-->

رواية الحرب لأجلك سلام الفصل الثانى والعشرون والاخير

 

 أعدك بأنك ستبحث عني كثيراً، ستجدني أمامك لكنني تغيرت، لن تجد نسختي القديمة مهما بحثت، لن تجدني كما عرفتني أبداً، لستُ أنا تلك التي أحبتك، تعلمت أن أعيش بلا قلب وتعلمت العيش دونك، فتعلم العيش من دوني.



- مش كفايه بقي يا هشام؟!
اردفت عايده جملتها الاخيره عندما تركت سعاد واتجهت نحو فجر وهشام الواقفين بعيدا، فتبادلت الانظار حائره حتى اجابها
- قصدك ايه؟!
- قصدى كفايه كده وترجع بيت ابوك، ولا انت مش ناوي ترجع...
مهما بدا تسامحه مُظهرا تجاوزه للموقف إلا لازال فى قلبه رُكام الماضي التى لا يمكنه التخلص منه مهما بدا عاديًا، فتحمحم بخفوت وشرع فى الاجابه التى خطفتها فجر من لسانه وقالت.

- آكيد ياعايده هانم هنرجع...
ثم اتجهت انظارها المتسعة المغلفه بالتوسل نحو هشام
- ولا إنت ايه رايك يا هشام..
تلعثمت الكلمات فى حلقه، وبتردد
- مش والله، إحنا ممكن هنجي زيارات وكده، مم اكيد يعنى..
عايده بضيق
- لا تبقي لسه زعلان ياهشام وشايل فى قلبك..
هشام مبررا موقفه
- الفكرة إنى عايز استقل ويكون لى بيت لوحدى، مش زى ما حضرتك بتقولى..
هزت عايده رأسها رافضة تقبل جملته، وقالت بإصرار.

- هشااام! الحاجه الوحيده اللى هتثبتلى إنك سامحت ومابقتش زعلان هى برجوعك للبيت، غير كدا تبقي لسه زى ما أنت..
ضغطت فجر على كفه فاقتربت منهم سعاد اثر انفعال عايده الواضح وتدخلت
- مزعل عايده هانم ليه ياهشام..
فاجابتها فجر بصدر رحب
- لا ياماما، مفيش زعل ولا حاجه ؛ هشام بس شايف حاجه مدام عايده مش شايفاها، اختلاف وجهات نظر يعنى...
فاحتدت نبرة صوت عايده الموشكة على البكاء.

- لا مفيش اختلاف ؛ وزى ما عشنا مع بعض اكتر من ٣٠سنه مش هنيجى نفترق فى الاخر، وانا مش هرجع فى كلمتى ياهشام..
صمت تام فى الافواه نطقت بدلا منه الاعين الجائرة حتى ثبتت حدقها بين فجر وهشام حيث بادالته الاولى بابتسامة خافته متغلفة بالرجاء وما كادت أن تنطق ففوجئت بواحده تحمل على ذراعها باقة كبيره من الورود وتقترب منه مبتسمة، حيث لاحظت تجمد ملامح من حولها بمجرد ما طلت رؤيتها...

ما كادت فجر أن تستفهم، ففوجئت بتلك الفتاة تقف بالقرب منهم وعلى ثغرها نفحات ماضي دفين وتبسمت
- هاااي، عايده هانم إزى حضرتك...
تمتمت عايده بملامح مشدوهه اثر الصدمة وقالت
- سلمى!
تجاهلت ( سلمى ) ذهول عايده حيث مدت كفها لتصافح هشام ثابت الملامح وهى تقول
- هاى ياهشام...
بعد طويلا من تبادل النظرات وجريان وخزات التعب فى كف سلمى الممتد والمتجاهل من قِبل هشام، شبكت عايده يدها فى يد سلمى رافعة الحرج وقالت.

- إنتى ايه اللى عرفك مكاننا، ورجعتى من بره أمتى!
داعبت سلمى خصيلات شعرها الكستنائى بمرح وقالت
- أطلقت، أطلقت ورجعت..
ثم رفعت انظارها نحو هشام واتبعت
- مصر جميله ومفيش بعد جمالها وجمال اهلها، مممم اضطريت اصفى كل شغلى هناك وارجع..
تبسمت عايده ابتسامه زائفة
- نورتى ياحبيبتى..

تدخلت فجر فالحوار بفضول انثوى يقرض قلبها من شدة الغيره، حيث إن للمراة حدس قوى برائحة الاسرار التى يفوح عطرها من عيون اصحابها وقالت بنبره خائفه مكذبة قلبها
- ايه ياجماعه، مش هتعرفونا...
ثم مدت كفها لتصافح سلمى وقالت
- أنا فجر، مراة هشام؟! وإنتى؟! قريبة مدام عايده مش كده!
شعرت فجر ببرودة كف سلمى فى يدها وتبدل ملامحها المبتسمه وعيونها الثاقبه لهشام وهى تسأله بصدمة مبالغ فيها
- مراتك!

فتعمدت فجر أن تحتضن ذراع زوجها بحب لتوصل لها رساله ما تحرق كل أمال سلمى المستنيره من عيونها، وقالت
- إنتى مش متابعة سوشيال ولا ايه! ده مفيش حد فى مصر مايعرفش إننا متجوزين...
انكمشت ابتسامة الامل فى وجه سلمى واكملت
- اااه، مبروك ياهشام، مبسووط...
تجاهل هشام سؤالها واجاب
- جدا...
- مكنش كلامك!
- ساعتها كنت باصص تحت رجليا وبس..

بالرغم من قصر الحوار بينهم إلا أن عيونهم افصحت بمقالات ماضٍ دب براثين قسوته فى قلبه وإنتزعها، فاشتعلت نيران الغيره بجوف فجر اثر نظراتهم المتأرجحه وقالت
- وانتى مين بقي...!
التوى ثغر سلمى بحزن بالغ، وشيء من الحسرة
- هشام ابقي يقولك...
ثم اطرقت انظارها الموشكة على البكاء واتبعت
- قريت خبر اصابه النقيب مجدى، وحبيت اطمن عليه، يارب يكون بخير...
تفصحتها أعين سعاد بحقد امٍ تغار على مشاعر ابنتها وقالت بسخرية.

-مجدى بردو؟! هو بقي كويس، حاجه تانيه!
تراجعت سلمى خطوه للخلف وتبسمت ببرود
- هطمن عليه بنفسي، دى غرفته مش كده؟!
اشارت لها عايده بود مصطنع وقالت
- تعالى، هوصلك..
فتابعتها سعاد بحرقه
- خُدينى معاك ياعايده
وتمتمت
- أما نشوف كهن البنات هيودينا على فين!
- هشام، مين؟!
اردفت فجر سؤالها بنبرة مهزوزه، فنصب هشام عوده وهو ينزع ذراعه من قبضتها وضم رأسها لصدره واطرق بصوت خفيض ليطمئنها.

- هروح واحكيلك كل حاجه، عدى النهارده على خير بس...
- يعنى مش هتقول لى!
- قولتلك لما نروح يافجر، هنزل ادفع حساب المستشفى وانتى روقى كده وبلاش تسلمى دماغك للشيطان...
اومأت بطاعه غير مصدقة
- تمام ياهشام، تمام...

نهضت قمر من فوق مقعدها إثر سماعها صوت دق جرس الباب بلهفة متمنيه هوية الطارق مالبثت ان لمحت خالد فشهقت مرتميه فى حضنه صارخه باسمه
- خالد، خالد جيه ياما، والله لو ما كنت رجعت كمان ساعه لكنت هاخد جلبيتى وانزل ادور عليكى فالشوارع..
طوق خصرها بحب متدليا لمستواها وقال
- بت مجانين وتعمليها...
ضربته بقبضة يدها على ظهره بعنفوان منتحبه فى حضنه.

- كنت فين، هونت عليك تسيبنى هتجنن كل ده لحالى ياخالد، هانت عليك قمر!
مسح على شعر رأسها
- حقك عليّ، انا اسف..
فقطعهم صوت نعمات من الداخل
- هتفرجوا عليكم اللى طالع واللى نازل...
نصب خالد عوده بمرح وهو يضم راس قمر لصدره وقفل الباب بيده الاخرى وقال
-معاكى حق ياحماتى!
- اختفيت فجاة ليه ياخالد، روحت فين..
فأكملت قمر
- ايوه كنت فين...
- والله ياجماعه هحكيلكم كل حاجه، بس واحنا راجعين البلد...
- أى بلد؟!

قذفت شفتى قمر سؤالها بغرابة مصطحبه بالرعب، فطمئنها خالد بعيونه واكمل
- بلدنا وبيتنا ومالنا ياقمر...
عقدت نعمات الاشرب على راسها متعجبه
- جوزك شكله ادب فى نفوخه ياقمر...
ابتعد خالد عن قمر فما لبث ان يتفوه لشيعته صارخه
- خلقاتك متبهدلين كده ليه! انت اتعاركت؟!
- والله انتو لو تدونى فرصة بس أحكى هريحكم..
تشبثت بذراعه بخوف ووقفت أمامه
- خالد، جرلك ايه؟! ومالك مخبى عنى ايه..!

ضحك خالد بارتياح يشع من ملامحه وسألها
- وانتى خايفه ترجعى البلد ليه؟!
- عشانك عمك وظلمه ويده الطايله!
انعقد جبينه واحتضن ابهامه وجنتها وقال بحنو
- وان قولت لك إن شرارة الظلم انطفت واليد الطايله انقطعت..
اقتربت نعمات منه مشدوهه
- تقصد ايه ياخالد! ماال حديتك كله بقي ألغاز...؟!

- مش الغاز ولا حاجه ياحماتى، كل الموضوع أن خلاص عمى بين يد العادل دلوك بيتحاسب، ومهجة وسلمت نفسها للحكومه، يبقي إحنا هنخاف من ايه تانى، واللى كانت خايفه منه بتك خلاص راح عند ربه...
ندبت نعمات على صدرها
- يالهوى، زيدان مات؟!
ايد حديثها برأسه واتبع
- واللى قتلته مهجة، وربنا ضرب الظالمين فى بعض...
ثم دار نحو قمر واكمل
- هااا، فى حاجه تانيه مخوفاكى، يلا عاد ناديه وحشتنى...
اغرورقت عيونها بدموع الخوف.

- وان قولتلك لا ياخالد، لا، سقف هنا ولا قصر البلد..
- يعنى ايه لا ياقمر! ما تعقلى بتك يانعمات...؟!
هزت رأسها نفيا واصرت
- لا، ولو رجعت هرجع على بيت ابويا...
تلك اخر جُملة القتها ثم ركضت لتحتمى بغرفتها باكية، فتابع خُطاه اثناء طلب نعمات منه ( الحقها ياولدى )...
قفل باب الغرفة عليهم فوجدها مرتميه فى منتصف فراشها تنوح بصوت مكتوم، فتعجب منها متسائلا بشيء من الحده
- بتبكى ليه؟! فى ايه تانى تخافى منه...

- غدر الزمن ياخالد؟!
جلس بجوارها واكمل أسئلته
- غدر ايه؟! انتى بتطلعى اوهام من راسك وبتصدقيها؟!
اعتدلت من نومتها بتثاقل وهى تجفف دموعها
- عايز ترجع البلد ليه ياخالد؟! عشان ايه؟! عايزنى ارجع المكان اللى ادبحت فيه!
- هنعيش العمر كله هربانين اياك...
- عشانها؟! عايز تجرى تروحلها...!
لم يعى مغزى جملتها لحظة انطلاقها فهز راسه مستفهما
- انتى قصدك ايه؟! وايه الهلاوس اللى فى راسك دى!
- هلاوس؟! يعنى بطلت تحبها؟!

نفذ صبره الادمى وجهر
- هى مين؟! تقصدى فجر؟! احنا مش قفلناه الموضوع ده!
- اتقفل وانت اللى عايز ترجع وتفتحه؟!
ضرب خالد كف على الاخر مستعجبا
- قومى اخزى الشيطان ياقمر ولمى هدومك...
- قولتلك مش هروح فى حته، ولو عايز انت ارجع ؛ ارجعلها بس سيبنى أنا هنا هربي ولدى...
- وايه دخل رجوعنا بيها؟! انتى ليه مش عايزه تفهمى انها انتهت، انتهت من جوايا ياقمر، مابقاش ليها وجود خلاص!
صرخت فى وجهه.

- عيونك رافضه كلامك، انا عشان بحب فهماك..
- يابت الحلال اى صدر منى يخليكى تقولى كده؟! وعلى واحده متجوزه اصلا!
قمر بتأكد
- اكيد متجوزتش بمزاجها والظابط ده مسيره فى يوم يسيبها لانها مش من مقامه، ولا انت اتجوزتنى بمزاجك، اتجوزتنى عشان تستر عليا من الفضيحه، انا ؛ انا عارفه كل حاجه وشايفه نظرة الشفقه فى عينك، متكدبش ياخالد..
ارتفعت نبرة صوته منفعلا.

- لا ياقمر، انتى مش شايفه اي حاجه، وكفاياكى اوهام لحد هنا، اوهام فى دماغك انتى وبس! ومن غير كلام كتير نص ساعه تكونى بره عشان هنرجعوا البلد انت فاهمه!
شرعت ان تعارضه فذبح الكلام من شفتيها بنظرة حادة من عينيه واتبع
- ولا كلمه، مش عايز ولا كلمه لاتصرفى ولا كلامى قالوها..
هزته رجفه عيونها الذابلة فاستغفر فى سره وضمها لصدره بحنو ورفع كفها لمستوى شدقيه وقبله طويلا وهمس فى آذانها.

- انتِ حبيبتى الاخيره وصاحبه المشوار الطويل اللى مستنينا وام عيالى، بلاش تخربى راسك بافكار مش موجوده..
طوقته مستنده على صدره
- بحبك قوى ياخالد..
فتبسم مداعبا
- وانا كمان بحبك ياقمر..
ثم تهامس فى آذانها واتبع هائما
- وكمان وحشتينى قوى ؛ تحبى اثبتلك...
لم يعطيها فرصه للرد فوشوش لها فى آذانها بسر بينهم جعلهم تضحك بين فحل صبار اوهامها مبتعده عنه وسبته سرا
- والله قليل الادب، بعد عنى كده..

