-->

رواية الحرب لأجلك سلام الفصل السادس

 

 

 "ظننت ان الحب دائما غير مشروط وبدون مقابل فهو مجرد جنون بالقلب لا يهوى الا البقاء بقرب من أجن له ولكنى فقدت صوابى تلك المرة، فالحب لا ياتى الا مشروطا وبمقابل يجن له القلب وتهلك فى حضرته الروح وسرعان ما ينتهى بالفراق"



فزع زيدان من منتصف مخدعه كالملدوغ وهى يسب ويلعن بألفاظه الخارجه .. نهضت مُهجة النائمه بجواره وهى تترقبه بأهتمامٍ شديد هامسه :
- اهدى يا اخويا مفيش حاجه مستاهله ..
تجاهل زيدان مواسيتها متابعا
- افهم .. ازاى هربت منكم يابهايم !!

- والله جنابك مشينا وراهم ومعرفناش نمسكوهم ..

هبت زعابيب غضبه ناهرا
- عشان اغبيه وانا غلطان إنى وثقت فى شويه اغبية زيكم ..
اوشك أن يقفل هاتفه ولكنه توقف إثر جمله مسعود هاتفا
- بس يابيه ولد السيوفى مضروب في كتفه .. و كمان راحو المينا ..

تدلت اقدام زيدان العاريه من فوق الفراش وهو يرتشف كأسا من النبيذ ويستمع لقول مسعود الذي بث الامل بجوفه مرة آخرى .. لا زالت مهجة تترقب رده وما الذي جعله ينهض من فراشه ملهوفا .. فاتسعت حدقة عينيها عندما رأته يقول بنبرة آمرة.
- طيب بص عاوزك تقلب المستشفيات عليه .. طالما متصاب اكيد هيروح اى مستشفى قريبه .. وكمان عاوزك تفتشلى كل الشاليهات اللى على الشط وقريبه من المكان اللى راحوه .. فاهم يامسعود ...

ركض مسعود نحو سيارة الخفر بعجل وهو يقول
- اوامر جنابكك .. طبعا فاهم ..
نهض مُهجه لتلحق بزوجها وتحتوى كتفه كاحتواء الافعى لفرع شجره وهى تقول بفضول
- اى المهم اللى قومك من جمبى ؟!

- البهايم ضيعوا البت من يدهم ..
انعقد مابين حاجبيها بامتعاضٍ
- زيدان ممكن اعرف البت دى تهمك فى ايه !! اشمعنا هى اللى متمسك بيها كده ؟!
التوى ثغر زيدان ساخرا وهو يتذكر بعض المواقف بينهم فقهقه
- هى الوحيده اللى وقفت قصادى واتحدتنى ..

- تقوم تتجوزها ؟!
- منا لو مجوزتهاش كان هيتجوزها خالد .. وكل ألاعيبى كانت هتفشل !!
تركت ذراعه بعد ما اشواك الغيرة غُرست بقلبها
- يعنى مش بتحبها ؟!
رج السؤال كيانه فتدارك زيدان قوه الموقف سريعا إثر ملامحها المشتعلة .. وهو يقول متغزلا
- حد يكون معاه المكن ويبص لقطع الغيار !!

وضعت كفيها على خصرها قائله بعدم تصديق
- زيدددددددددان !!
تحمحم بخفوت وهو يرمقها من راسها للكاحل
- احممم تصبحى على خير يا مُهجة ...

تركها فى قلب نيران غيرتها المُهلكه وانصرف قبل ان يخمدها .. فأى مخاطر يمكن التغلب عليها الا غيرة النساء أن لم تُطفئها ستأكلك أنت اولا ... ظلت تتابع خطواته بعيون ضيقه حتى وصل لفراشه متهيئًا للنوم وهى تقول لنفسها
- طيب يا ابن نصير .. بتحبلى واحده من دور عيالك !! على جثتى !!

لكل شبر فى الارض وله اسراره التى تتعلق بيذول ارواحنا حتى نعود إليها .. احتل الصمت حلقتهم الصغيره إثر قُنبلتها الموقوته التى فجرتها على آذان الجميع .. الى أن رسي بهم ( اللانش ) قرب الشاطىء .. التفت زياد الى فجر التى تكورت حول نفسها دافنه وجهها بين ركبتيها .. والى رهف الجالسه بقرب هشام لتتاكد من سلامة جرحه .. والى آهات هشام المكبوته التى اشتعلت حرارتها على وجهه المُحمر .. فاردف بنفاذ صبر

- تقريبا هو ده الشاليه .. يلا ننزل ..
تحركت رهف بصحبة هشام وهى تحتضن ذراعه اما عنها فدخلت فى غيبوبة صمتها التى فزعت منها إثر صوت زياد القوى
- انت كمان عامله نفسك مش سامعه ... يلا لما نشوف اخرة البلاوى اللى بتتحدف علينا دى ايه ؟! .

وقف هشام على حافة اللانش ولاول مرة يرمقها بنظرة شفقها نفض غبارها سريعا وهو يتقدم بقدمه اليمنى ليضعها على الحجر الكبير الذى رسي بقربه اللانش .. وبلهفة أم ركضت رهف خلفه لتلحق به الا أن اختل اتزانها فسقطت علي ركبتها صارخه بألم تردد صداه ممسكة بركبتها
- الحقنى يا زياااااد ...
تجاهل هشام حريق كفته ودنى من اخته التى تتضرع الما وتضور وجعا
- اااه رجلى ياهشام هتموتنى .. !!

ركض زياد متلهفا صوب اخته ليرى ركبتها
- ورينى طيب اوعى ايدك ..
لازال صراخها يرتفع : مش قادره ... الم فظيع يازياد ااااه ...
شظايا الندم تقرض فى حواف قلبها فمن الظلم ان تشترك فى معركه سيقتل فيها اخاك .. هبطت من اللانش واقتربت من رهف وهى تربت على كتفها
- طيب قومى اسندى عليا ممكن يكون جذع خفيف وانت مكبره الموضوع !!

ناحت متأوهه وهى تتشبث بقميص زياد
- هموووت يا زياد اتصررف مش قااااارده .. نار فى رجلى ..
رفع زياد انظاره بحزن
- للاسف شكله كسر .. ولازم رجلها تتجبس حالا ..
من قلب النار التى بداخله ادرف قائلا
- يلا خدها على اقرب مستشفى ..
زياد بحيره: هشام جرحك لازم يتنضف !!

تعكز هشام على ما تبقي من قوته معاندا طبيعة جسده قائلا
- متشغلش بالك بيا .. يلا انجز وخلص وابقي تعالى. .
- ياهشام حرجك لازم اشوفه الاول ..
بادر صراخ رهف وتاوهها اعتراض هشام الذي زفر باختناق
- هات بس المفتاح وروح وديها المستشفى واتصل ببسمة تجيلها .. وابقي ارجع يلا مافيش وقت ...

انحنى زياد باستسلام وهى يحمل اخته بين يديه مجبرا .. ساعدته فجر فى وضعها باللانش ... فلحق زياد بها وهو يشير بسبابته على الشاليه لهشام ..
- الشاليه اللى فى وشك ده ياهشام وانا هتصرف وابعتلك دكتور .. ارتاح انت بس ..
جر هشام ذيول آلامه المكبوته متجاهلا كل شيء .. ولازالت فجر تقف مع زياد الذي تناول هاتف رهف قائلا بنبره ضاجره
- خلى التليفون ده معاك .. وتخلى بالك من هشام واى حاجه تبلغينى .. فاهمه ..

اومات بالايجاب وهى تلحق هشام فى خُطاه ... تحرك زياد باللانش تحت سمفونيه صرخات رهف المتصله حتى فاض كيله قائلا
- خفى زن ... انت ايه اللى جابك معانا اصلا ...!!

وصلت فجر الى اعتاب الشاليه فوجدته ملقى بجسده فوق الاريكه يتصبب العرق من كل إنش بوجهه ويحتضن ذراعه وهو يجز على فكيه بألم فاض به الحال ان يتحمله .. محاولا ان يخفف علقم آلامه بالتملص فوق اوتار الوجع ... فمهما تراكمت عليك الاحزان والمصائب عليك ان تتحترم غريزه البقاء ..

اغرورقت مقلتيها بالدموع إثر ما يكبته بجوفه .. فاقتربت منه وتسكعت عينيها بين دروب وجهه المثيره للشفقه وهى تقول
- ممكن اساعدك ازاى؟!
جز على اسنانه متأوها
- أنك تختفى من وشي ..
- فى حالتك دى مش وقت عند خالص !!

جملتها كانت عباره عن فيتامين لتمرده .. فوثب قائما ليفك لزرار قميصه بعشوائيه وينزعه امام انظارها للحد الذي جعلتها تندهش من وقاحته .. بات امامها عاري الصدر الا ان كتفه مغطى بالدماء ..
تسلقت انامله برفق لتتحسس جرحه فتفجرت نيران انين على هيئه صرخه عاليه .. جثت على ركبتها لتتفقد جرحه فشهقت واتسعت مقلتيها
- الرصاصه فى كتفك ؟! مش مجرد جرح ..

يتصبب الحرق من جسده كله وارتفعت درجه حرارته فجن عقلها .. ركضت نحو هاتف رهف لتستغيث بزياد ولكنها وجدته بكلمه سر .. القته بعشوائيه متأففه ولم تمنع دموعها من الانهيار فاقتربت منه
- الرصاصه لازم تطلع !!
قطم شفته السفليه وهو يتراجع للخلف متخذا انفاسه بصعوبه بالغه وهو يقول
- هتقدرى !!

تأملته طويلا حتى استقرت فى حلقها غصة الخيبه وهى تقول
- قصدك انى...!!
تحدث بنبره القابض على الجمر
- الرصاصه ما ينفعش تقعد اكتر من كده .. سخنى سكينه ..

جميع الظواهر الكونيه انهالت على قلبها مزق قلبها إربا إثر ما أمرها به .. تركت عبراتها تغسل وجهها وهى تترقب الامه التى نخرت قواه حتى بات هشا للغايه .. اطرقت بصوت كسيح
- مستحيل...

- انا هتجنن .. محدش فيهم بيرد ..
تجوب بسمه ذهابا وايابا تحت انظار سامر المشتعله بلهيب الانبهار متناسيًا حجم كوارثهم .. فنحن لا نحب الا عندما ننبهر .. القت الهاتف بنفاذ صبر موجهه حديثها لعايده
- وبعدين يا خالتو. .. ده محدش فيهم بيرد ..

- ولادى لو حصلهم حاجه أنا بنفسي هروح ابلغ عن البنت دى..
اردفت عايده جملتها وهى تجلس على المقعد المجاور لسامر الذي تدخل سريعا
- مادام عايده .. اى تصرف عشوائى هيضر مش هيفيد .. ولو حضرتك عملتى كده جايزه المهرجان ممكن تتسحب منك خاصة انك عرفتى الدنيا كلها باوصول فجر وانها راجعه من اوروبا ...

ذكاء سامر لفت انتباه بسمه التى هتفت مؤيده لكلامه .. زفرت عايده باختناق
- والحل ياسامر !! حط نفسك مكانى .
- الحل ان حضرتك تروحى تنامى وانا هنزل ابات فى العربيه تحت عشان اكون مطمن عليكم ..
عايده بامتنان : لا روح انت ياحبيبي ملكش ذنب .. ومتورطش نفسك مع ولاد السيوفى .

اتسعت ابتسامة سامر ولمعت عيونه التى التهمت بسمه وهو يقول بصدرٍ رحب
- منا خلاص اتورطت ...
لم تنتبه بسمه لجملته الاخيره لانها ركضت على رنين هاتفها كالملهوفه
- الووو زياد !! انتوا بخير ؟!

يقف زياد امام استقبال المستشفى
- بسمه هبعتلك لوكيشن المستشفى تعالى عليه حالا ..
- طمنى طيب فى ايه ؟!
- رهف رجلها اتكسرت وعاوزه تتجبس وانا لازم ارجع لهشام جرحه بينزف ..

ثار عقل بسمه من صواعق الاخبار التى يبخها زياد فالتفتت نحو عايده التى تقف متلهفه لاي خبر يطمئنها ولكن اصيب شكوكها فى صمام اليقين عندما صرخت بسمه
- رهف فى المستشفى وهشام متعور..
وثب سامر بلهفه : يلا يلا هاجى معاكم ..
عايده بلهفة ام : يلا ياسامر والنبى اطمن على ولادى !!

استدار زياد ليغادر المشفى ولكنه سرعان ما عيون رجال زيدان جمعته فحاول التوارى منهم قدر الامكان ولكن خطاهم كان على مسار خطاه ببحرافيه .. يأس زياد فى أن يغادر المشفى فعاود الاتصال على هاتف رهف دون جدوى .. فقرر ان يستغيث بصديق له يعالج هشام ... وعلى حده كان رجال زيدان يخبرونه بتواجد زياد فى أحد المشافى .. فجهر قائلا
- عينكم ما تغفلش من عليه والا ما هيكفينى فيكم دمكم...

