رواية حب خاطئ الفصل الخامس

 

 

 

 - من المؤسف أن أعشق الأولى وأرغب في الثانية وأتزوج من الثالثة -.

كانت جالسة على الأريكة بجانب والدتها تنتقي الذهب بسعادة من فوق الطاولة التي وضع عليها خواتم وقلادات ودُبل وخلاخيل وأقراط ذهبية بمختلف الأشكال والنقشات الجميلة منها القديم ومنها الحديث..



كانت نادين ترتدي ملابسها المعتادة وفوقها عباءة لأنها أحبت الك الملابس تاركة شعرها منسدلا بنعومة حول وجهها، بينما ليلى كانت ترتدي ملابسها المعتادة المكونة من بنطال قصير ضيق وكنزه ومن المفترض أن المنزل دافئ كالمعتاد لكن اليوم لم يكن دافئ، تتلحف بوشاح ثقيل بسبب البرودة التي أدخلها الباب المفتوح على مصراعيه مع إدخاله للضوء و نسمات الهواء التي داعبت خصلات شعرهم بنعومة..

هي بالفعل أخذت الملابس من حُسنة كما أخبرتها لكنها تركتهم على الفراش رافضة أن ترتديهم، جمعت خصلتين خصلتين من شعرها من كل جانب وقامت بـ لويهم وجمعتهم داخل مشبك الشعر الصغير كي لا تتمرد بقية خصلاتها وتضايقها وخصوصاً أنها لا تطيق النظر إلى وجهها وهي هكذا..
بينما حُسنة ودهب كانا يجلسان جوار بعضهما البعض يتحدثان بهدوء مع كل قلادة تضعها حُسنة على صدر دهب كي ترى الأجمل والأنسب لها..

إلتقطت قلادة أخرى وهي تزفر بسبب مزاجيه إبنتها ورفضها كل ما تقترحه عليها..
صرخت بها بحدة افزعتهم: في إيه يا بتي مفيش حاجة عاجباكِ واصل!
زفرت دهب بضيق وقالت بتذمر: أعمل ايه يعني ياما مش عجباني اللِبة ديّ!
نظرت لها حُسنة باستياء ثم قالت بقلة حيله: براحتك مليش صالح عشان تعبتيني وياكِ يابت بطني..
ابتسمت ليلى ثم وقفت من مكانها وجلست بجانب دهب واقترحت عليها بهدوء: ينفع أساعدك؟

اومأت لها بوجه عابس فابتسمت ليلى وبدأت يدها تتجول بين القلادات حتى إلتقطت واحدة ووضعتها حول رقبتها برقة وسألتها: ايه رأيك في دي؟
إبتسمت دهب وهي تتحسسها بأناملها ثم قالت بابتسامة: تسلم يدك حلوه جوي..
نظرت لها حُسنة بسخط ثم سألتها بتهكم: أباي عليكِ يا بت الجزمِة إنتِ أنا حطيتها على رجبتك ياجي خمسين مرة وجولتي عفشِه بجِت زينه دلوك؟

ابتسمت ليلى وحاوطت كتف دهب وقالت برقة: لأ هي مردتش تكسفني بس، عشان هس برده مش عجباها يا أم عمّار صح يا دهب..
ابتسمت دهب ببلاهة ثم خلعتها عن رقبتها وقالت باستسلام: أني عاوزه حِجل، وتركتهم وجلست بجانب نادين تنتقي معها بهدوء دون تأثير من أحدٍ عليها تحت نظرات والدتها التي تهز رأسها بيأس..
ربتت ليلى علي كتفها بحنو وقالت بهدوء: تلاقي هرمونات الحمل مقصرة عليها شوية..

هزت رأسها وقالت بتعجب و استياء: ديّ لسه عالبر يا بتي للحديت دِيه إحنا محبِلناش ولِّيه!
ضحكت ليلى بخفه ثم قالت وهي تضيق عينيها: كل حاجة اتغيرت دلوقتي تلاقيها بتتجلع عليكِ يا أم عمّار..
ضحكت حُسنة ثم هزت رأسها وكادت تذهب لكنها لاحظت نظرات ليلى تجاه إحدى الخلاخل الذهبية..

حملته بابتسامة ورفق كأنها تخشى عليه ثم رفعت قدمها ووضعتها على طرف الطاولة وارتدته حول كاحلها وهي تبتسم فكان سوار رقيق يتدلى منه فراشات صغيرة رقيقة تتراقص مع كل حركة تصدر منها، خلعته عن قدمها وهي تبتسم بحزن فهي ترى أنها كبرت على تلك الأشياء، وضعته على الطاولة لكن يدها توقفت بمنتصف الطريق عندما أمسكتها حُسنة وهتفت باعتراض: والله ما يرجع عاد..

حركت ليلى أهدابها بتعجب وسألتها بعدم فهم: مايرجع ايه؟ مش هاخده!
اختطفته حُسنة من بين يديها وهتفت بحدة ولغة أمره: أرفعي رجلك ديّ علي المخروبة دلوك..
نظرت لها بتعجب دون ان تصدر عنها حركة، شهقت عندما رفعت حُسنة قدمها بنفسها على الطاولة وأعادت وضعه حول كاحلها من جديد وهي تقول: الحاجة اللي تعجبك تاخديها من غير حديت ورطرطة كَتير..

هزت رأسها بنفي وردت متعجبة وهي تنظر إلي قدمها: مش معني إنه عاجبني اخده مش هتستخدمه دي فلوس علي الفاضي!
ربتت حُسنة على كتفها وقالت بابتسامة: مش فلوس على الفاضي عاد! ديّ أجل من جيمتك يا حبيبتي من حبنا حبيناه وصار متاعنا متاعه اعتبريها هديتي ليكِ يا غاليِة..
ابتسمت ليلى بنعومة و سألتها باستفهام رقيق: إنتِ ليه بتقوليلي يا غالية؟

إبتسمت حُسنة وقالت بحنان: عشان إنتِ غاليِة يا غاليِة، عانقتها ليلى بحنان وهي تبتسم بِحب مع قولها: إنتِ طيبة أوي يا حاجة أم عمّار..
ابتسمت حُسنة وربتت على شعرها وهي تقول بابتسامة: والله إنتِ اللي طيبة وأميرة يا أميرة، أنا هجوم بجي عشان البنتِه اللي في المطبخ دول ما هيعملوش حاجة زينه غير لما أجعد فوج دماغتهم..
عشان نلحق جبل الليل وجبل مايوصلوا الضيوف..
سألتها ليلى باستفهام: مين اللي جاي؟

وضعت حُسنة يدها اسفل ذقنها وسألتها باستنكار: إنتِ ما تعرِفيش ولِّيه؟ النهاردِه جراية الفاتحة بتاعة عمّار!
هزت ليلى رأسها بجهل وهتفت بتعجب: عمّار وندي؟
ضربت حُسنة كفيها معاً وهي تهز رأسها وتكاد تجن من تلك الاسئلة جعلت ليلى تبعد وجهها إلى الخلف وهي تحرك أهدابها بتعجب تستمع إلى بقية قولها: خبر ايه يا بتى تفي من خشمك ندى ايه ديّ ديّ فاتحة عمّار ونادين يا حبيبتي!

هزت رأسها باستنكار ثم سألتها بغضب طفيف إحتراماً لها: يعني ايه فاتحة؟ مين اللي قال كده؟
تنهدت حُسنة وقالت بهدوء كي تفهم ما يحدث هُنا: أنا جولتلك جبل سابج يا حبيبتي إنك طالما جيتي إهنِه يبجي إنتِ موافجة ومش ناجص غير موافجة الحج وبينُه إكدِه وافج وأمر ومحدش هيردِله طلب واصل..

ردت بعصبية وهي تضرب الطاولة براحة يدها: يعني ايه محدش يردِله طلب يعني؟ ليه احنا هنا تحت رحمته لحد ما يوافق ويؤمر ولا ايه؟، وقفت بغضب وتابعت بحدة ولغة آمرة إلى نادين التي وقفت بقلق: إتفضلي اطلعي جهزي حاجتك عشان نمشي مش هنقعد هنا دقيقة واحدة..
زفر بضجر وهو يمر من أمامها تلك الثرثارة التي لا تتوقف شفتيها المثيرة عن الحديث، دفعها من كتفها أسقطها على الأريكة وهو يقول بسخط: عاملة دوشة ليه يا حماتي؟.

ركلت حُسنة ساقهِ وهو يمر من أمامها وهي توبخه بحدة: من ديج المكان جي تزنج نفسك إهنِه يا جاموسية إنتِه!
قهقهة وهو يجلس بجانبها ثم قبل جبهتها بحنان وبرر بهدوء: أنا جاي أجعد جارك يا ست الكل..
ربتت على صدره بحنان لـ يبتعد قليلاً إلى الخلف شاعراً بالألم، سألته بتعجب ويدها أستقرت على صدره: مال صدرك دافي إكدِه ليه مرضان ولِّيه؟

أمسك يديها بين يديه وقبلها بحنان وقال بسخرية: أصلي كُنت برضع دلوك، ضربت كتفه بسخط و وبخته وهي تضيق عينيها: ترضع مين يا ناجص إنتِه..
قهقهة وهو يعانقها ثم سألهم باستفهام: انتوا جاعدين إهنِه ليه؟ في رجاله جايين عشان في مشكلة إيكش يتعاركوا في نص الطريق ويجتلوا في بعض ونخلص من الفُجّر اللي بيتاجروا في المساخيط دول..

ربتت حُسنة على رأسه بحنو وهتفت مواسية: ربنا يجويك يا ولدي أني واعية إنك ما هتحبش المشي البطال..
ضحك بتسلية وهو يستمع لها، حسناً معها حق هو لا يحب هذا، لكن أي واحداً تقصد لأن هناك ما يحبه..
سألهم وهو يبحث عن الصائغ بناظريه: هو فين المحروج التاني مهملكم دهباتُه إكدِه كيف؟
لويت حُسنة شدقيها وهي ترفع حاجبيها وقالت بتهكم: إحنا هنِسرجه ولِّيه العِفش دِيه! همله جاعد مع الرجالة في الطله بيشرب شاي..

أومأ وهو ينظر إلى الذهب الموضوع أمامه على الطاولة ليقع نظره على ساق ليلى الناعمة التي تمدها على طرف الطاولة تعقد يديها أمام صدرها بوجوم وهي تفكر، ليهتف عمّار بسخرية وهو يلمح ذلك السوار الرقيق الملفوف حول كاحلها: حماتي جامت بالواجب وسرجت أهي..
ضحكت بسخرية ولم ترد عليه متصنعة البرود وهي تنفخ أنفها مع وجنتيها بغضب وكم تتمنى بشدّة أن تقتلع ذلك اللسان اللعين..

وبخته حُسنة بخفوت وهي تقرص ذراعه: إخرس ديّ هديه مني..
رفع حاجبيه وسألها متصنعاً الحزن: بجي بتهادي حماتي وسايبة خطيبتي؟
رفعت قدميها عن الأرض وربعتها ثم سألته وهي تهتز: بجولك ايه يا واد يا مخبول إنتِه ماترازيش فيِه أنا مش فيجالك والدهبات كلها أهي تحت أمرها ولا لازم أجولها؟

ضحك وهو يراقبها بتسلية ثم هتف بأسف: معلاهش بعـ، قطع قوله دلوف أحد حُراس المنزل حاملاً معه بعض الحقائب مستمراً في السير دون توقف أو النظر لهم..
أستوقفه قول عمّار باستفهام: رامح على فين كيف البهيمة إكدِه..
توقف الحارس ثم أستدار وذهب اتجاهه، وقف أمام الطاولة وهتف باحترام: كنت بجيب طلبات للمطبخ جنابك..
أومأ لها عمّار ثم سأله وهو يحدق بالحقيبة البلاستيكية التي يحملها من: وجايب ايه؟

قال بهدوء وهو يناوله الحقيبة: طماطم..
أخذها عمّار وتفحصها وهو يسأله: بكام دلوك؟
رد بهدوء: عشه جنيه..
سأله بامتعاض وهو يتفحصها: ليه من كارفور؟، قضمها كي يتذوقها ثم قال بتقزز: دي ماصخة! وطريه جاك خابط في مجايبك اجلب من وشي..
قهقهت نادين ثم قالت وهي تغمزه: إنت باد بوي اوي على فكرة..
قهقهة ثم قال إلى والدته بتسلية: تبجي فرجي شربات على البلد يا أم عمّار..
سألته بتعجب وهي تضع يديها أسفل ذقنها: ليه يا ولدي..

قال بهدوء وهو يربت علي صدره: بمناسبة إني بجيت باد بوي..
دفعته وهتفت بسخط: بعِد عني يا بجف وجوم من إهنِه جوم، ضحكت نادين بتقطع وهي تراقبه بابتسامة، قلبت ليلى عينيها بسخط وهي ترفع طرف شفتيها بسخرية فكم تبغضه ذلك السيء، هو سيء حقاً فلما يضحك بفرح وسرور وفخر هكذا؟، هزت رأسها لتقع عينيها على تلك القلادة التي تلمع بشكل ملحوظ، نظرت لها بتركيز وأنزلت قدميها عندما وجدت القلادة عبارة عن إسم ندى..

حركت يدها وقربتها من الطاولة كي تأخذها، وضعت يدها فوقها لتجد يدها تهبط فوقها بقوة بسبب يده الصلبة التي وضعت فوق يدها، لا بل كانت صفعة قاسية تلقتها كأنهما يلعبان معاً..
تأوهت بألم ونظرت له بسخط ثم أمرته بحدة وصوت مكتوم: شيل المرزبة دي من علي ايدي!
رد ببرود وهو يدحجها بنظرات نارية: شيلي ايدك انتِ انتِ مالك بالأسم المقرف ده؟
لاح على ثغرها ابتسامة ساخرة ممزوجة بإزدراء عقبه قولها: وطالما مقرف عايزة ليه؟

ابتسم بهدوء وقال مبرراً وهو يرفع حاجبيه: هحط ألف ونون عشان يبقي نادين، ضحكت بسخرية وهي تنظر له بسخط، قاطعهما قول نادين العابس ترفع يدها يديها أمام وجهها تباعد بين أناملها بخفه وهي تتأمل تلك الخواتم الرقيقة بابتسامة: بقي كده يا عموري ماتقوليش إن النهاردة الخطوبة بتاعتي ينفع كده؟
نظر لها وهو يبتسم بهدوء ثم قال مواسياً: عمورك لسه عارف دلوقتى وحياتك، بس وعد هتعرفي معاد الفرح قبله متقلقيش..

أومأت وهي تبتسم بنعومة لتقضم ليلى شفتيها بغيظ وهي تنظر لها بغضب تلك الحمقاء الساذجة البلهاء التي تغرق نفسها في الوحل..
هتفت بانفعال وهي تبتسم ابتسامة لا تليق بثورانها بتاتاً: وياتري بقي عمورك قالك انه هيتجوز عليكِ عشان يرضي السلطان سليمان؟

أسودت عينيه بغضب ثم إبتسم بعصبية وهو يضغط على يدها بقوة أكبر جعل آلامها تتضاعف وتحدث من بين أسنانه بتحذير بصوت خافت وصل لها: أنا حذرتك قبل كدة من قبل ماتيجي تخلى بالك من كلامك هنا صح ولا لأ؟ أنا سايبك بمزاجي تتجاهلي وجوده وتتجنبيه ومش بتكلم لكن لو سمعتك تقولي عليه نص كلمة متعجبنيش مش الحزام اللى هيتكلم، ايدي اللي هتتكلم المرادي و متلوميش غير نفسك..

هزت رأسها بتفهم وقالت باحتقار ونفور: مستبعدهاش علي واحد ايده طويلة ومعندوش اخلاق زيك، ثم دفعت يده عن يدها بعنف وتركت له القلادة وصعدت إلى الأعلى..
زفر بضيق وهو يشعر بالغليان بسبب تلك الملعونة تفقدة عقله، التفت ليجد نادين تنظر له بحزن فتنهد وقال بهدوء: ساعتين وتعاليلي ورا البيت و هفهمك كل حاجة، ودلوقتي بجي انجلوا في المندرة الثانية عشان المجاطيع وصلوا يلا..

في منزل خليل الطحاوي..
كانت تجلس على المقعد الدائري الناعم الذي يبتلعها، تثني ساقيها، تضع الهرة علي قدميها تداعب فرائها بنعومة وشرود وهي تنظر عبر الفراغات الضيقة في النافذة الصغيرة بيد والأخرى تضعها حول معدتها بقلق، هي خائفة من أن تخسره ماذا ستفعل؟.
قطع شرودها سماع صوت سعاله بقوة وهو يتقدم منها يرتدي عباءته البيضاء الخاصة بالنوم..

جلس على المقعد المقابل إلى مقعدها، أخرج علبة من جيبه ثم أشعل لِفافة التبغ، وضعها بين أسنانه الصفراء يستنشقها بهدوء، سعل بحدة وهو ينتفض من على المقعد بسبب انتفاضة صدره من ذلك السم الذي لا يتوقف عن استنشاقه هو والنارجيلة ذات القاعدة الزجاجية (الشيشة) دون توقف..
سألها خليل بخشونة بأنفاسه الثقيلة وهو ينفث الدخان من فمه: نِعست بدري عشيِه امبارح ونسيت أسألك عملتي إيه امبارح! شوفتي عمّار؟

أومأت بهدوء وهي تخفض وجهها تنظر إلى هرتها، ليتابع: وحُصول ايه عاد؟
هزت كتفيها وقالت بهدوء: ولا حاجة إشتريت جزمِة وجيت..
أومأ بهدوء ثم سألها من جديد: و فين الجزمِة ديّ؟

أشرت على الطاولة الموضوعة في المنتصف الموضوع عليها الكيس البلاستيكي منذ أمس، اعتدل بجلسته ثم أخرج الحذاء وقلبه بين يديه بعدم إهتمام وهو ينظر لها بسخط ثم سألها بتهكم وهو يلوح به بين يديه: وايه دِيه ان شاء الله؟ هتتزفتي وتلبسي المحروجة ديّ كيف وإنتِ حِبله؟ ولو مش حِبله من ميته بتلبسي عالي إكدِه؟ عايزه تتجسر رجبتك ولِّيه؟ ولا فلوس بتترمي عالأرض عالفاضي!

أبعدت الهرة عن قدمها ثم ضمت ركبتيها الى صدرها واسندت وجنتها إليها وهي تضم نفسها ثم قالت بإحباط: كان في هناك مرة حلوة جوي، كانت لابسة جزمِة كيف الجزمة ديّ وكانت ماسكة ديّ في يدها كومان غيرت لما شوفتها! اشمعنا هيِه يعني وأنا لاه عشان إكدِه جبتها..
قذفها عليها بغضب وهو يسبها لكنها تحركت وتفادتها.

لـ يصرخ بها بجنون: وإنتِ مالك إنتِ إنت مالك؟ تغيري وتخسِريني أني؟ مالكيش صالح بيها تلبس ولا تتجندل هي بتلبسهم لكن إنتِ لاه يا جموسية يلعن أبو اللي جابك..

عبست بضيق ثم شهقت وهبت واقفة عن المقعد عندما وجدت الحذاء الآخر يقذف عليها، اختبأت خلف المقعد وهي تسمع سبه لها وصوت الأحذية التي تصطدم بمقعدها العزيز تجعله يهتز: يا وجعتك المربرة يا حزينة كلهم بـ كعوب أكسرهم على دماغك دلوك ولا وأخرم بيهم ودانك أعمل إيه؟

وقفت وهي تزفر ثم رفعت رأسها و أسندت مرفقها على رأس الكرسي وقالت بنبرة مهمومة قلقة وهي تقضم أظافرها: فكِر في اللي عاوز تعمله أنا خايفِة أروح عِنديهم هيسجِطوني!

ضرب كفيه معاه ووبخها بحدة وهو يقبض على عباءته بقوة: أنا مش إتحددت وياكِ كَتير وجولت إن محدش هيجرب منيكي عشان حِبله؟ مهما كانوا عفشين بس بيعرفوا ربنا ومحدش هيجرب منك، والمطلوب إنك تتمحلسي لكل واحد شويِه لحد ما يحبوكي على الأجل لغاية ما تولدي وبعدين يحلها حلال..
تابعت قضم شفتيها بتوتر ثم سألته بإحباط: وهتمحلس كيف يعني هعمل ايه؟
إبتسم باصفرار وهتف بسخرية: يعني حُكي ما تِعرِفيش الحك؟

جلست على المقعد وربعت قدميها ومازالت تهزها بتوتر ثم سألته من جديد: ما تخليني إهنِه لحد ما اولد؟
حمل المطفأة التي يطفأ بها أعقب السجائر ورفعها أمام وجهها مهدداً: يا حزينة روحي دلوك عشان بعد الولادِه يكونوا باجيين عليكِ!
هزت رأسها بنفي لهذا وهتفت باعتراض: ولو محصلش حاجة من كُل دِيه عاد عيحصل فِيا إيه؟

هز كتفيه بعدم إهتمام وقال بنبرة ذات مغزى: ولا حاجة تولدي وترجعي ونفضوها سيرة ولا عيجبي في جواز ولا يحزنون وأصلاً مفيش جواز نسيتي ولِّيه؟ و معانا وجت كَتير تكوني عرفتي اللي عايزين نعرفهُ، عشان المرة الجاية لما ناجي نجتله محدش يفاديه عاد واعية للحديت؟
أومأت وهي تبتسم بعصبية وقالت بانفعال ظهر جلياً على ملامحها الناعمة: مفكِر إن كل دِيه عيبجي بالساهل؟

ابتسم وقال بنبرة تحذيرية هادئه: لاه مش بالساهل بس طول ما إنتِ هاديِه ونسمة ومش بتنبشي على المشاكل وتزني على خراب عشك محدش هيجرب منيكي واصل! متبجيش مِحراك شر عشان هيودِروكي..

لدي عمّار في المنزل..
همهم عمّار للمرة الألف وهو يجلس على مقعد والده في منتصف الغرفة بملامح جامدة قاسية صلبة لا تحمل المزاح بتاتاً يمسك بين يديه ذلك التمثال الذهبي العتيق الذي أخرجوه من أحد المقابر الكثيرة هُنا وسبب المشكلة الرئيسية، العراك على من سوف يملكه..
أسند ذقنه عليه وهو يسألهم ببرود: عيد إكدِه وسمعني الجانون بتاعكم ايه؟

ازدرد الرجل ريقه وهو ينظر مقابلة إلي ذلك الرجل الذي يجلس بملامح متجهمة يفترسه بنظراتٍ قاتلة جعلته يشحب، ثم انتقل بنظره إلى جانبه لذلك الذي الرجل الثاني الذي يرى موته بعينيه لامحالة ليرتجف قلبه ذعراً خوفاً منهما..
تحدث ذلك الذي يُدعى طلعت بهدوء لكن نبرته خانته وخرجت مرتجفة رغماً عنه وهو يتصبب عرقاً: الجانون عندينا إن اللي ينضر حاجة لوْوَل تبجي بتاعته وملكه..

أومأ عمّار بتفهم ثم نظر إلى يساره وسأل ذلك الذي يُدعى مُنذر: ومشجلتك ايه عاد؟

هتف بعصبية وهو يأشر على لطفي الذي يجلس مقابله على يمين عمّار: المشجلة إني أني اللي نضرتها لوْوَل ومن حقي وهو عمال يرطرط في الحديت ويجول هو اللي نضرها لوْوَل ومعرفش ايه وابصر ايه ومدري كيف؟!، أومأ له عمّار ثم نظر يمينه وسأل لطفي بنفاذ صبر وهو يبتسم على مضض كي لا يقتل هذان اللعينان المتبجحين هل يبلغ عنهم؟: رأيك ايه يا حج لطفي؟

نظر له لطفي وقال بكل هدوء بأعصاب باردة: أنا اللي نضرتها لوْوَل ومهجولش غير إكدِه؟
أومأ عمّار ثم أعاد سؤال طلعت: رأيك ايه يا حج طلعت مش إنت صاحب الليلة ديّ مين اللي نضرها لوْوَل؟

تحمحم وهو يجفف جبهته براحة يده ثم قال بارد: الصراحة ومن غير كذب أنا بعد ما خرجتها من المجبرة إتصلت علي التِنين واستنيت اللي هياجي لوْوَل لجيت التِنين جِدامي فجأة وجبل ما أتحددت لقيتهم جامو على بعض كيف الكلاب، صمت ونظر إلى كليهما باعتذار ثم هتف بتذبذب: لمؤاخذة، وتابع وهو ينظر إلى عمّار: دِيه يجول من حقي والتاني يجول من حقي! جولتلهم يجسموها بيناتهم لكن الطمع بعيد عنك مهيخليش..

