-->

رواية الحرب لأجلك سلام الفصل الثامن

 

 

 فمن فرط الحب يتشكل كل ما بى كى يشبهك.. لم انويك حبا .. لقد وقعت فيك سهوا .. حتى اصيب قلبى بعماء من نوع خاص .. فبات كل المارين سراب ووحدك جنة تخطفنى بكلى إليها .. فلازلت مُسكنى ومَسكنى .. لازلت بوجودك احييا



التفت انظار هشام نحوها بعدم تصديق ثم اتبعت قائله بصوت منخفض بعد ما تأكدت من عدم انتباه احد لهم
- فاكر التليفون اللى جيه لاخوك زياد عشان يحذركم .. كنت انا ومستعده كمان ادلك على الهانم مراتك .. بس شكلك قفوش ومالكش فى الكلام الودى ..
القت جمر كلماتها بحلقه ثم استدارت امامه لتَهّم بالرحيل ولكن كانت قبضته اسرع من خُطاها قائلا
- هى فين ؟

غمزت له بطرف عينيها : اهو كده يحلو الكلام !!
زفر هشام بنفاذ صبر ثم قال
- أنجزى .. هى فين ..
احتلت ملامحها مخالب السخريه وهى تطلق من فاهها ضحكة منخفضة
- مش بسهولة كده .. نتفق الاول .. وبعدين هابقي أعرفلك هى فين .. وده وعد من مُهجة الصياد ..

شعر وكأن الكرة الارضيه تدور أمام عينيه إثر تغريد حيه .. فأشار لها بيده لتقترب وهمس بصوت كفحيح الافعى
- هو أنت متعرفيش أن مش هشام السيوفى اللى يسلم دقنه لحريم !! وان بمساعدتك او بغير هوصلها ومراتى مش هتبات ليله كمان بره البيت !!
تطلعت فى حقول ملامحه الشائكه بعدما انتابتها قشعريره خفيفه ارعبتها .. قائله بخوف دفين
- كنت عاوزه مصلحتك بس يلا مالكش فى الطيب نصيب ..

تجاهل جُملتها الاخيره وهو يهتف بصوت كالرعد مناديا على العساكر ..
- يلاااا نشد حيلنا شويه .. اسرررع .. وصلتو لحاجه ولا لسه ..!!
اردفت مهجة ساخرة: اعصابك ياحضرة الظابط .. كده غلط على صحتك ..

- " ووقفتك دى غلط على سُمعتك يا مهجة هانم "
كانت تلك آخر عباره اردفها هشام وبعدها مر كالريح من امامها متبعًا مسارا آخرا ليبحث فيه بنفسه... ظلت مهجة تحرقه بأنظارها الخبيثة وبات رأسها كعش دبابير تنخر فيه افكارها السامه .. فهتفت مناديه
- بت يا هنيه... انت ياااابت. .!!

- فين زياد .. زياد فين يا رهف !!
اردفت عايده بصوت سريعه حد الهذيان كمجنون فقد عقله وهى تبحث عن زياد فى المكان وتلقى بأشيائها ارضا .. لم تنتظر ردا من رهف الجالسة أمام التلفاز .. فواصلت عايده قائله
- فى اوضته !! صح ؟! لسه نايم ولا على باله البيه !!
تحولت رهف إلى بومه فضولية : هو زياد هبب إيه يا ماما !! قوليلى قوليلى ؟!

تجاهلت عايده سؤال رهف وتوجهت بخطوات سريعه مقتحمه غرفة زياد واشعلت كافة انوارها جاهرة بصوت عالٍ
- طبعا ولا على بالك .. نايم ومريح دماغك وان شاء الله الدنيا تولع بره .. انت مالك!!
لم يتحرك عضو به الا عينياه التى ارتفعت بتثاقل شديد .. مردفا بصوت مغلف بالنوم
- فى ايه بس عالصبح !!

ازاحت عايده الغطاء من فوقه بعنفوان وهى تضربه فى ساقه بقوة كى ينهض قائله
- قوم قوووم وانت لسه هتتصدم ! ليلتك سودة معايا ..
نهض زياد بتكاسل شديد وهو يفرك عيناه قائلا
- ها خير قومت .. ينفع اروح الحمام ولا الخناقه مستعجله ..

تجوب أمام عيناه يمينا ويسارا كالمجنون وهى تهذى بعبارات وراء بعضها
- انتوا عاوزين تجننونى ؟! عاوزين تدمروا البيت اللى فضلت محافظه عليه طول السنين دى .. واحد داير وممرمط نفسه عشان فلاحه والتانى مقضيها من كل واحده مالهاش أهل شويه .. انتوا اتفقتوا عليا صح ؟!
تابع هذيان صوتها صرخه مكبوته وهى تمسك برأسها الذي اوشك على الانفجار وهى تتجه نحوه.

- انت إيه ياخى!! مش بنى آدم ؟! مصنوع من حجر ؟! داير تتسرمح فى حضن كل واحده مفرقتش حاجه عن عيال الشوارع .. ياخى خاف على منصبك واسم عيلتك اللى مليون واحد يتمنوا يكونوا مكانك !!
لازال محافظا على ثباته.. تحرك ببطء تحت شرارة كلماته وفتح الثلاجه الصغيره بغرفته وتناول عُلبة من العصير ليطفئ بها ما اشعلته.. وما زادها هدوئه الا انشعالا .. فانهالت على ياقته مردفه.

- انت بتعمل كده ليه فهمنى ؟! دانت الوحيد اللى فضلت واقفه فى ضهره ومسانداه وكل طلباته مجابه بره شخط ونطر ابوك .. ابوك اللى كان ينزل هشام يشيل طوب ورمله على كتافه وانا اللى كنت اقفلك واقوله كله الا ابنى .. ده اخرة دلعى !!
ثم ابتعدت عنه للحظه وهى تقول بقلة حيله
- طيب ألبس الهانم ناريمان بتاعتك حامل ، ولو حللت واثبتت كلامها هتبقي سمعتنا على كل لسان !! وفى الاخر بتيجى تلمونى لانى رافضة جوازك من بسمة !! انت مش بنى آدم !!

تابعت كلامها بصفعة قويه على خده لاول مرة ولم تطأ رأسها اقدام الندم للحظه وهى تقول
- شكلى فعلا دلعتك زياده .. وابوك طلع على حق وانا اللى غلط !!
تلقى صفعة يد امه بذهول فجر حممه الخامده .. فادرف معاتبا
- متحسسنيش إنك مش عارفه بكل اللى بعمله ، انت بس مش بتشوفى غير اللى عاوز تشوفيه .
ثم ابتعد عنها خطوة مواصلا حديثه.

- لو جينا للحق انتوا الاتنين كنتوا غلطانين .. عارفه اللى أنا وصلتله ده نتيجه دلعك .. واللى هشام فيه نتيجه قسوتك وتفريقك فالمعامله ما بيننا .. ما تغلطوش أنتوا وتربونا زى ما شايفين وتيجوا تلومونا على نتيجة تربيتكم يا كوين عايده ...
كانت تلك آخر جمله ألجم بها زياد أمه التى وقفت مكبلة الايد ومنعقدة اللسان .. كل ما فعلته ظلت ترمقه طويلا بنظرات عتب استقبلها بنظرات تحدٍ .. ارتفعت صوت انفاسها مردفة
- ياخساارة يا زياد .. يا خسارة ..

القت عايده عليه نظرات الخسه ثم غادرت على الفور متناولة حقيبتها ومفاتيح سياراته متجاهله ثرثرة رهف واستفساراتها واوشكت على الخروج فاصطدمت ببسمه التى سقطت منها الاكياس الممتلئه قائله
- مالك ياخالتو ؟!
لم تجبها ولكنها اسرعت خُطاها نحو المصعد الكهربائي، فاشتعلت ابراج الفضول برأس بسمه التى دخلت سريعا لتسائل رهف
- بت بت ، امك مالها ..

قفلت رهف شاشة الهاتف فقالت : كانت بتتخانق مع زياد ، وشكله كده مهبب مصيبه .. وانا مش هرتاح غير لما اعرفها
- انا هروح اسأله ..
هتفت رهف مناديه عليها
- خدى بس الاول عاوز اوريكى حاجه لسه شيفاها .
بسمه باستغراب : حصل آيه ؟!

عادت رهف لتفتح شاشة هاتفها وهى تقول
- بصي كده لقيت آيه فى الازرز !
اتسع بؤبؤ عيني بسمه وهى تقول : ابن سمير مختار !! سمير مختار بتاعنا ؟!
اومأت رهف بفرحه عارمة : ايوة فارس سمير مختار بتاعنا ..
- تؤ الواد ده عاوز قعدة .. بصي هشوف اخوكى واجيلك نتسلى عليه ..

تقف مُهجة بجوار خادمتها الخاصة ( هنية ) على اعتاب المطبخ ، وهى تردف بصوت مسموع
- شوفتى يا ختى حضرة الظابط كان هيتجنن عليها كيف !! هموت واعرف إيه عاجبهم في بت السواق دى !!
توقفت هنية عن تقطيع الخضراوات التى بيدها فاردفت
- تلاقيها سحرت له هو كمان .. اللى خلاها وقعت كبير البلد فيها .. مش هتوقع حتة ظابط ..
اتسعت عينى مهجة معاتبة :
- ما تتلمى يابت أنت .. جناب العمده ما بحش ولا هيحب غيري !!

ثم القت نظرة خبيثه على (قمر ) التى تغسل ( المواعين ) وهى تقترب منه هنية متحدثه بصوت منخفض قادر على الوصول الى آذاان ( قمر) .. فقالت مُهجة
- بالك يابت الظابط ده مش وش نعمه .. لو كان هاودنى كنت هقوله إن البت محبوسه فالمخزن الغربي ، بس هو متعجرف وشايف نفسه زى عجرفة أمه بالظبط .. جاته خيبه !

التقطت آذان قمر كل كلمة كانت مهجة متعمدة أن توصلها لها .. ففزعت على نداء الاخيره وهى تقول
- يخيبك يابت ؟! انت واقفه هنا بتعملى ايه ، يلاه يلاه ياختى روحى شوفيلك مصلحة عاوزه اعرف اتكلم مع هنية شويه ..
جففت قمر كفوفها على الفور وعيون مرتعشة غادرت المطبخ كى تبحث عن خالد لتخبره بما قالته مهجة ، أما عنها فنجح مخططها ببراعه فارتفعت ضحكتها ممزوجه مع ضحك هنيه وهى تضربها على كتفها وتقول
- كده هيبدأ اللعب اللى على اصوله .

فلاش باك
- يا زيدان افهمنى !! واسمع كلامى للاخر ، انت بتتحدى ظابط .. يعنى الحكومه كلها فى يده !
تجوب مهجة غرفتها ذهابا وايابا وهى تمسك رأسها اثناء تحدثها مع زيدان فى الهاتف الذي رد متأففا
- مهجهِ انا مافيش راس لحديتك ، عقولك ايه سبينى اخلص حقى من بت المركوب دى ..

- يا زيدان اهدى بس ومتخليش السكينه سرقاك ... البت دى لازم ترجع خلال 24 .. قبل ما تحركات الظابط تبقي رسمى وساعتها هتروح في سين وجيم .
صمت زيدان لبرهه محاولا استيعاب كلامها .. فاردف
- قصدك إيه ؟! وكيف يعنى ارجعها بعد ما لقيتها !!
- افهمه ازاى ده ياربي.. انت مش واخد بالك أنك خاطف مراة ظابط.. يعنى باتصالاته هيطربق البلد فوق راسنا ..

هبت رياح غضبه : ومين قالك انى خايف منه ، مخوفتش من ابوه وجبروته .. هخاف من عيل ؟! لازم اخد حقي
انخفضت نبرة صوتها بمكر
- لا ملكش حق .. لازم تخاف ونص كمان ! ده بيجرى في دمه نفس جبروت ابوه ، وانك خدت مراته من قلب بيته دى ضربه قى مقتل يا عمده .. وكده انت وصلتله أنك لما بتعوز حاجه بتوصلها !!
صمت زيدان وهو يستمع باهتمام بالغ : ااااه .. وايه كمان !

جلست امام المرآه تُداعب خصيلات شعرها
- اسمعنى كده ونفذ كل كلمه هقولهالك بالحرف ، طالما الظابط لسه متحركش رسمى ومهما جاب جيش من العساكر مش هيقدر يعمل حاجه واى تهور هيعمله دلوقت هيكون لصالحنا .. فانا هخليك تطلع من الموضوع ده زى الشعره من العجين .. فتح لى مخك كده ياخوى !!
بااااااك

فاقت مهجة من شرودها على صوت نورا زوجة زيدان وهى تقول
- مش بعادتك يا مهجة تخشي المطبخ ، لعله خير !!
وثبت مهجة قائمه بعودها الممشوق : خليك فى حالك ياوليه انت ، مش ناقص غيرك تقول لى اروح فين ... حكم !!
تمتمت نورا سرا : عقبال ما نخلص منك ونرتاح يا وش الفقر انت !!

- زياد .. أنت مزعل امك منك ليه ؟!
اردفت بسمه جملتها بعد ما اقتحمت غرفة زياد رغم عنه ، فتجاهل سؤالها وهو يعقد حزامه الجلدى حلو خصره لا مباليا
- انا مزعلتش حد .. واللى يزعل يشرب من البحر اهو جمبنا ..
اقتربت منه بهدوء : طيب فى حاجه مضايقك !!
زفر باختناق : بسمة .. أنا فيا اللى مكفينى ، ابعدى عنى .
وقفت امامه لتعوق طريقه.

- استنى هنا .. ايه اللى فيك ، انا مش هسيبك غير لما افهم ..
اغمض عينيه لبرهه ثم ابتعد عنها ليتناول قميصه
- ومعنديش رد لأي سؤال من بتوعك ...
رمقته طويلا محاولة التزام الصمت ولكن خانها الفضول
- زياد .. أنت رجعت تتسرمح تانى ، ولا خالتى عرفت بعلاقتنا ..

انتهى زياد من قفل ازرار قميصه فاقترب من الكومود وتناول مفاتيحه وهاتفه قائلا بنفاذ صبر
- انا سايبلكم البيت وهريحكم منى خالص ..
تركها غائصة فى اعماق حيرتها وهى تضرب كف على الاخر وتلوم نفسها على خطيئه لم تقترفها متسائله : هل العيب فيه أم بى !! على كُل لا تُرهق عقلك بسيف الندم فالعار عار من يغدر وليس عار المغدور به ..

صعد زياد سيارته وهو يلقى جمر تهديداته على ناريمان فى رسالة صوتيه مُسجلة
- ورحمة ابويا هتشوفى منى وش عمرك ما شوفتيه ، هندمك على الساعه اللى عرفتى فيها زياد السيوفى .

- روحت فين بس يا خالد !!
تقف قمر على فوهة بركان متحرك موشك على الانفجار تبحث عن خالد بعيونها الصقريه هنا وهناك .. تسأل عنه كل من يُقابلها فى طريقها .. الى أن وصلت للمطحن الخاص ب آل نصير وبعد عناءة تنهدت بارتياح عندما رأته يقف مع العمال موليا ظهره .. فاشارت لطفلٍ صاحب السبع سنوات أن يُناديه ثم اختبأت بعدها خلف الحائط ..