خرجت فجر من المطبخ حامله بيدها سكينه باتت كجمره من نار إثر حده لهيبها .. وهى ترتعتش .. حاصرها الخوف من كل صوب وحدب .. آهات مُلتاعة صاحبت نبرتها المرتعشه وهى تلتقط انفاسها بتثاقل .. وصلت عند هشام الذي اوشك على فقد انفاسه وهى تقول بهلعٍ
- اعمل ايه ...

بسط كتفه باسترخاء متحدثا بكلمات متقطعه
- طلعى الرصاصه الاول بالسكينه الصغيره وبعدين اكوى الجرح ...
بات جرحه ينزف وبات كل جسدها يخر دماء الخوف .. كل ما يقترب سن سكينتها منه تتراجع باكيه .. غارقه فى بحور ندمها وتأنيب نفسها .. تراه يضور وجعا وهى العلاج .. نهرها بنفاذ صبر
- انجزى ...

مره ما بعد العشره من المحاولات الفاشله استجمعت كل بقايا ضعفها لتتعكز عليهم فلم يعد لديها قوه ما تُجمعها .. تعالت انفاسها وظلت تلهث وترتجف وتتراجع تارة وتتقدم اخرى .. أغمضت عينيها للحظه وهى تأخد انفاسها سريعا مردده بأن بين الجبن والشجاعه ثبات القلب ساعه .. عزمت امرها على ان تغرس سكينتها متجاهله تأوهاته التى تمزق القلب وتخرج الرصاصه بكل ما اوتيت من فشل فلا يتاح لها الا النجاح ..

هدأ صخب قلبها عندما خرجت الرصاصه من جسده شاكره ربها بصوت يهذى .. انخفض صوت تاوهات هشام التى كانت تقضم من عمره قائلا
- يلا اكوى الجرح ولو اغمى عليا متقلقيش كام ساعه وهفوق ...

جحظت مقلتيها إثر ما قاله وهو يضع قماشه بفمه .. تغلفت روحها بالهلع مرة اخرى وهى ترمقه راجيه .. اغمض هشام عينه منتظرا ان تكمل مهمتها .. فسقطت عينها على السكين الذي لازال يحترق .. وعلى ضعفه امامه فنهضت كالملدوغه
- مش هقدر ...

رفع القماشه ليتحدث بكلل
- جرحى هيتسمم وهموت ...

شعرت بانخلاع قلبها من جذوره اثر جملته .. وكأن حقل صبار بات يستمد مراره من لعابها .. سبحت بعينيها الباكيتان فى بحور ضعفها .. انتابتها عاصفه من الخوف رجت قلبها تحديدا وهى تقترب منه لتكمل مهمتها الشاقة .. تشبثت بمقبض السكينه ثم رمقته بعينيها الهالكتين .. فلم يباردها اى رد سوى الاستسلام .. تدريجيا وبارتعاش بلغ ذروته تترقب لهب السكينه وهو يقترب من جرحه وبمجرد ما لمس جلده انفجر صارخا بقوة هزت جدار المكان ..

لم تمتلك من امرها شيئا سوى البكاء معه .. انتهت مهمتها اخيرا وهى تراه يستكين .. تغوص جفونه فى غيبوبتها .. فالقت ما بيدها منتفضه ازدردت ريقها برعب والم حارق يتوهج دخانه من قلبها وملامحها تصرخ بحزن يتجاوز ال٩٠ عاما وهى تتفقد حالته التى لا حول لها ولا قوه .. بصوت كسيح

- هشام ... انت كويس ؟!
ولكن بدون فائدة تحسست درجه حرارته وجدتها مرتفعه جدا .. ركضت لتجرى له كمدات لتخفضها وتنظف جسده من قطرات الدماء التى كسته ... وبين كل لحظه والاخرى تتحسس نبض وضربات قلبها الغير منتظمه ..

ولكنها توقفت عند اثر جرح فى جنبه الايسر ظلت تتحسسه باناملها بلهفه وقلب ثائر ودرب من المشاعر المدججه بالشوق والعتب واللوم والفقد والخوف .. فاقت من شرودها على صوت طرق الباب فنهضت كالملدوغه .. تسير على اطراف قدمها خائفه وهى تقول بصوت خفيض

- مين .. ؟!
ثم رفعت نبرة صوتها قليلا
- مين بيخبط ؟!
اتاها صوت ذكورى : دكتور رؤوف من طرف دكتور زياد ..
فتحت الباب متلهفه وهى تستغيث
- انت اللى بعتك زياد !!.. تعالى تعالى هشام جوه مغمى عليه ...

فحص روؤف حالة هشام وانتهى من ضماد جرحه ثم استدار نحو فجر المرتعشه وهو يقول مبتسما
- أنت اللى عملتى كده ؟!
لازالت ترتعد خوفا : هو اللى قال لى .. وقال لى كمان ممكن يموت لو معملتش ..
ضب الطبيب عدته وهو يقول
- برافو عليك والله .. عموما هو هيفضل نايم للصبح وهيصحى احسن وانا هجيله تانى اغيرله على الجرح ..

تشبثت بطرف كم الطبيب متلهفه
- يعنى هو كويس ؟!
- هو زى الفل ونايم .. متقلقيش .. ولو حرارته ارتفعت تانى اديله الحقنه دى .. سلام عليكم ..

انصرف الطبيب بعد ما بث فى قلبها نسائم الطمأنينة .. راقت لها فكره الجبوس على ركبيتها ارضا بجواره تتامله تارة وترعاه تارة اخرى .. فتلك المرة حالت نظراتها من القلق الى الاعجاب بكل تفاصيله ..

اغتنمت فرصة نومه لتبتلع ملامحه عن قرب وهى تتفحص وجهه الممتلىء بالكدمات غير قادره على ايقاف ارتعاشة شفتيها .. احتضنت كفه الخشن وهى تتامل تقسيماته حتى اعتراها الصخب فكلما تطلعت اليه ملأت بفوضي داخليه لم تعلم من اى ثقب تسربت لصميم قلبها ..

تركت يده بعد مرور كثيرا من الوقت واحضرت له غطاء من الداخل ليدفء .. ظلت ترعاه بعينيها عن بعد حاولت ان تخفف من برود كفيها بالنفخ فيه ثم احتكاكهم ببعضهم وهى تتاكد من قفل النوافذ .. فقلت سترتها وانكمشت حول نفسها لتنام على المقعد بجواره ...
اشرقت شمسه بعد ليل كاحل لم ينعمها بالراحة فكل ما تغفو جفونها تنهض مفزوعه ليطمئن عليه الى ان غابت شمسها وغاصت فى النوم صباحا ...

انات من الالم الخفيف احتلت جسده فتحرك بصعوبه وهو يزيح الغطاء بعيدا .. فسقطت عيناها على تلك الصغيره المنكمشه حول نفسها لترعاه .. زام ما بين حاجبيه وهو يطيل النظر بها .. ثم عادت انظاره لبؤرة اوجاعه يتحسسها مصدره تأوه خفيف افزعها .. فارتطمت انظارها بمعالم وجهه الحاده وهى تقول بلهفه

- انت كويس صح ؟!
- هو اى اللي حصل ؟!
اعتدلت فى جلستها باستغراب : انت مش فاكر ؟!
- لا .. وفين زياد ورهف ؟!
وثبت قائمه محاولة الاقتراب منه ولكنه افشل مخططها فتوقف مكانها وهى تقول
- ارتاح بس وانا هحكيلك اللى حصل ..

بحزم : مش عاوز اسمع منك اى حاجه ... انا لازم امشي ..
جحظت مقلتيها
- تمشي فين .. انت مطلوب القبض عليك !!
اشتدت نبرته: منا لازم الحق الكارثه دى ؟!
توقفوا على نور شاشة محمول رهف .. فركضت نحوه سريعا وفتحته قائله
- ايوه يا دكتور زياد ..

يهبط من سيارته : هشام عامل اى ..
بادر هشام بالرد : طمنى على رهف ..
دخل زياد عمارة مجهوله : رهف تمام ولسه موصلهم البيت .. المهم يا هشام خليك عندك متتحركش .. وسامر ومجدى بيحاولوا يحلوا المصيبه دى .. البوليس وزيدان قالب الدنيا عليك ..

هتف متعضا : زياد مش هشام السيوفى اللى يهرب ..
توقف زياد بنفاذ صبر : يومين ياهشام لحد ما نلاقي حل للبلوة دى .. متقلقش هنتصرف .. استحمل .. المهم جرحك تمام ؟!
- طيب يا زياد ... خلى مجدى يكلمنى عشان تليفونى نسيته فى عربية سامر ...
- زياد متشلش هم .. وانا هبعتلكم اكل .. هشام ورحمه ابوك مش عاوز جنان ارسي كده وهتتحل .. يلا سلام ..

تحولت نظرات فجر من التوسل الى الانتصار وابتسامه خبيثه
- عشان تبقي تسمع كلامى ..
اشار اليها بسبابته : انت بالذات الاحسن ليك مسمعش صوتك عشان معنديش مانع ان الجريمه تبقي اتنين ..
- انا كنت خايفه عليك على فكره ..
دفعها من امامه بقوه متجها نحو المرحاض
- لا ياختى خافى على نفسك .. وسعى كده ..

عيونها احرقت ظهره بنظرات اليأس
- انا هقعد مع الكائن ده يومين ازاى بس ؟!
وصل زياد الى باب شقه فاخرة ودق جرسها ولم ينتظر كثيرا ففتحت له الباب بملابسها التى لا تخفى شيئا .. اكلها بنظراته قائلا
- ما صباح الورد. .

زفرت ناريمان باختناق
- انت لسه فاكر ؟!
حاول ان يدنو منها مشتاقا ولكنها وضعت كفها لتفشل مخططه قائله
- الست امك مقدمه فيا بلاغ ..
انحنى ليقبل كفها بشوق ويطفىء نيران غضبها
- ما انت اللى غلطانه يا نيموووو .. حد ينسحب قبل المهرجان كده !!

سحبت كفها باغتياظ : ماانت لازم تساعدنى ..
- اعمل اى يعنى .. ؟! وبعدين انا مش جاى هنا عشان توجعيلى دماغى والله همشي ..
تشبثت بملابسه متلهفة
- لالا خلاص متمشيش .. انا اسفه .
غمز لها بطرف عينه وهو يلتهمها بنظرات خاليه من اى حب .. فهمست فى اذنه بهيام فجر طاقاته الدفينة بعدها
- بس عندى طلب صغنن أد كده !!!!

خرج هشام من المرحاض وهو يبحث عن قميصه .. فعشوائيه لفتت انتباها .. فسألته
- بتدور على حاجه ؟!
- قميصي فينه ..
سكتت للحظه ثم قالت : اصلى لقيته مش نضيف فغسلته شويه كده يكون نشف ..
زفر باختناق : ممكن ما تعمليش حاجه تانى من دماغك ..

التزمت صمتها وتناولت الوساده المجاوره لها ووضعت على ركبتيها تراقبه بعيون تعمد ان يتجاهلها كثيرا .. جلس امامها وهو يتحسس جرحه بتعبت تعمد اخفائه .. ولكنها هتفت قائله
- الدكتور هيجى يشوفك بالليل ..

تجاهل سؤالها وواصل فك الضماد .. وتناول المطهر لينقى جرحه تحت اهاته المكبوته .. فرددت بصوت خفيض
- اى مساعده ؟!
تجاهل ايضا سؤالها ولازال منغمسا فى تنظيف جرحه .. زفرت باختناق ثم تحركت لتجلس بالقرب منه بعد تردد واطرقت باسف
- أنا اسفه !!

رمقها بطرف عينه ثم بعد انظاره عنها
- على ايه ولا ايه !
حكت كفيها بارتباك : على كله .. مكنش قصدى كل ده والله ..
- تمام .. اسفك غير حاجه ..
لازالت نبرته فى الحديث جافه .. فردد بتلقائيه
- لا ..
- يبقي قلته احسن وتخرسي ..

اتسعت انظارها والقت الوساده من يدها متجهه نحو المرحاض تحت انظاره المنجذيه اليها دوما ... لم تكد تصل الى الحمام فعادت بوجه شاحب وهى تنتفض .. رفع انظاره نحوها قائلا
- حصل اى ؟!

بهدوء خطت وعادت لتجلس امامه ولازالت اعينها مشحونه بكلامٍ .. انتهى هشام من ضماد ذراعه .. فلم يمنعه فضوله من سؤالها
- رجعتى ليه ؟!
راى نظرة الفزع بانظارها ورعشة شفتيها اثناء الحديث وهى تقول
- اصل فى عنكبوت فى الحمام ..
زام ما بين حاجبيه متعجبا : وفين المشكله ..