فجهر ضاحكا من حماقتها ومزاجها المتقلب بسرعه البرق
- خلاص ابقي نشوف الموضوع ده فالقصر...
وبالرغم من أن الابواب غُلقت والخطاوى تفرقت إلا أن هناك جزء يحمل بعض التساؤلات: ما سيكون شعورى لو كنت أنت هنا! دومًا سيضع القلب مقارنات مع الواقع واحتمالية وجود احدها ويفترض احساسه معه!

لكل شخصٌ احساسه ورائحته المختلفه عن الاخر، وإذا اشتهى القلب قلبًا اخرًا فلا يسد شهيته مائده من الاحاسيس المتنوعة مع غيره، قاموس القلب لا يحوى الا المستحيل..

-( قمر ما كذبتش انا اللى بكدب فى كل مرة انفى فيها حبى لفجر، وانها مابقتش تيجى على بالى، بالعكس لسه فالقلب حاجه ليها بس مش حاجه كبيره كفاية إنها تخلينى اتخلى عن قمر واكسرها، منكرش إنى حبيت حب قمر ليا، لحد ما حبيتها بس دايما بقف على محطه اااه لو كانت فجر؟! ، كل واحد فينا جواه السر اللى يخليه يدفنه لحد ما يدفن معاه لانه ماينفعش يتقال ومبقاش فيه حاجه ينفع تتقال، لسه متخلصتش من حب فجر جوايا بس انا عارف هى ماتنفعنيش ولا هلقى فرحتى معاها، انا نصيبي الحلو من الدنيا كان فى قمر اللى هعيش عمرى كله ليها لإنى ماينفعش اكمل حياتى غير معاها، وده الفرق بينها وبين فجر، إنك بتحب حد بس ماينفعش تكمل معاه الباقى من عمرك وان فى حد هو اللى هينفع تكمل معاه وبس حتى ولو الحب مجاش كفايه الامان، ).

كان تواجد سلمى انسب ما يقال عنه بإنه بثقل جبل على قلوب الجميع، فكان تواجدها اشبه بقنبلة موقوته قُذفت لتحرق الحاضر وتشعل دخان الماضي..
خرجت من غرفة مجدى سريعًا فلم تستغرق بضعة دقائق حتى التقت بفجر الواقفه بجوار الباب، فتبسمت ومنعت قدمها من التخطى، وسألتها بسخرية
- مكنتش متخيلة إن ذوق هشام يتحط للدرجة دى..
فكت فجر ذراعيها المنعقدة مذهولة من وقاحتها
- أفندم...!
ضحكت سلمى بصوت مسموع مغلف بالحقد..

- متتخضيش كده، انا بقولك اللى فى بالى وبس، المهم..
- أحنا في مابينا حاجه مهمة؟!
لم تخل نبرات صوت سلمى من السخريه والحرقة وواصلت
- شوور، هشام..
فاستقبلتها فجر بنفور وجزع، وغضب مكتوم، واطرقت
- يخصك فى ايه..
- شوفى يا فجر عشان اكون صريحه معاكى، انا أول حب فى حياة هشام وهو أول حب فى حياتى، ولا أنا قدرت اعيش مع جوزى أكتر من كده ولا هشام هيقدر يكمل معاكى خاصة بعد ما ظهرت...
- ايوه، والمطلوب...

سلمى بثقة اشبه بالغرور
- ابعدى عنه لو بتحبيه، هشام مش هيتبسط مع حد غيري؟!
لم تهتز ثقة فجر بنفسها حيث تسلحت بنفس سلاحها واجابتها
- ااه هو الحوار كده..! ممممممم ومين فهمك كده بقي، هشام...؟!
- أنا اكتر واحده حافظة هشام، و عارفه إن مستحيل واحده مهما كانت ممكن تاخد مكانى فى قلبه...
ضحكت فجر ساخرة من ثقتها ودنت منها خطوة سُلحفيه وتمتمت.

- هو مش قالك إنه ساعتها كان باصص تحت رجليه وبس! ما بلاش وهم! وتنسيه زى ما نساكى!
اسبلت سلمى عيونها وتغلفت نبرتها بالشر
- انتى اللى بطلى وهم وفوقى، ولو بتحبي هشام سيبيه يرجع لحبيبته، لانك عمرك ماهتعرفى تخليه يحب زيي..
عقدت فجر ذراعيها أمام صدرها معلنة الحرب على حبها وقالت.

- لالا انت فاهمه غلط خالص، طبعا مش محتاجه افكرك إنى مراته يعنى حلاله و كل ليله نايمه فى حضنه يعنى مش محتاجة اوضحلك اكتر من كده ايه اللى بيحصل ما بينا، ومش واحده زيك عايشه على اطلال ماضي مااااا هتيجى تحكم على علاقتى بجوزى...
حدجتها سلمى من رأسها للكاحل بغيرة شديدة ثم اطرقت
- متتحمقيش اوى كده، انا بقولك الحقيقه اللى مش عايزه تشوفيها وهسيبها للايام تثبتهالك...
ثم ارتدت نظارتها السوداء متأهبه للذهاب.

- ماتبقيش ظالمه وانانيه وتفرقينا تانى، كفايه اللى حصلنا زمان، فكرى كويس فى كلامى...
انتهت سلمى من جُملتها وولت ظهرها متأهبه للذهاب ففوجئت بظهور هشام أمامها فاقتربت منه ووقفت أمامه بشوق تعمدت دفنه لاعوام وسألته بهمس
- لسه مكانى موجود، مش كده؟!
على الفور صوبت انظاره نحو انظار فجر المشتعله وما لبثت أن التقيا فتجلجلت وهربت منه ودخلت الغرفة، فزفر هشام مختنقا وقال بهدوء.

- مش عيب تسألى السؤال ده لواحد متجوز..
- وهما كل المتجوزين مبسوطين! هنكذب على بعض يا هشام؟!
- بس أنا ماليش دعوة بكل المتجوزين..
- للدرجة دى خايف على مشاعرها!
- ورافضة ليه فكرة إنى حبيتها!
سلمى باستنكار
- هنكذب على بعض يا هشام انت ماحبتش غيري..
انعقد جبينه بثبات وبفظاظه مصطبحه بابتسامه خافته
- منك ابتديت، وفيها انتهيت...
ثم نصب عوده متأهبا للمغادرة
- رد كافى إنه يقضي على كل الاوهام اللى فى دماغك دى!

تخيل صعوبة أن يتوقف المخدر عن عمله في الجزء الأخطر من العملية، لقد كان حديث سلمى هكذا على قلبها، حيث اتت فاللحظة التى تفاقم فيها فيروس الشك بينها وبين هشام، انطوت حول نفسها منفردة بصبابة مستقبلها المجهول، متناسيه الجميع حولها ومزحاتهم الى أن فاقت على يد هشام تطوق كتفيها وتضمها إليه جاهرا
- انتو بتضحكوا على ايه، ضحكونا معاكم...
تبدل وجه رهف الضاحك لوجه يملأه الشحوب واختبأت خلف سعاد.

- متاخدش فى بالك ياهشام...
فتدخل مجدى:
- ايه اللى متاخدتش فى بالك دى! لالا ماهو لازم يعرف!
تأرجحت عيون هشام بشكٍ
- فى ايه بيحصل من ورايا...
فاقترب زياد من هشام وجلجل
- فضايح، فضايح ياخويا تعالى شوف بنفسك! ابن عمك مفكر انى غفرت له جريمته الاولى، وجاي يعمل جريمة تانى..
فهبت بسمه معارضه
- ما تبطل رخامه ياعم إنت...
حافظ هشام على ثباته وسأله
- حصل ايه يا زياد قووول..

- البيه ابن عمك اتجرأ واطاول واخدته الشجاعه يطلب ايد اختك رهف ياسيدى اتصرف إنت بقي انا خليت مسئوليتى...
رمقه مجدى متوعدا
- وشرف أمى يا زياد لاربيك...
احمر وجه هشام بغضب مفتعل
- يعنى ايه تطلب حاجة زى دى؟!
- ياعم انت وانا هاخدها فى شقة مفروش، هتجوزها عادى، هو الجواز حُرم..
اشار له هشام بسبابته
- انت تخرس خالص جيلك..
ثم صوب انظاره المهددة لرهف
- وانتى ساكته على المهزلة دى وقاعده تضحكى معاهم!

اندست رهف وراء سعاد وغمغمت
- انا مش عايزه اتجوز ياهشام دول هما اللى مصممين حتى اسألهم كده..
انفعل مجدى: نعم ياااختى؟!
فتدخل زياد
- وانت كمان هتردح لاختى من اولها...! نهارك مش فايت!
- استنى يا زياد؟! انت يابنى آدم كام مرة تطلبها منى..
انفعال هشام المبالغ فيه اثار فضول الجميع، فاجابه مجدى بهدوء
- والله من كتر منا اترفضت مابقتش اعد...
كبح هشام شفته من التبسم وواصل.

- يعنى مفيش ده ولو رفضتك المره دى هتتقدملها تانى بردو؟!
ضاقت عيون مجدى الجازعه ثم اردف متوعدا
- يكون فى علمك انا لو اترفضت المرة دى مش هتقدم تانى، واشبع باختك خليها تعنس جمبك..
ثم غمز لرهف ممازحا
- ايه منفسكش تبقي خالو، دانت مفتري ياخى!
اقترب هشام من رهف المنكمشه فى ذراع سعاد وقال بحدة
- انت بتهددنى كمان؟!
- ياعم بقولك اللى هيحصل، وانت حر بقي، فكر دانا عريس لقطة مترفضش...
قطعهم دخول منير جاهرا.

- مش كفاية ياولاد ونمشي يلا...
مجدى بلهفه
- ابن حلال، بابا تعالى شوف المحترم ابن اخوك مش راضي يجوزنى اخته، اتصرف معاه بقي عشان انا جبت اخرى من العيله دى..
تسمر منير فى مكانها حيث تبادلت انظاره مع انظار عايده الراجيه بألا يرفض، فاتسعت ابتسامه منير تدريجيا وقال
- الشورة شورة اخوها الكبير، احنا مالناش دخل...
جلس زياد على طرف الاريكه واحتضن كتفى عايده وقال مستنكرا
- والصغير مالهوش لازمه يعنى؟!

لكزته عايده بنفاذ صبر
- اسكت انت...
ثم رفعت صوتها
- هااا ياهشام كلنا موافقين مش باقى غيرك..
اشار هشام لاخته أن تقترب، فتقدمت بخطوات مترددة نحوه وما لبثت أن وقفت أمامه فسألها
- موافقه على الجريمة دى!
فكرت للحظة ثم قالت
- بص هو طيب وغلبان، بس
تمسك هشام باخر كلمه
- بسسسس! اهو هى مش موافقه عليك وانا ماينفعش اغصب أختى على حاجه، يلا بقي طلبك مرفوض يااا.

فوضعت رهفت اناملها فوق ثغره ليتوقف عن قول كلام لم تقصده صارخه
- لالا انا موافقه، خلاص موافقة اتجوزه...
هلل الجميع بصوت عالٍ وخيمت الفرحة على المكان كله جيث مجدى الذي قفز من مكانه متناسيا وجعه وهاتفا
- ياشيخه اخيرررا نطقتى!
طوق هشام أخته بدفء وهمس فى آذانها
- مش هطمن عليكى غيره معاه للاسف، غير كده عمرى ما كنت هجوزك ابدا وهخليكي عايشه معايا..
سالت دموع الحب والفرحه من مقلتيها وعانقته بحنان.

- انا بحبك ياهشام، انت مش بس اخويا، انت ابويا وكل دنيتى..
فجهر مجدى مغتاظًا
- ما كفايه احضان ياعم انت، مابقيتش تخصك خلاص..
ابتعدت رهف عن حضنه وحدجه هشام بقوة منذرا
- ولاه لم نفسك، ولا اقولك يلا من هنا عشان انت حواراتك كترت وفاضلك معايا تكه وانا ممكن اعملك عاهه مستديمه..
فحذرته رهف:
- خاف من اخويا بقي، انا بقولك اهو...
مجدى محذرا: ما بلاش انتى!
فجهر زيااااد صائحا.

- بسسس يبقي فرحى وفرح مجدى آخر الشهر، والفرحة تبقي اتنين، طنط سعاد يلا بقى زغروتك القمر فين...!
تجمهرت الاصوات بينهم حيث تسلل هشام ليقف بجوار فجر المتغيبه عن احاديثهم وطبع قبلة على كتفها وهمس بالقرب من آذانها
- هى ضايقتك...!
هزت رأسها نفيا متبسمة
- لا ابدا، كلامها ولا فارق معايا...
- اومال مالك!
احتضنت كفه الذي يطوق كتفيها وقالت بحنو سقط على قلبه كشوك
- وحشتنى بس...
- وانتى كمان وحشتينى!

رمقته بشك: مش باين!
طافت انظاره الحائره فالغرفة وقال متنهدا
- هنروح ونشوف الموضوع ده..
- إنت مخبى عنى حاجه مش كده؟!
اومأ باسف شديد وهو يداعب كتفها باصابعه وقال
- لازم نتكلم يافجر...
يتبع.

تفتكروا فجر هتسامح هشام لما يعترفلها...
وبسمه هتعمل ايه لو زياد حكى لها على نانسي!
ومن رايكم هشام يستاهل يكمل مع فجر ولا سلمى...
وقمر عندها حق فى شكها المبالغ من خالد!
هنعرفهم فالبارت اللى جاى بقي.
( أُحبُّك )و أعيِّ تمامًا ما معنى أن يموُت أحدهُم في الحُب، و يُهزم بألف قرارٍ في ظله، و يغرق في الحُب دون إيماءة كفٍ تُنجيه، (أُحبُّكَ) و ما كُنت أعلم بأن الحُب برقٌ و إعصارٌ وريحٌ وبردٌ وثلجٌ و إختلالٌ و إتزان، وما كنت أعلم بأننيِّ سأعلِنُ فنائي و إتزاني في حضرةِ عينيكِ، ( أحبك ) للحد الذي يجعلني أتمنى حمل الحزن عنك و دفن جميع ما يؤلمك في صدري...

