-->

رواية الحرب لأجلك سلام الفصل التاسع

 

 ‏تمرّ عليّ رغم البعد، بين الحين والحينِ ..تمرّ كضحكةٍ تحلو، وأُقسمُ كم تواسيني! كأغنيةٍ تحدّقُ بي، أغنّيها .. وتُلهيني.
لقد أسعدتني زمنًا .. لماذا صرت تُبكيني؟!

قاطعها قائلا بهيامٍ وهو يحملها بين يديه : فجر مفيش مفر .. انا خلاص قررت ..


ثبتت اقدامها فى الارض وهى تتراجع بظهرها مستنده على الحائط لتُفشل مخططه وتعوق تنفيذ ما بدت شرارته بانظاره وما تلفحه انفاسه .. قائله
- هشام !! أنت قررت ايه !!
فاق من سطو امراة افقدته صوابه وهو ينصب عوده ويحك ذقنه بحيره باحثا عن إجابه للهرب من هذا المأزق .. فقال
- هاتيلى ميه من وراكى الاول !!
تفرغ ثغرها إثر رده الغير متوقع
- إإإيه !!
- ااايه عايز اشرب !!

باستسلام أحضرت له كوب المياه ولازالت اسهم الحيره تملأها .. انتظرت حتى ارتوى ثم عقدت ساعديها بتحدٍ
- هااا شربت !! ممكن اعرف ايه اللى حصل دلوقت حالا ؟! وكمان اى اللى حضرتك قررته فجاة كده ؟!
- عملت ايه يعنى ؟!

هدأ ضجيج قلبها متنهده بارتياح
- أنت مش قولت الجنان اللى حصل ده قدام عايده وبس !! ممكن اعرف ايه تفسير اللى حصل دلوقت .. ولا هو استهبال وخلاص !!
دار بجسده بفظاظه ليهرب من تحقيقيها الذي بالكاد سينهزم امامه
- مش مضطر ابررلك تصرفاتى .. انا حر ..
اقتربت منه متحديه : لما تكون حاجه تخصنى يبقي مش حر ..!

داعب ارنبة انفها بابهامه وسبابته مرتسما ضحكه خبيثه
- حبيت اشكر بطريقه راقيه على الاكل الحلو ده .
- فلنفترض انى صدقك !! كنت ناوى تقرر ايه بقي ؟!
طافت عينيه بحيره لم تستمر طويلا .. ثم التقت اعينهم التى تطوى اسرارا
- ممم قررت .. انا فعلا قررت انى هاكل الكبده دى كلها لوحدى !!

رفعت حاجبها بعدم تصديق وهى تكتم ضحكها : قول سبب مقنع طيب .. عيب على رُتبتك يا حضرة الظابط ..
رد بهدوء يتناغم مع بروده
- انا اقول اسبابى براحتى .. وانت تقتنعى ، ما تقتنعيش ، ده براحتك ..
ثم انحنى نحو اذنها هامسا :
- وبلاش الفرده دى علي هشام السيوفى لانك جوه حضنى بتجيبى ورا .. انت مش بتشوفى نفسك ولا إيه !!

رفعت كفها لتصفعه بِغِل ولكنه افشل مخططها بتكبيل كفوفها بقبضته الحديديه حتى اصدرت آنين التأوه محاوله التملص من قبضته فاردفت بصوت موشكا على البكاء
- على فكرة انت قليل ادب .. آآه سيب ايدى ..
- انت كمان هتضربي !! طيب والله عيب فى حق البدلة اللى أنا لابسها .. اعقلى يا جوجو وبلاش حركات عيال ..

ثبتت انظارها على ملامحه التى تُرهقها كثيرًا ثم قالت وهى شارده بهم
- سيب ايدى ياهشام بتوجعنى ..
سقطت انظاره على كفها المفتوح امامها، لمعت عيونه ببريق الشوق مرة اخرى يتلهف إثارة غضبها الذي ينعشه .. فانحنى بهدوء يطبع قبله خفيفه على كفها الايمن مرة .. وانامل كفها الايسر مرة آخرى .. هدأ تمردها تماما وانتصر غروره عندما تملك زمام غضبها وهو يشحنها بنظرات الحب الملتهمه التى اشعلت بركان خامد فى قلبها ..

احيانا ما نحتاج لفرصة واحده للبوح بخبايا القلب ، ما تحويه قوارير النفس ، رُبما بعدها نحييا عمرا او نسلك طريق الفراق بلا عودة بلا ندم ، رحيل دون التفات ..
لازال محافظا على نبرته المغلفه بالهدوء
- هطلع اغير هدومى تكونى جبتيلى الغدا .. اتفقنا !!
- هو فى ايه هنا ؟!

قطع صوت زياد خلوتهم وهو يتفوه بصوت مفعم بالنوم والالم الذي اوشك أن يفجر رأسه .. استدار هشام
- أنت هنا ؟!
رمقهم زياد بسخريه : جيت فى وقت مش مناسب .. ؟!
هشام ممازحا : بصراحه اااه ..
فتح زياد الثلاجه وتنازل قارورة المياه وهو يبحث عن مسكن للصداع قائلا
- ولا كأنى موجود .. استمتع يا إتش ..

ثم توقف للحظه وهو يلقى نظرة على المقود
- اكل !! الله انا هموت من الجوع .. قول للبت دى تجيبلى آكل ياهشام ..
تبدلت ملامح هشام من العطر الحب لدخان الغضب
- ما تتلم يا زفت انت ، وبعدين الاكل ده مخصوص ليا يعنى فجر مش عامله حساب حد ...
مسكت كفه برفق : خلاص يا هشام ، فى كتير ..

جهر بغضب : بردو يتربي ويعرف انه بيتكلم مع مراة اخوه يعنى يعاملها باحترام ..
رفع زباد عيونه بتثاقل وهو يقاوم تأثير النبيذ على عقله
- ايه ياهشام .. مش حوار يعنى !!
- ولاااه .. انت طافح ايه .. ومالك مش مظبوط كده ؟!
شوح زياد بتجاهل وهو يجر فى نفسه بصعوبه ليغادر المطبخ
- مش طافح ياعم .. بااس انا ماشي وانت شوفلك حد غيري اتفش فيه ..

وقف فجر امامه معاتبه
- مكنش يصح تعلى صوتك عليه قدامى !
- ومكنش صح يتكلم عليكِ بالأسلوب ده !!
القى ثغره اللفظ بتلقائيه بدون وعى .. فاتسعت عينيها من هول ما تلفظ به وسرعان ما ارتسمت ابتسامه خفيفه كانت سببا فى انقشاع غمامه غضبه بمجرد شروق شمس ضحكتها فى سمائه .. قائلا
- ما انتِ بتضحكى زينا اهو !!

- ياسلام !! اى زينا دى !! عموما يلا روح صالح زياد وانا هجهزلكم اكل تاكلوا سوا ..
القى عليها نظرات فاحصه باستغراب : مع انه ما يستاهلش .. بس تمام خليك إنتِ الجدعه ..
- انا جدعه انى مستحمله واحد زيك اصلا ..
تقبل سخريتها بصدر رحب مبتسما : طيب ياستى مش عارفين نودى جمايلك دى فين .. التضحية باينه بصراحه ..

ثم ارتفعت صوت شهقتها فجاة وهى تركض نحو الموقد
- يالهووووى .. المكرونه اتعجنت .. اعمل فيك اى بس !!
- أنتوا كده تبوظوا الدنيا وتجيبوا العيب فينا !! بطلوا الحجج اللى بتداروا وراها فشلكم يا مدام ..
نيران غضبها لا تحتاج لحطب ليشعل الاغتياظ بقلبها .. يكفى منه كلمة جليديه واحده .. معه كُسرت كل للقواعد وتحولت فى حضرته لامراه تشتعل من ثلج رجل ..
- اوووووووووف ... هيشلنى .. والله حاساه ملبوس عليه عفريت حالف يجننى !!

- معقولة كوين عايده جايه لحد هنا بنفسها ؟!
اردفت بسمة جُملتها بنبرة ساخرة وهى تَهم بنزع ملابسها .. اقتربت منها عايده بخطوات ثابته
- بسمة !! انت اى اللى شقلب حالك اوى كده ، وازاى اصلا تسيبى البيت !!
اسبلت بسمه عيونها : بجد اتغيرت !! هو التغير باين اوى يعنى ؟!
- بت أنت اتكلمى عدل !! فهمينى ايه اللى حصل ؟!

بسمه بنبرة هادئة تخفى خلفها ضجيج اوجاعها
- اللى حصل إنى فوقت .. وشوفت حاجات كتير كنت عامله نفسي مش شيفاها ..
قطعتها عايده سريعا : الموضوع يخُص زياد !!
اندلعت من جوفها ضحكة ساخرة :
- لا زياد ده بقى آخر حاجه ممكن تشغلنى .. اتغديتى ياخالتو !!
اغمضت عايده عيونها للحظه محاوله تمالك اعصابها
- بسمه .. قدامك 5 دقايق وتكونى مجهزة حاجتك عشان ترجعى معايا ..

ردت بسمة بنفس الهدوء وهو تشير بيدها
- للاسف مش هينفع انا فاضلى 5 دقايق بالظبط واكون فى سابع نومه .. اااه وابقي سلميلى على زياد ..
برودها شل حركة اقدام عايده للحظات وهى تترقبها بعيون مندهشة الى أن يأست من محاولاتها فتناولت حقيبتها وهى تتمتم بنفاذ صبر
- شويه عيال كل واحد ماشي بمزاجه .. انتو حرين بقي اشربوا ...

وقفت بسمة نادمه للحظه وهى تقول لنفسها
- ( أنا مكنتش قاصده اعاملها وحش ، ولا معرفش ليه كلمتها ببرود كده ، بس أنا شايفه انها السبب فى كل حاجه وصلتلها انا وزياد ، هى اللى دلعته وفهمته إن الف بنت بتموت عليه ، يمكن لو كانت ربت زياد صح مكناش وصلنا لحالتنا دى .. )
لا يوجد وجع قائمًا على عمود واحد ، الاوجاع كالمنازل لابد من قاعدة خاطئه واعمدة صلبه تحمل سقف مصيبة ما لينهار فوق رأس شخصٍ واحد هو من يستفرد بالالم لوحده ..

- رهف إنت كويسة ؟!
اعتدلت رهف من نومتها إثر دخول فجر المفاجئ .. وبنبرة عتب
- انت لسه فاكره رهف ، دانا راقده فى السرير بسببكم .. اشوف فيكم يوووم .. كان مالى انا ياربي بجو اميتاب باتشان بتاعكم ده ..!!
ضحكت فجر بصوت عال وهى تجلس بجوارها
- والله وحشتنى خفة دمك .. بس اى الجبس ده مقربش يتفك !!
رهف بتوعد
- ادعيلى عشان اقف على رجلى بس هوريكم كلكم .. إننى عائده لانتقم .. فاحذروا !!

داعبت فجر خصيلات شعرها بعبث لترجعه للخلف
- بس انت اقفى بس وحقك تعملى فينا اللى يعجبك ..
ضاقت عيون رهف بخبث : ايه دا انت مش خايفة منى ؟!
اتسعت ابتسامة فجر بمزاح : يعنى نص نص ... صحيح كنت سمعاكى بتتكلمى مع حد .. كنتِ بتكلمى مين يا سوسه !!
- اااه كنت بتكلم مع ديداا .

انعقد ما بين حاجبى فجر : مين ديدا ..
- ااااه ، انت متعرفيش ، دى ميادة مراة هشام .. اسكتى اسكتى يا جوجو مبسوطة اوى لانها قالتلى راجعه قريب ، ياااااه واخيرا فرحها هى وهشام هيتم ، متتصوريش أنا بحلم باليوم ده من أمتى ....!!
هزها حديث رهف الغير متوقع ، ونصب سيفه فى منتصف قلبها ، وامتلأت قنواتها الدمعية بدموعٍ لا تعلم من أين اتت ، تأملتها رهف بنظراتها الخبيثه متجاهله حزن فجر الذي حُفر على وجهها.

- هى بتحبه اوى ، وهو كمان النمس بيحبها بس عامل فيها عم التقيل ، بس على مين !! ده اول ما يشوفها هياخدها بالحضن ..
آهات مُلتاعة صاحبة نبرة المرتعشه فاطرقت بصوت كسيح:
- هشام !!!
لم يخل ثغر رهف من السعاده : يابنتى بقولك مراته وخطوبه تلات سنين ... دول دايبين فى بعض !!
ثم بللت رهف حلقها لحظه وواصلت حديثها
- صحيح أنت واتش هتطلقوا أمتى ، ياريت يا جوجو فى أسرع وقت قبل ما تيجى مياده وتسبب مشكله !! مش هو هشام خلاص حل موضوع القضيه دى والدنيا بقيت فل !!

لازالت فجر تستمع لاسهم كلماتها التى تعمدت رهف ان تصوبهم فى منتصف صدرها فأصبحت تنسحب تدريجيا فى غيبوبة حُزنها .. لم تكف رهف عن ثرثرتها فقال لا مباليه
- جوجو انا شامه ريحة أكل حلوة اوى ؟ انت عاملة اكل تحت ،، انا هموووووت من الجوع .. ممكن تجيبيلى اكل !
شعرت فجر برأسها سينفجر وتتناثر شظاياه فى المكان ، فلم تتحمل مبالغة رهف فالكلام .. فانسحبت بهدوء محاولة اخفاء دموعها التى اوشكت على الانهيار..

لم تكن رهف بالغباء الكامل الذي يمكنها من عدم ملاحظه تبدل ملامح فجر ولكن لذة انتصار ملأت قلبها وهى تقول لنفسها
- اسفه يا جوجو بس لازم ابعدك عن سكة هشام .. هى صاحبة جدعه لكن مش من مستوانا انها تكون مراة اخويا .. اووف يارب متزعلش منى ..
ثم عادت لتواصل حديثها فالهاتف
- ايوه يافارس ، معلش اصل الشغاله بتاعتنا دخلت فجاة ..