اوشكت مقلتيها أن تذرف بالدموع وهى تقول
- عندى فوبيا ..
رفع حاجبه مستنكرا وبنظرة لا تخلو من السخريه
- نعم ياختى ؟!
خدشت دمعتها وجنتها فتلقتها بطرف كمها
- خلاص ما تحطش فى بالك ..

رجع عليه الاسعافات الاوليه التى احضرها الطبيب فوق المنضده وصمت للحظه .. فشعر بالشفقه على حالها وهى تخفى خوفها وتلقى انظارها هنا وهناك خشية من ان يهجم عليه شيح ما تخافه .. فسألها
- ايوه يعنى هتفضلى كده عشان عنكبوت !!

- كده ازاى ..
لكَ الكلام بفمه : دانتى حتى مغسلتيش وشك ..
- منا مستحيل ادخل وهو جوه؟!
ضاقت نظرته : هو مين ؟!
- اوووف خلاص متشغلش بالك ..

زفر هشام وهو ينهض نحو المرحاض ليقضي على شبح مخاوفها فهتف قائلا
- فينه ؟!
اتت خلفه لتشير له باصبعها كالطفله : اهوو اهو الحق موته ..
احتلت الغرابه ملامح هشام .. فواحده بقوتها لم تخش الوقف امام شخصه مجرد عنكبوب يحولها لطفله !!
تقدمت على اطراف قدميها تتأكد من انه تم الانتهاء من عدو وتترقبه بعيون صقريه اثارة نوعا اخرا من الدهشه بعقل هشام وهو يقول ببرود
- تحبى اقعد معاك احرسك ؟!

فزعت كالملدوغه : ايه ؟! تقعد فين ؟! لا طبعا اتفضل خلاص هو مات على كده متشكره ..
قفلت فى وجههه الباب وهو تتمتم بكلمات غير مفهومه
- ناقصه هى قال اقعد معاك احرسك !!!

- يامجدى ممكن افهم اى اللى هببه ابن عمك ده ..
بضجر هتف اللواء نشات جملته وهو يتكا على مقعده الجلدى.. فوصل مجدى تحت منزل عايده وهو يقول
- والله سوء تفاهم وهنحله معاليك ..
نفذ صبر نشأت : ابن عمك طلعوا قرار بوقفه عن العمل واحالته للتحقيق بعد ما كل الادله بقيت ضدته

مجدى باختناق : والحل جنابك ..
نشات : بص يا مجدي تعالى لى او وصلنى بهشام لحد ما نشوف المصيبه دى هترسي على ايه !!
وصل مجدى لشقه عايده ففتحت له بسمة متنهده
- مجدى فى اخبار عن زياد وهشام ؟!

- هو كمان زياد هارب؟!
هزت رأسها بالنفى لتصلح ما فهمه
- مختفى من الصبح.. انا قلقانه عليه ..
- زياد ما يتخافش عليه .. المهم رهف كويسه !
- اهى جوه ادخل شوفها ..
كانت تجلس امام التلفاز وتأكل مقرمشات للتسالى كأن بيتهم بات خاليا من اى مصيبه .. فتأملها مجدى قائلا
- حمد لله على سلامتك ..

تركت ما بيدها هاتفه بصوت طفولى
- شوفت اللى جرالى ..
دخل غرفتها وامسك بمقعد التسريحه ونصبه بجوارها وهو يقول
- اهى ذنوب بتخلص ..
رفعت حاجبها : ايييييه ..
- بقول سلامتك ياجميل ..
اتسعت ابتسامتها : الله يسلمك يا مجدي.. شوفت رجلى بقيت تجبسه ازاى؟!

تمعن النظر بساقها المغلفه بالجبس قائلا
- شالله انا وانت لا ..
اطرقت بخجل : بعد الشر عليك ..
- بتوجعك ..
- شويه.. بس لما شوفتك خفيت ..
- ياوعدى !! هما عاطوكى اى مع الجبس خلوكى تطلعى الكلام الحلو ده !!
- يوووه بقي متكسفنيش ..

نهض من مكانه واحتضن كفها بشوق يلتهمه وطبع قُبلة حاره بداخله سرت قشعريره بجسدها
- خضتينى عليك ياجزمه ..
اتسعت ابتسامتها : بجددددد!
- هتستهبلى !! وتعملى نفسك مش واخده بالك هكسر دماغك
قطعت بسمه خلوتهم والقلق محتل ملامحها
- مجدى انا قلقانه على زياد .. مابيردش ..

- شوفت بقي طلبى صغنن ازاى!!
انتهى من ارتكاب افعاله الدنيئه ولازالت ناريمان مُلقاه على ذراعه وتلفح صدره بشعرها الطويل وهى تقول جملتها الاخيره .. فهتف زياد
- انت عاوزانى اقف قصاد امى عشانك؟!

- انا ماقولتش كده .. انت بس هتطلعنى من القضيه .. كلم حد من صحابك يكتب تقرير ان وشي فيه مشاكل ومكنش ينفع اطلع للكاميرات .. وامك قولتلها كده ورفضت .. بس يكون التقرير بتاريخ قديم .. عشان خاطرى يازيزو ..

صمت لبرهه محاولا إيجاد حلا فاردف باستسلام
- هساعدك ياناريمان .. بس بشرط!!
استندت بذقنها فوق صدره العاري وترمقه بعيونها الواسعه
- انت تأمر يا زيزو ..
- تقوليلى السبب الحقيقي اللى خلاكى متحضريش المهرجان!!

خرجت فجر من الحمام مرتديه ملابسه نفسهم .. فسقطت عينها على هشام الذي يلتقط المقبلات بعشوائيه من داخل الاكياس .. فجلست بحواره لتسائله
- مين بعت الاكل ده؟!

اتكأ هشام للخلف وهو يتأمل جمالها بدون مستحضرات التجميل وشعرها المبلل المنسدل خلف ظهرها فتجاهل كل هذا و بعد صارع طويل مع نفسه قرر ان يفجر غضبه قائلا
- انت ما قولتليش ليه انك متجوزه من الزفت ده؟!

"الواحده بعد منتصف الليل: قُرعت طبول شوقى إليك، وتردد لحن صوتك كسيمفونية غريبه الاطوار ولكنها اجبرت روحى ان تلتفت وبدون اى مجهود اجبرت قلبي ان يتمايل على اوتار ذكراك عندما تردد صدى صوت بجملتك الاخيره بجوفى قائلا: انسينى... عزيزى اننى خائنه للعهد ونسيت كل شيء الا انت، فأى مُخدر سكبته بشرايين لادمنك لهذا الحد !!"

اتكأ هشام للخلف وهو يتأمل جمالها الذى لم ينجح الحزن فى ان يحجبه بدون مستحضرات تجميل وشعرها المبلل المنسدل خلف ظهرها فتجاهل كل هذا و بعد صارع طويل مع نفسه قرر ان يفجر غضبه قائلا
- انت ما قولتليش ليه انك متجوزه من الزفت ده ؟!

لم تستوعب صاعق سؤاله المفاجئ.. ظلت ترمقه بعيون طائفه هنا وهناك مسحت بهما ارجاء المكان .. فرمقها بنظره حادة شلت حركتهم العشوائيه وهو يقول بنبره أكثر قوة
- اكيد مش بسألك عشان تسكتى !!
بللت حلقها مستجمعه الكلمات به وهى تقول بارتباك
- هى كانت هتفرق ؟!

عض على شفته مغتاظا
- هو أنا المفروض اسال السؤال يترد عليه بسؤال !
ثم ما لبثت ان تقول نافيه
- لالا والله مش قصدى .. بس انا قولت هربت يوم فرحى هتفرق في ايه اذا كان كاتب كاتبه ولا لا ؟
لا زال يصارع ليحافظ على ثباته وهو يقول بحسره
- ااه معاك حق مش هتفرق .. والدليل اهو مش لاقيين حل للمصيبه دى ..

رفعت انظارها المرتعشه إليه قائله
- أنا ممكن اروح اعترف فى النيابه أنك مالكش دعوة بالحوار ده كله ...
- أنا طلبت منك تفكري ؟!
زفرت باختناق : انا مش عاوزه حد يتورط معايا اكتر من كده !!
- ولما تروحى تعترفى هو ده الحل ؟! مش هندخل فى سين وجيم وانى قعدت واحده هاربه عندى ؟!
- بحاول القى معاك حل مش اكتر ..

تغلفت ملامحها بدماء الياس وهى تردف جملتها بنفاذ صبر و تجفف ما فر من قنواتها الدمعيه .. فأخذ يسب فى نفسه سرا
- ناقص انا زن نسوان !! _ ثم رفع نبرة صوته قائلا _
- خدى كلى اي حاجه .. لحد ما نشوف اخرتها .
هزت رأسها نفيا وهى تقول
- لا مش عاوزه اكل هقوم انضف المكان ..

اخرج من جيبه سيجاره واشعلها متسلحا بالتجاهل
- اعملى اللى تعمليه المهم تختفى من وشي ..
وان حل الصمت كضيفا مرحبا بهما ولكن لم تكف عيناهم عما تفيض به من اسئله وحيره .. ظلت ترمقه شذرا وهى تقول
- هو انا مش اعتذرت !! اعملك اى تانى عشان تعاملنى باسلوب احسن من كده !
رفع حاجبه الايسر وبمنتهى الهدوء قال :" تخرسي"

- انت ما قولتيش معلومة مُفيده من الصبح !!
انتهى زياد من ارتداء بنطاله الجينز ويقف امام المرآه الخاصه بناريمان ليصفف شعره ويرمق صورتها المنعكسه فى المرآه بنبرة حاده ضاعفت ارتباكها ..
- زى ما قولتلك .. جانى عرض اعلى من شركه منافسه ليكم .. اضطريت اوافق ..
دار نحوها بهيئته المفتوله
- ما أنت طول عمرك بيجيلك عروض وبترفضيها ..

نهضت من فوق مخدعها وبيدها قميصه التى ساعدته فى ارتدائه وهى تقول
- معرفش عقلى كان فين .. محستش بالمصيبه غير وانا بمضى معاهم..
بحركه مباغته غرز زياد انامله فى لحم ذراعها وجذبها عنوة فمال شعرها الطويل جنبا.. وبنبره تهديديه
- عارفه لو كنت بتكذبى ان ممكن اعمل فيك إيه ؟!

تتملص وجعا بين يديه متوسله له بأن يتركها .. وبعد عناء فك قبضته القويه التى تركت أثرها على ساعدها
- وانا من امتى بخبى عنك حاجه يا زياد .. اخر حاجه كنت اتوقعها انك متصدقنيش !!
لم تخل انظاره من الشك فدار نحو المرآه ليواصل قفل ازرار قميصه ولكنها بدلال انثوي تحركت ووقفت امامه لتخفى صورته فى المرآه وتقفل له القميص قائله بنبره مغريه.

- زياد انا بحبك .. ومعنديش استعداد اخسرك ..
سقطت عيناه على شفتيها التى تسكره فاطلق زفيرا قويا محاولا محاربة ميوله قائلا
- الاوراق هتكون عندك الليله عشان تديهم للمحامى بتاعك ..
فزعت لتقف على طراطيف قدمها وتلقى بنفسها بين ذراعيه بفرحه عارمة
- أنت احلى زيزو فى الدنيا كلها !!

- نشات بيه .. اخر حاجه قالهالى هشام انه هيفاتح حضرتك فى موضوع البت دى يوم السبت اللى هو النهارده .
اردف مجدى جملته الاخيره وهو يجلس بجوار مكتب اللواء نشأت الذي رضخت ملامحه بدماء الغضب
- هشام فعلا كان واخد منى معاد .. بس مقاليش بخصوص إيه !
- يبقي لازم نقف جمبه !!
زفر اللواء باختناق
- طيب هو فين ؟!

اجابه مجدى بتردد : قاعد في بيت واحد من صحاب زياد .
ظل مجدى يتأمل ملامح اللواء الثابته التى لم يستدل منها بأى رد .. فقرر ان ينتظر رده وبعد مرور وقت كافيا من التفكير اردف
- تمام .. خليه مختفى اليومين دول لحد ما نوصل لحل .. هشام طالما رجله جات فى الموضوع ده يبقي لازم نقف جمبه ..

تبدلت ملامح مجدى باليأس : ازاى معاليك ... كل الطرق مسدوده والموضوع لابسه .. وكمان نقطه سودة فى تاريخ ظابط زى هشام..
- أنا عارف يامجدى .. وعارف هشام عمل كده لانه أكيد بيفكر فى حاجه ...
تفوه مجدى بتردد : أنا عندى حل .. بس مش عارف ممكن اضراره توصلنا لفين !

رفع اللواء نشات حاجبه منتظرا حل مجدى المقترح الذي اردف قائلا
- أنا ممكن اساوم زيدان بالتسجيل اللى معايا مقابل انه يتنازل وكده هنخرج هشام من الورطه دى !
بدون تردد اجابه
- ونبقى كشفنا ورقنا قدامه .. والقضيه فشلت .. وزيدان هيحطك فى دماغه .. وكمان مش هيتنازل بسهوله غير لما نسلمله البت .. وكده يبقي إحنا بنرميها وسط النار ..