حياتنا عبارة عن خريف وربيع مهما سقطت ستعود وتزهر لا مفر، سقطت قصتى أمام عيناى وسقطت معها مرتطمة بصخور الارض وظننت حينها انتهائى ؛ ولكنها خالفت توقعى واحتضنتنى اكثر من شجرة عشت فى كنفها لشهور وتخلت عنى بدون ما تلتفت...

احيانا نخشي الرحيل لاننا عشقنا شوك وورد البقاء متوهمين أن ما بعد الرحيل ديناصورات متربصه على مفترق الطرق ستفتك بنا ولم نضع احتمالا لمنارة نجاة من حيواتنا القديمه، وسيظل الانسان دوما اسير اوهامه وذاكرته وحاضره اللعين وخوفه الدائم من مستقبل مجهول ربما يحمل له غيث نوح لتنطلق فُلكنا من فوق قمم جبال الحزن...
- الف الف مبروك ياحبيبتى..

اردفت السيده زينب أم مصطفى جُملتها الاخيره وهى تربت على ظهر ميادة بفرح فى احد محلات المجوهرات، فتقلبت يد مياده بفرحة تتفقد الخاتم الالماس بيدها وتبسمت ببهجة العوض
- الله يبارك فى حضرتك يا طنط...
فهتفت سالى أمها بفرح يتقاذف من عيونها
- الف الف مبروك يا مصطفى يابنى، مبروك يا دودى..
فتدخل مصطفى سريعًا فالحوار
- انا النهارده اسعد واحد فالدنيا..
ثم اقترب من مياده وقبل كفها بحب
- مبروك عليكى ومبروكه عليا..

احمرت وجنتيها بحمرة قانته وتلألأت عيونها بانوار السعاده
- ربنا يقدرنى واسعدك...
احتضن كفها بامتنان مكتفيا بارسال نظرة من عيونه الهائمه حامله كل احاسيس الحب ثم التفت الى الصائغ واشار له على ( اسواره ) ما وتناولها بوقار وقال
- هتبقى تحفه عليكى...
تلجلجت بخجل:
- يامصطفى كفايه دى شكلها غاليه اوى احنا متفقناش على كل ده!
- الغالى يرخصلك يا مياده، ها بقي، عايز اشوف ذوقى على ايدك...

فمدت ذراعها الناعم وشرع فى تلبسيه مستغلا الفرصة ليهمس فى آذنها بهيام
- بحبك...
مُلامسة القلب ب كلمة طيبة أكثر أنواع المشاعر خلودًا في حياة الأنسان، فالكلمة لديها سحر الاسيتون على إكلادور الحزن المطلى فوق جدار القلب...

نتوهم الابديه للعيش مع أحدهما حتى توضح لنا الرؤيه كامله وتلقى بنا الايام فى حقل اقدارها المُفصله على مقاس ما يسع الروح من حب وآمان حتى نرفع ايدينا لله لنشكره على دعوات لم تستجب وامنيات لم تتحقق، لانها لو تحققت لاتت بتعاستها لقلوبنا...

صباحًا، وصل هشام بصحبة فجر لشقتهم بعد سويعات قضوها فالسفر من الاسكندرية للقاهره، فمجرد ما فتح هشام باب شقته تنهدت فجر بارتياح وقالت بفرح
- آخيرًا...! متتصورش كل حاجه هنا وحشتنى أد ايه..
ثم استدارت اليه ورفعت انظارها لعيونه واكملت
- انت وبيتنا وتفاصيلنا سوا، كل حاجه وحشتنى أوى...
القى مفاتيحه بعشوائيه ثم نزع جاكت بدلته وفرغ محتويات جيبه وما لبثت أن تلمس انامله ازرار قميصه فسبقته فجر متبسمة.

- دى مهمتى أنا...
وقف مستسلما محافظا على صمته الذي يتوارى خلفه صخب وفوضي الايام وهو يتأملها ويتأمل ضحكاتها التى تسبق اعتذارها كى تتجاوز الموقف ؛ حتى وان تجاوزت ما فعلت هل ستتجاوز هى ما ساعترف به..
انتهت من فتح قميصه فباغتته بقبلة طويله ناحية قلبه ورفعت عيونها معتذرة وهى تقترب منه اكثر
- هتفضل مكشر كده كتير...؟!
- هااا، لا ابدا مفيش حاجة! انا...
فجر بخفووت.

- إنت ايه ياهشام! كفايه اوى اللى حصل؟! ووسع صدرك شوية للحياه مش كده..
هز راسه رافضا جملتها واتبع
- مش كده قصدى اقولك إنى هاخد شاور..
- اممم ؛ تمام، يعنى مش حابب تتكلم؟!
رفع كفها لمستوى ثغره وقبله بعطر الاعتذار الذي يحمل رائحة العفو وقال
- هنتكلم هنروح من بعض فين!
اهتز جسدها اثر قبلة من شدقيه كانت ذات اثر خاص لم يترجمه قلبها ولكنه اسعدها كثيرًا وهى تخبره
- شايفه كلام كتير اوى فى عينك، كل ده عتب ليا!

- إنتى شايفة إنه عتب؟!
- عتب، زعل، حب، راضيه بأى حاجة منك..
اختتمت جملتها بقبله مدججه بشوق الايام التى قضتها بعيدا عنه بعدما وقفت على اصابع اقدامها لتبقي فى مستواه، فتصلب جسده ولم يبد اى رد فعل حتى ذراعيه بخلت من تطويقها، هى من بدأت غير مكترثة بردود افعاله الباردة التى اعتادت عليها كأنها الوحيده التى تحمل شوق العالم بين يديها..
ما تحركت يده إلا لتبعدها عنه بهدوء بدأه بابتسامه ندم واطرق
- مش وقته...

اكتست ملامحها بحمرة الحيره إثر رفضه الصريح لها
- موحشتكش ولا لسه زعلان!
- لازم نتكلم الاول يافجر...
- ما تتكلم، اتكلم انا سامعاك اهو...
تقهقرت خطواته للخلف منتزعًا حذائه هاربا من موطن ضعفه أمامها مفتعل بعض الحجج ليطول الوقت بينهم وقال
- هاخد شاور وارجعلك...
‏لا أستطيع أن أخبركِ أني حزين أو أن هذه الأيام لا تسير بشوكها على قلبى لا أستطيع أن أخبركِ أني أنظر لعينيكِ وكأن كل شيء يبدو جارحًا لروحى...

ولى ظهره حاملا بعض الاسرار فى جوفه التى اشتعلت حيرتها فى قلبها فنزعت حجابها مزفره باختناق وهمت فى التحرر من الملابس التى احضرتها بها لها وقالت بشك
- مالك بس ياهشام؟!
لم تعط للشيطان فرصة أن يستفرد بافكارها بل ذهبت هى الاخرى للحمام الاخر لتذيل طلاء الحيره من فوق جدار روحها..
وصل هشام للمرحاض ووقف امام المرآه طويلا يترقب ملامحه، عيونه المنكسره لاول مرة أمام امرآه، وبد شبح قلبه وعقله يتصارعان.

- لم تُحبها..
- ربما!
- إذا لماذا تعض على اطراف قلبك ندمًا!
فيجيبه قلبه
- لقد عشت معها شعور اول مره من كل شيء، وهذا سبب كافٍ لآحبها دائماً والى مآلآ نهآية...
- كُف عن المبالغة! وأخبرنى عما تريد فعله!
فتنهدت رئتيه طويلا واجاب قلبه
-ليتها بهذه البساطة، نتعانق و ينتهي كل شيءٍ سيء...
تفاقمت حيرته التى تحمل ذنب العصيان وذنب الحب فتطاولت يداه لتطيح بكل ما امامها جاهرا بصوت كالرعد
- غبى...

ليقف فى منتصف ساحه المرحاض حيث انخفضت نبرة صوته وكور قبضة يده حتى برزت عروق رقبته وتمتم
-انا ماحبتكيش ومش هشام السيوفى اللى يبقاله نقطة ضعف، عشان كده مش هقدر اخبى عنك حاجة زى دى ولازم انتى اللى تختفى من حياتى بمزاجك، لكن انا مش هعيش معاكى بذنب عهد مابينا انا اللى كسرته، انتى لازم تعرفى ولازم تبعدى...
فتح صنبور المياه ليطفئ نيران عصيانه وحبه واكمل صدح قلبه معترفا.

- حاولت تجاوزك ولكننِي لا أصلح للحب إلا معك، ولم أقَوى على إستبدالك فَقَررت أن اْبعدك عنى بارادتك، لذا فلتغفرين حتى وان كان ذنبى لا يُغفر..
انتهت فجر من اخذ حمامها الدافىء، فخرجت منه ملتفحة بمنامتها البيضاء وشعرها المبلل ينسدل بعشوائيته، فسقطت عيونها على صورة هشام المعلقة بزيه العسكرى فتبسمت شفاها وتمتمت.

- والله قمر بس لو تبطل رخامتك دى، بس هعمل اي بحبك! عشان كده قاعده على قلبك ويانا يانت ياابن السيوفى، ولو ماخليت الحجر اللى جواك ينطق مبقاش انا، هتشوف البنت الصعيديه هتعمل فيك ايه..
فتحت خزانتها واخرجت ملابسها الخاصة بمرح وما لبثت أن تتجه نحو المرآة لتصفف شعرها ففتح الباب هاتفًا
- ماشوفتيش تليفونى!
تركت الفرشاة من يدها واستغربت
- لا، بس ممكن فى جاكت بتاعك، انا جبته هنا استنى هشوفهولك...

تسكعت انظاره على مواطن انوثتها بلهفة انسته قرارته الحاسمه قبل دقائق وتمتم قلبه ( لا مجال لمُقارنتك بأي امرأة، أنت مُلفتة كونك أنت ) وهو يترقبها تتمايل لتبحث عنه حتى خاب املها ونصبت عودها
- مش فالجيب لا، طيب انت شوفته بره!
هام بها حتى فقد كل حواسه الاداميه، فعادت ان تناديه
- هشااام انت معايا!
- هااااا! بتقولى ايه!
تقدمت نحوه بهدوء
- بقولك عايزو ضرورى ولا ممكن اسرح شعرى واغير هدومى ونشوفه فين...

- لا فى مكالمه ضروريه لازم اعملها...
ثم احتدت نيرته وقال معاتبا
- انت مين قال لك تنقلى حاجاتى من بره اصلا..
رمقته باستغراب، ثم اجابته بهدوء
- فى ايه ياهشام!، الموضوع مش مستاهل العصبيه دى كلها..
فوضعت اناملها على وجنته متبسمه
- هشوفهولك فين، ولا تزعل نفسك..

القت جملتها الاشبه بنسيم الربيع وتسللت من امامه متجهه نحو الصاله لتبحث عن هاتفه فأحس بأن جبال الارض اتخذت ثقلها من اقدامه التى ترسخت بمجرد ما رأها، فالحب إن لم يجردك من كل ثقل فهو ثقل إضافي في حياتك لا يعول عليه حتى وان حاولت نكرانه حتما سيهزمك..

تابع خطاها بعد تفكيرا طويلا مع نفسه متعمدا قتل كل مشاعره نحوها حتى وصل إليها ووجدها جالسة على أحد ركبتيها تبحث عنه تحت الاريكة فازداد قلقها ثم وقفت واخبرته
- ممكن نسيته تحت فالعربية..؟!
فبات كبت مشاعره فى شحنات صوته الغاضبه
- لا انا متأكد أنه كان فالجيب، شوفى نفسك حطيته فين!
- حبيبي إنت مش واخد بالك إنك مبكر الموضوع شويه! هيتلاقي..

القت جملتها وهى تقترب منه بغرابة إثر انفعاله الغير مبرر، فجعلت من هدوئها صخب فى جوفه، وما لبث ان ينفجر بوجهها فباغتته باناملها التى وضعتهم على شدقيه متوسله بانظارها
- والله ما مستاهل، هنلاقيه...
انخفضت انظاره على منامتها التى ارتخت قليلا وشعرها المبتل الملفوف حول قلبه فجف حلقه الذي اخذ فى ترطيبه عدة مرات محاولا مقاومة جيوش حبه، فالعاصفة التى اثارتها هدوئها كانت حبه الذي تعمد اخفائه..

ساد الصمت بينهم وظل يتأمل عينَاها التى تشبه نُورِ القمَر، هَادئة، بَاردة، عمِيقة، مُمتَلئةٌ بالتَفاصِيل و الحَكايَا ولم يستطع مقاومتهم اكثر من ذلك..
رفع كفه وشرع ابهامه فى مداعبة شفتيها فغمغمت ببحة آنين
- انا ما شوفتهوش والله، بس.

التهم ما تبقي من جملتها بقبلة باتت خفيفة كنسيم الفجر الذي يشبها، ولم يستمر الوضع طويلا حيث انتقل ثغره ليوزع شهده على كل ما تسقط عليه عيناه فاشتدت اوتار جسدها محتميه بالحائط خلفها متكوره الايدى واصابع القدم مستسلمة لهجماته المستلذه...
فرفع رأسه عنها قليلا ليأخذ انفاسه بصوت عالٍ اشبه بعواصف اميشر وخرجت نبرة صوته نابعه من اعماق حبه
- عمرى ما شوفتك حلوة زى دلوقتى...

جملة كانت كافيه ان تقضي على صبار الوهم من جذوره حتى وارتمت بين كفيه شاعرة بأن الحياه تدفق من بينهما، إعتنقت حبك، واعلنت توبتي عن أي مذهب آخر من مذاهب العشق، أتيتكِ منهك وقد إحتويتني، إتخذت منكِ وميضاً ليكون النور في ظلمات طريقي واودعت خوفي وتشاؤمي ورميتها في زمن غير الزمن، قد أتيتكِ وبي طعنات بكل انحاء قلبي، وداويتني بترياق حبك الفريده.

