رواية راقصة الحانة الفصل السابع
خرج من مكتبه كالمجنون بعد أن أخبرته أخته بتلك الكارثة، أوقفه صديقه وهو يقول:
- إلياس باشا أنا جمعت الأدلة زي ما طلبت وطلعت قبض بالقبض عليها.
أجابه إلياس بأستعجال دون أهتمام وهو يسرع للخارج قائلاً:
- ماشي.
وركب سيارته وقاد بجنون لا يعلم أين يذهب للبحث عنها ولكنه لا يستطيع الأنتظار والتوقف عن البحث عنها يريد عودتها سالمة فقط...
هتفت جميلة بهدوء وهي تجلس علي الأريكة قائلة:
- برضو مش هتتصل تطمن عليها وتشوف أبنك لاقاها ولا لا.
ترك فنجان الشاي الساخن من يده بزفر وهتف بضيق:
- هو أبنك كان أستأذني لما راح خطبها ولا حتي وهو بيقول للناس دي خطيبتي، رايح يخطب عيلة.
هتفت أثير بشفقة عليه قائلة:
- بس بيحبها يا بابا لو شوفت عيناه وهي بتبص عليها مش بتقول بحب بس دي بتقول بحب وعاشق ودايب حرام نقف قدام سعادته بعد ما رجع للحياة ومتنساش أن محدش عدله وبعده عن الخمر والسهر غير دموع.
قهقه ضاحكاً بسخرية ثم هتف وهو يرمقها بنظرة حادة قائلاً:
- اه عشان رقاصة وأخوكي أهبل مش فاهمة آن كل ده هي بترسمه عليه عشان يتجوزها بس ده بعدها.
- حرام عليك ياحبيب البت بريئة جدا وعمرها ما أختلطت بالعالم وشاطرة في دراستها جدا بقالها سنة في المدرسة مفيش مدرس ولا طالبة أشتكي منها وكلهم بيشكروا في أدبها وهدوءها غير تفوقها
قالتها جميلة بحزم شديد مُدافعة عن هذه الطفلة في غيابها، ثم هتفت تكمل حديثها قائلة:
- وبصراحة كدة آنا موافقة أجوزها لأبني، أنا متعلمة ومتحضرة وفاهمة أن طبيعيتها طيبة وقلبها أبيض وكل اللي حصلها مجرد تواجدها في ظروف نشأة زي دي والدليل آن البنت عندها طموح أنها تبقي دكتورة وبدأت تصلي مع أثير وأن شاء الله ربنا هيهديها أكتر وتلبس الحجاب ومتأكدة بقي أنها تستاهل إلياس وكفاية عليا سعادته وفرحته بوجودها.
عقد حاجيبه بضيق وقال بضجر:
- قصدك آني انا اللي متخلف عشان معارض الجوازة دي، أنتي مش فاهمة آن البنت لسه في سن المراهقة واحتمل تعلقها بيه كل ده بدافع حنان الاب مش شايفه كرجل.
أبتسمت أثير بسعادة وهي تعطيه فنجان الشاي مجدداً وهتفت بعفوية:
- لا يا بابا صدقني دموع حبها لإلياس حب نقي جدا وصادق المشاعر.
زفر بضيق من حديث أبنته وزوجته من تكرار طلب موافقته علي زواجهما ثم دلف إلي مكتبه هارباً منهما...
ظلت تبكي وهي جالسة علي الأريكة الخشبية أمام النيل وتمسك بيدها ورقة وتغلق قبضتها عليها بقوة مُرتدية ملابسها التي ذهبت للأمتحان بها صباحاً بنطلون جينز وتيشرت بكم وبلطو جلدي وحول عنقها وشاح صوف وترتدي علي رأسها طاقية صوف وردية اللون وشعرها مسدول علي ظهرها وتتذكر كيف لم تأتي حنين إلى الأمتحان وحين ذهبت إلي بيتها بعد الأمتحان...
- حنين ماتت أمبارح يا دموع
قالتها والدة حنين وهي تبكي علي فراق أبنتها، صدمت دموع من جملتها فــ حنين صديقتها الوحيدة التي تمتلكها بعد ان جاءت إلى القاهرة...
- حنين سابتلك الورقة دي كانت بتحبك أووي يادموع
قالتها أخت حنين وهي تعطيها الورقة وهي مازالت في صدمتها أخذتها وخرجت من المنزل بصدمة ألجمتها حتي أنها لا تشعر بقدمها إلى أين تأخذها ؟؟.
فتحت الورقة مجدداً وهي جالسة علي النيل وتري هاتفها بجوارها يرن بأسمه وهي تبكي بقوة ( دموع حبيبتي، طالماً أنتي بتقرأي الورقة دي دا معناها أني مشيت وسيبتك، أنا عارفة أنك مصدومة جداً من الخبر وأتصدمتي أكتر لما عرفتي مرضي اللي خبيته عنك، ايوة فعلاً آنا كان عندي سرطان متخافيش كدة آنا دلوقتي في مكان جميل أووى وهراقبك من هناك لازم تحققي هدفك وحلمك وتبقي دكتورة قد الدنيا وتعالجي الناس عشان أنتي بقلبك ده مينفعش تكوني غير دكتورة..،
أوعي تتنازلي عن حبك يادموع حتي لو باباه معارض والدنيا كلها معارضة مادام أنتوا الأتنين بتحبوا بعض وعايزين بعض أوعي تسيبيه عشان ترضي الناس ارضي قلبك ونفسك أوعي تظالمي نفسك آو تيجي عليها، أنا هكون معاكي في كل لحظة يادموع عايزة أشوفك بالأبيض في بلطو الدكتورة وفستان فرحك، متزعليش يا دموع أني مشيت من غير ما أودعك غصب عني مكنتش أعرف أن الوقت جه، خليك مع إلياس يادموع وحققي حلمك معاه دي أمنيتي الوحيدة أنا كمان أنك تحققي كل أحلامك... حنين) .
ظلت تبكي وهي تقرأ الرسالة أكثر من مرة حتي أنفجرت باكية بصوت عالي والجميع ينظر عليها بشفقة وتساؤل ماذا حدث وفضول شديد ؟؟...
ظل يتصل بها مراراً وتكراراً وهي لا تجيب عليه فتح برنامج التعقب وتعقب تليفونها وقاد مُسرعاً الي مكانها...
( أوعي تتنازلي عن حبك يادموع ) ظلت تكرر تلك الكلمة علي لسانها وهي تنظر للورقة، وضعت هاتفها في جيبها مع الورقة ووقفت من مكانها تركض بسرعة جنونية مع خفة جسدها تريد الذهاب له الأن وتتشبث به ولا تتركه حتي لو طلب والده والعالم بأكمله ذلك فهي لن تتركه ولن تتنازل عنه مهما حدث فهو وحده من تبقي لها لا أب ولا أخ ولا أم ولا صديقة ولا عائلة ولا أحد سواه هو، ظلت تمسح دموعها بأنامله وهي تركض...
وصل إلى مكانها ولم يجدها تتبع الهاتف ورأها قريبة منه ركض كالمجنون وهو ينظر بهاتفه عن طرق مختصر ليصل لها سريعاً، وقفت دموع علي حافة الطريق تنتظر الاشارة لكي تتوقف السيارات وهي تضع يديها الأثنين علي ركبتها وتتنفس بصعوبة من الركض، فتحت الإشارة للمشاة ورأته يقف علي الحافة الأخري ينظر لها نظرت له وهي تخطي نحوه خطوات ثابتة مُحدثة نفسها بسرية:
- أنا مستحيل أسيبك همسك فيك وهفضل في حضنك مستحيل أبعد عنك أنا بحبك ومقدرش أعيش.
وصلت لمنتصف الطريق وهي تنظر عليه وتحدث نفسها، ثم ركضت فجأة بسرعة، نظر عليها وهي تركض نحوه كاد أن يتحدث وصدم حين عانقته بقوة وهي تلف ذراعيها حول خصره وتتشبث به بقوة، ظل ذراعيه مفتوحين في الهواء أمامه بذهول من فعلتها وهو ينظر حوله على الناس وهم ينظروا عليهم ويبتسموا، هتف بخفوت شديد:
- دموع...
بترت الحديث من فمه وهي تردف بترجي:
- خلينا كدة شوية بلييييز متبعدش عني.
سألها بخفوت شديد وهو يثني ذراعيه علي ظهرها بحنان:
- هنا في الشارع ياحبيبتي ؟؟.
هزت رأسها فوق صدره بقوة بإيجاب ثم هتفت بطفولية:
- آه، عمه متسبنيش زي حنين.
سألها بهدوء شديد وهو يربت على ظهرها برفق وهي تختبئ من الجميع في حضنه قائلاً:
- هي حنين مشيت ؟؟ راحت فين ؟؟.
عادت للبكاء مجدداً وبدأت ترتجف بين ذراعيه وهي تروى له ما حدث فأربت عليها بحنان يدري أنها الأن تحتاج بأن يطمئنها بأنه لم يرحل بعيداً عنها ويحتوي خوفها وحزنها ويداويهم بمؤاساتها...