صمت مجدى ليفكر فى كل كلمه قالها سياده اللواء ثم قال
- طيب ما ممكن البنت دى تنفى علاقتها بهشام وتقول إنه ملهوش ذنب .. وأنها هى اللى ورطته ..
نهض نشات من فوق مقعده ويربت على كتف مجدى قائلا
- ودا عذر اقبح من ذنب .. لما ظابط فى مكانة هشام يتورط فى موضوع عبيط زى ده ويتستر على واحده هاربه ... واعداء هشام كتير وما هيصدقوا يلاقوا بقي ووو .

اغمض مجدى عينيه حائرا : والحل معاليك ..
بمهاره عسكريه اردف اللواء قائلا
- نرمى طُعم لزيدان نخليه ينشغل بيه اليومين دول ، لحد ما نفكر لهشام فى مخرج .....
ثم واصل قائلا بعد تفكير : مجدى ... انا لازم اقابل هشام والبت دى !!!

- مالك بس ياماما مضايقه ليه ؟!
اردفت رهف جملتها إثر صخب ملامح أمها وزفيرها المتتالى الذي انتهى بالقاء هاتفها أرضا قائله
- ما بقاش في غير ست فجر ؟!
اعطت بسمه ثمرة الفاكهه المُقشره لرهف وهى توجه حديثها لخالتها
- حصل آيه ياخالتو ؟!

- الصحافه والاعلام وكله طالب ست فجر بالاسم .. ده غير العروض اللى جاتلها من اكبر الشركات العربيه .. وشركه فرنسيه شافت صورها عاوزه تتواصل معاها .. وحقيقي أنا مبقاش عندى حجج اقولها ..
تفوهت رهف بانبهار
- يابت المحظوظه يافجر !! ارزاق ؟!

بسمة بتسائل : طيب هتعملى ايه فى الورطة دى يا خالتو!!
زفرت عايده بقلة حيله وهى تقول
- مبقتش عارفه .. وكلها عروض متترفضش .. البت دى حظها منيل اوى لو كانت سابتلى نفسها كنت هوصلها لمكانه تانيه خالص .. بس نقول ايه فقر هشام اخوكى كرف عليها ..
فكرت رهف لوهلة محاولة رج الكلام فى عقلها لاستنباط مخرج .. فهبت قائله وهى تضرب كف على الاخر
- لقيتها !!

عايده باهتمام : هى إيه ؟!
- فجر تمضي مع شركه الفاشون اللى بره وتسافر تعيش هناك ومنها تبعد عن الراجل المفتري ده وفى نفس الوقت تبعد عن سكة هشام .. ايه رايك ياماما !!
ردت بسمه سريعا وبنبره لا تخلو من السخرية
- بلاش ذكاوة انت بنفسك لسه قايله انه المفترى ده جوزها .. يبقي مش هتقدر تطلع من البلد غير بإذنه يافالحه .. !!
ضاقت عيون رهف بيأس : امممم بتقولى كلام حاسه انه صح !!

- حااسه ؟! خدى خدى كلى وبطلى تقترحى حاجات عبيطة ..
دخل زياد عليهم الغرفه .. فانتقلت حيرتهم الشاغله اليه .. فاردفت عايده بتسائل
- انت فينك من الصبح ؟!
تغلفت نبرته بالكلل : ابدا كان عندى شغل ضرورى لازم اخلصه ..
ثم انتقلت انظاره الى رهف وهو يسير ببطء جالسا على طرف السرير مقابلا لبسمه
- عامله ايه يابت انت ؟!

اتسعت ابتسامتها : انا زي الفل .. اتخضيت عليا امبارح مش كده ؟!
قعد جبينه ساخطا : بس عشان مكنتش طايقك ..
كتمت رهف صوت ضحكتها : الاخ الحنين زرق ياجدعان ..
- والاخت الزنانه اللى زيك ابتلاء ...

ضحكت بسمه بهدوء وهى تأكله بانظارها التى تحولت من القلق الى الشوق .. ولكنه استقبلها بنظرة حرص إثر تواجد عايده التى هتفت
- انا نازله يلا خلى بالك منها يابسمه ..
ردت بسمه : روفا فى عينيا ياطنط ..
ثم وثب زياد قائما متأهبا للذهاب
- وانا كمان هروح أنام ساعتين .. اخيرا هنام من غير زنك ياست رهف !!
- كده يا زياد !!

- بطلى زن بقي ..
خرج زياد خلف أمه .. فشرعت بسمة أن تلحقه فتشبثت بها رهف بحرص
- استنى خالتك تمشي .. دى لو عرفت انكم اتصافيتوا هتطلقكم ..
صمتت بسمه لبرهه بيأس
- هى ليه خالتى رافضه ارتباطى بزياد .. ومصممه تبعدنى عنه ..

-بوسم حبيبي خلينا متفقين أننا كلنا رافضين جوازك من زياد .. ده فلاتى وضايع وبتاع بنات !! عاجبك فيه ايه !!
رمقتها بنظره انكسار : بحبه للدرجه اللى مخليانى مش شايفه عيوبه .. هقوم اشوفه عشان شكله تعبان اوى ..
مسكت رهف ريموت التلفاز جازعه
- اطفحيه ياختى !!

- والله زمان يازيدان بيه .. عاش من شافك !!
اردف الصياد حماه جملته مرحبا به فوق متن السفينه .. فاحتضنه زيدان قائلا
- مشاغل والله .. كيفك وكيف الشغل على حسك ..
- كله عال عال يا عمده ..
سرعان ما شاركتهم مهجة الحديث وهى تقبل يد والدها
- زيدان صمم انه مستحيل يجى اسكندريه من غير ما يشوفك ...

- اصيل ياابو نسب .. تعالوا اتفضلوا ..
ثم جهر قائلا : الشاى يا ولد ....
جلس زيدان على مكان ما اشار له صهره قائلا
- طمن قلبى .. الشغل اى احواله ؟!
تنهد الصياد بارتياح : كله عال والشحنه والجديده هتوصل كمان ٩ ايام ..
- عال قوى .. نكون رتبنا عملية شحنها ..

تدخلت مُهجة سريعا : قولى يابا لو كنا بندور على حد فى اسكندريه نجمعه كيف ..
نظر لها زيدان بانبهار : تعجبينى انك عتجيبى من الاخر ..
اردف والدها : لو على السواحل فى ظرف يومين يكونوا عندك ... الساحل كله يعتبر تبعنا ...

اخرح زيدان صوره صغيرة لفجر
- وزعها على رجالتك .. يقلبوا عليها اسكندريه ..
الصياد وهو يتأمل صورتها : الموضوع عندى يا زيدان .. اطمن ..

طرقات خفيفه على باب غرفة زياد الذي انتهى من نزع حذائه .. تقدمت بسمة بخطوات هادئه كهدوء نسمات الربيع عكس صخب قلبها الذي قادها إليه متلهفه لتعانق
- كنت هتجنن عليك !! كُل ده تأخير يا زياد ؟!
ربت على كتفها بحنان وهو يطبع قبلة خفيفه على جبينها
- معلش والله .. كان عندى كام حوار كده عاوز اخلصه ..

ابتعدت عنه قليلا وهى تطيل النظر فى عيونه وملامحه الذي افتقدتهم كثيرا .. قائله بولهٍ
- وحشتك ؟! جيت على بالك فى زحمه يومك !!
انعقد ما بين جبينه وهو يرمقها بعيون ضيقه
- بصراحه لا ..

ابتعدت عنه بخيبة امل .. ولكنه اقترب مجددا منها محاولا طى المسافة التى ابتعدتها هامسا بنبرته التى تمتاز بقدرتها العذبه ليشبع شهية الانثى :
- اللى بيفتكر ده ناسي .. انت عاوزه تيجى على بالى ازاى وانت ساكنه قلبى !!

رمقته بنظرات تنعش الحب المكبوت .. وسرعان ما حركها قلبها لتقف على طراطيف قدمها لتظفر من شهد شفتيه بقبله تروى عطش يومها .. كانت تريد ان تتأكد من وجوده .. تطمئن على قلبه لازالت بداخله ام تجاهلها كعادته !! مثلها تخاف ان تفقد ارضها التى ترعرت فيها .. اتدرك ما معنى ان يعيش المرء ايامه خائفا .. خائفه من ان يختفى فجاة بذات الطريقه التى ظهر بها وحاصر عالمها بعطره ..

استجاب زياد لافعالها التى تفتح شهيته على الحياه .. ولكنها ابتعدت عنه قائله بشوق تعمدت ان تخفيه كعادتها
- هجيبلك تتغدى !!
غمز لها بطرف عينه : بتهربى ؟!
هزت رأسها نفيا وهى تحاصره بانوار حبها التى توهجت إثر قبرها مردفه بدلال
- انت عارف انى مقدرش .. بس شكلك تعبان هسيبك ترتاح شويه .. اجهزلك تتغدى ..

داعب شعرها بغزلٍ وهو يدفن راسها فى صدره : والله عندك حق ، انا متفرهد اصلا .. هرتاح شويه واجى نكمل كلامنا .
اطرقت بخجل وهى تبتعد عنه
- هجيبلك تغير لبسك .. عشان متتعبش ..

يقف على باب الشاليه ينفث دخان سيجارته التى اوشكت على الانتهاء فى يده ثم ألقاها على الارض وضغط عليها بغل .. بعد رحلته الاسكشافيه التى قضاها على الشاطئ استغرقت حوالى نصف ساعه. فعاد الى الشاليه مرة اخرى وعلامات الانبهار بنظافته وترتيبه احتلت عقله متسائلا بينه وبين نفسه
- هى لحقت تنضفه بسرعه كده !!

جلس على الاريكه يتفقد المكان وشعور الارتياح يملأه .. تناول مجله مُلقاه امامه ظل يقلب فيها بزهد .. الى أن ظهرت امامه بهيئتها المثيره لاشتعال نيران جوفه .. وهى تقول
- اصلى معرفش اقعد فى مكان مش مرتب .. معلش عارفه انه لا يناسب مع فوضويه حياتك بس مضطرين نستحمل بعض ..

القى المجله بعشوائيه وهو ينهض فجاة قذفت الرعب بقلبها
- دانت نهارك مش فايت !!
تراجعت خطوة للخلف لانها فهمت مغزى ما يشير إليه
- فى حاجه ؟!
- انت مين سمحلك تلبسي قميصي ؟!
رمقه بعيون ضيقه : انا سمحت لنفسي عادى ..

حز على اسنانه بنفاذ صبر ابرز عروقه
- يعنى انت سيبانى قاعد كده عشان طمعانه فى القميص !!
- ايه ايه طمعانه والجو والعبيط ده .. اكيد مش ده الموضوع ..
دنى منها خطوة فتراجعت هى خطوة لتفسح مجالا كافيا للحوار
- هدومى اتبهدلت وانا بروق .. فغسلتهم وملقتش غير قميصك البسه .. فين المشكله !! ساعه وهرجعولك ..
زفر مختنقا : اللهم طولك ياروح ... افهمها ازاى دى؟!

- انا فاهمه انك عاوز تجر شَكل وخلاص.
اصبح وجهه مضرجًا بدماء الغضب فتعالت اصوات النقاش بصوت محتدم :
- انا ما بحبش حد ياخد لبسي ياستى ؟!
- طيب والحل دلوقت .. !!
اغمض عينه محاولا تمالك غضبه
- اتفضلى اقلعيه حالا
- لا ده جنان رسمى !!
رد باصرار : لا دى قلة ادب .. اتفضلى يلا ...

تسرب اليها شعور القلق .. و ارغمتها نظراته الحاده ونبرة صوته القويه ان تبتلع ما علق فى حلقها من كلمات مستسلمة .. ما كادت لتخطو خطوة للأمام فتوقفت إثر ندائه
- استنى ...
رفعت انظارها اليه : نعم !!
شعور بالندم يقرضه من الداخل .. فتمتم قائلا
- روحى اعمليلنا حاجه نطفحها على بال ما هدومك تكون نشفت ...

لو كان جنيًا لصرفته ، ولكنه شبح بشري رمته الاقدار امامى متمردا استطاع ان يخضع كل جيوشى له ، ناثرا عطرا تملك خدر جميع اعضائى حتى باتت تفضل اشواكه .. فمن الغباء ان ينتشي جسد لوجود محتله ..

ارتطمت نظراتها بابتسامه واسعه مرتسمه على ثغره .. علمت بأن النقاش معه غير مُجديا فلأول مرة تشعر بنفسها منكسره امامها ولاول مره يتلهف ثرثرتها وتصيبه بخيبه امل .. اومأت ايجابا وهى تسير امامه نحو المطبخ
- تمام ..
ظلت انظاره تحرق ظهرها بنيران الحرب التى انتصرت فيها بصمتها .. واشعلت نوعا اخرا من النيران بصدره بات يتلهف ليحفظ معالمها بمنتهى الدقه .. فبين كل فرصه والاخري يختلس نظرة طويله يجهل سببها .. ولو كان يعلم تاثيرها عليه لتمنى أن لو وُلد كفيفا ..