بات ثغره يمطر بغيث الحب وبات شعرها يغرقهما معا بميائه، ليس ثمة سعادة أعظم من إدراك المرء أنه موضع حب فاصبحت يداه تتجول بحرية على ساحة جسدها كأنه أعلن امتلاكه التام لها، فاشتعلت المشاعر بينهم حتى لا ينعكس منها الا آنات استرخاء..

(منذُ أحببتك و أنا أشعُر بإن الأمان أصبحَ بكُل أجزاء جسّدي و الراحة قد تشبكَت بي، فَ حُبك يصنعُ مِن مُر الحيّاة إبتسامة لِي، )
لم يقاوم جيوشه أكثر فتدلت يده فجاة لتحت رُكبتيها وحملها بين يده ففاقت من مخدره وسالته
- ومكالمتك!
- مش مهم، مش مهم اى حاجه دلوقتى غيرك...
اتجه بها ناحية غرفتهما وركل الباب بقدمه ولازالت مسترخيه على كتفه برأسها واصابعها تتغلل فى شعره من الخلف فهمست لتسأله
- وحشتك؟!

بسطها برفق فى منتصف مخدعه وتهامس بنبرة شوق صادقه احستها تنبع من قلبها هى
- وحشتيينى، وحشتينى فوق ما تتخيلى...
فانكمشت ساقيها قليلا وهى تسأله بعيونها المشتاقه
- عقاب ولا حب!
حررها من منامتها لتبدو امامه كحوريه البحر التى حُللت إليه دونًا عن كل النساء ولفظ كلمته الاخيره قبل الغوص فى عالمه الخاص معها
- هتشوفى...

وهذا الخراب الذي بداخلنا يكفيه لمسة من يد أحبابنا، كلمة من معجمه الساحر، نظرة من تلك اللؤلؤتين كي نزهر بطريقة قادرة على إخراجنا من الضّياع في كُل مرة نقع في الحيرة...

- السؤال هنا أنا ازاى روحت البيت ده؟! بالسهولة دى انا اتخطف؟!
انتهى زياد من قراءه رسالة نانسي فتنهد باستراحة محارب ثم قفل هاتفه وشكر ربه سرا وعاد ليكمل حديثه مع سعاد فاردف جملته بعفويه مطلقه داعبت ابتسامتها فانفجرت ضاحكه وهى تقول
- خطط عمتك سعاد مش اى حاجه بردو...
- وبصمت بالعشره، بس افهم!
سكبت سعاد الشاى من الابريق وملأت الكوب واعطته لزياد وشرعت فالتحدث
- اخر حد كنت معاه مين؟! فاكر!

حاول عصر ذاكرته للايام الماضيه حتى جهر
- رهف، الزفته رهف كانت جايه تتكلم وتشبك المواضيع فى بعضها والحنيه الجباره اللى نزلت عليها وآكل وشرب وماتزعلش منى!
ثم صمت للحظة
- هى كانت حاطه فالاكل ايه!
لم تكف سعاد عن الضحك إثر حيرته وثرثرته امامها، فاجابته
- كان فيه اللى نومك ليله كامله..
ضاقت عيونه متوعدا
- ااااه يابت الل****
فأكملت سعاد:.

- وبس، اتنين من الرجاله اتولوا مهمه دخولك الفيلا، وبسمة بقي انا اخدتها لهناك بحجه إن المكان عاجبنى وعايزه اشتريه، وشكلها من تاثير النوم نسيت كل حاجه...
- هى خطة مفتريه آه، بس تاثيرها نينجا...
غمزت له بطرف عينيها متخابثه
- مكنش هينفع معاكم غير كده المهم اللى يجيب نتيجه.
ابتسم زياد
- لا، بس حضرتك مش سهلة بردو.
- ولا انت طلعت سهل، كلت عقل البنت الغلبانه فى يومين...
تبادلوا الضحكات معًا، فأكملت سعاد.

- لما يتقفل عليكم بيت واحد تتخانقوا وتتصافوا وتتواجهوا ومحدش يهرب من التاني اموركم هتتحل بسهوله، ودى أغلب المشاكل بين اى اتنين بسبب ( الهرب) زى ماانتو كنتوا تعملوا بالظبط..
ثم احتضنت كفه متوسله
- حافظ عليها يازياد واتعلموا من خطاكم، دى يتيمة ياحبيبي ملهاش غيرك فالدنيا
رمقها زياد باعجاب ثم قال
- تسمحيلى اقولك إنك قمر اوى...
فاسبلت عيونها اللامعه واجابته بمزاح.

- وتسمح لى اقولك إن لو بنت اخويا سمعتك هتقلب عليك تانى...!
- ياربي ياجدعان الواحد يبطل يعنى يقول كلمة حلوة فالبلدى عشان نعجب..
ربتت سعاد على ركبته ضاحكه
- لا ياناصح ادخل قولهالها جوة، متحرمش نفسك من حاجه وساعدها فى تجهيز شنطتها..
- متتصوريش انا شايل هم مقابلتى مع يسري بيه ازاى، مش عارف اقوله اى بعد ما نيلت الدنيا ولا هو هيعمل منى اى لما يشوفنى، حاسس إن اللى معملتهوش بسمه فيا هيعملو عمها..

سعاد بثقة وابتسامه خافته
- اللى عايزه العسل يستحمل قرص النحل يادكتور، سيبها على ربنا وكله هيترتب ويتعدل...
- يارب، هروح اشوف بسمه، بعد اذنك...
ترك كوب الشاى من يده واتجه نحو غرفة بسمة ذات الباب الموارب، فأخذه قلبه للوقوف خلفه يراقب حركاتها العشوائية فى جمع اشيائها حتى تقدمت خطواته تدريجيا وهو يفتح الباب فلحظته عيونها فتوقفت مكانها
- إنت جاي هنا ليه؟!
قفل الباب خلفه وقال
- اساعدك؟! ايه بلاش!

ألقت ما بيدها داخل حقيبتها وقالت
- والله انت رايق وانا مش رايقالك خالص!
استند بكتفه على الحائط وعقد ذراعيه أمام صدره
- انا لازم اروق طول منا شايف القمر قدامى، وحوار إنك مش رايقه ده أنا ممكن احله على فكرة..
- يااااسلام!
القت كلمتها بنبرة ساخرة قبل تتوجه نحو المرحاض فاتبع خُطاها مداعبًا
- ليه شامم ريحة سخريه وتقليل من امكانياتى!
- واير ايفير يعنى! هتعمل إيه!

- مممممم، هعمل كتير! خافى إنتى على نفسك ومتجيش تقفى فى وش القطر...
تناولت علبة الصابون السائله وبعض مستحضرات التجميل ودفعته من أمامها واكملت طريقها
- انا محتارة وهتجنن، يعنى احنا هنقعد هناك يوم ونرجع ولا هنطول، انا مش عارفه اخد إيه واسيب ايه!
- ما تخدينى أنا وسيبك من قراراتك العبيطه دى؟!
- انا قراراتى عبيطه يا زياد؟!
- ما بصراحة جو المخطوبين ده مش داخل ذمتى ببصله، ياشيخه هتروحى من ربنا فين!

انحنت لتهندم حقيبتها متجاهله تلمحياته العفويه وقالت
- اللى اوله شرط اخره نور...
اقترب منها وتعمد ضرب خصرها المنحنى بجنبه فاختل اتزانها وتمايلت إثر مداعبته المباغته وهو يقول
- بصى لى كده وقوليلى هتروحى من ربنا فين!
نصبت عودها المحمل بشرارة التهديد
- زياد، اتلم!
- يعنى ايه اتلم! فى واحده تقول لجوزها اتلم! ولما يتبعتر مع غيرها بره تزعلوا وتصوتوا وتجروا على محاكم الاسره...

وقفت امامه ببساله محارب واضعه كفوفها فى خصرها
- انت مش واخد بالك إن عمتو بره وعيب احنا قاعدين هنا وسايبنها...
- هو إنتى متعرفيش ان هى اللى بعتانى أصلا!
لوحت بكفها بنفاذ صبر
- يووووه، الواحد مايعرفش يتفاهم معاك ابدا!
ما لبثت ان تخطو فسبق خُطاها ذراعه المُلتف حول خصرها ليوقفها
- اهدى! مالك مش مظبوطه ليه من اول ما دخلت! للدرجة دى تأثيرى قوى...
ضحكت بصوت ساخر
- يابنى براحه على نفسك، الغرور ده غلط على صحتك!

- والمقاوحه دى بردو غلط على صحتى...
- زياد، عايز ايه، انجز؟!
رفع يده من فوق خصرها مستسلما
- مش عايز اى حاجه، انا قصدى شريف وحياة عيونك دول...
- ياحرام! ظلماك انا..
غير مجرى الحديث متحججًا
- احم، سمعتى الاغنيه الامريكانيه اللى نازلة جديد!
- لا مش بتابع...
اخرج هاتفه من جيبه متحمسا.

- فايتك نص عمرك، عارفه ليه! لان الاغنية دى اتعملت مخصوص للى زينا عشان تقرب العشاق من بعضهم اكتر، وكمان الرقصة بتاعتها مختلفة جدا عن اى اغنية تانيه!
حدجته بعدم تصديق
- وايه كمان...

- بصي ياستى هفهمك، الرقصة دى بتكون للراجل وبس والست تفضل واقفة فى مكانها ثابته متتحركش مغمضه عينيها ومسترخيه وبتسمع للموسيقي وبس، زى ماانتى ثابته كده بيبدا الشخص التاني اللى هو أنا طبعا يرقص حوليكى ويتعمد يرقص مشاعرك وقلبك على لحن الاغنية...
بسمة بنفاذ صبر
- ايه الهبل ده؟! انت بتابع حاجات غريبه اوى..
- انا كده، ماليش فالتقليدى، تجربي!
- اجرب إيه...!

- الرقصة، هى تعتبر اختبار لذكاء الرجل فالتعامل مع حبيبته، عشان كده فيها شرطين اتنين..
- كماان؟!
-مدة الاغنيه ٦ دقايق، الاول مش مسموح غير لايدك بس اللى تتحرك معايا، والتاني تفضلى ثابته لحد نهاية الاغنية، ولو اتحركتى ابقي أنا اللى فوزت، ولو فضلتى ثابته ابقي انا اللى خايب ومابعرفش اتعامل معاكى، اد التحدى!
اتسعت ابتسامتها تدريجيا وراقت لها التجربه و
- اتفقنا، يلا..

- تمام غمضي عينك واسرحى مع الموسيقي وسيبى نفسك خالص، وانا هشغل الاغنيه....
اشتغلت الاغنية الاجنبيه بلحن هادى ووقف زياد خلف بسمه مداعبا جدار عنقها بانفاسه فقط التى اشعلت النيران بقلبها من قبل ما يتلامسان، وما لبثت أن بدات كلمات الاغنيه الناعمه بحرافيه رفع ذراعيها لأعلى وشرعت يداه ان تتدلى تدريجيا حتى مسحت عظام صدرها ورست فوق خصرها...

انخفضت ذراعيها بهدوء وشرع هو بالدوارن حولها ولازال ذراعه مطوقاً خصرها، فأعلنت شراينها الهزيمه ببروزهم، وتهامس قبله
لم أكن مخطئًا حين أحببتكَ، ولا حين عشتُ هذا الحُب معكَ ولا حين كتبتُ لكَ وعنكَ، وبكامل إرادتي لو أنني اخترت أن أحبّ من جديد لما اخترت غيرك، أنت وحدك رفيق قلبي وروحى وملاذ جسدى..

لم يكف عن الدوارن حتى هدأت كلمات الاغنية مرة ثانية فوقف خلفها وضمها إليه وشرعت سحب حبه تمطر بقُبل الشوق على جدار عنها حتى احس بانينها المكتوم تحت يديه ولكنها لازالت تقاوم، استمر هدوء الاغنيه قرابة الثلاثين ثانية من التعذيب المستلذ حتى تبدلت من حال لحال وقُرعت صولت طبول الموسيقي والكلمات وتسرعت لمسات ايدى زياد العشوائيه التى تكتسح ما ترغبه من جسدها بحرية قتلت تمردها وكبريائها، واحييت مشاعرها الانثويه التى تعمد اللعب على اوتارها...

‏هل تعرف معنى أن تطوقك رائحة أحدهُم لمدة طويله، أن تشعر بلمساته، أن تتذكر أول كلمة بينكما أول نظرةٍ نظرها إليك، أول مكان جمعكُما سويًا، أدق التفاصيل في ذاكرتكَ حتى الآن وكأنَّ هذا الوقتُ كله لم يمضي..
تكورت ايدها وبللت حلقها الجاف عدة مرات حتى تشبثت بمعصمه متوسله بصوت متعب
- زياد كفايه...
اقترب منها ببراعه عاشق متدرب متخذا وضعيا رقص ( سلوو) وهمس منتصرا.

- هتستسلمى من اول ٣دقايق! كنت فاكرك اجمد من كده..
اصبحت كالدميه المتحركه في يده ونطقت بصوت خافت
- بجد خلاص، انا استسلمت..
اتسعت ابتسامته لوصوله لغرضه واتبع بنفس نبرته المُحتاله
- نسيت اقولك إن فى حكم على اللى يخسر..
صوته كان قادرا على احتضان قلبها وروحها فى انٍ واحد، وخلق جميع انواع البهجة بصدرها، ‏حُبه مختلف حد التورط ا تدرك ما معنى ان كل ما بك متورط لدرجة انك لا تستطيع ان تتخلى عنه يوم مااا!

حاولت الابتعاد عنه ولكنه احكم قبضته عليها وقال
- مافيش مفر، وافقتى تلعبى يبقي تكملى للاخر..
- واى العقاب طيب!
- للاسف ماينفعش يتقال..
ثم همس بحب ملأها بالدفء
- مش هعتذر، بس هقولك (بحبك) واسيب الحب هو اللى يعتذرلك بالنيابة عنى، مسمحانى!