أومأ عمّار وهو يمسد جبهته ثم رفع رأسة وقال بهدوء وهو يأشر عليهم بذلك التمثال: انتوا جولتوا ان اللي ينضر حاجة لوْوَل ياخدها صُوح؟
قال مُنذر بانفعال وخشونة: صوح!

فأعاد عمّار وهو يرفع حاجبيه: انتوا عارفين ان محدش بيخرج من إهنِه مظلوم وأنا مش بظلم حد عاد! وانتوا مش موافجين تجسموها بيناتكم وأنا شايف إن دِيه صوح عشان ديّ مش من حج حد فيكم انتوا التِنين عاد! طلعت اللي نضرها وهو اللي خرجها وهو اللي عياخدها، وقذفها إليه مع نهاية حديثه ليرفع طلعت يده المرتجفة والتقطها بوجه شاحب بهت أكثر فأكثر وهو يتبادل النظرات معهما بخوف..

إبتسم لطفي بانتصار وسعادة ولا مُبالاة بهذا، فهو يكره مُنذر ولا يفعل كل هذا سوى عناداً كي يُضايقه ويقهره وخصوصاً أنه يعلم أن لديه هوس بالآثار وجمعها وكون طلعت أخذها لا يزعجه بتاتاً، فأي شيء يسبب الإزعاج له يحبه، ربت على كتفه وهو يهنئه برضى: مبروك عليك يا طلعت صبُرت ونولت، أومأ له وهو يبتسم ببهوت ابتسامة بالكاد خرجت، ثم نظر إلى مُنذر الذي امتقع وجهه واحتقن بحمرة الغضب ليسأله لطفي باستفزاز: صوح يا مُنذر يستحجها!

هب مُنذر واقفاً وصاح بصوت مرتفع غاضب: أنا ما هجبلش دِيه شغل طلعت وبياخد فلوس على إكدِه هو يطلع واحنا ناخد الجانون مش بيطبج عليه!
أومأ عمّار مؤكداً وهو يبتسم بخفه ثم هتف ببساطة: من النهاردِه الجانون اطبج عليه ولا تزعل نفسك عاد عشان صحتك!
هتف بحدة تضاعفت وجسده أخذ يشتعل من الغضب: أنا مش موافج..

تأفف عمّار وهو يمسد جبهته ثم قال ببطء وتحذير وهو ينظر بنقطة معينة أمامه: حِسك علا وفي داري ودِه ومش كويس عشانك يا مُنذر هدِي و روِج مش هتموت من الجوع يعني! إنت طالع واكل نازل واكل كفياك عاد! لكن طلعت معاه خمس روس محتاجين كل جِرش مش عتحس ولِّيه! تكونش حاطت على جلبك مراوح؟.
زفر بخشونة كانت كصرخة مكتومة ثم جلس على المقعد بغضب وهتف بتهكم: ويرضي يطفِح عياله من مال حرام؟

ضحك عمّار بخفة وسأله بسخرية: جول لحالك يا وِلد آيوب فلوسك ديّ جايبها منين عاد شغال دلال ولِّيه؟
نظر له منذر بغضب وكُره بيّن ظاهر أمام الجميع حتى له وهو يضم قبضتيه بقوة ووعيد ليرفع عمّار حاجبيه وسأله وهو يبتسم بتسلية استفزته فوق استفزازه: مالك بتبحلجلي إكدِه ليه؟ حديتي مش لاددْ عليك؟ من ميتة وهو بيلِد عليك بلا وجع دماغ، خلاص خلصنا ومش عايز رطرطة وحديت ماصخ وعراك كيف النسوان عشان مساخيط اتجوا الله..

هتف مُنذر بعصبية وهو يقف شاعرا بالإهانة: واااه شايفنا كفرنا ولِّيه حديـ، قاطعه عمّار وهو يقف مع قولة باستخفاف ولا مُبالاه: بس بس ليطجلك عرج وروِج عندنا فرح النهاردِه، هستناكم يا رجاله، وترك الغرفة وهو يلعنهم جميعاً وغادر..
بعد بعض الوقت خلف المنزل..
نفخ داخل أذنها جعلها تنتفض بهلع، أدخلت خنصرها داخل أذنها باقتضاب ثم هتفت بعبوس مصطنع: إخص عليك يا عموري..

قهقهة عليها ثم قال بازدراء: والله عيب عليكِ عموري ايه؟
ضحكت وهي تلملم شعرها ترفعه بين يديها لـ تختفي ابتسامته عندما رأى القلادة تزين عنقها! هذا؟ لما أعطتها لها تلك الشيطانة، ألا تعجبها؟ هل تريدها من الياقوت تلك المتسلطة؟ أمسكها بأنامله ببطء كأنه يتفحصها ثم سألها باستفهام: منين السلسلة دي؟

ابتسمت وقالت برقة: دي بتاعـ، شهقت بتفاجئ عندما شدها بعنف من حول رقبتها قطعها بملامح متجهمة وهو يقول بغلظة: مش حلوه..
صرخت به بغضب: ايه يا عمّار دي بتاعة مامى هعمل ايه دلوقتي بقي؟
قذفها وسط النباتات بحنق وقال بعدم اهتمام: وحشة برده واسمعي بقي المهم وسيبك من التفاهة دي!.

كانت تدثر نفسها تحت الغطاء وهي تسند ظهرها على جزع الفراش الحديدي تمسك بين يديها إحدى الروايات الأجنبية تزفر كل برهة وأخرى بعدم تركيز وهي تتنفس بعصبية بسبب شعرها الذي لا يتوقف عن مضايقتها ووخزها..

دلفت نادين دون طرق، أغلقت الباب خلفها ببطء كي لا يزعجها وتخيفها، سارت اتجاهها تقدم قدم وتأخر الأخرى بإحباط، جلست على طرف الفراش وظلت صامته منتظرة أن تنتبه لها ليلى لكنها كانت منغمسة في القراءة وهي تبتسم بنعومة..
تحدثت نادين بخفوت: عمّار حكالي كل حاجة..
قطبت ليلى ما بين حاجبيها ثم أغلقتها الرواية و نظرت إلى نادين بتركيز لتدرك تشوشها من ملامحها بسبب ما قصهُ عليها في الأسفل..

سألتها باستفهام بنبرة هادئه وهي تتركه من يدها: وقررتي ايه؟
قالت بخفوت وهي تعبث بأصابعها بتوتر: موافقة..
صرخت بها بعصبية واستنكار وهي تكاد تشد شعرها وتقطعة بين يديها: نعم! موافقة علي ايه؟ انتِ اتجننتي ولا ايه؟

أدمعت عيناها بحزن ونظرت لها بلوم، تأوهت ليلى وهي تهز رأسها بأسف ثم إقتربت وكوبت وجهها بين يديها وسألتها بأسي: مالك يا حبيبتي؟ إنتِ شايفة نفسك وحشة اوي كده عشان ترمي نفسك الرمية دي؟ مفيش حاجة تجبرك انك توافقي علي كده!

سقطت عبراتها بألم وهتفت من بين شفتيها بارتجاف: أنا عايزه كده، أسمعيني، عمّار قالي إن ده وضع مؤقت مش هيستمر، ولسه معانا شهور قبل الجواز لما تكون ولدت اللي اسمها ندي دي وبعدين هيشوف هيعمل ايه؟
ازدردت ليلى ريقها بصعوبة وحلق جاف ثم سألتها باستفهام: مين حامل؟
ردت بضيق وهي تمحي عبراتها بظهر يدها: ندي دي حامل و جاية النهاردة..
هزت ليلى رأسها بسخرية وهي تضحك ببرود ثم سألتها من جديد: ندى حامل؟

أومأت نادين بتعجب وهي تنظر لها بريبة بسبب ضحكتها ثم سألتها باستفهام: مامي بتضحكي علي ايه؟

تابعت ضحكها وهي ترفع ركبتيها الى صدرها ثم قالت وهي تحك حاجبها بأناملها: مفيش، مفيش، وبراحتك، بس متجيش تعيطي في الأخر وخليكِ فاكرة إني مأجبرتكيش على حاجة واي حاجة هتحصل هتبقي نتيجة إختيارك الغلط، ودلوقتي بقي لو سمحتي سبيني عشان أكمل الرواية، وحملت الكتاب عن الفراش، وضعته أمام وجهها أخفته وتابعت قراءته بهدوء، وهي تشتعل غضباً داخلها ومقتِها وكرهها إتجاه ذلك الغبي تتضاعف أكثر فأكثر كل يوم دون وضع حد أو قدر إلى هذا الكره..

تنهدت نادين بحزن ثم قالت بلؤم وهي تقف: ماشي، أنا أصلاً كنت ماشية عشان عملت اوردر وزمان الأستشوار وصل دلوقتي..
أنزلت ليلي الرواية من أمام وجهها وسألتها وهي تحرك أهدابها بسرعة وتفكير: استني عندك، هتعملي ايه؟ وجبتيه ليه؟
أبتسمت نادين وهتفت بمشاكسة: عشان اعمل شعري كيرلي زيك اصل شكلك حلو..

قذفتها بالكتاب بحدة وهتفت بغيظ: اخرجي برا يا كذابه مين ده اللي هيجيلك هنا عشان استشوار، قهقهت نادين وهي تنحني وحملت الكتاب عن الأرض ثم وضعته على الفراش وقالت بابتسامة: هجيلك تاني عشان تجهزي نفسك يا أم العروسة..
ضمت قبضتها بغضب شاعرة بارتفاع ضغط دمها وهي تنظر لها بسخط ثم هتفت من بين أسنانها: أخرجي براا يا مستفزة براااا، أومأت وهي تضحك ثم قبلت وجنتيها بسرعة خاطفة وركضت الى الخارج..

=: اتفضلي يا ماما، هذا ما أردفت به جـنّـة وهي تقدم العصير إلى والدتها..
ابتسمت روحية بحنان وهي تأخذه من بين يديها شاكرة: تسلم إيدك يا حبيبتي، هزت رأسها بـ إمائه بسيطة وهي تبتسم، تحركت وكادت تذهب لكن والدتها أمسكت يدها جعلتها تتوقف ثم أجلستها بجانبها وتحدثت بتشوش: إستني يا جـنّـة عاوزة اسألك على حاجه؟

أومأت لها بهدوء لكن القلق بدأ يساورها وقلبها بدأ بالرنين عالياً وهي تسألها: خير يا ماما في حاجه؟!
تحدثت روحية بهدوء: لا بس جاسم كان متعصب إمبارح من غير سبب تعرفي ليه؟!
هزت رأسها بنفي وهي تقطب حاجبيها ثم قالت وهي تتذكر أحداث أمس: لا يا ماما هو إمبارح وصلني ورجع يصلح عربيته وبعدها دخلت ونمت حتى مشفتهوش فى حاجة حصلت ولا إيه؟!

أومأت روحية بِـ همٍ وقالت بإيجاز: إمبارح لما رجع دخل وهو بيزعق وقال إنك سبتي الهدوم في الجنينة وراح وسيبهم هنا على الطربيزه حتى مطلعمش فوق حصل إيه؟!
هزت جـنّـة رأسها بجهل وقالت بتعجب وهي تفكر: مش عارفه والله يا ماما محصلش حاجة تضايقه بس أكيد متضايقش عشان سبت الشُنط بره جاسم أعقل من كده؟
مسدت روحية جبهتها بتعب وقالت يجهل مماثل هي الأخري: مش عارفه يا جّـنـة مش عارفه..

أومأت لها بتفهم ثم هبت واقفة وقالت وهي تتحرك على عجل: أنا هطلع أشوفه يا ماما عن اذنك..
أومأت لها بهدوء وقالت باستسلام: إتفضلي يا حبيبتي..

بينما في غرفته في الأعلى كان يستلقي على الفراش يتوسد مرفقية يحدق بالسقف بعمق شارد الذهن مشغول البال مُشتت الأفكار ولا يعلم لما ولايستطيع إيجاد سبب معين لحالته! ولم يستطع أمس أن يذهب إلى غرفتها أيضاً كي لا يتشاجر معها بلا سبب فظل في غرفته حتي غفي كطفلٍ تائه، هو يعلم أنها تغيرت كثيراً لكن لما بهذا القدر؟ ولما لم تتذكر إلى الآن وهي معهم؟ فهي طوال الوقت سابقاً كانت معهم ومن المفترض أن يكون كل شيءٍ مألوفاً بالنسبةِ لها لكن هي لا تبدر عنها أي ردة فعل مهما فعل؟ حتى تلك القُبلات البريئة منها لها مذاقاً آخر مختلفاً من شفتيها عن سابقاً!.

أخرجه من شروده صوت طرقات رقيقة على الباب، إبتسم عندما علم لمن تابعة تلك الطرقات الرقيقه..
فلم يرد منتظراً أن يعرف كيف ستكون ردة فعلها ثم تصنع النوم...

تعالي صوت الطرقات من جديد لكن لم يرد عليها، زفرت وهي تهز قدمها بتوتر وتلف أعصاب ثم دلفت عندما نفذ صبرها، أغلقت الباب خلفها بخفه كي لا يستفيق عندما أبصرته نائماً، تقدمت من فراشة ببطء بخطوات حثيثة تسير على أطرافها برشاقة، استلقت بجانبه بهدوء، وضعت يديها أسفل وجنتيها واراحتها على الوسادة وظلت تتأمله مطولاً بفيروزتيها اللامعة وابتسامه رقيقه تعتلي ثغرها، رفعت يدها وداعب وجنته برقه وهي تبتسم بحُب لبعض الوقت حتى تحدث بتثاقل جعلها تشهق و تبعد يدها سريعاً: مش كفايه لعب؟!

تدرج وجهها بالحمرة وهتفت بارتباك وخجل وهي تخفض وجهها: إنت صاحي؟!
فتح عينه النصف مغلقة وتحدث بنعاس مصطنع: لا إنتِ صحتيني سبيني أكمل نومي بقي!
أومأت بخفه وهي تزم شفتيها بإحباط ونهضت للذهاب لكنه جذبها من يدها أسقطها بجانبه من جديد، تحدث بخفوت وهو يحاوط خصرها دافناً رأسه في حنايا رقبتها يستنشقها بانتشاء أصابها بقشعريرة: هتمشي بسهوله كده؟!

عبست بحزن وتحدثت وهي تغلغل أناملها داخل شعرة تداعبه بحنان: أنت اللي قولتلي أخرج..
شدد قبضته حول خصرها بقوة وتحدث وهو يهز رأسه دافناً أنفه داخل شعرها: يعني لو قولتلك سبيني هتسبيني؟!
هزت رأسها بنفي وهي تزم شفتيها فتابع بخفوت: خليكِ عارفه إني لما أقولك سبيني فأي وقت ده بيكون رجاء إنك تفضلي معايا دايماً، أومأت وهي تبتسم برقه ثم سألته: كنت متضايق امبارح ليه بقي وسبت هدومي تحت كمان ينفع كده؟!

شهقت عندما وجدت نفسها أسفله وهو يترأسها ناظراً له بثقب ومكر وهو يسألها باستفهام: جه دورك بقى سبتي الشنط في الجنينه ليه؟!
ازدردت ريقها ثم عبثت بأصابعها بتوتر و قالت بتلعثم: الصراحة، الصراحة، كلب جري ورايا خوفت ودخلت بسرعه ونسيت..
قطب ما بين حاجبيه وتساءل بتقطيبه حاجبيه هذه: كلب هنا؟! إزاي يعني؟!

تحدثت بتوتر وهي تنظر في جميع أنحاء الغرفة عدى عينيه خوفاً من أن يكشف كذبها: عادي تلاقيه هرب من صاحبه الحمدلله عدت على خير ومحصليش حاجه؟
أومأ مبتسماً بحنان وهو يبعثر شعرها ثم عانقها برقة وتساءل: جهزتي نفسك الحفلة النهارده؟

تصنعت التفاجئ بعبث رغم أنه أخبرها أمس: بجد أقوم أنا بقى عشان الحق أجهز نفسي من دلوقتي، وتركت الفراش وتركت الغرفه وهي تهرول سريعاً إلى الخارج وغادرت قبل أن يخبرها أنه أخبرها أمس، إبتسم بهيام وهو ينظر في أثرها ثم ترك الفراش وتوجه إلى الخزانة كي يرى ماذا سيرتدي هو الآخر..
لدي سامي..

كان يقف في المطبخ عاري الصدر وهو يميل برأسه إلى الجانب واضعاً الهاتف بين أذنه وكتفه لكي يدعمه في إسناده وهو يقلب كوب الشاي: شاهى يا قلبي إزيك فاضية النهاردة؟! طيب هعدي عليكِ تكوني جاهزه على تسعة تمام باي، ورفع رأسه تاركاً الهاتف ينزلق من على كتفه وسقط أرضاً، نظر له بلا مبالاة ثم رفع الكوب يرتشف منه بهدوء وهو يبتسم بخبث فيجب أن يعود كل شيء لسابق عهده اليوم، يجب أن يحدث هذا..

في منزل قُصيّ..

أبعد المنشفة البيضاء جبهتها وهو يتنفس باختناق وصدره يعلو ويهبط بتثاقل شاعراً بهموم العالم أجمع تطبق على صدره، وضعها داخل إناء المياة البارد عندما وجدها تضاهي جبهتها حرارة، ثم قام بعصرها بقبضته بخفه وأعاد وضعها على جبهتها من جديد كي تنخفض حرارتها وهو يراقب شحوبها بحزن، رفع يده ونظر داخل ساعة معصمه، زفر وهو يرى الوقت يمر ولن تكون بخير حتى المساء ولن يذهب إلى الحفل، لا يهم لا يريد الذهاب، الأهم هي..

استفاق من شروده ونظر لها عندما سمع صوتها الواهن وهي تقول بتثاقل وحلق جاف: عارفه إنك عاوز تروح الحفله..
نظر لها بحنو ثم إبتسم وهتف بمشاكسه: حتي وإنتِ تعبانة مش عاتقة! أه عاوز أروح الحفله هتعملي إيه؟!

رفعت جسدها وهي تبعد المنشفة عن جبهتها ثم اعتدلت جالسة في الفراش بتعب وهتفت بوهن وهي تفتح عينيها بصعوبة من الحِمي التي لا ترى بسببها: هروح معاك يلا، صمت قليلاً وهو ينظر لها بتفحص ثم إنفجر ضاحكاً وهو يهز رأسه بسخرية وهتف باستخفاف: انتِ مش شايفه نفسك ولا إيه؟ اتغطي ونامي يا حبيبتي يلا..
تنهدت بتعب وهي تبعد شعرها إلى الخلف بحركة بطيئة ثم قالت بوهن بنبرة أقرب إلى البُكاء: قُصيّ متتعبنيش وخلص..

ضحك وهو يضرب كفيه معاً: انتِ عبيطه ولا إيه؟ انتِ خلصانه خِلقه نامي نامي..
أبعدت الغطاء عنها ونهضت تاركة الفراش بقدم مرتجفه لكنها لم تستطع الصمود كثيراً فسقطت على قدمه بضعف، زفر بنفاذ صبر ثم حاوط خصرها وحملها بين يديه، سطحها على الفراش و دثرها أسفل الغطاء وهتف بحزم: أقعدي بقي وإهدي مفيش خروج..

هزت رأسها بنفي رافضة وهي تعود إلى الجلوس من جديد، تحرك بعصبية في الغرفة ثم التقط مرآة وعاد أدراجه لها، رفعها أمام وجهها وتحدث بنبرة تهكمية: شايفه شكلك عامل ازاي ارتاحي انتِ تعبانه بدل ما تفضحينا هناك..
رفعت رأسها ونظرت له بلوم وعتاب، أدمعت عينيها و حركت شفتيها المرتجفة تسأله بنبرة مرتجفة متعبه: هو ده كل إللي همك هفضحك هناك..

مرر يده بشعره بعصبيه وهتف بحدة: عشق متخرجنيش عن شعوري عشان انا لحد دلوقتي محسبتكيش متزودهاش على نفسك واسمعي الكلام..

صرخت به بعنف من أعماقها شعرت من خلاله برأسها تنفجر من الألم أثر تلك المطارق التي تضرب رأسها: هتحاسبني على إيه؟! عشان متجوزة وعملت علاقه مع واحد حبيته هو ده اللي هتحاسبني عليه؟ أومال إنت مين إللي يحاسبك ما انت متجوز إنت كمان وعملت نفس العلاقة ولا عشان إنت الراجل؟! إحنا زي بعض على فكرة ومحدش أحسن من حد وملكش إنك تتكلم معايا فاهم؟ عشان إنت ولا حبيبي ولا خطيبي ولا جوزي بلاش تلعب الدور ده عشان بتخليني أكره نفسي أكتر إرحمنــ، قاطعها سؤاله ببرود: كل ده بسبب إنك عاوزه تروحي الحفلة؟.

ضحكت بهستيريا بصوت مبحوح إنتهى ببكائها بحرقة ثم سألته باستنكار: إنت ليه بارد أوي كده ومش بتحس؟! شايف إن كل ده عشان حفلة حفلة!
تنهد وهو يمسد جبهته ببطء ثم جلس بجانبها وقال بهدوء: خلاص هنروح الحفلة، يا إلهي على هذا الذي لا يملك قلباً!.

دفعته من جانبها بضعف وقالت له بنبرة مرتجفة وأعين دامعة: إبعد عني يا قُصيّ مش عاوزه أشوفك، هز رأسه بيأس وعانقها بحنان فدفعته عنها وهي تبكِ مع ضربها لصدره بقوة، فقيد خصرها بقوة تحت تململها بين يديه ومقاومتها لكنها استكانت على صدره في نهاية الأمر عندما همس باذنها ببحة رجولية: بحبك..
علا صوت بكائها بحرقة وهي تدفعه بهستيريا مع قولها: كذاب أنت كذاب..

شدد قبضته حولها أكثر ثم أسند ذقنه على رأسها وقال ببحة رجولية بحتة: أنا فعلاً كذاب عشان أنا بموت فيكِ..
هزت رأسها بنفي وازداد نحيبها وهي تحاول إبعاده براحة يدها قائلة بقلب منفطر: متكذبش انت مش بتحبني وأنا عارفه ومش محتاجه منك حاجه ولا حتى حُبك سبني بس مش طالبه منك أكتر من كده ده مش صعب للدرجادى!

هتف بنبرة حزينة وهو يهز رأسه مشدداً علي عناقها أكثر: صعب بالنسبالي قولتلك انا مش جاهز دلوقتي مش عاوز كده!، ثم تابع بترجي: خليكِ معايا شوية كمان شوية بس وهثبتلك ساعتها ان انا بحبك بجد وهتصدقيني، أبعدها عنه قليلاً ثم كوب وجهها بين يداه وتحدث بحنان وهو يبعد شعرها خلف أذنها بنعومة: ودلوقتي ارتاحي شويه عشان نروح الحفلة بليل مع بعض ها؟، أومأت له بطاعة وأعين دامعة، ثم ارتشفت بعض المياه وأخذت الدواء ودثرت نفسها تحت الغطاء بمساعدته، وقد وقعت بفخ حُبه من جديد واستمعت له ونفذت بكل طاعة فهي لا تتعظ..

مر الوقت سريعاً وحل المساء..
كانت قد بدأت تستفيق ببطء بينما هو كان يجلس مقابل الفراش على المقعد يتأملها طوال النهار دون ملل يفكر ويفكر ويفكر فهو علم أن جاسم سيكون هُناك فماذا سيحدث إن رأها هل يُجب أن يتركها؟!
أخرجه من شروده بها تحركها وهمهمتها بانزعاج، عقد يديه أمام صدره وحدق بها منتظراً أن تستفيق كُلياً..

انتصبت جالسه على الفراش ثم مررت يدها على وجهها بنعاس ومطت ذراعيها وهي تتثاءب، فهي تشعر بالتحسن الآن، تثاءبت من جديد بصوتٍ مرتفع غافلة عن وجوده..
تحدث بسخرية وهو يبتسم بجانبية: أكيد فاكرة نفسك لوحدك!
شهقت بخضه ووضعت يدها على فمها ثم تحدثت بضيق بوجه حار متورد: إنت كُنت هنا؟!
إبتسم بإشراق وهتف بعبث: مش قولتلك هثبتلك إني بحبك أديني كنت بتأملك كل الوقت ده أهو أي خدمة..