هناك فارق بين المرآه العاقله و المجنونه .. الاولى تشبه الملائكه لديها جناحين تُضلل بهم على أحبابها .. اما المجنونه كالشيطان لديها قرنين كل ما تملكه أن تأذي الجميع حولها بدون وعى ...

- خالد .. بلاش تثق فى الحرباية مراة عمك دى ، أنا مش مطمنالها ..
اردفت قمر جملتها على آذان خالد من الخلف ، فاستدار نحوها ببرود
- ايه ممكن تموتنى !! مفتكرش .. !
اقتربت منه قمر بحذر : انت مش واخد بالك من حنيتها الزياده دى من أمتى ، والشوربه اللى بتعشيك وتفطرك بيها ..

- بس الشوربه طعمها حلو الحقيقة
- ياااااااااا خالد افهمنى بس ، الست دى انا مش مرتحالها والله !!
دار خالد نحوها بعدم تصديق
- مفيش سبب يخليها تموتنى !
-يعنى فى سبب للحنية اللى دلدقت فجاة دى !!
مط شفته بحيره : يمكن عاوزه مصلحة ولا حاجه فبتقدم السبت !!
- او حطالك حبوب ادمان مثلا !!

انفجر خالد ضاحكا : العلام كل راسك ولا ايه ياقمر ، استهدى بالله كده وخلى عينك عليها..
تشبثت بكفه متوسلة
- خالد ، وغلاوة أمك ما تشربي ولا تاكل حاجه من يدها تانى ، دى ست مش مظبوطة !!
هجمت هنية على مجلسهم قائله بسخرية
- خبر إيه يابت !! ما تستحى على عينك وتقومى تشوفى شُغلك بدل ما انت واقفه تتسايري اكده !!
الجمها خالد بنبرة حادة : مالكيش دعوة بيها !!

بنظرة خبيثه طوقته هنية ثم قالت : دانت تأمر ياعم الناس كلهم...
‏ولسوف يمضي بك الزمن وتُعلمك الأيام أن جبهة الحياة مليئة بما لا تتوقع .. فكن مستعدا لمفاجئاتها المُباغتة .. لخناجر البشر التى لا تستئذان قبل ما تُصيب قلبك، توقع دائما سوء النية حتى يثبت العكس .. وليس العكس!!

‏"ما أثقل أن يمضي الإنسان حاملاً في صدره: - (طب ليه؟ )"
خرجت من غرفة رهف بعد ما صُعقت من حديثها النارى .. فلئن طاردت شبح حبه الرافضة له دوما .. استحكمت حلقات الشوق على عرش قلبها .. استندت على الحائط بجوارها عندما اوشكت على الانهيار كأن ثقل الصدمه رست فى اقدامها ..

ظلت تتراقص بجفونها بعناء اوشك أن يفقدها الرؤيه ، بللت حلقها الذي جف إثر انفاسها الحارقه ، ‏لم تكن صامتة كانت آهاتها تتسابق لتصدر فى صورة لحن آنين خافت ،كانت مشغولة بالمعارك التي تدور بداخلها،تبحث عن إجابات للأسئلة التي تتصارع في قلبها ورأسها .. ‏ متذكرة مداعباته وملامحه التى كلما اطالت النظر بهم سكنها أكثر .. أجمل مكان تتنزت فيه نظراتها بين ثنايا وجهه .. بقربه تنتشي الروح .. ولكنها اتخذت قرارها فى ثبات تام( لم أُحبك بعد) وبعدها انهارت بمعنى الكلمه فى شلالات دموعها المتدفقة ..

لم تشعر بمقدار الوقت الذي مر على جلوسها ارضا، بعدها جففت دموعها سريعا وهى تنهض نافضة غباره من فوق رأسه وتقول
- فوقى يا فجر !! الموضوع من اوله لاخره لعبة ومسيرها تنتهى .. فوقى ، وبلاش اوهام ..

دلفت درجات السُلم بثبات تام متجهه نحو الجنينه لتستنشق هواءا نظيفا ينظف دواخلها .. ظلت تسير بلا وعى ، كالهائم على وجهه حتى توقف امام ( حمام السباحة ) فاصابتها هزة زعر ظلت تتراجع بظهرها للخلف حتى ارتطمت بصدره الصخرى فسقط قلبها بين كفوفها .. قائله بفزعٍ
- هششام !! أنت هنا ..

ابتسم عندما رأى الخوف محتلا لمعالمها
- مالك !! خايفه ليه ؟! ما بعضش على فكرة !!
ابتعدت عنه وهى تخفى انظارها الهائمه به عنه
- لا ابدا !! حصل خير ؟!
اقترب خطوة منها فى ثبات تام
- أنت معيطه ولا عينك وجعاكى ؟!
لم تتجرأ لترفع انظارها اليه ، فَضلت تحاشي مرمر انظاره
- لا ابدا بس مش بحب اي مكان فيه ميه !!

صمت لبرهه وكأنه يحسم أمر خطته التى قفزت فى رأسه فجاة ، نزل سترته العلويه بهدوءٍ ثم انقض عليها مباغتة ليحملها بين يديه وهو يقفز بها فى المياه على صوت صراخها وضحكاته العاليه التى امتزجا وهى تتنفض فى حضنه كطير ذبيح يلتقط اخر انفاسه
- يا هشام هموت منك والله !! خرجنى ؟!

ظل يضحك على عبثها وملامحها الطفوليه التى ظهرت امامه كالشمس .
- طيب اهدى .. اهدى كده واسترخى وسيبى جسمك للميه ..
ضربت المياه بقدميها وهى تعانقه خائفة صارخه فى أذنه
- ياهشام طلعنى !
طوق خصرها قائلا بوله
- او ممكن تفضلى في حضنى كده ، وسيبي جسمك للميه ..
اغمضت عيونها صارخه
- يخربيتك سنينك بقولك طلعنى ..
- يخربيتكككك انت ودانى !!

- طيب والنبى خرجنى .. حاسه هيغمى عليا ...
هز رأسه نفيا وهو يتحرك فى المياه ببطء
- لازم تجمدى قلبك .. يلاااا ..
امتزجت مياه عينيها مع مياه المحيطه بهم .. فابعدها عن حضنه قليلا ونزل كفوف محاصرا خصرها
- يلا حركى ايديكى .. مش هيحصل حاجه ..

ارتعشت احبالها الصوتيه وشفتيها وكل إنش بجسدها يتنفض ، اتخذت انفاسها بصعوبه وهى تهم بتنفيذ ما امرها به تحت كلمات تشجيعه
- برافو عليك ماانت بتعرفى تعومى أهو !!! يلا حركى ايدك اسرع وافردى ضهرك ..
- وهتطلعنى !!
بمزاح : وعد هطلعك ..

استقوت على مخاوفها ونفذت تعليماته ولازال يشعر بانتشاء رهيب وهو يعلمها .. وجد ملاذها بضعفها وخوفها فقرر هزيمته لانه احبها قويه ، ولا يريدها الا قويه حتى معه ..

اخذت انفاسا متتاليه وشرعت فى تنفيذ أوامره حتى فاجئها بغتة عندما تركها وابعتد عنها فهبت صارخه بصوت هز جدران البيت فوصل لاذان عايده التى عادت للتو ... التهم صرختها بقُبلة طويله جعلتها تناست كل ما قالته رهف ، وكل مخاوفها ، قبلة تذوقت فيها لذة الامان بعد صراع مع الخوف .. عانقته بلهفه وتلك المرة هى من أبت الابتعاد ، هى التى اعلنت التملك حتى ولو مؤقت ، هى التى علمها الحب الانانيه ، فوجئ هشام من رد فعلها معه الغير متوقع فابتعد عنها واخذها في حضنه وظل يربت على شعرها بحنان بالغ حتى استكانت بين ذراعيه .. فهمس
- يلا نطلع...

تقف عايده خلف الشرفة تُراقبهم وتعض على اصابع يديها من شدة الغيظ ، تخللت اصايعها خصيلات شعرها
- الحرباية دى متقعدش ليلة كمان فى بيتى !! قلة الادب والفوضي دى ! ده البيه مش فارق معاه حد ، طيب ياهشام انت اللى جبته لنفسك !!
رفعها هشام من خصرها ليجلسها على طرف الحوض ثم تابعها بخفه رياضيه وجلسه بجوارها فاتكئ على ذراعه الذي نصبه على الارض خلفها فظهرت عضلاته القويه
- حلوة الميه !! مش كده !!

تطلعت فيه ببطء وهى تتذكر عذاب قلبها الذي يؤلمها للحد الذي جعلها تظن انها للتو بدأت بحبه ..
- أنت عملت ليه كده !!
داعب كتفها بكتفه برققٍ
- ما بحبش اشوفك خايفه من حاجه ! حبيت اقوى قلبك شويه ، واتوقعى ان كل يوم من ده ..
نظرت له بشك ثم استدارت برأسها لتنظر مستقيما : وبسس ..
ميل على اذنها هامسا : بصى فوق كده هتلاقي عايده كانت بتراقبنا !! فأنا قولت استغل الموقف بقي !!
- ااااه عايده !

تجاهله وحججه القاتلة تؤكد كلام رهف الذي لازال يجلد فى روحها ، ثم قالت
- انت بتكلم مياده !!
لم يتوقع سؤالها لذلك اخذ لحظات يستوعبه ثم قال
- وانت مالك بمياده !!
- يعنى بتتكلموا ؟!
تحمحم بخفوت : لو قولت لا .. او قولت آه ، هيهمك ؟!
ارتدت ثوب الكبرياء فقالت : لا طبعا .. انا هقوم عشان بردت ..

لم تعط له اى فرصة لايقافها .. بل رمت شرارة سؤالها فى حقول بترول رأسه وغادرت سريعا .. تحرك هشام ليأخذ هاتفه الذي تركه بجوار سترته وعاود الاتصال بمجدى قائلا
- مجدى .. عاوز استفسر عن حاجه !
اطفئ مجدى سيجارته : خير يا هشام وصلت لحاجه؟!
- لالا سؤال غير كده ؟!
- خير ياابن عمى ؟!
- هو أنا اعرف ازاى إنى بحب ؟!

سكت مجدى من هول السؤال ، فعاود النظر مرة آخرى لشاشة الهاتف قائلا : مين بيتكلم ..
- هشااااام ياعم انت انجز ؟!
- ممم الله ! وانت كل ده ومعرفتش ، دانا لقطها من اول خناقة !!
- هى إيه دى ؟!
- لا موضوع كده هابقي اقولك عليه .. المهم عاوز تعرف ايه !!
جز هشام على فكيه بنفاذ صبر : ماتنجز يا عم انت .. !!

- شوف ياهشام لما يجيلك هتعرفه لوحدك .. بس وقتها متكابرش وتعمل نفسك قال مش شايفه ... احممم طير انت بقي عشان عندى مقابله مع زيدان ..
قفل مجدى الهاتف بعدما القى جمر حيرته فى قلب هشام الذي فاض عقله من كثرة التفكير فباتت رؤيتها كريان يضخ القلب بدماء الحياه فيحيا به ..
اسرع خُطاه ليلحق بها فلم يوقفها ندائه بل سرع من حركتها فركض ليقف امامها معارضا
- أنا لما بنادى مابتسمعيش الكلام ليه ؟!

مسحت عبرتها المترقرقه : لو قولت السبب هيهمك اوى يعنى ؟!
- اكيييد .. ؟!
- كل الحكاية انى تعبت يا هشام بيه وانا مش قادرة استحمل المهزلة دى ، يومين وتقول لى طريقك اخضر أصل مراتى حبيبتى رجعت ..
قبض على ذراعها ليوقف خطاها مصدوما
- خدى هنا إيه الهبل ده ؟! ومين فهمك كده !!

- للاسف هى ما تتفهمش غير كده يا سيادة الرائد ، ولو سمحت ممكن متقربليش تانى ؟! كفايه اوى لحد كده ..
ارتفعت نبرة صوت هشام مندهشا
- انت بتزرعى اوهام فى مخك وتصدقيها !! والمفروض إنى اصدقها معاك .. فجررر ب
بغتة وقفت على اظراف قدمها لتكتم انفاسه بقبله مفاجئة اصابته فى مقتل ، وطاحت بعقل لابعد مكان فلم تعطيه فرصة ليبعد للحظه اريت كيف يلتقى طرفين عند نقطه واحده.. وكفوفها المرتعشه تحضن وجنتيه .. ففاق من حيرته و الرد الذي ادهشه على صوت طرقات حذاء عايده هاتفه
- ده ما بقاش بيت ! ده بقي كباريه ؟!

ابتعدت فجر عنه وهى ترمقه بنظرة شك فاخذها هشام فى حضنه قائلا
- معلش يا دودو .. احنا متقلين عليك عرسان جداد بقي .. متقلقيش شهرين وهنريحك مننا خالص ..
ثم سحبها من كفها ليهرب من شرارة نيران امه
- جوجو .. خدى عاوزك فوق !!

اطرقت فجر انظارها لاسفل معاتبه نفسها عن تهورها باحثه عن سبب مقنع لفعلها العشوائى الذي راق لها وكأن الحيره اترسمت على جدار القلب تلك المرة.. هل فعلت هذا لوجود عايده أم انها باتت تختلق الحجج مثله لتفصح عما تُخفيه فالعناق افضل وسيله للبوح عما لا يقال .... !!

لم يكف سامر عن اتصاله المُتكرر ببسمة ولكن كل مرة تعلن رايات التجاهل .. تتشبث بكوب النسكافيه بين يديها وهى تستمع لام كلثوم التى اصبحت صوت وجعها الناطق وهى تقول
- فاااات المعاد .. ويفيد بأيه الندم !! ياااااندم ..
اخذت نفسا طويلا : هو فعلا فات المعاد يا زياد !!

امضت يومها على جمرات الحيره والتوعد وصوت صدح الانتقام يقرع طبوله بداخلها ..
- هنشوووووف .. !!
عندما يبدو الحب مستحيلا اصبح النسيان واجب ، فلا تفنى عمرك على مضض حب لا يعود ، الكرة الارضيه لم تخل من الرجال بعد !! فأى خسارة هينة إلا خسارة نفسك ...

