رواية حب خاطئ الفصل الرابع عشر

 

 

 

- جزاء وجهكِ الجميل تقبيّلهُ حد الثمل، فما علاقة خديكِ بغزل البنات من أعطى حمرته لِمن؟ (مقتبس) -.

ـ إنزلي في الدواسة إنزلي..
هدر بقوة وهو يقذف الهاتف خلفها وأردف مستطردا: اتصلي بـ قُصيّ أو آدم بسرعة.
أومأت بخوف وهي تترك المقعد وجلست في الأسفل تمسك الهاتف وجسدها يتطوح يمينا ويسارا من حركة السيارة العنيفة ووجهها مصفر من الخضة.
زاد من حدة سرعته كي يتخلص من تلك السيارة لكنها كانت إليه بالمرصاد، تحاصره من الجانب وتنعطف معهُ تسير جنبا إلى جنب.
قالت بخوف تتمسك بالكرسي: محدش بيرد!

زفر بعصبية وضغط على المكابح بيأس وهو يحاول الفرار بأي طريقة وعينيه مُعلقة على السيارة بتجهم يُحاول رؤية وجه الرجلين في السيارة لكنهُ لم يعرف لأنها كانا ملثمين.
اقتربت السيارة منهُ أكثر بشكلٍ مُريب وأخرج أحدهما مسدسه من النافذة وضغط الزناد دون تفكير كي يتخلص منهُ.
اتسعت عينيه وتحرك بسرعة بديهية وانحني ليتهشم زجاج السيارة وتناثرت شظايا الزجاج فوق ظهره.

اتسعت عينيها حتى كادت تسقط من محجريها عِندما اخترق الصوت أذنيها، وصرخت بهلع وأمسكت ذراعه بخوف وهي تهتف باسمه بهيستيريا: عمّار، عمّار، عمّار.
ربت على يدها و طمأنها بلهاث وهو يعتصر رأسه يفكر في كيفية الخلاص من هذا الحصار المُعلن عليه: متخافيش متخافيش إهدي، مش هموت قبل ما أدخل..
ارخت قبضتها عنهُ وردت بعدم استيعاب وهي تهز رأسها: أنت بتقول ايه؟

أردف بإحباط يحثها على متابعة الإتصال: اتصلي بس و هقولك بعدين.
أومأت وعادت تحاول الإتصال بـ أعصابٍ تالفة وأناملها ترتجف تحت أنظار عمّار الذي كان يتمنى لو يطمئنها ولو بكلمه، لكنها هي من بادرت وسألته بأعين دامعة وشفتين مرتعشتين والخوف يسيطر عليها متوقعة الأسوأ: عمّار أنت مسامحني صح؟ مش زعلان.
هزّ رأسهُ باستنكار غير مصدقًا ما تفوهت به الآن! هل بعد كُل هذا تظن أنه غاضب؟

أردف بتهكم بوجه ممتقع مزدري أيما إزدراء: إنتِ يهودية ولا إيه؟ بعد كل ده وبتسألي مسامحني؟، هزّ رأسهُ بسخرية واستطرد بدون تعبير: أنا عِرفت خلاص أنتِ مش مصدقة نفسك وفاكراني زعلان صح؟ أنا فعلا زعلان وهزعلك اكتر لما نروح المطعم لو وصلنا يعني؟

أطرقت برأسها بحزن وهي تدعو داخلها أن يصلا سالمين غانمين، فطرفع جسده ينظر إلى الطريق عِندما شعر بالهدوء فجأة، فوجد السيارة سبقته وتخطت سيارة النقل الكبيرة التي توقفت في منتصف الطريق عرضًا أمامهما.
شتم بصوتٍ مُرتفع غاضب جعلها تشهق بتفاجئ ورفعت نظرها إليه بسبب لفظه البذيء، فلم ينتظرها أن تتفوه بحرفٍ بل رفعها من ذراعها بقوة أفزعها وأجفلها عِندما اجلسها فوق قدميه وأحاط خصرها بقوة.

اجتاحها الخجل وهمست بتلعثم وهي تقبض على الهاتف في يدها ووجهها يتدرج بألوان قوس قزح: إنـ، إنت، هتعمل، ايه؟
هتف بتهكم وهو يفتح باب السيارة ليلفح الهواء جسديهما بشدة: أصل ده وقته ده غمضي عينك وأمسكِ فيا جامد يلا..
أومأت بخوف وتشبثت في ملابسه ودست رأسها في صدره فألقى بجسده خارج السيارة دون أن يلفت نظرها لهذا ليبدأ رنين صرخاتها المرتعبة وهي تشعر بتدحرجهما فوق الأسفلت بعنف بسبب سرعة السيارة.

فاصطدمت سيارته بالأخرى بقوة وثوانٍ قليلة وتفجرا السيارتين معًا.
أستقرا جسديهما في وسط الطريق، فكان يجثم فوقها ويضم رأسها إلى صدره باحتماء كي لا تتأذى وهو يلتقط أنفاسه الهادره بلهاث و إنفعال بينما هي كان مغشي عليها، ألقي نظرة عابرة على السيارة المندلعة النيران داخلها متمتما لنفسه بحسرة واللهيب ينعكس في مقلتيه: قُصيّ قالي والعة معاك و أهي ولعت فعلاً..

رفع جسده وهو يتأوه بقوة شاعرا بالحرقة في ظهره المجروح كأنه تعرض للجلد بالسوط لساعات، اعتدل جالسًا بعد أن ربع قدميه ورفع رأسها برفق ووضعها فوق فخذه وأخذ يداعب وجنتها بنعومة هامسًا بإسمها بخفوت: ليلى، ليلى..
ظلت ساكنة بين يديه فتنهد بحزن وهو يمسح على شعرها برفق ثم أمسك قبضتها وفارق بين أناملها وأخذ الهاتف وحاول مهاتفة قُصيّ أو آدم لأنه لا يري سيارات تمر كي يعود معها..

ظلّ جالسا لبعض الوقت يتأملها بهدوء وسكينة وصوت الرياح المزمجرة ما كان يسمع حتى قرر أن يُهاتف الشرطة التي ستأتي متأخرا وهو متأكد من هذا وأعاد الأتصال بـ قُصيّ بيأس من رده.

أطلقت تأوه خافت وهي تفارق بين جفنيها ببطء وأفرجت عن مقلتيها اللامعة وهي تئن ليقابلها وجهه الباسم، طرفت وهي تستذكر ما حد لتتسع عيناها وتتحرك سريعا منتصبة لكن يديه التي ثبتت كتفها مع قوله بهدوء واطمئنان: خليكِ مفيش حاجة حصلت متخافيش إحنا بخير، في حاجة بتوجعك حاسة إنك اتعورتي؟
هزت رأسها بنفي وسألته بلهفة وهي تنتصب جالسة بعد أن قامت بثني قدميها أسفلها: إنت اللي كويس شكلك تعبان بجد؟

تألقت إبتسامه حانية فوق شفتيه ونفي وهو يسحبها من خصرها مقربًا إياها منهُ أكثر: أنا كويس جدًا متقلـ، أتشوووو.
عبست وتحسست جبينه براحه يدها بقلق وخوف وهي تضم شفتيها ليبتسم جراء شعوره بالسعادة بسبب هذا القلق.
هبطت يدها من جبهته وتحسست ذقنه بنعومة وهي تبتسم ثم همست بخفوت وعينيها تلمع بحب: تعرف إني بحب دقنك أوي؟
ـ وأنا بحب شعرك..

قالها بشاعرية كمن وقع في الحُب سهواً وعينيه تسير فوقه لتقهقه بنعومة وهي تسند رأسها إلى كتفه هامسة بدلال: عارفة إنك بتحبه.
تنهد بحرارة وهو يشدد قبضته فوق خصرها كأنه يلفت نظرها لشيءٍ ما أثناء لفظة بإسمها بيأس ومتابعة قوله بفقدان أمل: ليلي النهاردة كتابنا كتابنا صح؟
أومأت بحركة بسيطة وهي تبتسم بعذوبة ليردف متابعًا بحرارة بصوتٍ عذب هادئ: طيب في حاجتين بيحصلوا اليوم ده تحبي تعرفيهم؟

أومأت باهتمام ورفعت رأسها تنظر إليه بتركيز مدققة في ملامحه دون أن تنتبه لعيناها التي تسحره كُلما نظرت بها: أحب طبعا..
أومأ بابتسامة وهتف بسعادة محايدًا: حلو أول حاجة حُضن كتب الكتاب وتاني حاجة البوسة تمام؟
أومأت إليه وهي تزدرد ريقها بتوتر وتدرجت وجنتها بالحمرة بتلقائية ليتسطرد بشغف وهو يقرب وجهه منها حتى تلامسا أنفيهما: أنا خدت الحُضن فين البوسه بقي؟

خجلت وتهربت من نظراته وهي تشيح بوجهها عنهُ بارتباك هامسة بنوعٍ من التوبيخ: ايـ، ايه، اللي بتقوله ده يا عمّار؟ إحنا في الشارع وسط الطريق مش لوحدنا!
ارتفعت يده على ظهرها ومدّ الأخرى إلى وجنتها بأنفاس متهدجة ومشاعر جياشة مبعثرة وخضراوية تومض برغبة في أتم الإستعداد كي يُقبلها لكن يتوقف رهن إشارتها..
رفعت يدها وأنزلت يديه وهي تسبل جفنيها هامسة بخجلٍ مُفرط: مش هنا يا عمّـ..

ـ ما تديله البوسة بقي وخلصينا الواد هينهار؟!
شهقت ليلى بتفاجئ عندما سمعت صوت قُصيّ الساخر الذي لم يكن في أوج حماسة ولا سعادته مثل كل يوم.
لعن عمّار من تحت أنفاسه ورفع الهاتف الذي تركه مفتوحا وشاكس ليلى ريثما يرد قُصيّ ونسي أمره دون أن ينتبه.
سأله ممتعضا وهو يلعنه بداخله: أنت هنا من أمتي؟
قهقهة وقلد نبرتها بدلال: عمّار تعرف إني بحب دقنك أوي؟

زفر عمّار وأردف ساخطًا: ماهو الفقر اللي أنا فيه ده دلوقتى بسببك وبسبب عينك المقورة، والله يا قُصيّ أنا لو سمعت صوتك تانى هزعلك..
ضحك قُصيّ بتعجب وسأله بعدم فهم: أنا عملت لك ايه بس! حصل ايه؟
تنهد بـ همٍ وقال متأزمًا: أضرب عليا نار والعربية إتفجرت..
هتف بقلقٍ شديد وملامحه تتجعد بضيق: يا ساتر يارب انتوا كويسين؟

أومأ وقال بنبرة مطمئنة وهو يضمها: أه الحمد الله كويسين وابعتلي عربيه عشان أحنا قاعدين في الشارع زي الشحاتين، مبعدناش كتير عن سانت كاترين وبسرعة يا قُصيّ لأني متلج.
همهم بتفهم وهو يفكر ثم سأله ببعض الاستنكار وهو يرفع حاجبه: يعني المفروض كنتوا تموتوا وحدثه وكده وبتقولها هاتي بوسه كتب الكتاب؟ يا بني شربها عصير ولا ميه تسند قلبها من الخضة جتك نيلة.

عيل صبره وهدده بسخط والحمى تزحف إلي جسده: كلمة زيادة وهخرجك من حياتي.
قهقهة قليلا وهو يشد على شعره بقوة يصارع ألمه وهو يركل الحائط عدة ركلات خفيفة ثم قال بهدوء أخفى خلفه حزنه العميق: تمام العربية هتوصل على طول مش هتتأخر، وتبقي اتصل تاني لما توصلوا.
كاد يغلق لكن استوقفه سؤال عمّار المستفهم: صوتك ماله؟

قال بثباتٍ زائف وهو يلقي بجسده على المقعد خارج الغرفة المحتجزة بها جـنّـة: مفيش، مفيش، انا كويس، مع السلامة.
أغلق معهُ متعجبًا نبرة صوته ثم سأل ليلى واقترح: بردانه؟ نقرب ونقعد جنب العربية عشان تدفى شويه؟
قهقهت ونفت وهي تريح رأسها على كتفه بينما يدها اتمدت للكتف الأخر تمسده برفق هامسة: لأ أنا كده كويسة..
بينما في المستشفى..

أستقر قُصيّ على المقعد دون حراك و ظل شاردا يحدق في العدم وهو يستذكر لحظاته مع عشق عِندما فقدت طفلها بسبب عمهُ، هاهو يتكرر الألم من جديد، فهو يعشق الأطفال ولم يكره كونها حامل رغم غضبه منها. ، حتى عشق أخبرها أنه لا يُريد أطفالا لكنه لو عرف أنها حامل رُبما كان سيغضب قليلا وسيتلاشي الغضب بعدها.

يعرف أن هذا عقابا سواء إليه أو إليها، فهو متوقع كل شيء سيء قد يحدث إليهم لا يتوقع حدوث أي شيء جيد في حياته بتاتا، فما فعله في عشق لا يغتفر وما فعلته هي الأخرى لا يغتفر يستحقان ما يحدث لهما و ما سيحدث.

فقط كل ما يثقل كاهله ويرعبه غرام وريمة يخاف عليهم بطريقة مريضة، لا يتخيل قط أنه قد يستيقظ يوما ويجد شقيقته ضحية كـ عشق بسبب وقوعها بفخ الحب من قبل قُصيّ آخر حقير مثله، نعم هو حقير ويعترف أنه أحقر من أي شخص على وجه الأرض.

يُريد إخفاء كلتاهما عن أعين الجميع وفصلهم عن العالم، ومنعهم من التعاطي مع بشر، إنه يرى النقاء بهما ولا يُريد أن يتلوثا بسبب وجوده في حياتهما، ليس ذنبهم إنه زاني، تلك الكلمة كُلما تخطر إليه لا يستطيع حصر كم الاشمئزاز والقرف الذي يجتاحه كُلما تذكر ماهيته.

مُدنس هو في عين نفسه قبل أعين الجميع، للمرة الأولي يشعر بالندم ويتعمق بهذا القدر في التفكير ويراجع جميع ما حدث معهُ في السنوات السالفة، لو فقط قال لا وصفعها كما أخبرته ريمة لم تكن حياته لتأخذ هذا المنعطف و لم يكن لـ يشعر بتلك البعثرة داخله والتي يحياها الآن بسبب النساء، إنه أصبح الأسوأ في كل شيء لم يتقدم في حياته قط، حتى اكتفائه بـ إمرأة واحدة لم يعد يجدي ولا يكفيه، لقد إكتسب جميع الصفات التي كان يبغضها سابقاً ويسخر من حامليها لـ تتمثل في شخصيته الجديد المنفرة لأي إمرأة قد تعرفها عدي التي تهيم به عشقًا والتي لا تعرف عنهُ شيئاً.

ـ يا أستاذ!، أستاذ!، أستاذ!
رفع قُصيّ رأسهُ إليها بملامح تائهة قبل أن يستجمع تركيزه ويقف سائلا بقلق: هي كويسة؟
أومأت الممرضة وشرعت بالحديث: هي نايمة دلوقتي بترتاح تقدر تشوفها كمان شويه، حمد الله على سلامتها ربنا يعوضكم.
ابتسم في وجهها بلطف وراقب ذهابها لكن توقفت وعادت أدراجها أمامه عِندما تذكر قول الطبيب: الدكتور قالي أبلغك تروحله المكتب محتاج يشوفك.

أومأ بهدوء وهو ينتصب ووقف لتغادر الممرضة ووثب هو إلى جـنّـة.
كانت راقدة في الفراش ساكنة، شعرها مبعثر حولها فوق الوسادة، شاحبة الوجه، وباهتة، محقون بيدها كيس دماء عوضا عن الذي فقدته.
جلس على طرف الفراش بجانبها وظل ينظر إليها لوقتٍ جهل قدره، إنها لم تعد حامل يمكنهُ تركها بسهولة وقتما يشاء ولن يلومه أحد.

يشفق عليها كثيرًا، هو أكثر من يحزن عليها، والدها ذلك المريض دمرها مُنذُ طفولتها، رسخ داخل عقلها أفكار عدائية وزرع الحقد داخل قلبها أماته، وراقبها تكبر أمامه كـ مسخ بكل رضى، كان يؤهلها لأجل انتقامه هو وليس هي، انتقامه من كل شخص كان أفضل منه، من سخر منهُ، من استخف به، انتقامه من شقيقة، من أصدقائه، أولاد أصدقائه، الجميع، من العالم الذي نبذه، من زوجته وصديقه وإبنة صديقه لم يترك من لم يؤذيه، قلبه ممتليء بحقدٍ يسع العالم، يحيا ويتقدم كي يؤذي لا هدف لديه في هذه الحياة سوى القتل وتعذيب الأشخاص. ، يجد لذه لا توصف وهو يؤذي البشر، كما كانوا يتلذذون بـ ذله ونبذه والتقليل من شأنه، نسوا لكنهُ لم ينسى، ولن ينسى.

كل شيء كان سيكون بخير إن رفضت هي وأذعنت إليه! لكنها تملك رأس متسيبة، ولا يعرف أحقًا هي من تريد أن تفعل هذا باستماتة ورغبةً منها أم أنه هددها وعاد يضربها كما كان يفعل دائما! إنه عدوها الحقيقي وليس عشق، فقد لو تتعقل أو تنظر للأمور بطريقةٍ أخرى لفهمت أن والدها هو المؤذي والمدمر الحقيقي وليسوا هم.

أطلقت صوتا مُتألم خافت وملامحها تتقلص من بشاعة الألم الذي تشعر به دون أن تفتح عينيها، فتنبهت حواسه ونظر إليها مشدودًا.
دنى منها مسح على شعرها بخفة وسأل بصوتٍ مُنخفض كي لا يزعجها إن كانت غافية: جـنّـة صاحية؟
هزت رأسها ببطء وهمست بحلق جاف وهي تشعر بألمٍ مُبرح: عايزة أشرب.
نظر حوله باحثًا عن مياه فلم يجد، فوقف وقال بسرعة وهو يهم بالتحرك: هروح اجيبلك بسرعة.
ـ لأ، خليك جنبي..

همست بتعب استوقفته فكاد يتجاهلها ويذهب لكن تحركها وهي تتألم كي تجلس جعله يتراجع ويبقى معها.
أحاط كتفيها وساعدها على الجلوس بعد أن وضع الوسادة خلف ظهرها ورفع السرير قليلا للأمام كي تجلس براحة أكثر.
سألها برفق وهو ينظر داخل عينيها: كويسة بقيتي أحسن؟

انسلت عبراتها بألم وهمست بانكسار وهي تنظر تجاه النافذة: كويسة؟ بعد ما خسرت الحاجة الوحيدة اللي كانت هتخليني أفضل معاك؟ اتصلت بيك كتير عشان تلحقنى لكن مكنتش بترد عليا! للدرجادي بقيت تكرهني ومش عايز حتى ترد وتعرف على الأقل إذا كُنت كويسة ولا بتصل عشان تفاهات؟

تنهد والندم ينهشه بضراوة لأنه تعمد ألا يرد عليها كان منشغل باللعب عنها، لكنه لن يتحمل المسؤولية كذلك لأنهُ لا يضمن أن بعودته سيستطيع لحاقها دون أن تخسر الجنين.
لم يجيبها عن قولها بل سألها سؤالا آخر وهو يشدد على كل حرف يخرج من بين شفتيه: يعني كنتِ عايزاه عشان تفضلى معايا مش أكتر صح؟!

همست بصوت مبحوح وهي تجفف عبراتها بعنف: متحاولش تطلعني وحشة أكتر من كده يا قُصيّ كفاية إنت مش حاسس بيا ولا حاسس باللي بيحصلي.

ابتسم في وجهها ابتسامة متهكمة قبل أن يشرع في الحديث بجدية: عارفة يا جـنّـة وأنا قاعد بره مستني الدكتور يخرج فكرت كتير، كتير أوى فى كُل حاجة حصلت معانا وسؤال بسيط فضل يِلح عليا مش عارف إجابته أفكر فيه بردو مش لاقي إجابته بس أنتِ هتقوليلي إجابته دلوقتى، مبسوطة؟ إحساسك إيه وأنتِ محققة هدفك! سعيدة؟

ابتسمت بحسرة وهي تتحسس بطنها الخاوية بيدها المحقونة وهتفت بندم وعادت تبكِ بنشيج وجسدها يهتز وهي تحرك رأسها مرتكز بنظراتها داخل عينيه الباردتين: إنت عارف كويس انى ندمانه على كُل حاجة بس مش عايز تصدق لأنك مش عايزنى ولا حتى بتحاول تلتمس أي عُذر رغم إنك عارف اني مش محتاجة حاجة غير إنك تعذرني! أنا اللي عشته مش قُليل ومش بيتنسي يا قُصيّ لو كان بيتنسى مكنش ده بقى حالي!

هدر بانفعال لم يستطع السيطرة عليه بسبب أفكارها الملوثة هذه: اللي حصلك ده مش مُبرر! قسوة أبوكِ أبوكِ المسؤول عنها مش هُمه! ضربه ليكِ هو المسؤول عنه! حرمانه ليكِ من كل حاجة هو المسؤول بردو عنها مش حد تاني.
ـ طيب وأمي؟
سألت بإبتسامة خالية من الحياة ليرد عليها بكل ما يحمل من تهكم: إنتِ مصدقاه؟ مصدقاه؟ عمرك فكرتي في الكلام ده أصلا؟ مفيش حاجة فيه مقنعة تخليه يعمل كده!

ردت بعند واحتدام وهي تحدجه بغضب: لأ مُقنع ومش هنسى اللي حصل لـ أمي وإني اتحرمت منها ومن حنانها بسبب تميم المُغتصب.
غلت الدماء داخل عروقه من فرط الغضب وسألها بنبرة أقرب للصراخ: هو إنتِ شفتيها أصلا عشان تكوني مقهوره عليها اوي كده؟

ردت عليه بقهر وحقد مرضي يشع من عينيها: لا مشفتهاش بس شُفت تميم عايش مبسوط و بيدلع مراته وبنته ومش حارمهم من حاجة ولو يطول يجبلهم نجمة من السما هيجيبها أما أنا! ابويا بيضربنى و بيحرمنى من كل حاجة وكل ما أقول ليه يقولي هو السبب تميم السبب في خراب حياتنا عايزني اعمل ايه بقي أحبه؟
ذرع الغرفة بعصبية وهدر بأعين قاتمة وهو يلوح بيديه: تميم، تميم، وأهو مات بنته بقي عملت إيه؟

أجابت ببرود وهي تتحاشاه كـ نكرة: خدتك مني!
اعتلت شفتيه ابتسامة ساخرة قبل أن يهتف بفقدان صواب وهو يضرب الحائط بقبضته بخفة: جـنّـة ماتجننيش إنتِ اللي دخلتيني حياتها من الأول ومن غير ذنب ذنبها ايه؟
لفظت بتهكم وتناست حتى ألمها أمام ثورته: ذنبها أبوها ومتقولش مش من حقي لأنك كُنت داخل حياتي تدمرها وتكسر أبويا بيا فاكر!

صرخ بنبرة حملت في طياتها أشد الندم: فاكر فاكر كويس دي كانت بداية اللعنة بس يا هانم كُنت هكسره بيكِ مش تكسري عشق عن طريقي وهي معندهاش أب تكسريه أصلا إنتِ اللي خسرتي وأكتر منها.

تبدل حالها واتسعت عيناها بانفعال مع انفراج شفتيها بقوة وسعادة مفرطة متشفية به وهي تقول: مين قال معندهاش؟ إنت فاكر الميت مش بيحس! أكيد حاسس و عارف بنته حصلها إيه بسببه وبسبب عمايله، ومفيش أغلى من الشرف يا قُصيّ مش أنا اللي خسرت اكتر هيه اللي خسرت صدقني..

قهقهة بسخرية وهو يسير بجانب الفراش ذهابا وإياباً مستمعًا إليها أكثر بعمق ممعنا النظر في تفاصيل وجهها وتعابيرها أثناء الحديث ويجزم أنها مريضة، تحتاج علاج ليست طبيعية بالمرة..
مال عليها وهمس بفظاظة مُستغبيا إياها وهو يضرب جانب جبهتها بسبابته: لا إنتِ خسرتي أكتر لأنها عندها عقل أما أنتِ مفيش خالص ممسوح ممسوح..

اهتزت مقلتيها ونظرت إليه بتحدي وهمست بصوت مهزوز أمام وجهه: كُله بسببك يا قُصيّ كُله بسببك لأنك من البداية لو كُنت بعدتني عنه مكنش هيقدر يتحكم فيا وأنا معاك لكن إنت سبتني ودي كانت النتيجة.
إنفجر ضاحكًا بصوتٍ رنان مرتفع وأنفاسه الدافئة تضرب صفحة وجهها مراقبًا إياه دون أن تبدي أي رد فعل.

ليصرخ في وجهها أجفلها ولم تكن تتوقع أي أذيةٍ منهُ لكنهُ فعل عندما قبض على فكها بقسوة وهدر بوحشية: عايزة تفهميني إني أنا السبب؟ هو انا همنعك عن أبوكِ يعني؟ إنتِ اللي عندك قابلية واستعداد تأذي متحملنيش ذنبك وذنب قرفك كفاية اللي أنا فيه بسببك فاهمة؟
انسلت عبراتها بصمت وسألته محركة فمها ببطء بسبب قبضته المتحكمة بقسوة: وإيه اللي إنت فيه؟

دفع ذقنها بعيداً عنهُ بقوة ووقف أمامها وقام بفرد ذراعيه مستعرضًا نفسه بينما يقول بنفور ووجه متغضن: اللي أنا فيه إني بقيت راجل شهواني حقير و(، ) وكل تفكيري محصور في السرير لمجرد إني أشوف واحدة حلوة وكله بسببك انا كنت مكتفي بيكِ لكن إنتِ اللي عملتي كده.
استفزته باستخدام قوله ضده وهتفت بكل برود واحتقار: إنت اللي عندك قابلية واستعداد وإلا مكنتش هتنجذب لأي كلبه تعدي..

ولمجرد سماع قولها هذا قفزت أمامه صورة لمار ولا يعرف لمَ؟ لكنهُ متأكد أنها ليست كلبة.
أومأ بإبتسامة موافقًا الرأي بل وأكد: عندك حق إنتِ صح بس متنسيش إنك كُنتِ أول كلبة.
هتفت بمرارة وهي تنظر إلى النافذة: ليك حق تقول أكتر من كده لأنك مجربتش تحط نفسك مكاني، مجربتش حاجة خالص.
قال بعدم استيعاب وهو يهز رأسه باستنكار: أجرب إيه؟ حتي لو حصل ده ميدنيش الحق إني أعمل كده ده شيطان أبوكِ ده شيطان!

نظرت إليه شزرًا وهتفت تستعطفه: هو طيب الظروف اللي عملت فيه كده!

