولاعه وجهرت
- اجرى يافجرر...
وللحظة كانت ضربات الرصاص كالمطر من كل صوب وحدب، فبمهارة قتاليه ركل مجدى فارس في ركبتيه فاختل اتزانه فركضت رهف محتميه باحد الجدران، وخالد من الجهه الاخرى اطبق على زيدان فارحًا بانتقام، فسقطت مهجه ارضا حيث انبطحت رأسها في حافة المنضدة، فجهر خالد
- والله وجيه يووومك يا سيادة النائب...
وفى نفس اللحظة اخرج هشام من جيبه قطعة زجاج حادة اطرافها مدببه أخذها من مرآة المرحاض وذبح بها وريد واحد من الحرس والاخر نال لكزة قويه من كوعه وبدا آل السيوفى في استعراض لياقتهم البدنية في الفتك بعدوهم...
هجهم الحرس عليها من كل صوب وحدب فبات ظهر كل من هشام ومجدى مسندا للاخر، فضحك هشام بعيونه الزائغه مرحبا بمجدى
- طول عمرك بتاع اللحظات الاخيره يا..
- طول عمرى في ضهرك يا ابن عمى..
جملة رجل واحد على قلب واحد إثرها قفز الاثنين قفزة واحده وكانت اقدامهم في الهواء لتصيب اوجه رجال الحرس وبات الامر اشبه بفيلم عربي يستعرض لياقة ابطاله...
اختبئت فجر في ركن بعيد تتراقب الحرب الناشبه أمامها فلحظت رجل من الخلف اوشك ان يطبق على عنق فصرخت
- خلى بالك ياهشااام..
فشل مخطط الشاذلى وابنته التى جذبها من ذراعها وانعقدت حلقه من الحرس خلفهم لتحميهم وتسللوا ليهربوا من الحروب الناشيه التى اندلعت نيرانها من صدور اولاد السيوفى، وبغتة تناولت يد الشاذلى فجر المختئبه لتكون رهانا له ولسلامته، فصرخت مناديه على هشام المنشغل مع الرجال حوله...
جرها الشاذلى بقوة حتى وصل بها لسطح السفينه وعندها كان الشجار بين خالد وزيدان قائمًا حتى دفعه زيدان لقوة فاختل توازنه وركض لاعلى هاربا مع الشاذلى، ما لبث خالد ان ينهض فحاضره اثنين من الرجال شرع في مقاومتهم ببساله وقوة واضحة لقدرات خالد...
لف مجدى الاصفاد الحديديه على رقبة رجل فاسقطه عندما اوشك على انقطاع انفاسه وركضت ليساعد هشام الذي هشم الفازه على راس رجل اخر، فصرخت رهف
- الحق فجر ياهشام...
دفث بااقدامه رجل عرقل طريقه ثم تناول سلاحه وركض لاعلى فلحقت به مهجة الممسكه برأسها، وبدا صدى صوت الشاذلى يتردد وهو يصرخ مستنجدا بالطيار
- بقولك انزل، مفيش وقت...
فظهر امامه شبح هشام الذي اقتنص بمسدسه ثلاثة رجال في لمح البصر فلم يبقي أمامه سوى رجلان وقف الشاذلى خلفهم محتميا بهم
- هشام، هديك اللى انت عايزه بس سيبنى أنا وبنتى نمشي..
مسح هشام الدماء السائلة من انفه ولا زال مصوبا سلاحه.
- انسي، ماهى مش عزبة ابوكم تخربوا فيها براحتكم وبعدين تخلعوا ونفضل نلملم في وساختكم العمر كله..
باغته زيدان من الخلف وهو يضرب على ذراع هشام بقوة فسقط السلاح من يده وشرع في لكمه بقوة تفاداها هشام ببراعة حيث ضربة واحده منه اسقطته...
فهجم عليه رجال الشاذلى ونشبت التصارع والحرب اليدويه بينهم، وحينها قطمت انياب فجر يد الشاذلى ودفعته بعيدا فلحقت بها ميان ونشبت حرب نسائيه من نوع آخر ظهرت فيها بساله الفتاة الصعيديه التى تأكل كل ما يقابلها..
حينها زحف زيدان ليصل لسلاحه بصعوبه محاولا تجاهل إثر ضربته القويه وعلى حدا انحنى الشاذلى صارخا فاللاسكيلى
- اسررررع..
في تلك اللحظة وصلت مهجة الى سطح المركبة وبيدها سلاح الانتقام باحثه عن زيدان، فألقتمت اعينها فجر التى تقف على الحافة وبدفعة واحده منها ستسقط فالمياه، ادركت فجر المأزق الذي وقعت فيه وهى تري الانتصار يتقاذف من عيون ميان
- حلو، كده جات نهايتك وابقي حققت هدفى قبل ما اسيب البلد وامشي..
فاندفعت نحوها وضربت ميان على رأسها بالمطفاة الموضوعه فوق المنضده فسقطت مغشيا عليها فالحال، فألتقت اعين مهجة النادمة بعيون فجر الشاكرة فتبسمت
- انا عمرى ما كنت ضدتك على فكرة...
فتبسمت مهجة بعرفان
- وانا بحاول اعتذرلك عن كل مرة كنت فيها ضدتك...
فاقتربت منها فجر لتحضنها وتبدلت الاوضاع بينهم
- وانا سامحتك خلاص...
في حين تسامرهم وانشغال هشام مع اقوى رجلين من حرس الشاذلى فكانت المعركة بينهم طاحنه، وفى نفس اللحظة اخرج الشاذلى سلاحه وصوبه ناحية هشام وفى نفس اللحظة كان زيدان وصل للسلاح الملقى فصوبه ناحية هشام وباتت نظرات الانتقام تشيعه من كل جهة...
في لحظة ما توقف بها الزمن اندفعت ثلاث رصاصات في آن واحد اتبعهما صوت صراخ قوى من قلب فجر وهشام، عندما نالت رصاصة مجدى رأس الشاذلى كانت رصاصة زيدان في كتفه وآخرى قضت على آخر شراشة لنيران الشر انطلقت من فوهة مسدس مهجة لتصيب زيدان في مقتل...
على الفوى استسلما رجال الشاذلى بمجرد ما انتهى رئيسهم فنكث هشام صارخًا نحو مجدى مذهولا لاهثا.
- انت هتستهبل يلاااه، قوووم، قوووووم ؛ مش رصاصة اللى هترقد ولاد السيوفى...
ارتعش بدن فجر كله وهى تجلس بجوارهم صارخة
- مجدى...!
وصرخة آخرى اندلعت من جوف الوجع انطلقت بها رهف
- مجدددددددددى!
سعل مجدى بخفوت مبتسمًا
- مكنش ينفع تيجى فيك...
تملكت الهواجس عقله، وسرت قشعريره خفيفه تجتاح جسده، وحمسه معاندا القدر وصدح
- ولا تنفع تاخدك منى، بقووولك قووووم يلااااه..
أحبك مهما اختلفنا ومهما غضبنا ومهما استحالَ اللقاءُ اللعينْ ومهما تآمر حسنك ضدي، وزادَ كثيراً بِبُعدي، ومهما تحجّر فيك الحنينْ أحبك مهما، ومهما، ومهما، وإنى أريدك قبل الحياة وبعدها، أريدك دائما لا تنتهي، كأنك التاريخ الذي مضى، والحاضر الذي نعيش، والغد الذي لم يأتي بعد، فقط اريدك.
- (كل حاجة جوايا وعكسها ؛ مابقتش عارفه أنا فين ولا عايزه إيه، الوجع والحب الاتنين بيتقلبوا قصاد عينيا زى موج البحر، ولا عارفه اعيش الحب ولا بقيت قادرة انسي الوجع، أنا ليه اول ما بسمع صوته او اشوف عينيه بدخل فى دوامة للدرجه اللى احس فيها إنى فقدت الذاكرة، ببقي عبارة عن قلب وبس بيتنفض جوايا عايز يجرى عليه ويحضنه، واول ما يغيب ويبعد ما بشوفش حبه بيختفى معاه، بيستفرد بيا الوجع للدرجه اللى تخلينى اقسم إنى مش هشوفه تانى، وبنسي القَسم والوجع اول ما يطل هلاله فى عتمتى، حياتى بقيت شبه اللى واقف على خشبه فى عرض البحر، هيموت ويشرب خايف يميل فيقوم يغرق، وخايف يتجاهل كل حاجه جواه يموت من العطش!، ).