بعد لحظات آتى إليها مهرولا
- قمر !! خير أمى حصلها حاجه ..
هزت رأسها نفيا وهى تقول: فجر .. عرفت مكانها ..
طأطأت راس خالد باسف : عمى ورجالته اختفوا وقلبت الدنيا على الاماكن اللى ممكن الاقيهم فيها وو
وضعت اناملها الصغيره على شفتيه ليصمت ثم بادلته بابتسامه هادئه
- انا عرفت مكانها ..

تحرك ساكن بداخله إثر لمستها المباغته وسرعان ما تجاهله .. فقال مُلتاعا :
- أيه !! طيب هى فين ؟!
اطرقت قمر بأسف : فى المخزن الغربي ..
رد خالد مصدوما : إيه !! مخزن أمى ؟!!!!!!!!
- للاسف يا خالد..

استعادت وعيها بعد مرور سويعات قليلة لم تدركها .. فرفعت جفونها بعد عناء طويل ومقاومة جبال الحزن التى رست فوقهم ، لازالت رأسها مستنده على الارض وتصلقت مُلتقطات الارض لتتخذ من بين خصيلاتها مأوى .. سعلت عدة مرات بصوت خفيض نابع من جوف الالم ..

فمشطت ظهر الباب المنغلق باهدابها ثم مسحت المكان الاشبه بحظيرة الحيوانات فوجدت نفسها فى مكان آخر غير الذي فقدت وعيها به .. أصيبت بنوبة ذهول فكانت تأمل أن تُشرق شمسها على انظاره حصاره التى لم تشعر بالامن منذ اعوامٍ الا خلف اسواره فلمس وجنتها الهواء المثقل بندوب الايام وانين خافت يتردد بداخلها :
- ياترى هتدور عليا يا هشام ولا ما هتصدق إنك ارتحت منى !! أنا مستنياك مش عارفه ايه المبرر ولا الدليل اللى مخلينى مستنيه دخولك من الباب ده بس انا حاسه إنك هتيجى ..

تقلب التذكار والنسيان امامها كفقاقيع المياه المغليه ، فلم تكتفى بعُزلتها فقررت أن تتخذه فى ظلال عقلها ونيسًا لوحشيتها وهى تسترجع لقائهم الاول كيف كان، وشجارهم وهيبته التى لم تخشاها يوما ، ملامحه التى تحمل أمانًا يملأ قلوب نساء العالم .. فكيف تعصف المشاعر بارواحنا لتلك الدرجه من الجنون !!

اغمضت عينيها لبرهه وهى تدفن وجهها بين رُكبتيها متعجبة على الحالة التى وصلت لها بسبب رجل باتت اسواره حريه ، والعالم بدونه منفى .. رجل منذ اقتحامه لابواب ايامها خلق من عدمها وجودا .. ومن رماد قلبها الخامد جمر مُلتهب لدرجة الاحمرار منذ لحظه غيابه .. فتنهدت بندم لو اعلم مدى كم معاناتى التى امتثلت لها ما اطلقت عيناى عليك ابدا ولا اسقطت اقدامى فى شباكك ..

- متخذلنيش يا هشام ..
ففزعت من سُكرتها التى انستها اوجاعها عندما سمعت وقع اقدامه المثقله بظلمه الذي لا حد له فنال منه الشيطان ما نال .. فجهر قائلا
- زين انك صحيتى .. كده يحلو الحديت يا ست فجر !!

تناول آخر سيجارة من علبته ليشعلها فتحول مكتب مجدى لسحابه سوداء إثر تكاثف دخان غضبه الخارج من حرق تبغه ..يقف أمام النافذه وكأنه شبحا هاربا من ضباب الغموم .. فانهالت فوق رأسه سيول الندم التى لم تزره طول ايامه كأنه كأى شخص يعلم قيمة الاشياء بعد فقدها .. فهتف مجدى
- هشام !! انت اول مرة تدخن كده .. كفايه !!

خرج رده فى صورة كلام ممزوج بالدخان وهو يقول
- لفيت عليها فى كل مكان تبع الحيوان ده ومش عارف اوصلها .. هتكون اى انشقت الارض وبلعتها !!
ثم تناول سلاحه من فوق المكتب
- كلم القوة هنقلب البلد من اولها لاخرها .. انا بقي فاضي ومش ورايا غيره النهارده ..

وثب مجدى قائما ليفشل مخططه .. ويفهمه عاقبة افعاله الجنونيه فاى فعل خلف جدار الغضب عاقبته الندم .. فجهر قائلا
- هشام .. انت اتجننت !! اهدى كل اللى احنا بنعمله ده فوق القانون وتحايل ... عارف يعنى ايه تاخد قوة وتروح تفتش بيوت وانت مش معاك اذن .. وبدل ما انت صاحب حق زيدان ممكن يطلعك متهم !! اهدى وفكر بعقلك ..

هبت زعابيب صبره التى تحاول تجاهلها كثيرا ولم يقدر .. فهتف بصوت اخترق الجدارن
- اهدى ازاى ياااامجدى !! انت عارف يعنى ايه مراتى مخطوفه فى يد الكلب ده وانا مش عارف اتحرك !! متخيل هو ممكن يكون بيعمل فيها ايه دلوقت وانا هنا واقف مستنى الساعات تعدى !! انا هتجنن برج من دماغى هينفجر ..
بالرغم من انفعال هشام الا أن مجدى لازال محافظا على ثباته .. فألجمه بصاعقه آخرى
- هشام ... أنت حبيتها بجد ولا إيه ؟!

صمت إثر سؤال مجدى الذي نصبه فى منتصف صدره وصوت متمرد خافت يهتف من داخله يُعاكس كبريائه " لا اشعر باننى احبك الا حينما التقينا وتأكدت من ذلك عندما افترقنا" .. صوت طرقات الباب كانت الشيء الوحيد الذي انقذ هشام من صاعق سؤال مجدى .. نظرا الاثنين نحو العسكرى الذي هتف
- فى واحد عاوز يقابل هشام بيه ..
مجدى باهتمام : مين !!

لم يكد العسكري يُجيي ولكن ظهر خالد فجاة قائلا
- أنا .. خالد نصير .. وعاوز سيادة الرائد في موضوع بخصوص ...
قطعه مجدى وهو يشير للعسكري قائلا : اطلع انت دلوقت ..
اقترب هشام من خالد متلهفه ، كاقتراب شخص أوشك على الغرق فلمست اقدامه أرض الشاطئ
- انت عاوز ايه ..

خالد بهدوء : عرفت مكان فجر ..
وضع هشام سلاحه خلف ظهره وهو يقول
- هى فين ؟! يلا نروح ..
توقف مجدى متحدثا بحكمه
- هشام مالك ؟! استنى بس ..
ثم وجه حديثه لخالد
- انت جاى تبلغ عن عمك ؟ والمفروض إننا نصدقك !!

رد خالد بثقه : أنا اللى بلغت سياده الرائد بشحنة السلاح اللى متهربة فى الخشب ، وكمان لو بص فى تليفونه هيلاقينى من امبارح بتصل بيه عشان احذره من شر زيدان ورجالته وانهم عرفوا مكانه .. وانا اللى لما عرفت مكانها جيت عشان ابلغكم ..
مجدى باستغراب : وانت ايه مصلحتك ؟!
- بدور على حقي زى ما انتو كمان بيدوروا على الحق ..

ثم وجه كلامه لهشام : فجر فى المخزن الغربى اللى فى دخلة البلد.. بس فى مشكله ..
مجدى : إيه هى ..
- المخزن باسم أمى .. وطبعا هى اللى هتتعرض لا مُسائله قانونيه ...
خيمت ظلال الصمت لبرهه على رؤوسهم الا أن قطعه صوت رنين هاتف هشام الذي القى قذيفه آخرى
- ده عمك .... زيدان بيتصل ؟!

-" بسماااااااه .. على فكره إنت مش مركزه معايا خالص ، وهذا تصرف غير لائق إطلاقا "
هبت ثرثرة رهف وهى تنادى على بسمه الشارده الغير مباليه بحديثها .. فاغمضت عينيها متنهده
- مش مرتاح لتصرفات زياد اخوكى ..
قهقهت بثقه : وانا كمان زيك .. عمرى ماارتحت لزياد اخويا ..
بادلتها بنظرة شك فاستقبلتها رهف بضحكة عاليه .. ثم قالت
- هتركزى معايا ولا اروح ارد على الواد الحليوة وارتبك افعال هموت واعملها ..

تناولت بسمه الوسادة الصغيره من يسارها ووضعها على ساقيها المنعقدين واستندت بمرفقيها عليهما
- وكمان ده حواره حوار !! تفتكري عاوز ايه !
تحمحمت رهف بثقه : ما هى باينه زى طلوع الشمس ، عنده فضول رهيب انه يتعرف !!
هزت بسمة رأسها نفيا
-بت انت اتعدلى كده .. وماتنسيش إن ابوكى معلم على ابوه ومديله قلم محترم !!

- لا طبعا مظنش إنه مكلمنى عشان كده .. هو اصلا كان بيحاول معايا كتير فى الجامعه وانا كنت بنفضله .. وبعدين لو ضغط عليا أكتر من كده .. فأنا مضطرة اضعف ..
رمت بسمه الوساده فى وجهها
- والله أنت ما اتربيتى !! مجدى لو سمعك ممكن يقتلك ..
انكمشت ملامح رهف فزفرت باختناق
- بسمه حبيبي أنت ليه مش عاوزه تفهمى إن مجدى my best friend... وانا وهو صحااااب وبس !!

انعقد ما بين حاجبين بسمه : ومجدى عارف بقرارك ده !!
- لا .. انا اللى قررت ، واصلا مجدى شخصيه رسميه وعمليه كده وحاسه إنه مش هيجى منه ، بصي يابسمه انا عاوزه اتجوز واحد تافهه بتاع هلس وجنان .. اما العاقل ده وبتاع سكة الجواز الدغري ما تمشيش معايا!!
ضاقت عيون بسمه بعدم تصديق ثم واصلت رهف حديثها بتباهى
- عارفه شخصية زياد اللى مش عاجباكم دى انا بتمناها .. بس مع شخص يكون باد كده معايا لوحدى ، أما مجدى ده محاولش حتى يتحرش بيا ، بصراحه بيفصلنى !!

ارتفعت نبرة صوت بسمه
- واحد قاعد مع هشام السيوفى ٢٤ ساعه فى اليوم عاوزاه يكون أي يعنى !! بت انتى .. ليه متذيذه كده فى مشاعرك ومش عارفه انت عاوزه ايه !! على فكرة لو خسرتى مجدى وحبه هتعيشي ندمانه طول عمرك ..
القت رهف نظرة على صورة فارس التى يبدو فى كامل وسامته واناقته وهى تقول بصوت خفيض وبحسره
- طب والله الواد قمرررر اووووى ....
قطع حديثهم صوت رنين هاتف بسمه التى احسن بوخزة ندم بصدرها لانها اعطته رقم هاتفها فاردفت بضيق
- ده سامر !!

رهف بخبث : سامر !! سامر سامر !! اللى هو سامر ؟!
- اوووووف إيه يابت !! ده سؤال ؟! انت هتبقي اعلاميه إزاى مش عارفه ؟!
ضاقت فتحة عيون رهف : ممممم يبقي سامر سامر .. والله الواد شكله عينه منك وابقي قولى رهف ما تفهمش حاجه ..
بسمه بامتعاض : مش هرد بس .. وبالنسبة لاخوكى ده ايه كيس جوافة يعنى عشان اكلم حد غيره !!

اردفت رهف بعشوائيه وعدم ادراك عاقبة جملتها
- بسمة أنت لسه عايشه على اطلال زياد !! زياد مش هيبقالك لانك انت اصلا كتير عليه ، وزياد اخويا مش وش جواز وكلها كام شهر تخلصي دراستك وهيطلقك عشان تشوفى حياتك ...
باتت الرؤيه امامها مشوشه كعجوز فقدت نصف بصرها وهى تراقب الايام والليالى تشبعت من حكمهم فحفرت تجاعيد روحها الذي هلكت فى ظل رجل .. فإلى أين المفر إن لم تكن أنت قدرى ؟!

انقلب حال القرية رأسا على عقبٍ ، وبات موضوع اختطاف خطيبة العُمدة الحدث الاعظم فى نهارهم ، تجمع أهل القرية فى مكانٍ واحد إثر إنتشار خبر العثور على فجر ..
انطلق هشام بسيارته بصحبة مجدي واتبعته سيارات الشرطه فى صفٍ متتالٍ محتشد على جانبيه حركه الاهالى اللذين يتسابقون لمشاهدة الحدث التاريخى..

يحمل فى قلبه صخب غيابه ولقائه فى آنٍ واحد ، امراة بغيابها احتلت اجزاء الوقت .. ضغط على البنزين ليزيد من السرعه ويُعجل بساعة اللقاء متناسيا العالم وراء ظهره ومُقبلا بكل شغفٍ نحو عالمه الاخر ..

فى ساحه واسعه يتوسطها مبنى هالك مكون من طابقين ويحاصره اشجار النخيل احتشد اهل القريه وانعقدت حلقتهم .. فرقفت صفوفهم سيارات الشرطة فبمجرد ما اوقف سيارته هبط بلا وعى .. لحق به مجدى وتابع خُطاه متجها نحو التجمع الاكبر حول نخله ينعقد بها شخصٍ لم يقترف أى ذنب سوى أنه ففيرا ..
وصل هشام اليهم وهو يوجه حديثه لزيدان بقوة
- مراتى فين !!

استدار زيدان بشموخ : وه وه وه !! زين انك جيت ياحضرة الظابط ... شوفت الكلب ده خطف مرتك وكان بيساومنى عشان شوية ملاليمممم ..
ثم اقترب منه خطوة وهو يرفع رأسه متحديا
- لكن على مين ما عاش ولا كان اللى يقف فى وش القطر .. ورجالتى وصوله فى اسرع وقت ، وهياخد جزائه ..
جز هشام على فكيه فبرزت عروقه وتكورت يده من شدة الغضب واحمرت عيناه بشرارة الجزع مُكررا سؤاله
- بقولك مرتى فين ؟!

اتسعت ابتسامة زيدان الخبيثه الذي يتوارى خلفها شيطانا ملعونا .. فجهر
- هاتوله مراته يا ولد ..
تقف عنايات بجوار غازى بثغر ملتوٍ
- وووه شايف هيحرق البلد عشانها كيف !! شايف بت المحظوظه وقت مع مين يا غازى !!

غازى باغتياظ : اكتمى يا مرّه ، اكتمى .. كل اللى مجننى كيف جناب العُمده هيسلمهاله إكده ! ده كان هيحرق البلد عشانها..
شرقت شمسه آخيرا وخرجت من الباب الهالك بصحبة احد الخفر ينظر اليها مشدوها.. فأصيب بشلالٍ قوى يدفعه بشدة إليها إثر عينها التى صابت به كل شيء .. فلم يوصله ابدا حب امراة الى الموت .. ولكنه الوحيده التى أحب الموت بين ذراعيها .. ولكن ثُقل ما به من حبٍ اوصده مكانه يتنظرها.