نفي بعنفوان وهو يكبح غضبه بصعوبة: مفيش حد في الدنيا طيب يتعرض للأذى الخذلان للقسوة التنمر أيا يكن بقي عمره ما هيتحول للوحش ده عمره لأن الجانب الإنساني والطيبة طبع فيه هتغلبه ودايما هيبقي في جواه حاجة حلوة مش كل السواد ده؟ ده شخصية سوداوية وغير ساويه زيك بالظبط ومكانكم في العباسية انتوا الاتنين، وديني يا جنة هرمهولك فى العباسية وخليكِ فاكره الكلام ده كويس.

وضعت يدها على فمها تكتم ضحكاتها التي لا تتناسب مع الوضع ليهتز جسدها بعنف وتنفلت ضحكاتها بصخب لسببٍ لم يعرفه.
حدجها بدون تعبير ثم سألها بغلظة: خلاص بقيتي حلوه وبتضحكِ ومش زعلانه؟!
ادمعت عينيها وتألمت من فرط الضحك وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة ثم قالت بلهاث: لو قدرت تعمل كده اعملها يا قُصيّ.

جلس بجانبها لتتوجس خيفة منهُ وترتعش بتذبذب فابتسم بسخرية وهتف بخيبةٍ رأتها في عينه قبل أن يتفوه بها: كُنت فاكر ان في امل فيكِ لكن عمرك ما هتتغيرى إنتِ مبسوطة كده صح؟
ضحكت بشحوب وهي تهز رأسها بتفهم عالمة بما يدور في عقله وهي تلملم خصلاتها المبعثرة ووضعتهم فوق كتفها وسألت بازدراء: وطالما إحنا مرضي ليه وافقت ومشيت ورانا ها؟
أجابها بتهكم: عشان كنُت غبي و اديني بدفع التمن!

عقدت يديها أمام صدرها وسألته بنبرة أقرب للسخرية: تمن ايه يا قصي؟ عشان بقيت بتاع ستات يعني! هو ده اللي مزعلك أوي؟ طب ما دي طبيعتكم كلكم جي تحملني المسؤولية ليه؟ لو حاسس أن مسؤوليتك إتجاهي خلصت وعايز تطلقني طلقني يا قُصيّ ومتعملش مقدمات على الفاضي.

لاحت ابتسامة ساخرة على شفتيه وسألها بجدية وهو يقطب جبينه: وأنتِ فاكره إني محتاج مقدمات علشان أطلقك يعني؟ ولا فاكرة ضميري هيأنبني بسببك؟ إنتِ تستاهلي كل اللى يجرالك وهتطلقي هتطلقي بس لما تبقي كويسة عشان ماتقوليش ما صدق، همه كام يوم كمان تكوني صلِحتي أبوكِ ده لو إنتوا متخانقين فعلا يعني..

ورفق قوله بوقوفه ودسّ يديه داخل جيب بنطاله ببرود وأردف مستطردا: أنا رايح أشوف الدكتور، وتلا قوله بمغادرته الغرفة.

عاد بعد بعض الوقت بملامح مكفهرة سائمة منها ومن حياته معها حقًا، لايعرف ما الذي تسعى للوصول إليه أو ما تخطط!، أخبره الطبيب أنها خسرت الطفل لكن ليس بسبب النزيف بل بسبب أخذ حبوب تساعد على إجهاض الطفل، قال أن النزيف غير طبيعي، هي من قتلته وليس نزيف كما تصور وأشفق عليها، هو غبي لا يتعظ أبدا لا يتعظ..

صفق باب الغرفة بعنف أفزعها، تقدم منها بأعين قاتمة أشبه بسوادْ حالك، ومن دون مقدمات حملها بقوة دون أن يلفت نظرها لفعله وسار بها إلى الخارج ويداه تعتصران لحم فخذيها بقسوة جعلتها تتأوه من الألم..
هتفت بألم وهي تنظر إليه شاعرة بتصلب جسده وإنفعاله: ايه يا قُصيّ براحة مالك؟

لم يرد عليها ولم يطرف حتى، بل أنزلها أمام السيارة وفتحها بعنفوان ثم أدخلها وصفق الباب بعنف وركض حول السيارة واستقل مقعده وقاد إلى المنزل بسرعة..
ظلت تراقبه بطرف عينيها طوال الطريق بتوجس بسبب غضبه الغير مبرر وما سيخلف إثره وهي تعتصر أناملها بتوتر، صفّ سيارته أمام المنزل، ترجلت وحدها كي لا يقوم بجرها إلى الداخل وهي لا تتحمل..
سارت خطوتين وحدها وشهقت في الثالثة.

عِندما حملها فجأة بنفس ذات القوة وقسوة قبضته فوق بشرتها تتضاعف..
هدر بحدّة اجفلها وهو يحملها: خرجي المفتاح من جيبي و أفتحي..
أومأت بسرعة ومدت يدها إلى جيب بنطاله وأخرجته ليتقدم أكثر بها مقتربا من المقبض، فتحركت بين يديه ومالت قليلا كي تصل للمقبض وقامت بفتح الباب بخفة..
دفعت الباب إلى الخلف لـ يثب بها ثم صفقة بقدمه وصعد إلى الغرفة، قذفها على الفراش بغتة فتألمت وصاحت به بحدّة: في ايه يا قُصيّ براحة!

تقدم منها بتجهم مُطبقا كفيه معًا يعتصرهما بقوة حتى ابيضتا، وصدره يتضخم بفعل أنفاسه الهادره، ألصقت ظهرها بجزع الفراش ووضعت يديها على وجهها تخفيه بخوف ليزمجر ويضرب رأسها بالوسادة عدة ضربات يمينا ويسارا يشفي غليله بغضبٍ مشلول.
توقف لاهثًا يسحق شفتيه من القهر، فماذا يفعل بها في هذا الوضع؟!

ظنت أنهُ توقف فرفعت رأسها ببطء وتوجس ونظرت إليه بتعجب أكثر من كونها خائفة وهي تلهث وشعرها مبعثر بفعل الوسادة، يرفرف أمام وجهها بفعل انفاسها العنيفة..
حركت شفتيها للتحدث لكنه ضرب وجهها بالوسادة مجددًا جعلها تصرخ بفزع ثم صرخت به بعصبية: يا حيوان إنت في ايه؟
ضربها مجددًا حتى تمزقت وتطاير منها الريش حولهما، عطس بحدّة ثم قذفها عليها وترك الغرفة بغضب وغادر..
صاحت بجنون وهي تقذفها أرضا: يا مجنون!

دلف إلى غرفة ريمة بثورته تلك بسببها فهو لن يتراجع عن طلاقها وسيقطع أي صلة تربطه بها يكفِ إنهُ يكرهها.
كانت ريمة تجلس فوق السرير تعبث بحاسوبها الشخصي وتضع سماعات الأذن في أذنها منفصلة عن العالم أجمع وغرام تغفي بجانبها..
هدأ قليلا وغمرته الطمأنينة والحنان وهو يحدق بهما، تقدم بتسلل وجلس على طرف الفراش ببطء كي لا تشعر ريمة لكنها التفتت وصاحت بصوت مرتفع بسبب الصوت المرتفع داخل أذنها: قُصيّ!

قهقهة بخفة وأخذ يمسح على شعر غرام بحنان لتستوقفه الوردة البيضاء الموضوعة بين خصلاتها أعلى أذنها..
رفعها بين يديه بإبتسامة وكاد يسأل لكن ريمة سارعت بالشرح بنفس الصوت المرتفع: غرام لقيتها النهاردة قدام الباب فا اخدتها وقالت بابي جبهالي..
قهقهة ونزع حذائه وقذفه ثم عانق غرام وتمدد أسفل الغطاء بأريحية وهمس بنعاس: وبتاعة بكره بتاعتك، يلا تصبحي على خير.

لم تسمع منهُ شيء بل عقدت جبينها وهي تحدق في حركة شفتيه لكنها لم تفهم، كادت توقظه وتطرده، فمازال الوقت مبكرا على النوم بالنسبة إليه، لكنها تمنعت وابتسمت بحنان، وعادت تتابع التصفح بهدوء.
في هذه الأثناء داخل السيارة أثناء عودة عمّار إلى القاهرة، بعد إتيان الشرطة ومعاينه المكان وأخذ أقوالهم كانت السيارة قد وصلت إليهم..

كانت ليلى تريح رأسها فوق صدره ويدها تسير فوق قلبه النابض بحنان بينما هو كان يعتقلها بين قبضته ويمسح على شعرها وفقط إن لم يكن السائق موجودًا لأجلسها على قدميه..
أبعدت جميع الأفكار السيئة عن عقلها وتجاهلت الشعور بالخوف الذي يساورها وفقط تُذكِر نفسها بلحظاتهم السعيدة التي لم يمر عليها يومٍ بعد.
تنهدت من الأعماق وسألته بحزن وهي ترفع رأسها إليه بعبوس: مين عمل كده يا عمّار؟ بابا!

لثم جبينها بلطف ورفع يده يبعد شعرها خلف أذنها مداعبا، متحسسا إياها بأنامله برقة بينما يقول: لأ مش هو دي مش طريقته وبعدين هو مش عايز يموتك.
تنهدت وحركت رأسها بحيرة وعدم راحة هامسة بـ همٍ: يعني هيكون مين يا عمّار؟ هنفضل في قلق كده ونخاف كل ما نيجي نروح فى حته؟

نفى بهز رأسه وحرك شفتيه للحديث لكن سقطت عينيه على مرآة السيارة ليجد السائق يحدق بهما بتركيز وسرعان ما أبعد نظره عِندما تقابلت عينيه مع عمّار في المرآة.
علت وتيرة تنفسه وتملكه غضبا أعمي ورشقه بنظراتٍ دامية شبيهه لشكل وجهه الذي سيقطر دماءا بعد قليل، تجاهل هذا فقط بصعوبة لأنها المرة الأولى ورُبما خطأ غير مقصود وشرع في الحديث بانفعال وعينيه معلقة على المرآة: هنعرف متخافـ، بتبص على إيه؟

هدر بوحشية وسط حديثة عِندما عاد يحملق بهما أفزعها وأجفل الرجل، ربتت ليلى على صدره وهمست بلطف كي لا يتشاجر: عمّار تلاقيه مخدش باله براحة!
غضب وأكفهر وجهه بسبب دفاعها عن جهل، فماذا تعرف هي عن الرجال كي تفهم إن كان ينظرعن طريق الخطأ أم ينظر إليها هى، ألا ترى جمالها الآخاذ السالب للأنفاس؟!.

كاد ينفجر به لكنهُ امتص غضبه عِندما أبطء السيارة قليلا وتنحنح ببعض الخجل واعتذر: أنا آسف مقصدش بس امبارح قُصيّ باشا اداني رقم عربية وقالي اخلي بالي لو حد جابها يبيعها في المعرض وصادف إن فعلا في شابين جولي امبارح عايزين يبيعوا العربية فأخدتها منهم وفهمتهم اني هشتريها وحبستهم عندي لحد ما أشوف هنعمل معاهم ايه؟

تنهد عمّار ومسد جبينه معترفا بخطئه وأنه تسرع في الحكم عليه ليجدها تنظر إليه بلوم طفيف ليس كثيرا، لكنهُ مُحق فلا مُزاح عِندما يتعلق الأمر بها، يفقأ عينيه دون تردد إن شعر ولو لوهله أنه ينظر إليها..
قرص وجنتها المتوردة، وهو يبتسم في وجهها كي لا تحزن وسأله بهدوء: يعني لقيت العربية؟

أومأ عبر المرآة وهو يلقي نظرة عابرة دون أن يحدق وأردف مستطردا: كُنت هبلغ بس العربية مش بتاعتي وملقتش فيها أي أوراق فا استنيت أكلم قُصيّ باشا مش بيرد بس قُلت لأني عرفت منهُ إنها تخص مدامتك..
تألقت ابتسامته الزاهية بسبب قوله الأخير ثم شكره بامتنان: شكرًا جدًا بس المفروض كده نروح نعمل محضر؟

هز الآخر كتفيه وقال مخيرا إياه وهو يسرع أكثر: براحتك كده كده هيتسلموا واكيد دي مش أول مرة ممكن نلاقي ملف ليهم متسجل هناك.
أومأ بتفهم وقال بلا مبالاة: نروح نعمل محضر منعملش ليه اليوم باين من أوله أصلا.
أومأ الرجل بتفهم وارتكز بنظراته على الطريق بينها هو سألها بهمس: مبسوطة عشان لقينا العربية؟
نظرت إليه بجهل وأجابت بعدم فهم بنظراتْ مبهمة: هي أصلا كانت مسروقة؟

قهقهة ونفي وهو يضم طرفي الستره فوق نصفها العلوي بغيرة: لأ كانت بتتفسح مع نفسها من إمبارح بس وهترجع متقلقيش..
قهقهت برقة ورفعت يدها تربت على ظهره، فشعرت بأناملها تتحسس جلده المجروح من تمزيق قميصه الذي لم تلاحظه، أطلق صيحة متألمة وهو يرفع ظهره قليلا عن ظهر المقعد الخلفي بملامح متألمة، فهو كان صامد وبخير لكنها أيقظت وجعه بحركتها وجعلت الحرقة تجتاحه وينبض بالألم من جديد.

شهقت بتفاجئ وعادت تحرك أناملها فوق جرحه ليبعد يدها متأوها سائلا إياها باستنكار وأعين متسعة: ايه يا ليلي بتتأكدي من إيه؟
إحتل الخوف كيانها وأردفت بصوت مهزوز وهي على حافة البكاء: عمّار إنت متعور وقميصك مقطوع..
ردّ بألم شاعرًا بالحرقة والحرارة في منتصف ظهره: لازم يتقطع ده أنا ضهري أتجلط في الأسفلت..
توسلته بانفعال وهي تمسك كفه بقوة: طيب تروح المستشفى تشوف الجرح و تاخد حاجة عشان البرد عشان خاطري.

ربت على وجنتها بحنان وطمأنها بقوله: متخافيش مش حاجة خطيرة مرهم وهبقي كويس متقلقيش نفسك على الفاضي وإهدي.
وأحاط منكبيها في نهاية قوله ودفع بها إلى الخلف، أراح ظهرها وطلب منها بهدوء: يلا نامي وريحي نفسك لحد مانوصل كفاية خوف وانفعال على الفاضى..
حركت شفتيها للرفض مع كتفيها وهي تنتصب لكنهُ ثبتها وأمرها بحزم وهو يرفع كلا حاجبيه بتهديد: نامي..

أغلقت عينيها بعدم رضي، بقوة مرغمة عليها وزمت شفتيها بعبوس وهي تكتف يديها أمام صدرها.
لانت ملامحه وافترت شفتيه عن ابتسامة حانية وهو يُراقب لطافتها العفوية، فقرر عفوها عن النوم عنوة وهمس: فتحي عينك لو مش عايزه تنامي ومن غير كلام.

فارقت بين جفنيها مع نهاية قوله وتراشقت معهُ نظراتها العابسة الغير راضية ليختلج صدره من تلك العينان الصافية التي تخترق صميم قلبه بلا هوادة ترده قتيلا، وضع يده على قلبه متنهدًا بحرارة مشاكسا إياها بعبثٍ: وبعدين بقي في القمر اللي هيوقفلي قلبي ده؟
لانت ملامحها وتبسمت بنعومة وفكت عقده يديها وقامت بلفها حول ذراعه وأراحت رأسها فوق كتفه بسكون حتى وصلا.

مرّ الوقت بهم سريعًا لم يشعران بمروره مطلقًا، فكانا شاردان يفكران في حياتهما الوردية الخاصة ولم يستفيقا سوى على صوت الرجل يخبرهم بالوصول، ترجلا أمام منزلها بهدوء..
لـ يهِم الرجل بالتحدث قبل أن يذهب: العربية هبعتها على هنا..
أومأ عمّار برأسه بخفة دون حديث وأحاطها ودلفا معًا إلى المنزل وهو يشعر بالتثاقل والألم في آنٍ واحد والحمى بدأت تزحف لأوصاله.

ضغطت ليلى الجرس بعجلةٍ من أمرها، وظلت واقفة ثم ضغطته مجددًا بضيق كأنها هي التي تتألم وليس هو..
ـ إيده ده جيتوا؟
أردفت نادين بسعادة عندمِا وجدتهما يقفان.
أبعدها عمّار عن طريقة ووثب إلى الداخل بوهن، لتعانق هي ليلى بحنان واحاطتها وأخذتها إلى الداخل وهي تتهامس معها بمكر سائلة عما فعلوا معًا..

جلس عمّار على الأريكة وهو يتنهد وملامحه تتقلص بألم ليتفاجأ بـ لمار تغفي على الأريكة المقابلة، تدثر نفسها أسفل الغطاء، تنعم بالراحة كما يبدو على ملامحها..
جذب انتباهه شرح نادين وهي تجلس بجانبه هي وليلي: تعبت فجأة بعد ما خلصنا لعب فا خدت مسكن وسبتها تنام.
سألتها ليلي باستفهام: و انتوا كنتوا بتلعبوا ايه؟

صاحت بحماس سرعان ما تحول إلى عبوس وهي تتحدث: الشايب مع قُصيّ ويا مامي خلاني أشرب الشربات كُلها لوحدي.
قهقهت ليلى ومسحت على شعرها بحنان وهي تبتسم، لتستغل نادين هذا الهدوء والسعادة وأردفت بجدية وهي تعدل جلستها كي تنظر إليهما الاثنين معًا: في طلب عاوزة أطلبه منك ينفع؟
قرصت وجنتها بخفة وهمست بنعومة: ينفع طبعا يا حبيبتي اطلبي اللي أنتِ عايزاه.

تنحنحت وقالت بتردد وهي تعبث بأناملها بارتباك: أنكل وحيد بقاله فتره بيكلمني وانا كُنت مأجله الموضوع شويه لحد ما أحل مشكلتي و دلوقتي إتحلت ممكن أروح؟
ـ لأ، قالتها ببرود دون أن تفكر لحظة صدمتها، بل إن قلبها إنقبض بخوف عندما أنت بسيرة هذا الرجل، فحلمه الوحيد هو أن ينتزعها منها ولن تسمح بهذا، تموت قبلها..
تبدلت ملامح نادين للحزن بينما عمّار كان يراقبهما بجهل دون أن يفهم..

همست وهي تبلع غصتها بحزن: ليه يا مامي؟ إنتِ مش قولتيلي هنسافر وهـ..
قاطعتها بحدّة وبدأت يدها في الارتعاش من الإنفعال: هنسافر مش هتسافرى لوحدك مفيش سفر لوحدك تانى لا وحيد ولا غيره.

أدمعت عينيها ونظرت إلى عمّار باستغاثة ليهز رأسهُ بعدم فهم فبدأت في الشرح بنبرة مرتعشة والأمل ينبض داخلها: أنكل وحيد إبن عم بابي وكان قُريب منه جدًا وكُل سنه مامي بتسبني أسافر أقضي معاه الأجازة كـ نوع من أنواع المكافأة عشان نجحت لكن السنادي أنا أخرتها شويه لحد ما أحل مشكلتي مع آسر وهي اتحلت مش موافقة ليه بقي؟

نظر إليها بتمعن مراقبًا اهتزاز مقلتيها والتماع عينيها بالدموع وتماسكها كي لا تبكِ وسألها باستفهام: مش كُنتِ بتوديها كُل سنة؟ ايه اللي جد؟
همست بنبرة مهزوزة وهي تحدق أمامها في العدم: اللي جد إني اتجوزت دلوقتي ولو عرف مش هيخليها ترجعلي، هو من زمان عايز ياخدها مني ومش عارف ومستني غلطة واحدة يمسكها عليا عشان يستغلها.

نفت نادين قولها مستعجبه وهي تهز رأسها: مفيش الكلام ده، عمّار كل الحكاية إنهم بيحبوني جدا وولاده في سني تقريبا وفي قريبين من سني كمان وبيزعلوا لما الاجازة بتخلص وأنزل مش اكتر، وعشان كده طلبوا نعيش معاهم في أستراليا هناك احنا الاثنين مش أنا لوحدي بس مامي رفضت بسبب الهواجس دي وإنهم هيخطفوني منها بس..

تنهد عمّار وأردف بهدوء جعلها ترغب في العويل كي توافق والدتها فهو لم يساعد: بصي يا نادين مش من مشجعي السفر للبنات خصوصا ولا بحب الدلع اللي مدلعهولك ده، بس طالما هي عودتك و اخدتي على كده وهمه قرايبك وبيحبوكِ ومفيش قلك عليكِ معاهم روحي بس ده بعد موافقتها طبعا.

قضمت شفتيها بقهر وصاحت بيأس: إنت مش بتساعدني ليه ها؟، نظر إليها بأسف لتحاول إغرائه بعرضها: ده أنا هريحك منى شهر العسل كله بدل ما أفضل لزقالكم كده!
نظرت إليها ليلى وتمتمت بألم: إنتِ بتعملي كده عشان اتجوزت صح؟ مش عايزة تعيشي معايا تاني! عايزاني اتطلق و..

أوقفتها نادين عن متابعة ما أرادت قوله بنفي قولها بقوة واستنكار: إنتِ بتقولي ايه؟ ده أنا أكتر واحده مبسوطة بيكم ودي مالهاش علاقة بـ دي خالص وإنتِ عارفة إني بحب السفر!
استدار عمّار بكتفه وسألها ببرود: ولو عايزاكِ تطلقي هتطلقي يعني؟
حولت نظراتها إليه بصمت واهتزت مقلتيها بقوة غير قادرة على الرد على هذا، ليهز رأسه بسخرية ثم وقف وترك المنزل وغادر.

إجهشت فى البكاء وغمرت وجهها بين راحتيّ يديها وظلت تبكِ دون توقف، فهو يفهمها خطأ ولا يُقدر أنها تملك إبنه لاتتردد في منحها حياتها قط، يحزن ويظن أنها لا تحبه، وتركها وذهب وهو يحتاج لمداواة جروحه.
أزعجت لمار و ايقظتها بسبب بكائها المرتفع الذي يزداد كُلما فكرت به أكثر.

تقلصت ملامحها وهي تشعر بالألم أسفل بطنها أثناء انتصابها وجلوسها باعتدال، تنظر حولها بتشوش بأعين نصف مغلقه تستجمع تركيزها كي تعرف أين باتت الآن.

مسحت أرجاء المنزل بأعينها لتستوقفها رؤية نادين تجلس على ركبتيها أرضًا أمام ليلى الباكية تترجاها بنبرة مرتعشة: مفيش داعي لكل اللي بيحصل ده والله، كفاية عياط و اسمعيني، عمّار دلوقتي تتصلي بيه وتصالحيه وأنا سبيني أروح عشان خاطري، أنا بحبك ومحدش يقدر ياخدني منك ولا يبعدني عنك أنا مش طفلة، أنا ممكن مأروحش بسهولة بس انا بجد نفسيتي تعبانة و محتاجة أغير جو عشان خاطري سبيني..

همست بقلبٍ مفتور وعيناها تفيض من الدمع: أنا مقدرش أعيش من غيرك..
ابتسمت نادين ورفعت يدها تجفف عبراتها برقة هامسة: ومين قال إني هسيبك بس! وبعدين أنتِ لازم تقدري ولازم تتعودي لأني هتجوز في يوم من الأيام ومش عايزاكِ تزعلي عليا الزعل ده كله وكمان انا راجعة تاني مش هعيش هناك!.
أومأت بتفهم ورفعت وجهها واحتضنت وجنتيها بين يديها توصيها بعذاب: هتكلميني كل يوم لأ كل ساعتين كمان تطمنيني عليكِ..

وضعت نادين يدها فوق يد والدته و قبلتها بحنان هاتفة بلطف: عيوني الاثنين كل دقيقة لو تحبي بس ده مش وقته انا هسافر بعد فرحك مش دلوقتي متخافيش.
أومأت بتفهم وهي تتأمل ملامحها بشوقٍ من الآن، فهي خائفة هذه المرة أكثر من أي مرةٍ سابقة.
هتفت لمار وهي تضيق عينيها قطعت الصمت السائد: أكيد اللي بيحصل ده بسبب التوتر و هرموناتك متلغبطه صح؟ أكيد أنتِ مطلعتيش نكدية! صح أنا عارفة..

ابتسمت نادين بلطف وهي تنظر إليها ثم تحركت للمطبخ، فوقفت لمار بعد قولها هذا وأخذت حقيبتها وجلست بجانب ليلى بنعاس وقامت بفتح الحقيبة وهي تقول بينما تخرج مظروف مُغلق منها ببطء: أنا كُنت هديكِ ده يوم فرحك وكده بس خُديه دلوقتي أحسن..

استنشقت ليلى ما بأنفها وأخذت تُقلب المظروف بين يديها بتعجب ثم فتحته برفق وأخرجت محتواه، كانت جميعها صور رنا وهي تجلس في أحضان سعيد تمسك كأس الخمر وكما يبدوا أنهما في ملهي ليلى..
تصاعدت شهقتها المتفاجئة وهي تقلب الصور وإمارة الصدمة تعتلي وجهها، فهي الوحيدة التي كانت تثقُ بها.

تنهدت لمار وهي تراقب انفعالاتها وأردفت بهدوء وهي تتجهز للذهاب: كده معندكيش حِجه وتطرديها على طول لأنها تستاهل وشغالة مع سعيد، أما مكانها الفاضي فأنا هنزلك إعلان في الجرنال وهتشغلي اللي أحسن منها وأضمن، وعمّار عارف على فكره بعتله الصور والمفروض كان يقولك بس شكل الفرحة نسته..

ووقفت واستطرد بإبتسامة سعيدة: أنا همشي أنا بقي ولما أوصل البيت هبعتلك عنوان بيوتي سينتر حلو جدا عشان تروحي بما أنك مستعجلة باي باي..
لم تعرف ليلى على أي جملة من هذا الحديث ترد ولم يسعفها لسانها كثيرًا سوي بقولها هذا متردده: هو أنا لازم أروح؟
رفعت لمار كلا حاجبيها بتفاجئ وهتفت بحسرة: يابختك المايل يا عمّار! مش عايزة تروحي ليه؟ لازم تروحي هو أنا اللي هقولك ليه؟
همست بخجل: بتكسف!

ربتت على كتفها بلطف وردت بلا بأس تحاول إقناعها بأنه شيء طبيعي سائد: طب ما كُلنا بنتكسف بس بنروح عادي بقي هنعمل ايه يعني؟ بلاش كسل بس وتفكير وسيبي نفسك.
أومأ وهي تفكر فيما ستفعل ثم سألتها البقاء عندما رأتها تتحرك: طب خليكِ معانا؟
تبسمت لمار وصاحت ممازحة متستمره في التقدم للأمام: لأ، يادوب ألحق أجهز نفسي للفرح بقى.