تمرجحت الاوجاع فى رأس بسمه التى استيقظت من نومها المتقطع لتتوسط هى واحزانها الفراش، محتضنه ركبيتها لصدرها تترقب المعارك الناشبة بعقلها، ما لبث أن استدارت وغادرت سريرها الاشبه بمركز نيران الالام، وسارت بخطوات شخص كسيح نحو المرآه تتحسس ملامحها المتبدلة من حالٍ لحال، فضغطت على شفتيها الاتى كانتا تحت رحمة حبه ليلة أمس واغمضت جفونها متذكرة لقطات الحب المعسول بينهم، فلحقت بذكرياتها آنات الوجع عندما اطبق نيزك الماضي على افكارها، وصورة زياد الصارخه امامها.
- ( كله كان بمزاجك ياحلوة، أنا مضربتش حد على إيده، فأنت مش مطلوب منك تجبرينى على ابن وانا مش عايز حاجة زى دى )...
اعتصرت الجُملة قلبها قبل جفونها ورفعت رأسها لاعلى فبرزت عظام قصبتها الهوائيه التى يتبخر منها دخان الوجع واكملت الذكريات عذابها الانتقامى لحب التف حولنا حتى سقطنا فى اسر شبكته، فما الذي يفعله المرء عندما يقع في حب نجمة ظهرت لليلتين متتاليتين وأختفت بعد ذلك للابد؟، فصدحت لنفسها معاتبة.
( الوحيد اللى عنده قدرة يحولنى لفراشه طايره فى سحب هواه، والوحيد اللى قادر ينزلنى سابع أرض على جدور رقبتى! ياربى أنا تعبت، انا لازم ابعد عنه ؛ مش هعرف اكمل معاه خايفه، خايفه يدينى كل حاجة وفجاة ياخدها منى تانى )
ما لبثت أن تُجلد من ذكرياتها فسمعت صوت طرق الباب الذي لحقه صوت زياد
- طيب أنا حضرت الفطار، مش كفاية نوم...
تجاهلته فلم تبد اى رد حيث ذهبت الى المرحاض وغسلت وجهها الشاحب ببطء شديد، تمنت لو أن الحياة كانت أخف من هذا الثقل كله، لكنَّها سفر، والسفر مظنة المشقَّة، فواصل زياد الطرق على بابها المغلق من الداخل مناديًا
- بسمة، إنتى سمعانى...
تناولت المنشفة القطنية وجففت وجهها من المياه الذائب بها وجعها وعلى حدا ترك زياد المائده من يده على الارض واحتد صوته وضربه على الباب متلهفًا
- بسمة، متقلقنيش عليكى...
كانت تلك آخر جُملة اردفها زياد حينها اقتربت بسمة من الباب وفى رأسها قرارها العاصف بقلبها ( هو لازم يفهم إنى مش لعبة فى ايده )، ما كادت أن تفتح الباب فطل ربيع وجوده أمامها، فلقد تحول قلبها من كمية قرارات لجيش هائل من المشاعر، فتأرجحت عيونها على هيئته من الراس للكاحل حتى التقى الثنائى عند نقطة واحد ثبتت فيها انظارهم، فسألها
- قلقتينى عليكى؟! مال وشك! انتى معيطه..
- لا مفيش الكلام ده...
- لا ازاى! دانتِ ضايعه خالص، جرالك إيه، فهمينى!
بللت حلقها من جفاء قرارها وهزت رأسها نفيًا وهى تأكل فى شفتيها بجنون وشبكت اصابعها ببعضهما، وهمست
- انا، انا ؛ عايزة اقولك على حاجة..
رأت الخوف واللهفه فى عيونه وهو يتحدث إليها
- تقولى إيه فى حالتك دى؟! يابنتى منا سايبك كويسه بالليل ؛ اى لحقتى تقلبى..!
اطرقت عيونها بربكة واضحة.
- زياد انا لما هديت وفكرت، وووو، يعنى فكرت مع نفسي، لقيت انسب حل إنك، قصدى إحنا...
قطعها بجزعٍ
- مفيش جملة مفيده اتقالت ممكن افهم منها حاجه علشان ابنى عليها رد..
- مممم، كنت عايزاك...
- ايوه عايزة ايه بقي!
فكت أصابعها المتشبكه وارتمت بين ذراعيه وعانقته منفجرة فى البكاء وهى تترجاه
- عايزاك تحضنى وبس!
اندهش لطلبها الغامضه عن وضوح عنادها وتمردها، فتلاشت حيرته بانتفاضة جسدها بين يديه وصوت نحيبها الذى ابكى مسامعه فانحنى قليلا ليبقي فى مستواها وهو يضمها إليه مطمئنًا
- اهدى، اهدى، حصلك إيه بس لده كله، فهمينى بس وهنحل المشكلة سوا...
كان رفق سؤاله حضن ثانٍ لها فعانقته بشدة وهى تنتفض وغمغمت
- احضنى بس، وانا ههدى بعدها.
مسح بكفه الايمن على شعرها عدة مرات وضمها إليه وهو ينصب قامته فارتفعت اقدامها عن الارض فاصبحت كطفله فى حضن ابيها، فأوتها مساحة قلبه، أكثر ممَّا اوتها الأَسرة.
فنحنُ لا نسقط وقُلوبنا لا تُهان نحن نُقاوم حتى تنفذ داخل أرواحنا كُل سُبل النجاة فلم يبق لى عالما سوى ذراعيك..
فعندما يجبرك عقلك على البعد ويدفعك قلبك الى ما ينهاك عنه الاول، فأعلم ان الامر بلغ ذروته واصبح بك كالقبر، رغم ظلمته إلا أنه فرض ستعود إليه مهما وسع خُطاك...
سرت قشعرير خفيفه مستلذة بجوف زياد اخذته من يديه لاول نبضة حب أحسها وهو فالخامسة عشر من عمره فتبسم متنهدا واحس نبضها الانثوى يستكين عما اتت به، فهمس بحب
- هتفضلى متشعلقة كده كتير؟!
لم تجبه واكتفت بغلق جفونها على كتفه، فداعبها زياد ممازحًا.
- طيب على فكره أنا راجل وبضعف بسرعه وكده خطر عليكى...
استكان صخب قلبها نهائيا متى اقترب منه، فارتخت قبضتها، فهبطت بهدوء معتذرة
- سورى، بس حسيت عايزه أعمل كده...
- هو حضنى تحت امرك وكل حاجه مختلفناش، بس لازم تدفعى الاجرة..
كانت جملته منبعثه بضحكة خفيفه مختفيه تحت ذقنه الكثيفه ؛ فأطرقت بسمة بتحدٍ
- اجرة! اجرة لايه؟!
ارتفعت نبرة صوته مفتعل العصبية.
- اجرة سوء الاستغلال ياهانم، انتى متعرفيش بتصرفك ده أنا حصل فيا إيه؟!
رمقته بسخريه ثم انحنت لتأخذ مائده الفطار
- زياد، قول ياصبح!
اسبل جفونه فانخفضت نبرته صوته بمكرٍ
- والله بحاول اقول ياصبح وألمح، بس البعيد على عينه حلوف ومش حاسس بيا، ومش بيفكر غير فى نفسه وبس، ومايفتكرش زياد غير وقت مصلحته...
تسللت خطواتها بهدوء حتى فاق على صوت قفل باب غرفتها، فضربه متفاجئا.
- انتى يابت، طيب خلاص هقول يا صبح من غير ما ألمح، وهاتى الفطار...
ضحكت ساخرة
- اعمل غيره عشان أنا جعانه ويادوب ده على ادى...
- ايييه يااما الاونطة والسفلقه اللى إنتى فيها دى؟! متفقناش على كده احنا؟!
ثم ضرب كف على الاخر
- ادي اللى واخدينه من الستات...