كان حادث لقاؤه بعد سويعات مرت على سلم الاعوام هو الاشنع .. هو حادث العمر الذي خلق من روحى انسان متيم بحياه هو بها .. منذ أن رأته بادلته بنظرات تنعش الحب المكبوت .. فلم تتحمل أن تسير بخُطاها المتمهل بل انطلقت على لحن قلبها قاصده منتصف ذراعيه تحديدًا .
رجل لا يُذيب قلبه حر الحب من قبل ولكن تلك المرة صهره بدون سابق إنذار ، استقبلها بلهفة أم فقدت ابنها منذ سنوات ، باحتواء الرحم للجنين ، وبضمة بستان لازهاره .. تقلصت خطاوى الارض لتجمعهما فى نقطة واحده ..

فلم تهتم بالعالم فى حضرته و نُقلت فى حضرته من فضاء الاستقلاليه لمربع التبعيه المختصر بين ذراعيه .. التف ذراعها الايسر حول عنقه والاخر حول خصره .. فحاوطها بذراعه ليقربها منه اكثر ..
بات كل جزء يترعش يتحسس إنتفاضه ؛ بين يديه شعرت ب شلال من الامان للحد الذي يجعلها تظن انها غزيت مدينه باكملها وباتت خاضعه لها .. اتخذت انفاسها من عنقه وسبحت بحور دموعها فوق كتفه وهو تتشبث به أكثر هامسه
- أنت اتاخرت ليه كنت مستنياك .. !!

امامها خلع عباءة الشرقي المكونه من خيوط التهديد والتوعد الى حبيب لفحها بذراعه الاخر وأخذ يربت على شعرها تارة وتارة اخرى يتدلى على ظهرها قائلا بحنان بالغ
- فيكى حاجه .. متقلقيش أنا جمبك وحقك هيرجع ..
تفرغت افواه الجميع واتسع بؤبؤ اعينهم لهول ما رأوه وما تربوا عليه ، فالحب الجريمه العظمى التى لا يجوز الافصاح عنها ، السر الكامن الذي لا يجب البوح به ، اللعنه الوحيدة التى أن مارسها صاحبها يُغتال ..

غليان دماء زيدان كانت كافيه أن تحرق المكان بكل من عليه ، اتظاره المحرقه كانت تلتهمهم بشراسه ، بات حاله كبركان كل ما بداخله يفور وخارجه ثابت ، يضرب الارض بعكازه محاولا تمالك غضبه فلاحظه شيخ الخفر قائلا
- عاجبك المسخرة دى جنابك ..
اردف متوعدا : يا ويلهم منى .. اتقل بس ..

ابتعدت عنه عنوة بعد لحظات مسروقه من الزمن بين ذراعيه التى اعترفت بقدرهم .. فاطرقت بخجل وهى تنظر أرضا
- أنت جيت هنا عشانى صح ؟!
سرعان ما ارتدى ثوب الشرقي الآمر الناهى وجز على فكيه مغتاظا
- دانت ايامك سوده معايا !! مين قالك اخرجى من باب الشاليه !!

يراقبهم مجدى بعيون خبيثه قائلا لنفسه سرا
- انا قولت الواد ده طب ومحدش سمى عليه ..
ثم تدخل قائلا
- مش يلا يا سي رميو .. كفايه نحنحه ولا انت ليك راي تانى !!
ضغط هشام على قدمه باغتياظ : اتلم ...

تلقاه مجدى متألما فى نبرة صوته العالٍ
- يلا يابنى وهاتلنا الواد المربوط ده نشوف اخرته ..
اقترب منه زيدان بشموخ
- هااا .. مرتك ورجعتك .. وانا اوعدك اللى يحاول يقرب منها هفرمه ..
تعمد هشام ان يطوق كفتيها ويقربها منه اكثر
- مراتى هعرف احميها كويس يا عمده .. طلعنا من دماغك انت بس ..
ثم وجه حديثه إليها متعمدا ليشعله بنيران الغيره
-يلا يا حبيبي !!

خرجت الكلمه من ثغره لتقام فى صميم قلبها وهى تومئ ايجابا باعدة انظارها عن زيدان الذي يود أن يلتهمها ..
دائما ما تتعمد الحياه ان تختبر صبرنا بطرقا اكثر الما .. اختباراتها مرايا لنرى من فينا يصلح للحياه ومن لا يصلح .. من لازال في عمره وقلبه بقية لتذوق جمال الحياه ومن شُح نفسه واخذ قرار نهايته قبل الاوان .

اعتدت ان اتمرد على اقدارى .. وان اترك لك زمام الامر ل تضع انت النهايه لكل شيء ، تنزف حبها حبرًا على لوحتها البيضاء ، تفرغ طاقات شوقها باللون الاحمر ، وتعبر عن سواد ايامها باللون الاسود ، وتنوح حنينا على اطلال رجل اهلكها فى حبه باللون الازرق كلون البحر الذي تلجأ إليه دوما..
تعلم ما معنى ان يضور القلب جوعًا ووجعًا لافطار لم يدركه ابدا!.. ما معنى ان تحمل قفة الحزن واللوم وحدك ؟!
فلا لوم عليك.. لا لوم على عابر اعطيته حجمًا زائدًا من الاهتمام...

سبح وجهها فى بحور الالم والفراق المحتوم على حالتها وحالة قلبها ، فبات ذنبها الوحيد انها أحبت من لا يراها .. بللت حلقه متذكرة حوار دار بينهم منذ اعوام
- زياد انت لو سبتنى.. انا مش هقدر اعيش من غيرك..
- وانا لو سبتك مش هلاقي الفرحه اللى حاسسها دلوقتى دى مع حد غيرك!

لا يغادر الرجل الا عندما يضمن بقاء امراه ويضمن سطو حبه على قلبها، هى من اعتاد ان تخرج من ملاذ عطرها الى اشواكه التى ستكون سبب فى نهايتها.. فاقت من سطو قلبها على صوت رسالة واتس آب .. فتحتها بتكاسل شديد لترى ما بها ..
فكانت عبارة عن مجموعة من الصور وثلاث فيديوهات لم يتم تحميلهم حتى الان .. ولكن توقفت جميع اجهزت جسمها عندما تحولت شكوكها الى يقين
- دكتوره بسمه حبيت بس اعرفك حقيقة حبيب القلب .. دكتور زياد...

اعشق تلك السعاده السرية التى تمارسها اعيننا بلغه لا يفمها سوانا .. روح واحده انقسمت بين جسدين .. كل جزء منها يشتهى الاخر حتى باتت اعيننا تتعانق الى ان يأذن القدر بالعناق فابوح بفرط ما يتملأ بك دفعة واحده .. ساخبرك بلغة آخرى ان قلبى لا يجوز له ألا يكون إلا اليك ومنك وبك ..
تعمد هشام ان يطوق كفتيها ويقربها منه اكثر
- مراتى هعرف احميها كويس يا عمده .. طلعنا من دماغك انت بس ..
ثم وجه حديثه إليها متعمدا ليشعله بنيران الغيره
-يلا يا حبيبي !!

خرجت الكلمه من ثغره لتقام فى صميم قلبها وهى تومئ ايجابا متجنبة النظر الى زيدان الذي يود أن يلتهمها ..
دائما ما تتعمد الحياه ان تختبر صبرنا بطرق اكثر الما .. اختباراتها مرايا لنرى من فينا يصلح للحياه ومن لا يصلح .. من لازال في عمره وقلبه بقية لتذوق جمال الحياه ومن شُح نفسه واخذ قرار نهايته قبل الاوان .

وصل هشام بصحبة فجر الى سيارته السوداء ولازال محتضن كتفيها أمام انظار الجميع .. تحرك مجدى ليصعد سيارته الا أن توقف إثر هتاف هشام
- مجدى .. بقولك ايه روح اركب ف البوكس مع العساكر ..
انعقد ما بين جبين مجدى مندهشا: ليه يعنى ؟! ومالها عربيتك ..
تلعثمت الكلمات فى فمه تحت انظار فجر اللامعه فقال: ااه اسمع الكلام وخلاص ..

- هو ايه اللى اسمع الكلام وخلاص!! حد يسيب (الرانجلر) ويركب البوكس ؟!
احتدت نبرة هشام فقال : مجدددددى !
- احم .. طيب ماشي يا إتش هركب انا مع العساكر عشان تاخد راحتك فى عربيتك وكده .. تأمر بحاجه!!
تغير نبرة مجدى المفاجأه وتغير ملامحه لم يمنعا من ارتسام الضحكه على وجه فجر ، فرد هشام قائلا
- لا ياخويا .. كتر خيرك مش عاوز حاجه منك !!

ضاقت عيون مجدى حد الانغلاق وهو يتوعد سرًا
- طيب يا هشام يا ابن أم هشام !! اما وريتك !!
ثم جهر مجدى بنبرته القوى التى تردد صداها مناديا على العساكر
- يلاااا اجمع عشان هنتحرك كلنا ...
لازالت فجر واقفه فى مكانها تشعر بحالة عجيبه من الفوضي .. فألتفت إثر جملة هشام الهامسه
- هو أنت مسمعتيش مجدى بيقول يلا اجمع عشان هنتحرك ..
احتلتها نظرات التيه : هااااا !!!
- هااااا ايه !! اركبى اركبى انت لسه هتتصدمى ؟!

يحدث ان تُغادر الروح ويظل الجسد متمسكًا بأيام قاحلة وأن نيشان القلب دائمًا خاطئ حتى وان تمنيت صحته ..
تلملم بسمة اغراضها بأختلال عقلى وقلبى ، كل شيء يتساقط من يدها باتت غرفتها فى عدة دقائق عبارة عن صندوق كبيرة كل محتوياته فوق بعضها وتغرقهم بمياه انفها و عينياها الاتى لم تتوقف سُحبهم ...

تجوب هنا وهناك وتحضر مستلزماتها وتلقيهم بفوضى فى حقيبتها ، وبات قلبها كطير دبيح ينتفض فى صدرها متخذه انفاسها بصعوبة بالغه الى أن سقطت انظارها على المراة ورات ملامحها الشاحبة فتردد صوت خافت بقلبها : ‏هل هكذا يُجزى من اعتنق الهوى؟
عادت لتقفل حقيبتها وسحبتها بعناء مغادره الغرفة معلنة قرارها بالرحيل .. توقفت إثر نداء العالى
- بسمة .. بسمه انت نازله !!

جففت بسمه دموعها سريعا متظاهره بالثبات
- اه راجعه القاهرة ..
- نعمممممم !! اى الجنان ده ..
زفرت بسمه باختناق : ولا جنان ولا حاجه ياستى !! عندى امتحانات وهروح اقعد فى شقة بابا شويه ..
استندت رهف على عكازها لتقف عليه
- بت انت حصل ايه ؟! وازاى يعنى هتقعدى فى شقه لوحدك ..هو زياد زعلك ؟؟!

- ياربي منك يارهف ، ولا اى حاجه من اللى فى دماغك ، بس محتاجه اقعد مع نفسى شويه ..
اقتربت رهف بانظارها الثاقبة
- بت أنت معيطه !! يبقي حصل حاجه ومخبيه عليا !! نهارك اسود مش فايت ..
تناولت بسمه حقيبتها لتهرب من تحقيق رهف الغير مُجدى بالمرة منهيه الحوار بينهم وهى تجر ذيول خيبتها
- يلا باى باى لازم امشي ..

تفوهت رهف جملتها الاخيره ممزوجه بصوت قفل الباب بقوة فتسمرت رهف مكانها
- مابقاش أنا رهف لو البت دى ما كانت مخبيه عنى حاجه !!
ثم عادت لتهاتف امها وتخبرها برحيل بسمه فلم تجد رد ، فالقت الهاتف بجوارها متأففه
- اووف .. وبعدين ياربي فى البيت اللى كل واحد فيه فى وادى ده!!

ثم نظرت على ساقها المُجبس متحدثه بحنقة
- اوووووف ..وانا هفضل قاعده كده ياربي!!
ثم انهالت على رأسها رسالة فارس مُختار فاصابها الفراغ فى مقتل لتقول
- ما اتسلى عليه واشوفه عاوز اى هو كمان .. بدل قعدتى دى !!

" فى السياارة الرانجلر الفارهة "
عاد هشام متسلحًا بالتجاهل مرة اخرى وكأنه يخجل من البوح بنيران جوفه متجاهلا تلك الحورية الجالسه بجواره التى لها القدره العجيبة ان تُشعل بجمالها حربا وحبا فى آنٍ واحد ..
تفوهت بهدوء : إحنا رايحين فين ؟!
لم يلتفت اليها ولازالت اعينه تمشط ارصفة الطريق
- هنروح القسم نعمل محضر للزفت ده ، وبعدين هنرجع على القاهرة ..
- محضر لمين ؟!
راد مقود سيارته بتركيز : لزيدان ، عشان يفكر ويمد إيده على حاجه تخصنى ..

قذف قلبه اللفظ بدون رقابه منه فلو فكر للحظه ما كان سيقوله ، فلازال يحارب كل ما بثته عيون امرآه بين ثنايا اضلعه .. تلك المرة دارت هى بجسدها تتأمل ملامحه بتركيز شديد بعدما نصب الكلمه ( تخصنى ) فى تربة قلبها ... وسرعان ما نبتت الكلمة بثمارٍ لا تعد ولا تحصى .. احتضنت يده الموضوعه فوق مسند ذراع السيارة فتتطلعت اعينه تدريجيا بيدها الى أن وصل لعينيها ... فهتفت قائله
- أنا اسفة ..
قالتها بنبرة ضعف كانت كافية ان ترج قلبه .. فرفع حاجبه تلقائيا
- اسفه ليه ؟

فقدت زمام السيطرة على عقلها واحتضنت كفه أكثر وهى تبلل حلقها ولتجيب على سؤال
- من يوم ما ظهرت فى طريقك وانا بسببلك مشاكل فى شغلك وحياتك وعلاقتك بخطيبتك ، حاسة انى بوظتلك الدنيا ، مكنش قصدى كل ده والله..
فرمل سيارته فجاة فلم تتحمل اعصابه شلال المشاعر المتدفق منها لقلبه .. وظل يرمقها بصمت تام عكس صخب دواخله ، كان لديه ألف رد على جملتها ، هل يخبريها بأن بمجيئها تغيرت اقداره التى يأس من تغيرها ، أم يشكره لانها دبت مشاعر دفينه فى جسده ، أم يحدثها أنه كان يتنظرها من قبل الزمان ، ام يخبرها بأنها اشتعلت بداخله منذ اول مره للحد الذي تحالفت عليه اجهزة جسمه بأنها لا تتركها .. !!

فاق من دوامة نظرات إمراة لم تُخلق للمقاومه بل خُلقت لتطيح بقلبه قائلا برسمية ..
- كويس إنك عارفه !!
اردفت بتساؤل : عارفه اية بالظبط !!
- إنك بوظتيلى حياتى ...
لازال محافظا على عُذرية قلبه ، ولا زالت مشتعلة بنيران الفضول بسبب رجل غامض ، كل ما به غير صريح ، لماذا هو كما هو عليه !! ألجمتها جملته لتصمت حتى نهاية الطريق حائره فى فك شفرة رجل تظن انه خُلق من طين آخر .. أما عنه فلازالت اعينه تختلس نظرة من حينٍ لاخر متعمدا اخفاء ابتسامته ..

- حمد لله على سلامتك ياخويا .. احكيلى حصل ايه
اردفت مهجة جملتها وهى تخلع سترة زيدان الفضفاضه .. فاجابها بامتعاض
- الواد حرق دمى يا مهجة الله يحرق دمه ..
- سلامتك يا خويا من حرقة الدم شالله هو ومقصوفة الرقبة ..
نزع زيدان حذائه الذي يملأه التراب وهو يقول
- اول ما شافها خدها فى حضنه ولا عمل حساب لكبير ولا صغير ..