احتضنت العيون بعضها قبل الاجساد وتبادلت الابتسامات فارتمت فى حضنه مختبئه من وحشة الايام متكئه على جدار قلبه دافنه رأسها فى عنقه كالطفل التى يأبى ترك أمها وقالت جملتها الاخيره قبل ما يتركان العنان لاجسادهم عن التعبير...
- قلبى مايملكش حاجه معاك غير إنه يسامحك...

ايام وينتهى الشتاء المحمل بعطر الذكريات ولم يأت غيث التمنى حتى الان، شتاء كانت به البدايه وتوالت النهايه حتى حسمها الشتاء ايضا، لم انس سويعات من الانتظار على غذاء الامل فالعودة، لم انس دموع فاضت منى ولم تتسرب معها، لم انس برودة حروفى التى كُتبت إليك ولم تضمها بدفء قراءتك لها، لم انس ركضى ملهوفة نحوك فصفعتى بندبة الرفض، لم انس ايام بتُ اشكيك للليل واشهد نجومه عليك، فلا يؤذي روحى شيئا اكثر من بقائها عالقة فى مكان لا تنتمى إليه..

( فى عشق بيستنانا، وعشق بنستناه، وعشق بينسينا العشق اللى عشقناااه )
اعدك بإننى العشق الذي سينتظرك حتى تتقفل كل الابواب بوجهه، العشق الذي يرفض ان يرتدى محبس الاعدام لشخص غيرك قبل أن تفعلها وتهب قلبك بين اصبعى غيري، واقسم لك بإنك لا تُنسي بقبيلة من رجال الارض لانك بعينى كلهم، فعد لنلتئم وكأننا جرح، بقلبى تفاصيل لا تعاش إلا معك.

- مجدى، اعملك اي تاكله!
اردفت رهف جملتها وهى تقف خلفه فى غرفة نومه عائد لمرقده من الحمام فتنهد بتعب، واجابها بمزاح
- مش كفايه الرصاصه يارهف! هيبقي تلبُك معوى كمان!
ظلت ترمقه بعيونها المتأرجحه بين الشفقه والاغتياظ، ورددت
- نينيني! ايه خفة الدم دى؟!
فضحك متنهدا وهى يبسط ظهره مستندا على الوسادة و
- طول عمرى! انكرى بقي..
- يلا عشان تعبان وبس هسيبك تتغر فى نفسك...
اصدر مجدى إيماءة خافته.

- امممممم! نظام خده على قد عقله يعنى..
- او خده على اد مرضه لحد مايخف...
-شوفتى بقي مين اللى بيستظرف!
فاسبلت عيونها ببراءة
- إنت اللى بدأت على فكرة..
- انا الراجل وانا حر! عاجبك ولا مش عاجبك!
اندفعت نحوه بطريقته المعتادة لتجلس بجواره على طرف فراشه متلعثمه
- لا ياباشا حقك، وانا اتكلمت...
انعقد ما بين جبينه كاتمًا صوت ضحكه مكتفيا بابتسامه واسعه تلألأت بها عيونه وقال بفظاظه مفتعله.

- ااااه اهم حاجه، انا بحب السيطره فى بيتى، مش بحب الست اللى تناكف معايا، خليكى فاهمة كده..
تبدلت ملامحها ممتعضه
- ياسلام! افهم من كده إنك هتمحى شخصيتى! لالا كله الا كده..
اطبق ساقه المنفرده فوق الاخري بشموخ وهبيه
- ااه همحيها عادى، لانها مش عاجبانى!
بدا القلق يغلف نبرة صوتها
- يعنى ايه مش عاجبك، انت هتعمل فيا إيه لما نتجوز!
واصل اللعب فوق اوتار قلقها بفظاظته المصطنعه.

- انت متتكلميش خالص ؛ اخوكى باع وانا اشتريت، وحرية التصرف من حقوق الملكيه...
- مجدى، اى الأسلوب ده! وايه الهبل ده..
ثم وثبت كالملدوغه من مكانها مشيره بسبابتها وبنبرة تحذيريه مغلفة بالثرثره
- لا بص انا كده ومش هتغير عن كده لو مش عاجبك شوفلك واحده غيري لكن هتقلل منى وتغير فيا، لالا ماينفعش معايا انا الكلام ده، انا بحذرك أهو..

زاح مجدى الغطاء من فوق قدميه ووثب قائما بهيبته الجذابه ودنا منها بخطواته المتزنه حتى وقف امامها متغزلا بانظاره التى تعاكس تمثليته التى لم تستمر طويلا و
- وانا بحبك وهحبك كده ياستى...
تأرجحت عيونها المرتفعه لمستوى عيونه
- اومال اى معنى كلامك اللى فى الاول..
امتدت يساره لتداعب خصيله من شعرها ويرجعها خلف اذنها فانتفضت شفتيها وجفونها إثر لمسه من يده واعقب على كلامه.

- قصدى إنك ما ينفعش تكونى مراة مجدى السيوفى وتدلعى كده على حد ومع حد غيره حتى اخواتك، ااه سورى يعنى اصلى بغير، وكمان مراتى دى هتكون ضهرى وسندى فلازم قوتها تكون من قوتى يعنى مش تنهار وثقتها فى نفسها تتهز بمجرد كلمه...
ثم دنى منها خطوة سُلحفيه حتى باتت المسافة بينهم لا تُذكر
- مسموحلك تضعفى فى حالة واحده وبس، ثم غمز لها بطرف عينه واكمل فى حضنى
خُدرت من كحول حب فتمتمت بنبره خافته
- مجدى!

- مخلصتش كلامى...
- كلام ايه!
- وسام الفشل اللى انتِ فخورة بيه ده وانا نفسي فخور بيه هنكسره عشان أنا مش هقبل لك بأقل من إعلاميه فى اكبر المحطات التلفزيونيه، وابقي جوز الست المذيعه رهف السيوفى...
- ولو معرفتش اعمل كده، هتبطل تحبنى بردو؟!
اصدر بشفتيه صوتا نافيا واتبع.

- تووو، ايه دخل الحب والمشاعر بالشهادات وانى عايز ابقي فى ضهرك لحد ماتوصلى لمكانه تفرحك، ولو محصلش ياستى كفايه عليا وجودك فى بيتى وقلبى، ده اعظم انجاز أنا حققته..
- ممكن اسألك سؤال؟!
- هما ابويا وامك لسه بره؟!
- آه بيتكلموا فالليفينج رووم...
- عايزه تسألى ايه؟!
- انت بتحبنى من إمتى!

- يااااااااه، السؤال متأخر اوى، بس هجاوبك ياستى، حبيتك من اليوم اللى كنت لابسه فى فستان أحمر وسايبه شعرك ولا طوق ورد ورايحين نحضر فرح جماعه قرايبنا...
انقعد جبينها باستغراب
- ده أمتى ده! انا عمرى مالبست فستان احمر وطوق ورد..
- اااه مانت مش هتفتكرى لانك كنتى وقتها ٧سنين باين!
ضربته بقبضته باغتياظ
- اى الرخامه دى انت هتسرح بيا ياعم انت...!
- الله مش لازم اقولك الحقيقه! اكذب يعنى؟!
اطرقت باستيحاء ثم اتبعت.

- مجدى، اسفه! اسفة على سذاجتى وغبائى وانى كنت عمية عن حبك، بجد يعنى سورى ومرسيه لانك وقفت جمبى ومستغنتش عنى...
زام شفتيه ممتعضا
- وايه كمان، فى سورى كمان ناقصه!
هزت كتفيها لامباليه
- لا كفايه كده انا خلصت!
- يعنى مفيش سورى على اكلك البايظ اللى كنت اكله كل مرة واروح اعمل غسيل معده بعدها، مفيش سورى على البونيه اللى اكلتها من ايد زياد، مفيش سورى انى هتدبس فيكى واستحملك بجنانك وتفاهتك...

كتمت صوت ضحكتها واجابت بهدوء
- لا مفيش!
فوضع ابهامه على شفتيها وعقب
- لا هو مفيش سورى ابدا، انتى اقتلى القتيل بس وتعالى نتاويه سوا، اى رايك!
بات حبها مقدسًا فى قلبه وقلبها لا يرتد عنه ابدًا، فالروح دائما تميل لمن يتقبلُها كما هي، بحُزنها وقلة حيلتِها وانطفائِها واخطائها، زاغت الاعين فى بعضها حتى قفذ قلبها كلمة طال انتظارها
- مجدى، أنا( بحبك ).

كلمة جعلت من عيناها موجًا له ليبحر فيهما، خفق قلبه لمجرد سماعها بعد اعوام من التجاهل والركض ولكن حبه لها كان كافيا أن يأتى بها مجرورة من ضفائر قلبها إليه، اتسعت ابتسامة الانتصار على وجهه وهو يدنوها منه بذراعه الايسر الذي طوق خصرها وشرع أن يميل نحو شطها ليرتوى من عطش صحراء الصبر، وتمتم
- اخيرا؟! وانا بحبك يا أجن مجنونه فالدنيا...

اصابته رغبة مُلحة فى تضميد شفتيه المجروحه بشفرات البعد فلم يجد منها سوى عيون مغلقة وقشعريره خفيفة فى جسدها انتابت قلبه، فما لبث أن تلامس بشفتيه شفتيها الرطبة فرفع وجهه قليلا لتحظو جبهتها بالقُبلة بدلا من فوهة ملاذه الاول والاخير ثم ضم رأسها لصدره هامسا
- كل حاجه فى وقتها أحلى، مش كده؟!
استكانت بين يديه مأومة بالوافقة هى تطوق خصره بقوة
- حاسه إنى مش عايزه اسيبك ابدا..

- ماهو مش بمزاجك على فكرة، ده غصب عنك مفيش بُعد تانى، عارفه ليه!
- ليه؟!
- لانك رهف ولين ورقة قلبى وسط عالم كله حروب...
‏انها تُشبه اللون الثامن من ألوان الطّيف والحَرف التاسع والعشرون في الأبجدية، للحد الذي ظننت فيه إنها مستحيله وها هى الان تتوسط ذراعى تحديدا، لا أعرف الكمّ الذي أحببتك به ولا الطريقة التي أتخذها في حبك كل ما أعرفه أن بقربك يموت العالم جميعه وفي حبك تشرق شمسي وتعلن بداية يومي.

- شايف إنه ينفع! انا مش عايزه حاجة تخسرنى ولادى يا منير...
اردفت عايده جملتها بنبرة حائره خائفه وهى تقترب من النافذة الموصدة، فاتبع خُطاها مرددا
- ليه! كلهم اتجوزوا وبداو حياتهم، ما نفكر فى نفسنا شويه ونعيش يومين معرفناش نعيشهم زمان...
تتابعت ندبات الماضي والفرص الضائعه التى ابعدتها عن حبها وفرحة قلبها الاول وتنهدت.

- ياااااه، تفتكر العمر فيه كام عشان نضيعه فى عند وانتقام وغرور! هو ليه البنى ادم غبى ؛ ليه دايما بيختار الطريق الصعب، ليه مابيديش فرص عشان قلبه وحياته اللى مش هيعيشها غير مرة واحده وبس!
- واهى جات الفرصه ياعايده، زى ما قولتى العمر فيه كام تانى عشان نضيعه..!
- اللى خلاه ما نفعش زمان هينفع دلوقتى!
وقف امامها متكئا على الحائط بكتفه واجاب.

- الفرق إننا زمان محاربناش وضيعنا الفرصه، دلوقتى نحارب عشاننا وانا واثق إننا هنوصل!
- من رايك إن الحياه ممكن تضحكلنا بعد العمر ده!
تجاهل سؤالها و
- لسه بتحبينى! لسه منير الولد ابو ٢٠ سنه جواكى! انا بقي لسه جوايا الطفله عايده اللى ١٥سنه كانت تيجى مع مامتها فى زيارات لاهلى..!
خيمت لحظات اليائس على صوتها.

- ساعات الواحد بيتجبر إنه يعيش ايام لا كانت باختياره ولا كانت فيها فرحته، بس كان دايما متعلق بذكريات عاشها زمان بيتونس بيها من بشاعة اللى وصله..
احتضن يدها ودنا منها خطوة
- يعنى لسه بتحبينى!
اغرورقت عيونها بدموع الفرحه والحزن معًا
- ولا عمرى حبيت غيرك..
رفع منير كفها لمستوى ثغره وطبع عليها قُبلة طويله اصابت قلبها بسيف الحب الذي شقه لنصفين فنبتت ثمار الحب الدفين لاعوام وهمس
- بحبك يا عايده هانم.

لم تلبث ان تجيبه ففوجئ بصوت مجدى مجلجلا
- الله الله، ابويا وامك يارهف! هى حصلت! اى جو العشق الممنوع ده...
فاتبعت رهف كاظمه ضحكها
- احنا مش كبرنا ياماما على المواضيع دى! ماتشوف ابوك ياعم مجدى..
عايده بارتباك
- اى كبرت دى؟! لا انا لسه صغيره وحلوة زى مانا يابت إنتى؟!
- يااسيييدى! وايه كمان ياست ماما؟!
تدخل منير بوجهه الواجم وهو يقفل زر بدلته بفظاظه ونهره
- ما تتلم ياد انت وهى؟! انتو هتنسوا نفسكم ولا ايه!

مجدى ساخرا
- بصراحه إنتو اللى بتحطوا نفسكم فى موضع الشبهات، واحنا جيل دماغه ضايعه مش بتفكر غير فالشبهات دى!
فتتدخلت رهف بتخابث
- مجدى هو إمتى الراجل يبوس ايد الست!
- على حسب خبرتى مفيش بوس اخوى بين راجل وست! تفتكرى ايه الحوار..
ضاقت عيون رهف المتخابثه
- هاا ياست ماما، اى الحوار عشان نفهم وبلاش تسيبونا لدماغنا المتركبه زمان دى!
ارتبكت عايده اكثر وهى تجوب بلا مقصد.