- ايوة يا مدحت .. بص النهارده انسب معاد .. لو صبرنا لمعاد المهمه مش هتنجح !!
اردف هشام جملته وهو يخرج الملابس من الخزانه تحت انظار فجر التى تستمع له باهتمام .. فواصل هشام
- سلطان فزاع لازم يقع الليله !! اسمعنى كده ونفذ كل كلمه هقولك عليها بالحرف ..

ظلت تارقبه بعيونها المرتجفه دوما ما تبحث فى فضائها عنه وحده من يملاها وحده من يسد فراغ قلبى وحده دواء لفجوة الغياب التى تشق قلبها لنصفين .. وحده المكان البعيد الهادى عن اى صخب يعكرها ...
انهى هشام رسم خطته وهو يتابعها بانظارها الحارقه التى تربكبها كثيرا ، فوثب قائما
- كنت مركزه معايا يعنى !!

اعتدلت فى جلستها لقفت على ركبتيها فوق الفراش
- انت مسافر!!
رفع كلا حاجبه للحظه ثم قال
- هريحك منى يا ستى كام يوم ..
بللت حلقها بقلقٍ : رايح مهمه ؟!
ابتسم بمكر : مش بقولك كنت مركزه معايا ... راجل بدوى مغلبنا وراه
اغرورقت مُقلتيها بالبكاء : طيب وانا هقعد لوحدى!!
جلس بجوارها وسحبها من كفها لتجلس بقربه وهو يقول
- ما يتخافش عليك انا عارف ، سايب اسد ورايا ..

عصف القرار بكيانها تلك المره فهى لا تتصور حياتها بدون ان تتطالع ملامحه وتتلذذ بقربهم .. الم حارق يتوهج دخانه من قلبها جعلها تفزع من مكانها وتلقى بوجعها بين يديه لتعانقه سابحه فى بحور دموعها فوق كتفه كطفله صغير ترفض رحيل أباها فدوما ما يدفء القلب بالقرب ..
تلك تانى مفاجأه فى نفس اليوم اطاحت بعقلة وقلبه فى إن واحد ، اندست بجسدها النحيل فى حضنه فسد فراغات كأنه خُلق منه وإليه عاد .. كانت كاعصار احتل جسده وبعثر افكاره ضمها إليه اكثر وهو يقول
- فى إيه ..!!

خرج صوتها ممزوجا بالبكاء : مش عاوزاك تمشي !!
حتى اخنتقت كلماتها بعبراتها المنهمره فاغمض عيونه للحظات طويله ولازال يربت على كتفها بحنان هامسا
- تعرفى إنها المرة الاولى اللى اكون طالع فيها مهمة واتمنى ارجع منها سليم !!
انكمشت ملابسه من الخلف إثر تشبثها به شاهقة فى حضنه تردف بصوت متهدج بالبكاء
- ما انت لازم ترجع عشان أنا هكون مستنياك ..

إمراة غمرت جوفه حب كساه من رأسه للكاحل ، فالعمر كله غير كافي ليقول لها كم احبك .. هدأت تدريجيا حتى استندت على صدره ملتحفه بذراعيه ففى حبه يشبه العودة الى الطفوله .. سكنت مكانها طويلا اشتعل هو بشهوة إطالة النظر بها .. طبع قُبلة خفيفة على جبينها بعدما حسم قراره اخيرا ..
- لو ليا عمر ورجعت من المهمة دى .. لازم نحكى فى موضوع مهم جدا ..

رفعت انظارها بتساؤل : موضوع إيه ؟!
- لما ارجع بقي ما تبقيش فضوليه !!
- لا بجد أنا عاوزه اعرفه ..
- معنديش مانع اقوله دلوقتى
قال بنبرة تحمل دعوة صريحه بالحب فشقت ابتسامته ثغره فقام مبتعدا عنها ليقفل الباب مما اثار فضولها
- انت بتقفل الباب ليه ؟!

قفل الباب ثم عاد إليها : مش عاوزه تعرفى الموضوع ؟! وبصراحه الموضوع مش هيتم غير بقفل الباب !! قفل الباب اساسا مقدمة الموضوع ..
ارتعشت انظارها بقلق وبصوت خافت : هِشام ..!!
- تصدقى !! أن أحلى ( هشام ) سمعتها فى حياتى كانت منك !! أنت بتكسري الهاء اوى كده ليه ..
ثم قعد بجوارها يداعب وجنتها : كل حاجه منك مختلفه ..
تشبثت بكفه بلطف ثم قالت
- هتطول فى المهمه دى !

زم ما بين حاجبيه: مش عارف لو خلصت ممكن اجى الصبح فشلت هضطر اخلصها واجى ..
ثم سحبها برفق : يلا حضريلى هدومى عشان ألحق اروح العريش...
‏الحبّ يحرق المباديء.. يحولها لرمادٍ.. فالحب الذي تنتصر عليه المبادئ والاعراف ليس حُبا.. حين تتجاوز كل خطوطك الحمراء بدون ما تلتف.. حين يَهزم القلب العقل.. حين يحطم المسافات فكرة الاتصال.. ويهدم جدار الشوق فكرة كتابة رسالة.. الحبّ الحقيقي لا يهتم بقواعد ولا تعوقه قوانين.. هى نيران تشتعل وتأكل كل ما يقابلها لتصل لبحور انطفائها.

- هشام والنبى ألبس الواقى بتاعك!!
انتهى هشام من ارتداء جواربه ثم رفع رأسه متستغربا على أمرها.. فقال
- أنت مالك من الصبح شغالة لوكلك وتعليمات ولا كأنك مسكتى القسم عندنا.. مرة بلاش تكون أنت اللى فى الاول وبعدين البس واقى!! وخلى بالك من الطريق الناس دى اسمع انهم بيعملو فخ للظباط.. فى إيه أنت مش واثقة فى قدراتى ولا إيه..!!

لازالت واقفه فى مكانها فهبت معارضة
- ممكن تسمع الكلام انت وساكت!!
نصب طوله وشرع فى إدخال قميصه فى البنطال الجينز الاسود وهو يعقد الحزام قائلا
- ودرع اى اللى ألبسه!! دانا معملتهاش من يوم ما اتخرجت!!
اقتربت خطوة باقدامها الحافية وجمر القلق اشتعل فوق ملامحها
- عشان يوم ما اتخرجت مكنتش فى حياتك، لكن دلوقتى أنا موجوده ومستنياك ترجع.. هو ده مش سبب كافى إنك تخلى بالك من نفسك!!

اتسعت ابتسامته شيئا فشيئا واُصيب بشهوة إطالة النظر بها مما أثار جيوش ارتباكها وحركة عيونها العشوائيه فأطرقت بخجل
- أنت بتبص لى كده ليه!
اصعب ما يواجه شخص محب ان يُسأل عن افعاله التى ليس لديه سببا لفعلها او انه يعلم ولكنه يأبى الاعتراف عن شيء لم يتجرأ ويقترب من حصونه من قبل.. ثم اردف بهدوء
- لابد!! افتحى الدولاب وراكى، وهاتى الدرع.

اتسعت ابتسامتها وعلى الفور استدارت لتحضره بطاعة ولكن لازال هناك سرا دفينا يندس بجوفها لذلك تعمدت ان تتحاشي النظر إليه دائما حتى لا تقتنصه عيونه الصقريه..

جلست بعيدا تترقبه وشرع هو فى إعاده ارتداء ملابسه، وصوت قلبه يهمس لعقله عن شعوره.
- لأول مرة أكون رايح مهمة وحاسس إنى مُجبر، عمرى ما كنت بحب قعدة البيت، لكن من ساعة ما شق فجرها يومى وانا بقيت بعشق نسيم وجودها، مكنتش اتخيل أنى في يوم هقابل واحده تشكل تفاصيلى بصمتها وتشدنى ليها بعصيانها.. عمرى ما فضلت راحتى على الشغل، بس مستعد انى اوقف حياتى كلها عشان ساعة واحده جمبها حتى ولو بنتخانق، هى سكنت تفكيري من غير أي مجهود منها في حين إنى كنت مفكر أن جيش من النساء لو اتفق على قلبى مش هيقدروا يخلوه يدق دقة واحده من اللى حسيتهم معاها..

ثم اتسعت ابتسامته عندما تذكر جُملة اخبرته بها عرافه بدوية اتخذها على سبيل السخريه فقالت
- ( هناك فخ منصوب بعيون إمراه اختبىء قرص الشمس بين جفونها، نفسك ستحبها وكبريائك سيطويها.. ان يتصارع قلبك مع عقلك لاجلها حتى تصبح صريع هواها ووتتجاهل جيش الهيام الذي يُغزيها.. تجوب طرقك باحثا عنها ولكن ما يعقب النيران الا رماد..بالحق والحب الدنيا اتخلقت.. فانتبه يا ولدى ).
ثم استدار نحوها بهيئته الانيقه مرددا بهمس شفتيه.

- هناك فخ منصوب بعيون أمراه!!
نهشت انياب الفضول رأسها وهى تترقبه بصمت حتى قررت قطع حبال صمتها
- هشام.. أنت بتكلم نفسك؟!
ضاقت عيونه قليلا : هو أنا مفضوح أوى كده!!
نهضت بهدوء وهى ترمقه بنظرات مرتعشه
- ااه.. فى حاجه مضايقك!!
هز رأسه نافيا : بالعكس، أنة عمرى ما كنت مبسوط أد النهار ده..

امتدت اناملها لتقفل له زرارا من قميصه الذي تعمد فتح اوله، فقالت
- ما تفرحنى معاك..!!
- لما ارجع هنفرح كلنا.. وده وعد منى أنا شخصيا..
فرت دمعه من عيونها وبنبره مفعمة بالبكاء
- ما بلاش.. بلاش تروح المهمه دى.. والنبى ياهشام قلبى مش مطمن..
- فجر.. أنت مالك قلبتى فيها أمى كده، دى عايده عمرها ماعملت كده!!

ضربته بقبضه يدها باغتياظ : ده جزاتى إنى بقولك باللى حساه!
دث رأسها فى صدره وطبع قُبله خفيفه فوق جبهتها ثم ربتت على شعرها بحنانٍ
- متقلقيش هرجع عشان واريحك من زيدان واللى زيه، عشان لما اطلقك وكده مكنش خايف عليك من أى خطر تانى!!

العاقل هو الذي يُشعل النار ليدفء بها.. والاحمق هو من يشعلها لتحرقه... ابتعدت عنه كالملدوغ إثر كلمات رهف التى تذكرتها فعاد هو ليؤكدها.. زاحت دمعه من عينها فرت منها على سهوة وهى تبلل حلقها الذي جف قائله
- تمام..

تفحص معالم وجهها ليجد رد على رصاصته التى القاها من فمه فاستقرت بقلبها.. فلم يجد إلا امراة قويه لا تُهزها العواصف ولا تفضحها المشاعر.. ترك نيرانه فى قلبها كأنه ابى أن يشتعل بنارها لوحده.. فلابد ان تشاركه ولههُ
- احم.. همشى انا بقي.. خلى بالك على نفسك..
تناول اسلحته، وحقيبته الصغيره وضعها وراء كتفه ثم خطى خطوة وتوقف بعدها قائلا
- مش هتوصلينى ولا إيه!!

اومات باستسلام وهى تصراع حزنها الذي فجرها.. فسارت بخطوات سُلحفيه حتى وصلت إليه فتلحفها بذراعه وخرجا سويا من الغرفة...
وصلا الاثنين الى الطابق السُفلى ولازال كل منهما كتسلحا بالصمت.. حتى ثارت ثرثرة رهف التى تشاهد التلفاز قائله
- هشاام.. انت ماشي!!
ترك فجر ودنا من اخته قبل رأسها ثم قال
- ااه وعاوز ارجع القاكى فكيتى الجبس ده ياهانم!!
- دانت شكلك مطول يا اتش ولا ايه!

- على حسب التساهيل.. المهم بقي
رفع انظاره اللامعه نحو فجر فواصل قائلا
- عاوزك تخلى بالك منها... مش عاوز اسمع أن فى حد زعلها.. فاهمه يارهف وإلا هنشوفى منى وش تانى..
علقت حباية الفشار بحلقها ثم قالت باستغراب
- ايه يابيه فى ايه!! حد قالك اننا هنعذبها، وبعدين ماتخافش رجالة مجدى بره هيحمونا من اى غزو خارجى.. وانا هنا هحميها من اى غزو داخلى.. بص هبهرك بالنتيجه يابنى أنت اصلا مع الشخص الصح.

كان هشام يقف على الاريكه التى تجلس عليها فضربها على كتفها برفق
- انا كده خوفت اكتر!! انت عارفة تحمى نفسك.. اتنيلى..
- لا بس عندك بُعد نظر يا إتش
ضحكت بصوت عال ازهر المكان فكان له تاثير على شفاة فجر ان تبتسم فأتت عايده لتحول ضحكهم لصمت..
- فى ايه هنا.. وبعدين انت مسافر يا هشام؟

نصب هشام عوده متنهدا بارتياح.. مردفا بثبات
- عندى مهمه ومش عارف ممكن ارجع أمتى..
نزلت عايده من فوق آخر درجه على السلم وهى ترمق فجر بتوعد
- ااااه، مهمه.. طيب ياهشام ربنا معاك..
انحنى ليحمل حقيبته مرة ثانية متاهبًا للرحيل
- طيب... دعواتكم بقي..

انخرطت دمعه من قنواتها الدمعية وهى ثابته فى مكانها وكل ما بها يرتعش، بات شوقها نيران تحرق للحد الذي لا تستطيع كتمانه.. لم تشعر بنفسها إلا عندما مسك كفها وسحبها خلفه صوب الباب، فتوقفت للحظه ورفعت انظارها التى هلكت من كسرة البكاء.. فرمقها باستغراب
- فجر.. الموضوع مش مستاهل!!