ابتسمت ليلى وهي تحدق فى طيفها ثم تنهدت بحزن وهزت رأسها بخذلان وعينيها تعلقت على الصور، فكيف لم تلاحظ؟ حتى أنها رأتها تلتقط خاتم الزواج الذي قذفه عمّار في وجه سعيد وركضت خلفه لكنها رغم هذا لم تُخوِّنها قط ولم تفكر في شيء من هذا القبيل!
تفاقم الحزن أضعافًا داخل قلبها وهي تستذكر هيئة عمّار أثناء خروجه بهذا الغضب، فهي غبيه تتيبس محلها ويتوقف عقلها عن العمل ولا تعرف ميف تتحدث، يِجب أن تهاتفه..

حملت الصور وخلعت حذائها وأمسكته في يدها وصعدت إلى غرفتها بعد أن ألقت نظرة متفحصة على نادين التي كانت تصنع شيءً في المطبخ..
بينما في الخارج، كان يقف والهواء يلفح جسده بقوة دون أن يشعر من النيران المتأججة داخل قلبه المسكين، فهي مازالت تُفكر وتصمت عِندما يتم سؤالها.

يعرف أنه من الصعب أن تتوقف عن القلق والإفراط في مشاعرها وتفضيل إبنتها عليه طوال الوقت، لكنهُ ليس ذنبها كذلك فغريزتها الأمومية هي من تدفع بها إلى تلك التصرفات، لن يحزن، هو أحبها هكذا وسيتقبلها هكذا رغم إيلامه وجرحه لكنهُ سيتحمل.

حرك ساقيه بتباطؤ، محموما وأنفاسه تخرج ساخنه ثقيلة تُصهر، فتوقفت أمامه سيارة ليلى، خرج السائق منها وناوله المفتاح الخاص بها وتبادلا أطراف الحديث معًا لدقائق ثم استأذن وغادر..

حدق عمّار بالمفتاح قليلا وهو يفكر أيدخل يعطيها المفتاح أم يذهب، حسم أمره وتقدم من السيارة وفتحها وجلس بداخلها، ارخي رأسه للخلف بتعب، فسمع صوت هاتفه يعلن عن وصول رساله فتجاهله، تكرر الصوت عدة مرات أزعجه، فأخره زافرًا بانزعاج متأكدًا أنها ليلى، رأي إعتذاراتها المكرره وأسفها بسبب ما فعلت عبر الرسائل النصية من هاتف نادين، لكنهُ تجاهلها ولم يرد عليها.

ـ والنتيجة هتطلع امتي؟
كان سؤال آدم المستفهم ليأتيه رد العامل في المختبر بهدوء: بعد أسبوع.
ارتفعت زاوية شفتيه بسخط وحرك رأسه باستنكار وسأل بتعجب: أسبوع إيه؟ أنا أعرف إن النتيجة بتطلع تاني يوم أو في آخر اليوم جبت أسبوع دي منين؟
قال بنفس الهدوء البارد أخرج آدم عن طوره: النظام عندنا كده..
نظر آدم إلى مصطفي واحتج معترضا باقتضاب وأعصاب تالفه: خلاص يا مصطفي نعمل في مكان تاني ده بيقول بعد أسبوع!

رفض مصطفى بحزم كالغبي وقال بلا مبالاة ظنا أنه الذكيّ: وايه يعني أسبوع نستنى إسبوع مفيش مشكلة..
أطبق آدم على كفيه بقوة وهو يحدجه بغضب جامح سائلا إياه بتهكم: إنت معندكش دم ومش بتحس يعني؟ بارد مش عايز تعرف الحقيقة؟ ولا عشان معرفتها زي عدمه وأنت هتفضل زي ما أنت!
رد ببطء وبرود: أيا يكن اللي في دماغك فا هو صح وهنستني أسبوع، مش عجبك اشرب من البحر..

عيل صبره وطفح الكيل منه ورفع قبضته كي يسدد إليه لكمه لكن حياة استوقفته عِندما تدخلت بقولها بعد أن تركت تالين تجلس على المقعد بتعب وحدها: آدم، أنا شايفة إنك تصبر أسبوع أفضل لأن تالين تعبانه ومش هتقدر تعمل التحليل ده تاني وزي ما شوفت الدكتور قال إنه خطر على البيبي في الشهور الأولي فا بلاش وأصبر يومين زي أسبوع.

أذعن ووافق على مضض مضطرا فقط لأجلها كي لا تتعب أكثر، مراقبا حالتها المزرية الهذيلة بقلبٍ مضني والندم ينهشه.
نظر إلى العامل والتقط ورقة وكتب عليها بسرعة أثناء قوله: ده الميل بتاعي ممكن تبعتلي عليه النتيجة أول ما تطلع من فضلك.
أومأ وهو يأخذ الورقة منهُ ليختطفها مصطفى وقام بكتابة البريد الخاص به هو الآخر وأردف بغلظة: وابعتهولي أنا كمان.

أومأ بتعجب وهو ينظر بينهما بريبة، لتعود حياة أدراجها إلى تالين و أوقفتها معها بتريث و أسندتها وهي تحوط خصرها برفق مراقبة حالتها الواهنه ووجهها المصفر، وسارا معًا إلى الخارج ومصطفي وآدم يسيران في الخلف.

شتمه آدم بألفاظٍ بذيئة نابية وهو يرشقه بنظرات كارهه حاقدة عاجزا عن فهم كينونته هذا الرجل، زوجته لا تستطيع السير من التعب وهو يسير في الخلف يراقبها ببرود اللعين عديم الإحساس فليأخذه الله كي يرتاح منهُ.
فقط إن لم يكن موجودا لحملها هو ولم يكن ليتركها سوى عِندما يوصلها إلى المنزل بسلام.
أوقفت حياة سيارة أجره وساعدت تالين في الصعود داخلها وكادت تصعد لكن هُتاف آدم بإسمها أوقفها.
ـ حياة.

استدارت على عقبيها تنظر خلفها باستفهام لتجد آدم يقف خلفها مباشرةً، رفع كفها ووضع بداخله بعض الأموال وضم أناملها فوقهم وأوصاها برفق: خلي دول معاكِ ولو إحتاجتوا فلوس متتردديش لحظة أنك تكلميني إنتِ عارفة رقمي ها؟ وخلي بالك منها اديها العلاج في وقته.

اومأت بامتنان ثم استقلت السيارة وانطلقت إلى منزلهم، استدار آدم على عقبيه ليجد مصطفي يقف خلفه كالحائط، تخطاه بعدم إهتمام وقرر العودة إلى المنزل سيرا على الأقدام.
بينما في الداخل..
التقط الطبيب هاتفه من فوق سطح المكتب عِندما بدأ في الإهتزاز..
رد بهدوء وهو يبتسم بمكر: شهيرة هانم أزيك؟، طبعا جه هو وأخوه كمان وكل واحد منهم ساب الميل بتاعه، واحد بإسم آدم و التاني بإسم مصطفى.

ضحكت شهيرة بـ خسة وانتصار وأردفت بتواطؤ: وزي ما اتفقنا، آدم تروحله النتيجة الحقيقية أما مصطفي تبعتله النتيجة اللي اتفقنا عليها، تديني الأوكيه وتقولي وصل هتلاقي الفلوس في حسابك على طول، باي باي يا دكتور.
أغلقت الهاتف ضاحكة بسعادة وهي تقبض على الهاتف بتفكير، متحرقة شوقا لإتيان هذا اليوم، فغباء أبنها مصطفى يساعدها كثيرا.

تنبهت عِندما إهتز بين يديها وصدح صوته لـ تتأفف بنزق وهي ترى أسم سالي، كادت تغلق في وجهها لكنها قامت بالرد كي توبخها مثل كل مرة: ألو..
أردفت بسخرية وهي تقلب عينيها: إزيك يا حماتي؟
ردت بغلظة وقرف: عايزة ايه يا رخيصة؟!
ضحكت ضحكة خليعة جعلت من ملامحها تشمئز وهي تستمع إليها بكره شديد أثناء قولها بتحدٍ واستصغار: على فكره انا عملالك مفاجأة كام يوم كده وتعرفيها وساعتها هستناكِ يا شهيرة مع السلامة.

أغلقت الهاتف وقذفته مع سبه نابية تمتمت بها من فرط الغضب ثم صعدت إلى غرفتها.

صباح اليوم التالي..
تقلبت في الفراش بنعومة وهي تضم سترة عمّار إلى قلبها، فتحت عينيها ببطء وهي تبتسم بنعومة، وخللت أناملها داخل شعرها وهي تفكر في كيفية ارضائه لأنه ظل يتجاهلها أمس.
انتصبت جالسة بنشاط، وأخذت حماما دافئًا ثم جففت شعرها وارتدت ملابس مريحة واتجهت إلى الأسفل كي تصنع فطوراً..

تنهدت بانزعاج شديد وضيق جلي ظهر على تقاسيم وجهها عِندما وجدت الثلاجة فارغة، فهي كانت ممتلئة أمس ماذا فعلوا في الوقت الذي اختفت به مع عمّار؟!
أغلقت باب الثلاجة بإحباط وصعدت تُبدل ثيابها كي تتسوق، أنتهت سريعا وغادرت المنزل ببنطال واسع وفوقه كنزه قصيرة وحذاء رياضي..

خرجت من البوابة الرئيسية لتفاجئ بسيارتها مصفوفة. ، لم تكد تقترب حتى تعالت شهقتها المتفاجئة، هرولت إليها بلهفة عِندما أبصرت عمّار من خلف الزجاج..
كان غافيًا داخل السيارة والحرارة تنبعث من جسده والحمي قد تمكنت منهُ أكثر بسبب النافذة التي صبت عليه الهواء طوال الليل.
مدت يدها من النافذة وتحسست جبهته لتتسع عيناها بهلع وفتحت باب السيارة بسرعة وهي تصيح بإسمه بخوف كي يستيقظ: عمّار، عمّار، عمّار..

حرك جفنيه بثقل غير قادر على فتح عيناه، يهذي بكلمات غير مفهومة وجسده يشتعل من الحرارة..
حثته على الحركة بصعوبة وهي تميل عليه وأحاطت خصره ووضعت ذراعه حول رقبتها هاتفه بتعب ووجه محتقن بسبب ثقل وزنه وهي تحاول تحريكة: عمّار، فوق وقوم معايا، فوق، عمّار، عمّاار، عمّاااار..

همهم بوهن وهو يتحرك معها بصعوبةٍ بالغه سلبت أنفاسها معهُ وهي تحاول بإستماته حتى خرج من السيارة، نزعت المفتاح من محله وصفقت باب السيارة وسارت معهُ بترنح وعدم اتزان، كادت تكتفأ على وجهها أكثر من مره لكنها تماسكت وهي تعض على شفتيها بعنف، لاهثه وبدأت في التعرق وهي تسير محنية الظهر تتمسك به بقوة كأنها هي التي ستسقط وليس هو..
توسلته برجاء وهي تلهث بتعب: عمّااار، فوق أرجوك..

لكنه كان يهرطق بالكلمات وهو يحاول فتح عينيه، يجر قدميه خلفه يحاول الاستفاقة لكن الحرارة كان يشعر بها تغطي عينيه.
تبقَ خطواتٍ بسيطة فقط لتصل إلى البوابة الرئيسية لكنهُ ترنح إلى الخلف بقوة وأخذها معهُ ليصطدم ظهره بالحائط..
تأوه بقوة وفتح عينيه بصعوبة لتعتذر منه بندم وهي تكاد تبكٓ وجذبته للأمام من قميصه الممزق كي يبتعد عن الحائط ليتمزق أكثر: أنا آسفة، آسفة، حاول تمشي معايا، يلا عشان خاطري..

أومأ بدون وعي وسار معها ببطء دون أن يشعر بنفسه، فقط كان يسمع صوتها ويظن أنها حلم جميل، لتبدأ ليلى بالهتاف بإسم نادين بصوت مُرتفع كي تساعدها: نادين، نادين، نادين..
ومن حسن حظها أن نادين كانت في طريقها إلى المطبخ فسمعت ندائها وخرجت إليها مفزوعة..
سألت بقلق وهي تترك العنان لساقيها التى سبقتها إليهما: ايه في ايه؟
ردت ليلى بأنفاس متقطعة وهي تهز رأسها: ساعديني، ساعديني، أمسكيه معايا..

أومأت و أسندته معها من الجانب الأخر وساروا إلى الداخل، كانت نادين تحدق في السلم ووجهتها إليه لكي يصعدان به لكن ليلى نفت بتعب: لأ، هاتيه على الكنبة مش هنعرف نطلعه كل ده لا يقع مننا على السلم.
قهقهت نادين بنعاس وهي تبدل وجهتها حتى وصلوا للأريكة أخيرًا، تركته نادين ليختل توازنه ويسقط على الأريكة وليلى فوقه.
شهقت ليلى بتفاجئ بينما نادين ضحكت وركضت تجلب الهاتف سريعا كي لاتضيع فرصة كهذه عليها.

رفعت ليلى جسدها سريعًا وحاولت تحريكه كي ينام على بطنه لتستطيع مداواه جروحه.
ـ ايه ده قومتي بسرعة ليه؟
همست نادين بخيبة وهي تنزل هاتفها.
تنهدت ليلى وقالت بضيق جلي: نادين ده مش وقت هزار لو سمحتي واطلعي هاتي القميص الابيض بتاع عمّار من أوضتي وهتلاقي على التسريحة مرهم هاتيه معاكِ.

أومأت بعبوس وصعدت بطاعة، لتعاود ليلى محاولة قلب عمّار على بطنه ريثما تعود حتى نجحت بهذا، تنفست الصعداء ثم هرولت إلى المطبخ تحضر مياة باردة ومنشفة وعادت إليه من جديد..

جلست أسفل الأريكة وانتابها الخجل قليلا وهي تمزق بقية القميص كي تري الجرح بوضوح، فهي مجرد خدوش كما قال لكنها بحالةٍ مُزرية، أخذت الأنبوب من نادين وقامت بتدليك ظهره بأناملها بخفة وبطء كي لا يتألم لكن ظهره إهتز و إنقبضت عضلات صدره رغم رقتها..
تركته قليلا عاري الظهر كي لا يلتصق جلده بالقميص ثم بدأت بإدخال ذراعة داخل القميص وهي تطلب المساعدة من نادين: أقلبيه معايا..

أومأت وساعدتها بجعله ينام على ظهره ومن ثم أغلقت أزرار قميصه لكن أستوقفها وشمه، ابتسمت بنعومة ورفعت أناملها تتحسسه لكن حرارة جسده أجفلتها، اعتصرت المنشفة سريعا وقامت بوضعها فوق جبينه، وفكرت قليلا كي تخفض حرارته أسرع، فقامت بجلب حبوب خافضة للحرارة وقامت بطحنها ووضعتها داخل كوب مياة، وإمتدت يدها أسفل رأسهُ ورفعته برفق وجعلته يرتشفها ببطء وعلى مهل رغم ملامحه المتقلصة بتقزز وقرف.

أراحت رأسه فوق الوسادة ثم نظرت إلى نادين وطلبت منها برجاء: نادين يا حبيبتي معلش ممكن تجيبي غطي وتغطيه وتقعدي تعمليله كمادات لحد ما أجي؟ مش هتأخر ها؟
أومأت نادين وسارعت بالتنفيذ بينما هي أخذت حقيبتها وذهبت.
بعد مرور ساعتين، وانتهاء إزدحام السيارات الذي علقت به، عادت مِحملة بالحقائب، وضعتها من يدها في المطبخ وهرولت إليه بقلق..

تنهدت براحة و تنفست الصعداء عِندما وجدت حرارته انخفضت وانتظمت أنفاسه عوضا عن الحمم التي كانت تتصاعد منهُ..
طمئنتها نادين بإبتسامة: متقلقيش هو بقي بخير خلاص..
أومأت قائلة براحه وهي تتأمله: الحمد الله انا هقوم اعمل اكل بقي..
دلفت إلى المطبخ مباشرةً تُحضر إليه شيء كي يتناوله عِندما يستيقظ، ونصف ساعة كانت قد انتهت من الطعام، لكنهُ ظل غافيًا لساعات من التعب.

فتح عينيه ببطء مقاومًا رغبته في النوم اكثر ليقابله السقف، جالت عينيه أرجاء المنزل ليدرك أين هو فانتصب جالسًا وأبعد الغطاء عنهُ وخلل أنامله في شعره الرطب بسبب تعرقه وهو ينظر بين قميصه الممزق والذي يرتديه بتعجب.
كاد يتحرك لكن قفزت نادين بجانبه وهي تصيح بصوتٍ مُرتفع أسمعت ليلى التي كانت تنزل الدرج: حمد الله على السلامة بهدلتنا معاك.

نظر إليها بعدم فهم لتثرثر لهُ عما حدث و يبتسم هو بسبب قلقها عليه، وتحركت كي تنادي والدتها لكنهُ أوقفها بقوله: بُكره عايزك تشغليها طول اليوم بره مترجعش غير بليل تعرفي؟.
قهقهت نادين وهمست بخبث: متقلقش، بكره هتكون في البيوتي سينتر والبيت هيبقي فاضي.

أومأت وكادت تسأله السبب بفضول لكنهُ من تحدث بسأم وسخط عليها يكتمه منذ أن رآها أول مره: نادين أنا من ساعة ما شُفتك وأنا نفسي الفحك قلم وأقولك اخرسي وبطلي تقولي مامي مامي بتستفزيني!.
قهقهت وحركت شفتيها للمدافعة عن نفسها لكنه استطرد وهو يضرب جبهتها براحة يده بانزعاج: مش مامي اللي هتخليكِ بنت ناس قولي ماما زي البني آدمين بقي قرفتيني..
ضحكت وهي تضرب كفيها معًا وكاد تتحدث لكن وصلت ليلى وانسحب نادين..

سألته بقلق وهي تجلس بجانبه تتحسس جبينه بقلق: بقيت أحسن؟
أومأ بهدوء وهو يفكر بعمق أثناء تحديقه في قميصه فسألها بفضول: إنتِ اللي غيرتيلي القميص؟
أومأت بحركة غير ملحوظة من الخجل وتخضبت وجنتيها بالحمرة فوضع يده فى مؤخرة رأسها وجذبها للأمام بينما يقول مشاكسا وهو ينظر داخل عينيها: يابت إنتِ مراتي متتكسفيش..
ابتسمت وكادت ضحكة تنفلت من بين شفتيها لكنها تماسكت وقالت باسمة وهي تبتعد: هحضرلك تاكل..

تنهد وراقبها بابتسامةٍ عاشقة، فهو لا يستطيع أن يظل غاضبًا منها لوقتٍ طويل.
دقائق معدودة، وحدق في الطعام بعدم رضي ورفع نظره إليها هاتفا بتهكم: شوربة خضار؟ أنا عايز كوارع!
تنهدت بضيق وردت باستياء: أنت عيان، الكوارع بعدين، عايز تموت نفسك ولا ايه؟

حدق في الطبق بعدم رضي وكتف يديه أمام صدره باقتضاب وقررعدم تناول هذا ليجدها تربت على ظهره بحنان بإبتسامة مشجعة كي يرضي كأنها تواسي طفل صغير كي يأكل فلفظ بامتعاض: الناقص تقوليلي كُل يا حبيبي عشان تكبر!
رفعت حاجبها وقالت بثقة: لأ انا هقول كُل ياحبيبي عشان تبقي كويس و نتجوز ونفضل مع بعض على طول..
لم يفكر لثانية أخري بل رفع الملعقة وبدأ في تناول الطعام بشراهة وهو يراقص كلا حاجبيه بمكر..

قهقهت عليه وراقبته بحنان حتى انتهي، وقف مباشرةً بعد انتهائه سريعًا لتقف معه بتعجب، فأردف بعجلة من أمره: هروح اخد دُش واظبط نفسي وهاجى أخدك عشان نجيب الفستان تمام..
أومأت بابتسامة: تمام..
مال وقبل وجنتها بحنان قبل ذهابه لتوصد عينيها وتتسارع أنفاسها باضطراب..

استدار ليذهب فأمسكت بقميصه سريعا أوقفته ثم أوصته بقلق وهي تتحسس وجنته بنعومة: خلي بالك من نفسك، وخُد برشام برد، ولما تاخد دُش اشرب ميه قبل ما تخرج للهوى ماشي..
أومأ بطاعة وقبل راحة يدها بتملك وهمس: مش هتأخر عليكِ، أومأت وأطلقت تنهيدة طويلة من بين شفتيها وراقبت ذهابه بهيام.
مساءا، داخل أحد المتاجر الشهيرة..
رفض بحزم ولوح بوجوم وعدم رضي كي تبدل هذا الفستان العاري..

تأففت بضيق راغبه في البكاء بوجه محتقن بالحمرة بسببه متغضن، شاعرة بالإرهاق وظلت واقفة مكانها كـ تمثال متحجر دون أن تُحرك ساكنا أو تتحرك خطوة واحدة، تتراشق معهُ النظرات المتحدية وهي تكتف يديها أمام صدرها بينما هو كان يرفع كلا حاجبيه بترقب، والعاملة تنظر بينما بابتسامة.
تنحنحت وبادرت هي بالإقتراح: ممكن نشوف حاجة تانية غير ده لو في مشكلة؟

لم ترد عليها وظلت تناظره بغضب ليسارع هو بالرد: ياريت وتكون حاجة مقفولة.
أومأت بلطف وأخذت ليلى خلفها تعرض عليها مجموعة أخري من الفساتين الهادئة لونها كريمي وليس أبيض.
تفحصتهم بنظراتها باقتضاب وعبوس، بضيق جلي وهي تجر ذيل الفستان عاري الكتفين الذي ترتديه خلفها.

توقفت تتأمل أحدهم ببعض الانبهار بسبب جماله وبساطته الرقيقة، فكان بأكمام، قماشة ثقيل، خالي من النقوشات، مُتسع من الخصر إلى الأسفل، كان مثالي بالنسبةِ إليها، لكن عيبه الوحيد أن ظهره عاري..
تبسمت وتصنعت عدم رؤيته وقالت برقة: ممكن أجرب ده.

أومأت العاملة بلطف وقامت بحمله وسارت مع ليلى إلى غرفة القياس، وقف من مكانه وسار بين الفساتين وهو يضع يديه داخل جيب بنطاله يتفحص الفساتين وهو يتثاءب لبعض الوقت حتى خرجت وتوقفت خلفه.

استدار على عقبيه عِندما تناهى إلى مسامعه صوت حمحمتها المتوترة التي يسمعها مع كُل فستان تعرضه عليه، برقت عيناه وتسارعت خفقاته متأملا إياها من أعلاها لأخمص قدميها بابتسامة مفعمة بالحب وهو يخرج يديه مراقبًا ارتباكها وخجلها وقبضها الرقيقة على الفستان، إن طبعها بسيط وراقي دون زخارف، تلاشت البسمة وحلت محلها عقدة حاجبيه بعدم رضي كما حدث مع الفساتين الأخرى..

صرَّ على أسنانه وهو يري ترقوتها الظاهرة من الامام وظهرها الظاهر ببزغ عبر المرآة خلفها..
أمرها بحزم وهو يدير سبابته مع رفع حاجبيه: لفي كده.
عبست وهزت رأسها برفض ليهتف بحزم وجدية احزنتها: غيريه مش هتاخديه يلا..
أطلقت أنفاسها المرتجفة دفعة واحدة وأردفت بنبرة مهزوزة وهي على حافة البُكاء: ده سابع فستان ميعجبكش وأنا تعبت ومش عايزة أخد غيره ده عجبني!

حرك فكه بعصبية وأردف برفض دون تراجع: ومش عاجبني عريان وإنتِ عارفة شوفي حاجة غيره.
عضت على شفتيها بقوة وكادت عبراتها تتساقط لكنها تماكست وهتفت بجدية مماثلة وتهديد دون تراجع وعينيها تهدد بتساقط العبرات: وأنا لو مأخدتش الفستان ده مش هتجوز ولا هحضر أفراح تبقي أحضره لوحدك بقى، ورفقت قولها بحمل الفستان وأولته ظهرها بسرعة بشكلٍ خاطف للأنفاس وعادت إلى غرفة القياس.

زفر بحدّة ثم هرول خلفها قبل أن تبدله، أسدلت الفستان من فوق كتفها وشفتيها ترتجف بانفعال ورؤيتها تشوشت وكادت تبكِ وهي تمد يدها للكتف الآخر كي تخلعه لتشهق بفزع وتعيدة فوق جسدها مجددًا عِندما دخل عليها عمّار..
استنشقت ما بأنفها ونظرت إليه بلوم ثم أطرقت برأسها، ليضعف للمرة الألف و يستلم..
تنهد من الأعماق وهتف بقلة حيلة وإستياء: ماشي، خُديه..

ضحكت بنعومة وتهللت أساريرها وفتحت ذراعيها وهي تتحامل على أطرافها كي ترتفع لتعانقه لكنهُ أدارها فجأة أجفلها، وامتدت يده إلى وجهها وجمع شعرها إلى الخلف وتركه ينساب فوق ظهرها وسار بكفه عليه من أعلى رأسها حتى منتصف ظهرها يقيس طوله بتركيز.

تعجبت مما يفعل وكادت تتحدث لكنهُ أدارها للجانب وجعلها تنظر إلى المرآة وهتف بجدية وهو يسير بأنامله على ظهرها بحسية جعلها تقشعر وتثقل أنفاسها: شعرك لما يتفرد هيغطي ضهرك، فا أنا يوم الفرح لو لقيت ضهرك باين هنكد عليكِ بجد مفهوم اتصرفي مليش دعوه؟
أومأت بمشاعر مبعثرة وصدرها يعلو ويهبط باضطراب وهي تضم طرف الفستان بقوة وجُل ما كان يشغل تفكيرها متى سيبتعد لأنها قدميها لم تعد تحملانها..

توقفت أنامله والتفت يده حول خصرها ودفعها إلى صدره حتى التحمت به، وسار بأنفه على نحرها طولا مستنشقًا رائحتها بانتشاء هامسًا بنبرة متهدجة وأنفاسه الدافئة تُذيبها: هزعلك أوي، أوي..
تتساءل لمَ يخيفها ويعانقها في آنٍ واحد هذا المُختل؟!
عاد يهمس وهو يحررها برفق: هستناكِ بره، أومأت بأنفاس ثقيلة وجلست على المقعد بترنح تلملم شتات نفسها المبعثرة.

خرجت بعد دقائق كي لا تتأخر عليه، وقع نظرها على الفستان الخاص بها تحمله الفتاة إلى الخارج لتبتسم باتساع وقلبها يرقص فرحًا ثم قهقهت بسعادة عندما إلتقط بصرها عمّار يقف يضع يديه في خصره بعدم رضي يحدق في الفستان بنظرات نارية كأنهُ عدوه اللدود.
هروت إليه ضاحكة وترفقت ذراعه والسعادة تشع من عينيها اللامعتين وهي تسند رأسها فوقه..
سألها بابتسامة وهو يقرص وجنتها بخفة: مبسوطة؟
أجابت بسعادة خالصة: أوي أوي..