- مهجة هانم .. اتفضلى !
اقتحمت مهجة مكتب عايده بدون سابق معاد كعادته مما ثار الفضول فى رأس عايده .. فهتفت مهجة بفرحه مصطنعه
- متتصوريش فرحانلك ازاى .. بجد التصميم تحفه والموديل قمررر ..
اشارت لمديره مكتبها وهى تقول : هاتى حاجه لمهجة هانم يا هاجر ..

ثم استدارت نحو مهجة بابتسامة واسعه
- بجد زيادتك دى فوق راسي .. ومبسوطة أوي ان التصميم عجبك ..
- وهو انت تقدمى حاجه وحشة بردو يا ملكه!! انت خلاص عديتى ووصلتى للعالميه ..
- كله بفضل ربنا الحمد لله ..
طافت عينى مهجة بمكر : هى فين البنت الموديل بصراحه عجبانى اوى وعاوزاها تبقي موديل للشحنة بتاعتنا الجديده ..

بسذاجة شرعت عايده لتقص الحقيقه لمهجة ولكنها توقفت للحظه عندما ادركت بأن كذبتها ستنكشف .. فاردفت بفظاظة
- والله جوجو ملهاش فى الاضواء والجو ده .. وسافرت القاهره لاهلها عشان يومين وراجعه اوروبا ..
ابتلعت مُهجة خديعة عايده بابتسامه منحوته من حجر صخرى .. وهى تقول بندم
- ياخسارة .. البنت قمر .. وباين عليها بنت ناس ..

دخلت هاجر لتنقذ عايده من تلميحات مهجة الغريبه لتضع مشروبها .. فشكرتها عايده بامتنان .. ولكن هاجر توقفت للحظه
- مادام عايده فى حاجه حصلت ولازم تعرفيها ..
التفتت عايده لكلام هاجر باهتمام
- خير يا هاجر ..
- فستنان المهرجان !!
- ماله ؟!

- اتحجز بسعر 3 اضعاف سعر المزاد !!
انعقد ما بين جبين عايده بانبهار
- أنت بتقولى ايه .. ومين حجزه ..
- ماهو ده اللى مستغرباه .. وكمان المقدم كان من حساب بره مصر ..
زام الفضول حول رأس عايده واشتعلت نيران الحيره
- رجل اعمال يعنى !!

- معرفش والله مفيش ايه معلومات .. وانا شايفه انه عرض كويس جدا .. ومهما كان المزاد مش هيوصل للسعر ده ..
عايده بتفكير : تمام ياهاجر اكدى البيع .. بس اعرفيلى مين اللى اخده الاول ..
هاجر بياس : هحاول ...
لازالت عايده سابحه في اعماق فضولها ولكن فاقت على نداء مهجه
- لا واضح ان حضرتك مش معايا خالص .. اجيلك وقت تانى بقي ..
- هااا لالا ابدا .. سورى بامهجة هانم دربكة الشغل وكده .. اتفضلى كملى ..

تلملم مهجة فى اشيائها وهى تقول
- ابدا كنت عاوزه ااكد عليك على معاد الشحنه وانها لازم تكون جاهزه بعد ٩ ايام ..
اردفت عايده مرحبة : طبعا طبعا .. وفى اقل من كده كمان متقلقيش .. احنا مواعيدنا بالساعه ..
- واهو ده العشم ياهانم ..
امراة من نسل ابليس .. تلعب هنا وتحرق هناك .. كحربايه تتلون بلون وسطها المحيط .. عيونها مغموسة بسم الغدر المتغلف بعسل الود .. تحركت وهى تتعود لعايده واكاذيبها ولكن عايده لازال الفضول يفيض من رأسها عن هوية مشترى الفستان المجهول !!!

وضعت فجر اطباق المكرونه بالفراخ المقليه على المنضده التى تتوسط مجلسهم .. وكان هشام يُشعل المدفأه الحجريه الخاصه بالشاليه متجاهلا صدح جرحه .. انصرفت فجر لتبدل ملابسها وعادت حامله قميصه على معصمها .. فوجدته يقلب فى هاتف رهف .. غمغمت بهدوء
- قميصك اهو .. متشكرة .

رفع انظاره إليها ووثب ليتناول قميصه .. فابتعدت عنه وجلست فوق مقعدها المُقابل له ..
شرع هشام فى ارتداء قميصه فألبس ذراعه السليم اولا قبل موضع الاصابه .. فتنهد متألما عاجزا عن خلع القميص مرة آخرى ..
ظل يُعاند اوجاعه محاولا اخفائها .. لفت انتباها آهاته ومحاولاته الفاشله .. فوثبت على الفور وساعدته فى خلع قميصه .. فادركت حجم الخطر على قلبها عندما تدلت انفاسه على ملامحها .. وفوجئت بنظرته لها كنظرة نائم ايقظه شعاع الشمس ..

تجاهلت صخبها .. وفيض المشاعر الغير مفهمومه الذي يتسرب لها إثر وجوده دائما .. قاقتربت منه بحركات هادئه كهدوء الحق حريصه ألا تؤلمه .. البسته من ذراعه المصاب اولا .. فقربها منه ولمساتها الخفيفه جعلته يتناسي اوجاع ذراعه واقعا فى حقل اشواك اهدايها التى خدشت جدار قلبها وكأنهم يبحثون عن ممرٍ للتعشش بداخله ..

دارت حوله فحرك ذراعه الايمن فبرزت عضلاته القويه .. هجم على قلبها شعور الاحتراق .. ان قلبها بات متقد كالنار .. ادخلت كمه بحرصٍ .. لازال مستسلما لقربها .. لمساعدته .. شعر بتحطيم حجار عناده فوق قلبه .. رفعت عينيها التى تحاشت النظر إليه وهى تقول بنبره مرتعشه
- تمام كده !!

لاول مرة يحب ضعفه الذي أدى به إليها .. بات يتسلح بالضعف ليظفر بوجودها الفريد .. فالقوة لا تزيدها الا ابتعادا .. لم يخجل من اظهاره امامها بل اصبح سلاحه الاقوى ليحارب به .. رجل لم يغلب من قبل ولكنها الاولى التى لا يُمانع هزيمتها .. راق له فكرة اعلان هزيمه هى انتصرت فيها على جيوش قلبه ..
لازالت نبرته مغلفة بالكبر
- اقفليه ...

اغتالها بكبريائه فزفرت مستسلمه محاوله تجنب اي شجار معه .. فشرعت بقفل بانامله مرتجفه وجسدٍ مهزوز .. فهمس مُلتاعا
- انت خايفه ولا ايه ؟!
فزعت كالملدوغه : هاااا .. وهخاف ليه .. احم انا قفلته كده كويس .. الاكل برد على فكرة .. انا هاكل ...

اكتفت بقفل ثلاث ازرار فقك وفرت من عيونه التى لا ترحمها وفضحتها امامه .. فاصبحت تردف كلمات غير متصله ببعضها .. لاول مرة ارتسمت على ثغره ابتسامة انتصار اخفاها عنها قبل ما تلتقطها عيونها .. انشغلت بالاكل لتهرب من اتهاماته الصريحه ..
جلس هو ايضا ليأكل بشهية مفتوحة ثم قال ساخرا
- مش اوفر الضجه الجامده اللى اتعملت عشانك دى !!
- ضجة ايه ؟!

رمقها بعيون ضيقه : اى متعرفيش !! الميديا كلها ملهاش سيرة غيرك ...
ثم اخفض نبرة صوته : مش عارف مكبرين الموضوع ليه مع انك تحت العادى كمان !!
كانت ردوده مباغتة لكل التوقعات .. فرفعت انظارها مردفه بثقة غرزت سهما بقلبه
- رايك وانت حر فيه مع انه مش هيفرق كتير .. المهم راى الجمهور !!
- اممم شايفك مبسوطه بالشو والجو الهش ده ..

- ولا مبسوطه ولا حاجه .. كنت بقدم مساعده لامك مش اكتر .. انا اخر واحده ممكن تهتم بحوارات البنات العبيطة دى ..
- اومال ايه اللى بيهمك ..!
يُقال أن اول سهم يصيب القلب عندما يحب .. هو سهم الفضول .. ان ينتابك شعور من أنك تود لتغرز براثينك بداخل عقل من تحب لتشبع غريزتك .. تود ان تراه امامك عاريا فكرا وقلبا ولكن منارة الحب تظل دوما فى الاثارة والشغف والاكتشافات المتتاليه .. فأن روى الاخير فضوله ماتت رغبته فالبقاء ..

ولكنها امراة مثقفه قرات عن الحب حتى ارتوت بحب شخصٍ لا تعرف له طريق قائله بمكر
- انت مركز معايا ليه !! مع ان المفروض يكون فى دماغك حاجات اهم من انك تعرف ايه اللى بيهمنى ..
ظل يتأكل فى شفته السفلية وتمنى ولو يضعها تحت فكيه لينتقم .. ولكنه رجل شرير بطبعه اعتاد ان يصمت عندما يراوده شعور العجر .. اكتفى بابتسامه ساخره ثم عاد ليتناول طعامه ..

كانت عيونه تحمل رساله صريحه فى شغفه للحديث معها حتى ولو كان شجار ولكنها اعلنت عليه التحدى رافضه الانضمام لدولاب انتصاراته .. فعليه أن يشعر بأن تمرده افقده شيئا على الاقل ...
ساد الصمت الشفاه دون الاعين مجلسهم ولكن لم يستمر طويلا حيث قطعه صوت طرق الدكتور رؤوف..فنهض هشام ليفتح له الباب .. فاستقبله الطبيب بابتسامه مرحبه.

- لا بقينا عال يا سيادة الرائد !!
- حضرتك الدكتور اللى تبع زياد ؟
اومئ رؤوف ايجابا : ااه وقولت للانسه انى هعدى عليكم بالليل عشان اطمن على جرحك ..اشار اليه هشام بالدخول
- اتفضل اتفضل ..
التقت اعين الطبيب بعيون فجر فاتسعت ابتسامته هاتفا
- اهلا بالبطله بتاعتنا ..

تجمدت خطاوى هشام ناظرا بغل ياكلهم .. فاستقبلت فجر ترحيبه بابتسامه واسعه بعد ما لاحظت تبدل ملامح هشام
- مكنش قدامى حل تانى .. الرائد هشام اخ غالي علينا كلنا ولازم نضحى عشانه ..
شيعها بنظرة افقدتها القدره على الكلام كأنه تعلق بحبالها الصوتيه وهو يتحدث من خلف اسنانه المنطبقه
- روحى هاتى حاجه للدكتور يشربها .. وانت يادكتور اكشف وخلصنا .. _ثم سب مع نفسه سرا_ " معرفة زياد ! هكون مستنيه ايه ؟! امام بسبحه !".

مدد هشام جسده فوق الاريكه وبدا الطبيب فى فصحه ولكن لازالت عيون تحرق فجر التى تعمدت ان تظهر نفسها امامه مستمتعه بنظرات هشام الناريه ... شرع فى تطهير الجرح وهو يشكر فى فعلها الشرس.
- بصراحه ياسياده الرائد عمرى ما اتخيلت واحده زى الانسة فجر يطلع منها قلب قوى وانها تكويلك جرحك .. بحييها
جز هشام على اسنانه : لا اتخيل عادى ..

- لالا بس ده فعل فوق العادى.. والمفروض تشكرها لانها انقذت حياتك ..
انكمشت ملامح هشام: واى يعنى .. لسه فى العمر بقية يادكتور ..
جلست فجر بجوارهم وهى تقول :
- والله يا دكتور كان شعور صعب عليا جدا .. اصلى مش بستحمل اشوف اى كائن حى خلقه ربنا بيتوجع ..
يسب هشام مع نفسه سرا : كائن حي !!! وحياة ابوكى لاوريكى ..

واصل الدكتور غزله : كنتى مبهره فى المهرجان.. وبصراحه من حسن حظى انى قاعد قصاد واحده مكسرة الدنيا بره وكله هيموت على صورة منها .. مزمازيل فجر ممكن الواتس اب بتاعك ..
كتمت فجر اصوات ضحكها إثر رؤيتها لملامح هشام المحترقه التى اصبحت كجمرات النار ثم رفع نبرة صوته
- ما خلصنا يا دكتور ! اى هيجى الصبح وانت بتلف فى دراعى !!

ارتبك الطبيب اثر ضجة هشام الحاده .. وانتهى سريعا من عمله ولملم اشيائه ولكنه توقف قبل ما ينصرف يبدى اعجابه الشديد بها مرة ثانيه وهو يمد يده ليصافحها ..ولكنه فاق على كف هشام الخشن وهو يعصر كفه قائلا
- شرفت يا دكتور .. مكنتش زياده خفيف نهائى ..