تناولت الحذاء منه وهى تقول
- الواد قادر ويعملها .. دانا حاولت اجيله من هنا اروحله من هنا .. هب فيا زى البوتاجاز وقالى بكل ثقه مش هشام السييوفى اللي يسلم دقنه لمره !! كان الود ودى اكله بسنانى ..
لُطخت ملامح زيدان بحُمرة الغضب
- الواد ده لازم يتربى يا مهجة ، واللى مستنيه منى تقيل قوى ..

جثت على كبتيها تحت قعده وهى تقوله بخبث
- شوف أنت لو مكنتش سمعت كلامى ونفذته بالحرف مكنش زمانك قاعد تمخمخله .. اصل النوع ده من الرجاله بيكون عاملة زى الكلب الجعان اللى لازم ترميله العضمة اللى عاوزها عشان يسيبك فى حالك !
- ناوية معاه على إيه يابت الصياد !!

ربتت على كفه بثقه ثم قالت : كل خير .. طالما دخل راس مُهجة الصياد يبقي هيتروق !! المهم دلوقتى يا عُمدة .
رمقها زيدان باعجاب : ايه هو ؟!
- الواد خالد ابن اخوك .. لازم يتربي ..
ضغط على اسنانه بغل : الواد رايح يسلم رقبة عمه للشرطه ..
- طالع كهين زى امه .. وشك وشك قفاك قفاك .. متقلقش هندمه على اليوم اللى فكر فيه يغدر بيك يا سيد الناس ..

وصل هشام بصحبة فجر إلى قسم الشرطه بعدما ابتاع لها فستانا من اقرب محل فى طريقهم ؛ فوجد مجدي امام باب القسم هاتفا
- اى كل ده تاخير يا سيوفى .. !!
اقترب منه هشام بهيئته الشامخه ليقف امامه مصدرا ضهره لفجر : انت مركز معايا ليه .. ما تخليك فى حالك ..
- اومال لو مركزتش معاك ..هركز مع مين غيرك !! مع البت القمر اللى معاك مثلا !!

ضغط هشام على مرفقه بكل قوته قائلا
- ما تلم دورك يلاااه ..
غمز له مجدى بطرف عينه : ما تلم انت دورك وتريح قلب ابن عمك حبيبك عليك !! وتقول لى حلو طعم الحب ..!!
اقترب من آذانه متوعدا : كلمه كمان وهكسرلك صف سنانك ..

تظاهر مجدي بابتسامه خبيثه ارسلها لفجر التى استقبلتها بنظرات حائره وهو يقول
- اخس ويخونك العيش والملح والدم .. بس كلام فى سرك البت تستاهل زى ماقال الكتاب بالظبط .. انا لو مكانك مكنتش هضيع فرصة زي دى ابدا ..
لعب مجدي على اوتار غيرته مما أحس بحرارة انفاس هشام التى ترتطم بملامحه وهو يقول
- ملاحظ انك بدات تلعب فى عداد عمرك ومش عاوز امرمط هيبتك قدام العساكر .. فأقصر شري ..

ثم جهر مناديا على فجر : يلا يافجر تعالى عشان نخلص ..
فرفع مجدي نبرة صوته : ااه يلا يافجر عشان عاوز اقفل المحضر ونخلص ..
ولكن اوقفه هشام قائلا بحده
- لا ياخفيف .. خليك انت هنا على بال ما تخلص سيجارتك عشان فجر تغير هدومها وتغسل وشها وتفوق لك ..

ارتفعت ضحكة مجدي مما اثار انتباه الجميع ثم تحمحم قائلا
- يابختك مكتبى والله .. بص على راحتك ياسيوفى كأنه زي بيتك .. عاوزنى افضيلك القسم كله رقبتى يابن عمى .
زفر باختناق هامسا : طيب خلى بالك منها احسن توحشك ..
ثم تراجع خطوة للخلف وسحبها خلفه ونيران الغيره مشتعله بصدره فلم تتحمل متابعة خطواته السريعه فهتفت
- انت متسربع كده ليه ؟! ..
- امشي وانت ساكتة !!

فتح باب المكتب وجذبها بكل قوته داخله حتى اوشكت على السقوط إلا أن تلقاها ذراعه وألقاها بين محتوى ذراعيه ففزعت شاهقة فالتقط شهقتها بقبلة آمنة أهدأ ثوران قلبه وقلبها بها ..
تشعر بانفاسه القويه تحرق بملامحها وكل شيء بها .. احتلتها الغرابة والحب والدهشة فى آن واحد فلم تشعر بنفسها إلا عندما رفع جسدها بذراعه القوي الذي يطوق خصرها لتبقي بمستواه ..

بات يثنر عطر احتراقه على كل انشٍ بملامحها .. خلع علقه وكبريائه فى حضرتها فدوما ما كان يري ان الحب هوان وعار الى أن هوى امراة اصابته بهزة عنفوان جعلته يتمنى ولو يتجرعها كلها بجوفه لتخمد نيرانه ..
لم يعطيها فرصة للاعتراض للبعد لاى نفسا تسلبه بعيدا عنه .. اغمضت عينيها وعانقته بشوق وكأن الحال راق لها ، ذبح كل جيوش شوقه فوق ثغرها الذي جعله يتجرد من كل المشاعر التى تعمد ان يُخفيها عنها ..

لمست اقدامها الارض مرة اخرى وتبادلت اعينهم للحظه وكل منهما يترقب ارتفاع وهبوط صدر الاخر فمال على اذنها هامسا بشوق يحاربه ..
- اعتبريها عقاب عشان تخرجى تانى لاي مكان من غير اذنى ..
فلت زمام امرها فتناول كفه واحتنضنته بشوق وهى تقول
- كنت شايفه ان الجحيم فى ضلك .. بس لما فوقت ولقيت نفسي فالجنه اللى كنت عايشه فيها طول عمرى .. اتمنيت ارجع تانى لجحيمك ..
ثم رفعت اعينها المثقل بانوار الحب وبنبرة هادئه
- هشام .. انا مش عاوزه اعيش حياة انت مش فيها .. أنت كنت لى مظلة من كل المصايب اللى بتنزل فوق راسي ..

ثم بللت حلقها الذي جف من حرارة انظاره التى تقاومها وقالت
- عارفه انى مش مناسبه ليك ولا عمرى كنت احلم اتكتب على اسمك ولو ساعه .. بس صدقنى انا محستش إنى عايشه غير بوجودك ..
توقف همس شفتيها اثر كفه الذي حاوط به عنقها بلطف مستندا بكفه الاخر على الحائط خلفها ..
- مش وقته الكلام ده !! يلا البسي وفى البيت نتكلم ..

اصابها بروده فى منتصف قلبها فهجمت عليها جيوش الندم وهى تومئ ايجابا مستعده للهرب من امامه .. ولكنها اطرقت بخفوت
- اسفه لو كنت اتسرعت وحكيت كلام ما ينفعش اقوله بس ..
مال تجاهها اكثر مقاطعا لكلامها وبنبرة جدية اردف
- فى سؤال هموت واعرف اجابته !!
التقت اعينها الواسعه بعيونه الحاده الذي خلعت قلبها من مكانه
- سؤال إيه .. ؟

اتسعت ابتسامته فجاة بعد ما اطلق زفيرا قويا طير خصيله من شعرها ولامعة عيونه التى فاضت بحب لم يعترف به حتى الان فقال:
- كان فى هوت شورت قبل الفستان ده ياترى لسه موجود تحته ولا نسيتيه فى الشاليه !!
انخفضت بمستواها لتهرب من تحت ذراعه مصدومه من وقاحته الزائد وهى تهذي بكلمات وراء بعضها
- اى قلة الادب دى !! وبعدين انت مالك اصلا ، طالعين من مصيبه وداخلين ع مصايب وده يقول لى هوت شورت !!

ضحك بصوت مكتوم فى نفسه .. وهو يستدير بفظاظه
- اتعصبتى ليه !! بصراحه عندى فضول رهيب إنى اعرف !!
تناولت السلة التى بها ملابسها من الارض بعد ما احتل الخجل بدنها .. وهى تهتف بعشوائية ثم اقتربت منه معانده
- مش انت لسه قايل انى بوظلتك حياتك !! وكلام يسم البدن مالك بيا بقي ..!!

مسك كفها التى تلوح به أمام اعينه وقال بنبرة ثلجيه
- انت ماسبتنيش اكمل فى العربيه ، أنا كان قصدى اقولك إنك بوظلتيلى حياتى البايظه .. فأنا المفروض اللى اشكرك مش تعتذريلى ..
صمتت للحظه محاوله استيعاب هول لحن كلماته .. فبات حلقها جافا كتائه فى الصحراء .. فاتسعت ابتسامتها وخطفت كفها بغتة وركضت من امامه هو يقول
- الحمام من هنا على فكره ..

لاحت بيدها متعمده تجاهله وهى تتسارع مع خطاوى الارض قبل ما يحتلها الجنون وتُفجر كل شلالات حبها القويه بوجهه
- مالكش دعوة !!
اما عنه أصيب بلعنة عينيها فحلقت به فوق طبقات السماء السبع حتى احس بدوار المرافعات وهو يشعل سيجارته
- ده شكل الموضوع جاي عالصحة قوى ، يخربيتك يامجدى محدش غيرك دعا عليا ...

اعشق تلك السعاده السرية التى تمارسها اعيننا بلغه لا يفمها سوانا .. روح واحده انقسمت بين جسدين .. كل جزء منها يشتهى الاخر حتى باتت اعيننا تتعانق الى ان يأذن القدر بالعناق فابوح بفرط ما يتملأ بك دفعة واحده .. ساخبرك بلغة آخرى ان قلبى لا يجوز له ألا يكون إلا اليك ومنك وبك ..

(- زيزو أنت شايفنى حلوة ؟!
- أنا مش شايف الحلو غير في عنيكى .. )
( - انت ازاى تبص على حد غيري وانا معاك .
- عشان اثبتلك إنهم ولا حاجه فيك )
( - أنت حبتنى امتى !!
- فاكرة القلم اللى علم على وشي وانا عيل فى ابتدائى !! اهو من ساعتها وأنا غرقت فى عيونك )
(- بتحبنى يا زياد
- أنا حبيت الحب بيكِ ).

تقلبت الذكريات امام عينيها كفقاقيع المياه المغلية التى ادخلتها فى نوبة بكاء جنونى وعمت الرؤيه امامها وهى تقود سيارتها ففرملت فجاة مما جعل السيارة تصدر صوت عالى ممزوجا بنبره صارخه من صدح قلبها وهى تتذكر فيديوهاته الدنيئه مع ناريمان وصوره فكل ما بها انهار ، استندت على برأسها على مقود السيارة وهى تجهش بالبكاء العالٍ
- والله يا زياد لاندمك .. بكرررهككك بكرررهككك ..

- بصراحه لما شوفت اتصالك مصدقتش عينيا ..
اردفت ناريمان جملتها بشماته وهى تجلس على المقعد المجوار لمكتب عايده التى اردفت بضجر
- بصي.. عشان اجيب من الاخر ، عشان حقيقي قرفانه منك ..
وضعت ناريمان ساق فوق الاخرى : لا من فضلك كوين عايده متقوليش كده عشان انا بحبك ..
- انا ولا هطلب منك اثباتات لكلامك ولا نيله .. بس انا بتقى شر اللى عطفت عليه ..

- حرام !! طول عمرك حنينه ياهانم ..
اغمضت عايده مقلتيها بنفاذ صبر وهى تسب فى نفسها سرا
- عاوزه كام !!
نصبت ناريمان عودها بتدلل
- أنا اخر حاجه تهمنى الفلوس !!
- ما تخلصي يابت ، انت هتشتغلينى !! وتعملى عليا بت ناس ..

- مقبوله منك يا دودو .. على العموم كلك نظر
ثم وضعت كفها على بطنها قائله : يعنى حياة ابن زيزو يساوى كام عندك!!
زفرت مهجة بغضب متجاهل نبرتها المستفزه .. فتناولت دفتر الشيكات وكتبت قيمة مبلغ مالى واعطته لها قائله
- خدى .. والقضيه انا اتنازلت عنها .. بس مش عاوزه اشوف وشك وتنسينى انا وابنى ... فهمانى ..

ثم تحولت نبرتها من الغضب للتهديد
- ومش عاوزه اقولك لو حاولتى بس تلعبى كده ولا كده هنسفك ..
التقطت ( الشيك ) بلهفه وهى تقرأ قيمة المبلغ
- مع إنه قليل .. بس يلا اللى يجى منك احسن منكم كلكم عايده هانم ..
- يلا اطلعى بره .. والاحسن لو لقتينى صدفه فى مكان تختفى منه ..
وقفت ناريمان بميوعه : ااعصابك بس عشان غلط على صحتك .. متقلقيش انا اللى مش عاوزه اشوفكم تانى ..

- والله زمان يا دكتور زياد ! ايه ياعم حارمنا ليه من طلتك ؟
اردفت نهى جملتها مرحبه بزياد الذي وجدته يتنقل بين طوابق المشفي .. فتوقف متأففا
- نهى مش رايقك !!
تفحصت المكان حولها : بس انا ممكن اروقلك مزاجكك ؟!
زفر باختناق : عاوزه إيه ؟!
- بقولك ايه ما تسيبلى نفسك خالص النهارده وانا هنسيك الدنيا وهاخدك ونسهر فى مكان وهمى ..

حاول الابتعاد عنها ولكنها ابت .. فرد زياد متأففا
- نهى فى شغل كتير متأخر ولازم انزل المعمل اراجع كل حاجه بنفسي .. وكمان انا مش ف المود .. ففكك منى ..
تسلق كفها على صدره تدريجيا الى أن وصلت لكتفه
-انا مظبطه كل حاجه تحت وزياده تأكيد خلص شغلك بردو وهعدى عليك ونروح سوا .. تمام يا زيزو ؟!
القى نظره على كفها الموضوع فوق كتفه فاتسعت ابتسامته الماكره
- تمام يا نهى .. هخلص وارن عليك ..
غمزت له بطرف عينيها وفاه ضاحك : حلو الكلام!!

- الو ؟!
نبرة خافته همست بها رهف فى الهاتف .. فاجاب مهللا
- والله ما مصدق ودانى !! بقي رهف السيوفى بنفسها بتكلمنى ؟!
بللت حلقها وتلعثمت الكلمات بفمها : مش أنت قولتلى فى موضوع مهم لازم اعرفه!!
شرع فى إلقاء أعذوبة كلماته
- وهو في اهم من انى اسمع صوتك ..!!
- ايه ياعم انت هتسرح بيا !! حركات اخويا زياد دى كلها انا قفشاها .. شوف حاجه غيرها !!

هبت عواصف مزاحها بوجهه فابتسم قائلا
- ياستى ولا حركات ولا حاجه .. كل الحكايه انى فعلا مُعجب ولا عاوز اتعرف ..
- ممممم وايه كمان ؟!
- انا ممكن اجيب بابا ونخش البيت على طول ، بس أنا حبيت اعرف رايك أنت الاول ..
ضاقت عيون رهف مستنكره
- مممم عارفاها الدخلات دى !! يابنى انت مش واخد بالك ابوك يبقي مين ؟!