مسدّ ظهرها بيديه بحنان وسحبها معهُ هاتفًا باهتمام: تعالي نشوف بدلة بقي..
لم يأخذ وقتًا، فقط دقيقة تفحص البدلات بتدقيق وثقب وإختار إثنتين فقط..
سأل ليلى وهو يلوح بهما بين يديه: أخد أني دي ولا دي؟
هتفت بتعجب وهي تحدق به: إيه ده بالسرعة دي؟
لوي شدقيه وقال ممتعضا: طبعا، عشان تعرفوا إنكم متعبين بس..
نظرت إليه بطرف عينيها ثم قالت بإعجاب وهي تحدق في الاثنين: الاثنين حلوين جدًا بس خُد دي..
ـ إشمعنا؟

تحسست قماش الاثنين بتفحص كالأمهات، كما كان يرى والدته حُسنه تفعل في صغره فـ قهقهة مراقبًا إياها بثقب لتتحدث بعد أنتهاء فحصها: عشان خامة دي أحسن من دي، يعني الاثنين حلوين ودي مقارنه باللي إنت لابسها فاهي أحلى، أما مقارنة بالتانية فا التانية أحلي خُدها.
ابتسم برضى ووافق باقتناع، ومن دون اقتناع كان سيأخذ ما تختاره بنفسها..
في الثالثة فجرًا..

أيقظ رنين الهاتف قُصيّ من نومه، التقطه بأعين نصف مغلقة ورد بضيق: في ايه بس؟
أتاه صوت عمّار الناعس: فاضي؟ بُص حتي لو مش فاضى عايز خدمه مفيش غيرك هيعملهالي ومحتاجك دلوقتي..

اليوم التالي..
كانت جالسة تعمل بانغماس تشتت نفسها بشتى الطرق كي لا تُفكر، حتى الهاتف تضعه بعيدًا عنها كي لا ترد بسرعة إن هاتفها، هذا إن فعل، فهي من أيام تنتظره أن يتصل أو حتى يأتي كي يقنعها من جديد، لكن يبدو أنه كان ينتظر رفضها كي يلوذ بالفرار ولا يعيد الكره، فمن هذا الذي سيرغب في الزواج من رخيصة لم تصن نفسها!.
عضت على شفتيها بقوة، تضغط بأناملها فوق القلم بشرود حتى اخترق الورقة أفسدها..

تنهدت من الأعماق وهي تمسد جبينها ورغبة شديدة تحثها على البُكاء وندب حظها، وما إن لبثت حتى قاطعها صوتٌ مألوف.
ـ دكتورة عشق موجوده؟
أخرجها من شرودها صوت نادين المتسلي مع طرقاتها على الباب بخفة..
ابتسمت ووقفت عن مقعدها مرحبة بها بسعادة: نادين إزيك؟
تقدمت نادين مع لمار إلى الداخل، وعانقتها بشوق ثم عرفتها على لمار بقولها: عشق دي لمار صحبتي وصاحبة مامي وصحبتنا كُلنا ودي عشق يا لمار صحبتنا بردو..

قهقهت لمار بخفة وصافحت عشق لترحب بها بلطف وهي تتحفز للذهاب: اتشرفت يا لمار إتفضلي، تحبوا تشربوا ايه؟
جذبتها نادين من ذراعها قبل أن تذهب وأجلستها فوق كرسيها خلف المكتب وأخذت هي ولمار الكرسيين مقابلها بين المنضدة القصيرة وباردت بالحديث: مامي كانت عايزة تجيلك بنفسها بس مش فاضية خالص عشان كده بعتتني اعزمك بنفسي على الفرح بكره..

اتسعت ابتسامة عشق وهتفت بعدم تصديق: بجد! مبروك، بوسيها كتير و قولي لها مبروك وأني مبسوطة عشانها جدا.
رمشت نادين وهتفت بتعجب وهي تضيق عينيها: أقولها ليه قولي لها أنتِ، أنا جاية اعزمك على فكره ولا إنتِ مش عايزة تيجي ولا إيه؟
ابتسمت بأسف وقالت متحججة: لأ الحقيقة مش هقدر خالص لأني بحضـ..

قاطعتها بحزم: على فكره انا مش جاية أسمع حِجج إنتِ هتيجي والدكتور اللي معاكِ هنا كمان يجي مامي قالتلي أعزمه لأنه ساعدها في عيادة عمّار، الصراحة مفيش وقت نعمل دعوات عشان كده جتلك لحد هنا وأنا عارفة إنك قمر ومش هتكسفيني، هااا؟

ابتسمت عشق وأومأت بابتسامة ولم تكد تتحدث حتى صدح صوت هاتفها، ألتقطته لمار من فوق المنضدة بابتسامة تناوله إليها ومن دون قصد نظرت إلى شاشته لتتوقف يديها في الهواء هامسة بصوتٍ مسموع متعجب وهي ترى اسمه مع صورته: قُصيّ!
ابتسمت نادين وقامت بخطفه من يدها وردت هي بحماس: ألو قُصيّ إنت فين؟

عضت عشق على شفتيها بقهر وأطبقت على كفيها بقوة و احتقن وجهها وتلون بألوان قوس قزح وهي على حافة البُكاء، لقد ضاعت فرصتها الأخيرة معهُ، لن يُهاتفها مجددًا..
شعرت لمار بالحزن وتأنيب الضمير وهي تري تعابير وجهها وانفعالاتها وهي تحدق في نادين برغبةٍ متوحشة لخطف الهاتف من يدها.
اعتذرت لمار بحزن وخجل: أنا آسفة مكنش قصدي والله..

أومأت بتفهم والحرقة تجتاح مقلتيها مع إنتهاء نادين وغلقها للهاتف: اوكيه مع السلامة متتأخرش بقي مستنياك أنا ولمار قبل ما مامي ترجع.
همهم بتفهم وقذف الهاتف أمامه بإحباط وتابع قيادته بسرعة كي يصل و عينيه معلقة في المرآة يتابع كلتيهما في الخلف وهو يقهقه كُل برهة وأخرى..
ناولت نادين الهاتف إلى عشق وتمتمت معتذرة: آسفة يا عشق خليته قفل أصل الحماس خدني، تحبي اتصلك بيه تاني؟

هزت رأسها بنفي وأخذت الهاتف ووضعته أمامها بهدوء وهي تبلع غصتها ثم وقفت وقالت بنبرة مهزوزة: هنادي دكتور وليد عشان تكلميه..
أومأت نادين بإبتسامة، تُراقب سيرها حتى دخلت إلى غرفة وليد، فمالت نادين للأمام بجسدها وهمست إلى لمار باستفهام: في ايه؟ وشك أتغير حصل حاجة؟
انتفخت أوداجها ووبختها بحدّة: خطفتي الموبايل ليه ورديتي يا قليلة الذوق هو بتاعك؟!

همست بضيق وهي تضرب ظهر يدها بغيظ: ده قُصيّ ايه يعني وهي عارفاني الله!
ضربت جبهتها بغضب وصرّت على أسنانها هامسة بتهكم: بردو مينفعش مشوفتيش وشها كان عامل إزاي؟ وبعدين هي بالنسباله ايه دي مسمياه My Love عمري ما شُفتها معاه!
قهقهت نادين وهمست بمكر: عشان هو My Love فعلا، بيحبوا بعض يابنتي من زمان وكانوا مع بعض قبل ما نقبلك..

عقدت لمار حاجبيها بتعجب وسألت بعدم فهم: يعني هو مخلف غرام من مين دي ولا واحدة تانية؟
اتسعت عينيها وصاحت بتفاجئ: هو قُصيّ مخلف؟
دلَّكت لمار جبهتها بعنف وهمست بنفاذ صبر: أنتِ متعرفيش؟
هزت رأسها بذهول وعينا متسعة وتمتمت بتعجب: لأ معرفش خالص أعرف إنه كاتب كتابه على واحده ولسه متجوزوش وبيحب عشق غير كده معرفش.
كادت تتابع وصلة أسألتها لكن سماع صوت فتح باب الغرفة وقدوم وليد مع عشق اسكتهما.

حلّ المساء..
خرجت ليلى من مركز التجميل خاملة ناعسة، جسدها متراخي بحاجة للنوم والراحة، بحثت بناظريها عن عمّار بلهفة، فهي لم تراه مُنذُ أن أوصلها صباحا وذهب..
توقف على الرصيف وأخرجت الهاتف تحادثه كي يأتي ويقلها، لمَ تأخر لقد أخبرته بساعة إنهائها لمَ لم يكترث؟ مزاجها ليس رائق كي تقف وتنتظر علاوة على هذا لا يرد عليها ويغلق! تجرأ وأغلق في وجهها وتجاهلها!، حسنا هو من فعل هذا بنفسه ستريه..

أوقفت سيارة أجره بغضب وأخبرته العنوان وظلت تحادث نفسها مغمغة طوال الطريق وهي تضع الهاتف على أذنها تنظر إجابته لكنهُ لم يُجيب، لقد فعلت ما وجب عليها كي لا يظل لديه حِجة وهاتفته أكثر من مرة وهو يغلق ويتجاهلها ستريه، ستريه.
هدر بغضب وهو يزفر بضيق: قُصيّ هات التليفون بقي الله!
قهقهة وأغلق في وجهها وهتف بسخرية: ماهو عشان انت مهزأ مش هديك انشف كده مالك في إيه دلوقتي تيجي؟

جلس على الأرجوحة الموضوعة في حديقة منزلها وهتف بيأس: مش هقولها بس لازم أرد عليها دي جريمة إني مردش أنت اتجننت! أكيد مستنياني دلوقتي منك لله..
نفي بسخرية وهو يعطيه الهاتف أثناء استقرارة بجانبه: لأ لأ هتيجي في تاكس إنت فاكرها هتستناك للصبح؟ ده أنت بريء أوي يا خال..
ناظرة بسخط ثم أردف بنزق وهو يضرب كتفه: طب ما أكيد هتمشي لما أتأخر تستناني للصبح ليه أصلا يعني مش أنا اللي إتأخرت؟!

تنهد قُصيّ وتمدد وأسند رأسه فوق فخذ عمّار وهتف بأسف وهو يرفع رأسه إليه: هتوحشني على فكره..
قطب عمّار جبينه وهتف مستفهما وهو يلطم وجه قُصيّ بخفة: ليه هموت؟
نفي بابتسامة وقال بلطف: لأ، بعد الشر عنك يا روحي إن شاء الله عدوينك أنا اللي مسافر، رايح روسيا هقعد فترة طويلة مش عارف قد إيه بس كتير.
غمغم بعدم رضي: ليه؟ وشغلك؟!
هتف بهدوء: هصفية..

دفعة من فوق قدمه أسقطه على وجهه فوق العشب هادرا بغضب: هتصفية يعني مش راجع يا حقير غور في داهية..
تأوه قُصيّ وهو يرفع جسده هاتفًا باستياء أثناء تنظيف وجهه: إنت صاحب مش جدع على فكره ربنا يسامحك..

طالعة بدون تعبير ولم يرد عليه ليمدد قُصيّ قدميه أمامه و ارتكز على مرفقيه فوق العشب هاتفًا بتفكير: طب ما أنت هتتجوز وهترجع البلد وهنشوفك بالقطارة بعد كده! ده أكيد مش سببي بس بجد لازم أسافر، اكيد هرجع وأكيد مش هنساكم يعني وهنفضل على إتصال دايما بس لازم أسافر..
صمت قليلا يفكر مليا بعمق حتى استوطن الحزن قلبه وبدي على تقاسيم وجهه واستطرد: عمّار بجد أنا تعبت من الحياة دي وعايز أفصل.

أومأ بتفهم ورد ببرود: براحتك مع السلامه.
زفر وهتف بانزعاج: إنت متضايق ليه طيب دلوقتي؟ مش هسافر غير لما أطمن عليك وأدخلك الله!
تجاهله وتحرك للذهاب فمدّ قُصيّ قدمه أمامه عرقله وأسقطه أرضًا، ضحك بتسلية وتحرك للهرب، فزمجر عمّار ووقف على ركبتيه وسحبه من ياقته وأطبق على رقبته مهددًا بضيق: أموتك دلوقتي!

أطلق المزيد من الضحك، يستعطفه بنظراته البريئة أن فزفر عمّار ونظر إليه مطولا يُفكر وقبل أن يتحرك تناهى إلى مسامعه صوت آدم.
ـ إنتوا بتعملوا ايه؟
كان هذا سؤاله المتعجب وهو يرفع كلا حاجبيه..
لوح إليه قُصيّ بذراعيه يستنجد به: آدم إلحقني، عمّار هيموتني عشان قولتله هسافر
قال متعجبًا وهو يهز كتفيه: طب ما انا كمان مسافر؟
كتم قُصيّ ضحكته وصاح بسعادة: أخويا اللي مجبتوش أمي وأبويا تعالي في حضني يا حبيبي تعالى..

هدر عمّار وهو يقف غاضبًا منهما: أنا مش عايز أعرفكم تاني..
سحبه قُصيّ من ذراعه أثناء وقوفه أجلسه محله ولوح لآدم كي يأتي وجلسوا متحلقين حول بعضهم البعض يتبادلون أطراف الحديث..
ترجلت ليلى من السيارة في ذروة غضبها ودلفت إلى المنزل والشرار يتطاير من عينيها دون أن تلفت يمينا أو يسارًا، كانت تسير في خطٍ مستقيم حتى وصلت إلى الباب.
ضغطت الجرس بضيق دون أن ترفع إصبعها حتى فتح الباب بقوة..

كادت تندفع للداخل بغضب وتطلق العنان لـ لسانها كي تلعن كيفما تشاء لكنها تيبست محلها من فرط الصدمة وتمتمت بعدم تصديق: دهب؟
تفحصتها بعدم استيعاب وهي تكذب عينيها وقبل أن تتفوه بحرفٍ آخر وجدت يدٍ تجذبها من ساعدها إلى الداخل بقوة تزامن مع صدوح صوت الزغاريد و الموسيقى المرتفعة..

فغرت فمها وهي تجد نادين تتقدم منها ترتدي بدلة رقص كالتي ارتدتها هي عِندما رقصت في منزل عمّار، تمسك بوشاح قامت بلفه حول خصرها وأمرتها بسعادة: يلا ارقصي النهاردة حنتك يلا..
عقدت كلا حاجبيها وظلت جامدة محلها تائهة وعيناها تدور بينهم، فكان هناك خمس فتيات غرباء عنها لم تراهم قبلا يملكن جميعهن بشرة سمراء، ونادين، ودهب، وحُسنه تجلس فوق الأريكة في المنتصف، تبقي لمار أين هي؟

رفعت نادين ذراعيها وأخذت تراقصها كي تتحرك لكنها لم تتزحزح قط، ألتقطت عينيها نظرة حُسنه الحانية ووجهها البشوش فنزعت الوشاح عنها وهرولت إليها دون تفكير، وارتمت في أحضانها وعانقتها بقوة لتضمها حُسنه برحابة صدر تستمع لهمسها بافتقاد: وحشتيني..
ربتت على ظهرها برقة وفصلت العناق وسألتها عن حالها بحنان أمومي: كيفك يا حبيبتي..
أراحت رأسها فوق صدرها وقالت بسعادة: الحمد الله كويسة جدًا..
ـ يارب دايما يا حبيبتي.

لم تكد ترد حتى سمعت نبرة احتجاج واستياء من لمار: ايه ده؟ أنتِ قاعدة؟
رفعت ليلى رأسها وتأملتها بنظراتٍ باسمة معجبة وهتفت بإحباط: حتى أنتِ يا لمار؟

قهقهت لمار ودارت حول نفسها بذلك الساري الهندي وصوت المجوهرات والخلخال التابع له تصدر أصواتًا رنينها محبب سماعه، فكان لونه وردي شفاف مطرز بنقوشات ذات بريق لامع، يلتف حول جسدها الممشوق ببراعة بارزًا منحنياتها الصارخة، وشعرها الطويل المنساب حول كتفيها العاريين كـ هندية حقيقية، فكان يعطيها جاذبية أكثر.
أمسكت يد ليلى فجأة افزعتها أخرجتها من زخم أفكارها بينما تقول: تعالي البسي الأحمر هيبقي تحفة عليكِ..

هزت رأسها بنفي وهتفت بإرهاق: انا تعبانه بجد وخليـ..
صاحت بتعجب وهي تسحبها خلفها عنوة بمساعدة نادين: نخلي ايه هي حنتك هتبقي كل يوم ولا ايه؟ وبعدين دي مفاجأة عمّار ليكِ هتبوظيها ومش هتحطي حِنة؟
هدأت نيران غضبها وتابعت سيرها طواعية دون أن تتعبها عِندما سمعت إسمه حتى وصلت إلى غرفتها، ساعدتها لمار بإرتدائة برفق وزينت وجهها بمساحيق التجميل الصارخة..

والآن كانت تضع لها القراط لتسألها ليلى بفضول لم تستطيع السيطرة عليه أكثر من هذا محركة شفتيها ذات الحمرة القاتمة: هو عمّار اللي عمل كل ده؟
قهقهت لمار وأردفت وهي تنظر إليها عبر المرآة: أكيد هيكون عمّار أومال مين؟
عبست ليلى وسألتها بحزن شاعرة بثقل الحلي الذي تضعه بأنفها: اومال مش بيرد عليا ليه هو فين؟
قالت بتعجب وهي تفكر أنها أتت من الخارج ولم تراهما: في الجنينة مع قُصيّ من بدري، مشوفتيهمش..

هزت رأسها بنفي والحزن يطغي عليها بشدّة بسبب تجاهله لها فهو عادةً لا يفعل هذا!
عبست لمار وهي تراقبها ثم مسدت كتفيها وواستها بقولها: أنتِ تعرفي إنهم في الهند ممنوع العريس يشوف عروسته يوم الحِنة عشان فال وِحش! أكيد هو مستخبي منك عشان كده روقي..

افترت شفتيها عن ابتسامة رقيقة وهي تنظر إليها بامتنان بسبب محاولتها لجعلها سعيدة لتستطرد لمار بيأس بسبب تفكير الرجال: أصلا كده كده هيشوفك وهيطُب عليكِ فجأة خليكِ جاهزة يلا بقى ننزل..
أومأت وسارت معها وخلخالها يصدر رنين من حركة أساورها يجعلها تقهقه، فكان الساري ذات حمالتين رقيقتين يصل لنصف ضلوعها ومن ضلوعها إلى سرتها عاري يظهر بشرتها الحليبية ويحوط خصرها سوار ذهبي من فوق الساري.

كانت دهب تغني في الأسفل أغاني شعبية قديمة بصوتها العذب كـ عمّار وهي تطبل والبقية يصفقون مرددين خلفها بسعادة، جلست ليلى بجانب حُسنه بإبتسامة عذبة لتقترب منها المرآة كي تنقش الحنة فوق جسدها..
قالت بهدوء عندما سألتها أين تريد الرسم: ممكن حاجة رقيقة على رقبتي وايدي بس..
اعترضت لمار وأوصتها دون أن تعبأ بـ ليلى: ايه ده ايه ده، والصدر لازم الصدر ارسمي عليه قوس وسهم..

تدخلت نادين مقترحة: لأ إكتبي عليه عمّار..
نفت لمار بتحاذق: لا قديمة حكاية الأسماء دي أرسمي بس اللي قولتلك عليه..
تحركت المرأة لتباشر عملها فأوقفتها ليلى بقولها بتحذير متجاهلة أقوالهم: اعملي اللي انا اقوله ملكيش دعوه بيهم..

أومأت بتفهم وبدأت بالرسم فوق رقبتها بخفة، بعض النقوشات الرقيقة الطولية، ورسمت فوق يديها، ولمار جعلتها تقف عنوة وترسم خلف ظهرها ثم فوق خصرها بعدم رضي، وبدأت بالرسم أعلى صدرها الرسمة التي أخبرتها إياها ليلى بهمس..

لتظل لمار تلح حتى جعلتها ترسم خلخالين حول كاحليها، ومن ثم جلست قليلا حتى جفت وهي تراقب لمار ونادين يتراقصان بسعادة على أنغام الطبول والأغاني القديمة التي أعادت إليها الذكريات الحلوه كانت والسيئة..
سحبتها نادين من ذراعها فجأة أدخلتها بينهما ولم تتركها تفر بل أصرت على جعلها ترقص ليتوقف الجميع وتعلو صوت الموسيقي، وتبدأ وصلة رقص لن تنتهي بسهولة.
ـ صح عرفت مين اللي بوظ العربية وكان هيموتكم؟

سأل قُصيّ باهتمام عِندما تذكر ليومأ عمّار وأردف بسخط: سعيد
سأله بشك: وهي عارفة؟
ردّ بغلظة: هتعرف منين؟ أنا مقولتلهاش عشان متخافش وبعدين أنا مش معايا دليل ملموس بس مفيش غيره ممكن يعملها ابوها ميعملش كده!
لوي شدقيه وتراشق معهُ النظرات الحانقة وصوت ضحكاتهم في الداخل يصل إليهم من وقتٍ طويل، وفضوله القاتل كي يعرف السبب يجعله يجلس دون ارتياح.
وقف قُصيّ باندفاع وهتف بانزعاج: أنا لازم أدخل مليش فيه..

قهقهة آدم وراقبه بينما عمّار ألقي بجسده على العشب وظل يُحدق في السماء منتظر عودته بصفعة من والدته تلون وجنته، سيكون سعيدا إن حدث هذا.
ضغط الجرس مع طرقاته القوية فوق الباب كي يستمعوا إليه، فكانت لمار تمر من خلف الباب صدفة فسمعت ومن دون تفكير فتحت الباب..
ترنح في وقفته وشملها من أعلاها لأخمص قدميها مرارا وتكرارا يستوعب ما يراه لـ يتمتم بذهول: तुम सेक्सी हो
اتسعت عينيها وسألته بلطافة وحماس: بتقول ايه؟

أرف بعبثٍ وهو يميل برأسه غامزا:
Вы прекрасны
جعدت جبينها وهتفت باستياء: بتقول ايه؟
ـ هششششش يا أم كرش
أردفت بسخط قبل أن تصفق الباب في وجهه: أهو إنت..
ضحك بتسلية وطرق فوق الباب وهو يصيح بإصرار: افتحي بس..
لفّت المقبض وفتحت بعدم رضي، وهي تنفخ ودجيها سائلةً بغلظة: نعم؟
اقترب بخطواته منها اكثر حتى كاد يتلامسان وقد تناسى هذا وهو يدخل رأسهُ من فوق كتفها يشاهد مايحدث في الداخل هاتفا بفضول: بتعملوا ايه دخلوني!

دفعته من صدره إلى الخلف وأغلقت الباب في وجهه ليضع يديه فوقه يمنعها مترجيا: هطبلكم ومش هتكلم هسكت وهتفرج..
قهقهت ولم ترد عليه بل صفقت الباب في وجهه ودخلت..
طرق مجددًا بإصرار وهو يصيح مقترحا: هغني طيب افتحي..
ابتعد بخطواته إلي الخلف بجزع عِندما رأي تحرك المقبض، وكان معه حق..
انحنت حسنه وخلعت حذائها وهي توبخه: خبر ايه يا جليل الرباية يا مزبلح إنت؟
ضحك ولاذ بالفرار قبل أن يطوله الحذاء ويتسطح محله..

انتهت الأمسية بسعادة، وذهبت لمار وعادت حُسنه ودهب مع السائق لأن قُصيّ لن يستطيع أن يعيدهم كما أتي بهم..
لم تصعد ليلى إلى غرفتها كي ترتاح، بل ظلت جالسة محلها تحدق في الباب بترقب، تنتظر إتيانه لكنهُ لم يأتي وكم هذا خذلها.
أخرجها من شرودها جلوس نادين بجانبها ومعانقتها بقوة هامسة بحزن: هتوحشيني أوي..
تنهد ليلى بحزن وسألتها بنبرة راغبة في جعلها تتراجع: بردو مش عايزة تغيري رأيك؟

زمت شفتيها وأردفت برفق وهي تسند رأسها فوق كتفها: يا حبيبتي مش هتأخر عليكِ، وبعدين أنا عايزاكِ تبقي رايقة ومتفكريش في حاجة خالص غير حياتك بس اتبسطي وافرحي ومتشليش هم إتفقنا؟
نظرت إليها بحنو أومأت بطاعة وهمست: إتفقنا.
بعد بعض الوقت، صعدت إلى غرفتها بإحباط تجر خيبتها خلفها، بينما عمّار كان يجلس على سور الشُرفة ينتظرها من وقتٍ طويل..

خلعت أساورها وقذفتهم فوق السرير بغضب ثم جلست على طرفه ورفعت قدمها كي تنزع خلخالها، وقذفته بغضب هو الأخر ثم ألقت جسدها على السرير وفردت ذراعيها بجانبها وحدقت في السقف لدقائق وصدرها يعلو ويهبط بانفعال وعقلها منشغلا به.
ثانية، اثنين، ثلاثة، وشعرت بأنفاسه الدافئة تضرب صفحة وجهها، اختلج صدرها وتسارعت أنفاسها وحركت رأسها إلى الجانب لتلامس أنفه بأنفها.
ابتسم وهمس بمكر وهو يحدق في شفتيها: بتفكرى في إيه؟

رمشت بتعجب، تحاول استيعاب وجوده معها في الفراش ينظر إليها تلك النظرات الماكرة!
شهقت بتفاجئ وانتصبت جالسة فضحك ورفع جسده ومد يديه إلى طرف الساري الخاص بها بخبث متطلعا إلى قوامها البادي كـ جذوة جمر مشتلعة لتتنبه حواسها وتبتعد جازعة سائلةً بغضب: عاوز إيه؟ وإيه اللي جابك هنا؟
دار حول السرير وتقدم منها بينما يقول بمكر وهو يرفع كلا حاجبه مع هز كتفيه: هعوز ايه يعني؟ عايز حقي..

ردت متبرمة وقامت بطرده: ملكش حاجة عندى إتفضل شوف أنت رايح فين!
قهقهة وأستمر في التقدم مراقبًا ملامحها الحزينة التي تخفيها خلف قناع الغضب المتصدع فهي لا تجيد التصنع بتاتًا، متلهفة رغم غضبها منهُ..
سقط نظره على صدرها ليقطب جبينه بتعجب هاتفًا وهو يأشر على رسمتها: ايه ده؟ كلب ده ولا ايه؟

جحظت عينيها وشهقت بتفاجئ ورفعت يديها تخفي صدرها ووجنتيها تنصهران من الخجل، تعود إلى الخلف بخطواتٍ مبعثره، حافية القدمين والتوتر يغمرها، مستمرا في التقدم حتى حاصرها بينه وبين الحائط معتقلا خصرها بين يديه الباردة..
إهتز جسدها بخفة وشهقة خافته هربت من بين شفتيها بسبب ملمس يديه الباردة فوق بشرتها الدافئة..
همس وهو يضيق عينيه بمكر: شيلي إيدك شيلي وسبيني أتفرج على الكلب..