لم تكبح مشاعرها.. فهبت زعابيب شوقها لتعصف بجسدها المرتعشه بين ذراعيه.. معلقه بعنقه.. باتت انتفاضة قلبها بقلبه، وانتقل خوفها لنفسه.. ضمها إليه بحب ليردف مواسيا
- يابت أنت فى إيه؟! أنت اتجننتى..
صمتت للحظات وكأنها قررت تمتلأ منه دفعة واحده، ولكن ما حدث أن كل قواها خرت بين يديه فهمست ببكاء وحنين انتصر على تمردها
- أنا مش عاوزه حد غيرك يحمينى من الدنيا كلها مش من زيدان وبس.. هشام..

نادت عليه هامسه ثم انقطع صوتها فى حضنه لبرهه.. ختى واصلت
- هشام ارجعلى.. أنا.. أنا بحبك...
لا يعرف الإنسان قدر الحب إلا عند وداعه.. أحيانا يكون الرحيل هو الطريقه الوحيدة التى ينتصر فيها لسان الحب ليبوح القلب بخباياه.. حتى يجعلك تتمنى لو أنك أعلنت الرحيل فى وقت الممكن حينها لم ترحل أبدا..

بمجرد ما دبت خنجر كلمتها فى صدره وفاق من غيبوبته كانت مبتعدة عنه واختفلت كالبرق سرعان ما ات وسرعان ما ذاب فى حضن السما.. فاق على صوت قفل باب غرفته.. تقهقرت خطوته ليعود إليها ثم هبت رياح عايده معارضة
- مهمتك ياحضرة الظابط... اى هنسيب شُغلنا وحال البلد عشان ست كوخه!!
وقف مسلوب الاراده.. هل يتبع قلبه أم عقله فكل منهما يحاول اقناعه بطريقة مغريه، وضع فى المنتصف بين الهوى والواجب، فحتى وان بدت اساليب اقناع الهوى أقوى فالواجب أولى باتباعه..

تحمحم بخفوتٍ متمردا على هواه ففتح الباب وغادر وترك قلبه على اعتاب بيتهم وهو يجر ذيول العزيمه التى شتتها كلمة إمراة..
استندت عايده على مسند السلم وعقدت ذراعيه متوعدة
- طيب.. ياويلك منى يا ست فجر...
قطع حبل شرها نداء رهف
- ماما موبايلك بيرن..
تحركت عايده متأففه لترد على تليفونها
- ايوة ياهاجر...

- مادام عايده سورى على الازعاج.. بس فى حاجه ممهمه لازم تعرفيها..
- خير ياهاجر..
- المؤتمر الدولى لصيحات الازياء فى فرنسا المفروض هينعقد بكرة الصبح..
تفرغ فاه عايده : نعم.. انت مش قولتى اتأجل! اى لعب العيال ده!!

بد الارتباك فى صوت هاجر
- حصل يافندم.. بس دول بعتوا ايميل من يومين وللاسف كان فى مشكله عندى على الجهاز ولسه شايفه الرساله من ساعه.. المهم أنا اتصرفت لحضرتك ولقيت تذكرة فاضيه فى طياره مسافره لهناك بعد كام ساعه.. وحضرتك عارفه مؤتمر زي ده مستحيل يتساب.. انا حاولت اصلح...

جهرت عايده متأففه
-انت تخرسي خالص وحسابك معايا لما ارجع
انهت عايده المكالمه بدون سابق إنذار وهى تسب ف نفسها سرا.. ثم وضح همس شفتها
- فلتى منى المرة دي ياست فجر.. بس وراكى وراكي والزمن طويل..

وعندما هرب اللفظ من بين شفتيها بدون رقابه او علي الاغلب حدفه قلبها قهرا وقالت "اُحبك" مثلها لا تقاوم سيوف الحب..
شعرت وكأنها عادت لمسكنها بعد أيام طويلة من الغربه، أو أنها علي الفور انتهت من رسم لوحة عظيمة استغرقت سنوات تأكل من عمرها، كإنها للتو انتهت من اللعب تحت المطر ذاهبة لبيتها لارتشاف مشروب ساخن، او جالسه امام البحر تشاهد شروق الشمس بقلب طفله..

‏الحبّ يحرق المباديء.. يحولها لرمادٍ.. فالحب الذي تنتصر عليه المبادئ والاعراف ليس حُبا.. حين تتجاوز كل خطوطك الحمراء بدون ما تلتف.. حين يَهزم القلب العقل.. حين يحطم المسافات فكرة الاتصال.. ويهدم جدار الشوق فكرة كتابة رسالة.. الحبّ الحقيقي لا يهتم بقواعد ولا تعوق قوانين.. هى نيران تشتعل وتأكل كل ما يقابلها لتصل لبحور انطفائها...

تجلس كالقرفصاء سابحه فى بحيرة دموعها، تارة تلوم نفسها عن اندفاعها وتارة آخرى تناجى ربها بأن يحميه.. أن يحاوطه بأمنه وحصنه.. ان يردها لقلبها سالما حتى وإن لم تستحق..
نهضت لتروى خوفها وندمها بالوضوء وتسكبهم منها فى سجدة لعلها تتخلص من نيران الندم التى تأكلها..

أما عنها تجاوز الطريق بمعجزه من حوادث الطريق او على الاغلب بسبب دعوات قلب إمرأةٍ لا يرجو غيره، اصبح لا يري غير صورتها زلا يسمع إلا بحة كلمتها التى اصابته معلنة عليه الحب، فكم كان صعبا عليه أنها كانت أمامه وبين يديه ولم يملكها!! ‏"
فهو الذى أخفى شطر الشوق المرسوم بعينيه وتعمد غروره قتل ما بقلبه من دواوين.. حينها عرف معنى أن الحب للمحب صدفة شفاء.. وها هو الان يُشفى بإمراة ولدت من رحم الصدفة..

وصل هشام للمكان المُتفق عليه وهبط من سيارته فوجد الجنود فى انتظاره جاهرا
- جاهزين يا ابطال!
صوت جمهورى هتف وراه : جاهزين ياقائد
ثم مال صديقه على أذنه فارحا
- اخيرا ياسيوفى رقبة سلطان هتبقي تحت رجلنا..
بثبات تام اجاب : قول إن شاء الله...

امر هشام العساكر بالتأهب للهجوم على أكبر خلية ممولة للعناصر الارهابيه فكل منهما عاد ليحتل مكانه الخاص..
تحركت السيارتين وراء بعضهم، يجلس هشام بجوار السائق ولازال فكره خاضع لسطو إمراة هزمته بدون اسلحة فما ألذها هزيمه... تتقلب ملامحها الطفوليه امام عينيه حتى فاق من غيبوبته على كلمة ( أحبك ) صارخا فى السائق
- وقف.. بقولك وقفففففف...

( صباحا )
لملمت عايدة اغراضها منذ ليلة أمس ففرغ البيت على رهف وفجر فقط، التى قضت الاخيره ليلتها على سجادة الصلاة تُناجى ربها وامضت ليلتها على جمرات القلق الذي طير النوم من فوق اهدابها.. فأيقظها شعاع الشمس الذي انعكس على وجهها فقامت بتثاقل حتى مر طيفه علي ذاكرتها ففزعت صارخه
- هشاااااام..!!

وثبت كالملدوغه وهى تبحث عنه متأمله بأن تجده عاد من مهمته سالما... هبطت الى أسفل وجدت رهف لازالت فى مكانها أمام التلفاز تشاهد مسرحية ( العيال كبرت ) وتعبث بالهاتف فى نفس الوقت..
فجر بخفوت : صباح الخير.. رهف مفيش اخبار عن هشام!
هزت رأسها نفيا ثم قفلت الهاتف ورفعت انظارها قائله
- بابنتى هشام ممكن يختفى بال٤٥ يوم مانعرفش عنه حاجه!!

انخلع قلبها من مكانه : يالهوى!! دانا اموت فيها.. هو قالى يوم او يومين بالكتير..
تجاهلت رهف خوف فجر الذي يتدلى من عيونها
- تعالى تعالى.. اتفرجى معايا المسرحيه دى هتموتنى من الضحك..
فجر بيأس : والنبى انت رايقه وفايقه.

لم تكد ان تنتهى فجر من جملتها ألا أن ظهر خبرا بالخط الاحمر اسفل التلفاز تحت لعنة كلمة ( عاجل )
{ انفجار أحد سيارات لعربيات الشرطه إثر كمين من أحد العناصر الارهابيه، وجارٍ البحث عن السيارة الاخرى }
كلمات ترد الروح وآخرى تسلبها، قرأت فجر العنوان بعناء وهى تكذب عينيها تحت انظار رهف المتسعه.. فهبت فجر صارخه وهى تضع كفوفها على ثغرها
- هشاااااااااااام!!!!

مر اسبوع على اختفاء هشام وباقى العساكر.. لم يبق لهم أثرا فى العريش حتى ذاعت اخبار وفاتهم او سقوطهم فى أى ممر تحت الارض او تم اسرهم من قِبل عدوهم عندما فقدوا الامل فى العثور عليهم..

عادت عايده من فرنسا فى اليوم التالى من سفرها عندما سمعت الخبر فلم تتحمل البقاء اكثر.. وطوال السبعة ايام لازالت تجرى المهاتفات التليفونيه للمسئولين.. واصحاب المناصب العليا للعثور عليه.. امتنعت عن تناول الطعام.. وقفت شغلها.. فلم تحس بحبها نحوه إلا عند احتمالية رحيله..
لازال زياد بصحبة مجدى وسامر يتنقولون هنا وهناك للبحث عنهم فلا يوجد اى وسيلة اتصال واحده بهم، انعدمت الاخبار عنهم..

ذاعت الاخبار بموت طاقم المهمه حتى سقط الخبر على قلب زيدان فى الصعيد.. وقلب سلطان الكامن فى أحد المنازل المجهول فى المدينه بفرحه... وسرعان هاتفه زيدان
- شوفت كان زمانك دلوق فى يد الحكومه.. ادعيلى!!
- والله ما عارفين نحط جمايلك فين يا زيدان بيه..
- عيب عليك دانا وعدتك ولازم انفذ!!

قهقهه سلطان : وانا وعدتك أن ابن السيوفى يكون وجبه دسمة للديابة ونفذت..!!
- تعيش وتوعد وتنفذ يا سلطان بيه..
كانت تلك آخر جُملة أردفها زيدان قبل ما يستمع لجُملة صعقته من مكانه تابعها استغاثه من صوت سلطان
- والله ووقعت ومحدش سمى عليك يا هزااااع!!

اردف هشام المتلسم فى زي بدوى جملته الاخيره وهو يصوب السلاح فوق رأس سلطان بعد ما نجحت خطتته التى دبروا لفشلها.. فكاد الجنون يطيح برأسه إثر الصدمه فاردف سلطان
- هشام السيوفى!! انت ما متت؟؟؟؟؟
- للاسف متعاهد مع مصر انى مسبهاش لامثالكم...
انتشرت عساكر طاقم الشرطه فى جميع ارجاء المكان وتم القبض على جميع رجاله...

فلاش باااااك
- انت وقفت ليه يا سيوفى!
نزل النقيب سمير من السيارة التى خلف سيارة هشام مندهشا مردفا جملته الاخيره، فأمر هشام السائق باشعال انوار السيارة فاشار بعيدا..
- ولاد الكلب عاملين كمين ومسطرين الطريق..
تناول سمير الكشاف من داخله العربه واناره واقترب خطوات قليل بحرص فوجد خيط ملتف حول اربع اعمدة فى هيئة مربع.. فقال
- دول رابطينه بقنابل.. صح!!

هتف هشام : اكيد عشان حاجه تنبهم لو فى فخ او حاجه..
- يا ولاد ال****.. اكيد حد بلغهم!!
- مش وقته.. مسير اللى بلغ هيقع.. المهم، المهمه دى لازم تنتهى براس سلطان!! لم العساكر كده واقطع أي وسيلة اتصال، أحنا عاوزينهم يحسوا بالانتصار ووقعنا فى فخهم وموتنا كلنا...
بااااااك.

يهبط هشام بصحبة سمير لاسفل على سلم سرداب تحت الارض بعد ما كبل سلطان.. فهتف مندهشا عندما رأي مكانا ضخما يضم اكبر الذخائر والاسلحة والمتفجرات
- يا ولادددددد ال *****
انحنى سمير قليلا ليمسك بأحد المدافع قائلا بمزاح
- الاكس. أم 307.. العمليه اللى فوتها مجدى..

اتسعت ابتسامة النصر على ثغر هشام
- مجدى يفوت واحنا نصطاد...
غمز له سمير بفخر : عااااش يا شبح والله، نصول نصول يعنى ياولاد السيوفى...

سقى الحبر بالدمع فجرت الفرشاة سابحا بآهاته على جدار القلب لينقش انكساراته.. تركت بسمة فرشاة الرسم بيدها وبعد حيرة وتفكير نهشت عقلها حسم قرارها اخيرا ان تفتح حقيبتها وتخرج منها شيئا يهدم ظنونها..
كل جزء بها ينهار راجيه ربها بأن يخيب ظنها.. اتكزت على عكاز مخاوفها لتحطمه.. وقررت أن تحسم امر حيرتها ووجعها..

وبعد عدة دقائق انعصر قلبها وانعصرت عيونها بدموع الخزي عندما حطم اليقين الشك وهى تترقب وضوح العلامة الحمراء الثانيه فوق مختبر الحمل...
قعدت ببطء على طرف حوض السباحه بعيون اقام امامه غمامة الوجع فباتت تقطر امطارا غير متناهيه.. فتزوم الافكار حول راسها كذبابه لزجه تأبى ان تفارقها.

- ليه ياربي كده! دانا ماصدقت نسيته!! ماصدقت إنى هخلص منه.. ليه عاوز تربطنى بيه!!
سحبت نفسا قويا صاحت بصوت مجلجل صارخه
- انا بكرهه مش عاوزاه ولا عاوزه حاجه تربطنى بيه!! لازم انساك واموتك من جوايا.