- روفا لو كان فى سوء تفاهم بين ابوكى وابويا زمان فهو اتحل واتنسي ، وانا حاليا عاوز نبدا صفحه جديده ...
تدلل صوت رهف قائلا
- خلاص ممكن تكلم هشام اخويا ..
صمت فارس من صاعقة جملتها فاردف
- هشام !! وماله نكلم هشام .. المهم الحلو يرضي علينا ..

- شكلو كده مفيش موضوع وفى تلكيكات .. على كل باي باي ياسطا ومش انا اللى تمشي معايا السكه دى ..
لم تعط له فرصه بأن يبرر موقفه ولكنها اسرعت لتقفل الهاتف فى وجهه قائله
- شباب فاضيه وكل دخلاتهم فارغه ، والبنات غبيه ومابتصدق تتثبت .. بس على مين يابابا ... دا زياد السيوفى كل يوم نازلى بلغه السوق عندكم .. وده فايده إن الواحده يكون عندها اخ صايع ..

استمرت فى الحديث مع نفسها ولكن تفرغ فاهها عندما وجدت رساله منه
- صوتك احلى مما كنت متوقع على فكرة ...
تحول افرغ فمها الى شهقه عاليه عندما وجدت امها امامها
- مالك اى اللى شاغلك اوى كده فالموبايل .
ثرثرة رياح صوت رهف لتتفادى الموقف
- بتصل بزياد يا ماما بس موبايله للاسف مقفول ..

جلست عايده لتستريح على الاريكه متخذه نفسها
- هو حر بقي .. هفضل لحد امتى الم من وراه ويعمل فيها مقموص فى الاخر والضحيه .
- ياماما انت مش فاهمه.. اصل بسمه كمان سابت البيت !! وطفشت .
اعتدلت عايده فى جلسها بلهفه باحثه عن هاتفها لتكلم بسمه : ايه !! سابت البيت وراحت فين
خيبت رهف املها : متحاوليش موبايلها هى كمان مقفول ..
- اووووووف المصايب دى ياربي .. لا انا مش هينفع اقعد هنا .. هقوم الم حاجتنا واكلم السواق ونرجع القاهره ..

- ها يا فجر .. الواد اللى خطفك من قدام الشاليه ؟!
اردف مجدى سؤاله بنبرة رسميه .. فارتفعت انظار فجر نحوه بشفقه ، ثم انحدرت نحو هشام وبعد جوله من الحيرة اردفت
- اااه هو ؟!
اتسعت اعين هشام منتظرا ردا اخرا يبرد نيرانه .. فواصل مجدي استجوابه
- طيب بالنسبه للعمدة زيدان نصير بتوجهى له إى اتهام ؟!
القت نظرة ثاقبه على هشام الذي يود أن يلتهمها .. فاجابت بهدوء
- لا ..

جهر هشام مغتاظا : لا !!! لا لييييه ياروح امك !!
تدخل مجدى : هشام لو سمحت سيبنى اكمل شغلى ..
ثم وجه سؤال لفجر :
- لو هددك بحاجه متخافيش قولى احنا معاكى ..
بتلقائيه خزت رأسها نفيا فاطرقت بخفوت قائله
- زى ما قال بالظبط.. هو انقذنى منه ..
ضرب هشام سطح المكتب بكفته الحديديه
- ما تتعدلى يابت !! وبعدين انت خايفه منه ولا ايه ؟! دانا افرمه هو والبلد كلها..

مجدى بنفاذ صبر
- هسشسشام .. اهدى .. وانت يافجر لو فى حاجه مخبياها لو سمحتى قولى ..
بصوت متقطع
- انا قولت كل حاجه .. لا مفيش حاجه تانى ..
غلت دماء هشام إثر الجمر الذى تعمدت ان تُلقيه فوق رأسه .. فرمقه مجدي بقلة حيلة ثم قال
- قفل يابنى المحضر على كده ..
ركل هشام المنضده الخشبيه الصغيره بقدمه ونهض ليغادر مكتب مجدى قبل ما يرتكب بها جنايه .. رمقت مجدي حائره فقال
- امضي يافجر ..

تناولت القلم لتوقع سريعا ثم لحقت به راكضه فوجدته خارج القسم يشعل سيجارته .. فقالت
- هشام... مالك ..
اخذ نفسا من سيجارته التى ترتعش بيده إثر غضبه وثورانه القوى فصاح
- انت ماقولتيش ليه الزفت ده عمل كده !!
توقفت امامه متطلعه بعينه
- انا عملت الصح .. مش محضر هو اللى هيكسر زيدان .. ده عنده الف حل ..

خرج هتافه ممزوجا بدخان غضبه وهو يولى ظهره
- انت مالك ! قولتلك هجيبلك حقك من عينه !! دماغك ناشفه ليه وبتقاوحى ..
زفر بنفاذ صبر وهى تتحرك لتقف امامه
- عشان خايفه عليك .. عاوزاك تبعد عن طريقه ياخى !!
- خايفه عليا !! انت بتتكلمى مع عيل !! ولا شكل الصدمه اثرت ع نفوخك فأنت مش مستوعبه متجوزه مين ..

بللت حلقها لتبتلع غصة كلماته
- عارفه والله ... بس ليه نعيش واحنا شبح الانتقام والدم بيطاردنا .. هشام انا مش عاوزاك تحتك بالرجل ده عشان خاطرى ..
كلمة ( عشان خاطرى ) أهدات غضبه تدريجيا وثارت مشاعر غامضه بجوفه يجهل مصدرها .. فألقى سيجارته فى الارض وفركها بقدمه
- وانت فاكره انك كنت بتحميه منى !! تبقي غلطانه ..
كانت تلك اخر جمله قالها وتحرك صوب سيارته فلحقت وصعدت بجواره وهى تقول
- انت مكبر الموضوع ليه !!

رعد صوته مره اخرى
- انت عاوزاه يتجنن وياخد مراتى من قلب بيتى وافضل ساكت واتفرج ومرجعش حقك ... لا اسف انا اقعد جمبك بطرحه اكرملى ..
تفرغ فاهها إثر كلمته المُباغتة التى شقت قلبها لنصفين
- مراتك !!
ثبتت انظارها وطافت انظاره متعمدا تشتيت فكرها فعاد للارتخاء على مقعده وهَم بقيادة سيارته ..

ظل لحن الكلمة يعزف على آذانها تارة ويرقص على قلبها طورا .. فهناك كلمات أحساسها اعظم من احساس كلمة ( بحبك ) .. شعور الملكيه لشخصِ واحد راق لك قُربه أهم حدث يتمناه الانسان عمره كله ..
ظلت تداعب ملامحه التى لم تشبع منها بأهدابها .. فملامحك .. أجمل مكان تتنزهُ فيه النظرات .. ويمرح له القلب .. وتنتشي به الروح .. رجل بمجيئه تغيرت الاقدار فكيف القلب ألا يراه ملاذه الوحيد !! احبتتك جملة وتفصيلا ، رجاءًا .. ابقي محل انظارى دومًا ... بربك اشتاق بعدد الثوان .. !!

قطعت حبال الصمت التى اوصلها وهى تقول بصوت خافت حرك كل ساكن بجوفه
- هشام !!
زفر مقاوما دواخله : مش عاوز اسمع نفسك ..
ألجمها بكرباج الصمت فعبثت اظافر الندم بقلبه فاردف بهدوء بعد لحظات
- عاوزة ايه !!
صمتت حائره ، تتمرد أم تُجيب ولكن شعورها بالجوع كان اقوي من عنادها فقالت
- أنا جعانة ..

انعقد ما بين حاجبيه وهو يتطلع بها بحب وشعور انه يصطحب طفلته معه ولست زوجته يغمره .. هدوئها وخجلها فى الطلب جعلوا قلبه يلين وثغره يتبسم قائلا
- بس كده ؟!
اومأت ايجابا وهى تنظر لاسفل متحاشيه النظر فى عيونه .. أما عنه واصل قيادة سيارته الى أن صف بجوار كافتيريا على الطريق الصحرواي .. ونزل ليجيب لهما طعاما ..

( على مائدة الطعام )
- بص ياخالد طبق الشوربه ده معمولك مخصوص بطريقة اسكندرانى هتاكل صوابعك وراها ..
اردفت مُجهة جملتها وهى تناول خالد إناء من الحساء آتت به خصصيا له ، فأخذه خالد مبتسما
- تشكرى يا مراة عمى ..
- هنا وشفى يا حبيبى ..

ثم رمقت زيدان بنظره خبيثه : ما تاكل يا سيد الناس ، وروم عضمك كده ..
التقطت دجاجه بكفه وشرع فى التهامها وهو يجهر
- كُل يا ايوب .. كل يا حبيبي ...
هتف ايوب غاضبا : أنت ليه مشيت خالتى فجر ، انا كنت متوحشها قوى ..
ربتت مهجة على كتفه قاصده إثاره غضب خالد
- فجر دلوقتى بقيت ست متجوزه يا ايوب فكان لازم ترجع لجوزها يا حبيبي ..

اتت ناديه من خلفهم لتجلس بجوار ابنها
- كيفك يا خالد يا ولدى ..
انتهى خالد من احتساء الاناء الذي اخذه من مهجه قائلا
- عال يا ما عااال ..
اتسعت ابتسامة مُهجة وبنبرة خبيثه
- عجبتك الشوربه يا خالد ؟!!!!!

رفع انظاره تدريجيا بعيدا عن المختبر الطبي الذي امامه وهى يرفع كمامته عندما احس بلمسات كف نهى تتدلل على كتفه وتجلس بقوامها الممشوق امامه على المنضدة قائله
- انا بقول كفايه بقي .. وهو الشغل هيطير يعنى !!
اقتنصت انظاره منحنيات جسدها التى تعمدت ان تُظهرها ، وشعرها الذي التف حول شهواته الدنيئه يجره اليها فترك كل ما بيده ليقول بلهفه
- وماله ! لا مش هيطير .. انت صح ..

اطلقت ضحكة تردد صدى صوتها بالمكان وهو يتخلص من سترته البيضاء ويتناول سترته الخاصة
- أنا جهزت يلا ...
تعلقت نهى بذراعه وهى تسحبه وتغارد المشفى تحت اصوات ضحكاتهم التى جذبت العيون قبل الاذان .. فوصلا الى سيارته فقال
- بقولك إيه خدى سوقى انت .. عشان مفيش دماغ للسواقه ..
تناولت المفاتيح منه وهى تضحك بميوعه متعده الاقتراب منه
- بس كده من عينيا ..
- يسلمولى عيونك يا بطل ..

قال جملته وهو موشيكا على تقبيلها أمام ( الجراج ) فابتعدت عنه سريعا
- الشارع عيب نتلم ..
صعدا الاثنين بجوار بعضهم وانطلقت نهى بالسياره على صوت الاغانى الصاخبه وتعالى اصوات ضحكهم الذي زلزل الشارع الى أن صفت بسيارته أمام ( بار) فارهه هاتفة
- وصلنا ..

تفحص المكان بعيونه منبهرا : حلاووتكك ..
صفت خلفهم على جانب متواري سيارة صغيره باللون الازرق تقطن بسمه بداخلها وعيونها الثاقبه تصيب هدفها لتقول متوعدة
- كنت حاسة بقذارتكم والله...
المراة أن احبت فرشت لك الارض وردا وجعلت من ذراعيها جناحين تُضللك بهما العُمر كله.. وان غدرت أنت تحولت ورودها لاشواكٍ لا ترحم إنش بجسدك، واجنحتها لمخالب قويه قادره على اختراق صدرك لتسرق قلبك وتعمل عليه وجبة كامله الدسم ترضي بها غرورها... لا تستهين بإمراة احبت وان بدت ضعيفة... نحن نحب بصدق وننتقم بذكاء.

■■■
وصل هشام الى مدخل (فيلتهم) بالقاهره ، فاستقبله البواب مُهللا ..
-يامرحب يامرحب ياهشام بيه .
انفخضت سُرعة سيارته تدريجيا حتى توقفت وهو يفتح نافذة السياره قائلا
- هو النور جوه منور ليه يا عم عبدو .. حد منهم جيه !!
اقترب الحارس منه قائلا : ايوه جنابك .. دى عايده هانم وست رهف لسه واصلين حالًا .

زام هشام ما بين حاجبيه وبدت عليه معالم الامتعاض وهو يتأهب للقياده مرة آخرى ويردد سرًا
- اى الحظ ده بس ياربي !!
رفعت فجر انظارها إليه وهى تقول
- فى حاجه ياهشام !!
بتلقائيه اجابها : متشغليش بالك انت !!

صف سيارته أمام الباب وشرع بالنزول إلا أنها اوقفته وهى تحتضن كفها قائله بارتباك
- استنى !
عاد النظر إليه باهتمام
- فى حاجه ؟!
اومات ايجابا .. مردفة بخفوتٍ
- هشام مامتك جوه مش طايقانى وبصراحة انا مش هستحمل اسلوبها معايا !! فلو ممكن يعنى لو عندك مكان غير هنا تودينى فيه ؟!

تنهد بخفوت ثم قال بنبره مغلفة بالعند
- شوفى يا فجر ، طالما أنت على اسمى فالبيت ده بيتك زى ما هو بيتى .. واللى مش عاجبه يمشي هو !
- بس ياهشام مش عاوزه اكون السبب فى اى مشاكل مع عايده هانم !!
- مشاكلى مع عايدة هانم ما بتخلصش سواء بيك او من غيرك ، وعاوزك تتأكدى إنك داخله البيت ده وانت صاحبة مكان مش ضيفة ، ليكى فيه زى ما أحنا لينا فيه ..

تحركت معالم وجهها بقلق وعيون طائفة على اوتار الحيرة .. فرفع حاجبه متعجبة
- ساكته ليه !! فى إيه تانى !!
- هااا .. لا لا مفيش !!
- طيب يلا انزلى ..
فتح هشام الباب ودلف للداخل فلحقت به فجر بخطوات على أرض شائكة وهى تمسح بعيونها جميع ارجاء البيت كأنها اول مرة تراه ، فادرف هشام
- ادخلى يلا !!

إلى أن ات هتاف عايده وافسد كُل شيء
- اهلا ! انت شرفت يا حضرة الرائد ..
نصب قامته وبسط منكبيه باتزان وثقه عارمه وهو يجيبها بضيق
- حضرتك شايفه إيه !!
تقدمت نحوه على اصوات دق كعب حذائها بالارض
- شايفه إنك كمان مش لوحدك !!
ثم صوبت انظارها الحانقة نحو فجر
- أنت جاية معاه ليه !! مش قالوا اتخطفتى وارتحنا منك ..

امتدت انظارها إليه متوسلة ألا يحدث خلافًا معها .. ولكنه تغاضي عن توسلها قائلا
- انت معرفتش انها بقيت مراتى !!
تعالت اصوات ضحكات عايدة الساخرة وهى تضرب كف على الاخر وتقول
- انت مصدق نفسك ؟! لا بجد تصوم تصوم وتفطر على دى !!

خطوة واحده قطعها فكان واقفا امام عايده وبينهم مسافه لا تُذكر ، تهجم وجهه واشتعلت عيناه بشظايا الغضب وهو يتحدث بنبرة مرعبة
- كلمة تانى وهنسي إنك امى ، ودى مراتى سواء رضيتى او رفضتى ، واى كلمه تمسها مش هسكتلك ياهانم حتى ولو كنت بفوتلك كتير زمان .. لكن عندها واسف مش هقدر افوتلك ..