قلبت عينيها بضجر وهتفت وكأنها لم تكن مريضة: إنت فاكر إني صدقتك يا قُصيّ ده إنت موسوعه ستات ويلا بقي هاتلي فستان عشان الحفلة..
رفع حاجبيه وهو يقوم وقام بخلع قميصة وألقاه أرضاً، ازدردت ريقها وناظرت الاتجاه الآخر بعين زائغة وهي تلعنه بخفوت، ابتسم بخبث وهو يقف، تقدم وقام بفتح الخزانة، أخذ قميصاً غير هذا و ارتداه بهدوء ثم تحدث باستفهام وهو يغلق أزراره: اجيبلك فستان منين دلوقتي الحفلة هتبدأ؟!

مطت جسدها بكسل تحت نظراته الماكرة التي كان يرمقها بها وهو يراقبها عبر المرآة..
نظرت إليه عبر المرأة وتحدثت بابتسامة وهي تسند ذقنها على راحة يدها: لسه بقولك إنت موسوعه ستات مش هلاقي عندك حِته فستان لا راح ولا جه!
إبتسم بجانبية ورفع إبهامه متفقاً مع حديثها وقال بتفكير: عندك حق ثواني ويكون فستانك عندك اجهزي إنتِ بس..

أومأت بهدوء وتركت الفراش وهي تبعد شعرها خلف أذنها ثم ذهب تجاه دورة المياه بينما هو ذهب يبحث لها عن ثوب مُناسب للحفل..
عاد بعد بعض الوقت حاملاً بين يديه فستاناً لها من اللون الأسود، بينما هي كانت تأخذ حماماً دافئ داخل دورة المياه، وضعه على الفراش بهدوء وهو يمرر يده عليه بابتسامة ثم ترك الغرفة وذهب يرتدي ملابسه بغرفة أخري..

انتهت بعد الوقت، وقفت تصفف شعرها أمام المرأة، تركته منسدلاً خلف ظهرها ثم وضعت قليلاً من مساحيق التجميل كي تخفي ارهاقها، بحثت عن أي أقراط او قلادة لكنها لم تجد، زفرت وتقدمت من الفراش، حدقت بالفستان قليلاً تقيمه بنظراتها المعجبة، لقد راقها قُصيّ يملك زوقاً راقي دائماً، لهذا اختارها هذا اللعوب، حملته بين يديها وقامت بارتدائه بهدوء..

ابتسمت بعد انتهائها عندما رأت نفسها بالمرآه فهو صنع خصيصاً من أجلها، فكان لونه أسود لامع طويل يبرز قوامها المنحوت بأكمام منسدل من على الكتفين خامته ثقيله..

التفتت عندما سمعت صوت إدارة مقبض الباب، دلف قُصيّ بحلته السوداء الأنيقة المرتبة، تقدم منها وهو يبتسم بجاذبية بملامحه الرجولية الصارخة، تأملته من أعلاه لأخمص قدميه حتى ذلك الحذاء الذي يلمع من نظافته! ثم رفعت نظرها إلى صدره لتقع فيروزتيها على ذلك المنديل الحريري الأسود الذي يضعه بجيب القميص فوق قلبه، ثم انتقلت بنظراتها إلى أزرار قميصه الأمامية المفتوحة التي أبرزت صدره الصلب و خصلات شعره الناعمة السوداء القاتمة المصففه إلى الخلف بعناية، ثم حاجبيه الكثيفين الذي يقطبهم دائماً عندما يفكر بشيءٍ ما، وشفتيه التي يرفعها دائماً بسخريه المحوطة بذقنه المشذبة التي تروقها وغزتها الخشنة لها دائماً، ياإلهي، هو فقط قابل للأكل لما ليست زوجتهُ؟ هي تحبهُ أكثر ومتأكده أنه مهما حيي لن يجد من تحبهُ أكثر منها قط، لكن هذا هو حظها البائس..

أستفاقت من شرودها عندما وصلت رائحة عطرة النفاذ إليها عقب وقوفه أمامها مباشرةً، تراجعت إلى الخلف خطوتين كردة فعل وهي تحرك أهدابها بسرعة تزامناً مع سرعة خفقات قلبها العاشقة، حاوط خصرها بتملك وقربها منه وهمس أمام شفتيها بعبث: حلو الفستان عليكِ..

أومأت بهدوء دون أن تبدي أي ردة فعل وهي تعود إلى الخلف بخطواتها لكنه أعاد سحبها من خصرها بخشونة بين قبضته ثم همس بتهدج وهو ينظر إلى شفتيها بحلق جاف: ما تجيبي بوسه؟!

أبعدت رأسها إلى الخلف وهي تهزها بنفي رافضة هذا فقربها منه بإصرار وهمس أمام وجهها بأنفاس لاهثة: بقولك عاوز بوسه، هزت رأسها بنفي وهتفت بهمس خافت أمام شفتيه وهي تبتسم بنعومة و أناملها تمر علي وجنته ببطء وإغراء: أنا قولتلك مرة إنك مش هتلمسنى تاني صح؟ وبرده مش هتلمسنى، عايزني طلق جـنّـة..
إبتسم وهو يضغط على أسنانه من الداخل وعلى خصرها من الخارج بقوة وهو يقول: ولو طلقتها هتطلقي إنتِ كمان..

توقفت أناملها عن التحرك على وجنته وهي تنظر له مطولاً بتفكير ثم أومأت موافقة وقالت: لو طلقتها هطلق القرار ليك..
أنزلت يدها وأمسكت يده التي علي خصرها وأبعدتها عنه، حدق بيده المعلقة في الهواء مطولاً بذهول فهي تعلمه الأدب يعلم هذا، رفع حاجبيه ثم سألها بنبرة ماكرة: متأكد إنك مش هتدينى بوسه؟!

زفرت وتجاهلته فهو لا يصمت عندما يريد شيءٍ ما، استدارت ونظرت في المرآة وانشغلت بتلك الوحمة التي تظهر بوضوح على كتفها، تأففت بضيق وهي تحرق كتفيها بنظراتها الباغضة تحت متابعة قُصيّ لها فتساءل باستفهام وهو يضع يده داخل جيب بنطاله: ايه اللي مضايقك أوي كده؟! ده حتي شكلها حلو شبه التاتو!.

لاحت على شفتيها ابتسامة ساخرة ثم هتفت بغيظ وغلظة عبر المرآة: بس يابو تاتو بس، وظلت تحدق بها بغيظ ثم وضعت فوقها بعض مساحيق التجميل في محاولة لإخفائها لكنها أظهرت فرق اللون بين جسدها وبين تلك العلامة، رفعت أناملها إلي فمها وقضمت أظافرها بتفكير، انحني قُصيّ وبحث عن شيءٍ ما في أحد الأدراج ثم رفع رأسه ونظر لها بابتسامة عابثة وهو يلوح بيده أمام وجهها ممسكاً بإحدي العبوات..

هتفت بتعجب وهي تقطب حاجبيها: حِنة؟!
أومأ وهو يبتسم ثم أمرها بهدوء وهو يفتح العبوة: لفي لفي هرسملك رسمه دلوقتي هتخليكِ تبوسيني لوحدك..
هزت رأسها بسخرية وهي ترفع زاوية شفتيها وهتفت بإصرار: بعينك يا قُصيّ..
ضحك لتضرب أنفاسه الدافئة عنقها وهتف بنبرة ماكرة خبيثة وهو يرسم فوق تلك الوحمة بتركيز: مش بعيني ولا حاجه عشان أنا عملت إللي أكتر من البوسه..

قضمت شفتها بوجه محتقن وهي تخفض وجهها بصمت دون التحدث بحرف بسبب ذلك الوقح الذي إن ردت عليه لن يصمت وسوف يتابع الحديث في هذا دون التطرق لغيره دون خجل، اتسعت ابتسامته الماكرة وهو ينظر لها وقد رأتها في المرأة وكم تمنت لو تصفع ذلك الوقح أو تركله كي لا يستطيع السير..

توقفت يده عن التحرك وهو يبتسم بفخر لذلك الإنجاز الذي فعله، قذف العبوة من يده ثم أدارها وجعل من ظهرها يقابل المرأة كي تراها، تذمرت وهي تدير رأسها إلى الجانب ناظرة فوق كتفها حتى شعرت بألم رقبتها وزاغت عيناها وترنحت قليلاً بدوار: مش شايفه كده!، تركها والتقط مرآة صغيرة ووضعها أمام وجهها لترى الرسمه بوضوح في المرآة خلفها التي انعكست صورتها في المرآة الصغيرة، ابتسمت بنعومة عندما وجدت العلامة إختفت ثم هتفت بامتنان وهي تتأمل ذلك الغصن الرقيق الذي رسمهُ عرضاً فوق كتفها: حلوة أوى..

إبتسم بغرور وهتف بثقة وهو يضم جانب سترته معاً: عارف..
قلبت عينيها ثم نظرت له بسخط، فمال عليها وهتف باستفهام وهو يبتسم بمكر: مش هتديني البوسه بقي؟!
زفرت بتأفف وهتفت بإصرار: لا
ابتسم بهدوء وهو يومئ لها ثم لفت انتباهها بقوله: طيب ركزي في الرسمه كده!

نظرت له بريبة وهي ترى إبتسامته ثم قطبت حاجبيها ورفعت المرآة أمام وجهها من جديد وحدقت داخلها بتركيز، شهقت بتفاجي و التمعت عيناها ببريق سعادة وهتفت برقة ليس مُخطط لها: عشق، ده إسمي؟!
هز رأسه بيأس و سخر منها: عارف إن ده إسمك
أومال إسمي انا!، تركت المرآة من يدها ثم ضربت صدره بقوة من الغيظ جعلته يضحك وهي تقول بغضب: ده إنت سِم سِم، ثم ابتسمت بنعومة وتابعت: بس حلو أوي رسمك حلو..

تحمحم وهو ينظف الغبار الوهمي عن كتفه وقال بثقة: الرسم ده لعبتي وعلي فكره مش أي حد يعرف يقرأ رسمي وعارفه ده معناه إيه؟!
ابتسمت وسألته بخفوت بعين ناعسة: إيه؟!
ربت على شعرها برقة وأعاد سؤالها بعبث: يعني إيه؟!
حركت أهدابها بتعجب وتساءلت بنفاذ صبر: إيه؟!
ابتسم وضرب أرنبه أنفها بسبابته وأردف غامزاً: يعني تجيبي بوسة عشان وحشتيني..

ضحكت وهي تبتعد إلى الخلف فضحك معها وهو يفتح يديه على مصراعيه كي يعانقها لكنها هتفت بسخط بعد إن توقفت عن الضحك: قُصيً ريح نفسك ويلا نمشي فرصك خلصت ومفيش حاجه تستاهل إني أديك بوسة..
أومأ وهو يضع يده بخصره وهتف باستياء: لا لسه معايا فرصه بس متجيش بقى تتحايلي عليا عشان تاخدي إنتِ البوسه..

قلبت عينيها بضجر ثم انحنت وارتدت حذائها المرتفع عندما تركها وسار تجاه الخزانة بابتسامة ماكرة، فتحها وأخرج علبة زرقاء مخملية كبيرة مربعة، استدار وعاد أمامها من جديد، وقف أمامها باعتدال كأنه سيتقدم لزواجها تحت نظراتها المتعجبة و المستفهمة عن تلك العلبة فهي مألوفة بالنسبةِ لها! أخفض وجهه ونظر إلى الأسفل عندما وجدها أصبحت طويلة فجأة فقال بابتسامة راضية: كويس عشان لما أبوسك ظهري ميوجعنيش وإنتي عارفه إني كبرت بقي وكده، ضحكت بسخريه وهي تهز رأسها بسبب تلك الاحلام الوردية خاصته ثم وقفت باستقامة وكادت تتحدث لكن الصدمه الجمتها وعقد لسانها عندما وجدته رفع العلبة أمام وجهها وهو يبتسم ثم فتحها أمام عينيها، أدمعت عينيها بتأثر حتى لم تعد تراه بوضوح، ارتجف جسدها بانفعال وهي تمنع شهقتها من الهروب عندما أبصرت قرط وقلادة والدتها، لقد أعادهم لها من جديد..

رفعت نظرها له وهتفت بنبرة مرتجفة وهي تنظر له بحب وقلبها يخفق بقوة مضاعفة عن ذي قبل: قُصيّ..
هتف ممازحاً وهو يرى وجهها المتورد من كل اتجاه مع ذلك العبوس وعدم التصديق إنها تأخذ العقل قابله للأكل: إيه كنتي فاكراها الشبكه ولا إيه؟!

ضحكت وانسابت عبراتها بغزارة كـ أمطار في ليلية شتوية عاصفة، ومن دون مقدمات عانقه بقوة وهي تبكِ ومازالت لا تصدق، حاوط خصرها بيد وهو يبتسم بحنان والأخرى كانت معلقة تحمل العلبة بيده..

هتفت وسط شهقاتها بحب وامتنان: أنا بحبك اوي وبجد شكراً ليك شكراً أوي، اتسعت ابتسامته وهو يمسح على ظهرها بحنان، فصلت العناق وأخذتهم من بين يديه، تحدثت وهي تحدق بهم بسعادة حقيقية أصبحت نادرة بالنسبةِ لحالتها في الأيام الأخيرة، لقد نسى كيف يكون مظهرها وهي تبتسم حقاً: دول بتوع ماما بابا كان جيبهم هديه ليها إنت متعرفش أنا كرهت نفسي قد إيه لما بعتهم..

ابتسم وهو يمحي عبراتها برقه وهتف بلوم: قولتلك لما تحتاجي حاجة قوليلي لكن إنتِ غبيه وفاكره إني كده بدفع ثمنك صح؟!، رفعت نظرها له وكادت تبرر موقفها هذا لكنه أصمتها عندما هتف بحزم: بس خلاص مش عاوز أسمع صوتك، ويلا هاتي حقهم إنتِ عارفه دفعت فيهم قد إيه؟!، ضحكت برقه وهي تمحي عبراتها ونظرت له بامتنان لا نهاية له، فابتسم بخفه محركاً رأسه بإيماءة بسيطة فهمت من خلالها أنه يطلب منها أن تستدير..

أومأت له وهي تبتسم ثم أولته ظهرها كي يلبسها القلادة، حملها ببطء كي لا تنتزع ووضعها حول جيدها بتركيز بينما هي كانت تنظر له عبر المرآة بهيام وهي تبتسم بنعومه، وضع الأقراط بأذنها بخفه ثم تحدث برضا تام وهو يطالع هيئتها: كده تمام نمشي؟!، ومد يده لها بلباقة كـ أميراً، لكنها ابتسمت وتحدثت وهي تضع يدها تحت ذقنه ورفعت وجهه كي ينظر لها: لسه في حاجه ناقصه، قطب حاجبيه بتفكير وهو ينظر لها بتفحص محركاً رأسه بِحيرة ليفهم مغزى حديثها عندما وجدها تحوط عنقه بنعومة و قبلته برقة..

تفاجئ في بادئ الأمر وتوسعت مقلتية في تعجب ظناً أنها من المستحيل أن تسمح له بقلبه حقاً لكنها هي من تفعل الآن، هو رائع، يعلم يعلم، تدارك الأمر وحاوط خصرها النحيل، قربها من جسده أكثر فأكثر و أطبق جفنيه وبادلها قبلتها بجموح فهو علم أنه سينتصر فليست من شيمه أن يطلب شيء ويفشل في الحصول عليه هو دائماً المنتصر..

فصل القبله عندما شعر بحاجتهما إلى الهواء، همس أمام شفتيها بتهدج وهو يتنفس بثوران وصدره يعلو ويهبط بانفعال محركاً يده بين خصلات شعرها بنعومة: لو كنتي قولتيلي هات بوسه كنت هرفض بس كده أحسن أنا بحب المفاجئات، ابتسمت وهي تداعب أنفها بأنفه بخفه وخصلاتها تتراقص حول وجهها بنعومة، ابتسم وقبل أنفها بسرعة خاطفة ثم التقط شفتيها في قبلة ناعمة من جديد وهو يضم جسدها اليه..

لدي جاسم..
صاح بإسمها من أسفل الدرج بعد أن انتهى من ارتداء حِلته السوداء: جـنّـة، جـنّـة، جـنّـة، جـنّـة لسه مخلصتيش؟!
تحدثت بسرعة وهي تخرج من الغرفة تنحني على ذيل فستانها تعدله باستعجال: جايه أهو جايه..
هبطت الدرج ببطء وحذر إلي خطواتها وهي ترفع فستانها كي لا تتعثر، اتسعت ابتسامة جاسم وهو يرى عشقة تأتي اتجاهه بهيئتها الملائكية..

بذلك الفستان الازرق الداكن المنتفخ من الخصر وقصير من الأمام يصل إلى كاحلها وطويل من الخلف مع حذائها الأبيض الكريمي المرتفع المماثل لحجابها الذي لم يزدها سوي جمالاً ونعومة مع كحل عينها الذي أبرز فيروزتيها أكثر وأغرقت جاسم داخلها أكثر فأكثر..
توقفت أمامه وهي تبتسم بخجل على أحياء وهي تخفض وجهها وحمرة وجنتيها الطبيعية زادتها جمالاً كـ ثمرة فراولة طازجة..

أمسك راحة يدها وهو يبتسم بسعادة لا توصف، قبلها برقة وحنان بالغ وزوقاوية تقدح حُباً تخبرها بقدر حبه لها دون أن تنطق شفيه لكنها نطقت لتكتمل أسمي معاني الحب: بحبك يا عشقي وكل حاجه ليا بحبك..

التمعت فيروزتيها ببريق سعادة وحب ثم رفعت يده التي تشابكها مع يدها، قبلتها بخفه ثم ضمتها إلى قلبها وتحدثت بحنان وصدق: أنا مش عارفه أنا كنت إيه أو كنت بتصرف إزاي! بس كل إللي أعرفه دلوقتي إني أول مافوقت لقيتك إنت جنبي إحتوتني بكل حب لما كنت محتاجه حد جنبي هونت عليا كل حاجه من غير ماتشتكي بل بالعكس كنت بتبتسم ليا بكل حب وتساعدني وده كفايه عليا أوي مش محتاجه أفتكر حاجه عشان أنا مصدقاك وبثق فيك أكتر من نفسي وعارفه إنك هتحافظ عليا عشان بتحبني وعشان أنا عشقك صح؟، عانقها بقوه دافناً رأسه بحجابها وهتف بتنهيدة حارة: لو تعرفى انا بحبك قد إيه؟!

ابتسمت بنعومة وهي تربت على ظهره بحنان وهتفت بحب: عارفه ومش محتاج تثبتلي بأي حاجه عشان مصدقاك أنا بدعي ربنا في كل صلاة يا جاسم إننا نفضل مع بعض دايماً وتكون معايا في الجنة ومش عايزه حاجه ثانيه..

خفق قلبه بحبها للمرة الألف وهو يبتسم ثم فصل العناق وهتف وهو يبتسم: بس أنا عايز..
تساءلت وهي تداعب وجنته: عايز إيه؟!
تحدث بحنان وهو يقبل أناملها: عايز عشقات كتير منك..
ابتسمت بنعومة وتدرجت وجنتيها بحمرة الخجل: كام يعني؟!
إبتسم وأعاد وهو يمط شفتية: مفكرتش في الموضوع بس عايز كتير وخلاص..
قطبت حاجبيها وتساءلت وهي تضيق عينيها: إنت دايس في أي حاجه كده وخلاص؟!

قرص وجنتها بخفه وقال بمشاكسة: أي حاجة وخلاص ايه بس إنتِ أي حاجه منك هتبقي احلي من الخيال..
=: طيب يلا يا حليتها الحفله هتخلص، هذا ما أردفت به روحية بصوت مرتفع وهي تتقدم منهما..
تنهد جاسم بيأس وهو يحاوط خصر جـنّـة وهتف باستياء: إيه يا ماما! ما تخليكِ متعاونه معانا في إيه ده أنا إبنك برده!

تقدمت منهم وهي تبتسم وشفتيها تتحرك ببطء تقرأ شيءً ما ثم وضعت يدها على رأس جـنّـة مستمرة بتحريك شفتيها دون توقف، فتسائل جاسم بمزاح: بتعملي إيه يا ماما تعويذة دي ولا ايه؟!
ردت بإيجاز وهي ترمقه بطرف عينيها: برئيها من الحسد يا حبيبي ربنا يحميكم ويبعد عنكم الحاسدين والحاقدين وولاد الحرام، إبتسم بحنان وهو يراقبها حتى إنتهت وأمرته بهدوء: يلا امشوا..

حرك أهدابه متعجباً ثم نظر إلى نفسه وتساءل بإزدراء وهو يضع يده بخصره: هو أنا مش من العيله ولا إيه؟! ولا عشق هي اللي حلوه وهتتحسد وأنا لأ؟!

ابتسمت بحنان وهزت رأسها بقلة حيلة ثم إقتربت منه ورفعت يدها فوق رأسه وبدأت تقرأ تلك الأيات القرآنية من جديد بهدوء فابتسم بحماس وأخرج لسانه لـ جـنّـة كطفلاً، هزت رأسها وهي تبتسم من ذلك الطفل الذي تحبهُ، راقبته بملامح هادئه حتي إنتهت والدته، قبل يديها بحنان بالغ ثم رأسها وقال: ربنا يخليكِ ليا ياست الكل، قبلته بحنان وهي تربت على صدره ثم قلبت جـنّـة وهي تضمها: ويخليكو ليا يا حبايبي، يلا عشان متتأخروش..

لدي سامي..
زفر بضيق وهو يحدق بها عبر المرآة التي تجلس أمامها منذ ساعتين: ما خلاص يا شاهي حلوه خلاص خلصى ده إنتِ خلصتي كل الميك آب على خلقتك في إيه؟!
زفرت بضيق وهي تترك الإسفنجة من يدها ثم هتفت بامتعاض وهي تنظر له عبر المرآة: ملكش دعوه سبني براحتي مش كل واحد براحته برده؟ طالما إنت رايح بسبب عشق سبني أشوف حالي أنا الثانيه!

ابتسم وتقدم منها، توقف خلف مقعدها ومشط شعرة بتركيز وتحدث مُبرراً: شاهي يا بيبي إنتِ عارفه إني بعتبرك زي أختي بس قدام الناس مرتبطين عادي!
هزت رأسها باستياء وقالت على مضض: خلصت يلا..

طالع هيئتها في المرآة مرة أخيرة وهو يبتسم بعبث فهي شقراء جميلة قصيرة القامة لكنها فاتنة ذات منحنيات صارخة، كانت ترتدي فستان ضيق من اللون الأحمر القاتم يصل إلى فخذيها ضيق بحمالات رقيقة، تضع مساحيق تجميل صارخه لكنها جعلت منها جميلة أكثر..
حاوط خصرها وهتف بمكر وهو يلاعب حاجبيه لها: يلا يا أشقر يا جميل إنت يا جميل..

أمام الفندق..
توقف قُصيّ بالسيارة أمام الفندق، ترجل منها بهدوء
وهي معه ليضرب الهواء الطلق جسديهما، أمسك يديها بين يداه وكاد يدلف لكنه قطب حاجبيه وتحسس جبهتها ثم تحدث بقلق: سخنتي تاني!
هزت رأسها بتثاقل وبدأت تشعر بالخمول، حاوط قُصيّ خصرها كي لا تسقط وهو يضم المعطف على جسدها وتوجه بها إلى الداخل، اقترح أثناء سيره قبل الدخول إلى قاعة الحفل: أنا هاخد اوضه بإسمك عشان لو تعبتي تطلعي ترتاحي تمام؟

أومأت له بخفة وهي تحرك أجفانها بتثاقل شاعرة بالحرارة تغزو جسدها، توجه للإستقبال وهو يحوطها بقلق وكل تارة وأخرى ينظر إليها، إبتسم رجل الإستقبال عندما رأهم..

طلب قُصيّ بهدوء: عايز اوضة بإسم عــ، لكنها قاطعته عندما قالت بوهن وهي تتحاشى النظر له: جـنّـة رشدان، أومأ رجل الإستقبال بهدوء، بينما نظر لها قُصيّ بدون تعبير، أخذ مفتاح الغرفة من بين يديه بهدوء وهو ينظر إليه يرى رقم الغرفة ثم سار في بهو الفندق ذاهباً اتجاه المصعد..
سألها قُصيّ بعدم فهم بسبب قول اسم جـنّـة: ليه مقولتيش انك عشق؟!

قالت بخفوت وهي تتحسس وجنتها بظهر يدها بخفة تذكره: نسيت إن جـنّـة مراتك ومعروف إن المناسبات دي مراتك بتكون معاك!
أومأ بعدم رضى ثم قال ببعض الضيق: لا عادي مش ضروري عشان كله هنا عارف إن مراتي محجبة ومالهاش في الجو ده ومحدش يعرف شكلها أصلاً وقليل اوي اللي يعرفها لكن ظهورك فجأه كده ومش محجبة كمان هيفتكروكي مراتي والأسئلة مش هتخلص..