نزلت نارين من البوكس مع العساكر والأصداف الحديدية في يديها تكبت غضبها بداخلها من فريدة و دموع معاً.
فتحت باب الشقة ودلف وهو يحملها على ذراعيه وهي نائمة من كثرة البكاء، دلف بها إلى غرفته ووضعها في فراشه وخلع لها حذاءها من قدمها ثم نزع عن رأسها طاقيتها فيُبعثر شعرها الناعم مع نزعه، هتفت بصوت مبحوح وهي تفتح عيناها قائلة:
- أنا هنام في أوضتي.
وضع يده علي فمه معارضاً وهو يشير لها بأن تصمت:
- شششش نامي.
ومسح على رأسها بحنان يرتب خصلات شعرها مجدداً حتى غفوت في نومها بأرهاق شديد، جلس بجوارها ورفع جسدها برفق وهي نائمة ويده خلف رأسها ونزع لها البلطو ووشاحها ثم أنزل رأسها بحنان للوسادة وأطبق شفتيه علي جبينها بحنان ثم أبتعد ووضع الغطاء عليها ذهب ليعلق البلطو وشعر بهاتفها بداخله أخرجه ورأي معه الورقة قرأها ومع كل كلمة ينظر عليها بشفقة فالجميع يتركها ويرحل حتى صديقتها تركتها ورحلت...
دق جرس الباب ففتح معتصم ودلف سعيد وهو يحمل الكثير من الأغراض والطعام، جهز الطعام وله وجلس...
سأله معتصم بغيظ شديد:
- عملت إيه.
أجابه سعيد وهو يحضر له الماء قائلاً:
- هنفذ الخطة النهاردة.
ترك معتصم الطعام وهتف بغضب مكتوم قائلاً:
- أتصل بيه دلوقتي.
أشار سعيد له بالموافقة وأتصل بــ إلياس...
كان جالساً على الكرسي الهزاز في زواية غرفته ينظر عليها وهى نائمة وملامحها حزينة، رن هاتفه برقم مجهول فتح الخط وأجاب:
- آلو.
جاءه صوت سعيد عبر الهاتف وهو يقول بثقة وغرور:
- إلياس باشا أنا سعيد مدير أعمال معتصم بيه.
وقف ببرود وخرج من الغرفة ثم هتف ببرود مُستفز:
- خير على الصبح يا مصيبة باشا.
قهقه سعيد بغرور ضاحكاً ثم هتف يعقب علي جملته:
- صبح إيه ده إحنا الفجر يا باشا، عموماً مش هضيع وقتك أنا عندي ليك أوفر كويس جدا لمصلحتك ومصلحتي.
رفع إلياس حاجبه بذهول وشك في الأمر وسأله:
- أوفر ومصلحتي ومصلحتك اشجيني يا شر.
- آنا مستعد أسلمك معتصم بيه حي يرزق مقابل آنك تسيبلي الشركة الرئيسية وتسجلها بأسمي بعد ما تصادره كل أملاكه قولت إيه
قالها سعيد بمكر وخبث وهو ينظر لــ معتصم وهو يشير له بالاستمرار.
أردف إلياس بشك وأستهتزاء قائلاً:
- موافق تحب نتقابل أمتي وفين ؟؟.
- هبعتلك مسج بكره بالزمان والمكان تكون جبت الاوكية من الإدارة عندك عشان متتضحكش عليا بعد ما تاخد آللي عايزه، ااه وأعتبروا مكافأة واحد دلكم على مجرم هارب من العدالة... سلام.
وأغلق الخط بوجهه قبل أن يجيب عليه، ظل يفكر بالأمر حتي الصباح الباكر وكل تفكيره يصل لنقطة واحدة بأنه فخ للإيقاع به فقط...
أستيقظ علي صباحاً وأخذ حمامه وجهز فطاره هو والده ودلف إلى غرفة والده بالفطار ووضعه علي الترابيزة ثم فتح الستائر وهو يقول:
- صح النوم يابابا عملك فطار بأيدي إنما ايه حكاية محصلتش.
هتف جلال بتذمر شديد وهو يضع الغطاء علي وجهه يريد النوم قائلاً:
- أنت فاكرني مراتك أخرج برا ياض عايز أنام.
هتف علي بمزاح وهو يجلس علي السرير ويبعد الغطاء عن وجه والده قائلاً:
- أنتي تطولي يابيضة تبقي مراتي طب دا آنا هدلعلك دلع مدلعهوش مدلع قبل كدة.
ضحك جلال عليه وهو يجلس بوجه عابث، جلسوا يفطروا معاً و علي يقلب بهاتفه ووجد رسالة من إلياس جاءت له فجراً محتواها ( علي لما تصحي عدي علي أثير هاتها وتعالالي ضروري مستناك ).
هتف علي بأستغراب مُحدثاً نفسه قائلاً:
- خير علي الصبح.
جاءه نفس الصوت المعتاد من داخله يجيبه بأستنكار:
- أكيد في مصيبة وتشوف...
هز علي رأسه بقوة ينفر الأفكار السلبية من رأسه، نظر جلال عليه بأستنكار من جنون أبنه وحديثه مع نفسه كالمجانين...
فتحت دموع عيناها بتعب شديد وهي تشعر بصداع في رأسها من كثر البكاء ووجدت نفسها نائمة في فراشه وهو بجوارها واضعاً ذراعيه أسفل رأسه يبدو آنه غفو وهو يتأملها، قربت يدها منه بحنان تتحسس وجهه بأنامله برفق وتذكرت ما حدث أمس وخسارتها لصديقتها بعدت يدها عنه بوجه عابث ورفعت رأسها كادت أن تقوم فمسكها من ذراعها وأعادها للفراش لكن هذه المرة بين ذراعيه ثم فتح عيناه لها، نظرت لعيناه بهدوء دون أن تتفوه بكلمة واحدة وعيناها حزينة، هتف بخفوت شديد هامساً لها قائلاً:
- حبني يا دموع.
أجابته بصوت مبحوح قائلة:
- آنا بحبك بالفعل.
- أنتي أصغر من حبة الفول عشان كدة انتي في قلبي كلك، خليني في قلبك علي طول
قالها وهو يضع خصلات شعرها خلف أذنها، فهتفت بحب وهي تنظر لعيناه مباشرة:
- أنت في عقلي وقلبي علي طول.
هتف بحنان وقلق من ما هو قادم إليه قائلاً:
- أوعدك أفضل أحبك طول مانا عايش وفيا نفس وعمري ما هسيبك أبدآ، أوعدك مدخلش حد غيرك حياتي حتي في مماتي هطلبك من ربنا تكون حوريتي في الجنة، أوعدك نتجوز ونجيب دستة عيل شبهك وأعيش بس عشان أسعدك ومنزلش دمعة واحدة منك وأفضل جنبك لحد ما تبقي دكتورة وأفتحلك عيادة بنفسي ومش عايز مقابل غير أنك تحبي.
- أنا بالفعل بحبك من غير ما تطلب
قالتها وهي تضع يدها فوق قلبه بلطف ناظرة لعيناه، هتف بخفوت شديد مبتسماً لها قائلاً:
- تتجوزني يادموع.
أشارت إليه بنعم ثم أردفت بهمس شديد قائلة:
- آنا وافقت من أول مرة وأنا خطيبتك بالفعل وموافقة.
- أنا بحبك بحبك يادموع وبعشقك معاكي أنتي بس بنسي نفسي وبتحول لعيل صغير، ضحكتك بس هي اللي تقدر تزيل غضبي وتحوله لرماد، مسكت أيديكي هي علاجي الوحيد لما بحس بضعفي وبستمد قوتي منها، عيناكي هم اللي جابوني لحد عندك راكع وعاشق مجنون ليكي ومستعد عشانهم أعمل إي حاجة.
دفنت رأسها بين ذراعيه في صدره وهي تلف ذراعيها حول خصره بقوة وتقول:
- وأنا بحبك والله مقدرش أعيش لحظة من غيرك.
وضع قبلة علي جبينها بحنان وهو يتطوقها بشغف يشعر بأن هناك شئ سي سيحدث فقلبه مُنقبض منذ مكالمة سعيد له يشعر بأن هناك شئ سيصابه لذلك أخبرها بكل ما بداخله، جاء على له بصحبة أثير ...
سألته أثير بصوت خافت في أذنه:
- هو عايزنا ليه.
رفع كتفه بأستنكار وهو يقول لها:
- علمي علمك ياخبر بفلوس كمان دقائق يكون ببلاش.
خرج إلياس من الغرفة وجلس أمامهما مع دموع وهتف بهدوء وهو يضع ورقتين أمامه:
- أنا هدخل في الموضوع بسرعة عشان خارج ومأخركوش معايا آنا هتجوز دموع.
أردفت أثير بأستغراب وهي تنظر له قائلة:
- طب ما إحنا عارفين آنك هتجوزها آول ما تكمل السن القانوني أيه الجديد.