تنفست بعنف من فرط التوتر وهمست بتلعثم وهي تتهرب من نظرات: د، ده، ده مش كلب..
فطلب وهو يرفعها وأوقفها فوق قدمه: طب وريني؟
رفضت وهي تخفض رأسها برفض، تُحاول التملص والنزول عن قدمه، وتثبت يدها فوق صدرها بقوة وإصرار، يُحرك أنامله فوق خصرها عامدًا على بعثرتها وجعلها ترغب في نفس ما يفكر به الآن وهو يطالع هيئتها المغرية و المثيرة هذه..

ازدردت ريقها بحلق جاف وسيطرت على نفسها قليلا ومن ثم رفعت رأسها وصاحت زاجرةً له بغضب: أنا مش بكلمك أصلا واتفضـ، وابتلع بقية هجومه على شفتيها، يضمها بقوة يُقبلها بنهمٍ وشوقٍ قاتل، يرتوي من رحيق شفتيها، يطوف في نعيمه الخاص، فهو من يومين يتوق إلى هذه اللحظة، تخيل هذا كثيرا وتاق إليه اكثر لكنه لم يعرف أنه بتلك الروعة..

سقطت يدها عن صدرها والتفت حول خصره تشد على قميصه بقوي خائرة مستسلمة إليه بكل جوارحها وهي تغمض عينيها بتخدر، وأنين خافت يصدر منها كان يبتلعه هو ولا يجعله يخرج، فهي تسحق رجولته ولا يستطيع التحمل أكثر من هذا أمامها.
فصل قبلته لأجل التقاط انفاسها المسلوبة، مستندا بجبينه على جبينها لاهثًا بتهدج والحرارة تزحف لأوصاله هامسًا برغبة لم يستطع كبحها أكثر: ليلى، ليلى..

ذائبة، ذائبة بين يديه لم تقدر على الحركة ولا الحديث وهذا كان سببا آخر جعله يفقد سيطرته على نفسه ويرغبها الآن، فهي زوجته في النهاية..
أعاد الكرّة وأبعد الساري الذي يعوقه عن نصفها العلوي وحملها إلى السرير مستمرًا في سرقة قبلاته المحمومة التي دمغها فوق بشرتها..
جثم فوقها مغيبًا تمام في عالمٍ آخر يجوبه معها غارقا في لذته غير مكترثا بالزفاف الذي لم يحدث بعد.

تناهى إلى مسامعها الصوت الذي أثلج كليهما وتوقف ما كانا مقدمين عليه دون تفكير..
امتقع وجهها وشعرت بالرعب وهي تتبادل معهُ نظراته المتفاجئة بنفسه وهو يحملق في أصابعهما المتشابكة وصوت نادين يصل إليهما: مامي، إنتِ في الأوضة؟

لم يسعفه عقله كثيرًا بالتفكير في الهرب كما جاء فاكتفي بالركض إلى المرحاض والأختباء داخله بينما ليلي دثرت نفسها أسفل الغطاء من أعلاها لأخمص قدميها وصدرها يلكم قفصها الصدري بعنف، توصد جفنيها بقوة غير مصدقة ما كان سيحدث إن لم يستمعا إلى نادين..

دخلت نادين إلى الغرفة وهي تفتح فمها كي تصيح لكنها تمنعت في اللحظة الأخيرة عِندما رأتها نائمة تُدثر نفسها داخل الغطاء، تبسمت واستدارت للذهاب لكن صوت رنين هاتف قادم من داخل المرحاض استوقفها..
أغلق عمّار الهاتف سريعًا وهو يقفز محله في الداخل شاتما المتصل بلفظٍ نابي غاضب.
نظرت نادين بين باب المرحاض ووالدتها بشك تأكدت منهُ عِندما رأت جسدها يهتز أسفل الغطاء، إنه هُنا، قهقهت بخفوت.

وإنسحب خارج الغرفة كأنها لم تلاحظ شيء..
وضع رأسه أسفل صنبور المياه الباردة، يخمد نيرانه المستعرة ثم رفع رأسه ونظف حول شفتيه من أحمر الشفاة خاصتها محاولا تخطي ما حدث بشتى الطُرق قبل أن يخرج ويراها مجددًا في هذه الحالة.
رتب ملابسه بتركيز وشذب ذقنه ثم خرج وأغلق الباب ليبصرها كما هي على حالها تخفي نفسها تماما، جيد لا يريد رؤيتها الآن.

تحمحم ثم قال بنبرةٍ مُرتفعة قليلا كي تسمع: متنسيش فرحنا بكره الصبح نامي كويس..
المتبجح يطلب منها النوم بعد كل هذا، ستريه غدا، ظلت تتذكر وتنصهر من الخجل وحدها، تتعرف على ذلك الشعور الغريب اللذيذ الذي تجربه لأول مرة معهُ حتى غلب عليها النعاس وغفيت من فرط التعب.

قفز من الشرفة إلى الشجرة كما صعد ونزل بهدوء منتبها كي لا يسقط وتنكسر رقبته، ذهب إلى الخارج مباشرةً، واتجه ناحية سيارته لكن استوقفه صوت ضحكات مجلجلة تأتي من أمامه.
رفع رأسهُ عندما إنتبه وهتف بتعجب وهو ينظر إليهما كيف يقفان أمام السيارة يتسامران: انتوا لسه هنا؟
التفتا إليه سويا ظنًا أنه سيأتي ويقترب لكنهُ ناظر كليهما بإبتسامةٍ فهمها قُصيّ ما أن رآها وهرب قافزا داخل سيارته كي يذهب ولا يسألانه عن شيء..

ركض قُصيّ خلفه صائحا بابتسامة ماكرة: عملت ايه خُد هنا شكلك باين أوي يا مراهق..

ظُهر اليوم التالي..
توقف آدم بالسيارة أمام الفندق المُطل على النيل الذي سيقام به الزفاف في الحديقة، ترجل عمّار حاملا باقة الزهور البيضاء، يتأملها بإبتسامة لطيفة مرتديا حلته الأنيقة.
جذابا أكثر من أي وقتٍ مضي، يبتسم كمن فاز باليانصيب، مزاجة رائق خال من الهموم كطفل صغير لا يعرف سوى اللهو والنوم في أحضان والدته، لا ينافسه شخص في العالم على سعادته اليوم.

لكن يظل الضجر يأخذ نصيبه من سعادته بسبب وجود شخص مثل قُصيّ في حياته.
سأل آدم بانزعاج وهو يسير معهُ إلى الداخل الفندق كي يذهب إلى غرفة ليلى: والبيه فين؟
تنحنح آدم وهتف بهدوء: كان نايم لما كلمته زمانه جي دلوقتي، أنا هروح أنا أستقبل الضيوف عقبال ما تنزل أنت تمام..
أومأ إليه بتفهم وتابع سيره إلي الداخل مغمغما بغيظ متوعدا إليه: نايم الخروف ماشي، ماشي.

أطلقت لمار زغرودة سعيدة صدحت في أرجاء الغرفة وهي تدور حول نفسها بفرحة، توقفت تلتقط أنفاسها ثم صاحت بصوتٍ مرتفع متحمس: أنا مبسوطة أوي أوي مبروووك..
ضحكت ليلى بنعومة وهي تنظر إليها عبر المرآة وكادت تقف لكن لمار سارعت بالاقتراب وهي تنظر لخطواتها كي لاتدعس فوق فستانها، وعانقتها من الخلف بسعادة صائحة بحب: ربنا يتمملك بخير يا لي لي أنا فرحنالك جدا جدا يعني..

ربتت ليلى على يدها بحنان وهتفت باسمة: حبيبتي تسلميلي عقبالك..
عقدت لمار كلا حاجبيها وقالت بعبوس: وليه السيرة دي دلوقتي؟ أنا فكرت كتير الصراحة قبل ما أعمل كده وملقتش حل غير إني أطلب آدم للجواز..
ـ إيه؟!
هتفا كلتاهما باستنكار وهما ينظران إليها لتنبهها نادين بقولها: آدم بيحب تالين يا لمار هيكسفك! وبعدين كُنت فاكراكِ معجبة بـ قُصيّ تيجي تقوليلي آدم؟
رمشت لمار بتعجب وسألتها بعدم فهم: قُصيّ ليه قُصيّ؟

كادت نادين ترد لتقاطع ليلى كلتيهما بحزم: ولا آدم ولا قُصيّ الاثنين مينفعوش! واحد متجوز وخاين والتاني بيحب مرات أخوه!
أضافت لمار وهي تهز رأسها: عنده بنت كمان نسيتي دي، وتنهدت من أعماقها وأردفت تستطرد بإحباط: أنا عارفة اني منحوسة وهرجع لأهلي وهعيش معاهم وخلاص واللي يحصل يحصل بقي.

تنهدت ليلى ووقفت من محلها بعد أن أبعدت ذيل فستانها للخلف وتقدمت منها بابتسامة عذبة، أحتضنت يدها بين يديها بدفء وهتفت برفق: لمار أنتِ عندي متفرقيش كتير عن نادين، وأنا كـ أم عمري ما أتمني لـ نادين حد زي آدم أو قُصيّ..
ابتسمت لمار وشاكستها: يبقي حد زي عمّار؟

ضحكت ليلى بخفة وهتفت بنفي: ولا عمّار، مفيش حد خالى من العيوب يا لمار بس في عيب تقدري تتعايشي معاه وفي عيب لأ، هتظلمي نفسك لو اتجوزتي واحد قلبه مع واحدة تانية! هتبقي تعيسة طول حياتك، أما لو اتجوزتي واحد خاين هيجي يوم وهيخونك مهما حبك لأنه حب بردو البنت اللي خانها معاكِ ودي حاجة مفيش أي ست تقدر تستحملها، قُصيّ شخصيته جميلة ومفيش خلاف على كده بس ده عيبه الوحيد والعيب ده غير قابل للتصليح وصعب أنك تصلحيه لأنك هتتعبي، إنتِ جميلة يا لمار وأي راجل يتمناكِ، في حد أكيد يستاهلك ويستاهل حُبك وحنيتك مش أي حد كده وخلاص نديله مشاعرنا..

أومأت بتفهم وهي تبتسم بامتنان ثم أردفت بنبرة حانيه: أنا معاكِ في كل اللي قولتيه، بس المفروض لما نلاقي حد بيغلط ننصحه ونساعده وناخد بـ إيده مش نسيبه كده ونقول غير قابل للتصليح! مفيش حاجة مش قابلة كل حاجة بتتغير وبتتبدل ولا ايه؟
ابتسمت وقالت مؤيدة: عندك حق بردو بس أنا عايزالك الأحسن..
هتفت بقلة حيلة: وأنا والله عايزه الأحسن بردو، بصي هرجع لأهلي بس خلاص..

ضحكت ليلى وقرصت وجنتها الممتلئة بخفة، فكانت ترتدي فستان أبيض يصل إلى ما بعد ركبتيها بقليل بحمالتين عريضتين، زينت عنقها بقلادة رقيقة ذات فص لامع في المنتصف ولم تصفف شعرها فهي لا تحتاج هذا، ونادين كانت ترتدي فستان أسود طويل يلمع دون أكتاف وصففت شعرها.
ـ الباب بيخبط أكيد عمّار..

صاحت نادين بحماس وركضت كي تفتح بينما لمار أوقفت ليلى في زاوية الغرفة وجعلتها توليها ظهرها ووقفت تنتظر عمّار وهي تأخذ شهيقًا وزفيرًا بعمق كي تهدأ، ترفع رأسها بشموخ وهي تتذكر تهديده عن شعرها والفستان الذي لم تمسه فهو يعجبها هكذا!
هتفت نادين بسعادة وهي تفتح الباب: عموري إتفضل..
قهقهة ووثب إلى الداخل بحماس وقلبه يسبقه وعينيه تبحثان عنها بلهفة، فلا يطيق صبرًا لرؤيتها..

أبصر لمار تقف فوق الكرسي تحمل هاتفها تلوح له من خلفه وهي تصوره بحماس تنتظر تقدمه خطوتين فقط، وقد تقدم، كان مبتسماً وسعيدًا لكنها تهوى النكد وستناله..
نظر باقتضاب إلى تلك المتبجحة التي تقف وتصدر ظرها إليه ببساطة وكأنه لم يتحدث!
هتف بغلظة وهو يلوح بباقة الزهور: أخرجوا براا وسيبونا لوحدنا يلا..
تذمرت لمار بضيق وهي تدهس فوق الكرسي: طب كمل طيب عشان نصوركم يا مدمر اللحظات!

هدر بحدّة أجفلتهم جميعًا: بقول برااا
استدارت ليلى وواجهته وهي ترفع فستانها بجزع بينما لمار هرولت إلى الخارج كـ جرو لتقهقة نادين وتختبئ في أحد الزوايا في الخلف وأخذت هي مهمة التصوير.
ازدردت ليلى ريقها بحلق جاف وترنحت في وقفتها عِندما بدأ يتقدم منها صائحا بتهكم: شكلك عايزة تلبسي بدي كرينة وأنا هلبسهولك.
عقدت يديها أمام صدرها وهتفت باستنكار: بدي كرينة؟ بطل فِلح بقي يا فلاح.

ارتفع كلا حاجبيه وقذف باقة الورود من يده لكن ليس بقوة كي لا يفسده وهدر باستهجان: فلاح! شوف مين بيتكلم بنت النتن اللي جاية من تحت الجاموسة بتقولي يا فلاح على أخر الزمن..
احتقن وجهها وهتفت بعصبية: مين دي اللي جاية من تحت الجاموسة يا برميل الترشي! ده أنت كنت بتلبس جلابية أبوك وبتجري بيها في الشارع حافي!
هدر بدون تعبير وهو يتقدم حتى توقف أمامها أخافها: هي وصلت لـ جلابية أبويا؟ أنتِ عايزة تطلقي صح؟

عادت إلى الخلف بتعثر وهي تتحاشاه وقلبها يخفق بعنف، فأمسك ذقنها ببنانه برفق رافعا وجهها لتنظر إليه بأعين لامعة، وامتدّت يده إلى الورده البيضاء الموضوعة في جيب سترته فوق قلبه وأدخلها بين خصلاتها فوق أذنها وهمس بهيام: كده أحلى يا أجمل عروسة في الدنيا.
تهللت أساريرها وأفترت شفتيها عن أجمل إبتسامة يراها في حياته ثم ضربت صدره وعانقته بقوة هامسة بعبوس: أخص عليك يا عمّار خوفتني..

قبل رأسها بحنان وهمس وهو يرفع رأسها محتضنا وجهها بين يديه: لا عاش ولا كان يا غزالي، يلا بقي طمنيني على الكلب..
توردت وذكريات أمس تتوافد على عقلها لتهمس بخجل وهي تشد سترته: قُلتلك مش كلب يا عمّار!.
همس بمكر: طب وريني عشان أعرف!
هزت رأسها برفض وهي تنظر في أنحاء الغرفة لتبصر باقة ورودها التي قذفها فهمست بحزن: بوظت بوكيه الورد بتاعي!

تركها وألتقطه من فوق الكرسي وقلبه بين يديه يتفحصه بينما يقول وهو يناوله لها: مبظش ولا حاجة أهو جميل وأبيض يا أبيض أنت يا قشطة..
ابتسمت بنعومة وهي تأخذه برقة كي لا يفسد ليقرص وجنتها بخفة قائلا بعتاب: أنا مش قولتلك مش عايز ضهرك يبقى عريان؟
زمت شفتيها وضمت كلا حاجبيها بحزن.

وأردفت مبررة وهي تتحسس رؤوس الورود بأناملها: فكرت كتير والله يا عمّار بس حتى شعري مكنش هيداري حاجة زي ما أنت مُتخيل وملقتش بديل ولا أي حاجة للفستان غير إنه يتلبس كده..
تنهد بضيق وهتف بجدية وهو يتابع لطافتها: وأنا مش هنزلك كده براحتك بقي أنا قُلتلك شوفي حاجة غير ده!
زادت من ضم حاجبيها وهتفت بأسي: حرام عليك هتزعلني يوم فرحي!

مسح وجهه بعصبية وهو يتنهد تنهيده الاستسلام الخاصة بما قبل الموافقة لتبتسم بخفة مدركة موافقته قبل أن يتحدث، فهي تعرف أنهُ يحبها ولن يحزنها، كما تعرف تماما أنه مهما بلغ قدر غضبه لن يستطيع أذيتها فحبه الذي لا حصر لهُ كان هو الدافع الأكبر الذي جعلها ترضى به.
إقترح بحياد عقلاني: طيب هقولك حل وسط عشان إحنا الاثنين منزعلش، هتنزلي بس هتلبسي طول الفرح جاكت البدلة تمام؟

عادت للعبوس وقالت بعدم رضي: ده مش حل وسط هي هي، الفستان شكله هيبوظ كده!
أبعد نظره عنها باقتضاب دون أن يضيف شيء، وبوادر الغضب تظهر عليه، فوضعت باقة الزهور جانبا ثم أمسكت كفه بين يديها بحنان وطلبت برجاء: طيب يا عمّار هلبسه بس سيبني أنزل كده وندخل مع بعض وبعدين ألبسه، أهم حاجة الدخلة يا عمّار عشان خاطري وافق..

نظر إليها بطرف عينيه فأومأت بعبوس وهي تزم شفتيها وعادت تُكرر: عشان خاطري، عشان خاطري، ثم مالت برأسها واستطرد سائلة بلطافة وعيناها تلمع كالقطط: مش أنا غزالتك؟
ابتسم وأحاط خصرها دافعا بها إلى صدره بخشونة وهتف بعدم رضي وهو يتأملها: أنتِ بتثبتيني كتير وكده مينفعش!
همست وهي تدس نفسها في أحضانه: ربنا يخليني ليك وأثبتك دايمًا يا حبيبي.

أمّن على قولها وقبل جبينها ثم حثها على الذهاب وهو يمد مرفقة إليها: يلا بينا؟
أومأت وهي ترفع باقة الزهور ثم ترفقت ذراعه بإبتسامة وسارت معهُ إلى الخارج لتسبقهم نادين قبل أن يرونها وهي تضحك بانتصار وتركت بقية المهمة إلى المصور الحقيقي الذي أتي كي يسجل ماسيحدث في الأسفل.

تثاءب قُصيّ بنعاس وهو يمط ذراعيه وأشعة الشمس تضرب وجهه، يتفحص الحديقة بنظراته باهتمام يبحث عن السبب الأوحد لإتيانه بسرعة دون تأخير، تأمل الحديقة المزينة بالورود البيضاء التي ترفرف مع نسمات الهواء الهادئة وصوت الموسيقي الكلاسيكية..
لمحه آدم من بعيد فأقبل عليه مهرولا وضرب كتفه وهو يتساءل باستفهام: بتدور على مين؟
تمتم بجوع وهو يلتفت حوله: فين البوفيه أنا جعان.

عقد كلا حاجبيه وتمتم بهدوء: مفيش بوفيه همه ساعتين وماشيين اكل ايه؟
هتف بتهكم وهو يلتفت بانفعال: يعني مش هاكل؟ أنا جعان! مأكلتش من إمبارح وهسخسخ كده.
ضغط آدم على كتفه وقال بشدّة: لأ أنت جميل ومش هتسخسخ ولا حاجة..
إحتج بضيق: لأ، أنا جعـ، إنت رايح فين؟
تركه آدم في منتصف حديثه عِندما أبصر لمار تتقدم، فكتف قُصيّ يديه أمام صدره وراقبه باقتضاب..

بينما هو وقف أمامها فجأة جعلها تعود خطوتين إلى الخلف بابتسامة متعجبة وهو يقول: لمار ممكـ..
قاطعته هي بسعادة: كويس أني شوفتك عايزة أقولك حاجة..

وقفت معهُ حول أحد الطاولات وهتفت في ذروه حماسها قبل أن يتلاشى وهي تشرح بيدها: آدم أنا كُنت عايزة أقولك أن أي حد في حياته بيواجة صعوبات وأزمات وبيحتاج حد يكون جنبه ويدعمه، ومش كل العلاقات بتتبني على الحُب يا آدم في أساسيات تانيه، وأبعدت خصلاتها خلف أذنها بنعومة واستطردت بارتباك: أنا ملاحظة إنك حزين شويتين وأنا كمان عندي أحزان..

وتوقفت ثوانٍ تراقب تعبيره قبل أن تكمل ببعض التردد: تيجي نحط أحزانك على أحزاني ويبقوا حُزن واحد؟

اتسعت ابتسامته أكثر جعلها تنشرح وتتوقع الأفضل، وكادت تصرخ بسعادة عِندما أمسك كفها بين يديه وهتف بلطف وهو يبتسم في وجهها لتحزن هي: لمار أنا مسافر، عشان كده كان لازم أتكلم معاكِ، أنا عارف إنك معجبة بيا وأنا كمان معجب بيكِ وبشخصيتك الجميلة بس ده مش معناه أننا نتجوز! في فرق بين الاعجاب والحب، يعني أنتِ بسهولة ممكن تعجبي بحد شُفتيه صدفة مثلا في الطريق هل ده كفاية عشان تتجوزوا؟ هل هيصادف وهتشوفيه تاني؟ لأ، الخلاصة يا لمار عايز أقولك إنك مش بتحبني وبتقنعي نفسك إنك بتحبيني على الفاضي و متعلقة وخلاص، أنتِ جميلة وحقيقي غبي اللي يسيبك، أنا لو كُنت قابلتك قبلها يمكن كُنت حبيتك أنتِ مش هيه فاهماني؟

أومأت بتفهم هي تكبح عبراتها ليستطرد بتأنيب: لمار أنتِ عشان غالية عندي بقولك الكلام ده، مش عايزك تزعلى..
ابتسمت رغما عنها ورفعت رأسها وهي تبلع غصتها: لأ مش زعلانه ولا حاجة عندك حق، وأنا كمان كُنت هقولك في الاخر اني هرجع اعيش في بيت بابا تاني..
ابتسم لأجلها وشجعها بسرور: كده أحسن وهتكوني مبسوطة أكتر مش كده؟
أومأت بابتسامة متألمه واستأذنت منه وهي تتحاشاه بنظراتها: لأ كده طبعا عن إذنك..

أومأ بابتسامة هادئة وتركها تذهب، فمرت من جانب قُصيّ دون أن تنتبه إليه بسبب رأسها التي انكستها واختفت عن الأنظار..

تنهد قُصيّ وهو يتساءل بنفسه عن ما تحدثا به جعلها تحزن بذلك القدر الكبير، استدار ونظر إليها بتفكير أثناء ابتعادها، وكاد يذهب خلفها كي يتناول أي شيء في مطعم الفندق لكن استوقفه، بل صدمة رؤيه عشق تسير جنبا إلى جنب مع الطبيب الأقرع هذا وهي تتلفت حولها تبحث عن أحد تعرفه، وترتدي الفستان الأسود الذي أعطاه إليها عِندما كانت في منزله، هل أتت لتغيظه أم ماذا تفعل؟

اسند مرفقه فوق الطاولة ووضع أنامله فوق شفتيه وظل يراقبها بدون تعبير، راصدا كل حركاتها معه بتدقيق حتى ألمته عيناه، أغمض عينيه وفركها بخفة، أعاد فتحها بتباطؤ ونظر أمامه فوجدها اختفت..
تلفت حوله مشدودا وبحث عنها بناظريه ليرصدها تبتعد إلى داخل الفندق ومن دون تفكير ذهب خلفها.
توقفت أمام دورة المياة النسائية عِندما رأت لمار تقف بجانب الباب بوجه شاحب تنظر إلى الرجل الذي يقف أمامها يبتسم بتعالٍ وغرور.

وثبت إلى دورة المياه دون أن تهتم بهما، لفت المشهد نظر قُصيّ فتقدم منها بتعجب وهو يعقد كلا حاجبيه..
ـ عاملة إيه يا لمار؟
كرر طليقها الذي قابلته صدفة سؤاله الذي لم تمنحه إجابته، حركت شفتيها بصعوبه كي تجيب شاعرة بالإنكسار والنقص وهي تنظر إليه لكنها عجزت عن التفوه بحرف، فهي لم تتخطاه بعد ولم تتخطي ماحدث.
ـ لمار واقفة كده ليه؟

انتشلها من ضياعها صوت قُصيّ الذي طمأنها، أمسكت يده وضغطت فوقها تستمد منهُ القوة شاعرة بالأمان لوجودة معها هُنا، أخفض بصره إلى يدها التي تضغط على يده متعجبًا فِعلها!

تشجعت وابتسمت ابتسامة لم تصل لتقاسيم وجهها وهي تقترب من قُصيّ أكثر بطريقة جعلته يرتاب، كاد يسألها ما الخطب معها فلم تترك لهُ مجال للحديث عِندما رفعت كفها إلى وجنته تتحسسها بنعومة وأمسكت كفه بيدها الأخري ولفته حول خصرها دون أن ينتبه الأخر هامسة بابتسامة رقيقة: أنا الحمد الله مبسوطة و اتجوزت..
فغر قُصيّ فمه بعدم فهم، فهو كان يظن أنها مجنونة لكن الآن تأكد من هذا..

لم يتذاكى ويتحدث بل تريث وجاراها بصمت ودفع بها إلى صدره مقربا إياها أكثر منهُ حتى يفهم، أو كي يعيد تجربه شعوره النادر عِندما تكون في القرب منهُ.
ألقى الأخر عليه نظرة عابرة متفحصة لم تكن سعيدة.
دس يديه في جيب بنطاله وأردف وهو يرفع حاجبه ببعض التحدي: قُصيّ رشدان! مبروك انا كمان اتجوزت ومراتي حامل..
اهتزت مقلتيها وأدمعت عينيها وهتفت بصوتٍ خافت متأثر: مبروك..

أومأ بابتسامة وغادر بهدوء دون الالتفات لتنسل عبراتها بأسي وذكرياتها معهُ تتوافد على عقلها..
سألها بنزق وهو يحدق في ظهره: مين الساقع ده؟
ابتعدت بسرعة عِندما إنتبهت لنفسها بسبب تخطيها حدود الأدب معهُ واعتذرت بندم: أنا آسفة يا قُصيّ مكنش عندي حل، كان لازم أبين اني مش مكسورة و عايشة مبسوطة.
أومأ بتفهم مراقبا عبراتها التي لا يعرف سببها ليسأل مستفهما: هو ده طليقك؟

أومأت وهي تطرق برأسها ليهتف بسخط: وماله كان بيتكلم كده ليه؟ وأنتِ بتعيطي ليه أصلا ما فـ داهيه تاخده هو الخسران!
ابتسمت بحزن وهزت رأسها نافية وهي تقول بشفتين مرتعشتين بانكسار: لأ مش خسران ومفيش حد هيتجوزني وهيبقي كسبان عشان انا مبخلفش..
واجهشت في البكاء بنهاية قولها وهي تغمر وجهها بين راحتي يديها أحزنته عليها.