توقفت في منتصف البهو وسألته بتهكم بصوت مرتفع جذبت الأنظار: إنت متضايق عشان الأسئلة ولا عشان هيفتكروني مراتك؟!
أطبق جفنيه بنفاذ صبر وزفر بحده وهو يحك منحدر أنفه بضيق ثم حذرها بسبابته وهو يصك على أسنانه: ده مش وقت تفاهاتك دي الناس بتتفرج علينا وطى صوتك..
صرخت بوجهه بغضب لففت الأنظار أكثر تتابع تلك المسرحية الهزلية: خليهم يتفرجوا ويشوفوا بتعامل مراتك إزاي؟!

رفع زاوية شفتيه بسخرية ثم جذبها من ذراعها بقوة وعنف كادت تسقط أثرها وهتف بتهكم خشن: إنتِ صدقتي نفسك ولا إيه؟ مكنش شوية إهتمام هو؟ خليكِ عارفة إن أنا مش بتفرق معايا حب ولا مش حب أهم حاجه عندي شكلي قدام الناس أنا قُصيّ رشدان..

أومأت له بأعين دامعة وتقسم أنه مصاب بالانفصام ذلك المريض ذات الألف وجه، ردت بنبرة مرتجفة منكسرة وهي تبلع غصتها و مقلتيها تهتز مهددة بتساقط تلك العبرات الحارقة: عارفه كل الكلام ده وعلى العموم إستمتع بالحفله أنا هفضل فوق في الاوضه لحد ما تخلص عشان تحافظ علي مكانتك جوا قدامهم ولو فكرت فيا أو خطرت علي بالك يعني أنا في الأوضة، ثم أخذت مفتاح الغرفة من بين يديه وتركته وغادرت، زفر بنفاذ صبر وضم قبضته بغضب حتى أبيضت عروقه مراقباً ابتعادها عنه بصدر مشتعل حتى دلفت الى المصعد، لكم الحائط بغضب وثوران ثم ذهب تجاه قاعة الحفل بملامح متهجمه..

وبهذه الاثناء وصل جاسم مع جـنّـة متجهين إلى الأستقبال مباشرةّ كي يسألوا عن الحفل بأي قاعة..

توقف جاسم أمام موظف الأستقبال وكاد يتحدث لكنه سمع هتاف بإسمة من خلف ظهره، التفت كي يري من ولم يكن غيره، إنه سامي يتقدم منه مع تلك الشقراء الفاتنة، نظرت له جـنّـة بضيق بينما هو كان يبتسم لها بسذاجة، أبعدت نظرها عنه بازدراء لتجد موظف الاستقبال يحملق بها دون أن يحيد بنظره عنها قط، امتقع وجهها واخفضته بضيق ثم رفعت رأسها وهزتها باستنكار أمام وجهه وكأنها تسأله ماذا؟.

أشر لها أن تقترب عندما وجد جاسم منشغل بالحديث مع سامي، حركت أهدابها بتعجب واهتزت مقلتيها.

بانفعال ناظرة له بارتياب ثم قربت رأسها بخفة من خلف الكاونتر الخشبي ليهمس بخفوت: اخت حضرتك لسه واخده اوضه دلوقتي جـنّـة رشدان اوضه رقم 220، تسارعت نبضات قلبها باضطراب ثم رفعت حاجبيها وأشرت على نفسها بتعجب، فهز رأسه مؤكداً بثقة وأعاد بهمس: 220، أومأت له بخفة وظلت شاردة تفكر بفاه فاغر، استفاقت على يد جاسم التي احتضنت يدها بحنان ثم سار بها إلي القاعة..

بعد ساعه تقريباً، أنهى قُصيّ مكالمته داخل دورة المياة خلف الباب مباشرةً، فتح باب دورة المياه كي يذهب ليتفاجئ بتلك الشقراء تقف خلف الباب من الخارج تنظر له بوجه شاحب وأعين جاحظة وجميع جسدها يرتجف من الخوف بلا مبالغة، بالتأكيد سمعت مكالمته، ابتسم ابتسامة مخيفة أرعبتها وهو يضيق عينيه اثناء إلقاء سؤاله عليها: سمعتيني مش كده؟!

هزت رأسها بنفي وهي تعود إلى الخلف بخطوات مترنحة وصدرها يعلو ويهبط بعنف من كم الرعب الذي تشعر به، انسابت عبراتها خوفاً منه وخوفاً مما سمعت ليشحب وجهها عندما وجدته يهز رأسه بأسى وهو يتقدم منها، تحدث بأسف وهو يضع الهاتف داخل جيب بنطاله: بجد أسف بس مكنش ينفع تسمعي الكلام ده غلط عليكِ..
هزت رأسها وهتفت برجاء وهي تبكِ بحرقة: أنا، أنا مش هتكلم ولا هقول حاجه بس سبني سبني أرجوك..

وضع يده علي كتفها فانتفض جسدها بخوف كـ ردة فعل وهي تنظر له بترقب لما سوف يفعله و شهقاتها تتعالى دون توقف، رفع يده الأخرى وحك ذقنه بتفكير و سألها بسخرية: أسيبك؟!

هزت رأسها سريعاً بهستيريا موافقة وخوفها يتضاعف مع انتفاضة جسدها، ضحك بخشونه وبُنيتهُ تلمع ببريق إجرامي، دفن رأسه داخل خصلاتها الشقراء يستنشقها بانتشاء مرضى لتغمض عينيها بذعر حقيقي وعلا صوت أنينها الواهن، رفع رأسه وهو يبتسم بإجرام ثم سحبها من يدها داخل دورة المياه واغلق الباب خلفه..

تأفف جاسم للمرة الألف وهو يحدق بسامي بدون تعبير بسبب تحدثه بالترهات حتى هتف بضجر: إنت عمال تلف وتدور ليه عمال تتكلم مره عشق ومره جـنّـة في ايه مش فاهم!
أعاد سامي بإرهاق وهو يحاول إقناعه: عشق مكنتش بتحبك يا جاسم ولازم تعترف بـ كده بعيد عن أي حاجه وعن إللي حصل عشق كانت بتصُدك ومنشفه ريقك ومكُنتش سعيد!

صمت جاسم قليلاً يعيد تلك الكلمات داخل رأسه مراراً وتكراراً مع توافد ذكرياته مع عشق طوال تلك السنوات ثم قال بضيق: بس أنا دلوقتي سعيد..
زفر سامي وتحدث بابتسامة غاضبة: عشان دي مش عشق..
ضحك جاسم بتسلية وهتف ببساطة: هتقولي عشان دي جـنّـة طب ما هي فعلاً بقِت جـنّـة!
صرخ سامي بنفاذ صبر وهتف بحدة: يا بني آدم بطل غباء بقي متخليش حُبك ليها يعميك و يوديك في داهيه دي مش عشق!.

ضحك جاسم وصفعه على وجنته بخفه وهتف بتسلية: عارف إنك سنجل وده مقصر عليك بس حلوه الشقره إللي كانت معاك راحت فين دور عليها وخدها وأرقص وروق دمك هاا يلا يا حبيبي عقبال ما أشوف جنتي راحت فين حلو إسم جـنّـة تصدق، ثم ضحك وتركه وغادر..

توقفت جـنّـة أمام باب الغرفة كما أخبرها موظف الاستقبال بقلب يخفق باضطراب، نظرت إلى المقبض بتردد خائفة من أن تدلف وتري ما بالداخل، قد يكون شيء ربما يؤثر على حياتها سلباً وهذا ما جعلها في تتردد من أمرها، أخذت نفساً طويلاً أخرجته زفيراً متقطعاً وقد أتخذت قرارها بتفح الغرفة ولا يهم ما قد يحدث...

وضعت يدها على المقبض وقبل أن تديره وجدت من يدفعها بقوة وعنف، التصق وجهها بالحائط ثم قُيدت يديها خلف ظهرها بيد والأخرى كان يضغط بها على رأسها ساحقاً وجنتها الناعمة في الحائط ثم همس بأذنها بفحيح كأفعى: إنتِ عايزة إيه مننا هاا؟! قُصيّ اللي باعتك مش كده؟ بس أنا مش خايب زي جاسم وعارفك وفاهمك..

حاولت تحريك جسدها بقلب هالع مذعور عندما سمعت صوته البغيض، تحدثت بكره وهي على وشك البكاء من الألم إثر عنفه: إبعد عني يا همجي هقول لجاسم يا خاين يلي طمعان في مراته وده مخليك تلف حوالين نفسك عشان تخليه يسبني لكن بعينك مش هيحصل مش هيحصل وإنت إللي هتخرج من حياتنا كلها..

صك أسنانه بغضب وهتف بإشمئزاز: كنت فاكرك بريئه لكن كلكم كده بتتمسكنوا لحد ما تتمكنوا طلعتي شبهها أوي ويمكن أسوأ منها كمان بس للأسف بحبها وهفضل احبها ومش هسيبها، ثم رمقها بكره وتابع: احمدي ربنا عشان طلعتي مش هي إنتِ متعرفيش أنا كنت هعمل معاكِ إيه؟!
انسابت عبراتها بحرقة وهتفت بكره وهي تحاول التحرك تقاومه بعنف: أكيد حاجه زباله زيك بس أحسن إني مش فاكرة ومش عايزة افتكر ناس زيك..

ضحك بخشونة وضغط على رأسها أكثر جعلها تشهق بقوة شاعرة بتخدر وجنتها مع فكها وهو يقول باشمئزاز: خليكِ اكذبي اكذبي بس هتروحي مني فــ، وصمت عندما باغته جاسم بتلك اللكمة العنيفة التي أطرحته أرضاً، سقطت هي الأخرى أرضاً بأعصاب تالفة عندما لم تحملها قدماها وجسدها ينتفض دون توقف، وضعت رأسها بين يديها وهي تبكِ بانهيار وصوت مرتفع بذعر..

زمجر جاسم وهو يعتلية وهتف بغضب جهوري وهو يسدد له اللكمات بقوة وعنف: يا حيوان إنت إزاي تمسكا بالطريقة دي إنت مالك إنت إنت مالك بيها؟!

سعل وهو يهز رأسه يحاول أن يلتقط أنفاسه بصعوبة، حرك شفتيه ليتحدث لكن جاسم لكمه من جديد ولم يعطه فرصة التحدث بل ظل يلكمه ويشفي به غليله بدون مبرر حتى جعل وجهه يقطر دماء قانية من كل اتجاه، ثقلت أنفاسه الواهنة وهو يسعل بألم، لقد تشوهت ملامحه ويعلم هذا، هو لم يترك انش بوجهه لم يقترب منه..

رفع رأسه وحدق في السقف قليلاً وهو يلهث بانفعال وصدره يعلو ويهبط بعنف، يحاول جمع شتات نفسه والتحكم في غضبه ولا يعلم ما كم هذا العنف الذي اكتشفه بنفسه الآن وكم البغض الذي يكنهُ بداخله إلى ذلك اللعين للمرة الأولى، لكنهُ حقاً يرغب الآن، رغبة جامحة لفعل أكثر من هذا، كقتله مثلاً!، هو ببساطة يشعر باختفاء إنسانيته وتجرده منها في هذا الوقت تحديداً!.

هو يستحق لما يمس امرأته لما فعل؟، أخفض رأسه ونظر الى تلك الجثة أسفله، لكن اللعين يبتسم المريض، يبتسم وكأنه لا يتألم! يظهر أسنانه الحمراء من الدماء بكل استفزاز وتقزز وكأنه لا يشعر!، ابتسم جاسم ابتسامة مماثلة بعين داكنة وهو يميل عليه بجذعة ومن دون سابق إنذار رفع رأسه بين يديه ثم ضربها في الأرض الصلبة بعنف وغضب جعله يسمع طنين أذنه قبل أن يفقد الوعي..

بصق جاسم عليه ثم تركه وركض إلي جـنّـة بلهفة ليعود ذلك القلق والخوف يحتل كيانه مع انسانيته التي تجرد منها لوهلة..

ضمها إلى قلبه بحنان عندما وجدها تبكِ بحرقة وحدها، أعتذر بكل أسف وهو يقبل جبهتها وكأنه لم يكن وحشاً برياً منذ ثوانٍ قليلة: أنا أسف أسف مش هسيبك لوحدك تانى اسف إهدي إهدي متعيطيش، لكنها لم تهدأ بل ظلت تنتحب بأحضانه بخوف وهي تتشبث بطرف سترته بقوة، وضع يد أسفل فخذيها والأخرى خلف ظهرها، حملها بين يديه كي يذهب لكن صدح صوت الإنذار فجأه ووجد رجال الأمن تركض هُنا وهناك وعاملات الغرف تهرول في المكان بملامح مذعورة شاحبة، ماذا يحدث؟ هل هو حريق؟

سأل إحداهن باستفهام أوقفها: هو في إيه؟
ردت سريعاً بأعين دامعة خائفة: جريمة قتل في واحدة ادبحت في الحمام وممنوع الخروج لحد ما يلاقو المجرم..

صدح صوت هاتفه في السيارة مع الضوء الخافت الذي أضاء هذا الظلام، أخرجها من شرودها وتحديقها عبر النافذة، نظرت تجاهه بريبة عندما لم يتوقف عن الرنين هل هي فتاةٍ ما يا تُرى، أبعدت نظرها عنه وهي تهز رأسها مبعده تلك الأفكار عنها فلا دخل لها لما تتدخل فيما لا يعنيها لما؟ نظرت من النافذة باقتضاب وهي تفكر أثناء بحثها عن آدم بناظريها فهو لما تأخر؟ هذه وجبة سريعة فقط لا تحتاج كل هذا الوقت؟!

مدت يدها والتقطت الهاتف بارتباك وكأنها تفتعل جريمة قبيحة كمراسلة حبيبته واخبارها أنه يخونها وأشياء من هذا القبيل..
وضعته على أذنها وتحدثت بهدوء وهي تنظف حلقة: الو!

قطب حاجبيه باستنكار لذلك الصوت ثم سخر: آدم! ايه الـ ده؟، شهقت وجحظت عينيها وهي تضع يدها على فمها بتفاجئ ليتابع قبل أن تفكر أن تتحدث: إنت مش جي الخطوبة انت والـ التاني اللي مش بيرد، حركت شفتيها المرتجفة ذهولاً من تلك الألفاظ بملامح انكمشت بتقزز وقبل أن ترد وجدت آدم يستقل السيارة حاملاً حقيبة بها الطعام..

وضعها على قدمها وهو يبتسم بخفة لترفع نظرها له بوجه باهت جعلته يقطب حاجبيه بتعجب ثم نظر إلي الهاتف الموضوع على أذنها، أخذه بخفة ظناً أنه هاتفها وهناك من يزعجها..
وضعه على أذنه ثم رفع كتفه يسنده كي لا يسقط ثم مدّ يديه إلي الحقيبة وأخرج شطيرة الهامبرغر ووضعها بين يديها وهو يبتسم لها مع قوله باستفهام: ألو مين معايا؟ عمّار! ايه ده ده موبايلي أنا!

رفع نظره إلى تالين التي تمضغ الطعام ببطء و شرود وكأنها مجبرة عليه بينما، بينما هو أهم ثاني شيء يهمها في هذه الحياة فهو المفضل لديها، لكن لما هي شاحبة هكذا لما؟ هل سمعت شيءً من ذلك الوقح الذي لا يتحدث بجملة واحدة دون أن يتفوه بالقذارة في منتصف الحديث: انت قولتلها ايه؟ يا، شهقت والتفتت اليه بعين جاحظة ذاهلة وغير متوقعة منه، هذا آدم الذي لا يفعل الخطأ ماذا حدث له؟، ترجلت من السيارة بضيق وتوقفت في الخارج قليلاً تملأ رئتيها بالهواء النقي، وتنظف مسامعها التي تلوثت بتلك بالقذارة فهي طبيبة لبقة!

زفر ولعنه بغضب: الله يحرقك يا شيخ عايز ايه؟ خطوبة ايه دي اللي النهاردة مش هنلحق خالص، كده كده كنت مظبط نفسي وجي اقعد عندك كام يوم عشان مخنوق لكن النهاردة من المستحيل اني الحق هنوصل متأخر ومش هلحق حاجة وكمان قُصيّ مش جاي النهاردة وأصلا عنده حفلة هنجيلك فين؟ وبعدين مقولتش ليه من بـ، الو! الو! عمّار! كانت ناقصة هي بقي!، ألقي الهاتف بغضب ثم هتف باسمها بصوت مرتفع: تالين، تالين..

التفتت سريعاً ونظرت له من النافذة باستفهام ليقول بغضب: انتِ بتعملي ايه برا اتفضلي اركبي..
زفرت بضيق ثم استقلت السيارة وجلست عاقدة يديها أمام صدرها باقتضاب كطفلة..
تنهد وفارق بين ذراعيها وهو يبتسم، وضع الشطيرة بين راحة يدها ثم المشروب الغازي بين راحة الأخرى وأمرها بحزم: اتفضلي كُلى..
تأففت وهي تقضم من الشطيرة بغيظ ثم سألته بتهكم بفم ممتلئ منتفخ: انتوا ليه قليلين الادب اوي كده؟

ضحك وهو يخفض رأسه لتستقر على المقود الذي احتضن وجنته، إبتسم ابتسامة بالكاد ظهر نصفها بسبب وضعيته ثم قال ببساطة وهو يتأملها بحنان وتمني كنجمة بعيدة: عشان احنا قليلين الأدب بس والله أنا أكثرهم احتراما..
توقفت عن مضغ الطعام وهي تحرك أهدابها وأول ما جال بخاطرها ما فعله معها أمس، حسناً هو الأكثر إحتراماً بطريقة مميزة تعترف لهذا..

تنهد بإحباط وهو يراقبها وقد علم بطريقة أو بأخرى أنها تفكر بهذا وكم ندم بسبب غباءة..
هتف بندم وعبوس: بحبك، غصت اللقمة داخل
حلقها و أحمر وجهها من الإختناق بفضله وبفضل حديثة المفاجئ كما أفعاله التي سوف تقتلها يوماً ما..
تحمحمت وهي ترتشف تلك المياه الغازية حتى أنهت نصفها تقريباً..
قالت بتوتر وارتباك ببعض الرجاء: آدم، بلاش الكلام ده مالهوش لازمة..

هز رأسه موافقاً وهتف بهدوء وهو ينظر لها بعمق: ماشي، آسف، تنهدت بعدم رضى بسبب ذلك الإعتذار ثم قالت بضيق: آدم بلاش كده..
كادت يتحدث لكن هاتفه اللعين الذي يكرهه عندما تكون تالين معه صدح بصوته المزعج الذي أزعجة، غمغم بغضب ثم وضع الهاتف على أذنه دون أن يرى من المتصل ليصل إلى مسامعه أبغض ثانِ صوت سمعه بعد صوت والدته، شقيقة..

=: إنت فين يا آدم ماما لسه قافلة معايا من ساعتين وكانت تعبانة جداً ودلوقتي بكلمها مش بترد خالص!
رفع آدم رأسه عن المقود وهتف بسعادة: معقول تكون ماتت؟
وبخه مصطفي بحدة: ماتت ايه تف من بؤك يا أخي وخلص روح اطمن عليها وطمني عليها، لوي آدم شدقيه وهو يقول بنفسه، بالطبع يجب أن يقلق فهي لم تنجب وتهتم سوي بك أيها اللعين..

هتف بهدوء متصنعاً القلق: طبعاً هروح اقفل بقي عشان سايق، واغلق الهاتف ثم قذفه بعدم اهتمام وأعاد وضع رأسه على المقود يتابع تأمله لها بحنان، فلتذهب والدته إلي الجحيم، يتمنى فقط لو يعود ويجدها قد فارقت الحياة، يقسم أنه لو حدث سوف يذبح جملاً ويتبرع بنصف أملاكه، وكي لا يكون عاقاً سوف يقوم بفعل صدقة جارية من أجلها ويضع ثلاجة في منتصف الطريق بإسمها كي تروي المارين هُنا وهُناك وهو متأكد تمام التأكد أن المياه ستخرج عفِنة لأنها تخصها...

ضحك بسخرية وهو يغلق عينيه لتخيلة هذا، فالموت يليق بها وتخيل هذا يجعله سعيداً ويُجب أن تموت كي تكتمل سعادتهُ، لكن هل هذا يحدث للجميع أم له هو فقط؟، هل هو مريض؟ أم أن الجميع مرضي وهو وحده من يرى الحقيقة؟
سألته تالين باستفهام وتعجب: بتضحك علي ايه؟
هتف بهدوء وهو ينظر داخل ساعة معصمة: مفيش، ماما بتموت في البيت بس..
شهقت بتفاجئ وضربت كفتة وهتفت بحدة كي يتحرك: وقاعد بتعمل ايه؟ سوق يلا عشان نطمن عليها..

نظر لها بهدوء وظل جامداً دون أن يرف له جفن ولم يقود أيضاً، هزت رأسها بحزن وهتفت بنبرة مرتجفة: آدم إنت بتخوفني بالطريقة دي؟، ثم تابعت باستنكار مع تساقط عبراتها ولا تعلم لما: إنت ازاي بتقولي بحبك وانت معندكش قلب كده؟ حتى لو كانت قاسية عليك مش من حقك تعمل معاها كده دي أمك..

إبتسم بعصبية وهو يمرر يده داخل شعره ثم هز رأسه مؤيداً قولها وقال بنبرة بالغة الهدوء: عندك حق أنا معنديش قلب، ثم أدار مفتاح السيارة وانطلق بسرعة مخلفاً خلفه ضجيجاً أثر احتكاك إطارات السيارة بالأرض بعنف..
توقف أمام المنزل بملامح هادئة هدوء ثلجي مازالت تحسده عليه فهو يحترق الآن وتعلم، حركت شفتيها كي تتحدث لكنه أمرها بلغه أمره دون أن ينظر لها: انزلي.

ارتجفت شفتيها بحزن وهي تنظر له كيف يتجاهلها ثم أومأت بهدوء وترجلت من السيارة..
صفها وعاد بعد بعض الوقت ليجدها مازالت تقف في الخارج تنتظره ولم تدلف بعد، تخطاها كأنها هواء غير مرئية وذهب لتغلق عينيها لبرهة من الثانية بنفاذ صبر فهو يتحول إلي طفلاً عند الغضب ما هذا؟ من المفترض أنها هي الغاضبة من أمس ما به هذا الأحمق يتمادى في الغضب وهو المخطئ؟!

فتحت عينيها بغضب ثم زفرت وركضت خلفه، توقف بجانبه عندما كان يدير المفتاح داخل المقبض، دلف بهدوء ليقطب حاجبيه عندما وجد جميع الأضواء مغلقة، ماذا الآن هل تم سرقة المنزل وقتلها؟ هل سوف يبصر جثتها عندما يضئ الأنوار؟
تحرك تجاه مقبس الكهرباء بحماس لكن هُناك من فاجئة عندما أضاءت أنوار المنزل بأكملة مع صياح شقيقة بحماس: مفاجئة..

نظر خلفه ليجد مصطفي يجلس على الأريكة وبجانبه سالي ترتدي فتساناً عاري بعض الشيء يخص إحدى المناسبات وبجانبها اللعينة والدته تبتسم له باقتضاب وهي ترتدي ملابس تليق بحفل ايضاً! ومن هؤلاء؟ الرجال والنساء الذين لا يعرف أحداً منهم؟!
أخرجه من شرودة تقدم مصطفي منه وهو يحمل بين يديه عُلبة مخملية صغيرة وكما توقع، أنها دُبلتين واحدة تخص النساء وأخرى الرجال..

هتف مصطفي بابتسامة هو يضرب كتفه: أي خدمة أقل من يومين كل حاجة جهزت وهتلبس الدبله أهو..
إبتسم آدم بهدوء وهو يومئ، هذا مفاجئ! يملك تأثيراً جيّد على والدته، ضحك بخفة وهو يميل برأسه وأخذ العلبة من بين يديه، نظر خلفه وهو يبتسم غير قادراً على إغلاق هذا اللعين، لوح بها أمام وجه تالين التي كانت تبلع غصتها وهي تقف ساكنة في مكانها ولم تتحرك خطوة واحدة مُنذ أن دلفت..