اهتزت اعين عايدة بخوف تعمدت ان تخفيه
- انت بتعلى صوتك على أمك يا هشام !!
اردف متحديا : لا انا بعرفك بس اى اللى ممكن يحصل لو فكرتِ تزعليها ..
ثم دار برأسه نحوها وبنبره مغلفة بالحب
- يلا يا جوجو عشان نرتاح شويه ، احنا راجعين من سفر ..

تفرغ فمها بذهولٍ ألجمها هى وعايدة فى آنٍ واحد ، فمن هول الكلمه شعرت عايدة بأن الكرة الارضية تلف فوق رأسها .. اتسعت اعين هشام بنظرة حادة حركت اقدامها الثابته ثم سحبها عنوة من كفها ولازالت النظرات بين عايده وفجر تلتقى فى نقطة واحده ..
صعدت خلفه درجات السلم واسهم الغل المنبعثة من اعين عايدة تثقب ظهورهم ، فتعمدت فجر ان تُدير ظهرها ولا تلتف متبعة خطوات هشام باستسلام تام ..

فتح هشام باب غرفته بقوة ثم قفله بنفس القوة التى كادت ان تخلع قلب عايدة من مكانه وهى صامدة امامها محاولة استيعاب ما قاله ، شعرت وكأنها تتعامل مع نسخة آخرى من هشام الذي عاشت معه اكثر من ثلاثين عام .. هبت زوابغ جنونها وهى تجوب المكان بعبث متحدثه مع نفسها بهذيان
- ده بيقولها جوجو !! الله ؟! وايه كمان ياسى هشام !! هتعيد تاريخ ابوك من تانى ! طبعا انت هتجيبه من بره ! اعمل ايه بس ياربى !! ميادة .. اااه مياده مفيش غيرها تيجى تعرف الجربوعة دى قيمتها ومكانتها !! ااه يادماغى يانا من اللى بيعملوه فيا ولاد السيوفى !! هلقاها منين ولا منين بس ياربي!!!

تقف فى مكانها على اعتاب الباب وتترقب حركتها العشوائيه وهو يفتح النوافذ ويقوم بتهوية الغرفة .. فهبت رياح تمردها
- على فكرة مكنش ينفع خالص الكلام اللى قولته تحت .. دى مهما كانت امك يعنى ..
- مالكيش دعوة !!
-هو ايه اللى ماليش دعوة .. بص ياهشام انزل صالحها دلوقت يلا ..
جلس على المقعد لينزع حذائه فقال
- ينفع تخليكى فى نفسك وبس !!
- انت ليه بتتعامل معاها كده طيب .. !!

امسك زوج حذائه ووضعه فى خزانته الخاصه بالاحذيه وهو يقول
- انا دماغى فيها عفاريت بتتنطط وليا يومين مطبق منمتش فزن ورغى كتير مش عاوز ..
صمتت لبرهه ثم قالت : طيب خلاص هسيبك تنام وهروح اقعد مع رهف وبالمرة اطمن عليها !!
عض على شفته السفلية بنفاذ صبر هاتفا
- اللهم طولك ياروح!!

ثم اشار بكفه كى تقترب ، فأقدمت نحوه بخطوات سُلحفية وعيون تملأها الحيره ... وقف امامها فأحست بضألة بُنيانها مقارنة به .. وهى ترمقه بحيره رجل تحتله الغرابه .. لم يستطع احد ان يقترب من هيكل أحزانه يسجن اشجانه بداخله ويلقى المفتاح بالبحر كى لا تُفتح مرة آخرى ..
جذبها برفقٍ كى تستريح معه على الاريكة .. فتلاقت اعينهم التى هلكت من كبريائهم ... فاردف هشام
- بصي ياستى .. تعالى نتفق اتفاق ..

اختلج قلبها وهى تتأمل ملامحه وحركاتها وتعبيراته الثابته وهمس شفتيه ، فانتبهت لحدثيه وهو يقول
- هتنكرى انى مغرقك جمايل من اساسك لراسك !!
- هااا !! نعم .. آآه .. بص مش فاهمه ..!!
ثنى ركبته اليُمنى فوق الاريكه وبسط ذراعه فوق ظهرها الخشبي ودار بجسده ليصبح مقابلا لها وهو يقول بعدما اطلق ضحكه خفيفة
- عاوزك ترديلى الجميل !!
- ازاى !!

- شوفى يافجر انا وعايدة علاقتنا مش متزنه من يوم ما فتحت عينيا على الدنيا لدرجة إنى احيانا بحسها مش أمى ..
اردفت مقاطعه لحديثه :
- بس ليه كل ده ؟!
- صدقينى مش لاقى اجابه لحد النهارده فالمهم انا عاوز اطلب منك طلب ..
- اى هو ؟!
- قدام عايدة هنتعامل اسعد اتنين متجوزين فالدنيا ، يعنى اتوقعى منى اى رد فعل قدامها ...

- نعم ! ازاى يعنى ... وعشان إيه .. واى رد ازاى!!
- صدقينى انت لو معملتيش كده هى هتضايقك اكتر ، لازم تعرف إننا متمسكين ببعض عشان تطلعك من دماغها وبعدين أنا ما صدقت لقيت سبب اضايقها بيها ..
- انت اصلا كُلك على بعضك مضايقها ..

هرب اللفظ تلقائى من بين شفتيها فاستقبله بنظرة حاده ارعبتها وسرعان ما ادرفت معتذره
- اكيد مش قصدى بس ، اصل ... هقولك.. اسمعنى كده !!
هشام باستغراب : " انت سفيتى ليه !! اتكلمى على طول .."
ظلت تحك يدها ببعضهم وبعد تنهيده طويله اردفت قائله
- بصراحة كده ياهشام عاوزه اعرف انت ناوى على إيه معايا ..

اعتدل فى جلسته وباتت انظاره مستقيمة بدلا ما كانت منحدره نحوها ، فتحمحم بخفوت وكأنه يخفى شيء بداخله
- عادى وضع مؤقت لحد ما مشاكلك تتحل ونطلق وكل واحد يرجع لحياته ..
اتسعت حدقة عينيها وشعرت بغصة وقفت فى منتصف حلقها
- نتطلق !!

وقف متعمدا الهرب منه قبل سؤالها وهو يفك ازرار سترته
- اااه .. منا مش هجبرك تعيشي معايا، أنا اصلا لا اطاق عارف نفسي ، وكمان متقلقيش حدود علاقتنا هتكون قدام عايده وبس لكن فالاوضة هنا انت زى رهف واكتر كمان ..
اهتزت قدمها بتوتر وارتباك بلغ ذروته فنام الكلام على شفتها .. انتهى هشام من نزع قميصه تحت امطار نظراتها الساقطه من سمائها .. فقال
- عندك اعتراض فى حاجة قولتها ..

وثبت واقفه فوق مشاعره المتدفقه نحوه وهى تقول بثقة تلملم بها شتات كرامتها التى بعثرتها عيون رجل
- لا ابدا .. ااه وحتى الكلام اللى قولتهولك فى المكتب ، كان قصدى اقولك شكرا بس خانى التعبير ..
(هناك ثلاثة انواع من الكذب
كذب يرتديه الضعيف كى يفر مؤقتا من مصيره.

وكذب يرتديه الصادقون ليخفوا اشياء أن افصح القلب بها تُعد بمثابة إهانه لهم .. وكذب يرتديه المحبين فلا يحمل إلا الصدق .. فهناك كذبه لا يقولون الا الصحيح وخاصة المتمردين على اعراف الحب والقلب )
التوى ثغره ضاحكا إثر جملتها التى عرت قلبها امامه .. فتناول هشام ملابسه وتوجه نحو الحمام وصوت قلبه يهمس سرا..

- ( انا مش عارف ليه طلبت منها كده ولا إيه المبرر انا نفسي مش مقتنع وعايده اخر حاجه ممكن تهمنى ، بس انا كنت بتلكك ولقيت حجه اتلكك بيها ، وكان لازم يعنى افهمها انى هطلقها !! مكنش ينفع غير كده ، عشان متحسش بأى حاجه محسش نفسي مفضوح قدامها ، بس كل اللى شاغلنى دلوقت انى عاوز اخدها من ايدها وانزل بيها قدام عايده عشان انفذ اتفاقى معاها ، وارضي شعور جوايا مش عارف جالى منين ، أنا قبلها مفيش قضية طولت معايا ، بس هى القضيه الوحيده اللى بتلكك عشان تفضل معايا حتى لاخر العمر )..

وقفت فجر أمام المراة بعدما اشتعلت رأسها بالافكار السوداويه
- ( هو انا وافقت على الهبل ده ليه ! ومنين بيقول مراتى بكل ثقه كده ومنين عايز يطلقنى !!طيب طالما امه مش بتهمه مصمم ياخدنى كوبرى عشان يضايقها بيا ليه ، كان لازم افهمه انى مش حاسه بأى حاجه ناحيته واصلح غلطة المكتب ، طيب انا مبسوطة ليه باتفاقه ؟! منكرش ان قربه واهتمامه واحتوائه قادرين ينسونى العالم ومستعدة اخسر العالم مقابل ساعه معاه بس برضو مش لازم يفهم انى هموت عليه .. لازم افهمه انه اخر اهتماماتى ..

اووووف ولو قال زى رهف دى تانى أنا ممكن اقتله )
الحب لا يموت بالرصاص ولا خنقا ولا بالغياب ولا مع اخر كلمة وداع .. ولا ينهزم أمام جيوش الكبرياء .. ولا يمكن تجاهله ولا يجوز عصيانه .. الحب الشيء الوحيد الذي يولد ولا يموت حتى وان مُتنا ....

نزلت بسمة من سيارتها متخفية لتتبع خطوات زياد الذي دخل البار بصحبة نهى .. فتوقفت مفزوعه على صوت الحارس ضخم البنيه
- ممنوع ياهانم ..
فتحت حقيتبها بسرعة ولازالت اعينها تقتنص زياد من الخلف خائفه ان تفقده .. فاخرجت كل النقود التى بداخل الحقيبه ووضعتها في يده
- خد كل ده ليك ، بس سيبنى ادخل ٥دقايق وهطلع تانى .. مش هعمل اى مشاكل والله ..

انسحر الحارس بالاموال الكثيره بيده فقال مشدوها
- انا مش عاوز مشاكل .
ربتت بسمه ع كتفه بلا وعى وهى تدخل
- لا مش هعمل اى حاجه .. متقلقش ..

دخلت بسمه وشرعت فى البحث مرة آخرى على زياد .. تتفحص وجوه الجميع باحثه عنه ، ترتطم بشخص للاخر ولازالت تحت سطو ذهولها بالعالم المنحط الذي اكتشفته .. اربعة جدران لا يضم الا عاهرات واشباه رجل وحلقات من ابناء ابليس يتراقصون حولهم ..
اقتربت من السور العلوى الذي يكشف البار كله فوجدته يجلس على الطاوله هو ونهى ..

ظلتت تتبعهم الى أن هَمّ بارتشاف النبيذ والتمايل على اصوات الاغانٍ والتفاف البنات العارية حوله ولازالت نهى تضحك منتصره بتنفيذ خطتها ..
اخرجت بسمه هاتفها وشرعت فى تسجيل فيديو له ولافعاله الدنيئه وبرغم من نيران جوفها المشتعله بالانتقام الا أن عيونها لم تكف عن التمطر وهى تراها يحضن هذه ويقبل الاخرى ويراقص معهم ..

التقطت مقطع لا يتجاوز الثلاثين ثانيه فهبت شاهقة على صوت ذكورى
- ياابله ممنوع التصوير هنا ..
سقط قلبها بين يديها من شدة الفزع فبللت حلقها متخذة نفسًا طويلا
- ما كنتش اعرف .. بس الفيوووه عجبنى .. اسفه ..
- ممنوع ياهانم معلش دى تعليمات ..
- ااه اه تمام .. اسفه .. ماشيه خلاص ..

تشبثت اصابعها بحزام الحقيبه الجلدى المعلق على كتفها هاربه من نار الدنيا وهى تأكل خطاوى الارض ركضا .. الى أن ارتطمت بشخصٍ فجاة وهو يجذبها
- ما لسه بدرى ياحلوه !!
دفعته عن طريقها بكل ما اوتيت من انكسارات
- اوعى انت كمان من وشي !!

تنهيدة ارتياح خرجت من جوفها بمجرد ما اسنشقت هواء الشارع فشعرت بقدر الراحه والنعيم الذي تحيا بهم بعيدا عن جحيمهم .. تحركت نحو سيارتها بخطوات ثابته
- طيب يا زياد .. اوعدك ان انتقامى هيكون فى العضم ..

المراة أن احب فرشت لك الارض ورد وجعلت من ذراعيه جناحين تُضللك بهما العُمر كله .. وان غدرت أنت تحولت ورودها لاشواكٍ لا ترحم إنش بجسدك ، واجنحتها لمخالب قويه قادره على اختراق صدرك لتسرق قلبك وتعمل عليه وجبة كامله الدسم ترضي بها غرورها ... لا تستهين بإمراة احبت وان بدت ضعيفة... نحن نحب بصدق وننتقم بذكاء ..

- إنتِ لسه قاعدة مكانك مغيرتيش ؟!
يجفف شعره بالمنشفه القطنيه وهو خارج من باب الحمام يعد ما انتهى من حمامه الدفء .. فوثبت قائمه مغمغمه بكلامٍ مغلف بالتمرد
- على فكرة بقي انا معترضه ؟!
لحف المنشفه فوق كتفه واقترب من المرآه يمشط شعره وهو ينظر لصورتها المنعكسه قائلا
- معترضه على ايه ... هو أنا خدت رايك فى حاجه ؟!

تجولت مقلتيها يمينا ويسارا ثم قالت
- ااه ، انك عاوز تاخدنى كوبري عشان تضايق أمك ..
ترك الفرشاة من يده ثم دار قائلا
- ومين قالك انى كنت باخد رايك ؟!
فجر باستغراب : اومال ايه ؟!

بنبرة واثقه : لا ابدا .. أنا كنت بديكى تعليماتى وانت مضطره تنفذيها من غير اعتراض ..
اقتربت منه متحديا وهى تضع يديها فى خصرها
- انا مش عسكرى عندك فالقسم عشان تديله تعليمات وينفذها ..
داعب انفها بسبابته وهو يقول
- خليكى شاطره واسمعى الكلام عشان احبك ..

اتسعت حدقة عينيها بذهول تابعه تنهيده عاليه
- افهم يعنى قصدك إيه بأى رد فعل دى ؟! منا مش هوافق على حاجه وخلاص ..
- وانا مش بستأذنك ياحلوة !!
اردف جملته الاخير وتحرك متأهبا للرحيل من امامها الا انها عاقت طريقه معارضه
- انت مش بتجاوب على سؤالى ليه !
تعمد التناسي : اى سؤال ده !!

زفرت فجر باختناق : اوووف افهم انت ناوى على ايه ، واى حدود رد فعلك اللى ممكن تعمله ..!!
بمجرد ما انهت جملتها صُعقت بماس رده الغير متوقع عندماا انحنى على عظمة الترقوه ليطبع قُبلة خفيفه فوقها كانت كافيه ان ترضي شوقه وتبث الدهشه بجوفها .. فابتعد عنها سريعا
- حاجه فالرينج ده .. ارتحتى ؟!