نظر على له بفهم وهو يري الورقتين والقلم أمامه وعلم بما يفكر به صديقه وأنه أحضرهما ليشهدوا على زواجه العرفي منها فألتزم الصمت منتظر أجابته على أثير .
- أنا هتجوزها دلوقتي عرفي
قالها وهو يمسك يد دموع بحنان وهي تبتسم له بفرحة تغمرها وسعادة لا توصف وضربات قلبها تزداد باستمرار مع مرور الوقت، نظرت أثير له ثم لزوجها الجالس صامتاً ولم تستطيع الرد آو معارضته، كتب قسيمة الزواج نسختين ووضع يديه في يدها وعقد قرآنه عليها وهي تردد معه مُبتسمة بسعادة وخجل يستحوذ عليها وتوردت وجنتها ثم مضوا جميعاً على قسيمة الزواج النسختين ووضع قبلة علي جبينها بحنان وطويلة خائفاً من وقعه في فخ اليوم ولكنه يأمل آن ينتصر عليهم ويقبض على معتصم ويسترد حقه وحق كل من أجرم بحقهم، أخذه علي إلي الداخل بعد أن فعل ما يريده وسأله بهدوء:
- عملت اللي أنت عايزه، عملت كدة ليه وأنت عارف آنه جريمة مش كنت هديت وقولت هستني إيه اللي طلع الفكرة في دماغك تاني.
قصي له ماحدث، أتسعت عيناه بذهول علي مصراعيه وهتف بجدية وقلق قائلاً:
- يعني أنت عملت كدة عشان أنت عارف آن ممكن يجرالك حاجة، أنت غبي أنت ربط البت بيك طول عمرها.
- يمكن أكون أناني باللي عملت بس أناني وطماع فيها هي بس، علي الاقل لو جرالي حاجة هكون حققت حلمي وأتجوزت حبيبتي بعدها لو حبت تتجوز تاني هي حر متستكرش عليا أحقق حلم واحد
قالها إلياس بحزن عميق وخوف يستحوذ عليه، صمت على ولم يعقب عليه لا يدري ماذا يجب أن يقول له، وتحدث معه عن القضية والقبض على معتصم ثم خرجوا من الغرفة معاً نادها بهدوء:
- دموع.
جاءت له مُبتسمة أبتسامة مُشرقة وتوقفت أمامه، أربت على كتفها بحنان وهو يقول:
- أنا خارج مع علي هوصل للقسم شوية مش هتأخر.
أشارت إليه بنعم صافح أخته وذهب معه، توقف أمام باب الشقة وأستدار لها فنظرت عليه مُبتسمة وهي تلوح له بيدها فإبتسم لها وهو يلوح لها ثم ذهب تاركها خلفه بسعادة تغمرها بعد أن أصبحت زوجته وملكه...
ذرفت دموعها الحارة علي وجنتها بغزارة وهي تغير ملابسها لكي ترحل من المستشفى لم تعلم وقتها بأن هذا أخر لقاء لهم ولن تراه مجدداً، لم تعلم بأن سعادتها بزواجهما لم تتجاوز إلا ساعات قليل فقط، لم تدري بأن موافقتها على زواجهما كانت في الواقع موافقتها على وفأته فإذا علمت حينها لكانت رفضت الزواج وفرت هاربة منه، لم تصدق أن مر تسع سنوات حقاً بدونه ومازالت ذكرياته بداخلها وترأها وكأنها كانت معه أمس..،
ارتدت بنطلون جينز وتيشرت بنص كم وشعرها مرفوع للأعلي علي شكل ذيل حصان وخرجت من الغرفة بعد انتهاء يومها من العمل ونزلت الي جراچ السيارات وركبت سيارتها ثم نظرت لصورته المعلقة في سيارتها ودميتها الجالسة علي الكرسي المجاور التي أشتراها لها، هتفت بتهتكم وأرهاق مُحدثة دميتها:
- هنروح فين النهاردة، آنا من رأي نطلع البحر محتاجة أتكلم معه شوية، فعلاً آنا كمان رأي كدة أكيد حبيبي مستنيني هناك صح، يلا نروح له شكله واحشك أنت كمان مش أنا بس...
وضغطت علي زر التشغيل المحرك في السيارة وقادت وعادت ذكرياتها مجدداً وهي تراه أمامها وتزيد من سرعتها وهي تراه أمامها يقتل بدم بارد دون رحمة آو شفقة علي قلبها...
- إلياس أنت مجنون أنا وافقت علي أساس اني هروح معاك
قالها علي بتذمر شديد، فصرخ إلياس به وهو يمسكه من لياقة جاكيته قائلاً:
- ياغبي أفهم لو جرالي حاجة أنت موجود هسيب دموع في رقبتك وأمانة معاك لكن لو حصلك حاجة معايا أثير عمرها ما هستحمل صدمة اخوها وجوزها في وقت واحد...
وتركه وركب سيارته ذاهباً إلى حيث لايعلم ماذا ينتظره...
وقفت دموع في المطبخ تعد كيكة بمناسبة زواجها، رن هاتفها مُعلن عن أستلام رسالة ( إلياس أتصاب برصاصة وموجود في *** ) كان ذلك محتوى الرسالة وقع عليها كحجر ناري مٌشتعل، تركت ما بيدها وخرجت تركض كالمجنونة بخوف عليه وبدأت في البكاء، نزلت من العمارة ورأت علي قادم فتحت باب السيارة وركبت بجواره بسرعة وأعطته الهاتف، كان سيجن إلى أين ذهب ولم يخبره بالعنوان أخبرها أن تنزل وسيذهب هو ورفضت بشدة وخوف علي حبيبها...
وصل إلياس إلي شقة علي النيل ( عوامة ) وترجل من سيارته ونزل ووجد سعيد بأنتظاره، سأله بفضول:
- هو فين ؟؟.
أردف سعيد بمكر قائلاً:
- جوا قاعد في عوامة بأسمي عشان متوصلوش، جبت العقد.
- جبته بس مش غريبة أنك توطيان معه كدة ده أنت دراعه اليمين في كل البلاوي دي
قالها إلياس بأستفزاز، ضحك سعيد عليه وهو يفتح الباب ثم قال وهو يدخل:
- معتصم بيه أصله وقع خلاص مفيش فائدة من مساندته يبقى أضمن حقي، أتفضل.
دلف إلياس وهو يضع يده بسرية على خصره فوق مسدسه وينظر حوله، خرج معتصم من الداخل له ومعه رجلين من الحراس وهتف بغضب شديد:
- نورت يا سيادة الرائد أول مرة أعرف أنك بالغباء ده لدرجة أنك تصدق أن دراعي اليمين يتفق معاك عليا، تصدق ياخي كل مدى بتثبتلي أنك أغبى إنسان وأن الداخلية بتاعتكم غبية.
- وليه متقولش أنه ثقة بالنفس وبالداخلية بتاعتنا أننا هنجيبك هنجيبك، شوف ياخي زي ما وعدتك محدش هلف حبل المنشقة حوالينا رقبتك غيري، آنا مراعي ظروف ياحرام هربان المدام سابتك وخلعت ههههههه تصدق يأخي عمري ما شوفت واحدة واطية مطمرش فيها العيش والملح والعشرة والولاد زي مراتك أول ما قولتلها عايز أقبض على جوزك قدمتك ليا على طبق من ذهب، بصراحة انت طلعت فشل في كل حاجة حتى في أختيار مراتك فاشل فيها.
سأله معتصم بصدمة من حديثه والغضب يلتهمه:
- مراتي.
قهقه إلياس من الضحك ساخراً بأستفزاز أكبر ثم هتف ببرود مُستفز:
- آمال مراتي، فكر بالعمل آنا دخلت شركتك أزاي من غير ما أكسر ولا باب ماهو ببطاقة دخولك آللي مراتك سرقتها وجابتهالي، فتحت أزاي الأجهزة ودخلت على صفقات المشبوه زيك ماهو بالباسورد بتاعك وبرضو المدام آللي أدتهولي، بلاش كل ده لا مؤاخذة يعني تليفونك كان فين لما الأمن اتصلوا بيك يقولولك آن حد دخل الشركة وسرب المعلومات مش كنت في حضن الأم لا مؤاخذة، طب فكر بالعقل كدة اشمعنا سافرت في اليوم ده بالذات ومين آللي سفرها من غير ما المطار يتصل بيك يقولك آن في حجز بأسمها أنا اللي سفرتها، طب أزاي محستش بها وهي بتهرب من بيتك اقولك واوفر عليك عشان الزوجة العزيزة الأصلية حطتلك منوم في العصير آللي طفحته، شوفت به آن اللي لف حبل المنشقة حوالينا رقبتك هي المدام بالاتفاق معايا...
سمع حديثه وهو يكاد سجن وفقد أعصابه وأنقض عليه معتصم يلكمه بغضب وبدأ العراك بينهما...