تنهد ورفع ذقنها بإبهامه وهمس وهو ينظر داخل عينيها الباكيتين: أنا لو بحبك عمري ما هسيبك لو اكتشفت انك مش بتخلفي..
هزت رأسها بأسي وهتفت بانهيار وعينيها تفيض من الدمع: قُصيّ أنا وحيدة، حسه إن كل الناس بتكرهني وبتتعامل معايا شفقة، مليش هدف ومش عارفة المفروض اعمل ايه، حياتي وقفت من ساعة ما اتطلقت ومش عارفة ابتدي من جديد، أنا مش مبسوطة أنا تعيسة..

ومن دون مقدمات ضمها إلى صدره بقوة كي تهدأ وتتوقف عن البُكاء، وأخذ يمسح على شعرها الحريري بنعومة نزولا إلى ظهرها بحنان مهدئا إياها بنبرة حانية لكي تتوقف عن الانتفاضة بين أحضانه وهي تشد على عناقه: هشششش، كفاية عياط محدش يستاهل..

لكنها لم تتوقف بل ظلت تبكِ حتى فصل العناق دون أن يبعدها عنه وجفف عبراتها برقة ملامسا وجنتيها الدافئة الهلامية هاتفا بإبتسامة: الدنيا مش بتقف على حد صدقيني، والله هو الخسران، وبعدين يا لمار كلنا بنحبك ايه اللي هيخلينا نتعامل معاكِ شفقة؟ ناقصة ايد ولا رجل أنتِ! الإحساس ده نابع من جواكِ ومش مظبوط غيريه.

أومأت بتفهم وهي تستنشق ما بأنفها ليضغط بإبهامه فوق وجنتها بخفة هاتفا بابتسامة مشاكسة: وبعدين ده أنا بقول البت إنشراح دي فرفوشة وڤيرس سعادة تيجي تنكدي كده! ينفع؟
هزت رأسها بنفي وهي تزم شفتيها ثم وعدته بصدق بينما عينيها كانت تعده بشيء آخر: مش هنكد تاني خلاص هفضل ڤيرس سعادة..

ابتسم برضى وحررها لتبتعد وترتب شعرها تحت إبتسامته وهو يحدق به، ثم جففت عبراتها وتحركت للذهاب ليستوقفها سؤاله المتحير: لمار أنا شامم ريحة حاجة مسكرة كده من بدري هي ايه؟
قهقهت لمار وقالت بتفكير وهي تمسك خصله من شعرها: دي ريحة زيت جوز الهند اللي بحطه على شعري.
ابتسم ببلاهة و أستأذن بفضول وهو يقترب كي يتأكد من رائحته: تسمحيلي؟
أومأت وهي تناوله بعض الخصلات يستنشقها ليبتسم ويهتف مؤكدا: اه جوز هند.

ضحكت بنعومة ثم سألته وهي تتحرك: مش يلا عشان الفرح؟
أومأ بتفهم وقال وهو يحدق في باب دورة المياة: روحي وجاي وراكِ.
أومأت وسبقته ليلتفت ينظر إليها بابتسامة، فهي الوحيدة التي لا يستطيع أن يفكر بها بطريقة وقحة أو ينظر إليها بشهوانيه، إنها مختلفة..
استدارت فجأة فاجئته، فأبعد نظرة بسرعة وهو يحمحم، يجلي حنجرته ويفرك طرف حاجبه متهربًا.
أكدت عليه بابتسامة: متتأخرش يا قُصيّ..

أومأ بطاعة وقال بصدق: على طول والله مش هتأخر..
أومأت بابتسامة عذبة واستدارت على عقبيها لتختفي ابتسامتها ويحل محلها التعجب!، فهو لمَ كان ينظر إليها بتلك الطريقة؟
اختنقت صرخة قهر في حلق عشق وهي تستمع لكل شيء من خلف الباب بقلبٍ مدمي.

عضت شفتيها بقوة تمنع بكائها لكنها لم تستطع، غسلت وجهها وهي تنهنه كي تتوقف عن البُكاء ثم رفعت وجهها تنظر إلى نفسها في المرآة وما إن لبثت حتى إنفجرت باكية وهي تهز رأسها بأسي..

كانت متأكدة أن هناك خطبا ما مُنذُ أن رأته، تغير بسبب تلك الفتاة، هي من أمس تفكر في رد فعلها المستعجبه عِندما رأت أسم قُصيّ وعرفت الآن لماذا، قُصيّ لن يترك إمرأة جميلة تمر هكذا دون أن يُحرك ساكنًا، وهي ضعيفة ورقيقة ومنكسرة وقُصيّ ذات القلب الرقيق الكبير الذي يسع لنساء العالم لن يطاوعه رؤية إمرأة منكسرة كل هذا الوقت علاوة لكونها لا تنجب، يا إلهي قُدِّمت إليه على طبقٍ من ذهب.

ضحكت بسخرية وهي تتذكر قول نادين أمس، صديقتهم نعم صديقتهم و قريبا عشيقة قُصيّ الجديدة.
مسحت عبراتها بظهر يدها بعنف وعدلت مظهرها عازمه على الذهاب دون العودة، فهو لا يستحق حُبها وإن طلب منها الزواج لن تقبل به وستغادر.
فتحت الباب بقوة وخرجت لتنتفض بفزع عِندما وجدته يقف ينتظرها في الخارج..

تخطته وذهبت لكنه سحبها من ذراعها لتنفلت منها شهقة ذعر وهو يدفع بها إلى الحائط وأشرف عليها بطوله الفارع سائلا بتهكم: مبسوطة مع الدكتور؟
لاحت على شفتيها ابتسامة ساخرة وسألته بغلظة: وأنت مبسوط مع لمار؟
إبتسم بجانبية وأجاب بثقة: جدًا إنتِ مش متخيله!
ابتسمت بلطف ورفعت يدها تربت على وجنته بنعومة هامسة بنبرة مريحة: وأنا كمان مبسوطة جدا وهتجوز أنا وهو، ربنا يسعدك معاها وتتبسط كمان زيي بالظبط..

هدر بغضب وهو يضغط على معصمها: طالما هتتجوزي يبقي أنا أولي وأنتِ عارفة كويس أنا أولى ليه، عايز اصلح اللى عملته.
تنهدت من أعماقها وأطلقت أنفاسها المُرتجفة في وجهه وهتفت بكره شديد واحتقار: إنت ملكش أمان، وأنا بجد بكرهك.
ونفضت يده عنها وشملته بنظرة أخيرة مشمئزة تخبره عبرها بانتهاء كل شيء كان بينهما..
تمتمت نادين بضيق وهي تعود للسير عائدة إلى الغرفة: كانوا جايين حصلهم ايه بس!

أوقفتها لمار وقالت بتفكير وهي ترتب بتلات الورود التي تحملها: أكيد بيتصورا سبيهم دلـ، وصلوا!
توقفت عشق أمام وليد وطلبت منه وهي تبكِ: أنا عايزة أروح.
تعجب بكائها في بادئ الأمر سرعان ما فهم عِندما رأي قُصيّ يتوقف بجانب تلك الفتاة من أمس.
أومأ وهدئها برفق: تمام نمشي متزعليش نفسك.
محت عبراتها سارت معهُ لكن توقفت عِندما رأت ليلى..
نظر إليها بعدم فهم فطلبت بصوتٍ مبحوح: ممكن نسلم لم عليها قبل ما نمشي؟

أومأ وغير وجهته واتجها إليهما، توقفا في الصف المقابل إلى قُصيّ وراقبا ليلى وعمّار.
دلفا معًا من البوابة المزينة بالورود وهما يبتسمان لتزغرد لمار وتبدأ بإلقاء بتلات الزهور فوقهما هي ونادين في أجواء السعادة والتصفيق والتهاني ليطلق آدم صفيرًا مرتفعًا وقُصيّ كان يساعدهما بقذف الورود على وجه عمّار متقصدا وليس فوقه أضجره.

نظر إليه بوعيد ليبعث إليه قبلة طائرة وهو يبتسم بسعادة لتسقط عيناه على عشق، تراشق معها نظرات محتدة ثم حوّل نظره عنها كـ نكرة لتدمع عيناها وتخفض رأسها بقلبٍ مُنشطر.
رفع وليد يده وأحاط كتفها هامسًا برفق مواسيا: متعيطيش اعتبريه مش موجود ولا كأنك شايفاه.
رفعت رأسها تناظره بانكسار ليشدد قبضته حول كتفها وأردف مستطردا: ضايقية متسيبهوش يضايقك، أضحكِ وباركيلها واتبسطي معاها متهربيش..

أومأت بابتسامة باهتة وجففت عبراتها وسارت خلفهما..
علا صوت الموسيقي الهادئة لتتحول في الثانية الأخرى إلى أحد الأغنيات الرومانسية، توقفا في المنتصف يتأملان بعضهما البعض بحبٍ مُتّقد قبل أن يأخذ باقة الورود من يدها وقذفها إلى نادين وأحاطها لتستقر يده فوق ظهرها وبدأ بالتمايل معها برومانسية على أنغام الموسيقى.
إبتسم قُصيّ بخبثٍ وهو يراقبهما وتحرك وذهب إلى مُنسق الأغاني وجعله يغير الاغنية لأخرى صاخبة..

رفع عمّار وليلى رأسيهما بانزعاجٍ شديد، فهرولت نادين إلى قُصيّ وسحبته من ذراعه وهي تقول بحماس: بحب الاغنية تعالي ارقص معايا
ذهب معها طواعية لتناول باقة الزهور إلى عمّار وقفزت محلها صارخة بسعادة: ركا تكا تكا تكا ركا تكا تكا تكا
شدد عمّار قبضته على باقة الورود من الغيظ ثم ناولها إلي ليلي وخلع سترته ووضعها فوق كتفها وذهب الى مُنسق الأغاني قبل أن يلكم قُصيّ المستفز هذا.

تبدلت الأغنية لأخرى هادئة مجددا ليقهقه قُصيّ وتمايل مع نادين بهدوء وهنأ ليلى: مبروك، أول ولد بقي يبقي قُصيّ عشان ينور حياتكم زيي كده..
قهقهت ليلى بخفة وردت بابتسامة رقيقة: إن شاء الله..
ركلة عمّار أسفل ساقه وهو يمر بجانبه هادرًا بسخرية مشددا على قوله: بتحلم، بتحلم، ورفق قوله بمحاوطة ليلى وإدخال يده من خلف الستره ملامسا ظهرها بعبثٍ دون أن يراه أحد..

شهقت بخجل عِندما زادت يديه جرأه واندست في منطقة لايجب عليه أن يلامسها جعلها تقشعر، فراحت تتملص تحاول الإبتعاد وهي تقول باكفهرار: عمّار إنت اتجننت! في وسط الناس؟
ابتسم بعبث وأوقف مقاومتها بذراعيه هامسًا في أذنها بمكر: محدش شايف حاجة براحتي أنتِ مراتي، مراتي..
فقدت الأمل وعضت على شفتيها وهي تنصهر من الخجل والحرارة في آنٍ واحد، فـ دست نفسها في أحضانه وبلعت لسانها الآن فقط كي لا تنفضح وسط الجموع.

ـ إنت اللى هتوصلنى للمطار بعد الفرح أوكيه؟، استأذنته نادين، بل كانت تأمره بلطافة وهي ترمش ليأتيها رده الساخر: أنتِ اشترتيني ولا ايه؟
أومأت وهي تزم شفتيها ثم ضحكت وعانقته بقوة متمتمه بحزن: والله هتوحشني أوي..
مسح على ظهرها بحنان وهو يبتسم ليسقط نظره على عشق التي تراقب الأجواء بابتسامة رقيقة بينما وليد كان يراقبه هو.

تجاهل كليهما وعمد على مضايقة عمّار: فين الأكل بقي! ها؟ هو عشان دابح في بلدكم تجوعنا هنا!
زفر عمّار وسأله بسخط: إنت صحيت وجيت ليه يلا روح.
توعده بهمس وهو يقترب منه: ماشي ماشي دقني اهي لو خليتك تعرف تعمل حاجة.
قلب عينيه بعدم إهتمام ثم انحني ووضع يديه أسفل فخذيها وحملها لتلف يديها حول رقبته وهي تتمسك بباقة الزهور بابتسامة أثناء سيره إلى عرشهما المُزين..

سألها فى وسط الطريق: أنتِ عارفة إننا هنسافر بعد الفرح؟
أومأت بابتسامة عذبة وقالت بحب: أه ماما حُسنه قالتلي إمبارح..
قهقهة وهو ينزلها فوق الكرسي الأبيض وجلس جوارها على الكرسي الأخر وسألها: أنتِ مش مضايقة عشان هتقعدي هناك فتره الأول؟
هزت رأسها بنفي وهي تبتسم بحنان ثم همست بشغف وهي تميل قليلا كي تمسك يده: مش هبقي معاك مش مهم أي حاجة تانية..

قبل باطن يدها بحنان ثم وقف وغمغم بسخط وهو يزيح الكرسي جعله ملاصقا لكرسيها: معرفش باعدين الكرسيين عن بعض ليه الحلاليف، يلا نروح..
ضحكت بنعومة وقالت دون أن تبدي أي إعتراض: يلا.
ـ مامي مش هترمي الورد بقي؟
توقفت نادين خلفها وسألتها بإحباط وهي تنظر للزهور راغبة في الحصول عليه..
نظرت إليه ليلى بحب وهتفت بنفي: عمّار اللي جبهولي ارميه ليه مش هرميه، أنا عايزاه.

تذمرت بحزن وهي تضرب قدميها أرضا: بس لازم تعملي كده عشان نعرف مين هتتجوز بعدك!
عقد جبينها بانزعاج وقالت بعبوس وهي تجعد حاجبيها تنظر إلى عمّار باستغاثة: وهمه يعرفوا بالبوكيه بتاعي ليه مش هسيبه لأ، إلحقني يا عمّار هياخدوه مني!
نفي وهو يداعب وجنتها بنعومة: محدش هياخده، خلاص يانادين هجيبلك أنا واحد بداله.
أومأت بعبوس وهي تكتف يديها أمام صدرها وسألت: طيب مش هنتصور مع بعض؟

قال مؤكدا: لأ هنتصور جمعيهم كلهم وتعالي.
غمغمت بغضب وهي تغادر: زحلقني زحلقني بكره اعرفك لما ارجع من السفر ماشي.
قهقهة وهو يراقبها لتقدم عشق عليهما مع وليد كي يهنئان، همست إليه ليلى سريعًا وهي تراهما يقتربان: عمّار، اللي جي ده دكتور وليد اللي كلمتك عنه وساعدني في عيادتك، أومأ بتفهم واستعد.
وقفت ليلى وعانقتها بلطف وهتفت بسعادة: مبسوطة إنك جيتي نورتيني.

ـ حبيبتي ده واجبي مبروك، ربنا يسعدك وتفضلي مبسوطة دايما.
باركتها وهي تربت على كتفها بنعومة ثم نظرت إلى عمّار وباركته وهي تمد يدها مصافحة: مبروك يا عمّار ربنا يسعدكم.
صافحها ورد بلطف: الله يبارك فيكِ..
تبادلت أطراف الحديث مع ليلى قليلا بينما عمّار ووليد اندمجوا معًا سريعًا وفتحوا آلاف المواضيع أثناء ثرثرة ليلى مع عشق.

تجمعوا معًا، ووقف آدم في الخلف ووقفت بجانبه نادين وأتي قُصيّ ولمار لتستأذن عشق عِندما انتبهت فرفضت ليلى وطلبت منها البقاء وهي تدفعها لتقف في الخلف معهم: يلا اتصوروا معانا مش كده يا عمّار؟
أومأ بتأكيد مرحبا بهما، فتبدلت ملامح عشق للحزن وحركت شفتيها للرفض فأمسك وليد يدها وأخذها معهُ ووقف جوار نادين لترحب به وعشق وقفت بجانبه فأتي قُصيّ ووقف بجانبها ووقفت لمار بجانبه.

زفر وليد بصوتٍ مسموع لأنه ظن أن لمار من ستقف بجانبها لكنهُ قربها من قُصيّ كالغبي، تلك الكلمات التي كانت مكتوبة في الورقة المبعوثة من قُصيّ أخذ يتذكرها الآن كالأبله فهي مناسبة لوضعه بشدّة.
ـ لي لي ممكن أتصور بالورد؟
طلبت منها لمار بلطف لتومئ وتعطيه إليها بابتسامة..

وقف المصور أمامهم يعقد حاجبيه بتفكير وعدم رضي بسبب وقفتهم الغير مرتبه وأعينهم التي ترتكز على مكانٍ مُختلف فكان كل واحدا منهم يطوف في عالمٍ آخر..

آدم كان شاردًا في شيء ما خلف المصور ونادين كانت تتابع عمّار وليلي بابتسامة وعينيها معلقة عليهما، ووليد كان مقتضبا، وعشق الوحيدة التي كانت تنظر إليه بانتباه وهي تزدرد ريقها بتوتر تحاول تشتيت نفسها عن قُصيّ الذي كان يحملق بها حتى إلتوت رقبته، ولمار الغارقة في عالم أحلامها الوردية ترفع باقة الزهور تستنشق رائحتها مغمضة العينين باستمتاع، وعمّار وليلي عصفورين الحب المحلقين بعيدا لا يشعران بمن حولهما ولا بمن يقفوا خلفهما يتهامسان بخفوت وكل برهة وأخرى يطلقان سيمفونية بصوت ضحكاتهما المفعمة بالسعادة.

نبههم كي ينظرون إليه جميعًا لكنه شعر بكونه شفاف، شبح لا يري بسبب هذا التجاهل المخجل.
أعاد التحذير بنفاذ صبر لكنهم لم يكونوا معهُ حقًا فـ سأم وإلتقط الصورة ليضرب الوميض أعينهم جعلهم ينتبهون عدى لمار التي ظلت على حالها.
احتج قُصيّ باعتراض وهو يلوح بيديه بضيق: إنت بتغفلنا ليه؟ مش كفاية وقفة الحضانة اللي احنا واقفينها دي؟

قهقهت لمار وأعادت الزهور إلى ليلى ثم اتسعت عينيها وهتفت بصياح وهي تمسك أكمام قُصيّ: إلحق طلع فيه بوفيه؟
تراقص قلبه فرحا وهتف قبل أن يركض إليه بلهفة: الله هاكل.
تنهد عمّار بيأس وهتف بندم وهو يراقب هرولته بلهفة: ماهو أنا مكنش ينفع أصاحب واحد زي ده من الاول بردو.
ضحكت ليلى بنعومة ومسدت صدره سائلة: طب مش جعان؟
وضع كفه فوق يدها وهمس بحرارة بقولٍ مبطن يحمل معنيين: أنا جعان من ساعة ما قبلتك..

مرت الساعتين لكنهم ظلوا لخمس ساعات، قضوهم بين الرقص والمزاح والسخرية والتصوير وتناول الطعام والثرثرة وإن لم يكن الوقت يربطهما لظلا هُنا إلى مُنتصف الليل فالفرحة لا تكتمل سوى بالأصدقاء.
اختتم هذا اليوم بكل ماهو جميل.
في الخارج أمام الفندق..

استقلت عشق السيارة مع وليد ولا تعرف من أين اكتسبت تلك القوة والصمود في الداخل طوال هذا الوقت دون الإنهيار والبكاء، بل كانت تضحك وتبتسم بكل برود دون أن تشعر بأي شيء، كانت مشاعرها مبهمة حتى لنفسها، بارده كأنها فقدت الإحساس.
عانقت ليلى نادين بقوة وهي تبكِ بحزن: هتوحشيني أوي أوي، متسافريش يا نادين وخليكِ معايا.

مسدت ظهرها بحنان وهمست بأعين دامعة وهي على حافة البكاء: مش هتأخر عليكِ والله ماتعيطيش بقي وتزعليني.
أومأت وجففت عبراتها ثم سألتها بلهفة: فين شنطتك وحاجتك..
ضحكت نادين وهمست بخفوت كي لا يسمعها: دخلتهم عربية قُصيّ سِرقة.
هتف بامتعاض وهو يلوي شدقيه: ما أنتِ اشترتيني خلاص.
نظرت إليه نادين بلطف وهمست برقة بالغة: i love you قصقوصة.

ضحكوا عليه بينما هو تيبس محله من وقع الكلمة الصاعق لمسامعه هاتفًا بصدمة: قصقوصة بتهزقيني؟ الشنط دي تخرج حالا مستحيل أوصلها خلي قصقوصة يوصلها بقي.
ضحكت نادين وصنعت إليه قلب بأناملها وهتفت ببراءة: بدلعك الله.
ضمتها ليلى بحنان وهي تبتسم وأوصتها: طمنيني عليكِ دايما يا حبيبتي متنسيش عشان خاطري..

أومأت بطاعة و طمأنتها: من غير ماتقولي والله، وأنتِ كمان تبعتيلي كُل يوم صورة جديدة ليكم مع بعض عشان أحس إني عملت حاجة اتفقنا؟
ضمتها بقوة وهمست موكده: اتفقنا.
ـ هتسافروا إمتي؟
سأل عمّار كليهما باقتضاب ليجيب كليهما معا: بعد أسبوع.
تبادل النظرات معا بابتسامة أمام عمّار المغتاظ منهما ليقترح قُصيّ على آدم: ما تسافر روسيا معايا!

نظر إليه بتفكير ليقاطعه قبل أن يتحدث: فكر في الاسبوع ده وتبقي قول عشان أنا رايح روسيا، ثم نظر إلي عمّار المترقب وهتف بسخرية: لا أنت رايح الصعيد متنحش.

قهقهة آدم وواساه بنظراتٍ آسفة، فكاد يفتك بهما من فرط الضيق راشقا إياهم بنظراتٍ نارية لكن ما جعله يعقد حاجبيه ويتخصر هو يدِ قُصيّ التي امتدت في جيب بنطاله يخرج شيء باهتمام، فسافر عقله بعيدا ظنا أنه يخرج إليه بعض الحبوب كما يفعل الأصدقاء في تلك الأوقات كمجاملة..
أخرج قُصيّ الهاتف ليتنفس عمّار الصعداء فلاحظه قُصيّ ليبتسم بخبث ويهتف وهو يراقص كلا حاجبيه بعبث: عيب عليك يا أسد أنا واثق فيك مش كده..

ضرب كتفه بخفة ووبخه: نضف دماغك بقي قرفتنا.
رفع كلا حاجبيه وهتف بسخرية: أنا! أنت العريس يابنى ودماغك مش في حاجة غير كده بطل ظلم بقى! وبعدين ماتدخل هنا السفر بعيد ومتعب خليك لبكره وبعدين سافر.
هز رأسه نافيا وقال بهدوء: لأ، لأ، انا رتبت نفسي على كده خلاص، يلا هات حضن الوداع، وأنت كمان عشان امشي.

تعانقوا وودعوا بعضهم البعض، ثم عانق نادين وأوصاها أن تنتبه إلى نفسها وضم ليلى ووقفا يُراقبان ذهابها مع قُصيّ.
هتفت ليلى بإسمها بحنو استوقفتها: نادين.
استدارت وعادت أمامها بإبتسامة، ومالت وقبلت يدها بنعومة وهتفت بأعين باسمة: عيوني.
رفعت يديها ووضعت بها باقة الزهور وهمست تذكرها بابتسامة عذبة: نسيتي الورد.

نظرت إليه نادين مطولا وتمتمت بتعجب: بس يا مامـ، قاطعتها ليلى وهي تمسح على شعرها بنعومة قائلة بنبرة حملت بطياتها كل الحب: نادين يا قمري أنتِ قصيرة ومكنتيش هتمسكيه وأنا مش عايزة حد غيرك ياخده، حبيبتي أنا افديكِ بروحي معقولة استخسر فيكِ بوكيه ورد؟!
أدمعت عينيها من السعادة وهزت رأسها بنفي وارتمت في أحضانها تضمها بقوة.

أوصلها قُصيّ إلى المطار وأخذ ورده بيضاء من وسط باقة الزهور وهتف مودعا إياها وهو يلوح بها: مش هنساكِ أبدًا.
ضحكت نادين واستدارت تصيح كي تؤكد عليه: قُصيّ متنساش ده سر بينا ها؟
أومأ وهو يراقبها ثم عاد إلى سيارته، استقلها بهدوء واستدار ونظر إلى تلك القابعة على الأريكة في الخلف، تنام بعمق وشعرها متهدل أمام وجهها يحجب عنه رؤية وجهها.

امتدت يده إلى شعرها مبعدًا خصلاتها بأصابعه خلف أذنها بنعومة متأملا بشرتها النقية بابتسامة خاصة ثم وضع الوردة فوق أذنها.
وبخ نفسه واعتدل بجلسته وصدره يتضخم بغضب وبدأ في القيادة بسرعة وهو يستذكر عنوانها كي يوصلها، فلا داعي أن يتسبب في أذيه أخرى لأحداهن، فهو لا يُفكر ولن يُفكر بأن يقترب من النساء مجددًا، موقعها جيد كـ صديقة لا أكثر من هذا.
مرت ساعات طويلة..

كان الطريق طويل وممل بالتأكيد، لكن وجودها بجانبه وغفيانها فوق صدره كان بلسما يُخفف عنهُ تعب وإرهاق الطريق.
استيقظت عِندما أوشكوا على الوصول، رفعت نظرها إليه وهي تتثاءب بثقل ليربت على وجنتها بنعومة هامسًا بابتسامة: صباح الخير..
حركت رأسها على صدرة بنعومة وقالت بصوتٍ ناعس: صباح النور، نمت كتير؟

همهم إليها مع توقف السيارة أمام المنزل، فأجفلها صوت الطلقات النارية والضجيج الصادر من داخل المنزل جعلها تتشبث في ملابسه.
مسّد ذراعها بحنان و طمأنها قبل أن يترجلان: متخافيش، دول بيحيوكِ مفيش حاجة يلا بينا.
حملها بابتسامة وسار بها حول المنزل لتسأله بتعجب: مش هندخل؟

قال وهو يدلف من باب الخلفي للمنزل الذي يدخله إلى المطبخ المزدحم بالنساء لتضرب رائحة الطعام الشهي أنفيهما: هناك زحمه ورجالة وأنا مش عايز حد يشوفك..
عبست وقالت وهي تكشر في وجهه: طب وهنا همه يشوفوك عادي؟
همس بجانب أذنها بهيام: انا مش شايف غيرك!
ابتسمت برضى ورفعت رأسها بثقة وهي تبدد توترها عبر تنهيدتها الحارة لتبتسم باتساع عندما رأت حُسنه تتقدم مع صباح توبخها بحدّة قبل أن تراهما.

توقفت أمام باب المطبخ صائحة بتعجب ذاهلة من وجودهما هُنا: واااه ايه اللي جابك من إهنه يا ولدي؟
ابتسم وهو يخرج من المطبخ بسبب حرارته المرتفعة، فذهبت خلفه بعد أن أوصت صباح أن تأتي إليها بالبخور.
أجلسها فوق الكرسي الوحيد الموضوع في غرفة الجلوس وسط النساء واستدار على عقبيه ليذهب فأمسكت يده استوقفته هامسة بخوف وقلبها يخفق بقلق: أنت هتسيبني هنا لوحدي!