حاول رؤوف تملص يده من قبضة هشام ولازالت اعينه متراقصه .. وبعد معاناة فك هشام قبضة يده على باب وبكل قوته قفل الباب فعاد إليه بنيرانه
- عاجبك انت جو الهىء والمىء والمسخرة دى !!
بمعجرة كتمت اصوات ضحكها التى اندمعت لألأ من عينيها متظاهره بالتجاهل
- وانا كنت عملت ايه يعنى !! لازم ارد عليه بذوق .
- ذوق ولا مسخرة !! شكلك كده طلعت من اياهم !!
عقدت ساعدها امام صدره وهزت ساقها متحديه
- هما مين ؟!

فجر كبته قائلا : اللى بيحبوا يظهروا ويلفتوا انتباه الشباب ليهم عشاااان .... اكيد عارفه ..
- هو عشان انت دماغك مفيهاش غير القذارة دى يبقي كل الناس بتفكر زيك ..
هبت زعابيب غضبه : صوتك ما يعلاش عليا ياروح امك ..
- لو كنت مفكر عشان بسكت وبعدى اتهاماتك البذيئه دى .. فده عشان حاسه بالذنب ناحيتك مش اكتر ...
قهقهه ساخرا وهو يوليها ظهره : لا كتر خيرك ..

اسرعت الخطى لتقف امامه معارضه طريقه
- انت اصلا مين عطاك الحق تمد ايدك عليا امبارح ..
حكت بظفرها عنقها فطبعت حُمره خفيفه اشعلت بقلبه شهية التذوق ولكنه تفاداها بصوته العال
- نفس اللى عطاكى الحق تمدى يدك عليا فالقسم ..
- عشان حسيتك موهوم فحبيت افوقك ..

رد سريعا : وانا حسيتك اتوهمتى فحبيت افكرك بأصلك !!
علق خنجر كلماته فى صدرها محاوله تمالك دموعها من الانهيار
- انت ليه مصمم تخلينى اكرهك !!
- ومين قالك انى عاوزك تحبينى !!

- تصدق حلال فيك المرمطه دى .. والود ودى اروح اعترف عليك بانك خطفتنى يمكن فرعنتك وشوكتك دى تنكسر ..
كانت اخر جمله القتها قبل ما يلفها بجسدها ويكتم انفاسها بيكفه الثقيل فبات ظهرها جزءا لصيقا بصدره واتسعت عيونها إثر افعاله المباغتة دوما هامسا بحرص
- اشششششششش .. فى صوت بره .. اكتمى !!

- يعنى ايه حب أصلا ؟!
- هو فارس ماهر واقف بحصانه فوق قمة جبل محدش يقدر يشوفه ومعاه قوس بيضرب بيه اكتر اتنين مختلفين بسهم واحد فى نفس اللحظة ..

علق خنجر كلماته فى صدرها محاوله تمالك دموعها من الاندفاع
- انت ليه مصمم تخلينى اكرهك !!
- ومين قالك انى عاوزك تحبينى !!
- تصدق حلال فيك المرمطه دى .. والود ودى اروح اعترف عليك بانك خطفتنى يمكن فرعنتك وشوكتك دى تنكسر ..

كانت اخر جمله القتها قبل ما يلفها بجسدها ويكتم انفاسها بيكفه الثقيل فبات ظهرها جزءا لصيقا بصدره واتسعت عيونه إثر افعاله المباغتة دوما هامسا بحرص
- اشششششششش .. فى صوت بره .. اكتمى !!

تحرك هشام بحرصٍ شديدٍ الا يحدث صوتا او صخبًا ملفتًا ولازال يكتم انفاسها بيده .. ولازالت مغيبة عن ادراك ما يحدث الا ان السؤال الذي اشعل رأسها فكرا : أي ريح عصفت لتلقى بها تحت يديه !!
اقترب هشام من النافذه يتفقد الرؤيه من خلف الحاجز الخشبى فلم يجد شيئا .. تعلق بكلا كفيها بيده مستغيثه
- طيب سيبنى !!

احكم غلق كفه على فمها وكأن الوضع راق له .. هامسا
- اصبرى !
اتجه نحو غرفة النوم ليقف خلف النافذه باحثا عن مصدر الصوت .. فسقطت عيناه على نورٍ منبعث من كشاف صغير .. زام ما بين حاجبيه مفكرا ..
- مين دول ؟؟!

تملص فجر من تحت يده بصعوبه حتى افلت قبضته متخذه نفسها بصعوبة بالغه ... وهى تردف بامتعاض
- ايه !! هموت في ايدك !!
همس بضجر مكبوت : قولى إن شاء الله ..

لم يعطها فرصه للرد وسرعان ما عاد الى النافذه يترقب الحال .. فتابعته انظارها بفضولٍ وهى تقول بخوف
- نهار اسود ليكون رجالة زيدان وانت هنا لوحدك.. دول مفتريين ومش بيرحموا !!
نصب طوله مجددا وهو يرمقها بنظره ساخطه مفعمه بالسخريه .. ثم سحبها خلفه متجها نحو المطبخ .. لازالت مستسلمه لتصرفاته الغريبه التى بات يحركها امامه كعروسه خشب .. وصل المطبخ وامسك بسكين قائلا
- دى تخليها معاك ! وتستخبى تحت المطبخ هنا .. وانا هطلع اشوف فى ايه ..

صرخت بدون تفكير : نهار اسووود
وفى لمح البصر عاد ليكتم انفاسها وبنظراته الواسعه
- اااا شششششششش ..
اومأت ايجابا متفهمه الامر .. فعادت مردفه بنبرة اكثر حذرا
- نهار اسود ... لا طبعا مش هيحصل الكلام ده !!

جز على اسنانه بنفاذ صبر : منا لازم اطلع اشوف مين بيحوم حولين المكان ؟!!!
وقفت امامه لتعوق طريقه
- اقعد هنا بدراعك المتعور ده .. وبعدين لو مسكوك مش هيعتقوك .. انا عارفاهم اكتر منك
اغمض عينيه للحظه بنفاذ صبر محاولا تمالك اعصابه
- انت ليه محسسانى انك قاعده مع ابن اختك !! ياما انا ظابط امن دولة قبل ما اكون ظابط مباحث ..

وضعت كفيها فى خصرها معانده
- خلينا متفقين أنها كلها القاب على ورق .. رصاصه طايشه هترقدك ..
عض على شفته باغتياظ فاتحا كفه يود ان يخنقها
-استغفر الله العظيم .. انت عاوزه ايه دلوقتِ يعنى !!
- اقعد معايا نستخبى تحت المطبخ ولو فى هجوم وكده تكون موجود عشان تقتلهم و تدافع عنى !!
كيلهُ طفح منها فاردف قائلا
- والله شكلى هبدأ بيكى !! اى الهبل اللى بتقوليه ده ؟! مطبخ اى اللى أنا استخبى تحته ؟!

- طيب أنت عارف الساعه كام !! وانت اصلا نايم من أمتى ؟!
اردفت بسمة جملتها وهى تفتح انوار الغرفه على زياد الغائص فى اعماق نومه.. ففتح عينه بتثاقل وكأن جبال الأطلس رست على جفونه وبصوت مفعم بالنوم
- فى ايه بس يابسمه ؟!

شدت الغطاء من فوقه : فى نبطشيه كمان ساعتين يادكتور .. وانت نايم ولا على بالك !! افضل لحد امتى افكرك بشغلك ..
اعتدل على ظهره وهو يضع الوساده فوق رأسه قائلا
- اقفلى النور بس .. ماليش مزاج اروح ..
تعالت اصوات انفاسها اغتياظا .. وهى ترمقه بنفاذ صبر ادى بها لتسكب كوب المياه فوق بطنه قائله
- عشان تبطل الكسل اللى أنت فيه ده !!
فزع زياد كالملدوغ إثر انسكاب المياه فوق جسده مزفرا بضيق
- اى الجنان ده !! ..

تراجعت للخلف وهى تضحك على هيئته
- كفايه نوم يلا قوم ..
عض على شفته السفليه وهو يتفقد قميصها القطنى الذي يصل لتحت ركبتيها.. واقدامها العاريه التى حالت ضجر ل صخب لا يهدأ الا بها.. فانتصب بقامته المثيره وهو يقترب منها متوعدا وما يزيدها اقترابه الا ابتعادا .. مستغيثه
- كنت بهزر معاك والله .... مالك بس !

- انت أد الحركه دى ؟!
- يا زيزو والله خايفه على مصلحتك .. ماتبقاش قماص ؟!
حاصرها بين يديه المستنده على الحائط خلفها وهو يتفقدها بنظرات الانتقام التى تحولت للشوق
- بس اى الحلاوة دى ؟!

حاولت الهرب من حصاره ولكنها فشلت فنظرت متوسله
- يوووه بقي .. انا غلطانه انى صحيتك يعنى ؟!
- ااه غلطانه انك صحتينى بالطريقه دى ؟!
اتسعت عيونها متحديه
- اومال اصحيك ازاى يعنى ؟!

ضاقت عيونه لتتناسب مع مغزى ما يشير اليه وهو يداعب بانامله خصيلات شعرها التى تغطى نصف وجهها قائلا
- منا هعلمك تصحينى ازاى بعد كده ؟!
تطلعت فى ملامحه بعيون لازالت تحمل طهر الطفولة .. وعطف الامومه وهى تتشبث بملابسه بكفوفها الصغيره
- ازاى بقى !!

لم يجيبها قولا تلك المره .. فترك زمام الامر لشفتيه تُجيبها ناثرا عطر قربه المرغوب بالنسبة لها .. كانه تمرس على اللعب فوق اوتارها لتصدر لحنا خافتًا لا يُلاحن الا له ... شرعت ان تتناغم مع موسيقي قربه ولكنها فزعت كمن اصابه ماس كهربى عندما سمعت صوت قفل الباب هاتفه
- ياليله سوده .. امك جااااااااات ..

كالبرق ظهرت فجاة وسرعان ما اختفت من غرفته ... ظل يسب فى نفسه سرا
- وهو ده وقتك يعنى ياعايده هانم !! اووووف !!
ثم صار نحو شاشة هاتفه التى اضاءت باسم ( نور ) .. فاتسعت ابتسامته وهو يجيب
- قبل اى حاجه .. انا استاهل كل الشتيمه اللى فى الدنيا عشان مقصر معاك !!
اتكأت نور على اورجيحة غرفتها وهو تعبث فى خصيله شعرها المموج
- طيب كويس انك عارف !!

- طبعا عارف وهصلح غلطى حالا !!
- والله؟! ازاى بقي !!
- تحبى اجيلك القاهره حالا !
- انت لسه فى اسكندريه ؟!
- لسه .. ومش عاوز اقولك ريح المكان تقيل على قلبى لابعد حد لمجرد أنك مش هنا ..
صمتت للحظه ثم اردفت بخجل
- زياد ...
- عيون زياااد ..

- هو انت عملت فيا ايه ؟! مم قصدى طول اليوم بفكر فيك .. ماشيه فى الشوارع زى المجنونه بدور عليك وانا عارفه انك مش موجود ... شكلك وحشتنى بجد !!
انفجر زياد ضاحكا ضحكة قائد منتصر وهو يملأ حوض السباحه بالمياه ويتدلى باقدامه قائلا
- الصبح هكون عندك ..
تنهدت بارتياح : مع انى شيفاه بعيد اوى بس هستناك ..

اتسعت ابتسامته ثم قال بمكر : انت كمان وحشتينى بجد ..
- احم .. بابا بينادى .. مضطره اقفل !!
بادر قائلا : مش مضطرة تهربى كل مرة !!
تلقت جملته الاخيره ثم قفلت بعدها بدون رد وهى تحضن هاتفه لتهدأ من فوضي مشاعرها الجائره .. وهى تتسائل بأى لعنة اصيبت ليُبيت تفكيرها كله فى ظل رجل خيم عطر وجوده على قلبها بدون سابق انذار ..

غاص زياد فى بحيرته الصغيره من المياه الدافئه وهو يتذكر لقائه الاول معها كرجل مثله بفطرته الذكوريه ان لم يعلم كيف يراوض امراة يعد بمثابه اهانه له .. فشرد فى شعرها الذي التف على قلبه للحد الذي يتمنى أن يكون بقربها الان .. ان يصبح العالم كله مدينتها ...
كادت المياه تكتم انفاسه ولكنه فزع مستنشقا متخذا نفسه بصعوبه
- جرالك اى يا سيوفى !!!

- اتمنى يكون المكان عاجبك ؟!
عودة الى ( الشاليه ) عامة .. وتحت رخام المطبخ خاصة اردفت فجر جملتها بصوت يخفى وراء غيبوبة لا متناهيه من الضحك على اذان هشام الذي يضخ دخانا من وجهه .. فعض على شفته متوعدا
- انت مبسوطه ليه مش فاهم !!