هتف وهو يبتسم موجهاً حديثة لها لتدرك قسوة قولها وأثر وقوع تلك الكلمات على مسامعه ومدى تأثيرها عليه: معنديش قلب وكده وهي حفلة!، هز رأسه بسخرية وهو ينظر لها ثم طلب من مصطفى بوداعة جعل قلبها ينبض بألم شاعرة بذلك الوخز المؤلم لسببٍ لا تعلمة: ياريت تساعدني أعمل الفرح قريب زي الخطوبة كده..

في الصعيد..
صدح صوت المزمار البلدي الصعيدي والطبول في أنحاء المكان، بينما في الخارج لم يتوقف صوت الطلقات النارية قط كأنه زفافاً..
توقفت خلف المنزل بأنفاس مرتجفة وهي تتلفت حولها بريبة وقلق، خليل الآن يجلس عند الرجال والجميع مشغول ولن ينتبهوا لها وسط تلك الضجة والزحام..

دلفت من باب المطبخ وقلبها يرتعد خوفاً، توقفت خلف الباب والذعر تمكن منها متوقعة أن تجد وابلاً من الصفعات والركلات تهبط على جسدها تهشمه كأنهم كانوا في انتظارها، لكن، لم يحدث شيء الجميع يتحرك هُنا وهُناك منشغلين بما يفعلون بتركيز ولم يلتفت لها أحداً من الأساس..

تنفست الصعداء ثم تحركت بارتباك كأنها من أهل المنزل وصعدت إلى الأعلى بخطوات حثيثة حذرة أين تضع قدمها بملابسها المكونة من عباءة هفهافة كريمية بأكمام متسعة بأجنحة فراشة من الجانبين ترتديها بالمناسبات وفوقها عباءة سوداء تفتحها على مصراعيها وأنزلت الحجاب الشفاف عن شعرها ليستقر حول رقبتها، تقبض عليه بأناملها أثناء صعودها إلى الأعلى مشدودة بخوف وقلبها يقفز داخل قفصها الصدري بذعر، لن ينتبهوا لها بالتأكيد لن ينتبهوا لها..

توقفت في الطابق الثاني في منتصف الممر المؤدي إلى الغرف تتلفت حولها بتشوش تساءل إلى أين ستذهب الآن؟

شهقت بخضة شعرت بمغادرة روحها جسدها من الخوف عندما سمعت صدح صوت زغرودة أصمتها ثم بدأ الضجيج وعلا صوت غناء النساء تلك الأغاني الشعبية مع التصفيق الحار والتطبيل داخل احدي الغرف، نظرت حولها بتشوش وهي تميل رأسها للجانب تسترق السمع تحاول اكتشاف مصدر هذا الصوت، تقدمت بتردد تجاه أحد الغرف الملتصقة بغرفة متولي نفسه عندما وجدت بابها مفتوح على مصراعيه والصوت يقترب منها أكثر كلما إقتربت..

خرج عمّار من غرفته في هذا الوقت، يرتدي عباءته السوداء وعمامته البيضاء بأناقة بعد إن أغرق نفسه بالعطر كما يفعل دائما فهذه عادته، يسير باستقامة وثقه كأنه سلطان متوج على عرشة، تثاءب بنعاس ومط ذراعه من قلة النوم فهو يشعر بالخمول ويحتاج إلى النوم، هو يتوقع أن يفقد الوعي في الأسفل، سيفرح كثيراً ان حدث هذا..

استوقفه تلك التي تقف في نهاية الممر بشعر مجعد توليه ظهرها تقف بطريقة مائلة كسارقة تبحث عن شيءٍ ما بحذر!، هز رأسه ومسح وجهه بعنف وهو يزفر ظناً أنه يتوهم من قلة النوم، هذا ليس سوى سراباً، وأخذته خطواته الى الأسفل بملامح متجهمة غير سعيدة بالمرة..

صافح واحداً واحداً بالتناوب في الأسفل وهو يرد على وابلاً من المباركات والتهاني بخطبته بابتسامة باهته بالكاد خرجت، توقف عند المقعد الأخير ليبصر ذلك البغيض النتِن يجلس يبتسم له بتلك الأسنان الصفراء المُتسخة العفِنة..
مد يده وهو يبتسم كي يصافحه فأبي عمّار أن يصافحه ويضع يده بين يديه القذرة تلك، وكُل ما كان يجول داخل رأسه أن تلك الفتاة كانت ندى وهو لعين أحمق، سُحقاً له..

رفع يده وعلق إبهامه داخل فتحة العباءة من على الصدر وقال بخشونة وهو يرفع رأسه بتحدي: معلهش إكمني لسه متوضي..
وقف خليل وهو يبتسم ثم ربت على كتفه وهتف بابتسامة مقززة: ولا يهمك يا وِلد الغالي، خلي بالك على ندى بتي، إبتسم عمّار بعصبية وقبل أن يتحدث وجد يد تجذبه إلى الخلف ليستقر على مقعد بجانب ذلك الفارس الوسيم..

نظر بجانبه بغضب وهو يحرك شفتيه استعداداً للشتم لتتوقف شفتيه عن الحركة ويبتسم باتساع وهو يراه بجانبه، عانقه وهو يبتسم وهتف بسعادة: أبو نسب، توحشتك كَتير..
هتف متذمراً وهو ينظر له: وأنا توحشت مَرَتي يا عالم يا ظلمة، عايزينها تُجعد معاكم شهر إهنِه ليه؟
قهقهة عمّار وهز رأسه بقلة حيلة: العلم علمك عمي اللي جال ومجدرش أجولة لاه وانت واعي..

زفر وهو يضع راحة يده أسفل وجنته مهموماً يفكر بزهرة قلبه بشرود وشوق، جعل من عمّار يضحك وهو يراقبه بشفقة متعاطفاً معه، فهو رجل رائع وطيب ومحترم وزوج صالح يفكر بربه قبل أن يقدم على أي شيء والجميع يحبه، هو حقاً يتعجب لوقوعة بحب دهب بالرغم من أنه لم يعرفها قبلاً وتزوجها وهو لا يعرف سوى إسمها فقط، لقد كان زواج باختيار الأباء ولا رأي للأبناء بهذا سوى الطاعة فقط، يا إلهي كيف كيف تعامل مع تلك الشرسة قبل أن يروضها بتلك الطريقة؟، هو إلى الآن لا يصدق أنها حامل! لقد تفوق على نفسه حقاً عندما أسقطها بحبه داخل ذلك الفخ الذي سقط به عندما وقعت بُنيتهُ داخل خضراويها اللامعة، هو شخصاً رائع ويستحق..

ربتت عمّار على كتفه وهمس داخل أذنه بخفوت: جوم إطلعلها فوج ولو نضرت أمي جولها إنك عايز دهب ومش هتردك خايب عاد..
تنهد فارس ونظر له بلوم جعله يتعجب ثم قال بهدوء: دهب اللي عاوزة تفضل إهنِه عشان بت خليل الطحاوي وحضرتك جاي تشجعها وعتجولها تسجيها الحنضل ومعرِفش ايه وهي حِبله ودهب حِبله وأنا ألطم على صداغي بالمركوب!.

غمغم عمّار وهتف بضيق: ما تنخلعش عليها إكدِه مش هيحصل حاجة واصل ودلوك جوم فِز وروح إلحجها أنا لسه ناضر بت النتِن فوج عند النساوين..
زفر فارس بضيق ثم أبعد نظره وراقب الطريق وهو يتفحص المكان من حوله جيّداً كي يصعد دون أن يوقفه أحداً ساذج ويسأله إلى أين..

جلست وسط النساء بزاوية وحدها تُراقب الجميع بترقب وخوف وهي تنظر تجاه الباب كل برهة وأخرى خوفاً من دخول أحداً كـ دهب أو حُسنة، فهي سمعت الكثير وتشعر بالرعب حقاً..
قبلت وجنتها بحنان وهي تحاوط منكبها من الخلف تنظر لها عبر المرآة بسعادة ثم قالت بحنان بالغ: زي القمر يا حبيبتي..

ابتسمت نادين بنعومة وهي تربت على يد والدتها محركة وجنتيها ضد وِجنتها برقة بالغة، طرق الباب بسرعة ثم أدارت المقبض ودلفت وهي تتساءل باستفهام: لسه مخلِصتوش ولِّيه تأخرتي إكدِه يا حبيبتي..

ابتسمت ليلى وهي توقف نادين عن المقعد وتديرها كي تراها حُسنة ثم قالت بفخر: خلاص خلصت، حلوه؟، اتسعت ابتسامة حُسنة وهي تمسحها بنظراتها صعوداً ونزولاً، تقدمت وعانقتها بحنان بالغ وهي تبتسم بسرور قائلة: كيف الجمر يا حبيبتي كيف الجمر..

ضحكت نادين بنعومة وهي تربت على ظهرها، فكانت ترتدي فستان طويل ذهبي رقيق لا مع بأكمام شفافة أظهرت ذراعيها، ووضعت قليلاً من مساحيق التجميل بناءًا على رغبة ليلى لأنها أخبرتها أنها جميلة لا تحتاج إلى ما يضر ببشرتها، وتركت شعرها منسدلاً بنعومة بعد محاولتها الفاشلة كي تجعده لكنها فشلت..

تنهدت حُسنة وسألت ليلى باستياء وهي تنظر إلى ما ترتدي: بردك مصممة على الخلجات ديّ؟ يا حبيبتي دي بانجول عليها إهنِه بدلة رجص!

تنهدت ليلى وهي تنظر إلى الثوب الأحمر الضيق على جسدها كجلد ثان لها مشقوق من الجانبين واكمامه واسعة وبه شق بسيط عن الصدر مع حجاب هي حتى لا تعلم إن كان حجاباً أم قطعة قماش كبيرة فقط لكن مع هذا عقدتها حول جبهتها إلى خلف رأسها كما رأتها أكثر من مرة عبر التلفاز، وتركت خصلاتها المجعدة منسدلة بضجر..

هتفت بعدم فهم وهي ترسم عينيها داخل المرآة بعد أن وضعت أحمر الشفاه القاتم: بدلة رقص ليه أنا شلت منها الترتر خلاص مش ملفته ولا حاجة..
هزت حُسنة شفتيها وهي تكاد تلطم منها ثم قالت وهي تضرب يدها معاً باعتراض: دول عيجولوا عليكِ الرجاصة لو شافوكِ إكدِه غيري الخلجات ديّ الله يرضى عليكِ..

تنهدت وهي ترفع ساقها خلفها تميل بجذعها أكثر على المرآة لتضرب حُسنة قلبها وهي ترى الخلخال الذي يُزين كاحلها من الصباح وأسفلة ذلك الصندل ذات الكعب المرتفع الذي ترتديه..
هتفت برجاء وهي تنظر لها من أعلاها لأخمص قدميها بحسرة: يا حزني يا حزني ياني والنِعمة عيجولوا عليكِ الرجاصة..
قهقهت نادين وسألتها باستفهام: ليه ده أنا كنت عايزة البس زيها!

ضربت قلبها بصدمة وزجرتها بحدة: تفي من خشمك ده كان عمّار جطع خبرك..
لترد ليلى بشراسة وهي تصك على اسنانها بغضب: قطع خبرة هو مليون مرة..
هزت حُسنة رأسها بتعب وهتفت باستسلام: براحتك وعلى كيفك مليش صالح، ثم نظرت إلى نادين وحستها على الذهاب معها: وانتِ يا حبيبتي يلا بينا عاد..
أومأت نادين وهي تبتسم ثم تقدمت وعانقت ليلى التي كسي الحزن ملامحها، وهتفت مواسية: متزعليش، هى مش قصدها حاجة دي بتحبك..

ربتت ليلى على ظهرها بنعومة وقالت بخفوت: عارفة ومش ده اللي مضايقني، انتِ خسارة فيه..
تنهدت نادين وهي تهز رأسها بيأس من والدتها ثم ابتسمت بنعومة وقبلت وجنتها وهي تحرك أهدابها بلطافة دون التحدث، لأن ليلى تفهم ماتريد أن تقول ولا حاجة إلى تكرار هذا عنه الحديث عنه كي تقبله، ابتسمت بحنان ثم حاوطت خصرها وأخذتها إلى الخارج مع حُسنة..

تقدمتهم دهب وهي تحمل بين يديها علبة الذهب، دلفوا إلى الغرفة معاً، وعلا صوت الزغاريد والتصفيق الحار تزامناً مع رفع ندي الحجاب، أخفت به وجهها كاملاً عدى عينيها التي كانت تتفحص كل واحدة على حدى..
تقدمت مجموعة من الفتيات يجدلن شعرهن، أخذوا نادين من بين يد ليلى، صنعوا دائرة حولها، أوقفوها داخلها وظلوا يدورون حولها أثناء غنائهم وتصفيقهم بصوت مرتفع..
سألتهم باستفهام وعدم وفهم: أعمل إيه أنا دلوقتي؟

خلعت إحداهن حجابها وجثت على ركبتيها أمامها، عقدته حول خصرها وقالت بمكر وهي تهزه بين يديها: أرجصي ياعروسية أرجصي..
صمتت لوهلة وهي تحملق بها تستوعب قولها ثم ضحكت بصياح وهزت خصرها وبدأت تتمايل مع طرق الطبول وتصفيقهم الحار ر هي تضحك بسعادة وفرح..
محت عبراتها بتأثر وهي تراقب سعادتها وتمايلها وضحكها بفرح، فرُبما تكون سعادتها هُنا حقاً ولا تدري..

لكزتها دهب بكتفها وهي تبتسم: انتِ بتبكي ليه دلوك سيبي شوي للفرح، أومأت ليلى وهي تجفف عبراتها لتجد دهب تدفعها إلى الأمام وهي تقول: ارجصي ارجصي، عادت محلها سريعاً وهي تهز رأسها بنفي واقتضاب: لأ، مش بعرف ارقص ارقصي انتِ!
هتفت بقهر غلب عليه التذمر: أمي جالتلي هتجطع رجبتي لو شافتني برجص عشان الواد والزفت..

ربتت ليلى علي كتفها بحنو وهتفت مواسية: هي خايفة عليكِ وعندها حق، ربنا يقومك بالسلامة، وعانقتها برقة وهي تبتسم لتبادلها العناق وهي تجول بنظرها في الغرفة..
أخفضت وجهها سريعاً وتسارعت خفقاتها عندما رأت دهب تحدق بها بتركيز واستفهام من خلف كتف ليلى..
فصلت العناق ثم سألت والدتها عندما رأتها تمر من جانبها وهي تحمل الشبكة بعد إن شاهدها الجميع: مين اللي هناك ديّ ياما..

نظرت حُسنة حولها بتعجب وسألتها: مين ايه يا بتي مش شايفة حاجة..
زفرت دهب وأشرت على مكانها وهي تلتفت: اللي هناك ديّ يـ، وصمتت عندما لم تجدها ووجدت عباءة سوداء ملقية محلها!.

صفقت بيديها عالياً لينزلق كم عباءتها ويظهر ذلك الذراع الناعم وهي تطوح برأسها يميناً ويساراً كأنها بأحد الموالد في طريقها إلى نادين كي تختبئ وسط هذا الحشد على العروس، أطلقت زغرودة وهي تدخل نفسها داخل الدائرة مع نادين، وتحركت معها في تناغم مع حرصها على جعل ظهرها هو ما يقابلهم في الخلف كي لا يراها أحد، وكأنهم يعرفونها من الأساس..

زفرت ليلى للمرة الألف وهي تقضم شفتيها بنفاذ صبر أثناء استماعها إلى تلك الهمسات والأحاديث الجانبية عنها، تلك النساء اللعنة عليهم لم يتوقفوا عن النميمة والتحدث عنها منذ أن أتت بالرغم من وقوفها بجانبهم، لكنهم لا يملكون حياءًا حقاً ولا يطيقون الانتظار حتى تذهب يُجب أن يتحدثوا الآن لأنهم سوف يحترقون أحياءًا إن لم يتحدثوا..

استفاقت على سحب ذراعها من قبل دهب وهي تتقدم بها إلى الأمام مع قولها بصوت مرتفع: بس يا مرة منك ليها دلوك عشان نلبس العروسية الدهبات يلا..
ابتعدوا عنها الفتيات وتكتلن خلفها كي يشاهدن بينما هي فكت ذلك الحجاب عن خصرها وجففت به جبهتها من العرق وهي تلهث بابتسامة ثملة، ألقت بجسدها على ليلى، حاوطتها بحنان وهي تقهقه عليها لأنها تعبت من كثرة الرقص..
سألتها بخمول وهي تبتسم: شوفتيني وانا برقص؟

أومأت لها وهي تجفف جبهتها براحة يدها برقة: أه شوفت، يلا عشان تلبسي الشبكة..

أومأت وهي تقف باستقامة على وضع الاستعداد، تقدمت حُسنة وهي تزغرد بنفسها، فتحت دهب العلبة وحملتها عن والدتها لأنها ثقيلة، إلتقطت حُسنة الدُبلة من بين كل هذا الذهب وبدأت بها، ذلك الكم من الذهب الذي جعل ليلي ترفع حاجبيها بتعجب بينما نادين حملقت به باستفهام ثم رفعت نظرها إلي والدتها فهي لم تختر كل هذا؟ وما أعجبها لم يتخطى الخمسين جراماً كما اتفقوا ما هذا الآن..

هزت ليلى رأسها بخفه تحسها على الصمت ومتابعة هذا دون التحدث، لكنها مالت قليلاً إلى الجانب وهمست بإذن دهب التي كانت تقف خلفها ندى مباشرةً سمعت حديثهم: نادين مختارتش الدهب ده كله!

ردت بهمس مماثل وهي تبتسم: بعدين بعدين مش دلوك، رفعت ندى حواجبها بتفكير وهي تضع يدها بخصرها ولم تكف عن تفحص جسد ليلى ببعض التمني للمرة الألف صعوداً ونزولاً بمقلتيها دون توقف، تتساءل بنفسها كيف تستطيع الوقوف والتحرك بذلك الكعب المرتفع بكل راحة دون أن تسقط؟، هي نفسها من كانت بالمتجر أمس مع عمّار، هل هي حماته إذاً؟!

هتفت نادين بتذمر بعد مرور بعض الوقت ولم ينتهوا بعد: يا مامي ايدي وجعتني من الغوايش، ابتسمت ليلى بحنو وهي تراقبها ثم نظرت داخل العلبة التي بقي بها فقط القليل كي تطمئنها أن عذابها الذي يتمناه الكثيرون سينتهي قريباً، قطبت حاجبيها عندما التقط نظرها طرف ورقة بيضاء أسفل الذهب، رفعت رأسها مع حاجبيها ونظرت حولها بريبة وهي تتنفس بانتظام كأن الجميع كان ينظر معها داخل العلبة ورآها، ابتسمت بخفه وهي تضيق عينيها بتفكير وقد توقف كل شيء حولها وكل ما كان يجول بخاطرها في هذا الوقت انه عمّار، هي من تفعل تلك الحركة! لكنه أصبح يستخدمها مؤخراً هو الآخر؟، حسناً هي أم العروس وستفعل ما تريد..

طلبت من دهب بهمس: دهب في ورقة تحت الذهب ممكن تطلعيهالي، حسناً، هي غبية وحمقاء ودهب تضاهيها حماقة وغباء، أخرجتها من أسفل الذهب ورفعتها بين يديها أمام الجميع وسألتها بحماقة: ديّ، أومأت ليلى وهي تضحك ببلاهة ثم قرصت وجنتها بخفة وهي تضغط على أسنانها من الداخل وكم ترغب أن تقرصها بقسوة لكن ليس أمام الجميع، أخذتها من بين يديها وظلت محتفظة بها داخل قبضتها حتى تجد وقت فراغ كي تقرأها، هي متأكده أنه عمّار..

قالت نادين بسعادة وكأنها ظفرت بانتصارها: أخيراً خلصت وبقيت اشخلل زي دهب، لويت ندى شدقيها بامتعاض وهي تتفحصها بنظراتها من أعلاها لأخمص قدميها كـ امرأة خبيثة غافلة عن دهب التي استدارت ووجدتها بوجهها وتنظر إلي خطيبة ابن عمها الغالي بتلك الطريقة، حسناً هذا يوم حظها..
شهقت بخضة عندما سألتها دهب بحدة: من بيت مين إنتِ؟

ازدردت ريقها وزاغت عيناها وهي تخفض رأسها تحدق في البساط بتفكير ووجه باهت هربت منه الدماء..
أعادت سؤالها بشك وهي تتفحص هيئتها: من بيت مين يا بت انتِ؟
رفعت وجهها الباهت وهتفت بشفتين ترتجف خوفاً: مش، مش، من بيت حد عاد..
ردت بتهكم وهي تنظر لها بسخط: بوه، اومال ايه عاد؟، خفضت رأسها وهي تلتقط أنفاسها المسلوبة ذعراً تفكر بما سوف تقول لكن عقلها توقف، توقف عن العمل..

قاطعها تربيت ليلى على كتفها وهي تقول بهدوء: الحاجة عايزاكِ..
هزت رأسها بنفي وهي تقول بغضب: مش متحركة من إهنِه غير لما أعرف مين المحروجة ديّ؟
نظرت لها ليلى قليلاً بتفحص ثم قالت بكل هدوء: دي اسمها ندى، رفعت رأسها شاهقة وهي تنظر لهم بخوف حقيقي وقلبها ينبض بجنون بينما دهب اسودت عينيها وظهر انفعالها جلياً على صدرها الذي علا وهبط بعنف وتنفسها بتقطع وهي تسألها بشراسة: جولتي مين؟

أعادت ليلى بتعجب بسبب هذا التحول: ندي، لسه شايفاها امبارح وكانت لسة بترقص مع نادين من شوية..
نظرت حولها لتبتسم عندما وجدت نادين منغمسة في الرقص بسعادة وحُسنة تتحدث مع إحدى النساء ودهب مشغولة مع هذه، نظرت الي دهب ذات الوجه المتهجم مرة أخيرة ثم تسللت من بينهم وذهبت إلى الخارج..

جذبتها من حاشية ملابسها بعنف كـ فرخ صغيرثم هتفت بكُره وهي تصك أسنانها بقوة: ندى الطحاوي يا بت عرفتك من ساعة ما نضرتك بتتلوي كيف الحية مع النساوين وراا ده أني هجتلك دلوك دلوك، صرخت ندى بذعر مستنجدة بالجميع وهي ترفع يديها قائلة: إلحجوني يا عالم إلحجوني ياخلج..
ركضت حُسنة إليها بقلق، أمسكت بيد دهب بقوة في محاولة لكي تبعدها وتحرر تلك المسكينة، لكنها لم تستطع، من أين لها تلك القوة والتماسك الآن..

صرخت بوجه والدتها بغضب كي تتوقف: محدش ليه صالح أني مش ههملها دي ندي ياما ندى أنا هشرب من دمها، صفعتها بقسوة جعلتها تصرخ ثم سحبتها خلفها من حاشية ملابسها وهي تصرخ بجميع النساء: لو بس مَرة جربت والنِعمة هجطع رجبتها واعيِين..
توقفت نادين بجانب حُسنة وسألتها بخوف: هي مالها قلبت كده ليه؟
ضربت حُسنة كفيها معاً وهتفت بحسرة: يا مراري الطافح ياني يا مراري..

ضحكت بنعومة وهي تُعيد قراءة ذلك السطر المقسم على فقرات صغيرة من جديد متخيلة مظهرة ونبرته الرجولية العابثة وهو يقول: مِتين جرام أهو يا حماتي إيكش بس ترضى عني، قامت بثني الورقة بهدوء وهي تتابع سيرها إلى غرفتها، توقفت قدميها عن السير بمنتصف الممر وهي تفكر ثم تقدمت من الدرابزون بخطوات بطيئة، اختلست النظر إلى الأسفل من خلفه تستكشف من بالمكان بعسليتيها المرسومة ببراعة، بحثت عنه وهي تضيق عينيها، بالتأكيد هو ليس ممن يولون ظهورهم لها، ضحكت بعدم تصديق عندما رأته، حقاً هل هو نائم وسط كل هذا الضجيج!.

كان يجلس على في الأسفل على المقعد القاسي ويضع يديه أسفل وجنته مغلق العينين! هل هو نائم أم مهموماً؟
شهقت بخضة عندما سمعت جسد يلقي أرضاً بعنف خلفها عقبة صراخ نساء!، استدارت لتشهق وهي تري دهب تعتلي ندي تغرقها بوابلاً من الصفعات التي وصل صوتها إليها دون توقف أو رحمة..