ابتسم وقبل يدها بحنان وهتف بسرعة: عشر دقائق بالظبط وهكون هنا متخافيش.
أومأت بقلق وراقبت ذهابه بلهفة حتى اختفي عن وقع أنظارها، نظرت أمامها لتزدرد ريقها بحلق جاف وهي ترى نظرات البعض الباسمة إليها والاخري المقتضبة وهنّ يتفحصنها من أعلاها لأخمص قدميها، ابتسمت بتوتر وهي تعدل جلستها بعدم راحة وكادت تقف وتغادر لكن حُسنه أوقفتها عِندما أتت بتعجب: على فين يابتي؟

همست في أذنها بملامح مهمومة حزينة: بيبصولي وِحش.
مسحت حُسنه على شعرها بحنان وهمست ودخان البخور يتصاعد بينهما: لاه، لاه، تلاجيهم بس مفروسين إكمنك خدتي عمّار وهمه لاه سدِجيني.

أومأت بابتسامة لطيفة وجلست بأريحية أكثر لتبدأ حُسنه بتبخيرها بابتسامة لتستمع إليها بصدرٍ منشرح: رقيتك واسترقيتك من عين أمك وعين أبوكِ وعين القوم اللي صدفوكِ ولا صلوش على النبي، عين الراجل أحد من الخناجر، عين المره أحد من الشرشة، عين البِنية أحد من السِفيه، وعين العجوز
ـ اللعنة عليها تجوز..

التفتت برأسها إلى عمّار بسعادة لتتابع حُسنه وهي تناظرها بحنان: حسبتك وسلمتك لرب العرش يحفظك ويصونك من كل عِله ببركة سيدنا محمد إبن عبد الله.
وقفت ليلى بأعين دامعة وعانقتها بقوة ثم قبلت يدها وقالت بحب: أنا بحبك أو..
شهقت بتفاجئ عِندما حملها عمّار واتجه بها الأعلى: إيه ده! يا عمّار؟ مخلصناش كلامنا.
غمغم بعدم إهتمام وهمس بخبث: كلامنا إحنا أهم.
ـ مهمل فرحك ليه عاد؟

سألته والدته بتا ليجيب من فوق كتفه وهو يسرع للأعلى: افرحوا انتوا انا هفرح بمعرفتي..
دست رأسها في عنقه بخجل وسألته بهمس: كان موجود بره؟
همهم وهو يثب إلى الغرفة ثم تمتم بتهكم: كان عايز يشوفك بس عملت نفسي مسمعتش، يشوفك ايه هو ده وقته!
ضربت أنفهيما رائحة الغرفة المعطرة الذكيه، وضعها على السرير المزين بالورود الحمراء برفق ثم اتجه إلى الشُرفة يفتحها يجدد هواء الغرفة.

ازدردت ريقها بتوتر وأخذت تحدق في منامتها البيضاء المجهزة بجانبها وهي تعتصر أناملها معًا بقلقٍ واضطراب، لاحظ نظراتها المتخوفة تجاه منامتها وهي تضم نفسها دون أن تنتبه، فأخذ ملابس وقال بهدوء وهو يدلف إلى المرحاض كي يتركها تهدأ وتطمئن: هاخد دُش.
أومأت بابتسامة باهتة ونزلت عن التخت
وأخذت تدور حول نفسها في الغرفة بتوتر وارتباك وهي تفكر بأنفاس مُتسارعة وصدرها يعلو ويهبط بعنف ودواخلها ترتجف.

التفتت سريعا عِندما تم فتح الغرفة، تقدمت صباح بصينية الطعام ووضعتها جانبا وغادرت بصمت تزامن مع خروج عمّار عاري الصدر وهو يجفف شعره بالمنشفة.
نظر إلي الطعام ثم اتجه إلى الباب وأغلقه من الداخل عليهما ليختلج صدرها وعضت على شفتيها وهي تتلفت حولها بارتباك تحمر خجلا بتلقائية، قذف المنشفة من يده وسألها بهدوء مراقبا ارتباكها: مش هتاخدي دُش؟

هزت رأسها نافية وهي تتحاشى النظر إلى نصفه العلوي بخجل لكن وشمه كان مغري للنظر.
سألها وهو يرفع كلا حاجبيه: ولا هتغيري؟
هزت رأسها بنفي ليستطرد سائلا: ولا هتاكلى؟
هزت رأسها بنفي ليومئ بتفهم وقال بازدراء: ولا هتعملي حاجة؟
أومأت بشكلٍ غير ملحوظ ليغمغم هو وهو يتقدم منها: يبقى انا اللي هعمل.
ابتسمت بتوتر وعادت إلى الخلف ببطء هاتفة بتلعثم: ما، تـ، لبس، حاجة يا عمّار هتاخد برد كده؟

قال بدون تعبير: لا هندفى بعض دلوقتي.
تفرجت الدماء في وجهها وتحولت لثمرة فراولة من فرط الخجل وهي ترفع كفيها أمامها كي يتوقف وهتفت بانفعال: بُص، بُص، أنا تعبانة و عايزة أنام ممكن؟
لوح بيديه وهدر بتهكم: لأ مش ممكن اومال مين اللي كان نايم طول الطريق؟ ده أنتِ فوقتي وعليا كمان يلا بقي بالحسنه كده بدل ما نزعل كُلنا.
هتفت بشحوب: يلا ايه؟
تخصّر وهتف بنزق: عايز أدخل دُنيا!

ضحكت ببلاهه وهتفت بتعجب مماطلة: ما أنت في الدنيا اهو هتروح فين تاني؟
أغمض عينيه بنفاذ صبر وهدر وهو يبتعد: ماشي، ماشي، نامي، وجدعة بجد بقي نامي، ومتفتكريش اني محترم بقي وهتفرج عليكِ وهتأملك! لأ يا ماما ده أنا هستناكِ لما تنامي مخصوص وهقرب، نامي بقي..

وحمل الطعام وجلس به أرضا وربع قديمه وأخذ يشفي غليله في الأكل، برغبةٍ جامحة لضرب رأسهُ في الحائط بسبب ما تفعله به بينما يقول متحسرا: ما هو مش هيبقي لا دلع ولا أكل كفاية حاجة واحدة.
ضمت كلا حاجبيها بانزعاج ووجنتيها تنصهران من الخجل وهي تراقبه ثم جلست على السرير ورفعت قدميها وطرف فستانها وظلت جالسة تراقبه باهتمام، كـ قطة لطيفة.

أفزعها صياحه فجأة بوجه مكفهر من الغيظ وهو يمضغ الطعام: فاكراني من بتوع مبخدش حاجة غصب، لأ يا ماما مش أنا!
ابعدت عينيها عن وشمه ورفعت نظرها إليه ليستطرد بحنق وهو يقذفها بـ موزة: أومال الحِنة دي رسماها لمين ها؟ والكلب مين يأكله دلوقتي؟
ضحكت بنعومة وألتقطت الموزة تأكلها وهي تقول بتذمر: عمّار ده مش كلب، ده غزال بس هي معرفتش تظبطه صح..

رفع كلا حاجبيه بخطورة وهدر بسخط: كمان غزال! وبتاكلي الموزة قدامي بكل برود؟ يارب أنت شايف يارب.
رق قلبها وزمت شفتيها وهي تراقبه ثم أخذت منامتها ودلفت إلى المرحاض.
مرت ساعة عليها في الداخل دون الخروج ليصيح بسخرية: هتنامي جوه يعني؟ نامي، ماشى.
سمع صوت رنين هاتفه أوقفه عن تناول الطعام، شتم قُصيّ وتحدث في المكبر بقهر: أنت اللي بتنق عليا عمري ما هسامحك.

ضحك قُصيّ بتسلية وهتف بخيبةٍ وهو يهز رأسهُ: كُنت عارف إنها هتبهدلك ومش هتسيطر عارف إخص عليك يا مهزأ.
تمتم بأسي: انا عايز الطم يا قُصيّ عايز ألطم.
تنهد قُصيّ وأوردف مشفقا: مش عارف أقولك ايه روح يابني الله يسهلك بقي مش هضايقك خلاص وإنت حالتك تصعب عالكافر كده.
أغلق الهاتف بإحباط وسمع صوت فتح الباب فتجاهلها وانهي طعامه وظل جالسًا محله يفكر في شيءٍ ما وهو ينظر تجاه الشرفة..

تنحنحت هي وهمست بخجل وهي تطرق برأسها: مش هنصلي؟
استدار سريعًا ونظر إليها من أعلاها لأخمص قدميها متأملا هيئتها في ملابس الصلاه وخاصتًا الحجاب ليعقد كلا حاجبيه سائلا بشك: جبتي الاسدال ده منين؟
هزت كتفيها وقالت بخفوت: لقيته.

أومأ بتفهم وهو يبتسم ثم وقف وذهب كي يتوضأ، تنفست الصعداء وأطلقت أنفاسها المُرتجفة بعد أن كانت تكتمها، ثم مسدت قلبها الثائر وهي تهمس لنفسها بالهدوء فهذا عمّار ولا داعي لكل هذا الخوف!

عاد وارتدي كنزته، ووقف في المقدمة فوق سجادة الصلاة وبدأ يصلي ويتلو الأيات القرآنية بصوته العذب بخشوع يقشعر لهُ الأبدان، وهي خلفه تستمع بتركيز لتصيبها رجفة سارت في أنحاء جسدها تأثُرا بجمال القرآن وعذوبة صوته، براحة غريبة تشرح الصدر، وبإطمئنان يُصيب القلب يسكنه، كبلسم مداوي يصلح خراب النفس.

تبدد قلقها و اطمأنت وكأن القلق لم يجد طريقه إليها قط، وادمعت عينيها بل وبكت وهي تتساءل ماذا كانت تفعل كل سنوات حياتها السابقة دون أن تقدم على الصلاة ولو لمرة واحدة؟ إنهم الخاسرون يعيشون في غفلة ظنا أنه النعيم.
يسجدان تضرعا إلى الله طالبين رضاه وبركته في حياتهما القادمة، يتمنيان بدأ حياة جديدة طيبة تبني على الوِد والرحمة بينهما وعلى طاعة الله ورسولة.

تناهى إلى مسامعة صوت أنينها المكتوم كي لا يرتفع صوتها لكنهُ كان يعرف أنها تبكِ، أطال السجود أكثر لأجلها كي تخرج مكنون صدرها وكل ما يثقلها.
انتهي وقام بالتسليم و استدار إليها مستقرا على ركبتيه ليجدها تغمر وجهها بين راحتيّ يديها وتشهق بقوة.
أبعد يديها برفق وسألها بقلق مراقبا انهيارها المزري: مالك بتعيطي ليه؟
أمسكت يديه بقوة وأردفت بحرقة: عمّار انا مش عايزة ابطل صلاة تاني ساعدني وشجعني..

أومأ وضمها إلى صدره بقوة وهو يمسح على شعرها من فوق حجابها ممسدا ظهرها بحنان كي تهدأ، فاعتذرت بندم وهي تتمسك بكنزته: وسامحني، أنا عارفة إني بضايقك وتصرفاتي غبية وبظلمك معايا بس والله غصب عني، انا كُل حاجة بجربها معاك لأول مرة، إحساس جديد وحياة تانية بعيشها معاك، عمري ما حبيت ولا كان في حد في حياتي، علمني وقولي بالراحة بدل ما تزعل مني.

خطأ كل ما تقوله خطأ، هو لا يغضب منها قط ولا يتخطى غضبه دقائق حتى يعود راكضا لأجل رؤيتها.
تنهد بعمق ورفع وجهها الباكِ بين يديه وهزّ رأسه نافيًا ورفض قولها بقوة لأن لا وجود لحقيقته في الأساس: متقوليش كده انا مش بزعل منك أصلا! هو أنا كنت طايل؟ إحنا كنا فين وبقينا فين؟ وجودك معايا دلوقتي يساوي عندي الدنيا وما فيها، وقفي عياط بقى ومتزعلنيش.

أومأت وهي تقف على ركبتيها أمامه وأحاطت وجنتيه بيدها ونظرت إليه مطولا وهي تبتسم بعذوبة جعلته يبتسم ثم قبلت جبهته بحنان وهمست بامتنان: ربنا يخليك ليا.
ابتسم بحنان وحملها بين يديه وهو يقف، لفت يديها حول رقبته وأسندت رأسها فوق كتفه باسترخاء مستعدة وقابلة لمَ هو قادم برحابة صدر، لكنهُ احبطها عِندما سطحها و دثرها أسفل الغطاء وأبعد الحجاب عن رأسها وهمس بحنان وهو يمسح على شعرها باستمتاع: يلا نامي وارتاحي.

سألت بعبوس وهي تستنشق ما بأنفها: هنام بالاسدال؟
أومأ بابتسامة لتقول بحزن: هحس بالحر؟
رد بهدوء وهو يخلل أنامله داخل شعرها: تبقي شيلي الغطي من عليكِ.
أومأت وهي تضم شفتيها تفكر ثم أعادت القول بتذمر: يعني مش هقلعه؟
هزّ رأسه بنفي وقال وأنامله تداعب شفتها العلوية: كده أحسن صدقيني نامي بقي وريحي عينك.
أومأت وأغمضت عينيها وهي تضم الغطاء على صدرها، تفكر بعمق لأنها لاتريد النوم بتاتا، شبعت نوم أثناء الطريق.

تقلبت للإتجاه الآخر و أولته ظهرها ليفترش شعرها الوسادة خلفها، فابتسم وعبث به بسعادة وهو يسند مرفقة فوق وسادته.
تنهدت بإحباط بصوتٍ مسموع لم تنتبه إليه وظلت ترمش وتضم شفتيها بحزن لأنها دمرت ليلتهما الأولى.
شعرت بالضيق فأبعدت الغطاء عنها وخلعت جلباب الصلاة وظلت بمنامتها البيضاء التي ارتدتها أسفله دون أن تتحرك.

تفجر الأدرينالين داخل جسده وابتلع ريقه بحلق جاف ودكنت عينيه برغبةً وهو يلتهم جسدها بنظراته، إن منامتها أقصر مما ظن وهذا ليس عدلا.
اعتدل بجلسته ونظر أمامه محاولا تجاهل منامتها التي تصل إلى منتصف فخذيها ونصف ظهرها العاري وكتفيها الناعمين اللذان يلمعان في وجهه..
مسح وجهه بعصبية وتسارعت أنفاسه لكنه صامد وسيظل صامد.

انتظرت مبادرته بالأقتراب لكن لم يقترب، لكنها تسمع صوت أنفاسه المرتفعة التي قاربت على النفاذ وتستشعر حرارتها التي تضرب ظهرها، لتدعو بداخلها أن ينفذ صبره عليها فهذا اقصي ما تقدر على فعله.
عضت على شفتيها بغضب وتقلبت مجددا لتكون قبالته وهي تغمض عينيها متصنعة النوم بوجنتين متوردتين ومعدتها تتقلص بألم من فرط التوتر، ففكره أن عمّار ينظر إليها وجسدها شبه عاري أمامه تصهرها وتجعلها ترغب في الإختفاء.

لعن من تحت أنفاسه وأطبق على قبضته بقوة صخرية وصدره يكاد يتهشم من عُنف ضرباته، إنه موشكا على الجنون بسببها، لمَ تعذبه بهذه الطريقة؟ إنها مهلكة وتستفز رجولته.
شتمت نفسها بداخلها بسبب اغماضها لعينيها وملامحها تتجعد بانزعاج، هل سيوقظها الغيبة؟

عقد كلا حاجبيه ونظر إليها بشك بسبب تحركها وملامحها المتغيرة ثم مدّ سبابته ولامس أهدابها فتبسمت وفتحت عينيها ليقرص أرنبه أنفها بخفة هاتفا بابتسامة: كُنت عارفة إنك صاحية.

ضحكت بنعومة وضمت يديه إلى صدرها البارز من منامتها الحريرية، فتنهد بتعب وتزاحمت المشاعر داخله اعجزته جعلته يهمس باسمها بتهدج وحصونه تنهدم: ليلى، ليلـ، وضعت كفها فوق شفتيه وهي ترتفع بجسدها حتى أصبحا يتنفسان أنفاس بعضهما البعض باضطراب هامسة بأعين ناعسة وصوتٍ ثقيل علم من خلاله ما تشعر به: قولي يا ندى.

طفح الكيل به ولم يحتمل أكثر، فدس أنامله في شعرها وسطحها ودني منها، يقبلها بنهمٍ غير تاركا لها مجال للحديث لتلتف يديها حول رقبته وتعود تلك الذكرى الأسوأ التي تم ذبحها بها تطاردها وتتدافع في عقلها وخمس دقائق فقط وشعر بعبراتها الساخنة تلامس وجنته.
ارتفع بجسده يلهث بمشاعر مبعثرة يرتكز بكفيه بجانب رأسها ينظر إليها بعدم فهم وقلق كارها نفسه لأنه أجبرها وهي لا تريده.

استعمر الحزن قلبه وهو يرى الذعر يستوطن عينيها وملامحها التي شابهت الموتى من فرط الخوف وهي تبكِ وجسدها يرتجف فهز رأسهُ بأسف وأعتذر بندم و استحقاره لنفسه يتفاقم: أنا آسف مكـ، أوقفته وهي تهز رأسها وأسندت يديها المرتجفتين فوق قلبه وهمست بعذاب و عينيها تفيض من الدمع ترتكز بهما داخل خضراويه الحزينه: مش أنت يا عمّار، مش أنت، أنا بحبك وعايزاك زي ما أنت عايزني بس، بس إنت متعرفش أنا واجهت ايه؟ انا مش عايزة أحس بالوجع ده تاني ولا افتكر اليوم ده مش عايزة افتكره..

رفع رأسها وضمها إلى صدره يهدئها بحنان عكس غضبه وعروقه النافرة بانفعال، فوالدها يستحق القتل بسبب تزويجها وهي قاصر إلى رجل بعمره، حيوان لا يُفكر ولا يعرف كيفية التصرف مع طفلة وشهوته من تسوقه، فقط مالذي أثارة بها وهي بذلك العمر كي يتزوجها؟
همس بدفء وطمأنها بحنان بالغ: هششش، اهدي كفاية عياط متخافيش هتنسي كل حاجة، أنا عمري ما هأذيكِ أبدا ولا هكون هو انا عمّار.

أومأت بتحريك رأسها فوق صدره بخفة وهمست بثقة، بصوتٍ مبحوح وهي تتشبث به لا تريد الأفلات أو تركه يبتعد كما رأت تراجعه داخل عينيه: انا واثقة فيك وعارفة إنك مش هتأذينى تحت أي ظرف، وعشان كده مش هنبوظ يومنا ولا هتروح فرحتنا لأني واثقة فيك.

لثم جبينها بقلبة تحمل كما من المشاعر عجز عن حصرها تعبير؟ا عن ندمه، فنظرت إليه بهيام وافترت شفتاها عن ابتسامته رقيقة وهمست تؤكد وهي تداعب وجنته بأنف متورد: واثقة فيك و بحبك.
ورفقت قولها بقلبة خجولة طبعتها هي على شفتيه، لتطول، وتطول، مستسلمة إليه بكل جوارها طواعية تاركة نفسها قلبا وقالبا لتصبح زوجته قولا وفعلا في هذه الليلة التي لن تُنسي مهما مرّ عليهم من أيام.
أشرقت شمس صباح جديد..

في السادسة صباحا قبل شروق الشمس.
تأملته كيف ينام ببراءة بابتسامة عذبة مُدللة وهي تتورد ملامسة وشمه بأصابعها بنعومة، ترتكز برأسها فوق كتفه العريض وهي تتنهد بسعادة.

طغى عليها الخجل وأحداث أمس تتوافد على عقلها رغمًا عنها، فهو كان عمّار ثالث غير القاسي أو المُحب، كان دافئا، حانيًا، شغوفا، يتغزل بها طوال الوقت، رجلا بمعني الكلمة، فإن حاولت حصر كم أنتِ أجمل إمرأة في الكون، وأنعم وأرق أثني قد يجدها، وأنتِ مهلكة، وجميلة وفاتنة التي قالها لم تكن لتجد إليهم عددًا، يا إلهي كم تحبه. ، فهو كان خائفا عليها من نفسه بشكلٍ مُلفت لكي لا يؤذيها دون أن ينتبه، رجولي ويرضي أنوثتها وغرورها بكلماته وأفعاله.

كانت إلى أمس تظنه طفلا حتى اكتشفت أن لا وجود لأطفالٍ هنا سواها.
غفي كـ طفلا بريئا في أحضانها معتقلا جسدها الطري بين يديه بقوة، أما هي لم يجافيها النوم قط ولم تشعر بالنعاس ظلت تتأمل زوجها ومحبوبها دون ملل.
سمعت صوت تغريد العصافير فرفعت رأسها ونظرت تجاه الشُرفة المفتوحة على مصراعيها كـ منفذ للهواء البارد لكن الغطاء كان ثقيل يدفئها.

أبعدت يد عمّار عن خصرها برفق، وتحركت إلى طرف السرير بخفة ومالت تلتقط منامتها الساقطة و ارتدتها ثم أبعدت شعرها إلى الخلف وسارت ناحية الشرفة حافية القدمين تسير على أطرافها بتسلل كي لا تصدر صوتا.

أمسكت بسور الشرفة بسعادة وهي تثني إحدي ساقيها خلفها، تغمض عينيها آخذه شهيقا طويلا وهي تفرد ذراعيها بسعادة، لتندس يديه من أسفل ذراعيها ويضمها إلى صدره لتستقر رأسها فوق كتفه هامسًا بنعاس وهو يلف الغطاء حولهما: بتعملي ايه في البرد؟
ضحكت بنعومة ورفعت نظرها إليه وداعبت أنفه بأنفها هامسة برقة: عايزة أشوف شروق الشمس.

نظر إلى السماء مراقبا قرص الشمس الذي يتصاعد على مهل بأعين نصف مغلقة سائلا بمكر وهو يقبل نحرها: منمتيش ليه لحد دلوقتي؟
حركت رأسها للجانب وطبعت قبله فوق زاوية شفتيه هاتفة بنشاط: مش جيلي نوم خالص.
رفعها بين يديه بغته وهمس بخبث وهو يثب بها إلى الغرفة: هتعبك وهنيمك تعالي.
تملصت بين يديه وصاحت بلهفة: شروق الشمس يا عمّار!
هتف بنزق وهو يضعها فوق التخت: إنتِ واقفة غلط الشمس بتطلع من هنا!

كشرت في وجهه بعبوس بسبب تضيع تلك الفرصة، فدني منها وهو يغطيهما بالغطاء معًا وأضحكها وعينيه تومض بالمكر، فهو فقط سيساعدها على النوم.
في الثالثة عصرا..
طرقت صباح الباب وهي تحمل الطعام للمرة الثالثة لكن لا يأتها رد مثل كُل مرة.
تنهدت بسأم و استدارت على عقبيها بالطعام لتجد حُسنه تقف خلفها.
تذمرت هاتفه بإرهاق: محدش بيفتح عاد.

أومأت حُسنه بتفهم وهي تبتسم، فهو لن يتركها بتاتا وتعرف طفلها، لوحت لها كي تذهب وصعدت هي إلى طابقها الخاص وهي تلعن خليل الذي أتي ومصرا على رؤيه إبنته، من الجيد أنهما نائمين.

لثم عمّار جبينها للمرة الألف وهو يبتسم، يمسك كفها بين يده مداعبا أصابعها برقة مستمعا إلى صوت غطيتها العميق كأحد السنفونيات، وهمهمتها الناعمة المشابهة لـ مواء رقيق، متأملا تقاسيم وجهها الهادئة والساكنه غير متجاهل الخوختين في وجنتيها، إنها تحمر خجلا كـ إحمرار الخضر في عذرها، إنها بريئة براءة لم يراها قط، يشعر أنه إمتلك العالم بإمتلاكها.

كان من المفترض أن يتزوجها منذُ أن وقعت عينيه عليها كي لا يضيع كُل هذا الوقت منهما هباءا.
حركت رأسها بخفة فوق صدره المعضل وفارقت بين جفنيها ببطء، شعرت بحركة أنامله المألوفة في شعرها، فرفعت رأسها وأسندت مرفقها فوق صدره وهمست بخمول وهي تميل برأسها بشعرٍ مبعثرة: صباح الخير..
ردّ بهيام: صباح القمر.
هتفت وهي تقرص وجنته بخفة: عيونك إنت اللي قمر.

رفع يده إلى مؤخره رأسها مثبتا إياها كي يأخذ قبله الصباح أو المساء دون اعتراضات أو تذمر، فصلها لاهثًا ليتهدل شعرها حول وجهيهما وهي تسند جبينها فوق جبنيه ويدها تستقر على قلبه الثائر فهو لم يهدأ من أمس.
همس وهو ينتصب جالسا: تعالي عايز أوريكِ حاجة.
اعتدلت جالسة تثبت الغطاء فوق صدرها بتبعثر، فوقف وارتدي سرواله وحثها على القيام وهو يناولها منامتها: يلا.

ارتدتها سريعا ووقفت معهُ ليحتضن كفها بين يديه ويأخذها إلى الأسفل، أزاح البساط بابتسامة ثم رفع الباب لتنظر إلى تلك السلالم بفضول و اعين متسعة طفولية.
قهقهة ونزل إلى الأسفل وأخذها خلفه برفق كي لا تتعرقل بالدرج، ترك يدها وتركها تتحرك حوله تشاهد المكان بأريحية لتفغر فمها بانبهار خاصتا عِندما توقف أمام صالة الرياضه التي صنعها لنفسه، فهي لن تعاني إن زاد وزنها قط.

ضحكت بنعومة وعينيها ترصد المكان بتدقيق أكثر جازمة بجماله وخاصتًا غرفه النوم التي تفحصها من خلف الزجاج، فهي داكنه هي والفراش واغطيته لكن لديها سحرًا خاص، لمسات عمّار تطغى على كل شيء وهذا يسعدها.
هتفت بسعادة وهي تعود ركضا إليه: جميل أوي يا عمّار أنت عملت كل ده إمتي؟
هتف وهو يتأمل المكان مستذكرا كيف بات وماذا أضحي: من زمان، من زمان أوي.

دارت حول نفسها أمام المسبح وهي ترى انعكاسها بابتسامة شاعرة بكونه إمرأة أخري متجددة، متحررة، سعيدة، والأهم من هذا جملية.

تأملها بهيام وقلبه يتراقص بسعادة بسبب سعادتها الظاهرة وعفويتها و طفولتها ومرحها الذي لم يراهم قبلا، يشعر أنها متحررة معهُ ولاتوجد قواعد تتبعها، تحيا بطبيعتها المكبوتة التي ظنت أنها إندثرت منذُ سنوات خلف قناع الأم وسيدة الأعمال الكبيرة المتغطرسة، إنها عادت لسن الخامس عشر من جديد بكل سعادة ومرح، إنها تضيء وتشِع من سعادتها.