كل ما فى الامر ان هناك بقلبى وجع يؤلم وفى ذات الوقت يضع شريطا لاصقا على فمى كى لا اتخلص منه عويلا.. والامسيه التى اتخذت فيها قرار نسيانك.. استيقظت لأجدك قابع فوق ساقى ككره زرقاء ورحمى يحتضن كرة حمراء.. تبدو ان الروح تعاقبنى على قرار تخلصها منك.. فهى تخشي ان تفقدك فلم يتبق منها لى شيئا.. وذات الليله اكرر خطأى، فماذا سيكون العقاب ياترى.. اظن انها ستفر هاربه من ذلك الجسد الذي يؤلمها كثيرًا.

امرح اليوم بطيف وجودك الذي يحاصرنى.. واخشي ساعه الفراق وفقدان الامل.. واحتلال اليأس لطيفك وقطع الشك بسيوف اليقين.. أخشي انتظار الفقد الذي اعتاد ان يُهاجمتى بغتة... كلمة سريه لقلبك لازال قلبى يسد مسامه بالامل كى لا تعكر صفوى وجودك واحتمالية عودتك واتعمد تجاهل الحقيقه التى لا مفر منها " كلنا على موعد مع الغياب ".

اصبح صدري كهف غياهب الظلمه منذ ان رحل ضياء قربك عن سمائه.. هى من اتخذت من ظلال قلمها ونيسا لوجوده، لم تعط فرصة لليأس أن يسكنها سرعان ما كانت تنفض غبار الحزن والتشاؤم عنه.. باتت ايامها كر وفر.. مع كل غروب يغرب املها فى العوده وسرعان ما تأتى شمس اليوم التالى وتجدده، تهمس لقلبها سرا.

- هو قال لى راجع، وانا قولتله مستنياك، أنا لسه عند وعدى فهو كمان لازم ينفذ وعده...
ظلت تراقب غروب الشمس فى الجنينه الا أن هتفت رهف التى تحررت من الجبس اخيرا وهى تركض بجنون
- هشااااام... هشااااااام رجع يا ماااامااا..
نهضت عايدة من مكانها ملهوفة فلم تعط فرصة لرهف أن تعانقه.. فهمت هى بعناقه بلهفة ام وهى تربت على كتفه
- اخس عليك ياهشام.. كده تخضنى عليك!!

لاول مرة يشعر بدفء حضنها واول مرة يحتويها ليقربها منه قائلا
- انا بخير متقلقيش..
ابتعدت عنه لتتامل ملامحه بشغف
- فيك حاجه طيب، حاجه بتوجعك.. طمنى عليك ياحبيبي..
لاول مرة يشق قلبه حنانها فابتسم بهدوء : والله زى القرد قدامك اهو..
قبل هشام جبهتها بحنان : أنا زى الفل..
ثم طافت عينيه باحثا عنها : فجر فين..

هتفت رهف بشغف طفولى : يااافجر هشااام جييييه...
سقطت الكلمه على قلبها كسقوط الاذان على قلب شخص معلقه روحه بالمساجد... القت ما بيدها أرضا وركضت بكل ما اوتيت من انتظار... فاليوم اختل اتزان الطبيعيه غربت شمس العالم واشرقت شمسها...

وقفت للحظه محاولة تصديق ما تراه واخته بعلقه بحضنه، تبلع حلقها عدة مرات وهى تراه فى زيه البدوى الذي لم يقلل من جماله في شيء بل ضاعفه.. همت نحوه بلهفة ظمأن وجد بحيرة فى قلب الصحراء إلى ان وصل لقربه فتعرقلت قدمها بفستانها القطنى الطويل الاسود.. فسقطت تحت رجله مستنده بكوعها على كفه هاتفه.

- هشام!!
جثى. على ركبتيه ضاحكا
- طيب على مهلك بس..
مررت أناملها على ملامحه بشوق اشعل اصابعها كعيدان الديناميت.. فلمعت عيناها بغتة وهى تعانقه منفجرة فى بكاؤها
- كنت متأكده انك راجع..
همس بصوت خفيض لا يسمعه سواها
- بعد ( بحبك ) اللى ضربتينى بيها فى قلبى دى كان لازم ارجع...

لصقت جسدها بصدره اكثر وهى تنتفض مش شدة الفرح بين يديه.. فلم تشعر بنفسها إلا وهو يحملها بين يديه ويقف بها.. فلازالت معلقه بعنقه مستنيده برأسها على كتفه.. فتجاهل وجود عايده ورهف وصعد بها لاعلى..

حاوطت نيران الغيره أعين عايدة وهى تضرب الارض بمشط قدمها
- شايفه!! شايفه اخوكى.. دا لو قاصد يشلنى ما هيعمل فيا كده.. ده شالها ومشي قدامى حتى من غير ما يتكلم.. وانا اللى كنت هموت من قلقي عليه.. تيجى البت الصفرة دى تترمى فى حضنه كده وتاخده مننا..

ابتسمت رهف بهدوء ثم قالت بحزن خفيف
- شكل هشام حبها بجد..
اتسعت انظار عايدة بغل : اسكتى أنت كمان!!
استندت رهف بكوعها على كتف أمها.

- روح أسامة منير اللى جوايا بتقول أن راجل زى هشام مكنش فى واحده تملا عينه يتصرف كده.. يبقي طب ومحدش سمى عليه.. بس ريلى يعنى زعلانه اوى على ميادة..
زاحت عايدة ذراع ابنتها باغتياظ
- ابعدى عن وشي أنت كمان...
ثم ظلت تتمتم مع نفسها بصوت مسموع
- اكون هتجنن على الواد اسبوع وفى الاخر مايقعدش معايا حتى 5 دقايق!! نهارك اسود معايا ياهشام!!

رمقتها رهف بنظرة فاحصه : كوين عايدة بدأت فى شغل الحموات وربنا يستر...
وصل هشام لغرفته وجلس بها على طرف مخدعه ولازالت متشبثة به كمن يخشي الفقد.. فهتف مسايسا
- طيب اخد دش وارجعلك طيب...

لازالت دافنه رأسها فى صدره فهزت راسها نفيا.. فرجع بظهره للخلف ليستند على الوسادة.. فقال
- طيب ورينى وشك اللى وحشنى..
ضمها إليه وأخذ يمرر كفه فوق شعرها بحنان ولازال الصمت سيد الموقف...

نزلت بسمه من سيارتها فوجدت زياد هو الاخر ينزل من سيارته فهتفت جاهرة
- كويس إنى شوفتك!!
ركل باب سيارته وهو يقترب منها
- انت راجعه منين!!
عقدت ساعديها امام صدرها بحسرة
- الواضح أنك ملاحظتش غيابي اصلا.. والله كنت متأكده!!
زفر باختناق : بسمة أنا مش فايقلك.. هنتجنن على هشام!!

استدارت بسمه برأسها للخلف.. مدرفه بثقه
- عربية هشام مركونه هناك لو مش واخد بالك...!
اتسعت انظاره فهم راكضا للداخل مناديا على أمه.. فلحقت فتابعت بسمة خُطاه سريعا...
زياد متلهفا : رهف هشام رجع..
اصدرت رهف صوتا فارحا وهى تداعب أصابعها
- حصل.. اتش جيه ونور بيتنا تانى..
تنهد زياد بارتياح ثم قال
- هو فينه.. راح فين..

قهقهه رهف ساخرة : خد فجر وطلع اوضته وقفل الباب، تفتكر ليه.. ها ها!!
ضربها زياد على رأسها باغتياظ ثم قال
- بطلى فضول يا حشريه...
ثم صمت للحظه وقال بتسائل
- صح.. تفتكري ليه!!
هتف رهف بفرح : بسمممة انت هنا؟!
- هاى يا رهف..

كانت محافظه على هدوئها الذى اوشك ان يتحول لضجر... فمسكت كف زياد وسحبته عنوة
- عاوزاك...
وقفت رهف مشدوهة وهى تترقبهم ثم قالة بحسرة
- وهو أنا محدش عاوزنى ليه!!
وصلت بسمة لغرفة زياد ثم قفلت الباب خلفها ولازالت نظرات الدهشه تملا ملامحه.. فقال
- فى ايه يا بسمة.. مالك!!
اعطته ما يثبت كلامها قبل ما تنطق.. فنظر فى المختبر وقال بدهشه
- اى ده!!

رفعت حاجبها باستغراب وبنبرة ساخره
- يعني مش عارف اي ده!!
- اكيد طبعا عارف.. بس بتاع مين! وانا مالى بيه..
عقدت ذراعيها امام صدرها بثبات قبل ما تفجر قنبلتها
- أنا حامل يازياد...

- تعرفى أنك دايما على بالى.. ولو مكنتش قولتيلى خلى بالك من الطريق الجماعه دول بيعملو فخ للظباط أنا كان زمانى متفجر..
قطع حبال صمتهم بجملته الاخيره.. فابتعدت عنه بلهفة
- بعد الشر عليك.. تعرف انك من وقت ما خرجت وانا بدعيلك.. لحد ما حسيت صوتى ضاع..
داعب وجنتها بمرح ثم قال: اول مرة حد يخاف عليا اكتر من رهف...
انكمشت ملامحها بامتعاض
- رهف تانى بردو!!

صمت للحظة ولمعت انوار عينه بحبه الدفين
- بلاش رهف ياستى طالما بتضايقك.. بس تعالى هنا.. عشان انت اتعودتى تضربي وتهربي..
طافت عينيها بحيرة ثم قالت : فى ايه.
- هى الكلمة اللى اتقالت تحت دى قبل ما اسافر كده بجد ولا كده وكده عشان عايدة..

طافت انظارها فى جميع ارجاء الغرفة ثم شهقت عندما لم تجد سواها فاصبحت له فريسة سهله.. فابتعدت عنه كالملذوعه هى تولى ظهرها
- لا طبعا... دى كانت عشان امك واقفه... هو مش ده اتفاق!!
اقتنص بانظاره ظهرها من اعلى لاسفل ثم نهض بغتة وطوق خصرها ليحملها فجاة ويبسط جسدها على مخدعه لتقع بين مخالبه قائلا
- طيب افرض صدقتك أن ده مجرد اتفاق.. واللى حسيته!

باتت انفاسهم متقابله فاردفت بتوتر
- حسيت إيه...
- متشغليش بالك..
- هشام!!
توقفت انامله عن العبث بشعرها ثم انتقلت لوجنتها قائلا
- عيون هشام..
لازالت اعينها متسعه السمك.. اخذ من انفاسه اكسجينا ثم قالت
- هو فى ايه..!!
- فى مفاجأتين!!
- اى هما..!!

لم يكف عن مداعبة ملامحها فتمتم بهيامٍ
- بكرة هنروح نزور ابوكى..!!
شهقت ملهوفة من الفرحه حتى همت بالنهوض فمنعها : بجدددددد ياهشام.. انا مش مصدقة.. دانا افتكرتك نسيت اصلا..
- لا منا مقدرش انسي..
- طيب واى المفاجاة التانيه..
زم ما بين حاجبيه وهو يتفحصها أصيب بشهوة الارتواء من كل إنش بملامحها التى اسرته بداخلهم.. ارتطمت نظراتها بابتسامه شوق مرتسمه على ثغره...

- تمام افهم من كده إنك مش موافق... وهتخلينى اقتل ابنى للمرة التانية..
شق الحزن قلب بسمه لنصفين حتى تأكدت من ظنونها.. فهتف زياد
- بسمه.. انا مش عاوز اتحمل مسئولية عيال دلوقت.. انا نفسي تايه.. مش عاوز اربي عيال ويعيشوا اللى يعشوه..

اصدرت ايماءة خفيفة : تمام.. كنت عارفه.. بس حبيت اديك فرصة اخيرة تنضف وتبقي فيها بنى آدم.. عموما انا هتصرف..
القت بسمه جمر كلماتها ثم غادرت غرفته سريعا وتركت بابها مفتوحٍ وتسارعت خُطاها نحو غرفة هشام لتطرق على الباب بقوة.. فزع هشام من سُكر حبه الذي لم يعترف به بعد ونهض ليفتح الباب وعلامات الذهول سكنت وجهه قائلا
- بسمة!!

توقف زياد على باب غرفته عاجزا عن ايقاف بسمه التى اعلنت حربها عليها.. فردت على هشام
- عاوزه اتكلم معاك..
افسح لها هشام المكان لتدخل
- اتفضلى تعالى فجر بس اللى جوه..
اغمضت عينيها متأففة : معلش يا هشام.. عاوزه اتكلم معاك لوحدنا..

تدخلت فجر سريعا
- انا هطلع.. تعالى..
لم تخل نظرات الجميع من الذهول والدهشه.. خرجت فجر وقفلت الباب خلفها.. فوقف هشام مستغربا
- خير يابسمه..
اعلنت رايات التحدي وقالت
- هشام أنا حامل.. واخوك عاوزنى اقتل ابنه لتانى مرة...

‏ولد حبها بقلبى سرا حتى عنى، أ ابوح به أم احفظه داخل صدفته فى قاع قلبى كلؤلؤة محمية من رماد العالم!!

لم تخل نظرات الجميع من الذهول والدهشه.. خرجت فجر وقفلت الباب خلفها.. فوقف هشام مستغربا
- خير يابسمه!!
اعلنت رايات التحدي وقالت
- هشام أنا حامل.. واخوك عاوزنى اقتل ابنه لتانى مرة.
عاد زياد لغرفته وقفل بابها متأففا.. أما عن هشام فانعقد جبينه بشده و انغمس عقله فى الأفكار السوداوية محاولًا تكذيب مغزى كلماتها
- نعم!! ازاى! اهدى بس وفهمينى!! وبعدين مش أنت وزياد جوازكم على ورق بس!!

هزت رأسها نافية وهى تزيل دمعه انبثقت من طرف عينيها بمرارة.. فاطرقت قائله
- للاسف يا هشام.. ده اللى كلكم عارفينه، لكن أخوك دخل عليا بدور العاشق الولهان.. اللى مش قادر يتنفس من غيرى...
ثم توقفت لتتخذ نفسا عاليا تمنع به انهيارها
- وللاسف صدقته.. وفى المرة الاولى اللى دخلت فيها العمليات وكلكم مفكرين أنها الزايده.. كانت اجهاض وكنت هموت فيها لان البيبي كان كبير..