اخفت ثغرها الضاحك باصابعها للثوان .. ثم قالت
- اصلك تنازلت وماهونتش عليك تسيبنى لوحدى وتخرج !!
انعقد ما بين حاجبيه ليخفى ألم سهم كلماتها الذي اصابه هدفه بقلبه كانت سببه أمراه تحاصره بانظارها من كل الاتجاهات .. فاردف مكتاظا
- وايه الثقه دى !! لا طبعا مش هو ده السبب !!
ضاقت انظارها متسائله : اومال ايه السبب ؟!

شعر بالتيهِ للحظه ثم قال : مش لازم تعرفيه !! ومش كل حاجه تحشري مناخيرك فيها وعدى ايامك معايا !!
- انت كل ما تتزنق فى الكلام ومتلاقيش رد بتهب زى البوتاجاز كده ليه !!

استدار بوجهه نحوها فوقعت انظاره لاول مره على شفاها الوردى المُتأكله باسنانها اثر خوفها الشديد والخاليه من اى حُمرة صناعية .. فلُدغَ برغبة عارمة فى التهامها .. وغلت دمائه على حرارة قلبه وهو يحارب دواخله .. فبعض الانتصارات لذتها بالهزائم كما فعلت ملامح إمراه .. وثب هاربا كعادته وهو يقول
- بلاش تتعدى حدودك معايا !!

غمغمت بكلامٍ غير مفهوم ولكن عيون الصقرية التى لازالت تقتنص شفاها التقطت السبات واللعنات المتتاليه .. فتحرك نحو النافذه ففزع إثر خبط صوت الباب المفاجئ .. فاشار اليها بعيونه بأن تختبئ .. وذهب هو ليفتح الباب بثبات فوجد احد رجال الامن معتذرا
- احنا اسفين يافندم ..

اطمئن قلب فجر التى تطلعت برأسها تدريجيا عندما سمعت صوت الامن .. فهتف هشام بنبرة عسكريه
- اى الدوشة اللى بره دى !!
- متأسف على اى ازعاج لحضرتك انت والمدام ... بس كنا بندور على كلب حد من الجيران فممكن يكون مستخبى فى الجنينه او حاجه !
فارت دماء هشام للحد الذي شعر بأنه يود ليلتهم رجل الامن قائلا
- ماشوفناش حاجه .. ولو سمحت تانى مرة مش عاوز دوشه من اى نوع .. اتفضل ..

قفل هشام الباب متأففا فى وجه رجل الامن .. ثم استدار نخو صوت فجر التى تضع يدها فى خصرها بخبث
- ممممم بقي الموضوع طلع مجرد كلب !!
- اااه ياختى ... اتهدى بقي !!
ثم اقتربت منه لاعبه على اوتار إثارة غضبه
- وانت لما بصيت من الشباك ماشوفتش رجالة الامن !!

هتف مبررا : اولا الدنيا كانت ليل وماشوفتش غير نور الكشاف .. ثانيا وانا ببررلك ليه اصلا .. انت قصدك ايه ؟!
- قصدى انك كنت بتتلكك ..
اردفت جملتها ثم استدارت لتهرب منه قبل أن ينقض عليها وسرعان ما تناولتها قبضته من معصمها ودارتها امامه قائلا
- خدى هنا !! اى بتلكك دى ؟!
- شوف انت بقا ..

التهمتها قبضته القويه إليه لترتطم بحواجز صدره شاهقه .. ازفت لحظه انفجاره ليقتلها بين يديه .. فهى الوحيده التى لم تعطيه قدره من الهيبه المعتاد عليها .. انحنى إليها بانظاره المتوهجه بنيران لا يعلم مصدرها .. وسرعان ما انطفأت بانفاسها المتتاليه فتحولت لعود بخور يحترق فى قربها ليشع عطرا ..
اوشك أن يلامس شفتيها ولكنه تذكر من يملكه ومن تُملك له .. فاتسعت انظاره متحديا
- قولت بلاش تتعدى حدودك معايا ..

ثم دفعها من امامها متجها نحو الحمام تاركا للمياه مهمه اخماد ما اشتعل بجوفه .. لازال يمارس عليها سلطة الحياة والموت .. القرب والبعد .. بات غامضا رجل لا بتبع الا كل ما يخالف هواه .. تنهدت بقلة حيلة حاضنه قلبها بكفها تتذكر مواقف اقترابه وضعفها الذي يتنافر مع طبيعتها امامه قائله لنفسها سر :
- تموت المرأة وجعًا من تقلُصات حمل جنين عابث يلهو فى احشائها .. فكيف لى أن احمل رجلا مثلك بهذا الكم من الطاقه الهائله بالعبث والغموض فى قلبى !!

اعطت مهجة حقيبه صغيره ممتلئة بالنقود لناريمان وهى تقول
- كده مرضي يا نيمو !!
التهمت ناريمان الاموال .. كالتهام الجائع للطعام لتعدهم
- ااه تمام اووى ..
اتكأت مهجة للخلف وهى تضع ساق فوق الاخرى
- عرفتى هتقولى إيه فى المحكمه بكرة !!
اومأت بفرحه عارمه
- زى ما قولتيلى بالظبط !!
غمزت مهجة بطرف عينها : تعجبينى !!

لازالت ناريمان مهتمه بعد الاموال .. ثم اردفت مهجة بفضول
- الا هو اى العلاقه اللى بينك وبين ابن السيوفى اللى تخليه يبيع امه ؟
ارتفعت انظار ناريمان بفخر
- زيزو ده عسل ..
لاحت مهجة بيدها لتأتى بالايجاز : أيوة يعنى .. حب !!
هزت رأسها نفيا لتقول بثقه
- مزاج !!

قهقهت بنبرة عاليه تردد صداها قائله
- هو طلع منهم !! طيب حلو لقينا دخله جديده لقلب بيت السيوفى ....
- انت بتفكرى في ايه !!
اخذت مهجة حقيبتها الخاصه .. وبخبثٍ
- خليكى فى اللى يخصك .. سلااام يا نيموووووو ..

تتقلب على فراشها كانها تتقلب على جمرات مشتعله .. فالنوم هرب من جفونها إثر صخب قلبها .. رفثت الغطاء بقدميها بنفاذ صبر ثم وثبت قائمه لتنظر من النافذه فوجدته يجلس بالخارج ويشعل نارا للتدفئه .. فبدون تفكير عزمت امرها وارتدت سترتها سريعا لتذهب إليه ..

وقفت على اعتاب المنزل تصوب اسهم نظراتها على ظهره فسرعان ما تُرد لتصيب قلبها .. بات للحديث معه لذة لم تتذوقها من قبل .. تقدمت بخطوات هادئه كهدوء الجو خلفهم .. فسقطت انظاره على اقدامها العاريه اولا ثم ارتفعت تدريجيا وهى تقول.
- هضايقك لو قعدت معاك ..

رقص قلبه فوق اوتار تمرده ولكنه لازال محتفظا بتبرته الجافه
- انت مضايقانى من يوم ما شوفتك ..
شمرت بنطالها قليلا ثم جلست على يمينه وهى تقول ببرود
- يبقي مش هتفرق .. عادى بقي ..
وجه كفوفه للنار ليلتمس منهم الدفء ثم حكهم ببعض وهو يقول
- منمتيش ليه !!
- وانت منمتش ليه ؟

خرج سؤالها بتلقائيه تابعته نظرة ضجر من عيونه قائلا
- يابت بطلى تردى سؤال بسؤال .. هتغابى عليك !!
رمقته طويلا بصمت حتى ياس من الحصول علي رد .. فعاد ليدفء يده مره اخرى .. فهتفت
- مكانش جايلى نوم ..
لم يلتفت اليه .. اكتفى بضحكه ساخره
- حتى ده مش طايقك ..

- اوووف ياباى منك .. متعرفش تقول جملتين ذوق على بعضهم !! انا هقوم بكرامتى احسن ..
وثبت لتنهض ولكن للحظه فقد عقله وبدون ما يرفع انظاره له جذبها من كفها لتقعد .. فجلست مجبره متأففة مندهشه من فعله الغير متوقع ..
ظل الصمت سيد مجلسهم طويلا فثغرها بتواجده لا يتحمل الصمت فاردفت قائله
- انت بتحب مراتك !!

رمقها بغضبٍ جعلها تعاود السؤال بطريقه اخرى
- قصدي بتحب خطيبتك !
- هو يعنى ايه حب الاول ؟
لاول مرة سؤال يُخرسها ويشعل نار بعقلها تعجز عن الهرب منه بثرثرتها الغير مُجديه .. سكتت هى وسكت هو لدقائق معدوده .. ثم هتفت بعدما يأس من إجابتها وقالت.

- هو فارس ماهر واقف بحصانه فوق قمة جبل محدش يقدر يشوفه ومعاه قوس بيضرب بيه اكتر اتنين مختلفين بسهم واحد فى نفس اللحظة ..
لاول مرة ينبهر .. لاول مره يصدح قلبه .. لاول مرة يري عروقه تنبض .. تسكعت عيناها بين دروب وجهه ثم التزمت هى ايضا بالصمت الا ان نطق صوت عمرو دياب من أحد المنازل القريبه وهو يقول.

- " يا كل حياتى وآمالى .. يأجمل سنين فاتت .. وحبى وكل اشواقى .. وكل لحظه معاك كانت "
تتمايل على الحان كلمات عمرو دياب كطحالب النورى مما جذب انظاره اليها مذهولا .. خالعا ثوب عقله بجواره .. فاقت من سُكرها على كفه المنبسط امامها . للحظه توقفت كل اعضاء جسدها عن العمل .. فعُطاس فعله المفاجئ جمدها .. اطالت النظر اليه مندهشه حتى قال
- الاغنيه هتخلص وانت لسه متنحه !!

لمست اناملها الناعمه جلده الخشن الدافى حتى احكم قبضة يده على كفها البارد وهو يساعدها فى القيام ويتخذ من قربها وضعيه الرقص .. لازالت مرتديه ثوب الدهشه الذهول وكل شعور يثير جنون العقل .. وضعت ذراعها على كتفه السليم الذي طوق به خصرها .. برزت عروقه عنقها اثر لمساته .. ثم ثبت كفهالعليل ممسكا بكفها الاخر وشرع يحركها على كلمات الاغنيه حتى جهر عمرو قائلا:

- " تصحى فيا انا الاحساس.. على جناح الخيال اطير .. واشوفك أنت كل الناس ومن نفسي عليها بغير .. بتسرق كل اوقاتى .. بتشغل ياما تفكيري .. وخلتنى اعيش الحب فى دنيا ما عاشها يوم غيري "
لاول مرة يفقد زمام امره .. يتصرف كطفل عابث بريئا من هيبته وشموخه فلا تتناسب افعاله مع مكانته الخاصه .. ولكنها الوحيده التى خلع فى حضرتها كل ما يعوقه عنها مقبلا عليها اقبال ظمان على بحيره فى قلب الصحراء بعد اعوام من الركض والبحث ...

تدرجت انظارها ببطء ابتداء من صدره وحتى عيونه التى تشع نورا لم تراه من قبل .. فقفز فى رأسها عبارة تسربت إليها منذ أن رأته "كنت أعلم أن خلف صمتك وشموخك كنوزا ودررا نادرا " .. ثم تلاقت اعينهم التى تمالك زمام الموقف بعيدا عن صليد السنتهم المتمرده عند جملة عمرو المفعمه بالحب
- " اشوف العمر فيك أنت .. واشوف الدنيا دى فى عينيك ".

كانت عينيها وقُربها والالحان يحملان مُخدر واحد انصب بعقله تلك السعاده السرية التى تمارسها اعينهم بلغه لا يفمها سواهم .. ولازال حلقها جافا لا ترويه مياه النيل بأكملها .. بات هو مصدر ارتوائها الوحيد .. تدلى بانخفاض وببطء شديد وانفاس هادئه عكس ضربات قلبها ليلامس ما اشتهاه منذ سويعات واوشك أن يلين صخره ويشرق فجره بشمس تذيب جليده الا أن عقلها عاد إليه فجاة ولا تشعر بذاتها الا عندما دفعته بعيدا هاربه منه وهى ترتعش وكل جزء بها يرتعش ..

قفز عقله برأسه مره آخرى وهاجت جيوش تمرده من جديد .. فظل يجوب كالمجنون ذهابا وايابا ولازالت تترقبه بقلبها المنتفض خلف النافذه وتراه وهو يطفأ النيران المشتعله بدلو المياه ... ويلوم نفسه ويشد فى خصيلات شعره ندما وجملة مياده تتردد بجوفه
- دانت حتى عمرك ما فكرت ترقص معايا !!!

تحركت فجر لتمرر اناملها على معالم وجهها التى لفحت انفاسه ثم ابتسمت بابتسامه تجهل سببها وهى تقول : ثلاثه وعشرون عاما ولا يوجد بعم ما يثير العقل والقلب "غيرك" ..