وصلت دموع و على إلى المكان وظلت تبحث حولها عنه بخوف وهي تبكي، رأت رجلان يلكموا بقوة ويدفعوه لبعضهما البعض أسرعت في نزول الدرج مع علي لكن أوقفها مكانها حين أطلق معتصم عليه النار في قلبه كادت أن تصرخ لكن منعها على وهو يضع يده علي فمها، رأها وهي تقف بعيداً معه وهو يكتم فمها وينظر عليه، قاومت علي ودفعته وركضت خطوتين نحوه أشار إليها بلا بهدوء حتى لا يراها معتصم ورجاله، نظرته لها ورفضه بقدومها أوقف قدمها عن الحركة وشعرت بشلل رهيب في جسدها لا تستطيع الأقتراب منه ودموعها تذرف بغزارة كالسيول دون توقف وهي تكتم صوتها..،
شعر بضيق تنفست وتلقى رصاصة أخر في صدره أسقطت جسده في النيل قتيل شهيد عاش يدافع عن الحق ويسترد الفساد حتى ألقي حتفه، مسكها على قبل أن تركض وعاد بها لسيارته وهي تصرخ به وتضربه على صدره بقوة تقاوم تريد الذهاب لحبيبها، أدخلها السيارة وأغلقها عليها بالداخل، وصلت سيارات الشرطة ودخل على والعساكر وقبض عليهم جميعاً، ركض على وقفز في النيل ومعه بعض الغواصين يبحثوا عنه وبعد ساعتين من البحث وصل حبيب وأسرته بعد تلقي الخبر، فتحت أثير لها السيارة وهي في حالة يرثى بها أمام عيناها صورته وهو يلتقي برصاصة تمزج قلبه والأخرى تقضي عليه، أسرعت الي تلك وقدمها لا تستطيع الركض وتسقط في الأرض أكثر من مرة، رأتهم يصعدوا بجسده فزدات شهقاتها وخرجت صرخة قوية مؤلمة من أعماق قلبها الذي قتل معه، وركضت نحوهم ومسكت يده بأيادي مرتجفة تناديه بصوت مبحوح يكاد يخرج منها:
- عـــ.. مــ... ــه.
وضع سائق الأسعاف الغطاء على وجهه يُعلن عن وفأته ولم تعد تشعر بشئ حولها فسقطت فاقدة للوعي في صدمة لم تتحملها...
سقطت دموع علي الأرض وهي تبكي بوجع بصوت مرتفع وهي تمسك دميتها علي شاطئ البحر، فصرخت باكية وهي تنظر للسماء:
- أنت فين قولتي أنك هتكون معايا، أنت واحشتني هو انا موحشتكش، أنت فيــــن أنــا تعبــت لــوحدي من غيرك مش قادرة أكمل لوحدي محتاجك...
شعرت بيد تربت علي كتفها بحنان، نظرت للأعلي خلفها ورأت حسن نظرت أرضاً وهي تبكي وترتجف من شدة بكاء وتقول بصوت مبحوح:
- وحشني ياحسن أوي مش قادرة أكمل من غيره ولا عارفه أنساه تعبت ياحسن.
جثو علي ركبتيه بهدوء، وهو يربت على كتفها بحنان ثم قال:
- يا دموع أنتي اللي عاملة كدة في نفسك، معقول بتحبيه لدرجتي لدرجة أن تمر كل السنين دي ومتنسهوش معقول حبيته أوي كدة لدرجة آنك تطلع بعربيتك زي المجنونة وأنتي بتفكري فيه تقاذفي بحياتك علي الطريق عشان شايفه قدامك.
- حسن آنا بقيت أشوفه بجد وأروح ألمسه يطلع وهم، أنا بقيت أشوفه تهيوات آنا حالتي بتسوي أكتر وأكتر مبقيتش إدخل العلميات عشان مأقتلش مريض لو ظهر قدامي
قالتها وهي تبكي وتتشبث بدميتها بخوف وحزن متراكم بداخلها حتي قضي علي قلبها وعقلها، هتف حسن بخوف عليها من حبها المريض قائلاً:
- أنتي لازم تروحي لدكتور يا دموع أنتي ممكن تأذي نفسك كدة أكتر ما هي مأذية .
أشارت إليه بنعم بأستسلام لمرضها فهي حقاً مريضة بحبه وتحتاج لعلاج، أربت علي ظهرها بحنان وهو ينظر عليها بشفقة وخوف فوصلت به آن يراقبها يومياً في كل لحظة حتي لا تأذي نفسها أثناء شرودها به، وقفت معه وأخذها إلى سيارته وترك سيارتها علي الشاطئ وقاد بها، أغمضت عيناها بأستسلام لذهابها لدكتور نفسي يعالجها من حبه وهي تعلم بأنه لن ينجح وعلاجها الوحيد تعلمه جيداً وهو أن يتوفي جسدها كما توفي قلبها وتذهب لتلتقي به في عالم أخر...
أستيقظت دموع بتعب ووجدت نفسها في غرفة غريبة رأت أجهزة متصلة بجسدها وأنبوبة تنفس صناعي متصل بأنفها علمت بأنها بالمستشفي، حركت عيناها بصعوبة وحاولت الجلوس، هرعت جميلة لها وهي ترتدي ملابس سوداء وهتفت بأبتسامة حزينة:
- دموع أخيراً فوقتي.
- إلياس فين ؟؟
سألتها دموع وعيناها تبكي وقد نطقت أسمه من شفتيها أخيراً بعد أن تركها، نظرت جميلة للأرض بحزن ودمعت عيناها وقالت بخفوت:
- أنا هنادي للدكتور.
وخرجت من الغرفة، دلفت الممرضة لها تعلق المحلول، سألتها مجدداً بتعب وهي تزدرد لعوبها الجاف:
- إلياس فين ؟؟.
- إلياس مين اللي جه معاكي من أسبوع
سألتها الممرضة بعدم معرفة، أجابتها بدهشة وتعب:
- أنا بقالي أسبوع هنا، هو فين.
أغلقت الممرضة المحلول وهتفت بأسف قائلة:
- البقاء لله.
وتركتها وخرجت، أخبرتها بما كانت تأبى سمعه، فتسقطت دموعها بأنهيار وهي تتنفس بصعوبة وشعرت بضربات قلبها تتسارع وتؤلمها، دخل الدكتور والممرضين علي صوت أنذارات الأجهزة التي تخبرهم بسوء حالتها وحال قلبها...
فتحت عيناها بفزع وخوف وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة، نظر حسن لها وهو يقود سيارته بدهشة من فزعتها، مسحت دموعها بسرعة وهي تنظر للنافذة تخفي عنه دموعها، هتفت بتلعثم شديد وضربات قلب:
- ممكن توديني أوضتي.
أشار إليها بنعم وصمت، وصل بها للمستشفي وأخذ مفتاح سيارتها وذهب ليحضرها، صعد للطابق الثاني الي غرفة مكتبها ودلفت إلي سريرها سريعاً ووضعت الغطاء عليها هاربة من الجميع بوحدتها...
- هتسافري لوحدك يا دموع
قالتها جميلة بحزن شديد، أجابتها وهي تجمع أغراضها بحزن أسكنها وأنكسار روح قائلة:
- مانا طول عمري لوحدي ياطنط، آنا هبقي أطمن عليكي وأكلمك علي طويل.
- طب هتروحي فين عشان أجيلك أنا وأثير
سألتها جميلة بوجع وهي تراها ترحل طالبة في الصف الثاني الثانوي وحدها، أجابتها دموع وهي تضع صورهم في شنطتها وتبكي بصمت:
- مكان ما رجلي توديني ياطنط مش فارقة في كل الأماكن أنا لوحدي وإلياس مش موجود.
تجمعت الدموع في عين جميلة علي هذه الفتاة التي كسرت بموته أكثر من والده ومنها هي نفسها، أخذت شنطها ورحلت تركتهم خلفهم وذهبت مُعتقدة بأنها ستجده في مكان أخر، ذهبت إلى الأسكندرية وقدمت ملفها في مدرسة داخلية ووضعت هدف واحد لها آن تصبح طبيبة وتكمل حلمها وحلمه وحلم حنين ، بهذه المدرسة تعرفت علي حسن ومنها إلى كلية الطب معاُ ومازالت تحبه ومازال يسكنها حتى الآن.
_ الــواقــــع الأن _
عاد علي من عمله ودلف إلى شقته، وجد أثير تجلس مع أطفالها التؤام ذات السبع سنوات مالك و ماليكة تذاكر له وتساعدهما في واجب مدرستهما، هتف وهو يقترب منها:
- مساء الخير .
- قولت 6 عدهم تاني، مساء النور ياحبيبي
قالتها بنرفزة علي مالك وهو يكره الرياضيات ثم بنبرة هادئة، وضع قبلة علي جبينها ثم قرص أذن طفله بضجر وقال له:
- أنت علي طول مزعل ماما كدة.
تألم مالك وهتف بضجر وعناد قائلاً:
- مية ملة (مرة ) قولتلها مبحبش الحساب ده.
أنقر علي علي جبينه بتذمر وقال:
- وأنا مية مرة قولت حرف الراء يتنطق هتطلع ألدغ ياواد.