أحست بضعف اقدامها التى اوشكت على الانهيار فتحرك بانتفاضة لتجلس على طرف السرير
- وبعدها وصل حاله زى ما انت شايف، 4 سنين مكناش بنتكلم ولا بنستحمل نبص فى وش بعض، بس هو رجع تانى وصحى كل حاجه جوايا.. وللاسف كنت بحبه صدقته وأدى النتيجة بيكرر نفس غلطه معايا.. وعاوزنى أقتل ابنه للمرة التانيه..

تشعب الغضب بجوف هشام وتكاثر بلا رادع فبدت معالمه تتوهج كالجمر الاحمر، كور قبضة يده بصعوبة وهو يستمع لها باهتمام.. فواصلت قائله
- الغلط مش غلط زياد لوحده، أنا اللى غلطت لما فكرت نفسي أنه خلاص بقي جوزى عشان تحتة ورقه اتكتبت عند مأذون..!!

احتشدت العبرات بمقلتيها مواصلة
- هشام أنا عايشه يتيمة معنديش الأب اللى يحمينى ويرجعلى حقى، ومكنش عندى الام اللى تفهمنى أن كتب الكتاب مش هو اللى يخلينى أسلم بسهولة، معنديش غيرك يجيب لى حقى..

ثم وقفت مهزوزة البُنيان ممسكة براسها التى اوشكت على الانفجار
- أنا مستحيل ارجع لاخوك، كل اللى عاوزاه ابن اتسند عليه بعدين، عايزه أحس أنى عايشه عشان حد، يعلن جوزانا شهر بس وانا اوعدك هاخد ابنى ومش هطالبه بأى حاجه..
اخيرا خرت قواها منهاره امامه.. غير قادره على ايقاف ارتعاشة شفتيها
- والنبى يا هشام مش عايزه اعيش بذنب القتل للمرة التانيه..

تشعبت النيران بجسده.. فتحرك بخطوات واسعه وغادر الغرفة ولازال متسلحًا بصمته الاشبه بهدوءٍ ما قبل العَاصفة.. متجهًا نحو غُرفة زياد التى اقتحمها كالثور الهائج.. فزع زياد من مخدعه وألقى هاتفه بعدما انهى مكالمته.. قائلا
- هى قالتلك!

انعقدت حبال هشام الصوتية وهو يركل الباب بقدمه بقوة.. وسبقت يداه لسانه، فلكّم زياد فى وجهه بقبضة يده القويه جاهرًا
- أنت ناوي تنضف وتبقى بنى آدم امتى!!
تقهقرت حركة قدمى زياد للخلف إثر شدة ضربة هشام الذي لم يكف عن زمجرته، جذبه من ياقته ثم ضربه مرة تانية شلت حركته للحظه فأسقطته فى منتصف مخدعه.. فأصبح صوت هشام كالرعد الذي جذب انتباه الجميع.

- حتى بنت خالتك مرحمتهاش من قذراتك!! شغال ادارى عليك واقول بكرة يعقل ويتلم.. لكن شكل الرمرمه فى دمك!!
ركضت رهف وفجر لأعلى اثر قوة الشجار الذي ساد صداه فى المكان.. فوجدوا بسمة تقف بثباتٍ عكس دواخلها مغمضة عينيها مستنده على مقدمة ( درابزين ) السلم.. صاحت رهف
- فى إيه يا بسمة.. اي اللى حصل!!

اتت عايدة كالهائم على وجهه صارخه من أسفل
- فى إيه فوق! زياد وهشام صوتهم عالى ليه!!
التزمت بسمة صمتها غير قادره على ايقاف ارتعاش ملامحها وكل إنشٍ بجسدها.. فضربت رهف الارض بقدميها ثم قالت
- فجر خليك هنا معاها.. وانا هشوفهم جوه..

ركضت رهف نحو غرفة اخيها فلحقت بها عايده بلهفة أم.. فوجدوا هشام يأكل بغضبه خطاوى الارض ذهابا وايابا وهو يهذي كالمجنون وهو يشير على عايدة
- دى من دمك يا حيوان! هو ده إكرام خالتك اللى فضلت تربي فيك 15 سنه فى حين أن ست عايده هانم مهتمة بالشغل والكيان والكارير..
ثرثرة فضول رهف: ياجماعه فهمونى فى ايه..!!

تسمرت عايدة فى مكانها مذهوله.. نصب زياد طوله وكأنه كالبركان المنفجر
- اديك قولتها يا هشام!! انا اجيب عيال وامرمطهم ليه ؟! ليه عايزنى اطلع عيال يشوفوا اللى احنا شوفناه... الست عايدة هانم امنا اللى على الورق وبس من غير ما تحس دمرتنا هى وعماد السيوفى... مكانوش متفقين، اطلقوا بدل المرة اتنين وطبعا ست عايده كانت تتمسك بينا وسابتك انت لابوك..

اتخذ انفاسه لاهثا
- ابوك اللى كان بيعاملك ولا معاملة الخدامين قال عشان يصنع منك راجل.. فكرهم المتخلف أنهم جابونا عشان يحققوا فينا احلامهم هما مش أمنياتنا، والست عايده هانم اللى كان كل همها تلبسنا ماركات وكل طلباتنا مجابه لحد ما طلعنا مرضي نفسيين.. قبل ما تيجى تلومنى شوف نفسك عذبت كام واحده معاك.. واخرهم ميادة.. وكانت النتيجه إيه عجبتك بنت الفلاحين ونسيت نفسك يا سيادة الرائد!!

انقض هشام على ياقته وهو يرجه بقوة
- انت ايه يااخى مش لاقي شماعة تعلق عليها و*****.. ده عذر اقبح من ذنب.. الاقل انك كنت مرفه مقضي حياتك كلها دلع وطلباتك مُجابه.. أما انا قضيت حياتى مع ابوك وزرع فيا شخص عمرى ما اتمنيته، بس ده مش معناه انى اروح اهبب اللى انت بتعمله، عايش فى بركة مقرفة..
- أنت جاى تلومنى أنا ليه!! هو انا ضربتها على ايدها يعنى.. منكرش إنى كنت بحبها فترة بس حاليا لا..

دفعه هشام بكل قوته فارتطم ظهره بالخزانة فصرخت رهف واختل اتزان عايده التى وقفت مكبلة الايدي.. فقال هشام مهددا
- مكنتش متخيل أنك مريض للدرجة دى.. شوف كلمتين ملهمش تالت هتعلن جوزك عليها وابنكم يتربى فى وسطيكم والا من غير قسم يا زياد هنسي انك اخويا..

انفجر بركان غضب زياد:
- لا يا هشام مش هعمل كده، مش هخلف عيال من واحده مش بحبها مش هنعيد تاريخ عماد السيوفى.. انا خلاص اخترت اللى هكمل معاها.. موافق انى اعلن جوازى منها بس لما تنزل اللى فى بطنها الاول.. غير كده هسيبلكم البيت ومش هتشوفوا وشي تانى..

انقض عليه هشام بكل مااوتي من قوة.. فالقت رهف بنفسها بينهم صارخه
- خلاص ياهشام مش كددده.
جهر هشام: ومين قالك انى هسمحلك تقعد فيها ياروح امك يلا بررره... لما تتعمل تبقي راجل الاول ابقي ارجع..
ارتفع صوتهم بالداخل، وتفوق عليهم صوت فجر صارخه
- الحق بسمة يا هشام..

اخذ منقار الخذلان ينخر برأسها.. فسقطت بسمة مغشيا عليها إثر صواعق كلمات زياد التى اخترقت قلبها على السلم متدحرجة فوقه حتى فقدت وعيها تماما... ركضوا جميعا وراء بعضهم بسبب صراخ فجر التى اكلت خطاوى السلم بلهفة وهى تجثو على ركبتيها وتحاول افاقتها برعب
- بسمه بسمه فوقى يابسمه..

نزل زياد سريعا ليتحسس نبضها ثم قال
- نبضها ضعيف جدا..
لم ينه جملته حتى هتفت رهف صارخه
-زيااااد الحق.. إى الدم ده!
تدخل هشام سريعا ليحملها ولكن سبقه زياد وحملها بين يديه.. فركضت رهف وعايدة خلفهم اما عن فجر وقفت مسلوبة الاراده لا حول لها ولا قوة غير الشعور بالشفقه على حالة بسمة التى تحرش بقنواتها الدمعيه.. فانهارت فى بكائها..

الانسان لا يختار بلاءه.. لا يُفضل حُزنه على افراحه، لا يتلذذ بأوجاعه طالما الشفاء ممكن، قلبه يتمنى الحب دومًا ولكن لا يتمنى عذابه.. كل شيء خُلق حولنا جبرا فعلينا أن نأخذه بالرضا لنستمر.. لنحيا حياة لم نختارها يوما.. أن نظهر عكس دواخلنا دائما.. فالعالم به ما يكفيه ويفيض و لست بحاجة لجحيمك.. ولكن يظل التساؤل هنا: هل تبقت لنا أوجه صادقة خلف الاقنعة الكاذبة!!

- ( أمام غرفة العمليات )
وقفت عايدة أمام زياد محاولة استعياب جريمته الشنيعه التى لا تُغفر.. فرمقته بنظرات السخط والخسه
- أنت ازاى كده، ازاى عايش معانا وانت جواك كل الارف والبلاوى دى!!

ثم انهالت على صدره بضربات جنونيه بدأت قويه فانهارت تدريجيا حتى خرت باكيه
- يعنى لما جيت تصلح غلطة صلحتها بمصيبة يا زياد!! قتلت ابنك بنفسك يا دكتور!! طيب ضميرك ما وجعكش!! مفيش ذرة رحمة على حالة المسكينة اللى بين الحياه والموت دى..

تدخلت رهف بينهم محاولة تهدئة عايدة التى باتت كالمجنون الذي فقد عقله..فربتت على كتفها متوسلة
- ياماما اهدى عشان خاطرى، هنتكلم فى البيت..
انفجرت عايدة صارخه: بيت ايه اللى هيعتبه، ده خلاص على كده مش عاوزه اشوف وشه تانى.. عيل مستهتر عديم المسئوليه!!

زفر زياد باختناق: ما بلاش انت بالذات تتكلمى يا كوين عايدة.. وانت اصلا تعرفى عننا إيه عشان تتكلمى.. نفعك اسم النورماندى، نفعتك الصيحات والموضه والمؤتمرات!!
هبت صارخه وهى تضربه على كتفه: اااه نفعتك وانت راكب عربية منزلتش لسه مصر، لابس ساعه بتمنها تكفل عيلة لمده سنه.. نفعتك لما سفرتك امريكا عشان تكمل دراستك هناك، نفعتك لما رحمتك من الرميه فى المستشفيات الحكوميه وبقيت فى مستشفى تلتها بأسمك.. بس للاسف منفعتش تعمل منك بنى آدم محترم تحافظ على النعمه اللى فى ايدك..

رجعت شعرها للخلف وهى تاخذ نفسها متوعدة وبنبرة متقطعه
- طيب طيب يا زياد.. انا اللى دلعتك وانا اللى هربيك..
لازال يحترف ممارسة فن اللا مبالاه للحد الذي يمكن أن يركل الكرة الارضيه بقدمه ولا يهتم.. فاردف
- متلومنيش على غلط انت السبب فيه..

قذف جُملته وغادر متجاهلا نظراتها التى تحاصرها هُنا وهناك، سندت رهف أمها لتجلسها على اقرب مقعد، وهى تحضنها بدفء
- والنبى ما تزعلى نفسك...
لازال هشام واقفا مكانه يرقبهم بصمت.. فبات الكلام غير مُجديا كمن يحمل الدنيا على كتفه ولا أحد يشعر بمعاناته.. للحظه قرر أن يري العالم بعين أخيه محاولا ايجاد عذرا له ولكن كل الاعذار تبخرت فى ظل جرائمه، لا يوجد عذر لانسان عاجز عن كبح أهوائه، عن الركض المستمر خلف غرائزه، من لم يتحكم بهواه ساقه.. حينها لا يمكن التفرقه بينه وبين الحيوانات الاخرى..

بعد مرور اقل ساعة خرج الطبيب من غرفة العمليات وهو يرفع كمامته.. فتجمعوا حوله بلهفة
- طمنا يا دكتور!!
- اطمنوا مفيش حاجه مستاهله، هى كويسه جدا بس للاسف فقدت البيبي..
ثم وجه حديثه لهشام مواسيا
- ربنا يعوض عليك.. متزعلش نفسك..

تلقى هشام جملته فأسر وجعها بنفسه.. فلازالت مصائب زياد ترسى على رأسه فى النهايه، فتلهفت عايدة
- يعنى هى كويسه مش كده!
اومئ الطبيب ايجابا: بخير وممكن تخرج كمان ساعتين.. متقلقوش..
تنهدت عايدة بارتياح وهى تسند رأسها على صدر هشام
- الحمد لله يارب انها بخير..

أصيب هشام بصدمه إثر فعلها الجديد الغير متوقع.. فهى اعتاد ان تتسلح بالكبرياء والقوة.. رمقها طويلا بصمت فدوما ما تحمل نظراته اسرارا.. وربت على كتفها بحنان.. فرفعت انظارها الهالكه وهى تقول نادمة
- أنا السبب ياهشام فى كل ده! معقوله أنا اللى دمرتكم!!
اردف بخفوت: مش وقته الكلام ده.. المهم الكلب ده لازم يتربى..

شق صباح يوما جديدا..وصل هشام ورهف وعايده بصحبة بسمه الى البيت.. فهتفت عايده بحنان وهى تسند بسمه
- على مهلك يا حبيبتى...يلا يارهف وصليها اوضتها..
وقفت بسمه معارضه: انا عايزة اروح بيتنا.. مش هقعد هنا تانى..
أسكتها هشام بجملته الآمره
-بسمه.. مفيش حاجه اسمها هتقعدى لوحدك.. أنا مش عارف مين سمحلك أصلا تمشي من هنا... ومتقلقيش الزفت ده مش هتشوفى وشه تانى هنا..
اردف هشام جملته الحاسمه ثم تركهم وصعد لغرفته التى قضت فجر فيها ليلتها والشوق والقلق بين جفونها قائمين.. إلى ان غلبها النعاس فنامت فى منتصف مخدعه..