ارتفعت شهقتها فاجابت صارخه : لا بقي دانت بتتكلكك .. بقولك اى انا مستحيل اوافق على الهبل ده !! خد هنا احنا متفقناش عشان تسيبنى وتمشي ..
تجاهل هشام ثرثرتها وهو يرفع الغطاء ليبسط جسده على الفراش بكللٍ .. فاشعل تجاهله النار بجوفها .. اتسعت خطوتها وهى تقترب منه وتنخر كتفه باناملها.. فجهر مختنقا.

- ما هو لو انت متلمتيش ولمتلى دورك معايا هقوم اخرسك باقى عمرك ..
ضربت الارض بقدميها : طيب انا انام فين دلوقتى !!
زفر بضيق : السرير واسع اتفضلى نامى جمبى .. مع انى مش بحب حد ينام فى سرير ..
ارتفعت نبرة صوتها معارضه
- لا وفر تنازلاتك لنفسك ، اخر حاجه ممكن اعملها انى انام جمبك ..

سقطت انظارها على عيونه المنغلقه متخذا وضع النوم .. فهتفت بخفوت
- هشام .. انت نمت ..
لم تلق منه اي رد .. فاستدارت بجسدها بخفه نحو الباب لتهرب من حصاره الذي يغمرها ولكنها فزعت شاهقه بمجرد ما وجدته خلفها يقفل الباب الذي همت بفتحه ، فقبض على ساعدها بقوة
- طول ما أنا متنيل موجود هنا تقعدى معايا !!

ارتعشت انظارها فاردفت : مش مرتاحه ... الا ولو عندى شرط ..
- اللهم طولك ياروح!! انجز انا مش رايقلك ..
ابتعدت عنه بتوتر ثم استجمعت شتات قوتها قائله
- تنام انت فى الارض وتسيبلى السرير ..
تسلق الغضب ملامحه وهو يقاوم ليتمالك اعصابه ، فكل ردود العضب غير مُجديه معها أجابها فعله تلك المره وهو يقفل الغرفة بالمفتاح ويضعه بجيبه متحديا.

- ورينى هتطلعى ازاى.. وهى كلمه ملهاش تانى .. الاوضه قدامك اهى نامى فى المكان اللى يعجبك بس المهم مش عاوز اسمع نفسك ..
عاد الى مكانه ليغوص فى بحور نومه مرة آخرى وتركها تشتعل بنيران تملكه فهتف جملته الاخيره
- اقفلى النور ده عندك !!

ظلت تجوب الغرفه بقلة حيله باحثه عن مكانٍ لتنام به ، فلم تجد حلا سوى النوم بجانبه على طرف السرير وهى تغمغم بتوعد
- بنى ادم متحكم وديكتاتورى كل حياته شخط ونطر وجاي يفرد عضلاته عليا طيب يا سي هشام !! انا وانت والزمن طويل ..
احس حركتها بجواره فلم يغمض له جفن إلا عندما تأكد بنومها جمبه ، فاتسعت ابتسامته واصابته رغبه عارمه فى جذبها بين ذراعيه ولكنه قرر المحافظه على كبريائه وهيبته أمامها ..

( صباحا )
نهضت عايده من نومها الذي وصلت له بعد معاناة وبمساعدة الحبوب المنوم وتشعر بصداع شديد ينهش فى رأسها .. تناولت هاتفها لتتصل ببسمة ولكن بدون فائده وجدته لازال مُغلقا .. القت الهاتف بجوارها متأففه
- اعمل فيهم إيه العيال دول بس ياربي ؟! انا حاسه انهم اتفقوا يجننونى !!

نهضت بتكاسل مرتديه سترتها الحرير متأهفة بالذهاب ، فتوجهت نحو غرفة رهف وجدتها تشاهد التلفاز واصوات ضحها يتعالى .. فاردفت بتعجب
- ياخى عليك برود ينقط ..
توقفت رهف للحظه عن تناول حبات الفشار .. وهى تقول
- مين معصبك بس يا كوين عايده ..!!
دلفت الغرفة تمسك رأسها متأوهه
- بسمه مكلمتكيش !

- لا .. موبايلها لسه مقفول وقلقانه عليها اوى !!
- اااه ياختى ماهو باين انك قلقانه قوى ..
اجابتها عايده مستنكرة وبعدم تصديق ، فاجابت رهف بعيون مسلبه
- والله قلقانه ، بس قوليلى انا كنت سامعاك بتزعقى امبارح مع هشام !! هو رجع صح ..
انتهت عايده من فتح النوافذ الخاصه بالغرفه لتتذكر حديثهم بالامس.

- اه ياختى وصل هو والزفته بتاعته .. شوفتى اخوكى ... جايبها عشان يفرسنى !! واللى نازل عليه جوجو ومراتى وو اخوكى هيموتنى ناقصه عمر ..
انعقد ما بين جبين رهف بعدم تصديق
- معقوله !! ماما انت بتهزرى صح ، هشام قال كده !
- ما هو ده اللى مجنني .. البت الفلاحة الصفرة دى جابت اخوكى ارض ، حد يسيب مياده بنت الحسب والنسب ويروح يجرى ورا جربوعه زى دى ..

انكمشت ملامح رهف بحزن : طيب ومياده .. !! البت بتحبه .. عينى عليها .. ماما انت متأكده انه بيتكلم جد ! يعنى مش بيقول كده عشان يغيظك مثلا ..
جلست عايده على طرف السرير ونظرات القهر تتناثر من عينيها
- المصيبه انى حاسه انه بجد .. كان بيتكلم بطريقه صدمتنى .. انا عمرى ما شوفت اخوكى كده .. !!
- يادى المصيبه !! بصي ياماما خلينا متفقين إن جوجو ...

الجمتها عايده بنظرة حادة جعلت الكلمات تتلعثم بحلقها .. فسرعاان ما صححت حديثها
- قصدى البت .. حلو كده !! .. ممم اقصد اقولك انها بطل الابطال بصراحه وشخصيتها جميله وهشام نشن ..
هبت زوابغ غضب عايده : انت عايزه تفرسينى يابت !!

- هكمل والله .. طولى بالك معايا .. قصدى انها مش من مستوى هشام يعنى .. دى ابوها رد سجون وهى فقيره جدا يعنى متشرفش عيلة السيوفى ..
اهتز ساق عايده على مراجل الغضب وهى تقول
- لازم يطلق البت دى .. قبل ما سيرتنا تبقي على كل لسان ..
لم تنظر رد رهف ولكنها نهضت سريعا عندما سمعت صوت قفل الباب الرئيسي .. قائله
- ده زياد !!

غادرت غرفة رهف سريعا لتلحق بزياد قبل وصوله لغرفته ولكنها وجدته فى حاله مروعة للنفس وهو يتمايل يمينا ويسارا ويبدو انه لازال تحت تاثير مخدر قاذوراته ويدندن بأغانٍ غير مفهومه .. فوقفت امامه متعجبة على حالته
- انت راجع منين !! ..
اتسعت ابتسامه زياد وهو يقاوم ليرفع جفوفه
- كوين عايده ... صاااا .. صباااااح فل ..

- انطق هنا مالك مش واقف على بعضك كده .. انت طافح ايه .
طبع قبله بدون وعى على خد امه وهو يدندن بكلمات سريعه
- اوضتى .. لازززم اخش انام دلوقت والصبح هفهمك كل حاجه ، كله كله ...
تركها زياد سريعا فى أسر جنونها وغادر لغرفته وقفل الباب بقوة .. وما فعله زياد اشعل جزء من رأسها بالغضب ولكن ات هشام ليطيح بعقلها كله ...

وجدته يخرج من باب المطبخ متجها نحو السلم وبيده طاوله خشبيه فوقها اشهى انواع المأكولات للفطار وهو يدندن بمرح متجاهلا وقوف امه التى باتت أن تفقد وعيها من هول ما تراه ، فقدت قدرتها على الكلام وتجلطت الدماء بجسمها فلم يعد لديها ذرة طاقه لتحركها خطوه للامام .. حرقها جمر الصدمات المتتاليه حتى ازفت لحظه انفجارها وهى تقول سرا
- كمان فطار لحد السرير !! ولمين ؟! للبت دى؟! دانت ابوك عمره ما عملها وانت من امتى اصلا بتسمع للاكل يخش اوضتك ؟! .. الهبل ده ما يتسكتش عليه ابدا ..

فتح هشام باب غرفته بحرص ثم قفله بهدوء وبداخله شعور بالانتصار عجيب على عايده وشعور اخر يبرر له افعاله بارتياح يتراضي مع غروره .. وضع ما بيده على المنضده .. وشرع فى تناول الفطار لوحده .. ومن حين لاخر يقتنص نظره من تلك الحورية التى تتوسط مخدعه .. فتراك قطعه ( التوست ) من يده ونهض بشموخ ليوقظها ..

جلس بجوارها وتسكعت عيناه بين دروب وجهها عن قرب لاول مرة له الحق فى إطالة الرؤيه بدون انقطاع منها او هبوب رياح من ثغرها تثير عواصف غروره ..
تقلبت ذكرياته معها سريعا فشعر بانتشاء رهيب يغمره ، فاللذاكرة عطر خاص يروى الروح متسائلا ؛كيف لى ان اطارد نجومك التى تلاحقنى دومًا ؟!

برفق مرر انامله على وجنتها فاتسعت عيناها بغتة فسرعان ما بعد يده متنحنحا
- قومى افطرى ..
اعتدلت فى جلستها وهى تتخذ انفاسها لتهدا ضجيج قلبها فتقول
- مش عايزه افطر ..
كان ملامحها المنتفخه مثيرة للالتهام ، فتعمد محاربة جمالها بهروبه من امامها قائلا
- براحتك عموما انا جبت لنفسي فطار من تحت .. اصلى متعود افطر هنا لوحدى ..لو حبيتى تاكل اكيد مش همنعك ..

رمقته فجر بعدم تصديق ثم استدارت لجسدها لتلمس اقدامها العاريه الارض وهى ترمقه باعجاب وهو يتناول فطاره بهدوءٍ .. فاردف سؤاله الخبيث فتحول هدوئها لصخب
- يعنى نمتى جمبى !! مكنتش متخيل عنادك يتنازل المرة دى !!
- ها !! اصل اصل ؟! الكنبة مكنتش مُريحة ، فاضطريت إنى أنام جمبك ... لو ضايقتك ممكن اروح ابات مع رهف ..

وضع اخر لُقمه فى فمه
- انت فعلا مضايقانى .. بس مجبر استحملك ..
تسمرت مكانها تراقبه بحيره .. فتزودت منه بأخر نظرة قبل ما ينهض ويحضر زيه الميرى .. وشرع فى ارتدائه .. كانت تحارب انظارها ان تكف عن رؤيته ، ان تحجب طيفه عن قلبها .. كانت تتأكل جنونا وحيرة من ثباته الانفعالى حتى ظنت انه خلع قناع ذكوريته الاداميه خلف الباب فبات رجل لا يُغريه جيشا من النساء ..

لم تجد شيئا تلهو به افكارها التى تنخر فى قلبها تلك المرة .. ففجرتها فى تناول الطعام متجاهله رجفه الحمى التى كان سببها غموض رجل ..
انتهى هشام من ارتداء زيه الميري وتحليق النسر فوق كتفه فعلق الطعام بحلقها إثر فخامته وهيبته .. سرت فى جوفها قشعريره مبهمه فكان حينها احتضانه شهيا للغايه ..

وقف امامها بفظاظه
- خلصتى أكل ؟!
تركت ما بيدها ولازلت تحت سحره
- عادى ... اصلا مش جعانه ..
وضع سلاحه اخيرا خلف ظهره وهو يقول
- يلا عشان توصلينى للباب تحت .. وبعدين ابقي ارجعى كملى أكل
- نعم !! اوصلك ليه !!
- مش عارفه توصلينى ليه ؟! مش المفروض انا جوزك ..

- هاااااا
- ممممم كده وكده يعنى .. قدام عايده .
وثبت قائمه بدون اى اعتراض ، فهى بات تبتاع رضائه بالطاعه لان الجدال معه خاسرا فقالت
- تمام ...
اتسعت ابتسامته بثبات وهو يهندم لها شعرها : اضحكى .. متحسسنيش انى جابرك ..

اومات ايجابا بطاعه فيبدو ان مفعول دواء الحب بدء يتفاعل مع وباء تمردها .. فتحولت من طفله عنديه لطفله مطيعه .. فمد لها ذراعه لتتعقل به وخرج من غرفته بصحبتها متعمدا إثارة ضحكاتها كى تصل لاذن عايده .. وشرعا الاثنين فى تنفيذ خططتهما التى لا تطوى الا مشاعر مكبوته.
- عجبك فطارى ؟!
- قمر الفطار .. كفاية انه منك ياحبيبى ..

- يلا بقى عشان انا عاوزك تتعودى على ده كل يوم ..
وصلت معه الى الباب فوقف قليلا
- هى مطلعتش ليه !!
همست فجر بضحكه مكتومه : ممكن نايمه !!!

فجذب انتباه صوت حركه بالمطبخ خلفه .. فعاد ليواصل خديعته الصادقه ..وهو يحتضن عنقها بكفه الدافئ ويداعب جداره بابهامه برفق يلين الحجر.. فأحس بانتفاضتها تحت يده .. فقال بصوت مسموع
- عاوزك تخلى بالك من نفسك لحد ما ارجع ..
اكتفت فأنا تومىء ايجابا فنبيذ قربه اسكرها كعادته حتى افقدها النطق .. راقت له فكرة تقبيلها فسنحت له الفرصه على طبقٍ من فضى ..

شرع فى احتضان شفاها بشوقٍ غمر انفاسه .. فدبت بروحها حياة لكل المشاعر المعانده ده .. شعرت بذراعه يلتف حول خصرها بلطفٍ خر قواها بين يديه ..
كانت تعتصر من لحظات قربه الفقير بينهم قطرات تملا قناة حبها الذي كان السبب فى حفره غموض رجل .. شعر بانفاس الحب تتدفق منها فتأكد حينها إنها خضعت بكلها إليه .. فالرجل له قدرة عجيبه فى تعرية مشاعر امراة .. فابتعد عنها هامسا بشوق يحرق انفاسه
- هتوحشينى !!

ما تدفق بداخلها من حبٍ لم تكن ابدا مصدره كلمه على سبيل مسرحيتهم الكاذبه ، اردفها بنبرة عصرت قلبها حتى بات يؤلمها ، كانت انفاسه تعلو وتهبط بدون رقيب وكأنه فقد زمام السيطرة عليه .. تلك المرة ايقنت إنه رجل خارق نبت من دهليز سري بجوفها فراقت لها فكرة احتضانه متواريه خلف تمثيليتهم وكأنها ترجوه ؛ - يمكن لحبنا ان يدوم حتى وأن كان مجرد مسرحيه ؟!

تعمد أن يدفنها بصدره فأحست بصوت قرقعة عظامها بين ذراعيه و تحولت على يده من إمراة خشنة الى امراة اكثر لينا اكثر حبا .. كان مذاق مسرحية الزواج معها لذيذا للحد الذي لا يرغب فى انتهائه .. قطعت عايده عليهم خلوتهم بعد ما ترقبتهم بشعل من نار وهى تلقى الفنجان من يدها
- مش كفايه مسخرة وقلة ادب !!