رأت كُل ما كانت تفكر فيه عبر نظراته العاشقة، فتقدمت منهُ مهرولة وعانقته بقوة وهي تقف على أطرافها ليرفعها هو ويوقفها على قدميه ضاما إياها بشغف لانهاية لهُ ولن ينتهي مهما حيا..
همست وهي تخلل أناملها في شعره: أنا بس النهاردة عرفت الفرق بين انك تتجوز حد مش بتحبه، وبين إنك تبقي وحيد وبين إنك تكون مع اللي بتحبه.

فصل العناق ونظر إليها باهتمام وهو يداعب وجنتها لتستطرد بحزن: الفرق ده زي الفرق بين السما والأرض يا عمّار، انا كُنت ميته بس دلوقتي، عايشة ومفيش حد في سعادتي، وضحكت بسعادة ووضعت يدها فوق صدره هاتفه بانفعال وعيناها تتسع من الحماس: انا مبسوطة يا عمّار، قلبي مش بيبطل دق من الفرحة، حسه إن جوايا سعادة وطاقة تكفي العالم كله.

ضيق عينيه وقرص خصرها بعبث وهمس بمكر: لأ تكفي العالم كله ايه انا اللي محتاجها هنا!
ابتسمت بحب وتابعت بشغف وهي تتحسس ذقنه تنظر إليه بعينين صافية يملؤها الحُب: سعادتي دي بسببك وعشانك، إنت نورتني وخليتني أبقي واحدة تانية أحلي وأجمل!، بقيت أشوف نفسي أجمل سِت في الدنيا، إنت الحُب والقرار اللي عمري ماهندم عليه أبدًا عشان إنت روحي..

بأي قدر سيحبها أكثر، إنها تسطير عليه بكل جوارحه، تسحره بنظره وتسرق لُبه بهمسه، لمَ تحدثت ماذا تريد أن تسرق أكثر من هذا؟ إنه تائه في تفاصيلها، غارقا في العسل الذي يتذوقه منها، لم يصدق بعد أنها معه وأصبحت ملكه، يحفظ كل تعبيراتها وحركاتها وهمساتها التي تصدر منها عن ظهر قلب، إنها أهم من الأكسجين لديه، وكلماتها هذه تشعره بالشوق.

حملها بغتة وصاح بجدية وهو يسير إلى الغرفة السوداء المحاوطة بزجاج شفاف: لازم نجرب السرير ده دلوقتي.
هزت رأسها بنفي وتذمرت بإحباط: أنت دايما تضيعلى اللحظة ليه؟ أنا عايزة أجرب البسين!
همس بنبرة ثقيلة محاولا إقناعها بما بقي لديه من تركيز: السرير الأول وبعدين يجي البسين، ورفق قوله بقبلة عميقة لم يفصلها سوى لأجل إلتقاط أنفاسهما المتسارعة لتهمس بخجل وهي تدس نفسها بأحضانه: عمّار إنت مش بتشبع؟

هزّ رأسهُ بنفي وهمس أمام شفتيها بتهدج وأنفهما متلاصقان أثناء سيره إلى الغرفة: ولا عمري هشبع! العشرين سنة اللي ضِعتي فيهم مني ومكنتيش مبسوطة هتعيشي قصادهم سنين عمرك بين الهئ والمئ وده قرار نهائي.
ضحكت بنعومه بسبب قوله وهي تشعر بالفراش الناعم أسفل جسدها وعمّار يدنو منها مخدرا إياها بقبلاته المحمومة قبل أن يذيبها في أحضانه لتهمس بأخر شيء قبل أن يخطفها إلى عالمٍ آخر: وانا موافقة..

يقولون عِندما ترغب في الزواج، فلتتزوج إمرأة عمرها يتراوح بين سن الخامسة والثلاثون والثامنة والثلاثون لأنها تكون كـ روما كل طُرق الحب تؤدي إليها.

بعد مرور أسبوع، في مدينة الإسكندرية، مساءا..
طرقت روحية فوق باب غرفة الرسم خاصة جاسم بخفة، أذن إليها بالدخول بنبرته الخاوية من الحياة وهو يصب تركيزه على اللوحة التي يرسمها بتفانٍ، يلملم شعره كعكة يرتدي بنطال الرسم المرقع و قميصه الأبيض الملطخ بالألوان.

دخلت عليه والدته تقدم قدم وتؤخر الأخرى بخوف من رد فعلهُ بعد معرفة الحقيقة، فهي حسمت أمرها و ستخبره لأن ضميرها لا يجعلها تحيا براحة بتاتا، وسترضخ لأي شيء يطلبه منها.
توقفت خلفه وسألته بصوتٍ متوتر مهزوز: محتاج حاجة يا حبيبي؟
هزّ رأسه بنفي وهو يغرق الفرشاة في كوب المياه الخاص ينظفها بتركيز وبطء، لـ تهم بسؤاله باستفهام: هنروح القاهرة أمتي؟

توقف ذراعه عن الحركة وتوقف الزمن به وهو يستذكر آخر ماحدث معهُ هناك.
استدار ينظر إليها بتركيز حتى ظنت أنه سيرسمها ليهتف فجأة بدون تعبير أخرجها من شرودها: مش هنروح القاهرة وأنا طلقت عشق على فكره.
اتسعت عيناها وشهقت بتفاجئ وهتفت بتعجبٍ شديد: طلقتها بجد؟
أومأ بهدوء وهو يستدير يستأنف رسمته بصمت خانق سيطر عليهما، فجذبت كرسي خشبي ووضعته قبالته وجلست فوقه بتوتر وعينيها تشِع لا تطيق صبرا كي تخبره وتنتهي.

نظر إليها بتستفهام بسبب جلوسها أمامه، فأدمعت عينيها وهمست بغزي من نفسها: جاسم أنا عملت جريمة وعمري ما هسامح نفسي عليها.

تغضن وجهه وعقد كلا حاجبيه بعدم فهم وخفق قلبه بعنف وساوره شعورٌ سيء خانق، لتستطرد باكية وهي تخفض رأسها: موت نادية وتميم كان بسببي، انا اللي طلبت مساعدة حبيب عشان يموت نادية بس لكن الاثنين ماتو في الحدثه، وطلبت منه يخلصني من عشق لأنها بتفكرني بنادية ووافق وقلي مقلقش لكن معرفنيش هيعمل ايه بس عِرِفت لما قُصيّ جبهالك الفرح..

سقطت الفرشاة من يد جاسم ووقف بترنح عن كرسيه كمن سقط عليه سطلا من الماء البارد، بل كمن أبصر قذيقة حرب تقترب منهُ ليسقط الكرسي خلفه بقوة مدويا صوتا مُرتفع.
حدق في والدته بذهول وصدره يهتز بعنف وعينيه جاحظة تكاد تخرج من محجريها، حمراء من فرط صدمته وهول ما سمع، هل والدته هي المتسببة الأولى في تعاسته؟ حبيب الذي يربكها كلما أتت بسيرته هو قاتل خالته وزوجها والمسئول عن تدمير عشق؟!

تمتم بصوتٍ لم يخرج متماسكا وهو يهز رأسهُ بذهول: إنتِ بتقولي إيه؟
هزت رأسها بأسى وهي تشهق وعادت بذاكرتها المعطبة التي لم تنسى تفاصيل تلك السنوات من حياتها قط. ، سنوات شبابها وهي فتاة جامعية يافعة مع أصدقائها، أجمل سنوات عمرها التي تحولت إلى جحيم في نهايتها.

استسلمت للحظاتها هذه وقصّت عليه كُل شيء بالتفصيل، فالحقيقة مهما ظلت مخبئة ستظهر في يومٍ ما، لهذا بادرت هي أفضل كي لا يكتشف حقيقتها البشعة من شخصٍ آخر.

قفز آدم من جلسته عِندما رأي رسالة المختبر بنتائج التحاليل.
اتسعت ابتسامته وتنفس الصعداء براحة وعاد يتمدد فوق الأريكة بأريحية ممسدًا صدره بقوة طاردا هذا الهم الثقيل عنهُ، فهو لوهلة اهتزت ثقته وكان خائفا من تلك النتائج لكن الراحة غمرته الآن، بقي لديه فقط شيء واحد وهو عودة تالين إلى مصطفي كي يسافر مُرتاح البال والضمير.
ضغط على رقم تالين سريعا يهاتفها لتقوم حياة بالرد كالعادة..

أردف بصوتٍ يشي بالحماس كأنه سيجمع عاشقين معا: الو، حياة إزيك، تالين فين؟
أجابته بهدوء: نايمة
لم يؤجل مايريد قوله حتى تستيقظ لهذا أخبرها بعجلة: قولى لـ تالين نتيحة التحاليل طلعت وتكون جاهزة بكرة هاجي اخدها عشان ترجع ومصطفي يعتذرلها، مش لازم تضيع حقها معاه تاني.
أومأت حياة بتفهم وهي تهز رأسها وتهمهم كأنه أمامها هاتفه في النهاية بكلمتين فقط: حاضر هقولها.
ابتسم وقال قبل أن يغلق: تمام معادنا بكره.

وفي هذا الوقت تحديدا في شقة سالي، قذف مصطفي الهاتف على طول ذراعه وهو يجأر ليتهشم في الحائط وصدره يتضخم بقوة بأنفاس متسارعة وخفقات جنونية مؤلمة، بوجه مكفهر وملامح جحيمية ينظر في أرجاء الغرفة بعروقٍ نافرة، وعينين جاحظتين مستعدا للفتك بكل من يراه الآن..
سيقتل كليهما معًا يقسم أنهُ سيفعل، ضمته سالي بقوة وسألته بقلق وهي تحدق في الهاتف الساقط: حصل إيه مالك؟

هدر بنبرة جهورية وهو يدفعها عنهُ وأخذ يذرع الغرفة من ركنٍ لآخر بجنون بأعين دامية جاحظة: طلعوا خاينين هقتلهم والله هقتلهم..

عادت تقترب منهُ وعانقنه بلطف ورفعت راحة يدها تمسد صدره بحنان بالغ هامسة بمواساة: متزعلش نفسك يا حبيبي وروق الخاينين معروفة ديتهم إيه بس، بس إنت مش مجرم يا مصطفي، ومرغت رأسها بصدره كقطة واستطردت كي تستفزه ويتهور: وبعدين أنا حجزت وهنروح المالديف بُكره مفيش مجال إنك تقابلهم تعالي نسافر تكون هديت ولما ترجع تتصرف بعقلانية اكتر.

أبعدها عنهُ بضيق وهتف بدون تعبير: لأ في مجال شنطة هدومي في بيتي وهروح اجيبها بكره وده بيت آدم كمان وفي اتفاق بينا هيتنفذ ولو متنفذش أنا عارف عنوانهم كويس أوي.
نظرت إليه بلومٍ وانكسار بسبب دفعها عنهُ بتلك القسوة والتحدث كمجرم بتلك الطريقة.
استدارت على عقبيها و أولته ظهرها بينما تقول وهي تخفض رأسها بمهانه تبتسم بخبثٍ واتساع حتى بدت نواجذها تتابع مسرحيتها المبتذلة: ماشي يامصطفي براحتك.

شدّ على شعرة وزمجر مطبقا على كفيه بقوة ودمائه تغلي شاعرا بألم رأسه المفاجئ بسبب الضغط، هو فقط يعرف أنه سيذيقهم الأمرين إن ظهر أحدهما أمامه، وإن لم يظهر سيذهب إلى البحث عنهم، غدًا ينتظر غدًا بتلهفٍ شديد.

داخل عيادة وليد..
ابتسمت عشق بحزن وهي تنظر إلى تذكرة سفرها التي تحمل تاريخ غدا ليسأل وليد باهتمام: زعلانه عشان هتسافرى؟
هزت رأسها بنفي وأردفت بمرارة وهي تضعها فوق المكتب: بالعكس، هقعد هنا ليه وعشان مين؟ السفر احسنلي بكتير و ومتهيألى ده احسن قرار صح أخدو في حياتي.

ابتسم وليد مشجعًا والراحة تغمرة ثم هتف وهو ينظر إليها بلوم بسبب تصرفاتها الهوجاء التي تفاجئة: اتمني تفضلي على رأيك ده وميتغيرش بكره او بمكالمة تليفون مثلا..
ابتسمت برقة عِندما فهمت إلى ما يرمي فطمأنته بقولها مستسلمة إلى مصيرها: متخافش قرار نهائي ومش هيتغير وهسافر بكرة وهبدأ من جديد.

في أحد المطاعم في القاهرة.
وثب قُصيّ داخله بضجر متلفتًا حوله يبحث عنها بناظريه بتدقيق، شاتما نفسه بحدّة بسبب مجيئه بسرعة دون إعتراض.
ألتقطتها عينيه وهي تجلس تضع يدها حول رقبتها وتميل برأسها، تحدق في الخارج عبر الزجاج اللامع، وغرتها متهدلة قاصده التحرك والعبث فوق وجنتها كي تضايقها وتجعلها تتنهد بهذا الحزن وهي تبعدها خلف أذنها. ، لمَ تبدو حزينة بهذا القدر؟ إنه لا يليق بها!

أزاح الكرسي بقدميه وجلس فوقه بينما يقول بتعجب وهو ينظر إلى تلك الحلوى الموضوعة أمامها دون أن تمسها: إيه ده إنتِ عاملة دايت بجد ولا إيه؟
أبعدت لمار يديها ونظرت إليه بابتسامة حزينة وهي تجلس باستقامة جعلته يسألها بريبةٍ وهو يضيق عينيه ملتقط الشوكة كي يأكل هو: انا هموت ولا ايه؟ مالك بتبصىي كده؟
ابتسمت بنعومة وهي تنفي: مش أنت أنا!
طرف بتعجب وسألها بهمس: أنتِ اللي هتموتي؟

ضحكت بنعومة وهزت رأسها بلطافة قائلة بنبرة شديدة الحُزن: أنا خلاص راجعة لأهلى ومش هشوفك تاني عشان كده جيت أودعك قبل ما امشي.
تجلت إمارة التعجب على وجهه وهتف بازدراء: وليه الوداع يعني ومش هتشوفينا تاني ليه؟ هيحبسوكِ!

هزت رأسها بنفي وهي تجهز حقيبتها كي تذهب قائلة بتعب وتأثر وهي على حافة البكاء: لأ، بس أنا قدمت استقالتي وسبت الشُغل، وجودي ملوش لازمة وخصوصاً لأني حاسة اني بغرق في دوامة هخرج منها خسرانه وانا مش هتحمل خسارة تانية لأني هخسر معاها نفسي المرة دي وأنا متأكدة من كده.
أردف متعجبا دون أن يفهم: انا مش فاهم حاجة؟ إيه علاقة شُغلك برجوعك لأهلك بنفسك اللي خايفة تخسريها؟

ضحكت بقوة ساخرة وهي تهز رأسها كأنهُ ألقى على مسامعها نكته! تعلم أنه لن يفهم ولن يخطر لهُ هذا ولن يقدم على التفكير بتلك الطريقة، إن الخطب والخطأ بها هي، هي ليست طبيعية بالمرة ليست طبيعية تعرف.
راقبها جاهلا ما أصابها وجاهلا المغزى من كلماتها!
امتدت يديها فوق الطاولة وأمسكت يده بقوة تشد عليها لا تُريد الإفلات وبنبرةٍ مُرتعشة طغى عليها الحُزنٍ همست: هتوحشني.

اختلج صدره واهتزت مقلتيه ناظرا إلى عينيها التي تخبره بشيء، وتقاسيم وجهها التي تخبره بشيءً آخر، وقبتضها الناعمة التي تشتد فوق كفه بشكلٍ ملحوظ كانت تعني شيءً ثالث لم يعرف كنهه قط!
ابتسمت في وجهه بنعومة وربتت على ظهر كفه بحنان وهمست مودعة قبل أن تقف وتغادر: مع السلامة.
حملق في يده بتعجب؟ ثم صاح بإسمها مشدوها: أنتِ!، يا لمار؟ يابت!

ضرب كفيه معًا بفقدان صواب، وحدق في كرسيها الفارغ باقتضاب يفكر وهو يضع أنامله فوق شفتيه. ، هل هذا يعني أنه إختفت ولن يراها مرة أخرى؟ هو لا يعرف منزل والديها؟ وما دخله؟
شتم نفسه وترك المطعم وعاد إلى المنزل، فهو سيغادر غدًا لمَ يهتم لأمرها وهو لن يكون هُنا؟!
فتح باب المنزل ودخل ليجد الظلام الحالك يسود المكان، أغلق الباب وأخرج هاتفه كي يُنير لنفسه ظنا أن الكهرباء إنقطعت.

سار خطوتين للأمام ليتوقف وتتنبه حواسه عِندما تناهى إلى مسامعه صوت قداحة وثوانٍ فقط وكانت الشمعة تنوس وتضيء إضاءة خافتة بين الورود الحمراء وزجاجة الخمر، الموضين برتابه فوق الطاولة المُزينة، هل جُنت كي تشرب خمر!

تقدم من الطاولة مرتابا ليبصر جـنّـة المتألقة، ترتدي مناماتها العارية، تضع تبرجها الصارخ وأحمر شفاة قاتم مُغري، تقدمت منه بنظراتٍ عابثة لعوبة وهي ترفع كلا حاجبها، تتهادي في سيرها متمايلة بدلال.
لفت يديها حول عنقه ورفعت نفسها تقبله شفتيه بنهمٍ ونعومة، تعيد إلية الذكريات لعلة يستسلم إليها كما ظنّت.
أبعد رأسهُ إلى الخلف ورفع يدية وفك حصارها عن رقبته هاتفًا بتعجب: وده من إيه ده؟

ردت بإبتسامة وهي تداعب وجنته: ده الوداع، تعالي معايا يا حبيبي.
أمسكت يده وساقته إلى الطاولة المزينة تحت تعجبه وأجلسته فوق المقعد وجلست مقابلة وإبتسامة هادئة ورزينة تُزين ثغرها.
فتحت زجاجة الخمر ببطء وملأت كأسها وامتدت يدها إلى كأسه لـ يستوقفها سواله بحاجبين مرتفعين: من أمتي وأنا بشرب خمرة؟
أجابت بهدوء وهي تبتسم ابتسامة وديعة أثناء ملئ كأسه: دي تفاريحي كده النهاردة.

رد عليها بنزق وهو يخك مُنحدر أنفهُ: افرحي لوحدك و أه صح نسيت قبل ما انسي..
نظرت إليه بترقب وهي تبتسم وقلبها يخفق بحب: إنتِ طالق.
وكانت الثالثة والأخيرة، اتسعت ابتسامتها وهتفت بثبات انفعالى تُحسد عليه وسألته وهي ترفع الكأس إلى شفتها: وياتري دلوقتى وبعد ما خلِصت مني هتتجوز عشق ولا البت بتاعة الورد؟

ارتفع كلا حاجبيه بتلقائية ولم يخفي تفاجئه بمعرفتها لتستطرد بتهكم وهي تنظر إلى تعبير وجهه: تكونش فاكر إني صدقت إنك هتجيبلى الورد وأنت مش طايقني؟ أقنعتك بفرحتي صح! ما أنت عارف إني ممثلة شاطرة جدا مالك بتحب جديد مش عارف تركز؟!
ضحك بسخرية وهو يطالعها باستمتاع لأقصي حد، فعضت على شفتيها بعنف وأبعدت شعرها خلف أذنها بحركة عصبية وسألت مستفهمة: هي حلوة أوي ومبسوط معاها؟

إن الشرح سيطول عليه كي تفهم ولن تصدقه في النهاية لهذا عمد على ما عمد إليه وهو يحادث عشق سابقا: طبعا أنتِ مش متخيلة.
تحطم فؤادها وأدمعت عينيها ورغم هذا هتفت بثبات: كويس اوي ربنا يسعدك.
رد بلطف: مُتشكر جدًا
وسارع بالوقوف لتوقفه بقولها بابتسامة باردة: قُصيّ فاكر المفاجأة اللي قولتلك انا عملهالك قبل ما تسافر؟
أومأ وقال بتفكير: ومتهيألى انك قُلتي انك حامل!

ضحكت بقوة حتى انسلت عبراتها وهمست بلهاث وهي تجفف وجهها: لأ مش دي المفاجأة، بُكره المفاجأة الحقيقية بس إوعي تتخض ها؟
أومأ بعدم ارتياح بسببها وبسبب تلك الابتسامة البغيضة والقلق يساوره، فهي ليست بهذا الهدوء المُخيف، همت بالوقوف هامسة بأسف كأنها هي من تركته: هقوم بقى عشان اخد هدومي و امشي.
أومأ وأطفأ الشموع ثم تحرك كي يُنير الضوء ليجد ريمة تهبط الدرج بحقيبه ملابسها لأجل السفر.

تخطتها جـنّـة وتابعت صعودها لتمسك ريمة بكفها أوقفتها وهي تبتسم، نظرت جـنّـة بينها وبين قبضتها التي تمسكها بعدم فهم لتقترب ريمة وقامت بالهمس في أذنها بما جعلها تتيبس مكانها وتحجرت عبراتها داخل مقلتيها مما سمعت!
نفضت يديها عنها بعنف وباغتتها برفع كفها وهويت على وجنتها بصفعة قاسية من فرط الحقد.
اندفع قُصيّ وركض ناحيتها صارخا ريمة باسمها بنبرة جهورية عنيفة: جـنّـة!

اعتصرت جـنّـة صدرها بحسرة شاعرة بالإختناق عاجزة عن ذرف الدموع حتى، متذوقة مرارة الألم والإنهزام تلك المرة من الشخص الغير متوقع.
صعد السلم درجتين درجتين ورفع وجه ريمة التي كانت تخفضة وصوت نهنة مكتومة تصدر منها، ظن أنها تبكِ لكنهُ اندهش من ضحكاتها المكتومة ووجهها البادي عليه السعادة وكأنها لم تتلقي صفعةً قط.
هتف مشدودا وهو يتحسس وجنتها الحمراء بخفة: ريمة أنتِ كويسة؟

أومأت وهي توقف ضحكاتها بصعوبة وأخذت شهيقا طويلا ثم قالت بهدوء وهي تربت على كتفه: كويسة جدا متقلقش عليا.
أمسكت جـنّـة مرفقة فطفح الكيل به ونفضها عنهُ بعنف كاد يسقطها من فوق السلم هادرا بكُره شديد: انا لا عايز اشوفك ولا اسمع صوتك غوري في داهية.
ورفق قوله بسحب ريمة خلفه بعد أن حمل حقيبتها وسار بها إلى خارج المنزل.

انسلت عبرات قهرها الحقيقية خلاف الأخرى الخاصة بالتمثيل، أمسكت الدرابزون بيدٍ مرتعشة تستند عليه وهي تصعد كي لا تسقط بغتة، وصعدت إلى غرفة غرام، جلست على ركبتيها أمام فراشها من الجانب تتأملها بحسرة وعيناها تفيض من الدمع، ستحرم منها مجدداً ولن تراها، تستحق مايحدث إليها.

همست بقلبٍ مضني وهي تسمح على خصلاتها الحريرية وعيناها تمر على تقاسيم وجهها الرقيقة تحفظها عن ظهر قلب: هرجع عشانك تاني صدقيني هرجع، ورفقت قولها بقبلة رقيقة حانية وضعت بها جميع مشاعرها طبعتها على وجنتها بحنان وعادت تهمس بنبرة مرضية يملؤها الشر: وساعتها مش هرحمه.
في الخارج..
عانقها بأسف وأعتذر بندم بسبب تعرضها للضرب: أسف حقك عليا أنا.
مسدت ظهرة بحنان وهمست بلطف كي يزول عنهُ البأس: محصلش حاجة ياحبيبي..

فصل العناق وداعب وجنتها بحنان وهمس سائلا بأسف: وجعتك؟
هزت رأسها بنفي وقالت بابتسامة زاهية: صدقني أنا اللي وجعتها اوي متقلقش.
أومأ بإبتسامة حانية ثم لثم جبينها وهتف بثقة وصوت منخفض نسبياً وهو يمسك يديها يضغط عليها بخفة، يرتكز بنظراته داخل عينيها: ريمة أنا بثق فيكِ جدًا وأنتِ عارفة وعارف إنك مش هتخيبي ظني وهتسافري على طول من غير ما تروحي لـ جاسم!

شحب وجهها وزاغت عيناها وحاولت تحاشيه وهي تحرك يدها كي تفلتها لكنها لم تقدر، أدمعت عينيها وأطرقت رأسها خجلا من نفسها بسبب خيانتها لثقته وهمست بشفتين مرتعشتين: أنـ، أنـ..
قاطعها بهمسٍ مترفقا بها وهو يرفع رأسها التي تطرقها بخزي: مش زعلان ولا متضايق منك عارف أن نيتك طيبة، بس هزعل بجد لو روحتي تاني.
أومأت بطاعة وهمست بندم: أسفة..

ابتسم بلطف وقبّل وجنتها بنعومة ثم تحرك من أمامها وأدخل حقيبتها في السيارة و أوصاها بحنان وهو يمسد ذراعيها: لما توصلي كلميني ومتقلقيش بُكره هكون عندك يلا اركبي.
ساعدها بالصعود إلى السيارة لتنطلق وتذهب بعيدًا، ظلّ يقف مكانه يُحدق في أثرها بقلق بقلبٍ مُنقبض خائف، فهو لن يطمئن سوي عِندما تصل بسلام.

يشكر ربه على الصبر والسكينة التي تحل عليه عِندما يحادث ريمة، فإن كانت جـنّـة من فعلت هذا لأشبعها ضربا حتى الموت، لا يعرف كيف نجح في خداعها واقناعها بأنه صدق كذبة صديقتها التي تذهب إليها طوال هذا الوقت كي يعرف هدفها مما تفعل.
فهي تحب أن ترتدي ساعات المعصم على الدوام، فكان يهاديها دوما ساعات معصم بمتعقب كي يعرف أين هي بسهولة وأحيانا يزرعه أسفل أحذيتها.

ويفعل هذا مع جـنّـة، أي أنه يعرف أين تذهب وبجميع مقابلتها بسامي، لكن المُحيّر أنه لايجد ماهو مُثير للشك أو ملفتا للنظر كي يحدث غدًا، إلى ماذا تُخطط لأي مفاجأة تُحضّر؟!
تنهد بـ همٍ واستدار على عقبيه صافعا جبهته براحة يديه بسبب الصداع، ثم عاد إلى الداخل فهو لن يكون هُنا غدًا سيحرص على الذهاب مبكرا قبل أن تُعطله بأي حركة خبيثة من حركاتها..
فقط فليأتي غدًا ليضع كُل شيء فى نصابه.

تااااابع ◄ 

 

أحدث أقدم

نموذج الاتصال