ثم جهر بصوته متوعدا
- هتتردلك على فكرة، ولو جيتى وحضنتينى تانى أنا بقي اللى...
كتمت صوت ضحكتها ورفعت صوتها بعد ما قطعته
- اللى اييييه بقي؟!
هدأت عواصف مشتاقًا.
- اللى همسك فيكى ومش هسيبك لحد ما اصبح على كل حته فيكى بطريقتى، بس المرة دى انا اتغفلت متتحسبش...
وقفت اللقيمه فى حلقها اثر ضحكتها المنطلقه كردا على تلقائيته معها، فجز على فكيه متوعدا
- اضحكى اضحكى...
حينها جذب اذانه صوت فتح باب الفيلا التى تحويهم، فاسرع الخطى وهبط للطابق الارضى، فاوقفه صوت رنين الجرس ثم فُتح الباب تدريجيا فظهرت منه سعاد بصحبة الحارس، اندفع نحوها زياد.
- طنط سعاد...! هو حضرتك اللى رتبتى وجودنا هنا..
بدى الخوف يتقاسم ملامحها وهى تترجاه
- مش وقته يا زياد، البس تعالى معايا حالا...
- خير، خير يا طنط، حصل حاجه..
بللت سعاد حلقها الجاف واكملت
- رهف مش باينه من امبارح والكاميرات مش مبينه حاجه، ومامتك فالنيابه بيتحقق معاها، ومش عارفه اوصل لمجدى ولا هشام، مش قدامى غيرك...
- حاضر حاضر، هلبس بس واجى مع حضرتك...
- هشام اتصررف واعمل حاجة، متسبهوش كده..
صرخت رهف بجُملتها الاخيره بنبرة الحزن والضعف على الحال التى وصل إليه مجدى فبات يفقد وعيه تدريجيا، فضمتها فجر..
- اهدى اهدى يارهف...
انصب ثقل الصدمه والقلق فى ساقى هشام الذي حاول الوقوف بصعوبه بالغة بعد الكثير من المحاولات وأمر خالد بتنهيده ثقيله نابعه من صدره
- خالد خليك معاهم، وانا هحاول اشغل المركب اللى تحت ونوصل للشط...
نصب هشام عوده اخيرا وانزلق لوحدة التحكم الخاصه بالمركبه فوجد السائق مغمى عليه إثر ضربة مجدى التى افقدته الوعى ولازالت المركبه تسلك امواج البحر، فشرع لف دائر التحكم مستدلا بالارشادات امامه الى أن اخطا فى شيء ما فتوقفت المركبه فى عرض البحر، فضرب بقبضه القويه على مركز قياده السفينه وهو يلعن فى نفسه سرا محاولا البحث عن طرق تشغيلها مرة آخرى مستعينا باحد القيادات...
انفجرت رهف فالبكاء للحظة شعورها بخسارة مجدى للابد، فمجرد الفكرة اعتصرت قلبها وعيونها بدماء الوجع وهى تنوح وتمسح المياه المتصببه من جبهته
- انت وعدتنى هتحمينى دايما، قوم بقي بطل رخامه..
ثم وجهت حديثها لفجر نادمة
- انا زعلته كتير وقسيت عليه، بس هو مستحيل يعاقبنى ويسيبنى أكمل من غيره صح؟! هو لسه بيحبنى انا متأكده، هو عارف إنى مجنونه ومش هيعاقبنى بالجنان ده ويبعد عنى...
ربتت فجر على كتفها ومسحت على شعرها عدة مرات
- متقوليش كده يارهف، هيقوم وببقي احسن، اطمنى...
ضمت رهف كف مجدى بقوة وهى تتوسله صارخه
- انا بحبك والله، متوجعش قلبى عليك مش هقدر اعيش من غيرك...
تسللت مهجة خلسة لتنصب اقدامها بجوار رأس زيدان الذي يتلوى اثناء خروج روحه، فجثت على ركبتها بشماته
- كنت طول عمرى فى ضهرك، عمرى ما قصرت معاك، انت بس اللى ابتديت، واللى يبتدى مع مهجة الصياد يبقي هو الجانى على عمره...
جحظت عينى زيدان متاوهًا، فاشتدت عليه العلة حتى فقد قدرته على النطق متأنيًا، فواصلت مهجة
- مكنش حد ينفع يقتلك غيرى، دم الصياد مش هيطفي ناره غير دمك...
فاتجه خالد نحوهم وجلس بجوار عمه المتلوى لا حول له ولا قوة، واردف معاتبا
- تسوى إيه الدنيا وانت مرمى ولا طايل سما ولا ارض..
فاجابته مهجة بارتياح
- على الاقل انا ربنا عطانى فرصة اغفر بيها عن ذنوبى حتى ولو هقضي الباقى منه فالسجن، لكن انت خلاص، ربنا يتولاك..
حدجها خالد بنظرة إنتقاميه، فتلاقت الاعين، فتبسمت مهجة بحزن بالغ...
- حقك عليا ياخالد، وقول لامك كمان تسامحنى، تسامحنى من كل قلبها، انا خلاص ما بقتش عايزه حاجه من الدنيا غير الستر بعد ما ابويا راح فى غمضة عين مبقليش حد، ولا مال قارون هينفعنى...
- فوقتى متأخر قوى يا مهجة، كنتى لعمى السم اللى بيبخ فى ودانه...
- وربك أراد إنه يدينى فرصه تانيه افوق فيها، ارجع لبلدك ياخالد ولناسك، انت كبريها دلوقتى، وانا هسلم نفسي، فى حاجات كتير لازم تنكشف، وأخرهم قتل خديجه وصبرى، ابو فجر...
شهقة عاليه انطلقت من جوف زيدان مع نهايتها كانت تحمل آخر نفس لثانى اكسيد الشر فانتقلت روحه لمن لا يظلم ولا ينسي، فامتدت انامل خالد لتغمض عينيه المتسعتين ناطقا بالشهاده واتبع خلفها
- ربنا يتولاك برحمته...
اثناء انشغالهم استردت ميان وعيها ونهضت بهدوء غير ملحوظ وتسللت من أعلى السلم المعلق حتى وطأت اقدامها الدور السفلى فألتقت مع فارس المتمايل كالسكران إثر الضربات المتتاليه على رأسه، فاندفعت ميان نحوه بحذر ثم سحبته لمؤخرة السيفينه وتسلقت معه قارب الانقاذ المربوط فى المركبه، ما لبث أن رفع هشام انظاره ودارت مركبته اخيرا فسقطت عيناه على هروب فارس وميان فى القارب السريع فسبهم بغل وهو يحرك المركبه فاهتز كل من عليها.
- ورحمة ابويا منا عاتقكممممممم...
نهضت فجر إنذاك من مكانها وتسلل قلبها اليه، فلم يعد يتحمل غيابه أكثر ؛ او ان يكون امامها ولم تحضنه، وقفت على اعتاب غرفة التحكم وهى تأكل ظهره قوى البنية باهدابها متبسمه شاكرة ربها على سلامته، ثم هبطت درجة السلم الاخيرة واقتربت منه بتردد حتى امتد كفها ليحوى كتفه بلطف، وتمتمت
- وحشتنى، وحشتنى اوى ياهشام...
استدار نحوها بجانبه فلم تعط للغضب فرصة أن يعرقل شغفها حيث وقفت على طراطيف اصابعها وقفزت مرتميه فى حضنه باكيه لتطفىء نار شوقها بقبلة من سُحبه او حضن من نهره، وصدح قلبها ( انت كل ما احُب، انت طمأنينة الفجر و حضن والدتي بعد كابوس مخيف، انت اول و اخر نص في كتابي .
- مكنش عندى مانع اموت، بس إنت تفضل عايش، ومفيش حاجه مهما كانت تضرك..
طوق خصرها بشوق مزق قلبه اربابًا والتزم صمته المعتاد الذي يخفى خلفه الكثير من الحكى، فانهالت على جدار عنقه بقبلات متتاليه امطرت عليهما سحب عيونها، كأنها امتلكت بين يديه العالم فى لحظة
- ماتتصورش وحشتنى أد إيه!