اتسعت ابتسامه هشام منتصرا
- صباح الخير كوين عايده ..
- صباح الزفت على دماغكم .. اى اللى بيحصل ده ؟!
تسلح بالتجاهل : وهو إيه اللى كان حصل !!
دنت منه محذرة : هشام اتعدل معايا احسنلك !!
- طلعينى من دماغك بس وهيبقى احسن لصحتك ..

ثم تحمحم بفظاظه وهو يطبع قبله سريعه بالقرب من شفاها
- جوجو عاوز ارجع القي غدا ملوكى ليا أنا وبس ، ومش هتأخر عليك يا حبيبي .. خلي بالك على نفسك ..
نيران الغضب لا يمكن اخفائها حتى وإن حاولنا .. فكانت عايده تلتهم احتراقا منتظره اى شيء تفرغ فيه طاقاتها .. فقالت
- انت يابت تعالى لمى الازاز ده ...

توقف هشام عن فتح الباب قائلا بهدوء
- معلش بس هى مش هتلمهم اكيد .. ممكن تلميهم أنت .. انتى اللى كسرتيهم .. يلا ياجوجو على اوضتك ..
انهالت عليها الصدمات كشلالا قويا يجرفها الى حيث لا تعلم حتى بات عقلها فى غيبوبة من هول ما ترى ..

- ( مؤمنة جدا إن ست اتخلقت للقوة مش للضعف ، فكرة الضعف دى رسخوها منظمات ذكوريه فاشله خايفه تنتهى قدام قوتنا ، الست اللى اتخلقت عشان يطلع من رحمها روح جديده للحياه اكيد مش ضعيفة ، الست اللى تتحمل مسئولية نفسها وجوزها وابنها وامها وابوها بعدين مش ضغيفه، الست اللى قادرة تخضع جيش من الرجاله لجمالها مش ضعيفه ..

سمعت مقولة فاشله إن الست لما بتحب راجل بتضعف لكن الصدمه بقي أن الست لو ضعفت فى ظل حب راجل يبقي عيب على رجولته وقتها تتأكد انه مش الشخص الصح ، وانها ماشيه فى طريق الغلط ، الحب بيقوى الست مابيضعفهاش، الست لما تحب بتستقوى بحبها على العالم كله حتى عليه ولكن الفرق أن قوتها معاه بتتحول لقوس بتنصبه ورا ضهره عشان تحميه هو ، الضعيف الحقيقي فالدنيا دى هو الرجل اللى تحركه غريزه آدميه .. غريزه ماديه ..

الضعيف اللى عنده نقاط ضعف مش اللى بتخبى قوتها عشان تظهرلك فراشه بجناحين .. على كُلٍ الحب والانتقام مابيفرقوش عن بعض الاتنين بيتحولوا الستات فى ضلهم لواحده شرسه فالاولى هتحارب عشانك وفى التانى هتحاربك .. "فاحذر انتقامهن")
انتهت بسمه من ارتداء ملابسها بعد ما خلعت ثوب الحب عنها ثم تناولت نظارتها الطبيه وحقيبتها بعد ما ردد الكلام على اذانها لتشتعل بنيران الغضب الذي يحول حبها لانتقام .. تعهدت ان تنتقم لكل لذة حب تناولها منها ثم خلى بها كأنها لم تكن ، اقسمت أن يأتيها راكعًا وحينها فلا تتقبله بمغفرتها ...

- يعنى إيه الكلام ده يا هشام ؟!
اردف اللواء جملته مذهولا .. فرد هشام
- زى ما حضرتك سمعت ، عاوز ارجع بنى سويف فى أقل وقت ..
- صدقنى يا هشام انا عاوزك تتنقل النهارده قبل بكرة .. بس التوزيعه الجديده بتقول إنك المفروض تكون فالعريش بعد يومين ..

- يا فندم انا مش معترض على شغلى فالعريش ، وانا بتمنى اموت هناك .. بس حقي وحق مراتى لازم يرجع .. لازم اعرف مين الصحفى اللى بيراقبنا .. ومين مستنيلى غلطه
ترجع اللواء نشأت الاوراق من يده مندهشا
- هشام مش معنى أن الفكرة دى خلصتك من حوار ادبست فيه .. متصدقش نفسك انها بقيت مراتى ...

شرع هشام ان يُجيبه ولكن وضع حدا بكفه قائلا
-اسمعنى أنت زى ابنى ياهشام .. ولو السيوفى كان عايش عمره ما كان هيرضي بالمهزله دى !! دى واحده ابوها مسجون وواخد حكم اعدام .. فحافظ على مكانتك يا حضرة الظابط وكمان عشان كامل بشير ونسيبه حاطينا فى دماغهم ..
تحمحم ليبتلع غصة كلمات اللواء.

- نشأت بيه انا مقدر خوفك عليا ، خلينا متفقين أن ابوها بريئ .. وانا هحارب عشان اظهر براءته .. مش عشانها لا ، ده عشان هو فعلا معملش حاجه ..
اجابه مُقاطعا : هشام انا بنبهك أنت عاقل وحاول تخلص من الحوار ده فى اسرع وقت ..

لاول مرة يصبح حديثه مع اللواء نشات اشبه بحبل ملتف حول عنقه .. تناول مفاتيحه وهاتفه واستئذان بالرحيل ولازالت صورتها وقربها ينعش ذاكرته ويروى قلبه ..فهى الوحيده التى لاجلها مستعدا ان ينزع سترته الميري ليكون معها ، الوحيده التى لا يتقبل فكرة رحيلها ... ركب سيارته متجها الى عماره فارهه ( بمدينه نصر ) ودخلت أحد الشقق فوجد المهندس فى انتظاره ..

فاردف هشام معتذرا
- اتاخرت عليك !!
- لا ابدا معاليك ...
تفحصت الاعين ارجاء الشقه بعنايه فاردف هشام بعدها
- هاااا يا بيشمهندس تاخد أد ايه معاك واستلمها على المفتاح ؟
- مش اقل من شهرين على الاقل يا سيادة الرائد.... الشقه على الطوب ومحتاجه شغل جامد ..
- بص أنا واثق فيك انك هتخلصها قبل كده .. بس انا عاوزها فى اسرع وقت ممكن ، لانى محتاج انقل هنا قريب ..

- هحاول معاليك .. ربنا يسهل ..
اعطاه هشام المفتاح وهو يصافحه : ربنا معاك .. مش هوصيك عاوز شغل عالى ...
جميع تصرفاته تعلن الحب ولكن يأبى دواخله بالاعتراف .. لازال يكابر فلا يعلم أى شاطئ سترسى عليه سفن تمرده ..

- ايه دا يا خالد .. معقولة هتبدأ تاكل قبل ما تفتح نفسك بالشوربة بتاعتى !! دانا بقيت اعملهالك مخصوص ..
ترك ما بيده وهو يتناول الطبق من يدها .. قائلا بشكر
- والله انا تاعبك معايا يا مراة عمى ...
ربتت مهجة على كتفه : هنا وشفى يا حبيبي ..

تسرب القلق الى قلب قمر التى تضع بقية الاطباق على المائده ، فتعمدت ان تُشتت انتباه خالد كى لا يتناولها ولكنه لم يلتفت .. فاقتربت منه قائله
- خالد بيه .. ممكن اخد طبق الشوربه واجيبلك غيره حاسه انى برد ..
جحظت عيون مهجه بحده :
- وانت مالك يا مقصوفة الرقبة .. خشي يابت شوفى شغلك ...
خالد بتسائل : فى حاجه يا قمر !!

تقهقرت قهر للخلف وهى تهز راسها نفيا قائله بصوت خفيض
- اتمنى ما يكونش فى حاجه حقيقي !!
نادت مهجه عليه : ما تشرب يا خالد قبل ما تبرد ياحييبي ..
ابتسم خالد برسميه وهو يعاود ليرتشف فقال
- بس انت ياعمى ازاى سبتله فجر بسهوله أكده!!
اجابه زيدان بنبرة هادئه
- مرته ومن حقه ياخدها يا ولدى هنقف فى وش الحكومه !

لعب خالد على اوتار ما يتعمد زيدان اخفائه
- ياعمى انت اصلا ممكن تودى الظابط فى داهيه .. ازاى يستجرى ويخش يفتش بيتك بدون اذن .. اوعاك تقولى هتسكت ..
التوى ثغر زيدان ساخرا وهو يتناول طعامه بشراهه
- حقه بردو يا ولدى .. يلا ادينا بنحاول نجروا ناعم مع الحكومه ... يمكن تفتكرلنا الخير ده بكرة ..
رمقه خالد بعدم تصديق محاولا ايجاد خطته الجديده ولكن قطع حبل افكاره هتاف مهجة
- ما تاكل ياحبيبي .. هتفضل مبحلق لعمك كده كتير !!

انتهت بسمه من وضع كاميرات سريه فى المعمل الذي يدخل فى حوذة زياد وبعد عناء تنهدت .
- كده لما اثبت انك ما بتحضرش اصلا يبقي فيها كلام تانى يادكتور ...
فاقت من شرودها على صوت محاولة فتح الباب الذي احكمت غلقه .. فسريعا لملمت اشيائها وعادت ترتيب المكان سريعا ثم ركضت لتفتح الباب بهدوء .. فاردف الدكتور علوى
- دكتوره بسمه !! انت بتعملى ايه هنا ..

اتسعت ابتسامه بسمه بمكر
- سورى يا دكتور كنت بغير هدومى بس لانى كنت مستعجله فقفلت الباب .. هيييييه وكويس انى قفلته ..
اجابها بشكٍ : ايه !!
ضحكت بارتباك : هااا .. ايه ايه بس !! لالا انا لازم امشي .. بعد اذن حضرتك
ضرب علوى كف على الاخر متعجبا
- مالها البت دى !!

صفت سيارة عايدة امام المبنى الذي يحتوى على شقة اختها ، ولازالت تتحدث فى الهاتف
- مياده .. انت لازم تتصرفي وتيجى ، هشام دماغه ضربت ..
مياده بحزن بلغ ذروته
- طنط انا هتجنن واجى ، بس مايسه سرقت الجواز بتاعى .. وحقيقي مش عارفه ارجع ..

- بصي يا مياده انت لو مرجعتيش اعرفى أن هشام ضاع منك للابد ... انا حذرتك اهو .. باى باى ..
انهت المكالمه معاها متأففه ثم دلفت من سيارتها نحو مدخل العمارة فوجدت الحارس الذي وقف ليرحب بها
- اتفضلى ياست هاانم ..
رفعت عايدة نظارتها الشمسية بكبرياء
- دكتورة بسمة فوق ؟!
- لا ياهانم دى خرجت من الصبح ولسه ما عاودتش !!
لم يكمل جملته ولكنه هتف جاهرا : اهى ست بسمة جات ...

اصبح وجوده اكثر شيئا عابثا بقلبى والحياه كله وغيابه شبحا لازلت اقتله كلما يبتعد عنى ولكن الحقيقه تكمن هنا بين اضلعى ان تمردى خضع تحت عرش رجل ..
انتهت من اعداد ( الكبدة الاسكندرانى ) التى اخبرها من قبل بأنه يفضلها وعادت لتستكمل باقى الاكل .. ففوجئت بصوت الفخيم يملأ المكان واطلالته المهيبة تخلع قلبها .. اهتز ما بيدها قليلا ثم قالت بفرح
- انت جيت ..

القى نظرة على ساعته الثمينه وهو يقول
- لا لسه قدامى 5 دقايق واكون عندك ..
ضحكت بصوت ساحرٍ خطف قلبه فاستند بظهره على رُخامة المطبخ وهو يقول متغزلا
- لا طلعتى بتسمعى الكلام كمان ، وعملتى اكل بجد ..
غطت اناء المياه لتغلى ثم قالت بتلقائيه
- لقيت نفسي فاضيه قولت اجهز اكل ، وكمان برد جميل فطار الصبح ..

تحمحم بخفوت ثم التهمها بعيونه اللامعه
- دانا اللى المفروض اشكرك .. انك مثلتى حلو قدام عايده ..
دار بجسدها بعيدا عنه مقاومه رجة قلبها القويه ثم تنهدت بعد عناء من الفوضي
- لا عادى يعنى مفيش شكر .. دا اتفاقك وانت ادرى بنتيجة بتصرفاتك بقي ..

ظل يتأملها بانبهار ويترقب حركاتها الفوضوية التى نتجت فى حضرته وهو تقول لنفسها تلك الرعشه المكهربة ستطيح بى ذات مره .. حاولت تحاشي كل الطرق التى تؤدى اليه الا منبره الذي لازال مقيما عليه .. ضرجت وجنتها بحمره الخجل فكانت تنظر اليه مرتعشة .. مرتبكه .. بها شخص يخشاه وآخر يتمنى ان يضُمك لاخر الحياه ..

ظل يترقب حركة اقدامها العاريه التى شعر بأنهم يتراقصون على قلبه .. راى بعينيها مدينه حزينه ربما هى المعجزة التى اسكنتنها به فى غفله .. فهتف بهدوء وكلمات متناسقة ليقطع وصال الصمت ..
- هما ليه عاوزين يبعدونى عنك .. حاسس الكون كله تآمر علينا ..!!

وقعت المغرفه من يدها وعلامات الذهول تكسو ملامحها .. فتفرغ فاهها وهى تقول
- ايييه ..
نصب طوله سريعا محاولا نفض تراب مشاعره المبعثره وهو يقول
- عاوز ادوق !!
نظرت له بشك ثم استدارت لتملأ له شوكه بالطعام واعطتها إليه بكف مرتعش ..
- اتفضل ..

اخد الشوكه من يدها ثم وضعها جنبا وهو يقترب منها ثم اردف بصوت هادر سلل الرعب الى اوصولها
- ومين قالك انى عاوز ادوق الكبدة !! أنا عاوز ادوق حاجة تانيه ..
بوله عاشق يحمل بعينه نار الغضب والحب معا ميل على عنقها لينثر عطر انفاسه التى أصبحت ممتلئه بها .. فاض قلبها بالعطف وزخر بشوقٍ لا يرويه غيره..

ضمها الى صدره برفق وهى تشعر بانفاسه تأكل فى جدار عنقها ، وورود الحب تزهر بقلبها لتجذب فراشات العشق التى تفتح أجنحتها وتضمه ، طاح بعقلها وعنادها بلمسه ، بين يديها تناسي عالمه فبات كل إنش به يتغذى على رحيق امراة رفضها ذات يوم ..

وقفت على اصابع اقدامها وهى تعانقه بحب متراقصه كحورية البحر بين يديه على لحن قلبها التى بات كسيمفورنية تداعب حواسها وآنين شوقها الذي يعزف على قلبها ، لازال كفه الاخر يتنقل بحرية على ظهرها الذي اصبح اسير ذراعه .. فكل شيء بامرنا الا الحب نُساق اليه جبرا رغم عن انف قلوبنا الرافضه له دومًا .. بصعوبة بالغه رفع رأسه عنها وهو يتنهد بتثاقل إثر كلمتها المتقطعه المغلفة بحب دفين.
- هشام .. !!

قاطعها قائلا بهيامٍ وهو يحملها بين يديه : فجر مفيش مفر .. انا خلاص قررت...



تاااابع ◄