توقف للحظه على اعتاب غرفته يتأملها بشرودٍ، ويقارن مصيرها بمصير بسمة!! المصير الذي اختاره زياد وفُرض على حياة هشام!! فدومًا ما تأتى الاقدار مُعاكسة لهوانا.. للحظه عزم أمره ألا يُكرر خطأ اخاه معها، ألا يوهمها باشباه حبٍ حكم الجميع بفشله، ألا يسير خلف قلبه فيندم عمره كله، للحظه حمد ربه سرا بقدوم بسمة ليلة امس قبل ما يطاوع هواه ويقترف اثما يعيش فى نيرانه دنيا واخره.. متعهد مع نفسه الا يملُكها إلا عندما يصل بها لارض صلبة عندها الفراق ممنوعا.. ان يكتم حبه حتى يأذن الله بأعلانه
قفل الباب ببطء وتجاهلها تمامًا وسار نحو خزانة ملابسه وبعدها تحرك صوب الحمام تاركا للميه مهمة اطفاء حرائقه الداخلية..

تحركت جفونها بتثاقل إثر قفل الباب.. فنهضت هامسه لنفسها
- هشام!! اكيد بسمه جات!!
نهضت كالملدوغه لتطمئن على بسمه ولكنها توقفت على اعتاب الباب للحظه مفكرة فيه.. فتراجعت عن فكرة المغادرة وعادت لتنتظره يخرج اولا.. عادت لتجلس على فراشها فمر طيف وجوده الفريد من نوعه على ذكرياتها.. اعتادت ان تحيا بنوره.. ولكنها تموت ان اقتربت اكثر.. كشمس نحيا بوجودها ونموت فى غيابها..

شعرت للحظه بالملل لانه اطال غيابه فعبثت بفوضويه فى ادراج (الكمود) فوجدتها فارغه تماما الا اخر درج وجدت به عُلبة عطر يبدو عليها فاخره.. أصيبت بلعنة الفضول لتفتحها وتُجربها وبالفعل نثرت جُزيئاتها على يدها واستنشقتها فكانت رائحتها كافيه انى تُداعب قلبها وذاكرتها بكل المواقف التى جمعتها معه..

خرج هشام من غرفته وسرعان ما ألقت العُلبة فى مكانها ووقفت متجلجه
- أسفه انى فتشت فى حاجه تخصك..
بعد العطور مفعولها كالسحر على القلب، توقف للحظه يستنشق الرائحه النسائيه المفضله إليه التى احضرها من امريكا عندما كان يمترن على تمارين القوة فى أحد النواد الشهيرة، فأعطته إياها أحد المدربات الاجانب بأن يهديها لزوجته.. فأخذها مُجاملة.. توقف للحظه فقال بلوم
- أنت ازاى تفتحيها!

لم تتوقع أبدا رده.. فاطرقت بأسف
- اسفه والله يا هشام.. مكنش قصدى، انا خلاص شلتها..
ألقى منشفته القطنيه المعلقة فوق كتفه أرضا، ثم عزم أمره على تجاهل وجودها الطاغى وعطرها الذي يجذبه من ياقته متجها نحو ( كيس الملاكمه ) ليفجر طاقاته الحبيسه، بدأ بقوة لم تقل ابدا بل تتضاعف ويتضاعف معاها صوته الذي اصبح كالرعد كأنه قرر قتلها بداخله..

ظلت ترمقه باندهاش وبرعب خافت تسرب إليها جعلها تتسائل: هل وُلد حبنا بالفعل أم لم يولد، ام ولد ولكنه لازال غامضا عننا!! ساءت حالته امامها فتحول من رجل متيم هادئه لوحش ثائر لم تمر نسائم الهوى على قلبه.. اقتربت منه ببطء بعد تردد لدقائق ففاجئته بفعلها الغير متوقع وهى تحضنه بذراعيها النحيله من الخلف مستنده برأسها على ظهره.. فعلها جعلت قوته تتبخبر سكن فى مكانه مرة واحده وهى تهمس
- اسفه والله مكنش قصدى..

تردد فى احتضان ذراعها المُلتف حوله فحسم أمره واكتفى بالتربيت عليه قائلا وهو يتخذ انفاسه
- محصلش حاجه!!
ابتعدت عنه لتقف امامه
- لا حصل.. أنا اول مرة اشوفك كده!!
اردف بجحود عكس دواخله
- انا طول عمرى كده!!
مررت اناملها برفق كان كافيا أن يُصحى كل مشاعره الميته
- أنت زعلان منى ؟!

تعمد الابتعاد عنه ليظل محتفظا الذي قطعه على نفسه.. فقال
- فجر روحى ألبسي عشان معاد زيارة أبوكى كمان ساعتين!!
وقفت حائرة على حاله وحالها بكل هذا الحب العتيق المسور بالصمت فاطرقت باستسلام
- تمام... المهم اتمنى أن زعلك ده مكنش أن السبب فيه، 10 دقايق واكون حاهزة!!
- استنى!

لم يتحمل أن يقسو عليها أكثر ولكنه لازال متسلحا بعهده، فادرف بنبرة جافه
- مفيش حاجه مزعلانى منك.. دا اولا
ثانيا كنت طالبلك هدوم ليك من اسبوع ومعاد وصولها كمان نص ساعه فمتلبسيش لحد ما يوصلوا..
خانها دمع عينيها تلك المرة وهى تقول
- ملهوش لازمه يا هشام.. عادى مش هتفرق..
- ازاى يعنى مش هتفرق!! انت مش واخده بالك انك مراة هشام السيوفى..

اردفت بحزن: مؤقتًا!
تركته ودخلت الحمام لتهرب من الاوهام التى تنخر فى رأسها لتنهار بعيدا عنه، فالانهيار ضعف لا يصح أن تظهره أمامه.. أما عنه دخل فى دوامة قوية تسحبه لاسفل و تيهٍ لا يُرشد.. وصوت قلبه يهمس: ولد حبها بقلبى سرا حتى عنى، أ ابوح به أم احفظه داخل صدفته فى قاع قلبى كلؤلؤة محمية من رماد العالم!!

الجحيم ليس بالعالم بل بقلوبنا نحن كبنى البشر، كلٌ منا بداخله حُجره مُظلمة مغلقه، منهم من وجد المفتاح وفتحها حتى تسرب سوادها إليه، ومنهم لهم يجد المفتاح بعد فلا زال يحمل صفاء الطفوله بقلبه..
جن جنون خالد الذي يشعر ببركان ثائر ينفجر من رأسها، تناول أخر ( برشامه ) من شريط المسكن الخاص بالصداع ولكن بدون فائدة، باتت اصوات الصخب والدوشة التى يحدثها بتكسير الاشياء حوله تنطاح ألم رأسه..

دخلت مُهجة التى تترقبه واصبح هو قضيتها هاتفه
- مالك يا خالد.. سلامتك يا حبيبي! فيك حاجه ؟
اصبح وجهه شاحبا للغايه وهو يردف بكلمات متقطعه ممسكا برأسه
- صداع.. صداع هطير برج من نفوخى..
تحسست جبهته فقالت شاهقة
- انت سخن يا خالد!!

عاد ليكسر فى باقي ارجاء الغرفه لاهثا، فصاحت مهجة قائله
- بص يا حبيبي هجيبلك حقنة فيتامين هتريحك اوى، اهدى اهدى بس ومتخليش أمك تتخض عليك..
تورات قمر خلف الحائط كى لا تراها مهجة التى همت باحضار الابره التى تدعى بانها فيتامين.. ارتعش بدن قمر عليه واصبحت دموعها تنهار بدون توقف، وما هى الا لحظات عادت مهجه واعطته الابره.. قائله
- هتريحك ياخالد.. بص اضربها فى ايدك وهتبقي زي الفل وتدعيلى..

تناول الابره منها أملا فى انتهاء الصداع برأسه، لازالت قمر تراقبه خلف الباب فوضعت كفوفها المرتعشها على فمها وانفها لتمنع انفاس فزعها وهى تراه يحقن نفسه.. فقتقهرت راكضه وهى تهذى مع نفسها
- والله كنت متأكده.. متأكده انها بتديله حاجه.. اكيد عرفت انه شغال مع الظباط..
حتى ارتطمت بناديه فارتفع صوت شهقتها.. فرمقتها ناديه بسخط
- ما تفتحى يابت أنت..

وجدت قمر طوق نجاة تتعلق به فصاحت لاهثه وهى تسحبها
- خالتى ناديه.. تعالى.. تعالى فى مصيبة وأنت لازم تعرفيها.. لازم نلحق خالد...
تابعت ناديه سيرها مع قمر بفضولٍ.. الا أن وصلت بها لمكان متوارٍ تحت السلم وهى ترتعش غير قادره على تجمع الكلام بحلقها.. فهتفت ناديه بنفاذ صبر
- ما تخلصى يابت أنت مالك!!

- خالد... خااالد ياخالتى بيروح منك..
ضغطت على ذراعها بقوه: ماله خالد يابت!! انطقى!!
تأوهت قمر بصوت خافت وهى تأخذ انفاسها بسرعه
- هفهمك والله.. هتفهمى كل حاجه..

نفذ صبر رهف من الاتصال المُتكرر بزياد دون رد.. فاختنق صوتها قائلا
- يارب ما مايكونش حصله حاجه!!
تدخلت عايده: الزفت اخوكى رد..
هزت رهف رأسها نفيا: للاسف ياماما مفيش رد.. انا قلقانه عليه اوى!!!

بمجرد ما انتهت من جُملتها فُزعت على رسالة مفاجأه من فارس قائلا
-" مطنشانى ومش بتردى براحتك، بس اللى مش براحتك بقي إنى مستنيكى فى الكافيه اللى قدام بيتكم، نص ساعه لو مجيتيش هجيلك انا "
يلف بسيارته فى جميع شوارع القاهره بدون مقصد او جهه محدده، يتجاهل كل المكالمات الهاتفيه إلا أن هاتفته نور.. فرد سريعا
- ايوة يا نور، عامله ايه..

- ايوة أنت يا زياد فينك، انت بتظهر فجاة وتختفى فجاة يابنى!! فى إيه ؟!
تأفف قائلا: عادى اهو زهقان بلف شويه بالعربية!!
تحولت نبرتها من القلق للدلال... فقالت
- وانا كمان زهقانه، ممكن تيجى تاخدنى ونلف شويه بالعربيه ؟!
صمت للحظه ثم اخذ قراره بصدر رحب
- تمام.. اجهزى وانا جايلك!!

اطمأنت فجر على بسمة ثم انسحبت بهدوء وجدت هشام فى انتظارها اسفل.. كانت ترتدى لبسا غاية فى البساطه والفخامة، وحذائها العالى الذي ازداد من انوثتها وجمالها، القى عليها نظرة منبهره وسرعان من نفض غباره عنها وهو يرتدى نظارته السوداء قائلا برسميه
- جاهزه!!

اومات بصمت ثم تابعت ظله الى الخارج فعندما لمست اقدامها درجات السلم اختل اتزانها صارخه مستنده على ذراعه.. رفع نظارته قائلا بنفاذ صبر
- طالما مش هتعرفي تمشي بيه لبستيه ليه!!
- انا اتعلمت امشي بيه ازاى على فكرة بس ما شوفتش درجة السلم والله..
فاردف بنبرة آمره:
- طيب اتفضلى روحى غيريه يلا والبسي اى اسنيكرز من فوق...

وقفت معارضه: بس ده هيليق أكتر..
ولى ظهره متجها نحو سيارته وهو يشير بسبابته وبنبرة آمره
- 5 دقايق تطلعى تغيرى الزفت ده وتنزلى يلا!! مش هكرر كلامى..
انحنت لتنزع حذائها متاففه ومجبره فمسكته فى يدها وهى تسب فى نفسها سرا وعادت مرة اخرى لتغيره.. مرت عدة دقائق ولازال فى انتظارها مستندا على مقدمة سيارته إلى أن اتت.. فسقطت انظاره على حذائها فوجد رباط ( الكوتشي ) منحلا..
تسير متأففه متجاهله النظر إليه فاوقفها ندائه قائلا
- استنى هنا!!

فاض صبرها فتحول لجزع وهى تقول
- اوووف فى ايه تانى!!
ترك هاتفه ومفاتيحه على مقدمة السياره ورفع بنطاله قليلا ثم انحنى تحتها وهم بربط حذائها قائلا
- ده منظر!!! حد يسيب الكوتشي كده ؟!

اتسعت انظارها بذهول غير مستوعبة فعله الخارج عن قوانين، هو من يقف لاسمه الرجال انحنى تحت امراة ليحافظ على مظهرها، صدق من قال بأن الحب يخضع له المستكبر حتى وان تعمد تجاهله.. لم تخل عيونها بالذهول حتى انتهى عن فعله وصوت يردد بقلبها لم امت بمرضٍ او بسيفٍ بل مُتت على حد نظرة منك وافعال مباغتة اطاحت بقلبى ففتته حتى اصبح كل جزء يهواك بمفرده..

نصب قامته مرة آخرى وبصمت تام عكس دواخله التى تذمه على فعله المتمرد على اعرافه متجها نحو سيارته بعدما اخذ اشيائه فتابعت خطاه ولازال الذهول محتل كيانهم معا..

لازال صامتا، وأن كل دواخله تصرخ عجزا، ولازالت اعينها تزنف اسئله لا اجوبة لها حتى اصابها بمرض الوقت الذي يقف على كلمه منه.. قطع صمتهم صوت رنين هاتفه.. فاجاب سريعا
- ايوة يا مجدى.. خير..
اتخذ مجدى نفسا اخيرا من سيجارته قبل ما يُطفئها قائلا
- مش خير ابدا يابن عمى!