(صباحا )
بعد مرور ليله غريبة الاطوار .. فكل ما تغفو يوقظها ضجيج قلبها نهضت على اصوات حديد يُطرق .. فتحركت كالمجنونه نحو مصدر الصوت فوجدته ينتقم من نفسه بممارسة الالعاب الرياضيه بالغرفه الخاصه ..

لازالت انفاسه العاليه تتسابق مع اصوات الحديد الذي يشده .. وقفت تراقبه وتراقب جنونه .. وصرخاته وهو يقاوم ثقل الوزن وبروز عضلاته التى يتصبب منها العرق .. لازال لا يحرك الا يده اليمنى دون اليسرى .. حتى مرة طيف ذكرى ليلة امس امامه ممزوجا برائحتها التى لم يستنشقها من امراه من قبل ..

خلع عقله وخيم الوجع على جميع اجزاء جسده واختلطت الامه متناسيا وجع ذراعه وظل يتمرن بالذراعين وكأنه ينتقم .. شهقت من جنونه واتسعت عيونها... فاندفعت نحوه صارخه
- اى الجنان ده !! انت نسيت انك متعور ؟!
تجاهل ثرثرتها وزادت سرعة يده معاندنا حتى تقطرت الدماء من ذراعه فهتفت صارخه
- انت بتعاند مين ... جرحك اتفتح يخربيتك ..

اخيرا التفت لصليل ذراعه المكسو بالدماء .. فركضت لتحضر حقيبه الاسعافات الطبيه التى تركها الطبيب وعادت مسرعه وهى تقف بجواره لتفك رباط ذراعه قائله بعتب
- والله التور فيه عقل عنك .. انت بتعمل فى نفسك كده ليه مش فاهمه ..
- هتعرفي تتصرفي ولا تسكتى !!
- وكمان بتقاوح !! انت ايه ما بتغلطش ابدا !!

فكت الرباط وشرعت فى تطهير الجرح ودهن المراهم اللازمه ومراقبه ملامحه التى لا تنكمش تألما كان كالصخره ( صامتا وصامدا ) ...
انتهت من فعلها وهى تنهره : الارف ده !! انت اتجنن ويتحط على دماغ فجر فى الاخر ..
لازالت اعينه تحرق تُوبها القطنى الذي يتدلى مرة وراء الاخرى فترفعه .. اوقفها بقبضة يده قائلا
- الزفت ده لازم تخلصي منه !! وتتطلقى ..

قالها بنبرة فضحته أكثر من كلمة ( بحبك ) ولكنها لعبت على اوتار الغباء قائله
- اشمعنا يعنى !!
القى طوب كلماته : عشان أن كمان عاوز اخلص منك ..
- هى دى كلمه شكرا !!
هبت رياح غضبه التى يتسلح بها دايما
- شكرا مين ياما ... المرمطه دى كلها بسببك لو مش واخده بالك !!
- يوووه بقي مش هنخلص !! يوم اسود ومهبب بنيله يوم ما قابلتك ..

قالت جملتها بنبرة منخفضه وهى تتركه وتغادر فنهض خلفها إثر رنين جرس الباب ولكن سبقته هى وفتحته فلم تجد احد الا (جرائد اليوم ) ..تناولتها باهتمام و فاقت على رياح صوته
- اول واخر مرة تفتحى الباب..
- ليه يعنى ؟!
- وانا هنا بهبب ايه لما انت تفتحى ؟!
- ما تصطبح وتقول ياصبح !! ولا هى انعره وخلاص ؟!
- اسمعى كلامى واقصري شري !!

سقطت اعنيها على صورته فالجرائد فتجاهلت نباحه وشرعت فالقراءه بتركيز مما لفت انتباهه تجاهلها .. فقال
- فى اى عندك ؟!
ردت بانبهار : دول كاتبين عنك ! معقوله انت عملت كل ده ؟! ورجعت كل الاطفال دى لاهالهم !!
جلس على الاريكه بعد ما استعاد هدوئه
- ااه وايه يعنى ؟!
- يابنى دول كاتبين عنك كلام حلو اوووووى !!
- كلام جرايد متحطيش فى بالك .. انا مش بعمل غير واجبى ...

ألجمها ببرود جملته حتى جعلها تصمت معتقده بأنه خُلق من طينٍ غير الذي خلق منه بقية البشر .. حتى أنه لا يلتفت لانتصاراته ويراه شيئا عاديا .. هو من أخد من منصبه اللقب والواجب .. عكس غيره الذى تعمد ان يركض نحو اللقب ويتناسي الواجب .. فاقت من شرودها على جرس الباب فبتلقائيه تحركت لتفتحه ... فلفحتها نيران نظرته فتوقفت مجبره... وذهب بصدره العاري ليفتح الباب ... فوجد اللواء نشأت ومجدى وزياد ...

غمغم هشام بذهول : سياده اللواء !!!!
غمز له زياد : ايه ياعم هى الدنيا طراوة جوه ؟!
لكزه مجدى متحدثا من خلف اسنانه : اتلم ولم نفسك .. اللوا واقف ..
هتف اللواء : إيه هتسيبنا واقفين كده يا سيادة الرائد على الباب ..
فسح الطريق وهو يشير له
- لا طبعا معاليك .. اتفضل اتفضل ..

تقدم اللواء اولا ثم لحق به مجدى وزياد واخيرا قفل هشام الباب ثم اتبعهم .. لازالت فجر واقفه بعيدا تترقبهم ..فتناول هشام قميصه مناديا على زياد
- تعالى ساعدنى...
غمز زياد بطرف عينه : وهو مين كان يساعدك وزياد مش موجود !!
ضغط هشام على قدمه بغيظ وهو يقول
- كنت بغير على الجرح يا بنى ادم ..

هتف نشأت قائلا بصوت عال :
- تعالى يا فجر ..
تقدمت بخطوات متباطئه وهى تراقبه بعيون متراقصه وبصوت كسيح
- خير يافندم ..
- اقعدى ..
قعدوا جميعا فى اماكنهم وشرع اللواء بالتحدث
- طبعا يا هشام أنت تم وقوفك عن العمل واتحولت للتحقيق .
- اييييييه !!

- سيبنى اكمل كلامى للاخر ..
ثم وجه حديثه نحو فجر التى مر حر الذنب على قلبها وهو يقول
- وطبعا أنت زى ما شايفه .. مستقبل ظابط كوفئ زى هشام ضاع بسببك ..
اردفت بندم : انا مش عارفه اى ممكن يكون حل الورطه دى .. وقولتله هروح اعترف هو اللى رفض .
هتف بحزم : مش حل .. وعيبه فى حق هشام انه يتستر على واحده هاربه
لازال هشام يغلو غضبا وهو يقول
- ما دى انسب الحلول .. كل الطرق متقفله فى وشنا .

تبادل اللواء ومجدى الانظار ثم قال
- الجواز ... انك تكتب عليها .. بس هى قالت ان كتابها مكتوب ..
اطرقت فجر بخوف وهى تحاشي انظار اللواء التى تحرقها ثم واصل
- انا اطلعت على المحضر .. والمحضر متقدم باسم واحده اسمها ( عنايات السيد )
- دى كانت مرات ابويا ...

ردت بتلقائيه ثم واصل اللواء قائلا
- وقايله فى المحضر انها شافت هشام وهو بيخطفك وبيحطك فى عربيته وجايبه شهود كتير ... وزيدان مقدم بلاغ تانى ضد هشام انه خطف عروسته يوم فرحها !!
سكت هشام محاولا فهم مغزى كلمات اللواء ولكن واصل مجدى قائلا
- والسؤال هنا .. ليه مش زيدان اللى مقدم الدعوة !!.. او بمعنى الاصح كان هيرفع دعوته فى المحكمه ويطلبك فى بيت الطاعه بحكم انك مراته بالاضافه الى محضر عنايات اللى هيثبت اتهامه ..

التقط اللواء باقى الكلام من مجدى قائلا
- وده فيما معناه أن زيدان مش معاه ورق رسمى يثبت إنك مراته ..
وثبت كالملدوغه من مكانها وهى تبتعد عن انظارهم المحرقه باحثه عن كذبه اخرى .. حتى نهض هشام متجاهلا فرح قلبه ومتحدثا بنبره غاضبة
- نعم يا روح امك ؟! يعنى كنتِ بتشتغلينى !
بنبرة حازمه اردف نشات : اقعد ياهشام ..
- اقعد ايه دى بتضيع مستقبلى بكذبها !!

تسلحت بالقوه وهى تهتف قائله
- اااه انا كذبت عليك .. عشان اخر حاجه ممكن اعملها انى اتجوز واحد مفترى زيك ...
ثار جنون هشام وهو يدفع الطاوله بقدمه
- زي مين يابت ! دانت وابوكى اللى نقطه سوده فى تاريخى .. وانت اصلا كنتى تحلمى تتكتبى على اسمى ساعه ..
تدخل زياد بينهم : هشام اهدى مايصحش كده ..
احتمت فجر بظهر زياد : ومين قالك انى موافقه اصلا .. متحسسنيش انى هموت عليك ..
- لا انا اللى واقع في حبك ياختى ... !!

تظاهرت بالبرود : والله انت ادرى بحالك ..
ألجمته بالحقيقه التى تعمد نكرانها حتى حسم اللواء الموقف قائلا
- هشاام مفيش حل تانى عشان تطلع من الورطه دى وتحمى فجر من شر زيدان ..
جهر بعنفوان : ان شاء الله يولع فيها هى ولسانها اللى طوله مترين ..
هتفت بعناد : وانا مستحيل اسمى يتكتب على اسمه حتى ولو زيدان هيقتلنى ...

زفر اللواء باختناق مشيرا لمجدى .. ففهم مغزى كلماته ففتح شاشة هاتفه ليشاهدوا اخر الاحداث قائلا
- دا فيديو نزلكم الصبح بدرى من واحد صحفى مركز معاك اوى ياهشام .. وطلعت اشاعه إن الرائد هشام السيوفى فى شهر عسل مع فجر النورماندى ..
هما الثلاثه بصحبة زياد فى نفس واحد : ايييييييييييييييه !!
رمقهم اللواء بابتسامه انتصار : مش بقولكم مفيش مخرج ..
همس زياد فى اذان آخيه : ماانت كنت خاربها امبارح وجاى تعمل علينا دور المعقد .. ما تنجز خليك تطلع من الورطه دى...

بعد مرور ساعتين وبعد ما تولى اللواء نشأت وكالة فحر هتف المأذون قائلا
- بارك الله لكما وجمع بينكما فى خير !!
همس هشام متوعدا : والنبى ما تتكأ عليها قوى كده يا مولانا عشان ايامها سوده معايا ..
تدخل مجدى فى الحوار : اتش ما تكتبوا كتابى انا ورهف بالمره .. والله موافق اخدها وهى مكسوره وعلى عيبها كده ..
رمقه هشام بضيق : انت لسه حسابك معايا ...

نهض اللواء لينهى المجلس قائلا
- عاوزين القسيمه فى اسرع وقت يا مولانا .. الله يرضي عنك ..
- من عينيا معاليك .. جواز مبارك ان شاء الله ..
همس زياد لمجدى قائلا
- اخويا بعقده بقي على زمته اتنين .. اومال لو كان خاربها زيي ؟!

- بس عشان أنا مش طايقه .. زيزو (هل أنا عريس لا يليق بصاحبه الصون والعفاف الانسه رهف !؟)
- والنبى اسكت انت متعرفش اللى فيها .. اختى هى ( التى لا تليق بمعاليك ) ..
تدخل هشام بعد ما اوصل المأذون واللواء للباب جاهرا
- اى وانتوا ناويين تباتوا هنا ..

اردف زياد ساخرا : ده هيعملنا فيها عريس وكده .. لا فوق ياسيوفى دى جوازة مصلحه ..
- وهى مصلحة بعقل!! .. طيب طرقنا ياخويا انت وهو بس اروقلكم ..
غمز له زياد ممازحا : والهدوم اللى فالعربيه .. ايه مش عاوزها هتنفعكم ..
دفعه هشام بقوته خارج الباب ولحق به مجدى قائلا بمزاح
- أنا قولتها كلمه .. ومانزلتش الارض.

زياد بفضول : كلمه ايه ..؟؟
رد مجدى : محدش هيجيب اخوك على جدور رقبته غير البت دى !!
قفل هشام الباب فى وجههم بغل متخذا نفسه بارتياح .. ثم وقعت انظاره عليها وهى ترتعش وتتراجع للخلف منتظرة مصيرها معه .. فك حزام بنطاله ثم ثناه متوعدا .. فهبت صارخه وركضت من امامه لتتحامى بغرفتها .. فاردف بغضبٍ
- هتروحى منى فين .. دانت وقعتى مع اللى ما يرحمش ...

 

تاااابع ◄