ركضت إليهم وحاولت إمساك يد دهب والتفرقة بينهم لكن دهب دفعتها بقوة أسقطتها أرضاً وقد جن جنونها وهي تمسك بإبنه ذلك المخنث عديم الرجولة بين يديها..
صرخت بها حُسنة بحدة زجرتها وهي تدفعها من فوقها: بزياداكي عاد بَعدي عنها دي حِبله همليها لَجل ولدِك يا بتي حرام عليكِ ليه تأذي حالك وياها بَعدي عنها بَعدي..

انسابت عبراتها الحارقة المقهورة وهي تنظر إلى والدتها بحسرة ثم بكت بحرقة وصرخت بقهر: يعني خلاص دم إخواتي راح هدر عشان حِبله محدش عيجرب منيها عاد!
شهقت بألم وهي تشعر بوجنتها تشتعل من الحرارة وتعلم أنها أصبحت مشوهة ألآن من كثرة الصفعات، وضعت يدها المرتجفة على فمها بخوف و جسدها ينتفض أسفل جسد دهب عندما وجدتها تنظر لها بهذا الحقد، شهقتها لم تكن مرتفعة كثيراً صحيح؟.

صفعتها من جديد وهي تبكِ مع صرختها بألم ثم صفعتها مجدداً وهي تشهق باختناق من البكاء ثم رفعت يدها من جديد فتعلقت في الهواء عندما أمسك بها..

نظرت بجانبها وهي تنتحب عندما علمت صاحب تلك القبضة الدافئة، هتفت بحرقة وهي تلقي نفسها بأحضانة: فارس، ضمها بحنان بالغ وهو يطبق جفنيه حُزناً بسبب حالتها، رفعها من خصرها وأوقفها معه وهو يهدئها بحنان: هششش، بزياداكي بكى عاد بزياداكي، شهقت بحرقه وهي تنتفض داخل حضنه بانهيار غير قادرة على التوقف..

صرخت حُسنة بنفاذ صبرٍ منها وهي تضرب فخذيها براحة يدها بحسرة موجهة حديثها إلى فارس: إنتِه متهملهاليش إهنِه عاد خدها معاك دي هتنجطني و هتموَتني ناجصة عُمر..
هز رأسه بخفة موافقاً وهو يهدئها بحنان بالغ ثم حملها وصعد بها إلى غرفتها ولم يتوقف قط عن الهمس بدفء داخل أذنها بكل عبارات الحب والحنان..
استفاقت ليلى من تجمدها على مساعدة حُسنة إلي تلك المسطحة أرضاً دون حراك تبكِ بحرقة وألم..

نظرت لها بتفحص وقلبها يخفق بألم وهي تتساءل لما كل ذلك العنف فقط لأنها ندي؟ لما؟ ماذا حدث ولما تتحدث دهب عن شقيقيها المتوفيين دائماً عندما تأتي بسيرة تلك العائلة؟ ماذا حدث؟، يا إلهي، لقد أخبرها عمّار بالقصة عندما طلب رأيها في الشرفة لكن دون أن يفسر ماحدث، هو فقط قال عناوين فرعية ولم تفهم؟.

نظرت بجانبها تناظر نادين التي كانت تتشبث بذراعها بخوف، لتجدها تضم يديها إلى صدرها تنظر تجاه الدرج في أثر فارس ودهب في تأثر وهي تزم شفتيها..
عانقتها ليلى بحنان ظناً أنها خائفة ليصل إلى مسامعها همسها بعبوس: حلوين اوي يا مامي عقبالي انا وعمّار، قضمت شفتها بغيظ وهي تضم قبضتها كي لا تتهور وتصفعها الآن الحمقاء، هي تستحق لأن عاطفة الأمومة لديها تأتي في المقدمة دائماً..

أوقفتها حُسنة وهي تؤنبها بقولها: ايه اللي جابك اهنِه بس؟، لكنها، شهقت تتابع بكائها بحرقة وهي تغمر وجهها بين راحة يديها، ولم تتحدث..
همست نادين بخفوت تسأل ليلى: هي دي ندى اللي بيقولوا عليها؟، هزت رأسها بخفة وهي تنظر تجاهها بشفقة ومازال قلبها ثائراً خائفاً، حاوطت خصر نادين كي تأخذها وتذهب الى غرفتها يكفي ارهاقاً ورقص اليوم، قطبت حاجبيها عندما وجدت الحجاب مازال معقود حول خصر ابنتها وهي لا تشعر!.

ضحكت بصوت مرتفع وصل إلى ندى بعد مغادرة حُسنة أثناء سؤالها بتعجب ويديها تحل ذلك الحجاب: إنتِ خرجتي كده عادي ومش حاسة؟، أومأت بعبوس وهي تتنهد بحزن قائلة بخفوت: عمّار وحشني..
التفت ندى ونظرت لها بكُره من أعماقها وهي تشهق بأسى ظناً أنها تضحك عليها وتسخر منها مع ابنتها، كم أصبحت تكرهها قبل التعرف عليها حتى..

حاوطت خصر نادين وسارت باتجاه الغرفة دون التحدث، فتذمرت نادين بحزن: ايه ده خلاص مش هدخل أرقص تاني..
توقفت ليلى عن السير وسألتها بهدوء: عايزة ترجعي؟، أومأت بعبوس فقبلتها ليلى برقة وهتفت بحنو: طيب روحي، أنا هدخل ارتاح شوية..

أومأت وهي تبتسم وكادت تتحرك، لكنها توقفت عندما سمعت الضجيج في الأسفل، ركضت تجاه الدرابزون كطفلة تستكشف المكان، التمعت عيناها بسعادة عندما أبصرت عمّار في الأسفل، توقفت ليلى بجانبها وسألتها بمكر عندما وجدتها توقفت: مش هتدخلي؟

هزت رأسها بنفي واسندت مرفقها فوق الدرابزون وقالت بعبوس: لأ هتفرج على عموري اقفي اتفرجي معايا، بينما ندى توقفت خلف الدرابزون الآخر بعيدة عنهم وظلت تراقبهم في الأسفل وعبراتها لم تجف قط ولم تتوقف عن الانسياب شاعرة بوجنتيها تنبض بالألم..

جلس بجانبه على المقعد الفارغ محل فارس، تحمحم بخشونة بصوت مرتفع جعله يفتح عينيه شاعراً بالحرقة داخلها، رفع رأسه ونظر حوله بتيه وتثاقل وهو يحاول تذكر ما يحدث، حدق بوالده وهو يبتسم ببلاهة وأعين نصف مغلقة ثم عمه الذي كان منغمساً في الحديث مع والده..

أخرجه من شروده قول خليل المتسلي وهو يضحك أوصل إليه رائحة أنفاسه الكريهه: ماتجوم ترقص يا عريس بدل ما انت مهموم إكدِه ولا عروسة البندر طلعت مش كَد إكدِه ولِّيه؟، ثم رفع يديه ربت على فخذة بخفة جعله ينظر الي يديه وهو يرفع حاجبيه ليتابع: بس متجلجش بتي الغاليِة بدر منوِر حبيبة أبوها عاد، ضحك عمّار وهو يمسد جبهته ثم قال وهو يبتسم جعل من ابتسامتهِ تختفي بالتدريج: طبعاً لازم تبجي حلوه ليه؟ عشان إنت ماهتخلفش غير البنِتِه يا خليل! والراجل الوحيد اللي باجي في عليتكم متخبي كيف النسوان! إيكش يولع مطرح ماهو مِتهَبب!.

صمت قليلاً كي يلتقط أنفاسه ويستنشق هواء نقي قبل أن يختنق من تلك الرائحة الكريهة ثم هز رأسه وتابع بتقزز: تِعرف هجوم أرجض بس مش عشان انت جولتلي لاه عشان خشمك ريحته كيف الطرنش المعتج، ووقف عن المقعد وهو يكاد يتقيأ..
قذف له أحد الرجال عصى عند وقوفه مباشرةً، التقطها وهو يبتسم، رفعها بين يده وبدأ يلوح بها ويده والأخرى كان يثنيها خلف ظهره ثم قفز على قدمٍ واحده وبدأ بالرقص..

كانت نادين تراقبه بمقلتين تقدح حباً وتكاد القلوب تقفز منها وهي تضم قبضتيها معاً أسفل ذقنها تبتسم في الأعلى بسعادة، بينما ندى كانت تراقبه بنظراتٍ هادئة حملت بطياتها الكثير..

أما ليلي والآن بالتحديد كانت تحك طرف حاجبها بتفكير ثم اقترحت علي نادين بخفوت: ما تنزلي ترقصي معاه، حركت أهدابها سريعاً بتعجب وهي تنظر الى والدتها ثم ضحكت وقالت وهي تمرر يدها حول رقبتها بخجل: لأ، لأ، مقدرش اعمل كده خالص، مقدرش، أومأت ليلى بتفهم وصمتت ثم قفزت فجأة إلى الخلف وهي تشهق عندما قرصت نادين خصرها وهي تغمزها بعبث: ما تنزل انت يا جميل وعلمهم الرقص اللي علي حق..

ضحكت ليلى وقالت بنفي: لأ، لأ، طبعاً مينفعش، لكنها تقدمت منها وهي تبتسم بخبث ثم قرصت خصرها فجأه جعلتها تضحك وهي تنفي بسبابتها: لأ، مش هينفع لأ، لأ، لكن نادين لم تتركها بل جذبها من ذراعها وهي تتضحك، أوقفتها على بداية الدرج ووضعت الحجاب حول رقبتها وقالت بابتسامة: بالتوفيق يا مامي يلا روحي، اتسعت عينيها وهزت رأسها بنفي وصعدت لكن نادين وقفت أمامها وفتحت يديها على مصراعيها و هتفت بحزم طفولي: لأ يا مامي انزلي عايزه اتفرج عليكِ من هنا، بليز بليز، اعتبريها هدية خطوبتي، بليييز عشاني، تنهدت ليلى وأومأت باستسلام وكأنها لم تكن تريد فعل هذا حقاً!، هي لن تكذب، لأنها لديها رغبة مُلحة وتريد فعل هذا، ليست وكأنها تريد رؤية ردة فعل عمّار أو شيء من هذا القبيل! لا هي فقط تريد ان ترقص ما المشكلة؟ لن تحدث مشكلة بالتأكيد..

توقف أمامه حارسه الخاص وهو يلهث، مال وهمس بأذنه ببعض الأشياء و حدقتيه تتسع مع الحديث بالتدريج وكأن ما يقوله حدث على مرأى من عينيه و يعاصره الآن..
هب خليل واقفاً وهتف بغضب: المجاطيع، ده أني هجطع خبرهم النهاردِه ورايا يا جحش، وتركهم وغادر وكأن أحداً كان يهتم له..

عقدت الحجاب حول خصرها وهي تهبط الدرج درجة درجة ببطء وتلك الفراشات حول كاحلها تتراقص برقة، عسليتيها معلقة عليهم في الأسفل، يعتلى ثغرها ابتسامة عابثة، رُبما تكون هذه هي المرة الأولى التي تظهر بها ابتسامة مثل هذه على محياها! ولن تكون الأخيرة..

توقف والده عن مراقبته وهو يرقص عندما رآها توقفت خلف عمّار الذي يوليها ظهره وبدأت تتمايل على تلك الطبول والمزمار البلدي باحترافية في تناغم دون أن تعبأ به ولا بالمكان ولا بهؤلاء الرجال التي جحظت أعينهم من التفاجئ والسعادة في أنٍ واحد تلك تلك الغبية، لا تفهم..

قطب عمّار حاجبيه بتعجب عندما رأي تعبيراتهم المندهشة بشدّة وتلك الابتسامة التي اعتلت شفتيهم فهو لا يرقص بذلك الجمال كي تظهر تلك التعبيرات عليهم ولا حتي التفاجئ ما خطبهم وما خطب والده الذي امتقع وجهه هكذا؟، هو لا يعلم أن نصف عمرة يفوته الآن وهو لا يدري..
استدار على حين غرة لتتوقف يديه في الهواء.

وتجحظ عيناه ويسقط فكه مما يرى، اللعينة الشيطانة ماذا تفعل؟ كيف جاءت ومتى؟ ولما ترقص أمام كل هذا الجموع؟ إن أرادت الرقص فلتخبره وترقص أمامه وحده لما الجميع؟، جسدها، منحنياتها الصارخة، يا إلهي فلتحترق حيه بهذا الجسد الذي لم يتوقف عن التمايل والتلوي كالحية قط، لا لا يستطيع النظر أكثر سينهار أمام تلك الأنوثة سينهار، ازدرد ريقه وهو يمسحها بنظراته الذكورية البحتة من أعلاها لأخمص قدميها محملقاً بذلك القوام الفتاك بأعين داكنه وذلك الخصر الذي لا يكف عن التقسيم الإهتزاز، هي لا تخجل اللعينة المتبجحة تباً لها وسحقاً لها واللعنة عليها وعلى جسدها المهلك الفاتن المغوي فلنظر له معصية ومنذ أن رآها لا يفعل سوى تلك المعصية، هي تلك الشيطانة المفسدة في الأرض ويعلم هذا..

أنزل عصاه المعلقة التي إتخذت شكل رقم تسعة، أمسك طرفها وهو يرفعها ويمدها على طول ذراعه إلى خصرها، شعرت بكهرباء تسري في عمودها الفقري عندما استقرت رأس العصا خلف ظهرها عقبة سحبها بقوة أسقطها بداخل أحضانه..

تنفست بلهاث وصدرها يعلو ويهبط دون توقف تطبق جفنيها بقوة تزدرد ريقها بحلق جاف وقلبها يخفق بقوة بسبب ذلك المجهود، رفعت رأسها بهدوء وهي تسند راحة يدها على صدره الذي يطرق بعنف صخري كان يلكم راحة يدها لكماً، إنها ليلى وبين يديه؟ أين غرفة النوم؟، رفعت نظرها له عازمة أن تتجاهله وتتابع ما تفعل لكن تلك الخضراوين الناعسة التي كانت تمر على ملامحها بهدوء وعمق بنظرات لم تفهمها أسرتها ولم تستطع التفكير بأن تحيد بنظرها عنه قط ولا أن تتجاهل عسليتيها خضراوية! هُناك شرارة تجمع بينهم، وتلك النظرات التابعة له تثبت هذا لكن سُرعان ما أخفاها سريعاً كي لا تفهمها لأنه يريد التهامها التهاماً، هي تسحق رجولته سحقاً بالنظر لها فقط فلترحمه قليلاً..

أخفض رأسه قليلاً وهمس بصوت مهزوز سمعته وهو يهز رأسه مُستنكراً كأنه يسألها ماهذا: ايه؟، رفعت وجهها وبحركة عفوية سريعة متعمدة أسقطت عمامته عن رأسه وهي تهمس ببطء بتلك الحُمرة على شفتيها: ايه؟، فكم يحب ألوان أحمر الشفاه الداكنة كي يرى من من خلالها تلأْلؤ أسنانها ناصعة البياض، هذا طفولي لكنهُ يُحبهُ..

ابتسمت مع تحريك يديها ببطء، أبعدت تلك العصي عن ظهرها ثم أخذتها من بين يديه بسهولة أثناء حملقته بها بتيه، ابتعدت عائدة إلى الخلف وهي تنظر له بانتصار ممزوج بتلك الابتسامة العابثة لم التي لم يراها قبلاً، إنها تشبهه، اللعينة تشبهه..

رفعتها بين يديها عرضاً وهي تحركها في تناغم مع ذراعيها وساقيها وخصرها بالطبع متناسية نفسها تماماً، صفر له إحدي الرجال سريعاً مع هتافه بإسمه: عمّار، استدار ونظر خلفه بتشوش لأن مقلتيه لا تبصر سوى ليلى، لا لا الحية، الحية التي تتلوي الآن..

وجد عصي تقذف إليه، رفع يده بعدم تركيز لتصطدم بأنامله جعلته يتأوه بألم وسقطت أرضاً وهو يلعنها لقد تخدرت أنامله اللعينة فليأخذها الله، لكن بعد أن يحصل عليها أولاً لأنه سيقتل نفسه قهراً خلفها..
قذف عصى أخرى ليلتقطها تلك المرة جيّداً ثم تقدم منها وهو يحركها بين يديه ببراعة لتبتسم وهي تتقدم منه تتمايل برشاقة ليس وحدها بل حاجبيها الكثيفين المنمقين لم يتوقفوا عن الحركة بعبث غير بريء بالمرة..

استدارت لتتراقص بجذعها فوق صدره وهي تبتسم، جعلت تلك النيران تنشب داخل جسده، لما لما تفعل هذا؟ فلتخبره فقط كي يرتاح لما! هي شريرة شريرةٌ جداً..
سقطت صينية المشروبات من بين يدي صباح وهي تشهق بتفاجئ عندما رأتهم، عادت أدراجها راكضة حيث مكان المطبخ كي تخبر حُسنة سريعاً..

بينما في الأعلى كانت ندى تراقبهم بدون تعبير لكن الاشمئزاز ظهر جلياً على وجهها وهي تنعتها بأبشع النعوت وقد كرهتها من دون مقدمات ولا تحتاج عذراً كي تكرهها لقد كرهتها هي وابنتها هذه! المُدللة دلال مقزز، لكن لن تنكر شعورها بتلك النيران والغضب والغيرة التي نشبت داخلها في أنٍ واحد جعلها ترغب أن تكون محلها ولو لوهلة فهذا لا يبدو سيءً إلى هذا الحد؟ اللعينة تلك ترقص ببراعة أفضل منها حتى، تكرهها بشدّة..

بينما نادين كانت تضع يدها على فمها بذهول وعدم تصديق لما يحدث في الأسفل وهي تبتسم إبتسامة غريبة وفقط تنتظر دقيقة إضافية ترى ما سيحدث خلالها ثم تقفز فرحاً وتصيح بـ مرحي هذا رائع أمي تلك الغبية..

وقفت سريعاً ضاربة قلبها بيديها بعنف وهي تهتف بمرارة: الله لا يسامحك يا ليلى يا حزني يا حزني، ثم أخذت العباءة الثقيلة المفتوحة التي كانت تتلحف بها صباح وهرولت الى الخارج كي تأخذها، بالتأكيد هي الآن كقطعة حلوى سقطت بين أيدي مجموعة من الجائعين، وإبنها أكثرهم جوعاً..

أنزل عصاه على خصرها عرضاً حاوطها بها، رفعت رأسها عن صدره واستدارت سريعاً لتكون مقابلة وهي ترفع نفسها لتبعد لكنه ألصق العصي بظهرها وقربها منه حتى التصقت بجسده ليتلاشى ذلك الفراغ ويذهب إلى الجحيم شاعراً بمفاتنها ضد صدره لتنفجر رأسه ويتحول جسده إلى حمم بركانية لن يتحملها أحداً غيرها..

سألها بخضرواية الداكنة المهتزة بعدم فهم ببحة رجولية خافتة وهو يترك العصى تسقط وحل محلها قبضته التي حاوطت ذلك الخصر الناعم الذي سيفقده عقله: عايزة ايه يا حماتي؟
ابتسمت لـ تبتسم معها عسليتيها الغزالية التي تهدم حصونه وتخترق خضراويه بلا هوادة فكم يشتهي أن يقبلها الآن وليشهد الجميع على فضيحته..

قضمت شفتها وهي تفكر لتغيب عينيه في غيمة سوداء ناظراً لها بنظرة داكنة وداكنة وداكنة وداكنة لم تفهمها، لقد أضاعت النوم من عينيه، وجعلت تفكيره محصور حول كيفية الحصول على قبلة من تلك الشفتين التي لا تتوقف عن شتمه، ثم البحث عن أقرب فراش قد يجده..
هتفت بهدوء وهي تبتسم بينما هو يستمع لها في ترقب لما سوف تقول: عمّار، إنت لسه نكرة..

رفع زاوية شفتيه بسخرية ثم إنفجر ضاحكاً وهو يرفع رأسه ناظراً إلى السقف ويده تقبض على خصرها وهو يتساءل بنفسه، ما هذا الجسد الطري، ما هذا؟.
ضحكت معه بنعومة من كل قلبها عندما لم يتوقف عن الضحك، فلماذا يضحك؟ هذا ليس مُضحك؟ هي تضحك لأنهُ يضحك وصوت ضحكته الرجولية تروقها ليس لأنها خفيفة الظل؟

توقفت وظلت مبتسمة تراقبه عن كثب حتى ينتهي، لكنه لم ينتهي بل ابتلع ضحكته عندما سمع والده يهدر بعنف وهو يضرب بعصاه الأرض: عمّااااااااار، تزامناً مع هرولة حسنة اتجاهها بلهفة وهي تتحسر على وشك أن تبكِ بسبب تصرفات الجميع بلا تعقل في هذا المنزل..

أبعدت يديه التي كانت تقبض على خصرها كالكلابيب بعنف وهي تدحجة بنظرات حادة ثم أخفت جسد ليلى داخل العباءة جّيداً وهي تحاوط منكبها وأخذتها وذهب وهي تهمس لها بقهر: بجي تسيبي النساوين فوج وجاية ترجصي وسط التيران ديّ يا مراري؟
استدار عمّار إلى والده الذي لم يجده مكانه!، يبدو أنه صعد ومعنى هذا أن يذهب خلفه كي يتلقى عقاباً كالأطفال، وهو بالفعل سوف يفعل مثل الأطفال الآن ويحتمي بعمه لأنه سوف يأخذه معه..

حرك شفتيه كي يطلب منه ليجده وقف قبل أن يتحدث وسبقه هو إلى الأعلى بعد أن أخبر الخدم الرجال أن يهتموا بالضيوف..

بعد ساعة...
ضرب عصاه أرضاً وهتف بحدة وغضب: الناس تجول علينا ايه دلوك؟ متولي الصعيدي اتجوز ام عروسِية ولده لما شافها بتتمسخر وياه؟
حرك عمّار أهدابه بتثاقل معيداً تلك الجملة داخل رأسه مراراً وتكراراً ثم قلّبها داخل عقلة من جديد مرارا وتكرارا وهمس بها إلى نفسهُ ربما يفهم المغزى والمقصد من هذا القول لكنهُ لم يفهم؟، أولا يريد أن يفهم!

رفع رأسه ونظر له باستفهام التقطه متولي سريعاً وهذا جعله يرفع رأسه بشموخ وهتف بنبرة لا تقبل النقاش أو الإعتراض وكأنه قد قرر هذا مُسبقاً: حماتك عجبتني وعتجوزها..
هل من المفترض أن يزغرد فرحاً الآن أم يرقص بسعادة؟، يستحق هذا، فليذهب الآن ويبحث عن فراش كي يمنحه إلي والدهُ..

- الحُب هو أن يُخلصها من جحيمها كي يأخذها إلى جحيم من نوع خاص -.

بعد ساعة، ساعة من التوبيخ كـ طفلاً! ساعة من اللوم ساعة في الحديث عن كونه مستهتر وسيجلب لهم فضيحة، ساعة من السُباب اللاذع والكلمات البذيئة وسط الحديث بسبب رقصهِ معها، ساعة قضاها في تعلم الأخلاق من جديد كي يرضى عليه والده، ما المشكلة برقصة؟ ما المشكلة؟ يعلم أن هذا ممنوع ومن المستحيلات لكنه حدث هل ستقوم القيامة لأنه حدث إذاً! لما لا يأخذ الأمور بتروي لما؟ هي لا تعرف عاداتهم لهذا لا مشكلة وسوف يمر ما حدث هذا ان لم يتحدث به الجميع صباحاً، لا لا، إن لم يجعلوه حديث المساء اولاً ثم الصباح فهم ليسوا بحاجة إلى التوصية علي هذا، فـ عند الثرثرة يتحول الجميع الى امرأة تجلس على عتبة منزلها تتسامر مع جارتها في أحوال الأشخاص و مافعلوا وماذا ارتدوا وماذا حدث وما سيحدث من وجهة نظرهم و، الخ، الخ.

هو لن ينكر بل وأصبح متأكد أن كل شيء بها يعجبه بشدّة، منجذب لها بطريقة لم تحدث له من قبل! هو لم يلتفت إلى أحد كي يعجب به! لما الآن؟ ولما هذه؟ هل فقد عقله! انها حماته؟!، لما تسرع وطلب نادين قبل أن يراها! ظن أنها عجوز هرم! كما من المفترض أن تكون، لكن، لقد تلقى صفعة قاسية عندما رأها، هو إلى الآن كُلما تذكر مقابلتهم الأولى يتحسر على نفسهِ، كان يجب ان يهرب ويعود من جديد من أجلها هي وليس ابنتها!، هو لن يكذب لأنه يرغب بها كما لم يرغب بأحدٍ من قبل، رغب بها منذُ أن وقعت عيناه عليها، هي تليق به ويعلم هذا، ايقول سِراً هي أجمل من ندى بمراحل وتفوقها بكل شيء! لكنه يحب ندى؟ ما العمل؟ ايمكن أن يستبدل قلب ليلى بـ ندى؟ لا ندى حتي لا تحبه ولا تعرفة كي يثق بها بذلك القدر! لا يوجد أمامه سوى حلاً وحيد..