وقفت ماليكة علي الكرسي وهي تمسك كراسة الرسم وقالت بطفولية:
- بث ( بس) يا بابا أنا رثمت ( رسمت ) كل رثوماتي ( رسوماتي) .
رمقها علي بغضب وقال بتهكم:
- يابت أنطقي حرف السين يخربيتكم ولادك هيطلعوا الاتنين لدغين.
قالها وهو يقرص أثير من خدها بلطف، هتفت بمزاح تغيظه:
- ليه شايفهم تعابين قال لدغين قال ناقص تقولي لدغتهم بالسم.
رمقها بغيظ وهو يعض شفتيه بغضب من ردها المزاح عليه تغيظه، ناد جلال عليهم من الدخل فركضوا الأطفال له، حاصرها علي بأنتصار في السفرة وقال:
- حماكي ده تربيتي بيجي دايما في الاوقات الصح، كنتي بتقولي ايه ياقلبي.
أجابه بأرتباك شديد قائلة:
- بقول أحضرلك العشاء ياحبيبي.
قهقه من الضحك وهو يقف يده اليسرى حول خصرها بقوة فشهقت بقوة وخجل من فعلته فهتف قائلاً:
- أهو كله كوم والخدود الفراولة دي كوم هي اللي جبتني على بوظي.
نظرت لعيناه وهي تبتسم له بسعادة فأقترب منها ليضع قبلة علي شفتيها أوقفته بيدها على فمه ثم هتفت بخجل من وقفته قائلة:
- وأزاي الحال لو ولادك خروجوا دلوقتي.
تنحنح بأحراج وقال وهو يبعد عنها:
- يادي ولادي طلعولي في البخت طول، بابا.
دلف إلي غرفة والده وجده يجلس مع أحفاده ويقرأ لهم قصة، هتف علي بمرح قائلاً:
- يا سلام ياولاد علي القطط الصغيرين يلا يالا انت وهي قوموا كملوا الواجب مع ماما، ازيك ياعم جده أنت بتفسد العيال مش تخليهم يعملوا الواجب الأول.
ركضوا الاطفال للخارج، هتف جلال بهدوء قائلاً:
- آنا بفسدهم زي ما فسدتك كدة أطلع برا يا واد طلع لامك نكدي.
قهقه علي بسعادة وقال:
- الله يرحمك يا فوفه تعالي شوفي بيتقال عليكي ايه.
رأه يضع يده علي قلبه، فساله بقلق:
- أنت كويس ولا نروح لدكتور.
أجابه جلال بعاند قائلاً:
- دكتور ده تروحله أنت آنا زي البومب هتعمل زي خالك قعد يقولي هتموت هتموت ويقر عليا لحد ما أتكل هو واديني قاعد يلا الله يرحمه.
- يارب، هروح اغير هدومي بقي عشان نتعشي
قالها علي وهو يقف من مكانه وخرج من الغرفة...
ركضت دموع في الممر بعد سماعها بمريض حادثة سيارة علي وشك الوصول للمستشفي، خرج حسن من غرفة مريضة أخري وركض خلفها وهو يقول:
- في إيه.
- حادثة عربية دخلت في أتوبيس وهجيبه المصابين علي هنا
قالتها وهي تقف امام المصعد ووجده في الطابق السابع فركضت علي الدرج بسرعة، مسك حسن يد طبيبة زميلة ( سلمي ) وقال:
- خليكي معاها ومدخلهاش أوضة العمليات لو في عملية هعملها انا.
- حاضر لما نشوف أخرتها علي فكرة اللي بيحب بيقول بحب مش بيقعد يراقب
قالتها سلمي وركضت خلفه، أبتسم بأستهزاء وعاد لمريضته...
دلف مصطفي إلى غرفة أمها وقال بهدوء:
- ماما تعالي بسرعة أريج تعبانة...
تركت القلم من يدها هرعت مُسرعة خلفه دلفت لغرفة أبنتها ووجدتها تبكي بألم وهي تمسك خصرها بوجع، سألتها بهلع شديد:
- مالك ياأريج.
- جنبي ياماما بيوجعني أووي
قالتها أريج بألم وهي تتلوي في سريرها، لم تستطيعفعل شئ سوي أخذها للمستشفي...
وقفت دموع في غرفة الطواري تفحص المريض وهي تضع يدها علي بطنه ثم هتفت بجدية قائلة:
- ده عنده فشل كبدي حاد خديه لغرفة العمليات وأطلبي أخصائي كبد بسرعة وقوليلهم آن عنده تسدد في الأوعية الدموية.
تركته وذهب، جاء نارد ( دكتور تحت التدريب بقسم الطؤاري ) لها يركض قائلاً:
- يا دكتورة في مريضة بتشتكي من جنبها تقريباً الزايدة ملتهبة.
أخذت السماعة الطبية من حول عنقه وهي تذهب معه ثم هتفت بجدية:
- أنت دخلت كلية عشان كلمة تقربباً تتشال من تفكيرك وتكلم بثقة...
ذهبت معه ووجدت أريج علي السرير تبكي بألم وتقف بجوارها كارما في يد طفلها مصطفي عمره 8 سنوات، وقفت بجانبها ووضعت يدها على بطنها فتألم بقوة، سألتها دموع بأبتسامة ترسمها لمرضاها:
- أسمك إيه ياقمر.
أجابتها كارما بخوف قائلة:
- أريج معتصم الشربيني.
أبعدت يدها عن أريج بصدمة وأزدردت لعوبها بصعوبة وهي تراه يطلق النار علي حبيبها فهتفت قائلة:
- شوفلها دكتور مدحت يكشف عليها.
- دكتور مدحت دخل العمليات مع سواق الأتوبيس ومعه دكتورة سلمي
قالها نادر بدهشة من رفضها علاج هذه الطفلة، سار الخوف بقلب كارما فسألتها بخوف علي أبنتها قائلة:
- هي بنتي حالتها خطيرة أووي كدة أنتي تاني دكتور يكشف عليها ويسيبها.
نظرت دموع لها بأشمئزاز وغضب ثم هتفت بأستياء وغضب منها:
- شوف جراح وقوله عندها الزايدة ملتهبة ولازم عملية فوراً.
أستغرب نادر جملتها فهي جراحة وتفعل الكثير من هذه الجراحة وقال:
- حضرتك أهو مش أنتي جراحة.
صرخت به بغيظ وغضب قائلة:
- سمعت اللي قولته.
ترك حسن مريضه علي صوت صراخها وذهب نحوها، سألتها كارما بغضب من رؤية طفلتها تتألم وهي ترفض علاجها:
- هو مش حضرتك جراحة ما تعملي العملية ولا هتسيبها لما تموت وأنتي واقفة.
نظرت لها بتحدي ثم هتفت بجدية وهي تنظر لعيناها بشر يتطاير منهما:
- آنا لو دخلت اوضة العمليات هقتلها بأيدي ومش هأخد فيها ساعة حبس مريضة وماتت وفيه الف سبب.
سمعت جملتها ودهشت من نبرة التحدي ونظراتها، سمع حسن جملتها وهتف بتهكم:
- أعمليها يا دموع وثقي بقدراتك.
صرخت بأنفعال به وهي تشير علي أريج بغضب أمامها صورة والدها وهو يقتل حبيبها بقلب بارد وكيف أتصل بها ليجعلها تشاهد قتله:
- أنت أتجننت ياحسن أنت بتطلب مني أنقذ بنت الراجل اللي قتل جوزي أنا لو طولت اقتلها هقتلها زي ما قتله.
أتسعت عيناهم جميعاً بدهشة وصدم حسن من جملتها ونظر علي أريج ، هتفت كارما بدهشة:
- أنتي دموع، مرات إلياس.
تركتها ورحلت بزفر، هتف حسن بهدوء قائلاً:
- جهزوها للعملية.
وذهب خلفها يقنعها بأن تجري الجراحة لها وتنقذ طفلة ليس لها أي ذنب بأفعال والدها، ووافقت بعد معاناة...
كانت جالسة تختلس النظر لـــ حبيب بأرتباك، لاحظ نظرها فسألها بفضول:
- عايزة تقولي إيه، قوليه.
تركت من يدها كرة الخيط الصرف ونظرت له تستعد لحديثها ثم قالت:
- ماهو بصراحة كدة آنا مش عاجبني موضوع دموع وقسوتك دي، منعتني أكلمها أو أسافر لها، خليني أطمن عليها قلبي وأكلني عليها حاسة أنها في مشكلة.
أجابها بحزم يمنع النقاش في هذا الأمر ؟؟
- مشكلة إيه طمني قلبك عليها وأياك ياجميلة أعرف آنك كلمتيها ومتنطقيش أسمها تاني بقي تعرفي...
- يا حبيب دي روح إلياس أزاي ابعدها عننا، أنا لايمكن أسامح نفسي أني طوعتك وبعدتها عن عيني
قالتها بندم شديد، ترك الجريدة من يده بغضب وهو تيزفر بقوة ودلف إلى غرفته، نظرت للأرض بندم وأسف وهتفت مُحدثة نفسها بندم شديد:
- سامحني يابني سامحني يا نور عيني علي اللي عاملة بحبيبتك بقلبك...