- منير، اتصرف مع العيال دى بقي، لان التعامل معاهم بقي لا يطاق...
فجهرت رهف
- ياااماما داحنا ستر وغطا عليكى! كده بتغلطى فينا..!
ثم همست لمجدى
- ابوك بيشقط أمك، انا مش متفائله..
فضحك مجدى
- اذا كنت انا نفسي اشقط أمك، اسكتى...
فجهر
- ما ترسونا على الحوار! هو في حب قديم ولا ده حب جديد وبركة البينج والمستشفى اللى كنت محجوز فيها!
توترت نبرة صوت منير قليلا ثم جهر بفظاظة مفتعله.

- انا وعايده قررنا نتجوز..، اى رايكم!
تقاسمت معالم الدهشه والذهول على ملامح مجدى ورهف وغيرهم من الحيره والخجل على ملامح عايدة، فاتبع مجدى متفشيا
- اااااه هى وصلت لجواز يبقي الموضوع حب قديم، عشلن كده حضرتك كنت رافض جوازى من رهف!
تدخل عايده بعدم تصديق
- انت يامنير كنت رافض جواز مجدى من بنتى؟!
منير محاولا تبرير موقفه ونظرات العتب تحدق ابنه
- انا، انا كنت رافض؟! انت بتتبلى على ابوك ياولاه..

- مش بقول اللى حصل!
اخذت عايدة مسار الحديث
- كلمنى هنا يامنير وسيبك من مجدى، ليه ان شاء الله مش موافق على بنتى!
- انتى هتصدقى الولد ده يا عايده؟!
- وهو هيقول كده ليه!
جزت رهف على اسنانها
- ولعتها يافالح؟!
- اصبر دقيقتين بس وهتلاقي أمك اتثبت، منير ده نمس وهيبهرنا..
- انت فرحان بالفتنه اللى عملتها..!
- فوق ما تتخيلى دانا مبهور بنفسي! اطلع عليه اللى كان بيعملو فيا...
ثم اخفضت رهف صوتها.

- طيب تعالى انت معايا نعمل شوربه ونسيبهم هما بقي يتصرفوا مع بعض...

- جهزتلك أكل هتاكل صوابعك وراه..
جملة انبعثت من قلبها الممتلىء بحبه الفائض الذي انسكب بشراينها وبيدها مائده الغداء، فاعتدل هشام من نومته وهو يطفئ سيجارته متنهدا
- قولتلك مش جعان، انتى اللى مصممه تتعبى نفسك!
- ولو متعبتش ليك يا هشام هتعب لمين يعنى..!
ما لبثت ان انتهت من جملتها الاخيره فوضعت المائده فوق المنضدة واكملت
- هاكلك بنفسي؟! اتفقنا!
- اشمعنا!

تناول (فانلته ) السوداء التى بدون اكمام، وشرع فى ارتدائها ففوجئى بكفها الصغير يعاونه فسطعت عيناه على صحن وجهها الاشبه بالبدر فى ليلة تمامه، وسألته بابتسامه
- بس اى الرضا ده كله! إحنا نولنا العفو بسهولة كده، بص انا مش عايزه احسد نفسي عليك واحسدك، بس خليك كده على طول...
لازالت ملامحه منكمشة، مغلفة بطلاء الكتمان وسألها
- كده ازاى يعنى..!
إحمرت وجنتيها بحمرة الخجل واطرقت فى استيحاء.

- عارف رجعتنى لأول مرة كنا فيها سوا، لاول مرة احس إن روحك اللى حضنانى مش دراعاتك وبس، وبعدين ما تفتح دماغك معايا يا هشام، مالك مقفل كده ليه؟!
استدارت برشاقه وتناولت فرشاة الشعر وشرعت فى هندمة شعره بحب واكملت
- بذمتك فى واحد يكون ده ريأكشنه مع مراته اللى بتعشقه؟! ودايبه فيه! هو فى حد الايام دى لاقى حد يحبه ياجدع إنت...!
- مبسوطه!
- طايرة، طايرة بيك، قول لى بقي إنت اتبسطت ؛ حاسس بايه دلوقتى!

- انا اكتشفت إن عمرى ما بقيت مبسوط غير معاكى!
- بجد ياهشام!
ربت على ظهرها بحنو ثم احتوى معصمها برفق واجلسها على طرف الفراش امامه وقال
- اقعدى هنتكلم..
- والاكل؟!
- مش هيكون لى نفس اكل حاجه غير لما نتكلم..
انعقد جبينها بحيره وهى تتفحصه بعيونه المنكمشه وقالت.

- استنى، لو كنت هتعتذر على اللى فى بالك انا مش زعلانه والله، اى نعم انت كنت رخم شويه وزودتهم معايا بس مهونتش عليك فالاخر، صح! بس متكررهاش تانى! كنت هموت فى ايدك.
وسرعان ما فتحت ذراعيها وضمته بحنية أم ومسحت على شعره من الخلف بعد ما وشوشت له فى آذانه بسر بينهم اتبعته
- أنا بعشقك فى كل حالاتك ياهشام، مفيش ما بينا كده..
كانت جيوش حبها تمزق قلبه اربًا فاكتفى بقبله على كتفها وابعدها عنه وقال باسف.

- انتى ازاى كده؟!
باتت مشاعرها مخضرمة، فسألته بتعجب
-مش فاهمه! مالى؟!، كده ازاى يعنى!
ولى ظهره، فهو اضعف من أن يواجه بعيناه حقيقة جريمته
- ازاى قادرة تدى كل الحب ده لواحد مقدمش ليكى اى حاجه!

- مين قالك إنك مقدمتش ليا اى حاجه! وجودك بس حياة أنا عشت محرومه منها اكتر من ٢٠سنه، عطيتنى قلبك وانا اللى استغبيت ومحافظتش عليه من أول مرة، شايله اسمك ودى حاجه كفايه تخلينى افتخر بيها قدام العالم كله إنى مراة هشام باشا السيوفى...
ثم ابتلعت ريقها ودنت منه خطوة سُلحفيه ووضعت كفها الصغير على قَطنية ظهره واكملت بنبرة مهزوزه موشكة على البكاء.

- عطيتنى حتة منك وبردو مقدرتش احافظ عليها، وقفت جمبى فى شدتى فالوقت اللى كان حقك فيه ترمينى عمرى كله فالحجز، عطيتنى ريحتك الساكنه فى كل حتة على جسمى اللى متونسه بيها، اديتنى آمان معشتوش من سنين طويله اوى...
ذابت فى النشيج حتى وصلت روحها لمرحلة الغليان واكملت.

- وبعد ده كله عطيتنى فرصه تانيه إنى متحرمش منك واكمل الباقى من عمرى معاك، كل ده مش كفاية إنى افرشلك عشانه حضنى ورد حتى ولو هتصب فيه شووك! ليه بتقول كده يا هشام، ليه مش عايزنا نعيش حياة هادية؟!
تضرم هشام عليها
- وان قولتلك إنه مش كفايه يا فجر، وانى أنا اللى مستاهلش البصة فى عيونك كل صبح..
نشجت وتردد البكاء فى صدرها بدون انتحاب
- ليه بتقول كده! على فكرة بقا هو مش بمزاجك...

فركت كفيها بهدوء محاولة التحكم فى اعصابها واطرقت ارضًا متوسلة لجفونها بالتوقف عن التقطر حتى اطلقت ابتسامه من جوف الحزن وقالت
- انت بتقول كده عشان سمعت كلام مجدى وروحت عند زيدان! بس انت اكيد عارف إنى روحت هناك عشان اساعدك خصوصا إنى كنت عارفه يوم ما خرجت من هنا انك رايح لمايان ؛ وبردو مسألتكش لانى واثقه فيك يا هشام وواثقه فى قلبك اللى قال كلمة بحبك مليون مرة مع إنك لسه منطقتهاش!

ثم تحركت لتقف امامه وتشحذه بعيونها المتيمة
- رد عليا بدل ما انا بهاتى مع نفسي كده! انت مش زعلان منى عشان موضوع مجدى لانك سامحته هو، مش معقولة مش هتسامحنى انا كمان! صح! قول صح وحياة راحة قلبك اللى بتلاقيها فى حضنى..
غاصت فى عتمة حيرتها فما لبثت أن وجدته يضم رأسها الى قلبه وينهال عليها بالقُبل مغمضا جفونه متذوقا لذة الحب فى حضنها، فابتعدت عنه متوسله
- قول إنك سامحتنى، ومش زعلان...
هز رأسه نفيا.

- مش زعلان يافجر، مش زعلان..
اتسعت ابتسامتها بطيف أمل جديد
- زعلك عندى غالى قوى ياهشام، متقساش عليا وتزعل منى...
انتهت من جُملتها الاخيره ثم وصلتها بموضوع آخر و
- على فكره موضوع ست سلمى ده ولا فرق معايا ولا هزنى اصلا، صح! هى مش فارقالك انت كمان؟!
- مش عايزه تعرفي قصتها قبل ما تحكمى؟!
فجر بنبرة متأمله
- لو هتوجعنى واشوف الحب اللى فى عينيك ليا لمع لواحده تانى بلاش، بلاش تعمل فى قلبى كده...

سحبها من معصمها وجلس الثنائي معًا، وهو يقول
- بالعكس، هى اللى وصلتنى للحالة دى! للحالة اللى مش عارف أكون فيها هشام الحقيقي معاكى، حتى بعد مااااا...
- ماا ايه ياهشام!
اجابته على سؤالها اعتراف صريح عن دواخله التى تعمد اخفائه، فتجاهله عمدا وشرد متذكرا بعض كوابيس الماضى وقال.

- ( من ١١ سنة اتقابلنا صدفة فى خروجه، كان ما بينا اصدقاء مشتركين، اتشديت ليها وبدأت احس بطعم مختلف للحياه معاها، كانت ليا قوس قزح فى ابيض واسود ايامى، كنت اهرب من مشاكلى مع وابويا ليها، اول ما اشوفها كنت بنسي الدنيا، حسيت معاها بطيش المراهقه ورزانة المسئوليه كنت كل حاجة معاها نسخة جديده خالص غير نسخة عماد السيوفى اللى رباها ).

تقمصت دور كل امراة كانت لها علاقة به واعتصرت قلبها وربتت على كفه وقالت بصعوبة بالغة
- كمل ياهشام، سمعاك يا حبيبي، كمل..
احتضن كفها الموضوع فوق كفه بنظره من عيونه واكمل.

- ( كانت من عيلة ميسورة، باباها تاجر فاكهه واخواتها شغالين فى ورشات وهى كانت داخله جامعة خاصة بمنحة لانها كانت جايبه مجموع كبير، المهم إن كل الشكليات دى مفرقتش معايا وكنت مستنى اخلص اخر سنة واتقدملها، واتخرجت وفاتحت ابويا فى الموضوع قال لى هعمل عنها تحريات ونشوف، بعدها بأسبوع لقيته بيقول لى تنسي البنت دى نهائيا، ومن غير ما ادوشك فى تفاصيل كتير ووصلت معاه لحيطه سد سبتله البيت ومشيت وقعدت مع ابوها لوحدى واتفقنا، وطلعت بعدها مأمورية غبت حوالى شهر ورجعت ناوي نتجوز ونتمم كل حاجه، ).

تبدلت نظراته من الحسرة السخرية واكمل
- رجعت لقيتهم غيرو مكانهم، ملهمش اثر فالبلد كلها، كنت هتجنن، عارفه يعنى اى جايه بكلك أمل عشان تترمى فى حضن حياه معينة تتفاجئى بانها اختفت، ملهاش وجود!
ثم اخفض نبرة صوته المعاتبه
- زي ما انتٍ عملتى بالظبط..
فأخرج زفير الوجع من جوفه واتبع.

- بعدها بفترة عرفت إن عماد السيوفى شم خبر عن اتفاقى مع ابوها وعطاهم مبلغ كبير اوى عشان ينقلوا من المنطقه، لا ومش بس كده جابلها منحة فى اكبر جامعات أمريكا عشان يبعدها عنى، وملحقتش افوق من كل ده عرفت بالصدفه انها اتخطبت لاعز صحابى )
- وبعدين!
اكتست الحسرة صوته واتبع.

- (متكلمناش، هى نفسها محاولتش تبرر موقفها، باعتنى عشان منحة وشوية فلوس، اتحولت لواحد قذر انا مش عايز افتكره، سهر وشرب وستات، بقيت اشوفهم كلهم عينة واحده، ومن ساعتها فقدت الثقه فى كل بنت وبقيت بكره الحب، واى بنت بتحب بتكذب! هى بتحب الشو والمنظره لكن مفيش واحده هتحبك عشان شخصك، بقيت ماشي بنتقم من كل البنات ومن نفسي، كنت أخطب واعلق بنات الناس بيا واطنشهم، الوضع ده استمر ٤ سنين لحد ما طلعت مأمورة ونجيت منها بمعجزه إلهية وبدات افوق لنفسي وابطل كل حاجة تغضب ربنا وعافرت ووصلت، بس فشلت إنى ارجع قلب هشام بتاع زمان، بقيت بنى ادم من غير قلب مفيش حاجه ممكن تهزه، ).

اغرورقت عيونها بالدموع على حالته واسراره التى كشفها امامها، فتنهدت بأمل
- ياريتنى عرفتك قبلهم، ياريتنى! مش انا كنت أولى بالحب ده كله...!
سبحت عيونه فى مياه همومه وهمس متمنيا
- ياريتك، وقتها كنت هستاهل حبك وقلبك بجد، وهتلاقى العوض اللى يستحقه قلبك..
نفضت غبار اوهامها من على راسها، وتحدثت لتلطف الجو.

- إحنا فيها، وانا معاك لحد ما اوصل بيك وبقلبك لبر الامان، انت زنيت وشربت وعصيت ربنا وتوبت، خلاص يبقي نخلى ايامنا كلها توبة لاخر العمر عشان نتجمع فالجنة سوا...
- هترضي بشخص مصدى يافجر، شخص شايفكم كلكم عينه واحده قلبه مش عارف يصدق ان فى الكويسه وفيه الوحشه!
احتوت بكفها وجنته واعقبت.