أن يجعل ليلى تحبهُ لكن هذا أصعب من تسريح شعرها يقسم، هي إلي اليوم لم تبتسم بوجهه سوى بسخرية وعندما تتحدث معه تظل تلقبه بأسماء الحيوانات! أي حُب هذا؟ هو يحلم، هي لن تقبل به لما؟ لأنهُ نكرة، ولا يستبعد هذا عليها فـ رُبما تخبره أنه بمثابة طفلها يا إلهي، هذا ساخر، فإن أحبتهُريمكنها أن تجعلهُ ينسى ندي ويُحبها هي، بل سيغرق في بحر عسلِها أيضاً وهو لن يحتاج الكثير من المجهود لأنهُ يُجب أن ينسى اللعينة لأن علاقتهم مُستحيلة ولن يستطع أن يعاملها بتلك الرقة مهما احبها لا مستقبل لها معهُ مهما حدث!، يتبقى له نادين فقط ماذا سيفعل معها؟ لن يستطيع جرحها هي بريئة ورقيقة كي تتحمل كل هذا، حسناً، حسناً، يكفي ثرثرة ما يفكر به بعيد كُل البُعد يُجب أن يصمت عقله الذي لا يتوقف الآن..

أسند وجنته على راحة يده وشرد بها، يقسم أنه يرى والده يتحدث لكنه لا يسمع شيء لا شيء، هو يفكر بها، لقد أراد أن ينهي الرقصة معها، أراد أن يتوقف عن الضحك ويتابع الحديث كي يعلم ما نهايته واللعنة على الجميع لا يهم لكنهم مُدمرين اللحظات وقاطعوا ضحكته التي جعلتها تبتسم، يعلم أن ابتسامته ساحرة تدخل السرور إلى القلوب هذا قديم!، الجديد هو أنها ضحكت عندما شاهدتها هذا يحتاج أن يفتخر بنفسه لأنها جدية كثيراً أم أنها لا تحبه لهذا لا يرى سوى هذا الوجه المقتضب دائماً، هذا هو الجواب، لا تحبهُ، يُجب أن يضع أسفلها الكثير من الخطوط الحمراء لأنهُ يحلم كثيراً هذه الأيام وعدم نومهِ أمس جعله يهذي بتلك الأفكار..

انتشله من أفكاره الجنونية، صوت والده عندما ضرب عصاه أرضاً وهتف بحدة وغضب: الناس تجول علينا ايه دلوك؟ متولي الصعيدي اتجوز ام عروسِية ولده لما شافها بتتمسخر وياه؟
حرك عمّار أهدابه بتثاقل معيداً تلك الجملة داخل رأسه مراراً وتكراراً ثم قلّبها داخل عقلة من جديد مرارا وتكرارا وهمس بها إلى نفسهُ ربما يفهم المغزى والمقصد من هذا القول لكنهُ لم يفهم؟، أولا يريد أن يفهم!

رفع رأسه ونظر له باستفهام التقطه متولي سريعاً وهذا جعله يرفع رأسه بشموخ وهتف بنبرة لا تقبل النقاش أو الإعتراض وكأنه قد قرر هذا مُسبقاً: حماتك عاجبتني وعاتجوزها..

هل من المفترض أن يزغرد فرحاً الآن أم يرقص بسعادة؟، يستحق هذا، فليذهب الآن ويبحث عن فراش كي يمنحه إلي والدهُ، ولده جُنّ، لقد جُنّ حقاً، هل يمزح معهُ الآن؟ هو يخطط كي يوقع بها ووالده يُريد أن يتزوجها، ينقصهُ فقط أن يُناديها بـ أمي كي يفهم ويدرك أن الطريق إليها مُستحيلاً!، يُجب أن يراقب احلامهِ وامنياتهِ جيّداً لأنها أصبحت تتحقق في الفترة الأخيرة!

لقد تمني رؤيتها ترقص وتحقق هذا لكنه تتحقق بطريقة سيئة لا يتخيلها! يُجب أن يحذر لأنه يتمنى الكثير حقاً الكثير بمعنى الكثير مالا يتخيله عقل، تخيله هو!.
مسد جبهته بخفه وهو يتنهد بـ غمٍ وخفض رأسه حتى يهدأ من نفسه وانفعالة لأنه إن لم يكن والده كان تصرف معه تصرفاً آخر الآن..
ازدرد ريقه وقال باعتراض: جواز ايه يا بوي اللي عاتتحدت عنيه؟ انت جِتِتَكْ إتاكلت؟

جحظت عينا والده وهو ينظر له بذهول من قوله، هذا الوقح!، تهجمت ملامحة ثم ضرب عصاه أرضاً بغضب وهدر بخشونة: عاتجول ايه يا محروج انتِه؟
تحمحم عمّار وقال بجزع: مش الجصد يابوي لكن تتجوز وامي!
تهجمت ملامحه وهدر بوجوم: مالها المحروجة؟
زفر عمّار وقال باستياء: مش ديّ لسه علي زمتك دلوك؟

هز كتفيه وقال بكل عجرفة: الشرع حلل اربعة يا ولدي، وبعدين خليها اكدِه في أمريكا والبلاد الأجنبية هي واخوك الصايع ايكش تنفعهم وبحذرك انك تبعتلهم فلوس لما يطلبوا سيبهم اكدِه لجل مايعاودوا زي الكلاب، صمت قليلاً وهو يتنفس بانفعال وغضب وتابع بحِدة: بتحددتني عنيهم ليه دلوك؟ جاك خابط..

زفر عمّار وكم تمني بداخله لو كان محل شقيقه ويبتعد عن هُنا فهو محظوظ لكونه وُلِد صغيراً، أما هو بائس منحوس، لأنه الكبير فقط تركتهُ خلفها وغادرت دون أن تعبأ، الشيء الجيّد الوحيد الذي فعلتهُ من أجلهِ هو دراسته ومكوثهُ في القاهرة حتي انتهي، في كثيراً من الأحيان عندما يختلي بنفسه ويفكر يشك أنها أرسلتهُ كي تهرب دون تشوش منه كي لا تشفق عليه عندما يبكِ، لقد جفت دموعه على أي حال ولم يعد يملك أياً منها بسبب كم القسوة التي تعرض لها، لقد دمرتهُ هي ووالده بكل سهولة، هي عندما ظنت أن بابتعاده ودراستهِ تصنع له معروفاً بينما هو كان وحيداً دون احتواء وتوجيه من أحد كي لا يخطئ وقد اكملت جميلها عندما غادرت..

ووالده الذي ظن أن بقساوته وكثرة ضربه يصنع منه رجلاً، شكراً لهم، كم هو ممنون، والآن يتساءلون عن قساوته ومن اين؟ لقد قام بشرائها بسعرٍ بخس من المتجر، هو ليس مديناً لشخصٍ سوى حُسنة التي لم تفرق يوماً بينه وبين أولادها، هو مديناً لها بكل شيء، هي الوحيدة التي تستحق حُبه و مشاعرة النقية التي يحملها اتجاهها منذ أن كان طفلاً، هي والدته وليست الأخرى..

تنهد وهتف بتعب وإرهاق: براحتك يابوي اعمل اللي يريحك بس متنساش انها متجوزة عاتتجوزها كيف؟
سأله بغضب وهو يقطب حاجبيه: واه مش جولت ان جوزها ميّت؟
رفع عمّار حاجبيه بـ تفاجئ مصطنع وهتف باستنكار: اني جولت؟ لاه محصلش جوزها مسافر وراجع عن جريب!

قهقهة متولى وهو يجلس على مقعده جعل عمّار يتعجب، هل هو يضحك؟ وبسببها؟ تباً لها تلك الضحكة لا يراها سوى كل عيد فقط! هل أصبحت متاحة لجميع الأوقات الآن فقط بسبب رقصة؟ هذا فقط؟، يالها من إمرأة..
هتف متولي بغضب مكتوم: بجولك ايه يا واد انتِه اني مش جورطاس اهنِه انت جولت جوزها المدعوج مات صِحى ميتة؟
هتف عمّار بقلة حيلة وهو يهز كتفيه: تلاجيني غلطت عشان اني كُنت فاكر انه ميت بردك بس ده عايش اسمه كومان سعيد..

نظر له والده بشك وهو يضيق عينيه و هتف بنبرة عميقة ذات مغزي: هي عاجباك ولِّيه يامحروج انتِه؟ اني عارف النظرات ديّ وراها حاجة واعرة جوي!
حرك عمّار أهدابه ببراءة وهتف باستنكار: عاجباني! انت تعرف عني اكدِه؟ واه؟ لما اني اعجب بـ حماتيّ ابليس يعمل ايه عاد؟
نظر له متولي بتفحص وهي يهز العصا بين يديه لـ يتابع عمّار باستسلام: براحتك يابوي، روح اتجوزها عاتجولي ليه دلوك؟

تحمحم متولي وهتف بتردد وهو ينظف حلقة مراراً وتكرارا: كنت عاوز اعرف عاتحب ايه وعتكره ايه عاوز أعملها مفاجئة؟
فرغ فاه وهو ينظر الى والده المُراهق بذهول! هل هو جاد؟ هو نفسه لن يخطر له هذا؟ اي هدية هذه؟ هي تستحق الذبح هل يمزح؟
ضرب عصاه أرضاً من جديد كي يستفيق وهو يقول بامتعاض: محتاج تفكِر كُل دِيه؟

تنهد عمّار وهو يمسح وجهه بنفاذِ صبرِ وهتف ببطء: هي بتكره أي حد اسمه عمّار وعاتحب اي حد بيكره عمّار، بتفطر بـ لُجمتين ومش بتتعشي وساعات تاكل ستيك أوت يا بوي بس..
تنحنح والده وقال بهدوء: طيب، روح دلوك اني عجولها الصبح على الفطور وديّ آخر مرة الاجيك جريب مِنيها بسبب رجص أو غير رجص!
هز عمّار كتفيه وهتف مبرراً: انت علمتني مرُدش حد واصل وهي جات ترجص اجولها لاه! ديّ جريبة ومن العيلة دلوك ولازم نبسطوها..

أومأ متولي بازدراء ثم هتف بهدوء: بُكره عجولها واعرض عليها الموضوع الصبح وخليك عارف اني مش عجول حاجة غير لما اعرف موضوع جوزها دِيه ايه؟
أومأ عمّار بخفة وهتف على مضض: مبروك مجدماً يا بوي بالرفاء والبنين..
نظرت لها ندى بكره وهي تمر من أمامها ذاهبة باتجاه غرفتها مع حُسنة التي تحوطها بملامح لاتفسر دون التحدث معها، نظرت ليلى إلى حُسنة بخجل ولا تعلم ماذا تقول، لقد عقد لسانها من كم الخجل الذي تشعر به..

هي لم يُجب عليها أن تفعل هذا وسط الجميع! ماذا حدث لعقلها أين كان؟ ليس من عادتها التهور بتلك الطريقة؟، قدميها لا تحملاها! تشعر أنها تُسحب من قبل حُسنة ولا تسير باعتدال..
ازدردت ريقها بحلق جاف وهتفت بتلعثم: يـ، يا، حاجـ، حاجة أنـ، أوقفها قولها الخشن خلافاً لطيبتها المعهودة معها: ولا انتِ ولا مانتيش! الصباح رباح..

هزت رأسها بخفة وصمتت شاعرة بالحزن لتوقفها نادين التي توقفت أمامها بابتسامة ثم قالت برفق وهي تحاوط ليلى: أنا هاخدها وهنام معاها كمان تصبحي على خير، أومأت لها حُسنة بخفة دون أن ترد عليها وذهبت، دلفت مع ليلى غرفتها..

تسطحت ليلي فوق الفراش ودثرت نفسها أسفل الغطاء وظلت هادئة صامتة تنظر باتجاه الشرفة، لتأتي نادين بعد بعض الوقت بعد ان بدلت ملابسها إلى منامة مُريحة، قفزت فوق الفراش وهي تبتسم لـ تبتسم ليلى لها ثم فتحت ذراعها على مصراعيه لـ تستلقي نادين داخل احضانها..
أردفت ليلى بأسف واعتذار وهي تربت على شعرها بحنان: اسفة ياحبيبتي عشان رقصت معاه مكنش ينفع..

هزت نادين رأسها بلا بأس وهي تبتسم وهتفت برقة: محصلش حاجة يا مامي وبعدين انا اللي قولتلك، أومأت ليلى بعبوس ثم قبلت جبهتها برقة وهي تحوطها بقوة وهتفت بحنو: تصبحي علي خير يا حبيبتي..
هزت نادين رأسها بخفة وهي تغلق عينيها بثقل حتى غفيت بالتدريج..

توقفت حُسنة في منتصف الرواق وهي تضع يدها أسفل ذقنها بتعجب تحملق في تلك التي مازالت تقف تشاهد ما يحدث في الأسفل أثناء ذهاب الجميع ونهاية تلك الضجة كأنهُ منزلها!.
صرخت ندى بخضة ممزوجة بألم عندما وجدت صفعة تسقط فوق كتفها مع توبيخها الحاد: انتِ عاتهببي ايه اهنِه يا محروجة انتيّ عايزه دهب تجطع خبرك المرا ديّ ولِّيه اجلبي وغوري من اهنِه! عاودي من موطرح ما جيتي..

خرج عمّار من غرفة والده ممتقع الوجه وهو يكاد يضرب وجهه في الحائط من الغضب، فكيف يخبرها أن تكذب صباحاً وتقول أن زوجها حي؟ لا يهم لا تقول تلك الزيجة لن يسمح أن تتم على أي حال ولديه الكثير من الأسباب..
توقف عن السير عندما أبصر حُسنة تمسك بيّد تلك الفتاة التي تجعد شعرها وتبدو هزيلة قليلاً، يقفان عند الدرج، ندى! تلك اللعينة ماذا تفعل هُنا ولما أتت ومن أدخلها؟ والدها اللعين ذهب لما لِمَ تذهب معه؟

تقدم منهما بملامح متجهمة فهذا اليوم السيء بيّن من بدايته ولن يمُر مرور الكرام قبل أن يقتل أحداٌ..
توقف أمامها وهتف بغضب: ايه اللي جابك اهنِه يابت النتِـ، وتوقفت الكلمات بحلقه عندما عانقته ندى بقوة وهي تذرف دموع التماسيح خاصتها مع قولها بألم: الحجني يا عمّار عدموني من الضرب وجِتتي مش حملاني، شوف وشي اوحمر كيف؟

حرك أهدابه بتعجب وقلبه يخفق بقوة ألا توجد امرأة بريئة قط لا تتلاعب معه بتلك الطريقة؟ هل يعانقها الآن ويطيب خاطرها ببعض الكلمات المعسولة!
يرغب في فعل هذا لكن ان يُريد شيء وأن ينفذ إرادته شيء آخر وهما لا يجتمعان معاً في هذه الحالة!

ابعد يدها عن خصره بحدة ثم دفعها من أمامه وهو يتأفف لـ تترنح إلى الخلف، جحظت عينيها وصرخت بفزع وهي تشعر بقدميها توضع في الفراغ عقبة سقوطها عن الدرج لكن عمّار سحبها من ذراعها بسرعة بديهية جعلها تصطدم بصدره بقوة..
تنفس بعنف وهو يضم قبضتيه بغضب في رغبة لإدخال تلك الرأس اللعينة داخل صدره حتى تتهشم..

سمع صوت نحيبها على صدره وهي تحوط خصره بقوة قائلة بلوم: بجي اكدِه عاتموت اللي عتبجي مرَتك وحبيبتك ودنيتك كُلها يا سيد الناس؟
يا إلهي سوف يبكِ من التأثر!، أطبق جفنيه بنفاذ صبر ثم فتحها بخفة وهو يهدأ نفسه وقلبه اللعين الذي سوف يفضحه بسبب هذا الثوران..

رفع وجهها بين يديه، محي العبرات العالقة بأهدابها بإبهامه بنعومه وهو ينظر لها بثقب وخضراوية تجول على ملامحها باحثاً عن شيءٍ ما معين في وجهها، شيءً لم يستطيع نسيانه قط منذُ أن وقعت عينيه عليها وهو صغير..
دفع وجهها بضجر وهتف بسخط وهو ينظر إلى حُسنة التي كانت تراقبه بثقب وكل تارة وأخري تلوى شدقيها: ديّ جايِه اهنِه ليه؟
كادت تتحدث لكن صوت والده الخشن جعله يلتفت له: اني اللي جولت تاجي..

هتف باعتراض وغضب واضح: مالهاش مكان بيناتنا دلوك! لاهي مرتي ولا خطيبتي ولا اي حاجة واصل تجعد اهنِه ليه؟ ديّ مش عوايدنا ولا عاداتنا وتجاليدنا!

رفع والده حاجبيه وهدر بغضب يسأله وهو يأشر عليه بعصاة: ومن عاداتنا وتجاليدنا انك تجيب خطيبتك وأمها يجعدوا اهنِه جبل الفرح؟ تجاليدنا انك تعمل الشبكِه اهنِه كومان! ولا دول فوج الكون؟ اسمع يا ولدي عشان ماهبحش الرطرطة الكَتير، ثم أشر على ندى وقال بـ بُغض لأنهُ لا يطيقها أيضاً: ديّ عتجعد اهنِه تحت في المطبخ مع صباح وتنام حداها وتفضل ملازماها طول الشهور الجايِه لحد ما تولد ومش عاوز مشاكل وحديت فارغ كيف النساوين مفهوم؟

ضغط عمّار على اسنانه من الداخل بغضب ولم يرد عليه لـ يضرب والده عصاه أرضاً بغضب وهدر بصوت جهوري: مـفـهـوم!
رد بدون تعبير على مضض بصعوبة كـ صعوبة قوله آسف: مفهوم، ثم صرخ بـ ندي فجأه جعلها تنتفض: مش جال المطبخ واجفة كيف الفزاعة اكدِه ليه؟ غوري عالمطبخ واياك انضرك اهنِه ولا اهنِه، أومأت سريعاً وهي تنظر له ثم هبطت الدرج بخطوات متعثرة كادت تسقطها أكثر من مرة..

ألقي متولي نظرة مُحذرة إلى عمّار علم مغزاها جيّداً قبل أن يختفي عن وقع أنظاره ثم دلف إلى غرفته دون أن يضيف كلمة..
تقدمت حُسنة منهُ، ربتت على صدره بحنان وهتفت مواسية: معلهش يا حبيبى متزعِلش نفسك وروح نام دلوك وريح حالك يلا..
أومأ بخفه وقال بهدوء: أني خارج عشان مخنوج شوية وبعدين هنعس تصبحي على خير، وتركها وهبط الدرج..
ردت بحنان وهي تراقب ذهابه: وانت من اهل الخير ياولدي..

توقف أمام سيارته وهو يتنفس باختناق، فتح باب السيارة وكاد يستقلها لكن استوقفه سماع صوت رجل يهتف بإسمه..
توقف وصفق الباب بضيق ثم استدار لـ يجد طلعت يهرول تجاهه، هذا لايبدو خيراً بتاتاً، وهو يرغب في القتل اليوم، هل يا تري أتى كي يرجع قطعة الأثار التي أخذها صباحاً؟
توقف أمامه لاهثاً ثم أردف بابتسامة وحماس تعجب عمّار منه: عمّار، عمّار، كُنت عايزك في موضوع اكدِه..

هز رأسه موافقاً وهو يتفحصه بنظراته ثم قال باستعجال: بسرعة الله يرضى عليك عشان مش فايج..
تبدلت ملامحه الي حزينة وهتف بصوت خفيض: خلاص اجيك وجت تاني، ما هذا الاستفزاز هل ينقصه؟، ضرب عمّار السيارة بقبضته بغضب أفزعه وهتف بحدة: احنا هنلعبوا ولِّيه خلصني!
أومأ بارتباك وهتف بتردد: أني، أني، طالب، الجورب منيك..

فغر فاهه بتعجب ثم نظر إليه وإلى المسافة التي بينهم وهتف باستفهام: ما انت جريب اهه؟ عاوز تجرب أكتر من إكدِه ايه؟
ضحك طلعت بخفة وهو يعدل عمامته ثم أعاد ببعض الإرتباك كـ صبي يافع جعله يتعجب حقاً! ما هذا الآن؟: بجول طالب الجورب منيك يا عمّار؟!
ضرب كفيه معاه وهتف بعصبية: انت اكدِه بَعيد اجيبك علي حجري عشان تِجرِب يعني؟
ضرب طلعت كتفه وهو يضحك بتقطع كـ الثمالي جعله يرغب في البصق عليه بشدّة..

هتف طلعت بصوتٍ منخفض كي لا يسمعه أحداً غيره وهو يبتسم: أني اتصرفت وبعت حِته الأثار..
أومأ له عمّار وهو يبتسم باصفرار ينتظر بقية الحديث ليتابع: وبيني وبينك اكدِه يا عمّار عايز اتجوز عشان زهوجت اهي حاجة تخليني مبسوط وتعوضني عن المرار الطافح اللي شوفته! عشان اكدِه عاجولك اني جيت عشان اناسبك..
قطب عمّار حاجبيه بعدم فهم وهو يراجع عدد الفتيات داخل عائلته رُبما يملك ابنه عم أخرى بسن الزواج ولا يعلم!

هتف عمّار باستفهام وهو يضيق عينيه عاقداً يديه أمام صدر: عاوز تتجوزني ولِّيه؟
ضحك طلعت وضرب صدره بخفه وهتف بابتسامه: أه منك يا عمّار، علي العموم أني كُنت جُوِه وشوفتك وانت بترجص وعرفت ان الوظووظة اللي رجصت معاك تبجي حماتك و جيت أطلبها منيك..
اسودت عينيه وانقبضت عضلات صدره ونفرت عروقه وهو يصك أسنانه مستمعاً إلي قول اللعين الذي يرغب في الموت؟، تلك الليلة الغابرة التي لن تمر مُرور الكِرام..

تابع طلعت بنفس الابتسامة التي أصبحت بغيضة بنظر عمّار وهو يراه الآن: وعارف انك عتوافق وماتردليش طلب واصل صوح يا ابن الغالي!
يا إلهي انه يرغب في الموت؟ هل أصابه الخرف مُبكراً هو ووالدهُ؟، هل هُناك المزيد منهم؟ الجميع في هذا السن يصيبه الخرف لا حرج عليهم، لكنه سيقطع قدم تلك اللعينة عندما يراها..

انتفض جسد طلعت عندما قبض عمّار على كتفه بقوة غارزاً أنامله داخل كتفه بعنف وهدر من بين أسنانه بخشونة: عاتخرف وتجول ايه يا مسوَس يا مخوِخ انتِه جواز ايه دِيه يالي يجيك خابط ياخد خبرك! اتجنيت ولِّيه؟ ده انت باللمس!
شحب وجهه وهتف بخوف وهو يبرر بتلعثم: ايه، ايه، حوصول بس لكل دِيه؟ أني وربي عجلعها وعتبجي سِت الناس كُلهم، يا إلهي سيقتله إن لم يتوقف؟.

تابع بخوف وهو يبرر عندما ازدادت نظراته قتامة وخطورة: الآثار ديّ بِعتها بفلوس كَتير و، و، وصمت عندنا صرخ به بنبرة جهورية غاصبة أرعدته وهو يهزه من ملابسه بين يديه: اني عطيتك الآثار لجل الجواز ولِّيه؟
هتف بنبرة مرتجفة خائفة: اومال ايه بس؟

أخرج عمّار مسدسه من جيب عباءته بغضب وصوب أرضاً بين قدميه جعله يقفز إلى الخلف بخوف وهو يقول بتهكم: عطيتك الأثار عشان تديها لـ مَرَتك وتحطها في النيش جنب الصيني اللي عاتموت وعمرك ماهتطفح فيه؟ عِرفت ليه؟، هز رأسه سريعاً بخوف وهو يعود الي الخلف لاعناً حياته وتفكيره بها، بينما عمّار كان ومازال يتقدم منه ولم يتوقف عن اطلاق الرصاص جانب قدميه وهو يوبخه كأنه طلب ما هو مُحرم!، نعم هذا مُحرم بالنسبةِ له..

هتف بترجي ووجه باكِ وهو يتعثر في طرف عباءته بسبب تقهقره إلى الخلف: بزيداك عاد مش عاتجوز مش عاوز..