اعتدل فى وقفته ليضمها اليه بكلتا ذراعيه الاتى اعتصرن خصرها شوقا حتى اصبحت دقه قلوبهم واحده كأنها منبعثه من قلب واحد كان قلبه اراد جرعه مكثفه منها، فهمست له.
- من اول ما شوفتك وانا عينى عليك عايزه تحضنك، حتى لو كنت هموت ؛ كنت عايزه اموت بين ايديك..
- ما تقوليش كده..
كانت جملته فقيره من إي لهب مشاعر يقوده إليها، فتدلت اقدامها مبتعده عنه شارده بعيونه وقالت
- لسه فالعمر بقيه اشبع منك...
ثم ضحكت معتذرة
- اسفة، ريحتى كلها غاز وبوظت هدومك، بس مكنتش قادره والله..
اغمض جفونه ثم طبق قبلة طويله على رأسها واطرق بعدها.
- هى متبهدله لوحدها، متسبيش رهف لوحدها، اطلعى وانا طلبت الاسعاف لمجدى مستنيانا على الشط..
اومأت بطاعه وبتنهيدة ارتياح انصرفت والقت بصدره ابخرة الاثم والذنب، فظل يلعن نفسه ويلعن اللحظة التى لمست فيها يداه امرأة غيرها، اما عنها احضنت قلبها المتراقص وتنهدت بحب متمنيه ( لو كان سُجني حضنك، و مُعتقلي عيناك، و قُيودي أضلُعك إذًا فلتسقط الحُرية، واسقط انا اسيرة لك عمرا ).
أخبرني أين يباع النسيان، وأين أجدُ ملامحي السابقة، وكيف لي أن أعودُ لنفسي؟! وكيف لى ألا امشط ارصفة الطرق باحثة عنك! وكيف سيصير يومى بدون انتظار رسالة منك..!وكيف امهد لقلبى رفضك الصريح بإنه لا يُناسبك! وماذا افعل فى حياة أنت من منحتها لى وتركنى فى منتصف الطريق عاجزه أن اعود إلى ومبتورة القلب لكى اعود إليك...
مرت احداث الامس على حقل من الشوك أثر ثقلها على قلب جميع ابطالنا ؛ حيث مجدى الذي ازدادت حالته سوءًا وتم نقل دم له من هشام الذي غادر المشفى بعدها منتويًا لمايان وفارس...
وآيضا على رهف التى ايقظ الفقد بداخلها شعور الحب المكنون حيث إنها اختلت بقلبها مع خالقها واخذت ترتل العديد من السور القرانية وترجو ربها بأن يمنحها فرصة آخيره للحياه ولا يكمن عقابها فى فقدانه للابد.
زياد وبسمه وسعاد اللذين وصلو الاسكندريه فور علمهم بما حدث، فكانت سعاد لهم الام وبسمه الطبيبة المطمئنه لقلوبهم، أما عن زياد فأصر الدخول معه غرفة العمليات...
تكورت فجر حول نفسها إثر تجاهل هشام الغير مبرر إلا انه يعاقبها على خطأ كان هدفها مساعدته، فأخذت تترجى الاقدار بأن تكتب لهم عمرا لا يفترقا فيه ابدا...
تم الافراج عن عايده بضمان محل إقامتها حتى استكمال الاجراءات وبمساعدة منير الذي لم يفلت يده عنها للحظة حيث عاد الحب القديم ليتفجر بينهما...
( صباح اليوم التالى )
- ما تقوم يا عم إنت وبلاش دلع....
ثم انحنى بظهره لمستوى آذانه محذرا
- ولا انت عاوز تبوظ سُمعة ولاد السيوفى المعروف عنهم بيقرقشوا الرصاص زى البونبون...
اردف زياد مزاحاته الاخيره على آذان مجدى الفائق من نومه آخيرا بعد العمليه الجراحيه التى استغرقت سويعات من القلق والرعب، فضحك بخوف وقال
- ولسه زي مااحنا، مفيش حاجة اتغيرت..
هندم زياد سترته الطبيه بتفاخر وقال
- يعنى ادخلك العصابه اللى بره...
- هو مين اللى بره...؟!
فضحك زياد
- لالا، دانت فايتك كتير، اجمد كده وربنا يعينك على زنهم...
ما لبث أن انهى جُملته فخرج إليهم بابتسامته المشرقه وقال.
- طيب البيه فاق آخيرا تقدروا تدخلوا تطمنوا عليه، بس مش اكتر من ربع ساعه الله يكرمكم..
نهضت رهف كظمأن وجود بحيرة الماء مغادرة حضن بسمة، وتشبثت بكف زياد
- هو بقي كويس يعنى، قصدى فاق وكلمك زى ما انا واقفه بكلمك...
- خشي اطمنى عليه بنفسك، دا زي القط بسبع ترواح...
تركته رهف واندفعت نحو غرفة مجدى فتسمرت فى مكانها منتفضة وسألته باكيه
- إنت كويس...؟!
ما كادت أن تلحق بها فجر وبسمة فأوقف الاخيره نداء زياد متحججا.
- بسمة، دقيقة عايزك..
- اطمن على مجدى الاول...!
زياد باصرار: مش انا طمنتك؟! مش واثقه فيا ولا إيه..
فلم يعط لها اى فرصة للاعتراض حيث احتضن كفها الصغير فى قبضته القويه وسحبها خلفه مرغمة فسألته معارضة
- فى ايه يا زياد، مجرجرنى كده ليييييه!
- امشي بس، وهتفهمى..
وعلى حدا ما لبثت أن تضع فجر يدها على مقبض الباب، فاوقفها نداء سعاد
- استنى...
فجر باستغراب ارتسمت على حدق عينيها المنكمشة
- ليه، فى حاجه ياماما..؟!
- سيبيها مع مجدى شويه لوحدهم يمكن يصلح ما بينهم..
فاومأت راسها بطاعه وتمتمت
- تمام، اللى حضرتك شايفاه...
تبسمت سعاد مداعبة وجنتها بحبٍ
- شايفه حزن الدنيا كله فى عينيكى ؛ مش هتحكيلى؟!
اطرقت فجر بخجل متردده، فقالت
- مش عارفة، بجد مش عارفه إى حاجة..
ربتت سعاد على كتفها بحنو المطر على الارض وقالت
- يبقي ننزل نشرب حاجة تهدى اعصابنا وندردش شويه..
هزت راسها رافضة
- لالا، احنا ممكن نقعد هنا نحكى، ماليش نفس..
- تمام ياحبيبتى، اللى يريحك..
وعلى حدى أحكم زياد غلق باب مكتب احد زُملائه، فصدحت بسمة مستنكرة
- فى إيه يا زياد، واى الاسلوب ده؟!
- وايه حلاوة امك دى..
داعبت شفتها بابتسامه ضعف فى ثوب الحب وهتفت
- وده وقته؟!
فاقترب منها مستندا بكفه على الحائط خلفها متعزلا
- والحاجة دى ليها وقت!
خيم عبق انفاسه على ملامحها مندسة بظهرها فالحائط متكورة الاصابع، فهدأت نبرتها متسائلة
- عايز إيه...؟!
التوى ثغره بابتسامة خفيفة ثم تدلى بشفاه على عظمة الترقوة فبمجرد ما حرقت انفاسه رقبتها انغلقت جفونها مستسلمة وما لبث ان طبع وشم حبه عليها فلحظ هزة عنفوان انبعثت من جسدها، فابتعد عنها بهدوء محتضننا كفوفها وسألها بصوته الهدر
- لو خايفه أنا ممكن احضنك عادى..!
بللت حلقها الذي يحترق من فرط احتوائه لها حيث فقدت بحة صوتها المعارض له دومًا مكتفية بالضغط على كلتا يديه وهمست
- انا عايز اطلع من هنا...
- لييييه! كل ده عشان بقولك محلوة؟!
- لا، عشان مالكش آمان؟!
ضحك بصوت مسموع احدث قشعريره فى جسدها ممزوجه بانفاسه العاليه وقال
- وان قولتلك إن الحالة مستعجله؟!
اتسع بؤبؤ عينيها مذهولة محاولة الفرار منه
- حالة ايه؟! زياد انت مجنون، اوعى كده..