- كل ده كان ماضي، ماضي ياهشام، عفش بيت قديم واتغير، اى لازمته بقي كل ضيف يجى نقوله هنا كان فى عفش قديم، وانت بتقول اديك توبت وربنا غفور رحيم، فين المشكلة بقي...
- فيكى؟!
- أنا! انا مسامحاك ياهشام، ماضيك كله ولا يفرق معايا، انت ابن اليوم اللى اتكتبنا فيه على اسم بعض، فين العدل إنى اعاقبك على سنين انا مكنتش موجوده فيها، روق يانور عينى، وانا جمبك ومش هسيبك ابدا...
ثم اشرقت بنور أمل جديد.

- فك بقي وبكرة اللى جاى احلى طول ماانا وانت سوا، تعرف هيكون عندنا اطفال كتير كتير انا صعيديه وخاف منى بعشق اللمه والعيله، الله وتبقي انت ابوهم وهنضحك وهننبسط وهننجح وهنربيهم سوا وايدى في ايدك لحد ما نبنى قصر الحب اللى مابينا ده طوبه طوبة..
- ليه، ليه عايزه تتعبى نفسك فى رحلة مرهقة زى دى! رحلة ممكن تخسري فيها متكسبيش اى حاجة...
تنهدت تنهيدة حاااار اشعلت الوجع فى قلبه.

- بعشقك، اتكعبلك فى عيونك من اول مرة شوفتك فيها وكنت بكابر، عشت معاك حلمى اللى سجنته بين جلدتين رواية قريتها زمان، انت بقي احلى رواية أنا عشتها...
لم تكن ممحاة لماضيه اللعين بل اصبحت قلما لحاضر ومستقبل بهما بث وميض الامل بجوفه، ولكنه صدح صوت عهده عندما سقطت عيناه على المصحف وقال
- فجر، احنا بينا عهد، مش كده!
- مخبى عنى حاجة!
وقف متجولا فى ساحة الغرفه بعشوائيه.

- مش هطلب منك تفضلى او تمشي، هيكون قرارك إنت بعد الكلام اللى هقوله...
وقفت خلفه وتنهدت بكلل
- انت غلبتنى والله، يابنى ادم افهمك ازاى إنى بحبك ودايبه فيك، اجيب ميكرفون وانزل الف فى كل الشوارع اقولهم انا محبتش غير البنى آدم المعقد الرخم اللى هيجننى ده...
ثم تحمحمت بنبرة اجشه واطلقت روح الفتاة الصعيدية بجوفها
- وبعدهالك عاد يا ولد السيوفى! ما تلييم دورك حدى والا، انا عحذرك اهو.

ألقى عليها نظرات احس بإنه يودعها، فمن فرط عفويتها خرطت قلبه بمشاعر لا يعلم من اين اتت به، حيث راى فى عيونها غايته الدائمه وليست ذنبه التائب عنه، واعترف بأن حضنها شهوته الدائمه ولست مجرد متعته المؤقتة..
عادت اليه فظاظته التى ترفض ضعفه أمام كل امراة واكمل
- ولو قولتلك إنى غلطت تانى...!

تحيرت فنظرت فى وجهه فعثرت على الاجوبه، متوسلة بانظارها ألا يعترف بشيء يقتلها ويقتله بها، لاول مرة تلتمس الكذب من عيناه كى لا تذبح بسكين الصدق، فتفوهت باختناق
- مش فاهمه!

- مش هعرف اخبى عليكى، بس كرباج الماضي غلب وغيب عقلى وقلبى وصحى الشيطان اللى جوايا، كنت تايه، حاسس انك خناقنى من قلبى وماسكه روحى في ايدك، كنت عايز اثبت لنفسي إنه وهم، الشغل وعُقدى النفسيه دخلوا فى بعض معرفش افرق، بس اللى عرفته إنى كنت فى جحيم وقتها عايز اهرب منه ليكى...
شاءت الافكار بها حتى باتت موضع للشفقه، فتشبثت بكفوفه
- براحه عليا، انا مش فاهمه حاجه، واحده واحده كده وفهمنى...

تحركت اقدامه بتثاقل حتى وقف امام ( التسريحه ) مستندا بذراعيه على سطحها مطأطئا بخذلان
- انا كررتى ذنبى بتاع زمان، ومش عارف عملت كده ليه وازاى...
زحفت باقدامها اليه
- انه غلط بالظبط، شربت!
اغمض عيون الانكسار واجاب اجابته السامه لروحها
- زنيت يافجر، و عصيت ربنا للمرة التانيه بعد ما توبت...
نفذ قوت قلبها من الصبر والتحمل فانفجرت ضاحكة تحت مخدر الصدمة، ثم عادت وسألته.

- ده بجد، روحت نمت مع واحده تانى غيري ياهشام...! امتى طيب وازاى! مين هى! واحده من الشارع ولا واحده انا اعرفها...! جاوبنى انا هاديه اهو وسمعاك...
نصب عوده واحتضن ذراعيها بتوسل
- انا بعترفلك عشان مش هقدر اشيل فى قلبى ذنبين...
- عملت كده أمتى، ثم صرخت بصوت عال وهى تبعد يديه عنه انطق عملت كده امتى...؟!
- كان لازم اكسب ثقة ميان واقعهم فى بعض، عشان كده بقولك شغلى وشيطانى دخلوا فى بعض..

صدمة بثقل كارثه حلت على قلبها
- مايان! مايان يا هشام؟! يعنى فاللحظة اللى بطمن فيها قلبى واقول إنى واثقه فيك، انت مقضيها فى حضن الزفته دى! طيب ازاى؟! داحنا كنا حلوين سوا، وسايب حضنى وانت راضي عنى! يعنى مالكش حجه، خالص! مالكش عذر يشفع لك!انا مش مطفشاك ومنكده عليك عشان تعمل كده! ااه تمام، الصورة وضحت خلاص ياهشام، الصورة اللى رفضت اشوفها طول الفترة دى!

تفشت علل حبه بقلبها، فكم من المضادات الحيوية لتشفى منه! صدحت بصوت كالرعد واكملت صارخه
- انى ولا حاجه! ولا حااااجه؟! واحده عاديه! حتى حبى ليك مأثرش ومحصنش قلبك من اى عقربة تقرب منك، طيب قول لى كنت معاها هشام اللطيف الجنان اللى بيدلع حبيبته زى ما شوفتك النهارده، ولا هشام التانى اللى بترعب منه، اللى حياته كلها معايا عقاب! كنت انهى واحد، ريح قلبى...

اطلق جشأة مكبوته ولكنها مسموعه، وتحدث بغضب ممزوج بحسرات الندم
- انا ماكنتش غير معاكى، افهمى..

- افهم ايه! افهم انك حضنت واحده غيري! افهم إنك اعتبرتنى ولا حاجه من حياتك واثبتت لنفسك إنك تقدر، وقدرت! افهم إنى رسمت عمرى معاك وانت بسهولة هدِته...! افهم ايه ولا ايه، الراجل اللى كنت شيفاه زى النجوم بقي رماد فى عينيا، كنت مستعده اديك روحى بس تقدرها، مكنتش عايزه غير تقدير، لكن انت اخدتها واتبسطت بيها وفى اقرب تُربة دفنتها، ياخساره يا هشام!

القت جملتها وهى تخرج ملابسها بعشوائيه من الخزانة وترتدى ما ما يقابلها لتستر جسدها التى ظنت انه مكسى بحبه، قفل هشام الخزانه ونهرها
- مش هتروحى فى حته، بلاش انتى كمان تسيبينى، عاقبينى زى ما كنت بعاقبك وبعاقب نفسي فيكى...
اجابته بحسرة الخزى
- للاسف، اللى بيعشق مابيعرفش يعاقب، بينسحب عشان ميأذيش حبيبه...
- قولت مش هتمشي يافجر!
سحبت ذراعها القابض عليه بقوة ونطاحت قوة صوته.

- لا همشي عشان انت قولت انا مستاهلش واحد خاين زيك، مقدرش النعمه فى ايه عايش لسه فى فرن الماضي...
وصلت الى باب شقتهم فاتبع خُطاها حتى اوقفها أمامه آمرا
- قولت مش هترحى فى حتة..
انفجرت فى كينونة وجعها وبكت
- ليه! فارق معاك؟! بتحبنى؟! طيب تيجى اسالك سؤال بعيد عن كبرياءك وعقلك واوهامك..
تتحدث وهى تلف حجابها بعشوائيه حتى ضربته بقبضتها على قلبه.

- عايزه اكلم ده، واسمع صوت ده! واعرف إذا كان اعترفك بحبك ليا بينك وبين نفسك، الكلمه اللى ابسط حقوقى منك مسمعتهاش، عايزنى اقعد ليه، اقعد مع واحد انا فى حياته مجرد شهوة!
ثم اخفضت صوتها متنهده مشيره على قلبه
- بتحبنى، بتحبنى ياهشام..! لمست جوه هنا حاجة!

مرت على قلبه بسلك شائك مزقه فمن المؤسف حال المرء حين يستمر في حرق نفسه وهو يتمنى، يحمّل نفسه ما لا يحب، يركض خلف ما لن يملك، تعلم جيداً أنك ربما قد تموت حزناً في النهاية وترضخ لحقيقة الواقع التي تعني أنك هدرت وقتك فقط في تخيل شكلك الآخر و لم تصنعه، الشكل الذي لن تكون عليه مطلقاً وأنت في مكانك..
فتأرجحت الاعين المعاتبه وصمتت الافواه للحظات حتى خاب املها بوجع يملا المحيط.

- شوفت! رافض حتى تعترف بينك وبين نفسك، خلى غرورك وكبريائك ينفعوك، اما انا مابقتش عايزاك خلاص ومش هتشوف وشي تانى..
ارتعشت احبالها الصوتيه واكملت
- عارف مشكلتنا اى! ان حياتنا اتبنت على المشاعر مش الثقة، عشان كده إحنا ما ينفعش نكمل، طلقنى ياهشام...

الأمان أولًا، ثم بقيّة المشاعر، ما لبثت ان القت جملتها واحتوت قلبها المهشم وركضت نحو الباب هاربة من احزانها التى تتسابق خلفها اينما ذهبت، تناول قميصه الملقى ارضا ولبس حذاءه الخاص بالحمام وانطلق خلفها مناديا باسمها الى ان وصل لبوابة العماره متجاهله صوت ندائه تماما غائصه فى اعماق بكائها حتى تشوشت الرؤيه أمامها، وعلى الجاني الاخر صرخت ميان التى تقطن فى عربية سوداء بجوار فارس
- اتحررررك بقولك، يلاا.

عارضها فارس
- احنا عايزينه هو، مالنا بيها هى!
صرخت ميان بنبرة تهديديه
- بقولك دووسها...
فى لحظة خروج هشام من باب العمارة، ومرور فجر لتقطع الطريق كالهائم على وجهه بدون مقصد ولا جهة محددة، تحرك فارس بأقصى سرعة ممكنه فانفجر صراخ هشام باسمها فى تلك اللحظة التى خبطتها فيها سيارة فارس بدون رحمة، فانتهى العالم بعيونها فلم يجمعها به الا ذكريات.

انكماش ملامحه المغتاظه وهى تقول جملة كانت لحظتها ابواب السماء السبع مفتوحة فخرجت فى صورة امنية احتضنتها سحب الاستجابه لتمطر بغيث التحقيق
-(((( انا مراته وانتي مين بقي! ))))
جمود مشاعره فى مناطحة النساء كإنها عدوة له فى حربه
- ((((اصلى نسيت انى ما بحبش القهوة اصلا، وريحتها بتعصبنى جدا، ))))
تبدل ملامحه المتحججة بالبقاء
- ((((- أنا اسلوبى همجى! بقولك ايه ما تيجى نتفق عشان شكلنا مطولين مع بعض! )))).

خيانة قلبه بأن يقذف كل سمات الحب ولا ينطقها
- ((((- ده منظر! حد يسيب الكوتشي كده؟! ))))
تنهيدة النجاة على شط الامان بعد اعوام من الركض
-((((- حاسس إنك أمى، لقيت فيك دفء وحنان الام اللى عشت ٣٣ سنه محروم منه، )))))
ابتسامته الخفيفة، لسعة الامان فى نبرته عندما امتلأ منها حد التشبع
- ((((( وانا حاسس انى ملكت الدنيا بيك، ))))).

- هتفضلى مكشرة كده كتير؟!
يقود زياد سيارته على الطريق الصحراوى ويداعب فى بسمة المغتاظة بجواره، فأففت
- زيااد بس بقي، مش طايقاك..
- وانا كنت عملت اى يعنى! منا بهزر وبضحك اهو والحياة لونها بمبمى قدامى!
فحدجته بعيونها بحرص
- كل مرة تضحك عليا وتاكل بعقلى حلاوة، انت ليه مش بتحترم اتفاقنا!
تعمد الاستنكار وسألها متجاهلا
- اى اتفاق بالظبط!

اتسع بؤبؤ عينيها مغتاظًا منتبه لحديث بسبب وجود سعاد خلفهم التى تدخلت فالحوار
- انتو ناقر ونقير كدة دايمًا! ماتعقلوا..
نظر اليها زياد فالمراه
- منا عاقل اهو ياطنط ومشغلها عمرو دياب، وتعالى ليله ننسي فيها اللى راح وهى اللى بومه غاويه نكد، يرضيكى..
صوبت عيون سعاد المعاتبه
- ليه كده يابسمة! ده جوزك ياحبيبتى..
اتسعت ابتسامه الانتصار على ثغر زياد.

- ااه ياطنط فكريها عشان هى بتهب منها وتنسي، وقوليلها إنى جوزها وحبيبها وووووو الا بالحق ياطنط معندكيش فكرة ليه اللواء نشأت كان بسأل عمو منير عليكى!
- مين نشأت؟!
تبادل زياد وبسمة الضحكات المكبوته، واكمل زياد تلاعبه
- اللواء نشات اللى عينه مانزلتش من على حضرتك فالمستشفى، الراجل الكُمل الكُبرة اللى دخل علينا بهيبته امبارح، لسه بردو ناسيه!