ذرفت دموعها الحارة علي وجنتها بغزارة وندم علي موافقتها علي هجرة دموع طفلة أحبها أبنها بجنون بلا حدود حتي أصبح لا يستطيع السيطرة علي قلبه وضرباته وأبعدتها بعيداً ولم تراها وهي تكبر وتنضج ولا تعلم كيف أصبح شكلها الأن ولا كيف تشكلت شخصيتها بعد النضوج وهل أختفيت براءتها وسط قسوة العالم آما مازالت ببراءتها التي عشقها أبنها يوماً ما...
ركض حسن بعد أن غير ملابسه مُستعد لدخوله غرفة العمليات معاها يبحث عن سلمي ورأها تخرج من غرفة العمليات الاخري، أسرع نحوها ومسكها من ذراعها وهو يتنفس بصعوبة من الركض ثم هتف بتلعثم وكلمات متقطعة:
- سلمي بقولك إيه أدخلي عملية زرع الكبد مع دكتور مرسي .
صرخت بتذمر بوجهه وهي تنزع ذراعها من قبضته قائلة:
- انت بتستهبل ياابو علي أنا خارجة من جراجة 5 ساعات هدخلني جراحة وياريتها ساعة دي 5 ساعات برضو وسيادتك وراك ايه عشان تكت من الجراحة.
- عندي جراحة مع دموع متنسيش تروحي ها مفيش بديل غيرك
قالها وهو يركض يضعها أمام أمر واقع مجبرة علي الدخول بديل له...
وقفت دموع في غرفة التعيقم تكبت غضبها ولا تعلم كيف ستجري جراحة علي أبنة قاتل زوجتها ولم تنتقم منها علي ماذا بقلبها، عقمت يدها بالصابون ثم المطهر، دلف حسن آلي الغرفة وهو يلتقط أنفاسه من الركض ووقف بجانبها وهو يراها تنظر علي الزجاج علي مريضتها الطفلة وهي تحت يد دكتور التخدير مسطحة علي السرير غائبة عن الوعي وفي عيناها نظرة واحدة وهي الأنتقام من هذه الطفلة لكي تبرد نار قلبها.
هتف حسن بهدوء شديد يلمس بحديثه وتر قلبها الطيب قائلاً:
- هتنقذيها عشان دي أمانة في ايدينا يادموع ومالهاش ذنب باللي حصل.
صرخت به بأنفعال وقلبها بالداخل ينزف دماء بدلاً من عيناها قائلة:
- وأنا كان ذنبي ايه اعاني لحد دلوقتي عشان حبيبته ده ذنبي، وذنبها هي كمان انها بنته.
دلفت لغرفة العلميات بغضب وهي تنظر عليها بنار تحرق قلبها وضلوعها الهشة ولأول مرة تتمني موت مريضها وفقده بغرفة العمليات، وقفت مكانها تستعد لقتل طفلة عمرها 16 عام كل ذنبها في الحياة أن أبنة قاتل قتل حبيبها وزوجته السابقة وطفله وأمها، كل شئ حولها يخبرها بأن تنتقم لكل شخص قتله، دخل حسن ووقف مقابلها في الجهة الأخري، مد يدها للممرضة ببرود وهتفت مُردفة:
- مشرط.
وضعت الممرضة المشرط الطبي في يدها فنظرت عليه ولأول مرة تشعر بأن أحدهما أعطاها سلاح للقتل والانتقام وليس لأنقاذ مريض، بدأت في جراحتها وكلما فتحت أكثر وتري الدماء تأتيها صورته والدماء تخرج من صدره تلوث ملابسه ومعتصم يطلق عليه النار، قطع منها وريد دموي وبدات الدماء تسيل بغزارة، هتف دكتور التخدير بهلع:
- ضغط الدم بيقل بسرعة.
نظر حسن لها بصدمة فهل تسعي لقتلها حقاً لتنتقم، حاولت العثور علي مكان النزيف بعد أن أخفاه الدماء، تركت الملقاط الطبي من يدها بهلع وأدخلت يدها في الحقل تحاول الشعور بالدماء، نظر حسن لها بهدوء وهو يراها تكاد تفقد سيطرتها علي أعصابها من الخوف تخشي فقدها فمهما أرادت الأنتقام وقتلها لا تستطيع فعل ذلك، عثرت علي مكان النزيف هتفت بجدية قائلة:
- مص.
أمتصاص حسن الدماء بالأداء وأخذت الإبرة الطبية تخيط الفتح قبل أن ينزف مجدداً...
دق جرس الباب، فتحت أثير الباب وأبتسمت بسعادة وهتفت بعفوية:
- ماما إلياس جه...
دق جرس الباب، فتحت أثير الباب وأبتسمت بسعادة وهتفت بعفوية:
- ماما إلياس جه.
ركضوا الأطفال له وهم هيتفوا ببراءة:
- خاله جه.. خاله جه.
دلف إلياس ببرود ونظر للأسفل لهم وأبتسم بتكلف وهو يري ببراءتهم براءة طفلته التي تسكنه رغم رحيلها، هتف بهدوء:
- عاملين إيه.
أبتسمت أثير وهي تغلق الباب، وقالت:
- مجننيني معاهم ياسيدي، أدخل علي في الصالون.
تركهم ودلف آلي الداخل...
هتفت جميلة بغيظ قائلة:
- وأنا عايزة أشوف عيال لابني وأشيلهم علي ايدي قبل ما اموت.
أستدار حبيب لها بغضب ثم هتف بأستياء قائلاً:
- انتي مبتقفليش الموضوع دا أبدا، دموع ماتت ياجميلة فاهمة عايزة تجوزيه غيرها هو عندك لكن دموع لا فاهمة.
تتنهدت بقوة وهي تدير رأسها بحزن ثم قالت وهي تضرب قدميها بيدها قائلة:
- آنا وأنت عارفين كويس أنها عايشة وكمان فين، وابنك بقاله 9 سنين منسهاش زي تيا ورافض تماماً آنه يعرف حد غيرها، خلاص نقولوه انها عايشة ويروح يجيبها ويتجوزوا خليني افرح باأبني الواد بيكبر وعنده 41 سنة هفرح بعياله امتي.
- دموع ميتة يا جميلة وأبنك معاه شهادة وفاة ليها زي ما هي معاها شهادة وفاة له ونفرض قولناله أنها عايشة تفتكري هيسامحك ويسامحني علي كدبنا عليه كل السنين دي وقتها هتخسري ابنك بدل ما تفرحي بعياله
قالها بتحذير يمنعها من الحديث مع أبنه، فأجابته بندم:
- آنا غلطانة آني سمعت كلامك وقتها خليتني كدبت علي كل الناس بدل غيبوبة دخلتها من الصدمة تقول ماتت، أبنك ضابط ياسيادة اللواء مش غبي أنت مديله شهادة وفاة مش مسجلة لو دور علي أسم دموع في السجل هيعرف كل حاجة عنها ووقتها عمره ما هيسامحنا فكر ازاي نصلح المصيبة دي .
فتح باب الغرفة ودلف إلياس بعد أن سمع جملتها الأخير، وقال:
- مصيبة ايه خير ياأمي.
أزدردت لعوبها بدهشة ثم هتفت بأبتسامة مزيفة:
- مفيش ياحبيبي ده الولية اللي ساكنه فوقنا مجنناني بعيالها بقول لأبوك يكلم جوزها، تعال نتغدا لاحسن أنت واحشني جدا، بقي ياواد يابكاش مشوفكش كل الشهور دي ايه ياواد مبتفتكرش أن ليك ام تسال عليها.
وأخذته وخرجت من الغرفة، دلفت أثير لوالدها بصدمة بعد أن سمعت حديثهم وسألته بتلعثم:
- بابا دموع عايشة مماتتش زي ما أنت قولت.
صرخ بها بغضب من حديثها وذكري أسم دموع من الجميع:
- يوووووه بقي أنا ناقص.
- بابا في حاجة كدة متعرفهاش، إلياس متجوز دموع لو عايشة دله عليها دي مراته وفي اللي يثبت ده
صعقت من حديثها فهو فعل كل هذا حتي لا يتزوجها والآن هو بالفعل زوجها، مسكها من معصمها بقوة وعيناه تشع نار من الغضب وقال:
- متجوزها ازاي.
تألمت من قبضته وهتفت بخوف من والدها:
- عرفي يابابا وهو معاه نسخة وهي كمان.
- طب اسكتي متنطقيش بحرف وأياكي تقولي حاجة لجوزك
قالها حبيب وهو يترك يدها بزفر وخرج خلفهم...
أنتهت من الجراحة فنظرت علي يدها مُرتدية القفازات البيضاء ملوثة بالدماء وترتجف لم تصدق بأنها أنهت الجراحة دون أن تأذي هذه الطفلة، نظر حسن عليها و رأها في صدمة نفسية كبيرة بالتأكيد تعيش في ماضيها الأليم الأن كاد أن يتحدث لكنها خرجت تاركة الجميع خلفها وعيناها ثابتة علي يدها رأت يد تمسك يدها، رفعت نظرها ورأت كارما فهتفت بهدوء:
- انا متشكرة جداً أنك عن عملتي العملية.