عارض بذراعه طريقها باصرار، وتبسم بتخابث متصفحًا مواطن جمالها
- انتى دماغك راحت فين...؟!
فلحظت ما تلتقمه انظاره مرتبكة
- زياد، متهزرش، انت عارف إحنا فين؟!
- افهم من كده إن مشكلتك بس مع المكان؟!
اوقعها سؤاله فى شر حبها المعاند له دومًا وبدت اقدام التوتر تتسابق على ملامحها
- هااا؟! لا، انت بتقول ايه اصلا، زياد ؛ مينفعش كده، ولا مكان ولا غيره..
امتد كفه ليحتوى وجنته بحب، وتهامس بشوق دك قلبها دكًا
- فجاة حسيت إن الدنيا كلها ضيقه عليا ؛ وقلبى مش محتاج غير حضنك، ممكن!
شردت غير مدركة غرابة طلبه وسألته مستغبية
- ممكن ايه؟!
لم تفارق البسمة وجهه حيث اقترب منها وفتح ذراعيها بيديه فبات حضنها كفراش يناديه ليرتمى به بعد اعوام من الركض العبثى، واطرق قائلا وهو يشير على حضنها
- تثبتى على كده، وانا هدخل هنا وانتى تضمينى جامد...
(ما أُخفيه، تكشِفهُ أنت بنظرة من ميكروسكوب عينيك، وما أحتاجُه، تفهمُه مكشوفة لك حد التعري، عاجزة عن حجْبِ ما أفعلْ امامك، باذلة قُصارى جهدي لأبقى على مسافة
تتخطّاها أنت بلا جهد منك! ).
فاقت على ضمة قويه تطوق خصرها فانتفضت عاشقة محركه ذراعيها ببطء لتضمه إليها وبعد كثير من التردد آخيرا انغلقت ذراعيها حوله وهو تسأله
- فيك إيه؟!
فتنهد فى حضنها المعوج حيث استقام به حال قلبه وقال
- فيا ندم ومعاصي سنين، فيا وجع وتعب اكتشفت إنى مش بنساه غير معاكى، فيا إنتى يابسمة..
تريد أن تبكى بعدد المرات التى سبق لها البكاء المصطحب للعنة الغياب، مسحت على رأسه وهمست بخوف.
- كان ليه كل ده من الاول، ليه بعدت وسبتنى كل ده؟!
- غيابك كان غُربة وانا اللى كنت غاوى سفر، بس خلاص مهما لفيت مسيري ارجع لبلدى، جيه الاوان...
ابتعدت عنه راجيه بعيونها الذابلة
- أفهم إنك مش هتبعد تانى؟!
اطرق انظاره بخجل متذكرا أمر نانسي الذي لم يقرأ رسالتها حتى الان، فبادلته بنظرة خوف وشك وغمغمت بنبرة باكية
- هتبعد!
اخرسها بقبلة قوية صب فيها كل اشواك ماضيه فتقطرت من سحب ظنونها مطر الخوف من مستقبل خالى منه بعد ما تذوقت حلاوة القرب منه، فبرغم سوء العالم ووحشية ما بها وظلام ما به كانت له ملاذًا حيثما شاء بلحظات عبارة عن تنهيدات مُحملة بثانى آكسيد الحب...
- انا عارفة انك لسه زعلان منى ؛ بس متفضلش ساكت كده!
بعد الكثير من الحديث المفتقر من الرد تفوهت رهف جملتها الاخيره بكلل وجزع عقبته دموع الخزى التى ذبحت قلب مجدى، الذي اعتدل متأوهًا
- طول عمرى بحارب احميكى من نفسي، حصل ايه؟! كان ليه تسيبى دماغك كده للشيطان وتسلمى دماغك لشلة بايظة زى دى!
انخرطت دموع الندم من طرف عينيها، وجهشت.
- غبيه، عيلة سايبه نفسها للدنيا تخبط فيها زى ما هى عايزه، ماما فى شغلها ٢٤ ساعه معنديش صحاب خالص كلهم شو بس عايزين يقربوا من رهف السيوفى كوبرى لخواتها اللى مافيش منهم..
ثم ارتعشت نبرة صوتها المحشوة بالبكاء وواصلت.
- زياد زى ماانت عارف، وهشام منكرش حنيته وحبه ليا بس ظروف شغله كانت تخلينى ماشوفهوش بالشهور ؛ وانت كمان زيه، حتى بسمة كانت الكارثه الوحيده اللى فى حياتها زياد، هى كمان كانت تايهه نفس الوجع اللى عندى عندها تفتكر هنعرف نداوى بعض..
احتد عتاب مجدى قائلا
- بردو مش مبرر يارهف، الوحده عمرها ما كانت مبرر للغلط ابدا...
- صح، انت صح ؛ بس الكتمان كان بيدبحنى، كان كل يوم يتحول لوجع فى جسمى، كنت مفكره إن انتصارى الوحيد فالحياه الكتمان، بس طلع اكبر هزيمة ليا وخلتنى اخسر اغلى حاجه عندى...
فصمتت للحظة وتابعت بانكسار
- إنت!
- يااااااه يارهف، اخيرا خدتى بالك إنى موجود بس بعد إيه؟! بعد ما هزيتى ثقتك جوايا! بعد ما كنت حاطك فى منطقه بعيده اوى متطولهاش ايديا تخدعينى كده..!
ابتلعت كلماته بمياه حزنها وتوسلت إليه.
- بلاش توجعنى إنت بالذات، كفايه اوى اللى الدنيا عملته...
- للاسف يارهف فى حاجات مش بيكون قاصدين نوجع فيها الشخص التانى بس قلوبنا مش بتقبل استمرارها..
اعصار من الدموع هاجم قلبها غير متقبله فكرة بعده عنها وقالت بحزن
- بس انت عارف إنى مستاهلش القسوة دى كلها...
- ولا أنا كنت استاهل منك كده يارهف...
ابتلعت غصة احزانها منكسرة
- يعنى خلاص، هتسيب رهف لوحدها مع الدنيا تلطش فيها...
قلبه لم يكن من حجر كى لا يتأثر بحدة كلماتها، بل قلب المحب دائما من زجاج، مجرد الخدش عليه بالنظرة يتهشم كأن لم يكن، ولكن حينها تعمد مجدى استخدام عقله العسكرى حيث ضم ذراعه متأوهًا وقال بهدوء
- مش معنى إنى رفضت ك، احم انتى بنت عمى يارهف ؛ ومهما حصل مش هستغنى عنك كاختى ومن دمى...
- يعنى خلاص، مفيش حتى فرصة؟!
- لا يارهف مفيش ؛ وانتى اللى اخترتى ده مش أنا...
كذب من قال بأن الحياه فرص! الحياه ابخل من أن تمنحك اكثر من فرصة فالعمر، ويتربع على قمة سُحبها الحب، حيث إنه جزء من الحياه ولكنه عقيم الفرص، فثمة اشخاص يقرعون باب قلبك فلا تفتح لهم وحينها لم يعودوا ابدا، وثمة اشخاص لا يغفرون الاخطاء ولا يرون الحب الا ملائكة مجحنه ترفرف فوقهم فإن اخطاءوا سقطوا من هاوية القلب بلا رجعة...
مخطئ كل من اعتقد أن الكمال فالحب، فالحب لا يحمل الا النقصان لتأتى معجزاته فى إكتمالنا به وليس اكتماله بأعيننا...
- أول مرة احضنه واحس إن حضنه بارد أوى كده، معقوله يكون بطل يحبنى؟!
ختمت فجر مقال شكوكها بجملتها الاخيره متنهدة بدموع الظن حيث تلقتهم أبهام سعاد معاتبه
- إنتى اتهبلتى يافجر...
- لا أنا متأكد إنه متغير، وفى حاجة كبيره حصلت معاه، هو معقوله ميغفرليش غلطتى...
ارتعشت كفوفها حيث احتل الرعب نبرتها لكنك لا تفهم معنى أن يختارك أحدهم وهو يقاوم خوفه من تكرر الخيبات، تذوق صبار العتب...
تمتمت فجر بضعف
- اعمل ايه..