لبس ( سماعة البلوتوث ) ووضع هاتفه بجواره وهو يُدير مقود السياره أقصي اليسار
- خير يا مجدى..
- اسمع ياسيدى، خالد ده مش عارف اوصله تانى عشان اعرف منه اسم الصحفى اللى دل زيدان عليكم..
رد هشام بهدوء: يمكن عمه كشفه!!

- حقيقي مش عارف ياسيوفى، بس هحاول اتصرف بطريقتى واروح لزيدان البيت النهارده واتحجج بأى حاجه..
هشام بثبوت: تمام يا مجدى، المهم عينك تبقي وسط راسك!!
زفر مجدى فقال: الاهم بقي مش ده الموضوع اللى متصل بيك عشانه..
- اومال!! ما تنجز انت هتنقطنى ؟!
- ياعم صبرك شويه!! فى كارثه، فاكر لما قولتلى واحنا بندور ع فجر إنى اخلى عينى على اللى اسمها مُهجة دى!!
- اااه.. ايه حوارها؟!
- الهانم متعاقده مع أمك على أكبر شحنة ملابسه هتغرق بيهم الصعيد..

فرمل هشام صارخا: ايييييييه!! ازاى يعنى ؟! بت ال****
صرخت فجر: فى ايه يا هشام!!
تجاهل صراخ فجر.. وواصل انتباهه مع مجدى الذي قال
- اهدى بس وخد الكلام للاخر، الشحنه دى هتوصل المفروض الصبح بدرى، يعنى هتطلع من المصنع عندكم على بالليل، والكارثه بقي ان ده نفس المعاد إللى الصياد ابوها مشترى صفقة حيتان ضخمه من روسيا...

صمت هشام للحظه وهو يربط الاحداث ببعضها
- قصدك تقول أنهم هيهربوا البضاعه فى شحنة الملابس بتاعت أمى ؟!
- ده الاكيد ياهشام، وخصوص ان عايده النورماندى بتتحرك بأسم والدك واخوه ومفيش بضاعه ليها بتتفتش.. فدى ضربة معلم بالنسبة لينا..
اردف متوعدا: لا دى ضربة معلم بالنسبة ليهم، مجدى الشحنه دى لازال متوصلش لزيدان، اجهز كده واستنى منى تليفون..
- حاضر يابن عمى!! وانا هبلغ اللواء نشأت بكل حاجه...
انهى مجدى جملته فنهض إثر ثرثرة صوت انثوى بالخارج.. ففتح الباب هاتفا
- فى إيه..

رد العسكري ( آدم ) بيه: البت دى عاوزه تقابلك.. وانا معرفتش اا
قطعه مجدى بحركه من كفه وهو يشير اليها أن تاتى.. فارتاح قلب قمر وهى تدلف ببطء.. فسمعت قفل الباب خلقها وصوته القوى قائلا
- انت مين وعايزه ايه!!
- انا قمر، وعايزه رقم هشام بيه!!
جلس مجدى على مقعده متأففا وهو يضرب سطح مكتبه
- وانت عبيطه بابت!! انت عارفه انت عايزه تكلمى مين ولا بتقولى ايه اصلا!!

استجمت شتات ثباتها لتردف بثقه
- اه عارفه.. زى ما أنا عارفه أنك مش النقيب آدم فياض، وانك ابن عم هشام بيه!
اتسعت حدقة عيونه مذهولا فانخفضت نبرة صوته فهو يعلم متى يشد ومتى يرخى قائلا
- حكايتك ايه يابت أنت ؟!
- خالد، ومتقلقش مفيش مخلوق هيعرف حاجه، بس نلحق خالد والنبى..
باهتمام شديد وهو يشير إليها لتجلس
- تعالى اقعدى...

- ممكن أفهم انت عايز منى ايه ؟!
اتت رهف وهى تحمل نيران الغل بجوفها وتلقى هاتفها أمامه ثائره.. فاتسعت ابتسامة فارس
- كنت متأكد انك هتيجى ؟!
جلست رهف متأففه وهى تقول بعتب
- يابنى انت ليه مش عايز تفهم اننا صحاب وبس ؟!
اسبل عيونه قائلا
- وانت ليه مش عاوزه تفهمى أنى بحبك..
ثم غمز بطرف عينه قائلا وهو يحتضن كفها: تشربي ايه ؟؟!

سحبت كفها عنوة: مش هشرب حاجه وهمشي دلوقت حالا!!
- ايه يابت انت اهدى كده وفكيها مش هخطفك يعنى.. كل ما فى الحكايه إنى حابب نقضي يوم لذيذ سوا..
زفر رهفةمتأففه: بمناسبة ايه وبعدين يا عم انت انا مش فضايلك..
- طيب ولو قولتلك عشان خاطرى ساعة واحده بس نتغدى فيها سوا..
فكرت رهف طويلا تحت سطو عيونه الخادعه فقالت بتردد
- ساعة واحده بس!!
- وعد ساعه واحده بس...

- اتاخرت عليك؟!
اردفت نور جُملتها وهى تركب بجوار زياد، فهتف بدلال
- انت تتاخر زى ما انت تحب يا باشا، حتى ولو هستنى سنين..!!
اتسعت ابتسامة نور فقالت بعدم تصديق
- بكاااش اووووى على فكرة..
- والله مابكش، انت بس اللى مش عارفه قيمة نفسك.. تروحى فين!
تحمحمت بخجل ثم قالت
- ليك عندى مفاجاة حلوة!!

تاهب زياد بقيادة سيارته.. فواصلت نور حديثها
- فاتحت بابا فى موضوعنا وهو انبسط جدا وكمان عازمك النهارده على مزرعتنا اللى فالفيوم عشان يعرفك على عمامى، فأحنا يا دكتور اوف لاين من العالم كله واوعدك هتقضي احلى يوم فى الفيوم النهارده!!
داعب شفتى زياد ابتسامة خبيثه وهو يقول
- الفيوم!!
قفلت نور هاتفه بتلقائيه وهى تقول:
- أجل.. الفيوم.. يلا بابا مستنينا...

( امام باب الغرفة الخاصة بمستشفى السجن )
توقفت للحظات وهى تحس بالتوتر والخوق فلم يتبق على نقطة الوصول الا خططوة واحده.. هتف هشام بحنان بالغ
- تحبى ادخل معاكى!!
رفعت عيونها الهالكه إثر انحباس الدموع بجوفها وهى تقول
- لا يا هشام معلش خليك هنا ؟!

نصبت عودها واخذت نفسا طويلا وهى تلملم شجاعتها لتدخل لابيها.. فهتف هشام
- تالت سرير على ايدك اليمين.. وانا هستناكى هنا.. يلا..
اومات ايجابا وبخطوات متراجعه اخيرا اخذت قرارها واتجهت صوب مقصدها.. ترقرقت اعينها بعبرات الوجع عندما رأته راقدا لا حول له ولا قوة.. ركضت نحوه متلهفه وهى تلقي بكل ما بيدها هاتفه
- بابا... بابا وحشتنى اووى.. اووى..

انهالت على وجهه وكفوفه بقبلات الشوق الممزوجة بامطار العين وهى تهتف
- سامحنى يا حبيبي.. سامحنى والله عملت المستحيل عشان اخرك!!
رفع والدها غطاء انبوبة الاكسجين الموضوعه على انفه قائلا بتنيهده قويه
- فجر.. سامحينى يابتى.. سامحينى ظلمك معايا بس كنت عاوز أمنلك مستقبلك.. وجبتلك مراة اب تذلك
جثت على ركبتيها وهى تقبل جبهته كثيره
- مش وقت الكلام ده.. بابا انت هتطلع من هنا متخافش.. هترجع تانى لبيتك تنوره.. انت وحشتنى اوى..

اردف صبري بيأس: يا مين يعيش يابتى.. خلاص هو العمر بقي فيه بقية!!
- متقولش كده والنبى.. انت اللى باقي لى فى الدنيا.. انا متونسه ومستقويه بنفسك فى الدنيا..
يخرج انفاسه بتثاقل رهيب فقال بتنيهده قويه
- اسمعينى يابتى.. زيدان واللى زيه لازم تخلصي منهم، ابعدى عنه يافجر وبلاش يابتى تخدمى في بيته تانى، انا غلطان انى وديتك هناك..
- ريح نفسك يابابا انا سبت زيدان والبلد والقرف ده كله..

بلل حلقه بصعوبة ثم واصل
- سكته ملهاش نهاية غير نهايتى دى!! وكمان يابتى لازم اقولك حاجه اخيره عشان اقابل وجه كريم وانا نضيف..
- ريح نفسك.. واول ماتخرج من هنا هنتكلم كل اللى نفسك فيه..
- معلش يابتى.. اسمعينى للاخر.. ياعالم بكرة مخبى إيه!!
مر قرابة التصف ساعه فلم يتحمل هشام الانتظار اكثر، فقادته اقدامه إليها حتى وقف بجوار مخدع صبري قائلا بهدوء
- فجر.. مش يلا ؟!

تبادلت الأنظار بين صبري وهشام فشرد صبري فى آخر لقاء بينهم وهشام ينهره
فلاش بااك
- ليه راجل فى سنك يتحمل بلاوى كلب زي زيدان!! ما تعترف وتخلصنا وتقول أن البضاعه دى تبعه وهو اللى قتل رجالة الامن ؟!
اطرق صبري بأسف: معنديش كلام اقوله.. خلصت كلامى يابيه..
بااااك
احتارت بيهم نظرات فجر فقالت
- هشام أنت تعرف بابا!!
صمت هشام فهو لا يملك رد.. فهتف صبري مذهولا
- انت تعرفي حضرة الظابط منين يابتى..
اطرقت باسف بعد ما اخذت اذن هشام بنظراتها فقالت بحزن
- هشام يبقي جوزى يابابا..

- يوووه يابسمه استنى هنا متوجعيش قلبى!!
تسير عايده بخطوات واسعه خلف بسمه لتمنعها من الخروج، ولكن دون جدوى.. هتفت باصرار
- مش هتأخر ياخالتو.. متقلقيش هرجع على هنا..
تركتها واسرعت خُطاها نحو سيارتها وعلى حدا صفت امام الفيلا سيارة أجرة اثارت اهتمام عايده لمعرفة من بها.. حتى ارتسمت ابتسامة انتصار قائله
- مياااااده ؟؟!

تناول مياده حقيبتها من يد السائق وهى ترفع نظارتها السوداء
- على ما عرفت أجى.. و اقنعت مايسه انها ماتجبش سيره لبابا..
هللت عايده مرحبه: تعالى تعالى.. وحشتينى يا حبيبتى..

يخلتس عليها نظرة من حين لاخر وهو يراها تنهار فى دموعها اغرقت قلبه معها فى بحور همها.. فاوقف سيارته قائلا بحنان
- هو مش كفاية عياط ولا إيه!!...
لم يعطيها رنين هاتفه فرصه لتُجيبه.. فوجد رقما غريبا فقال
- لحظه هرد واجيلك..
رد على هاتفه متأففا: مين بيتكلم!!

هبت زعابيب توعد كامل بشير والد ميادة
- شووف يا ابن السيوفى كلمه ملهاش تانى يا اما تبعت ورقة طلاق بنتى يأما هنسفك من على وش الدنيا.. انت فاهم!!
لم يبد هشام اى رد ولم يهتر به ساكن إثر تهديده، فعفاه كامل من الرد عندما انهى المكالمه بدون اذن.. قفله متأففه ثم عاد اليها بثغر مبتسم قائلا وهو يمسح دموعها بابهامه
- ماهو كفايه عياط يعنى.. كده كتير!!

- بابا صعبان عليا اوى ياهشام..
- وانا وعدتك إنى هخرجه، بس اهدى ولا أنت مش واثقه فيا!!
جلست على كبتيها فوق مقعد سيارته وهى تعانق لتستمد منه قوتها قائله
- انا ما بقتش أثق غير فيك يا هشام..
احتواها بذراعه متنهدا خانه قلبه تلك فطبع قبلة خفيفه على شعرها الذي يغطى ظهرها قائلا
- اهدى طيب.. وانا وعدتك ولازم انفذ..
جرت دموعها المنبعثة من قنواتها فصبت على كتفه قائله
- هو بابا كان عاوزك فى ايه..

لم يفكر للحظه ثم قال بثبات
- كان بيوصينى عليك.. وانا وعدته هو كمان انى اشيلك فى عيونى، ارتحتى ياستى!!
اكتفت بصمتها وهى تستنشق مع انفاسها عطره فقالت
- يعنى أنت مش زعلان منى عشان فتحت علبة البرفان بتاعتك..

ضحك بخفوت ثم ربت على كتفها
- دأنت فتحتى قلبى وانا مزعلتش.. زعل عشان علبة برفان!! وبعدين لو فضلتى على الحال ده هيفتحلنا أحنا الاتنين محضر بفعل فاضح فى الطريق العام وحلينا لو خلصنا..
ابتعدت عنه بعدم تصديق فشل حبها له ارادتها قائله
- انت قولت ايه!!
تعمد التجاهل سؤال منسيا كلامه
- ماقولتش!

كررت باصرار: لا قولت..
رفع حاجبه بخبث: قولت ايه ؟
اجابت على الفور: إنى فتحت قلبك!!
تذكر للحظه عهده مع نفسه فتسلح بالجمود مرة ثانية وهو يتأهب لقيادة سيارته
- ااه فتحتى قلبى وخلتينى احس شويه بالناس اللى حوليا، عايدة وبسمه ورهف واخرهم ابوكى..

لك الكلام فى فمها بخزى وهى تعود لتجلس مكانها وتربط حزام الامان: اااه عايده وابويا!!... طيب انا عايزة اروح ياهشام!!
اعتاد ان لا يقول الا نصف حقيقه نصف مشاعره نصف اسراره.. فغير ذلك تعدى على عالمه.. اومئ بخفوت متجاهلا خناجر قسوته التى نصبها فى منتصف صدرها وقاد سيارته مرة آخرى فرن هاتفه فوجده اللواء نشات وهو يهتف بقلة حيله
- هشام، ألحق مصيبتين أتقل من بعض، لازم تكون عندى حالا...

 

تاااابع ◄