جذبت يدها بقوة من قبضتها وذهبت باكية، نظرت كارما عليها وقالت مُحدثة نفسها بسرية:
- عايشة وإلياس أتهمني أنا ومعتصم بموتك، في حاجة غلط.
أستدارت ورأت حسن يخرج من غرفة العمليات فأسرعت إليه تمسك طفلها بيدها، وقالت بخفوت:
- لو سمحت.
نظر حسن لها وقالت مُبتسماً بأستعجال:
- ايوة بنت حضرتك طالعة حالا.
- أنت تعرف جوز دكتورة دموع
سألته بأستسفار، دهش من سؤالها وقال:
- إلياس الله يرحمه لا عمري ما شوفت عن أذنك .
ذهب يبحث عنها، فهتفت بذهول أكبر قائلة:
- الله يرحمه إلياس مات ده امتي.
خرجت أريج من غرفة العمليات مع الممرضات ثم ذهبت آلي الغرفة، أجلست كارما طفلها بجوار أخته وهتف بحذر:
- هعمل مكالمة تليفون اوعي تتحرك من هنا يامصطفي.
أبتسم لها وقال ببراءة:
- حاضر يا ماما.
خرجت من الغرفة وأخرجت هاتفها وضغطت علي أسمه إليــــــاس .
دلف إلياس الي شقته مساءاً فتهف بسعادة وهو يغلق الباب قائلاً:
- دموع أنا جيت، تعالي ياحبيبتي شوفي أنا أشترلك ايه.
وضع الشنط من يده علي السفرة ثم أستدار متمتماً:
- بصي بقي ياحبيبتي أنا عجبني الفستان ده فأشتريته متأكد أنه هيعجبك أوي.
نظر لصورتها الكبيرة المُعلقة علي الحائط بحجمه ودمعت عيناه بوجع ثم جلس علي كرسيه الهزاز بتعب وقلب مُنهك قتله الفراق وأغمض عيناه...
فتح إلياس عيناه بتعب وجد نفسه في غرفة بالمستشفي والمحلول الطبي معلق بالكانولا في يده وبداخل فمه أنبوب مثبت باللاصقات الطبية لم يستطيع الحركة أو نطق شئ، هرع حبيب له وقال بسعادة:
- إلياس أبني.. يادكتور يادكتور.
أسرع للخارج يحضر الدكتور، فدلف معه وفحصه جيداً، خرج حبيب من الغرفة وأتصل بزوجته يطمئنها علي أبنها وقال:
- إلياس فاق.
نظرت بذهول علي دموع وهي بسريرها تبكي صامتة وقالت بخفوت:
- دموع كمان فاقت.
عادت الروح لجسدهما بنفس التوقيت لكن العالم فرقهما ولا يقبل بجمعهما معاً، أغلق معاها ودلف آلي إلياس ووجدت الدكتور نزع عنه الاجهزة فسأله بتعب وهو يبحث عنها وهو يتذكر بأنه رأها هناك حين أصاب:
- دموع كح كح دموع فين يابابا.
أردف الدكتور محذراً له بشدة قائلاً:
- بلاش كلام أنت قلبك مفتوح أحمد ربنا أنك عايش لحد دلوقتي إحنا عملنا اللي نقدر عليه عشان نطلعك عايش دي معجزة آنك تاخد رصاص في القلب وتفضل عايش لحد ماتوصل المستشفى...
تذمر بضيق ونرفز وأعاد سؤاله بتعب:
- كح كح دموع فين كح يا بابا.
نظر حبيب للأسفل بحزن مُصطنع ثم للدكتور بحدة، فهتف الدكتور بأسف مصطنع:
- البنت اللي جت معاك من أسبوع البقاء لله دخلت غيبوبة من الصدمة وتوفيت من يومين.
أنقبض قلبه وأتسعت عيناه بصدمة وهو يحاول القيام من السرير ودمعت عيناه، حاول حبيب إيقافه فصرخ به وهو يدفعه بقوة وقلبه يعتصره الألم من صدمته قائلاً:
- أبعد عني، دموع عايشة مماتتش أنتوا دكاترة حمير مبتفهموش.
نزع عن يده الكانولا فنزفت يدها ووضع يده على صدره يؤلم الجرح مع ألم فراقها الذي لا يصدقه، ونزل من سريره وكاد أن يسقط مسكه الدكتور فدفعه بقوة أسقطته على الأريكة، خرج من الغرفة وخلفه حبيب والدكتور يصرخ بأسمها بتعب:
- دموع كح كح دمـــوع كح كح دمــ...
سقط على الأرض فاقد الوعي من الصدمة وألم جسده المصاب بعد تلقي رصاصتين وغيبوبة دامت لأسبوع يصارع الموت بها من أجل البقاء معاها والوفاء بوعوده الذين وعد بهم...
هتف بصوت مبحوح ودموعه تتساقط بوجع وتعب من المعاناة وحده مُحدثاً صورتها قائلاً:
- بيقولوا أنك موتي وسيبتني، ميعرفوش أنهم لو جابوا مئة شهادة وفاة عمري ماهصدق آنك مشيتي أنا حاسس بيكي يا دموع قلبي حاسس بيكي وبقلبك، لسه عايشة جوايا...
بتر حديثه رنين هاتفه برقم محفوظ تحت أسم كارما أجابها بتهكم قائلاً:
- آلو.
- أزيك يا حضرة الضابط
قالتها كارما بأستياء، فأجابها بملل:
- عايش خير.
عقدت ذراعها أمام صدرها وهتفت بغيظ شديد قائلة:
- يعني مراتك طلعت عايشة اهي ولا ده يكون شبحها وأنا مش واخدة بالي.
أعتدل على كرسيها بأستغراب شديد وقال:
- مراتي مالها، مراتي مين.
هتفت بنرفزة شديدة صارخة به قائلة:
- مراتك دموع هانم مكنش في لزوم للخناق قدام ولادي وتعرفهم آن أبوهم قاتل.
وقف بصدمة ألجمت لسانه بعد أن سمع جملتها ثم هتف بتلعثم وكلمات متقطعة تكاد تخرج من صدره قائلاً:
- دموع عايشة، انتي فين.
- في إسكندرية
قالتها بغيظ شديد منه، أخذ مفاتيحه وخرج مسرعاً من الشقة وعاد نبض قلبه مجدداً وقال مُتمتماً:
- آنا جايلك هي فين بالضبط، خليكي معاها متسبهاش...
دلف حسن صباحاً آلي الغرفة بعد أن طرق الباب وأذنت له، رأها تقف أمام مرآة طويل بجوار مكتبها وتلف وشاحها الصوف حول عنقها فهتف مُبتسماً:
- خلصتي.
أجابته وهي تستدير تأخذ الطاقية الصوف من فوق المكتب قائلة:
- آه بقالي 26 ساعة صاحية بسبب الحادثة لا كلت ولا نمت.
أستدارت للمرآة ترتدي طاقيتها الوردي فوق رأسها وترتب شعرها الذهبي القصير علي كتفها وظهرها، جلس فوق المكتب وقال بمرح:
- يبقي أعزمك علي الغداء، عاجبني أوي الطاقية دي دكتورة غنية معكيش فلوس تجيبي طاقية من يوم ما عرفتك وأنتي مبتغيرهاش كل شتاء بيها.
أخذت هاتفها من جيب البلطو الابيض وهتفت بفخر وسعادة ممزوج بحزن:
- دي هدية مميزة من إلياس حبيبي جابهالي أول شتاء لينا مع بعض الكوفية دي والطاقية ومعاهم جوندي عشان بيخاف عليا من البرد والساقعة.
وقف معاها بحب وهتف مبتسماً مغموراً بحبها لهذا الإلياس:
- بتحبي أوي كدة، نفسي أعرف عملك ايه عشان تحبيه اووي كدة كل السنين دي.
خرجت معه وأغلقت باب مكتبها وهي تقول بنرة دافئة طفولية وعيناها تبث منها حبها الحزين الذي يسكنها:
- هو الوحيد اللي بيقدر يحتويني وقت ضعفي وخوفي بيخاف عليا من الدنيا كلها حتي من نفسه بيحميني من نفسه، هو الوحيد اللي ماسكة أيده لها طعم وإحساس مختلف عن كل الناس وكل الرجالة، إلياس مش بس حبيبي لا كمان أول راجل في حياتي وأول مرة حد يمسحلي دمعتي بأيده كان هو، لو فضلت أحكيلك مش هعرف أعبر عن لحظة واحدة بعيشها معاه وبين أيده.
خرجوا من الباب الخلفي الذي يوصل لجراج السيارات، سألها بهدوء شديد قائلاً:
- ممكن أسألك سؤال.