مسحت سعاد على رأسها
- تتكلمى معاه يا فجر، وشوفى جوزك يابنتى ماله، كفاياكم سكوت بقا، سكتوا كتير اوى..
صمتت لانها شعرت بأن طاقتها من المحاولات قد نفذت فلا يحتاج المرء لحلول، لا يعلم إن تسائلاته ليس لها إجابة، كل ما يحتاجه، أن يأخذه أحدًا بين أضلعه ويطمئن به فقط..
لم تلبث ان تجيبها فملأ رحيقه المكان متسائلا
- سمعت ان مجدى فاق، انتو قاعدين هنا ليه..
وقفت فجر تدريجيا تمتلا بانظارها منه المتلهفة رؤيته فتعمد ابتعاد انظاره المنجذبه إليها دومًا وسأل سعاد
- مجدى صاحى..
حينها خرجت رهف حامله قلبها المهشم على كفها فألتقت بهشام فتسمرت مكانها اثر نظرته الحادة لها ولكنه سرعان ما تجاهلها وسألها
- انتى كويسه يارهف..
اكتفت بان تومئ ايجابا ثم افسحت له الطريق ليدخل، فاتسعت خطوته جاهرا
- رصاصه ترقدك كده ياسيادة النقيب!
- كلنا لها يااسياده المقدم...
سحب هشام المقعد الخشبى وقربه منه ثم جلس عليه وقال له ممتنا
- حمد لله على سلامتك يا بطل، شوفت اخرة شهامتك وديتك لفين...
ابتسم مجدى بتثاقل فلازال قلبه مشحونًا
- كله فداك يا سيوفى..
فهللت سعاد
- الف حمد لله على سلامتك يا سياده النقيب، كده تخضنا عليك؟!
- عمتو سعاد! حتى حضرتك هنا؟!
- أومال..! انت عاوزنى اسيبك يعنى؟!
مجدى بهدوء: مش قصدى، بس تعبتى حضرتك يعنى والمسافه من هنا للقاهرة...
- المهم سلامتك يابطل..
فظهرت فجر من خلفها وهى تغلق الباب وقالت بصوت خفيض
- سلامتك يا مجدى...
- لا بقي دانتى المفروض تشكرينى! عشان زمانها كانت رشقت فى قلب جوزك...
فشهقت متلهفه
- لا، بعيد الشر عنكم انتو الاتنين، ربنا ما يورينا فيكم شر ابدا..
- تسلمى يافجر...
ثم تحيرت نظرات مجدى بين فجر وهشام فبمهارته العسكريه التقم شظايا الامر وقال بمزاح
- متقولوش إنكم متخاصمين بسببى، هشام! متهزرش احنا كنا فين وبقينا فين!
فثبتت انظار فجر على هشام لتفسح له المجال بالتحدث متتظره رده بشغف، حيث خيب ظنها ورد بفتور.
- لا، محصلش حاجة..
فاشار مجدى لهشام أن يقترب منه محذرا بهمس
- ورحمة ابوك وامى لو ما اتعدلت لا أنا اللى هقلب عليك وافكرك بكلام المكتب اللى يسم البدن، روح صالح مراتك وبطل جنان...
تحمحم هشام بصوته الاجش فخطف قلب فجر المرتعدة منه، وغمغم مسايسا
- تفرج ان شاء الله؟!
- هشاااام..
فحدجه هشام بحزم
- قولتلك هتفرج...
إنذاك دخلت عايده ومنير، فركض الاخير صوب ابنه واندفعت عايده ناحيه هشام جاهره بخوف
- أنت كويس..
التقاء السحاب بصخور الارض فما ستكون النتيجه؟! هل تاتى برعد يصدع كل الاوجاع فتنزف، ام ببرق يعطى وميض من الامل لانوار التسامح..
نصب هشام عوده بفظاظة يترقب نظراتها المرتعشه فكررت سؤالها بنبرة باكيه
- انت كويس؟!
- إنتى شايفه إيه...
اغرورقت عيونها بشلال من الدموع
- مش عايزه اشوفك غير احسن حد فالدنيا كلها..
فتدخلت سعاد بروحها الخفيفه بينهم وقالت
- اى يا عايده مش هتاخدى ابنك فى حضنك وتطمنى عليه...
فرفعت انظارها البكايه نحو هشام لتستأذنه قبل ما تفعل ما اقترحته سعاد ويتمناه قلبها ولكنه بادرها بقُبلة خفيفه على رأسها وقال معتذرا
- آسف على مرمطتك فالنيابه، كانت بسببى، بس متقلقيش هطلعك منها زى ما دخلتك...
انفجرت باكيه بصوت رقت له كل القلوب شاهقة بفرحه
- مش مهم، مش مهم اى حاجه، المهم انت ؛ انت تعرف إن مفيش حد فالدنيا يحبك أدى..
ما لبثت أنا انتهت من جملتها وارتمت بين ذراعيه لتحضنه وتحسس على صدره وعلى وجهه لتطمئن عليهما بلهفة أم عاد ابنها من المعركة، فألتقت اعين هشام بأعين سعاد الامرة بألا يقسو أكثر من ذلك، فرفع ذراعه بتثاقل وضمها إليه، فانفجرت معتذرة
- انا اسفه، اسفه ياحبيبي، يااااااه ياهشام حضنك وحشنى قوى يابنى! كده؟! ٧شهور تغيب عنى...! هونت عليك...!
ثم عادت لتضرب على صدره بقبضتها المعاتبة.
- انا أمك ياواد انت، والله لو كررتها تانى لاكسر دماغك ألف حته، انت فاهم...
اكتفى بطبع قبله على رأسها رد على عواصف مشاعرها التى عصفت بقلبه تحديدا، فابتعدت عنه وتشبثت فى كفه لتقبله عدة مرات حيث غسلته بدموع عينيها فسحب كفه منها وتبدلت الادوار حيث رفع كفها لمستوى ثغره وطبع قبلة طويله عليه ثم احتضنها وهمس فى آذانها معتذرا
- حقك عليا لو كنت زعلتك...
انفجرت فى حضنه باكيه.
- لا، ده حقك عليا انا إنى خبيت عليك، بس على فكرة بقي انا امك غصب عن دماغك الناشفه دى وقلبك اللى زى الحجر، وانت من النهارده مش هتقول لى غير حاضر ونعم، انت فاهم، ووووو وووو ااه وهترجع معانا البيت ومفيش فرقه تانى، وانا وانا هصفى كل حساباتى وابيع كل حاجه وهقضي الباقى من عمرى معاكم وليكم وبس...
قبل ظهر كفها مرة آخرى وقال بهدوء اشبه بالثلج
- سيبيها بوقتها ياااا ع...
وضعت اناملها على ثغره لتخرسه ونهرته باصرار
- ماما، امك ياهشام زى ما كنت تقولهالى، ومش هقبل غير بيها...
انفجرت فجر ورهف فى البكاء إثر حالة العتب والحب واللوم بين هشام وعايده، الى أن تبسم هشام بخفوت واجابها مستجيبا
- حاضر يا ماما...
فعانقته عايده مرة آخري بعد ما قبلت وجنتيه بحب صادحه
- وحشتنى اوى ياهشااام، ووحشنى الامان فى وجودك وصوتك ياحبيبي...
فتدخل مجدى ممازحا.
- ايه يامراة عمى وانا اللى قايم من فراش الموت ده مفيش حتى تعيش وتاخد غيرها يامجدى...
فهتف منير بمزاح
- يارخم مش انا سلمت عليك؟!
مجدى معاندا
- انا عايز اتباس واتحضن، اشمعنا هشام يعنى...
فضحكوا جميهم بصوتهم الجمهوري إثر مداعبات مجدى حيث شاركهم زياد وبسمه فالضحك واستكملت بخفة دم زياد وهو يقول
- ما كنت اتصابت من زمان ياعم مجدى طالما العيلة الحلوة دى هتتجمع كده؟!
- وهى عشان تتجمع وحضرتك تتبسط اروح أنا فى شربة ميه؟!
فطوق زياد كتفى بسمة أمام اعين الجميع وضمها اليه وقال
- عيلة بتموت فالنكد ومابتتجمعش غير فالمصايب، فلازم تضحى عشانهم...