تبدلت ملامح سعاد لان شكوكها نحو نظرات نشات تحولت ليقين، فزمت شفتيها متعمده
- اااه اااه ماله ده بقي..
- مالهوش، بس شكلنا هنلم الشمل قريب..
نهرته سعاد بحده مفتعله
- ركز فالطريق اللى قدامك واطلع من افكارك المنيله دى...
صمتوا جميعهم والابتسامة منقوشه على وجوههم، فتعمدت سعاد الانشغال بهاتفها وحديث زياد يدور فى عقلها اما عن بسمه فعاتبه بمزاح
- والله رخم...
فأمسك هاتفه وكتب لها رسالة نصيبه.

- بمناسبة الافكار المنيلة اللى كانت بتحكى عنها عمتك، هبت فى دماغى حتة فكرة هتنسيكى اسمك...
رن هاتف بسمة بصوت استقبال رساله ففتحتها وما لبثت انا قرأتها فشهقت مشدوهة فحدجها بحرص وهمس بشفتيه
- عمتك عييييب...
فشرعت فى كتابة رساله لها بابهامها المرتعشه متوعده
- شكل خالتى نسيت تربيك، فأنا هربيك مكانها، بطل قلة ادب بقي، واللى حصل فوق انسي إنه يتكرر تانى...

استقبل رسالتها فالقي نظره على الطريق أمامه واتبع كتابة رسالة آخرى
- انتى دماغك راحت فين، انا قصدى بخصوص عمتك واللواء نشأت، ولا أنتِ قصدك حاجه تانى قولى!
استلمت رسالته متأففة
- ياسسسسم...
ثم اتبع وكتب لها الاخرى:
- بحبك يابسمة قلبى...
فتبدل حالها فى لحظة واحده ونست كل قراراتها وكتبت
- عمو لو وافق على ارتباطنا ليك عندى حتة مفاجأة حلوة هتنسيك الدنيا كلها، هبهرك
اتسع بؤبؤ عيونه ناطقا بصوت مسموع.

- قولى ورحمة ابويا!
فكتمت صوت ضحكها واكملت كتابة
- بخصوص عمتو واللواء نشأت، انت دماغك راحت فين؟!
عض على شفته فأوشك أن يقطمها من كبح غيظه ولكن انقذها صورت رنين الهاتف
- الحق يازياد فجر فالمستشفى وحالتها صعبة خالص...
- رهف! مستشفى اى اخلصى..
- تعالى بسرعة...

( بعد مرور أكثر من ثلاث ساعات أمام غرفة العمليات ) تحركن كجمرات على قلوب الجميع وبالاخص قلب هشام المُفتته الواقف أمام الباب يترقبها من وراء النافذة، يترقب روحه التى تنسحب منه وهو مسلوب الارادة غير مستوعب ما حدث، فقد قدرته على كل شيء فحرقت الصدمة كيانه، تمنى ولو إنه كان كابوسا وينهض منه مستعيذا من الشيطان..

تولد فى قلبه فراغ رغم ازدحام العالم حوله ولكنها كانت عالمه الذي يبحث عنه دائما وابدا، فهو الذي ضمن وجدها حد الابديه وآتى القدر ليخطفها أمام عينيه فى لحظه بات العالم خاليًا من طيفها، رائحتها، ضحكاتها، كل ما بداخله ينهار ولكن خارجه صلدا وصلبا متماسكًا او على الاغلب مصعوقًا بكهرباء الصدمة، فما اصعب أن تراقب احدها يتألم من وراء الابواب الموصدة ويُلملم شتات شمله للرحيل وانت لا تملك سُلطة اقناعه بالبقاء!

يترقبها بعيون صارخه بالتوسل أن تبقي، ألا تفلت يداها وترحل كما اقسمت، كفه القابضه على الباب بالحاح أن تفتح له، وخزات من الندم والحسره تقطم قلبه الذي يحمل شخصين وهو الثالث، شخص يحب والاخر يرفض والثالث صامت! فهذه الحيره المميته به قد تدفع عقله للجنون..
يتردد فى قلبى لحن أم كلثوم وهى تقول
- دانت لو حبيت يومين كان هواك خلاك ملاك!

فهو الذي ظن أن بحضورها ضعف له وموت ولكنه أيقن أن بغيابها موتان، فشعر بأن صدره يشتعل ويتوهج برماد التفرغ فبأول خطوة فوق هوية الرحيل لها شعر بإنه فقد كل شيء، فصرخ قلبه
- وعدتى انك مش هتمشي، نفذى وعدك وماتدبحنيش..
اتى مجدى بخطوته السريعه متناسيا صدح ذراعه
- الحمد لله قبضوا على ميان والزفت اللى معاها، فجر عامله ايه...
انفجرت رهف فالبكاء.

- فجر بتموت يامجدى، بتموت بسببى، لو حصلها حاجه انا مش هسامح نفسى ابدا..
ربتت بسمة على كتفها
- اهدى يارهف متعمليش كده عشان هشام...
يقف موليا ظهره غير مدركا تواجد احد معه فقد ذهب بكله لعالم الرحيل المهدد قلبه به، اقترب مجدى منه وربت على كتفه وهمس مواسيا
- اجمد، هتبقى كويسة، انزل صلى وادعيلها..

طنين مخاوفه وعذاب طغى على مسامعه حد الصمم، على حدا فالغرفة المجاورة تجلس سعادة على سجادة الصلاة تُناجى ربها باكية بعدما قفلت المصحف..
- عمرى ما رفعت إيد ليك ورديتها فاضيه، احنا ملناش غيرك ياكريم، احفظها ورجعها وسطينا سالمه ومتوجعش قلبى عليها وحدك اللى عالم بغلاوتها فى قلبى وانها زى بنتى ردها لقلبى ياقادر، ردها واشفيها...

لقد تركت الأحزان تتملكنه، صنع سجنًا من الأوهام وعشق البقاء داخله، اختلق قصة حزينة وعاشها بدون انقطاع، هذا ما صنعه وهو يجهل أنه هكذا ينتحر ؛ فباتت حياته والموت لا يمكنه الجزم على اختلافهم..
تضيق بنا الدنيا وتسعنا سجدة هرب إليها كما اعتاد، انحنى بظهره وبقوته عاجزا وسجد لربه طويلا ربما لربع ساعة او آكثر حتى تسرب الحزن من جبهته ورويت الارض بمياه امنييته الاخيره
- يارب هى وبس...

اجهشت روحه بالبكاء لأول مرة منتحبا ويعصر قلبه فتتقطر عيناه
- متعاقبنيش فيها، متاخدهاش بذنبى، يارب مش اعتراض لكنه رجاء فى كرمك ادينى فرصة اخيره اعيش، اعيش معاها...

هزمه الحب فعانقها بدعائه، بات يبحث عنها فى سجدته متأملا إذا رفع رأسه سيجدها تمد له يدها، يبحث عن كل الأشياء التي تجمعمهما وكلمتها التى ضمنت قلبه ( بحبك ياخى ما تفهم بقي ) ويبكي، يترجى الغياب ألا يفعلها، أتعلم معنى أن يبكي الشخص كل معاصيه كي لا تتسبب له فى تسريب اغلى ما ملك!
أتدري مرارة أنك لم يعد هنا بعد الان؟

مرت قرابة الساعة ولازالت اقدامه وقلبه معلقا بالمسجد، فضل أن يبقي بحديث متصلا مع الله، خشي تركه فتتركه هى، قفل المصحف بعناء ونهض بخطوات كسيح ذاهبا لقبره وعاد الى المشفى مرة آخرى وهو يردد بعض الادعية فى صدره، فالتقت اعينه باعين الطبيب الخارج من غرفة العمليات فاندفعوا جميعهم نحوه اندفاع الظمأن على بحيرة مياه
- طمنا يا دكتور هى عامله اى..
رفع القناع عن وجهه الشاهب
- الضربه كانت شديده واثرت على دماغها..

فندفع هشام بخوف مختلط بالغضب
- ايوه يعنى هى عامله ايه!
- ادعولها تعدى ال٢٤ ساعه دول بخير..
سأله زياد
- مالها يادكتور طمنا
- لسه التحايل شغاله والفحوصات شغاله، وهى حاليا تحت الاجهزة لانها دخلت فى غيبوبة...
هجر هشام رافضا حديثه
- يعنى اى غيبوبة...! انت لازم تتصرف، مش هنسيبها كده...
-اهدى ياهشام...
الدكتور: ادعولها، هى محتاجه دعواتكم...
هشام بحده
- انا عايز اشوفها...
هز الطبيب رأسها رافضا فتوسل له زياد.

- معلش يا دكتور خليه يدخل يشوفها..
فاجبر الطبيب على الاذن له وقال للممرضة جملته الاخيره
- ٥ دقايق بس...
انهارت سعاد وهى تنوح حزنا فاحتوتها عايده وربتت على كتفها
- هتبقى كويسه، اهدى، ان شاء الله هتفوق..
وارتمت رهف فى حضن مجدى
- هشام صعبان عليا اوى، هو مايستاهلش كده
همس زياد فى آذن بسمه
- خليكى مع عمتك وانا هروح اشوف الدكتور...

ارتدى هشام الزى الطبى وتقدمت ارجله بتثاقل نحو سريرها وهو يتأملها بعيونها الواسعه التى يتقاذف منها نيران الصراخ والوجع، فسحب مقعد ليجلس بجوارها واردف معاتبا
- من امتى كنت جد فى قراراتك، قولتى إنك هتمشي مش لازم تنفذي، هيهون عليكى هشام تسيبيه لوحده فالدنيا دى يافجر...
ثم امتدت يده لتحضن كفها المعلق بالاجهزة.

- طيب عايزه تروحى منى من غير ما تعرفى إجابة سؤالك، من غير ما تسمى صوت قلبى وهو بيحارب كل حاجه فيا ويعترفلك إنه حبك من اول لسعة قلم! متبقيش انانيه وتمشي، انا هقبل اى حاجة إلا انى اتعاقب بغيابك، ولا هسمح لشغلى يخلينى اخسره، مستعد اسيب الدنيا كلها عشان، بس متسبينيش انتى...
اجهشت نبرة صوته وسالت المياه من عيونه واكمل لاهثا.

- فوقى متعمليش فيا كده، انا ندمت، ندمت وفوقت ؛ كام قلم شديد اوى من ربنا بس فوقنى وعرفنى قيمتك..! قومى فى تفاصيل كتير لسه معشنهاش سوا!
ارتجف صوته ويده التى تحضنها
- وعديتنى بولادنا وانك بتحبى العزوة والعيله! وانى هكون ابوهم، يلا ارجعى لى لانى مش هقبل يكونلى ولاد من حد غيرك..

تمني أنّ يمارس حُزنه على زوايا أضلعها ويشكى لها ما فعلته فكرة غيابها الابدي به، انحنى بشدقيه على كفها واخذ يقبله بحرارة حيث فاغرورق بدموع عينيه.

- شوفتى بقي مين اللى ييهاتى مع نفسه وانتى مش بتردى عليه...! هتسيبينى كده كتير! اقولك على سر، انك كنتى تهزمينى بنظرة واحده منك، لما حكيتلك على سلمى وقولتلك حبيتها حب ملهوش وصف، مكملتش، وسكتت، كنت عايز اقولك وقتها انى عشقتك، عشق بيخلينى ارجعلك مع كل مرة اهرب منك فيها، فجر انا محبتكيش، الكلمة دى مش هتوصف حاجة جوايا..
ثم رفع رأسه قليلا واتبع يواصل حديثه بطريقة مذهله، وبأمل كافى لرى كل نباتات الصحراء.

- انا عشقتك، وعشقت كل حاجة معاكى، حتى الوجع معاكى عشقته، قومى يلا وانا اوعدك إنى هعوضك عن كل حاجه، انتى مش قولتى الماضي منحكيش فيه! بس انا من حقى اوعدك بمستقبل هفرشلك فيه الدنيا ورد بس تكون لى فالنهايه...
اشياء يكاد انها لا تُلمس ولا ترى ولكنها تقتلك بفقدانها، فاحتوى كفها الدافىء بيديه واكمل ندمه.

- عشت حياتى كلها فى حروب، وعمرى ما عشت السلام غير معاكى ؛ انا بعترفلك أهو، ومستعد اقوم الف حرب زيهم عشانك وعشان فجر يوم جديد مفيهوش حد غيري أنا وانتى واحلامنا، بس ترجعى، كنتى بالنسبة لى نهاية ليل طويل اوى وبداية نهار شمسي ملحقتش تشرق عليه، عشان خاطرى متروحيش منى وتسيبينى...
( بحبك ياسلامى الوحيد من دنيا كلها حروب ).

** انصلب على باب حُبها ووخزته ندوب الفقد فاصبح فى حضرتها شاعرا يبكيها حروف وكلمات، ( يعِزُْ على قلبي كُونك بهذا البُعد، بعدَ أن كُنت أقرب من نفسي لِي كنت ساكنة بين النبض والثانيه والان توقف نبضي!).

لا يوجد ندم يعادل ندمك على تصرفك الخاطئ مع الشخص الصح، حياه كالصَدفة تأتى محملة بجوهرة الفرصة مرة واحده، اخرج من الصندوق والقى عليها نظره قبل أن تفرض عليها نتائج خيباتك السابقة، لا تراها بعين الخذلان اغتنمها كأنها اول المنقذات من بئر هلاكك، فعندما تأتى اللحظه فالليت لا تُجدى ولا الحزن سيرجعها! عش كل يوم كإنه يحمل نهايتك...

- لا يعنيني شعورك العظيم الذي تكنّهُ لي، إن كنت تتصرف على عكسهُ تمامًا ( غادة السمان).

فى المطار لمست عجلات أحد الطائرات الخاصة التى طل منها رجلا فظ يحمل ملامح عربيه وهيئة ثريه تكلمه الالف الدولارت ليقف على باب الطائره يستنشق هواء مصر ويتحدث فى هاتفه
- yes sir، Hisham Al-Sioufi is my goal , don t worry...

تمت

 أرجوا أن تكون نالت إعجابكم

 

النهاية ◄