أشارت إليه بنعم وهي تفتح سيارتها وتركب في كرسي السائق، فركب بجوارها وهتف بأحراج:
- أنتي عندك 26 سنة منفسكيش تكوني ام علي الأقل تلقي سبب تعيشه عشانه بدل الذكريات اللي عايشة فيها...
أجابته وهي تضغط على زر تشغيل المحرك مُبتسمة بفخر من حالها قائلة:
- آنا الراجل الوحيد اللي ممكن يكون اب لولادي هو إلياس ومادام راح يبقي مفيش ولاد وعمري ما هسمح لراجل غيره يلمسني.
أبتسم عليها وقال بمرح شديد:
- راحت عليك يامدحت، معرفش الراجل الحمار ده اترفض مرة بيحاول تاني ازاي معندوش دم ولا كرامة رجولته مبتنقحش عليه.
قهقهت ضاحكة عليه وهي تقود، تأمل ضحكتها بسعادة فهي مثل البدر لا تطل سوي مرة واحدة في الشهر وأحيانا يعجز عن اخراجها من بين شفتيها...
وصل إلياس آلي المستشفي مع أذان العصر بعد أن قاد كالمجنون طوال الليل ليصل لها لا يعلم ماذا حدث وكيف ولكن هناك أمل بأن تكون هي وحية، صعد ركضاً الي غرفة إريج ودلف وجد سلمي تفحصها وبحانبها كارما هتف بتلعثم من الركض:
- دموع فين.
- معرفش هي عملت العملية
قالتها كارما بأستياء منه، أعاد سؤاله لــ سلمي .
رفعت نظرها له وقالت بدهشة:
- قصدك دكتورة دموع بتاعتنا، تلاقيها خلصت ورديتها من ساعة كدة، أنت جوزها ؟؟.
فسألها بدهشة من سؤالها قائلاً:
- أنتي تعرفيني.
أنهت فصحها ووقفت ثم قالت مُردفة:
- طبعاً صورك في كل مكان في مكتبها، عموماً هي خرجت من ساعة.
خرج معاها من الغرفة بسعادة بعد أن تأكد بأنها هي طفلته مادام معاها صوره، فأعاد الأسئلة عليها:
- بيتها فين.
- بيتها متحرك معاها متعرفش توصله
قالتها وهي تبتسم له، فأجابها بدون فهم:
- أزاي مش فاهم.
توقفت عن المشي ونظرت له ببسمة ثم أردفت بسخرية مزاحة قائلة:
- دكتورتنا الجميلة معندهاش بيت، بيتها الوحيد عربيتها وخدتها معاها وهي خارجة تقدر تستناها هي مش هتتأخر برا.
تركته ورحلت لعملها وقف بصدمة في مكانه أحبيبته لا تملك بيت تعيش بسيارة وماذا حدث أخر في حياتها...
صرخ حبيب بها بغضب قائلاً:
- أبنك طلع متجوزها، متجوز رقاصة جوز أمها تاجر مخدرات وأمها مقتولة وعاشت وسط الرجالة.
تمتمت بهدوء شديد مقابل غضبه قائلة:
- شوفت عشان كدة قولتلك فكر في حل الموضوع ده آنا كمان ضميري واجعني وندمانة أني طوعتك كان لزومها إيه ننقل البت من المستشفى وهي في غيبوبة بين الحياة و الموت ونقوله ماتت حبل الكدب قصير وربنا سترها سنين نصلح غلطنا بقى قبل ما يكتشف ونخسره ويوم لما يعرف هيروحلها هي وأحنا آللي هنخسر...
- دلوقتي بقيت آنا اللي غلطان مش كان عاجبك الحل ووافقتني عليه
قالها بنرفزة وهو يجلس على كرسيه، فهتفت بهدوء:
- حاول تلاقي حل دي مراته في النهاية.
صمت بغضب مكتوم بداخله...
أنهت غداها مع حسن وركبوا السيارة وقادت به وهي تكاد تفتح عيناها من التعب، ضغطت على الفرامل فجأة حين رأت أمامها حادث صدام وفرار، ترجلت من سيارتها معه وجدت شاب في مقبل عمره بجانب موتسكيل ويرتدى خوزة علي رأسه، شقت قميصه بمهارة وهي تقول:
- أتصل بالاسعاف ياحسن بسرعة.
وضعت يدها علي بطنه وشعر بنزيف داخلي وبطنه تضخم شئ في شئ...
جلس في الاستقبال ينتظرها على نار إحر من الجمر وهو يتذكر ذكرياته معاها وكيف كانت بسمتها وعيناها الخضراء وهل كبرت وكيف أصبحت هل ستعرفه حين تراه، كيف أصبحت طبيبة وكيف مظهرها بزي الطبيبة، قطع شرودها صوت سيارة إسعاف تقف أمام الباب والجميع يركض للخارج، وبعد ثواني دلف سرير متحرك عليه مريض غارق في دماءه وهي تجلس علي ركبتيه فوقه وتضغط على صدره تنعش قلبه وتتنفس بقوة، وقف بذهول حين رأها بالفعل هي حبيبته الصغيرة لم تتغير كثيراً قصت شعرها ومازالت نحيفة وقصيرة ضئيلة الحجم وترتدي طاقيتها ووشاحها، ذهب خلفها مسرعاً والممرضين و حسن يدفعوا السرير بقوة مُتجهين لغرفة العمليات، قفزت من فوقه بسرعة وهتفت بقلق قائلة:
- آنا هغير هدومي بسرعة خليهم يبدوا.
أشار إليها بنعم وركضت بسرعة وهي تخلع طاقية ووشاحها، رأه حسن وصدم صدمة ألجمته وكيف لميت آن يحي، مسكه من ذراعه فنظر إلياس له ببرود، هتف حسن بتلعثم:
- إلياس.
- أنتوا كلكم تعرفوني بقى
قالها بأستفزاز يريد الذهاب لها، أخذه حسن بالقوة وهو يسأله:
- دموع شافتك.
أشار إليه بلا، فأكمل حديثه مجدداً:
- يبقى متخلهاش تشوفك، أنت متعرفش حالتها عاملة أزاي وممكن يحصلها آيه لو شافتك، في مريض بيموت في اوضة العمليات لو شافتك هترفض العملية ممكن تستناها بعد العملية، بالمناسبة آنا حسن صديقها الوحيد بعدك، ايه رأيك نشرب قهوة سويا واهو أحكيلك حالتها عاملة أزاي وعايشة ازاي.
نظر للممر الذي ذهبت به ثم أشار إليه بنعم وذهب معه، إرتدت زي العمليات ودلفت بعد التعقيم ولم تجده في الغرفة، بدأت جراحتها كالمعتاد روتين يومي لها...
أشتروا القهوة من الكافتريا وذهبوا آلي غرفتها و حسن يحكي له ماذا حدث منذ أن فاقت من غيبوبتها وأخبره بموته حتى الآن وكيف أصبحت دكتورة ترفض شراء بيت لها وتعود له بعد عملها ولم تجده به كما اعتادت، سأله إلياس بفضول:
- وازاي أخدت الحاجات دي من بيتي.
- والله ده تسأله للي دبر موتها ليك وموتك ليها بس مش محتاجك تفكيري اكيد ودوها وأنت مش في البيت وقالولك آنهم رموا حاجاتها بسيطة.
قالها حسن بغضب، فكر بحديثه وغضبه يزيد بداخله من والده ووالدته وكيف خدعه طوال السنين آلتي مرت، كيف كذبه عليه وحرمه من حبيبته وزوجته وعذبوا قلبه معاهم، وقف من مكانه وهو يتفحص المكان وصور خطبتهما على مكتبها ودمياتها التي أشتراهم لها علي سريرها الصغير، خرج حسن من الغرفة وتركه فتح أحد الادراج وهو يجلس علي كرسي مكتبها ورأي جميع الدفاتر وردية فتح أحدهم ووجود أسمه بها وورقة زواجهما وشهادة وفاته المزورة، قرأ المكتوب وعلم بأنها في نهاية كل يوم تكتب له ما حدث معاها قرأ جميع الدفاتر وهو ينتظرها تخرج من الجراحة، فتح الباب ودلف حسن مبتسماً:
- دموع خلصت.
ترك ما بيده وخرج مسرعاً معه، هتف حسن محذراً له بخوف:
- خد بالك دموع منامتش بقالها 30 ساعة ونص، اوضة العمليات آخر الممر هتلاقيها طالعة دلوقتي.
ذهب حسن فركض مسرعاً آلي هناك فرأى الباب الزجاجي يفتح وتخرج منه وهي ترتدي تيشرت وبنطلون أزرق اللون زي العمليات وبيديها قفازاتها البيضاء وعلي رأسها طاقية طبية وفوق فمها كمامة لم يظهر منها سوي عيناها الخضراء وبقدمها حذاء طبي، توقف مكانه ينظر عليها وهي تخلع قفازاتها بتعب وتثني رقبتها يمين ويسار بأرهاق وعيناها تكاد تفتحهما، رفعت رأسها للأعلي لكي تقوس ظهرها للخلف فوقعت عيناها عليه...
تااابع ◄ راقصة الحانة