- اعوذ بالله منك يااخى، عينك بس عشان الرصاصه عدت بستر ربنا...
فقطعهم قدوم اللواء نشأت مهللا
- متجمعين عند النبى ان شاء الله..
بعد هشام عايده عن حضنه وذهب ليستقبل سيادة اللواء أما عن عايده اقتربت من مجدى وقبلة جبينه بحب وهمست.
- حمد لله على سلامتك ياحبيبي...
- الله يسلمك يا طنط...
فحدجته عايده بعتب
- ايه طنط دى؟!
حتى التقت اعينها بأعين منير واطرقت بخجل
- قول لى ماما زيهم...
فغمز مجدى لوالده بمكر
- احم، هو اى الحوار ياسيادة المحافظ؟!
فقطعه اللواء نشأت مرحبًا
- يااهلا بالعيله اللى واخده توكيل تنشيف دماغ...
فضحك مجدى ومد يده ليصافحه
- تربية معاليك يا جنيرال...
ثم وثب منير واحتضن رفيقه مرحبا.
- والله زمان يا نشأت بيه، كده اسيبلك العيل تفرعنهم ومش عارفين نلمهم...
فقهقهه نشأت وقال مؤيدا
- هذا الشبل من ذاك الأسد يا منير بيه...
فتدخل هشام فى حوارهم
- اللى عايز افهمه انت يا قرد إنت ايه اللى وصلك للسفينه!
فتفاخر مجدى بانجازه قائلا
- شميت ريحة الخطر قولت مستحيل اسيب ابن عمى..
- اللى هو ازاى بقي؟!
فواصل مجدى متباهيا بنفسه
- اللى هو لو اتأخرت دقيقة كان زمانك فى خبر كان..
فهندم هشام ملابسه بفظاظه ورفع رأسه
- بس متنكرش إنى كنت مسيطر عالوضع؟!
فضحك مجدى ساخرا
- بأمارة مراتك الغلبانه اللى كانت هتولع...
فاحتدت نبرة صوت هشام إثر ضحكات الجميع المكبوته وحذره
- ولاااااااه ما تلم نفسك؟!
فتدخل زياد بين عايده ومجدى وجلس بجوار مجدى مداعبا
- شكل السيوفى الصغير علم على الكبير...
هشام باغتياظ
- لا وانت الصادق، السيوفى الصغير اللى بوظ كل خطط السيوفى الكبير...
فربت نشات على كتفه مشجعًا.
- المهم إنكم سوا وزى ما اتعودت منكم اى مهمه بتطيروا رقبتها يا دبابات السيوفى...
ثم حدج زياد ممازحًا
- الا انت طبعا..
زياد بتفاخر
- لا انا مدفع السيوفى...
ثم غمز لبسمة بانظاره اللامعه وواصل
- مدفع فى أماكن تانية خالص...
انفجرت الضحكات من الجميع حيث تجمهر صوت فرحهم آخيرا الا بسمة التى احمرت وجنتيها خجلا، فتدخل هشام ليكرر سؤاله
- ايوة بردو، عرفت مكانى إزاى!
شرع مجدى فى روى ما حدث من يومين (#فلاش باك)
- ايوه، اتفضلى...
- انا نورا، مراة زيدان ؛ وعايزه اقولك كل اللى سمعته بودنى...
فلكزتها ناديه جازعه وجهرت
- اخلصي يابت...
فتاوهت متوجعه فى آذان مجدى وأكملت
- سمعته بيتكلم مع واحد قاله فى آخر المكالمه ياشاذلى بيه، وجاب سيرة الظابط جوزها وانه معاهم، راح زيدان ضحك بصوت عالى وقاله كده ولد السيوفى وقع ومحدش سمى عليه...
ثم سكتت للحظة وواصلت.
- شكلهم كده عاملين فخ لفجر وجوزها ولاد الحرام دول...
فصمت مجدى طويلا حتى جهر
- طيب إنتى اقفلى دلوقتى، انا هتصرف
ثم عاود الاتصال باللواء نشأت فايقظه من سباته وهتف
- نشأت بيه عاملين فخ لفجر وهشام، واحنا لازم نتحرك..
فعارضه اللواء نشات
- نتحرك بأى حق يا مجدى، فين السبب اللى هنطلع بيه اذن النيابه، فين الدليل! فين المكان اللى هنروحه، متخليش عاطفتك تنسيك القانون يا سياده النقيب..
- يعنى إيه! نسيب هشام ليهم؟!
- هشام اذكى منهم و المفروض تكون واثق فى كده كويس اوى...
تناول مجدى سلاحه ووضعه وراء ظهره
- بس الكترة تغلب الذكاء والشجاعه...
- يعنى ايه يا مجدى ؛ بلاش تهور واستنى للصبح نشوف يمكن يجد جديد...
فحزم مجدى أمره وهو يغادر مكتبه
- يعنى مش هسيب ابن عمى لوحده لحد ما يجد جديد، ولو هنموت يبقي نموت سوا، آسف لازعاج معاليك...
#بااااااككككككك
فواصل مجدى حديثه وقال.
- قفلت تليفونى وامرت العسكري قبل ما يفرج عن الزفت اللى اسمه فارس يحط فى جيبه سلسله عليها GPS، واتصلت بخالد وفضلنا نتابع مكان الواد ده لحد ما وصل الفيلا واتكلم مع الحرس وبعدين خد عربيه وطلع بيها عالصحراوي، وحسيت إن هو مربط الفرس اللى هيوصلنا لمكان هشام خاصة إنه اختفى طول الليل وده اللى كان بيأكد كلام نورا مراة زيدان، واخداها عوم بقي لحد ما اتشعبطنا فى ديل السفينه واتفاجئنا بيها بتتحرك وسمعنا صوت ضرب النار وخدنا اسلحة الحرس وحصل اللى حصل بقي، هاااا ارتحت يا اتش؟!
فزفر هشام مختنقا
- مش هرتاح غير لما الزفتة دى تتمسك، فص ملح ودابت من اسكندرية كلها...
فتابع اللواء نشأت
- التحريات لسه مكملة ياهشام وهنوصلها متقلقش...
فنهض زياد من مكانه واقترب من بسمة وقال
- تسمحولى استغل الحشد العظيم ده، واعلن عن معاد فرحى من الدكتورة بسمة آخر الشهر!
لم تتحمل سعاد فرحة الخبر فانفجر بزغاريد الفرحة المتواصله حتى لفتت انتباه اللواء نشأت الذي رمقها باعجاب وما لبثت ان انتهت فقال لها بسعادة عجيبة
- ربنا يجعل ايامكم كلها فرح يا هانم...
فنست رهف أمر مجدى وتتدخلت مهلللة
- الله، بجددد، اخيرا، الف الف مبروك، شوفتى ياطنط افكارك بتجيب الخلاصة ازاى...
فاصدر زياد ايماءه طويله اختتمها بضحكة اعجاب.
- افكاااارك، ايوه بقي، الدماغ الالماظ صاحبه الافكار الالماظ اللى انا هموت وابوسها من ساعة ما صحيت ولقيت نفسى مع القمر ده فى بيت واحد..
فتدخلت عايده
- والله عمتكم سعاد عملت اللى معرفتش انا اعمله..
فحدجته سعاد بتحذير
- بس المهم اللى يتعظ ويحافظ على النعمه فى ايده، عشان المرة الجايه مفيش حد هيساعده
فرفع زياد كفوفه مستسلما
- أنا عن نفسي سلمت نمر خلاص، وبصمت بقلبى، وصوها هى بقي عليا...
فضحكت رهف بشماته.
- لااا لاا انت تستاهل تتربي من أول وجديد، عشان البت دى تعبت معاك و كمان محدش هيربيك غيرها، صح ياطنط..
- بت انت لمى لسانك الطويل ده بدل ما اقطعه..
فاشارت بسبابتها
- لا بقولك ايه هتعلى صوتك، هقولك معندناس بنات للجواز، انا بحذرك اهو..
اخذت منقارات رهف وزياد مستمره حتى استغلت فجر الفرصه واقتربت من هشام وحضنت كفه وتهامست
- واحنا مش هنتكلم!
فسقطت انظاره على كفها الدافىء واجابها
- هنتكلم، نروح ونتكلم...
فمالت برأسها على كتفه مستريحه من فوضي العالم حولها محافظة على صمتها ومحافظا هو على ثباته الى أن صرخ زيااااد معارضا
- باااااااااس، انتو قفلتونى من أم الجوازه دى، طيب مش متجوز وبنت خالتك عندك أهى، واطلعو برا بقي خلى الواد المضروب بالنار ده يستريح شويه...
سحب هشام فجر من كفها وكانوا اول المغادرين ثم لحق بهما منير وهو يوصل نشأت ويستعيدان ذكريات الماضي، وتابعتهم عايده وسعاد وهما يضحكان مع بعضهم، حيث مال زياد على بسمه معاتبا ومهددا
- عاجبك كده؟!
ارتبكت ولحقت خُطاهم
- وانا مالى ياعم، وانا قومت اتكلمت، دى اختك..
فلحق بها مناديا
- خدى يابت إنتى هنا...
ففرغت الغرفة من الجميع على رهف ومجدى التى استدارت نحوه معاتبه
- وانت هتفضل مقموص كتير كده..!
- نعم...
فاقتربت منه وجلست بنفاذ صبر على طرف الفراش وقالت
- يعنى اللى فك عقدة زياد، مفيش امل انه يفك عقدتك وتسامحنى...
انكمشت ملامح الرجل الشرقي معاندا وقال بجفاء
- رهف، احنا اتكلمنا، وانتهينا خلاص..
- لا ما نتهناش، عشان انا مش هينفع اتجوز حد غيرك ولا انت هتعرف تتجوز حد غيري..
رفع حاجبه ساخرا
- يا سلام...! ليه بقي..
فاجابته بثقة
- عشان انت بتحبنى وبتتقل عليا شويه عشان اتعاقب، صح...!
- لا مش صح، وانا عايز ارتاح، وبعدين مش خايفه هشام يشوفك هنا...
زفرت رهف باختناق
- ماليش دعوة، انا عايزه اتجوز زيهم، اشمعنا هما..
اجابها مسايسا
- بكرة هتتجوزى وهتبقي عروسه زى القمر...
- هتجوزك إنت صح؟!
لم يمنع شفتيه من التبسم فبمجرد ما رأتهم تنهدت تنهيده محارب وتحمست اكثر
- طيب قول إنك سامحتنى...
- لا...
- لا يامجدى، هتقول إنك سامحتنى..
- مسامحتكيش لا..
- لالا بطلع عناد وقولها براحه كده، انا مسامحك ياروفا...
- ايه روفا دى؟!
- ماانت لو مدلعتنيش هعرف إنك مش سامحتنى من قلبك...
احتدت نبرته قليلا
- رهف، عايز ارتاح...
- قولها وانا هسيبك ترتاح، وارتاح انا كمان..
- اقول ايه؟!
- يادى النيله عليا، قول، سامحتك، ياروفا، عشان، انا مقدرش، ازعل منك...
- إنتى بتكبري الجمله ليهه؟! انا وافقت اقولها وهى صغيرة لما تكبريها!
- يوووووه بقي اخلص!
- رهفففف...!
ابتسمت بأمل
- هااا كمل، قول سامحتك، كلمة صغيره اهى..
- وبعدين؟!
- ولا قبلين، قول سامحتك والا هتجنن عليك، وانت حر بنتايج جنانى..
فتبسم مرغما فواصلت رهف
- انطق يابنى ادم، ياباى هشام علمك الرخامه..
فكر للحظة ثم اردف مجبرا كى يتخلص من ثرثرتها
- خلاص يارهف...
- سامحتتتت؟!
- ااااه خلاص مسامحك...
كلمة ردت بروحها الروح للحياه مرة ثانيه حيث إنها باتت كطفلة تمرح وتهلل مثلهم حتى غيبت الفرحه عقلها وارتمت فى حضنه بشوق
- انت احلى مجدى فالدنيا كلها..
تأوه قليلا حيث انها لامست موضع الجرح فتجاهلت توجعه فارحة فى حضنه
- انا النهارده اسعد واحده فالدنيا بجد...
- وحياااة امك ياااارهف
إنذاك اقتحم زياد الغرفة فوجدها مرتميه فى حضن مجدى الذي ما كاد ان يلمسها فجهر زياد بجملته الاخيره التى فزعت لها رهف مرتعبه
- زيااااد، اوعى تفهم غلط، والله، اصل، هقولك..
اقترب منها مزمجرا برياح غضبه
- اصل ايه يابت؟! انطقى؟! واى اللى انا شوفته بعينيا ده..
انكمشت رهف فالحائط حيث اوشكت على البكاء وهى تضرب الارض بقدميها
- هفهمك يا زياد، بس متعليش صوتك...
- معليش صوتى ازاى...! دانا هقطم رقبتك...
استند مجدى بصعوبة لينهض من مجلسه بعدما نزع المحاليل من يده واقفا امام زياد
- اهدى، اهدى ياعم انت محصلش حاجة؟!
صدحت رياح غضب زياد
- والمفروض لما اشوفها فى حضنك اعمل ايه...
اختبئت رهف بظهر مجدى محتميه من غضب زياد، فاجابه مجدى
- ولا حاجه، تغطى العار بس...
- هى حصلت عار يامجدى...
- بصراحه انا لو مكانك اقطم رقبتها...
ثم ولى رأسه إليها
- إنتى ازاى تحضنينى اصلا...!
ثم عاود النظر لزياد
- شوف اختك بقيت اخلاقها فالارض يا زياد وانت لازم تربيها...
فطاولت يد زياد لتناول رهف التى صرخت متشبثة فى ذراع مجدى السليم، فمنعه مجدى وهو يقول
- او تصلح غلطتها المهببه دى، وتستر عارك قبل ما تتفضح..
- قولتلك اوعى من وشي يامجدى لسه حسابك مجاش معايا، انا محترمك لانك صاحب مرضى..
مجدى باصرار
- ومش هجي، ليه، عشان انا عايز ادارى على الفضيحه واصلح غلطى، منا برضو مكنش ينفع افتح حضنى كده لاى واحده...
ثار جنون زياد
- مجدى، انا شياطين الدنيا بتتنقطط قدامى، البت دى لازم تتربى..
منعه مجدى عن رهف بصعوبه
- لااا لا، انت اخزى شياطينك بس واحنا هنصلح الغلطه دى وهكتب عليها من بكرة، ها اى قولتك...
هدا زياد قليلا ثم سأله
- تتجوزوا؟!
- لو عندك حل تانى للفضيحه دى عشان نلمها قول..
هاجت ثيران زياد مرة آخرى
- إنت بتنرفزنى؟!
- قولتلك هتجوزها، اخلص قبل مااسحب العرض..
هدأ زياد تتدريجيا فالتقت اعينه باعين رهف الخائفه وسألها
- موافقه تتجوزيه يابت إنت..
تفوه ثغر رهف بذهول شاهقه
- هااااااااا!
جن مجدى من حماقتها فصرخ
- لا ركزى هيقتلنا مش وقت مفاجأة خالص لسه هتفكرى!
اومأت رأسها سريعا وهى تحتضن ذراعه
- اااه ايوه، هتجوزه خلاص...
فاتسعت ابتسامة زياد بعدما فقدت الامل فى رؤيتها وهندم سترته وقال.
- تمام، وانا كمان موافق..
فتنهد مجدى ورهف بارتياح حتى تفوه الاول
- لا انت مش مهم توافق يا زياد اصلا...
- لم نفسك احسن اعملك عاهة مستديمه تخليك نايم طول حياتك...
لحق مجدى نفسه
- لا وعلى إيه الطيب احسن، لو عايز تخدم ابن عمك اقنع الديناصور اللى بره وانا هظبطك ف...
قطعه زياد بحماس
- نسوان!
سب مجدى فى نفسه سرا
- يخربيت قذارة دماغك ياخى...
ثم دفع رهف لحضنه شاهقة متخليا عنها
- خد اختك اهى، دانتو عيله تجيب الهم...
تاااابع ◄ الحرب لأجلك سلام