هتف عمّار بتهكم وهو يتقدم منه بتهجم بنظراتٍ أقسمته نصفين لأنه غبي بسبب قوله هذا في أكثر أوقاته غضباً: لا ونبي تجوز، بجولك ايه يا راجل يا خرفان انتِه ترجِع الآثار ديّ وتِرجع لـ بيتك وولادك يا شايب يا عايب ده انت جربت تموت! مَهمِل ولادك دول لمين؟ دول خمس بلاوي فوج دماغك وجاي تفكر في الجواز؟ اجطعلك الخلف دلوك ولا اعمل فيك ايه؟ جول يا بلاص الطين؟!

هز رأسه بطاعة وخوف وهتف بحلق جاف ونبرة مرتجفة منخفضة بالكاد خرجت وهو يقول بترجي: حاضر راجع راجع وعحط الآثار في النيش والنِعمة عحطها بس هملني وانسي اني طلبت حاجة واصل..
توقف زافراً وجسده يتصبب عرقاً من شدة انفعاله ثم قال بحدة شديدة ووجه ممتقع: إجلب من جِدامي..
أومأ بخوف وهو ينظر له بجزع وأعين زائغة ثم رفع طرف عباءته وركض فاراً من هنا بسرعة البرق..

جأر عمّار بصوتٍ مكتوم وهو يفرغ بقية الرصاص المتبقي الهواء بغضب وصاح بصوتٍ صخري: مين تانى عاوز يتجوز حماتي يا ولاد الجزمِية جاكم عزرائيل يلمكم كلكم في جبر واحد..

هز رأسه بخفة مستنكراً هذا القول وهو يحدق بـ جـنّـة التي كانت قبضتها تشتد حول رقبته بخوفٍ أكثر فأكثر، كيف يحدث هذا في فُندق مشهور مثل هذا الفُندق؟ كيف؟.

أخذها إلى الأسفل في هذا الضجيج والزحام، الشرطة في كل مكان تسأل هذا وتحقق مع هذا باستفهام، لـ يأتي ذلك الرجل ركضاً من الأعلى بِـ منشفته خوفاً والذعر بيّن على ملامحة ومازال جسده مُبلل، ومجموعة من الرجال يبدو عليهم الثراء ويُهيئ له أنهم من الحفل يقفون يتحدثون بِـ خفوت مع بعضهم البعض..
تقدم من موظف الإستقبال وطلب غرفة لكنه رفض لأن الأجواء لا تسمح ولا يسمح له فعل هذا الآن..

ترجاه بـ حزنٍ وهو يتطلع إلي حاله جـنّـة التي لا تسُر لأنهُ بحاجة إلى غُرفة حقاً..

هز موظف الإستقبال رأسه بأسفٍ له، تنهد جاسم بحيرة وهو يتلفت حوله ولا يعلم ماذا يفعل وهي توشك على فقدان وعيها وسط صوت الأُناس الذي يشعره أنه سقط داخل خلية نحل من قوة الصوت و التمتمات والغمغمات التي لم يفهم منها حرفًا واحد، نظر له موظف الأستقبال وهو يتنهد شاعراً بتأنيب الضمير، لما لا يعطية غرفة لن يعرف أحداً ولن ينتبه له!، إستسلم وقام بإعطائه مفتاح وهو يهز كتفيه بقلة حيلة..

تهللت أساريره وهو يبتسم بامتنان ثم شكره وتحرك في البهو المزدحم وصعد الدرج بخطواتٍ سريعة ذاهبًا تجاه الغُرفة مباشرةً بعيدًا عن الأنظار..
سطحها على الفراش برقة ثم جلس بجانبها على طرف الفراش وأخذ يربت على رأسها بحنو حتى هدأت وتوقفت عن النحيب وغفيت، دثرها أسفل الغطاء جيّداً ثم ترك الغرفة وغادر كي يرى ما يحدث في الأسفل..
لدي عشق..

كانت نائمة بعمق تشعر بالدفء يغمرها و يحوطها من كل اتجاه لكن ذلك الدفء شوبته البرودة وتحول إلى ظلام حالك بسبب رؤيتها لكابوسًا جعلها تنتفض بفزع وهي تزدرد ريقها بحلق جاف تتنفس بعنف وجسدها يتصبب عرقًا بغزارة..

قطبت حاجبيها بريبة وهي تلتقط أنفاسها عندما شعرت بيدٍ دافئة تحاوط خصرها، الغُرفة مُظلمة لا ترى شيء حولها، مدت يدها على الكومود بتروي وحذر، فتحت إضاءه خافته لـ تتبين لها ملامحه الهادئة وهو مستغرقًا في النوم، إنه قُصيّ هُنا معها، زفرت براحه ثم ابتسمت وعادت إلى الأستلقاء ودفنت نفسها داخل أحضانه فهي علمت الآن من أين كان يأتيها الدفء..

أراحت رأسها على صدره لبعض الوقت كي تغفي لكنها اكتفت من النوم وتشعر بالراحة، أبعدت رأسها إلى الخلف و ظلت تتأمله بابتسامة ناعمة ولم تستطع مقاومة أو كبح رغبتها في الشعور بتقاسيم وجهه..

رفعت أناملها ببطء لتهبط على وجنته الخشنة إثر منابت شعر ذقنه، داعبتها بنعومه بكل راحة للمرأة لا تعرف كم عددها لكنها تعرف أنها ليست حركة اعتيادية تفعلها كلما أرادت مثلما تشاء لا! فهو مغرور ولا تستطيع أن تفعل هذا وهو مستيقظ بسبب سخريته التي تجرحها! هي فقط تسرق مثل تلك اللحظات وحدها تعبث بوجهه كُلما سنحت لها الفًرصة وهو غافياً..

ابتسمت بنعومة ثم قبلت شفتيه بسطحية وظلت تتأمله و يدها مستمرة في مداعبة وجهه برقه حتى شردت وظلت يدها تتحرك على وجهه ببطء، توقفت يدها عن التحرك وهي تتنهد ثم نظرت له مجدداً وهي تقوس شفتيها، وعندما طال سكون يدها ولن تعد تتحرك على وجهه حرك يديه علي خصرها بنعومه وهتف بمشاكسه وابتسامة جانبية اعتلت ثغرة: خلصتي خلاص أفتّح؟!

شهقت بخفه مع توسع عينيها بتفاجئ، هل كان مستيقظ كل هذا الوقت؟ ومسبقًا هل كان يتصنع النوم أيضاً؟، كالمُخادع!

تقلبت إلى الجهة الأخرى بلطافة وهي تقوس شفتيها جعلته يضحك وهو يضع يده أسفل خصرها ثم سحبها وأعادها داخل أحضانه وعانقها بحنان وبدأ يدلك رأسها بأطراف أنامله برقة لـ تستكين على صدره وظلت صامتة قليلاً ثم ضحكت فجأه جعلته يتعجب وقبل أن يسألها ما المضحك وجدها تتساءل: مش إحنا اتخنقنا وكنا هنضرب بعض شويه كمان جي تنام في حضني دلوقتي ليه؟!
اعتلي ثغره ابتسامة ماكرة ثم قال بغرور: إنتِ إللي في حضني مش أنا..

قرصت صدره بغل وهذا جعله يضحك ببحة رجولية، فهو مُنذُ الصباح لم يكف عن مضايقتها بتلك الطريقة وذلك الاستفزاز..
قبل رأسها بعمق وحنان ثم تحدث بهدوء: عشان أنا قلبي أبيض وبنسي بسرعه عرفتي ليه أنا هنا مش مهم عملنا إيه وكُنا إيه المهم دلوقتي بقينا ايه فهمتي؟!
أومأت بخفة وهي تبتسم تراجع تلك الكلمات داخل رأسها وهي تفكر حتى سألها هو فجأه: مفكرتيش تشقري شعرك قبل كده؟!

هزت رأسها بنفي وهي تقوس شفتيها بتقزز ثم تساءلت بشك وهي ترفع نظرها له بنظرات مُتهمة: ليه؟!
أجابها ببساطه وكل صراحه: أصل كان في بنت شقره حلوه كانت واقفه قدام باب الحمام بتاع الرجال لسبب لا يعلمه الا الله! وكانت لابسه احمر..
تهجمت ملامحها و احتقن وجهها بغضب ثم تساءلت بأعصاب مشدودة: وبعدين؟!
إبتسم بخبث وأردف بمكرٍ شديد وهو يضم خصرها إليه أكثر: هعمل إيه يعني خدتها جوا الحمام ونزلت فيها بوس..

انتصبت جالسه وعقدت يديها أمام صدرها بوجوم و نظرت له بتفحص وثقب تبحث في وجهه عن كذبه أو مزحة لكنه يتحدث بجدية وهذا جعلها تتساءل بعصبية: وبوستها إزاي بقي إنشاء الله؟!
أردف بابتسامة وديعة وهو يحرك أهدابه: زي الناس!
ابتسمت بعصبية وهي تقطب حاجبيها وأعادت من بين أسنانها ولا تُريد التصديق: يعني إيه بوستها؟!
رفع حاجبيه وسألها باستنكار: يعني بوستها! إيه إللي مش مفهوم؟!

علت وتيرة أنفاسها بانفعال وسألته بأعين جاحظة: وده حصل إزاي؟!
إبتسم بخبث ثم قلبها وجثم فوقها وهتف وهو يتأمل فيروزتيها قبل أن يقبلها: حصل كده أهو، وقبلها عدة قبلات متفرقة في أنحاء وجهها حتى دفعته عنها بضيق واعتدلت جالسة وتساءلت بعصبية وهي تضرب صدره: بقولك إزاي! إنت إزاي تعمل كده! مش فاهمه إنت إيه؟!

شرد قليلاٌ وهو يقطب حاجبيه يفكر بقولها ثم أردف: أنا إنسان أنا إيه؟!، صرخت بصوت مكتوم وقرصت وجنته بقسوة من غيظها جعلته يتأوه وهي تقول باستنكار: ده إنت أكتر حد بجح ممكن أشوفه في حياتي يا بجح يا مستفز..

قهقهة وهو ينظر لها بعبث ثم هدر كي يغيظها: بس بتحبيني موت، وأخرج لسانه لها بنهاية حديثه، قضمت شفتها بغيظ وهي تقف على ركبتيها ثم رفعت يديها، قبضت على شعرة بقوة وقبل أن تشده وجدت باب الغرفة يصفع بعنف أصدر ضجيجاً عنيفًا جعلها تهلع من قبل أحد الضباط الذي تساءل بعد دخوله برسمية ووجوم: إنت قُصيّ رشدان؟!

وقف عن الفراش وهو يومئ بتعجب ثم إرتدي سترته التي كان يضعها على إحدى المقاعد تحت نظرات عشق الخائفة والقلقة وارتفاع ضجيج قلبها خوفًا عليه، فأكمل الضابط قوله باستفهام: إنت كنت مع شاهي من ساعه في الحمام مظبوط الكلام ده؟!، قطب حاجبيه بتفكير ثم قال مبرراً: أنا كنت مع واحدة معرفش اسمها ايه بس كُنت في الحمام!.
هز الضابط رأسه بخفة ثم أمر الحارسين الواقفين خلفه بحزم: خُدوه..

تقدما منه، قيد أحدهما يديه بخشونة والأخر أخذه، هتف بتعجب وهو يسير معهم: أنتوا بتقبضوا على إللي بيبوس اليومين دول ولا في إيه؟!
لم يرد أحداً عليه فتساءلت عشق بقلق وأعين دامعة: هو عمل إيه وحصل إيه؟!

رد الضابط بإيجاز وتهجم كأنه يتحدث عن رجل مُجرد من الإنسانية: لقينا المجني عليها مذبوحة في الحمام، شهقت بقوه وجحظت عيناها وهي تضع يدها على فمها بتفاجئ بينما قُصيّ قطب حاجبيه تعجبًا وهو يهز رأسه باستنكار وكاد يتحدث لكن عشق قاطعته عندما قالت بنبرة تحمل بطياتها الرجاء وهي تكاد تبكِ: سيبوه هو معملش حاجه هو باسها بس و لسه قايلى كده دلوقتي؟!.

أطبق جفنيه وهو يهز رأسه بأسف ثم هتف بقلق: أسكتي لتبقي جريمه قتل وإغتصاب مش ناقصه..
سألها الضابط بشك وهو يمسحها بنظراتٍ شملتها من أعلاها لأخمص قدميها: وإنتِ مين؟!
ازدردت ريقها وهي تزيح خصلاتها خلف أذنها ولا تعلم ماذا تقول لكنها قالت بارتباك وهي تتجنب النظر إلى قُصيّ تعبث بأناملها بتوتر: جـنّـة رشدان مراته..

ضحك قُصيّ بتسلية وأردف وهو يحرك يده التي يقيدها الرجلان بذلك الكلبش: بتستغلي إنتِ الفُرص في الوقت المناسب، ثم تابع موجهاً حديثه إلى الضابط: أكيد في سوء تفاهم حضرتك عشان لو قتلتها مكُنتش هسيب ورايا دليل علي الأقل همشي من الفندق ومش هبقي معاها هنا؟!
رد الضابط ساخرًا وهو يضع يده داخل جيب بنطاله: وليه ميكُنش كُل ده تمويه عشان محدش يِشُك فيه خدوه..

تنهد بضيق ثم نظر إلى عشق مراقبًا عينيها التي إغرورت بالدموع، إبتسم لها و هتف بنبرة مطمئنة وهو يهز رأسه: متقلقيش هبقى كويس و متجيش ورايا متجيش ورايا يا عشق..
أشر لهم الضابط بيده كي يتوقفوا فتوقفوا ثم تساءل بشك: مش قولتي اسمك جـنّـة بيقولك يا عشق ليه؟!
كتمت أنفاسها بانفعال وجالت عينيها بأنحاء الغرفة وقبل أن تتحدث تحدث قُصيّ بتهكم: بدلع مراتي بقولها يا عشق هتقبضوا عليها هي كمان عشان بتدلع؟!

نظر له الضابط بشك وهتف بتهكم: وليه متقولش شريكتك؟!
نظر قُصيّ إلى الضابط بدون تعبير ثم قال إلى الحارسين بجدية: أقبض عليها و هاتها هاتها هي كمان معايا بالمره هاتها..
أمرها الضابط بلهجة آمرة قبل أن يذهب: هاتي عنوانك عشان نعرف نوصلك في أي وقت..

ردت بهدوء وهي تبتسم ببلاهة: لا متقلقش هتلاقيني معاكم علي طول مشــ، وصمتت عندما رأت نظرته الحادة الغاضبة فتابعت بتوتر: حاضر يا باشا، وقامت بكتابته له بهدوء، أخذه من بين يديها ثم أخذ قُصيّ وذهب تحت نظراتها الحزينة الممزوجة بالقلق والخوف..

كان البهو مزدحماً من كثرة الأشخاص الذين كانوا بالحفل، انخفض صوت ثرثرتهم المرتفع المزعج فجأه عندما وجدوا قُصيّ مُكبل اليدين يسير معهم بثقه يبتسم بكل هدوء كأنه ذاهباً كي يتكرم في أحد الحفلات وما جعل إبتسامته تتسع أكثر رؤيته لـ جاسم يقف وبجانبه سامي مُشوه الوجه!، لوح لهم وهو يبتسم ابتسامة غريبة كأنه وجد أصدقائه حتي اختفي تمامًا عن وقع أنظارهم وتم فتح الأبواب ليذهب الجميع..

أشر جاسم عليه وهتف بتشوش واستفهام وهو يقطب حاجبيه: يعني إيه الكلام ده؟!
تحرك سامي بملامح غاضبه كالجحيم وهتف بخشونه: يعني هو إللي قتلها، أمسك جاسم يده جعله يقف وهتف باستفهام وقلق وكأنه لم يضربه منذ قليل: إستني إنت رايح فين؟!
هتف بعصبيه وهو يدفع يده: رايح وراهم عشان لو هو فعلاً إللي قتلها مش هرحمه دي كانت أختي فاهم!.
أوقفه مجدداً بقوله وهو يفكر: إستني هاجي معاك..

رفض بتهكم وهو ينظر له بغضب: لا خليك مع عشق اللي بقت جـنّـة وسبني لوحدي، لا يوجد ما هو أقوى وأكثر صراحة من هذا التلميح! لكن جاسم غبي لا يسمع، أو انه مثير إلى الشفقة بذلك القدر الذي يجعله لا يستطيع البحث عن الحقائق كي لا يخسرها!.

تركه سامى وغادر، مرّر يده على وجهه بعصبيه ثم اتجه إلى المصعد كي يأخذ جـنّـة ويذهب لكن مع دخوله إلي المصعد إصطدمت فتاةٍ ما بصدره ثم اعتذرت سريعاً بصوت مهزوز دون أن ترفع وجهها: آسفه، وتابعت سيرها بهدوء، قطب حاجبيه وخرج خلفها، ظل يحدق بظهرها ولم تختفي تقطيبه حاجبيه بعد لكن شكه بهيئتها جعله يأخذ خطوة إلى الأمام كي يذهب خلفها، أوقفه صوت إحدي الرجال من المصعد قبل أن يتحرك: الأسانسير هيقفل، أومأ له بخفة ومازال نظره معلق عليها وعلى طريقة سيرها بتفكير ثم استقل المصعد وهو يمسد جبهته بتعب..

توقفت عشق أمام الفندق وهي تلتفت حولها وضربات قلبها تكاد تهشم قفصها الصدري من الخوف والقلق في أنٍ واحد، جاسم ماذا يفعل هُنا؟ هل تعرف عليها؟ هل جاء للبحث عنها وسوف يأخذها؟ ماذا ستفعل؟ كيف ستواجهه؟.
توقفت تبحث عن أي سيارة أجرة تستقلها لكن ما أرعبها حقاً وجعل الدماء تجف داخل عروقها سماع صوت سامي البغيض يهتف بإسمها: عشق، عشق، عشق.

شحب وجهها وتجمدت شفتيها غير قادرة على النطق كأنها شُلت مع تيبس قدميها أرضًا عاجزة عن التحرك خطوة واحدة، لكن كل ذرة بجسدها كانت ترتعد من الخوف..
حركت شفتيها بصعوبة بالغة كأنها تجاهد لتفعل هذا ثم همست بنبرة خرجت مرتجفه: سامي!

أغلق باب سيارته بعد إن كاد يستقلها، تقدم منها بحماس كأنه وجد كنزه الثمين لكن كل هذا ذهب هباءًا عندما وجدها توقفت بمنتصف الطريق وظلت تلوح بيدها وهي تهتف بنبرة شوبها اليأس: تاكس تاكس..

توسعت عينيه وركض خلفها كي يلحق بها وهو يهتف بـ تحذير ووعيد: عشق لأ متهربيش تاني هجيبك عشق، لكنها استقلت سيارة الأجرة سريعاً وهتفت بخوف من بين أنفاسها المتسارعة وهي تنظر من النافذه تراقب ركضه اتجاهها: أمشي بسرعه بسرعه..

تحرك السائق سريعاً بالسيارة واختفت عن وقع أنظاره، ركل إطار السيارة التي كانت أمامه بغضب ثم عاد ركضًا إلى سيارته وقاد بسرعه وملامح متهجمه وهو يقبض على المقود بقوة وعيونه غائمة في سواد دامس من الغضب وكل ما كان يُردده هو وعيده لها إن وقعت بين يداه..
لدي جاسم..
دلف علي والدته وهو يحمل جـنّـة الغافية بين يديه، شهقت روحية بخضة وخوف، هرولت له وسألته بقلق: مالها في إيه حصل إيه؟

رد بهدوء وهو يطمئنها: مفيش هي تعبت بس شويه ونامت هطلعها أوضتها وجي..
أمام مركز الشرطة..
توقفت سيارة الأجرة أمام مركز الشرطة الذي عرفته بالصدفة بسبب ازدحام الطريق ورؤيتها السيارة التي أخذت قُصيّ، وأمرت السائق أن يتبعها بهدوء، ترجلت منها بارتباك ثم قضمت شفتها بقهر عندما أدركت أنها لا تملك نقود ماذا ستفعل الآن؟!
لكن يبدو أنها ليست الوحيدة التي كانت تتبع سيارة الشرطة..

نظرت إلى السائق عبر النافذة ثم هتفت بتلعثم: أنا، أنا، أنا، ثم صمتت ولا تعلم ماذا تقول ليرفع السائق حاجبيه وهو ينظر لها، زفر ورفعت جسدها عن السيارة ثم رفعت يدها إلى أذنها بقهر وخلعت قرط والدتها بحزن فيبدو أنها لن تستطيع البقاء عليه كيثراً، انشغلت بخلعه وبعد أن نزعته كي تعطيه له وجدت هواء قوي لفحها أثر تحرك السيارة وذهابها نهائياً، فغرت فمها وهي تنظر إلى الطريق الذي أصبح فارغ امامها، تعجبت وهي تبحث عنه بعينيها لكنها لم تجده!، هزت كتفيها بقلة حيله وعدم إهتمام لكنها لم تخفي سعادتها لأنها لم تتخلي عن ممتلكاتها..

ارتدته من جديد وهي تبتسم ثم التفتت كي تذهب لكنها شهقت بخوف وتقهقرت إلى الخلف بترنح عندما وجدت سامي يقف أمامها، مُشوه الوجه كم بدي مخيفاً مع هذه الجروح التي ستترك ندباً لا محالة، تعثرت وكادت تسقط لكنه التقط خصرها وهو يبتسم بخبث، وجهه مع تلك الإبتسامة يا الهي يشبه الدُمية القاتلة، رفعها بخفه لتقف باستقامة وأردف أمام وجهها الذي شحب وأصفر: عشق، وحشتيني، ثم عانقها تحت تجمدها كإحدي تماثيل الشمع دون أن ترمش حتى قرص وجنتها وتحدث بتسلية وهو يراقب حركة عنقها و ازدرائها ريقها بخوف: مالك خايفه كده ليه؟ كأنك عشمتيني بحاجة وهربتي! علي العموم هنتكلم بعدين لكن دلوقتي، وحاوط كتفيها بقوة جعلها تئن من الألم وهو يبتسم بـ غِل وتابع: ندخل نطمن علي حبيب القلب قُصيّ الأول يلا بينا؟!

أردفت بنبرة مرتجفة هامسة بالكاد خرجت من حلقها الجاف وهي على وشك أن تفقد وعيها قبل أن يتحرك: ســ، سا، سامي، أنـ، ا، أنا، لكنه عانقها بغتة ودفن رأسها بصدره بقوة وغليل كتم أنفاسها كادت أن تختنق أثرها..
تحدث وهو يسند ذقنه فوق رأسها ومازال يدفن وجهها داخل صدره بقوة قاتله: هششش هششش مش وقت كلام مش وقت كلام..

فصل العناق لتشهق وهي تلتقط أنفاسها بوجه محتقن مختنق، كوب وجهها بين يديه تحت شهقتها بخوف و ارتجاف جسدها، حرك إبهامه على وجنتها بنعومه وأسند جبينه على جبينها وهتف وهو يطبق جفنيه بقوة يستنشق الهواء الممزوج برائحتها بانتشاء وهو يقول بهمسٍ: ماتخافيش مش هأذيكِ مش هأذيكِ ها!.
هزت رأسها موافقة سريعاً وقلبها يرتعد خوفًا.

وهي على وشك الإنهيار بين يديه لكنها عاجزة حتى عن فعل هذا لأنها لا تعلم ما قد يفعله بها إن استسلمت، ليتابع بتهديد: بس هأذيكِ لما متسمعيش الكلام فاهمه؟!، هزت رأسها و مقلتيها تهتز من الخوف فابتسم برضا ثم إبتعد وأمسك يدها ودلف داخل مركز الشرطة وهي خلفه تجر قدميها غير قادرة على السير وكم تمنت لو لم تأتي فهاهي الآن سقطت بيد مريضٍ لن يتركها، غبية لما أتت؟ هل قُصيّ صغير؟ أم إنها هي من ستخرجه إن بكيت في الداخل!

زفر للمرة الألف وهو يشعل لِفافة التبغ خاصته، وضعها بين شفتيه واستنشقها بعصبية ثم نفث الدخان بوجهه قُصيّ ببرود..
سعل قُصيّ باختناق وهو يتذكر عشق ثم سأله باستفهام و استياء: مش بتجيبها بطعم الفراولة ليه دُخانها ألطف شوية؟، ألقى الضابط هاتفه بغضب ونفاذ صبر على جدار المكتب وهو يدحجه بنظراتٍ نارية مشتعلة هذا القاتل المتبجح!.

تابع قُصيّ وهو ينصحه كأنه صديقه: مش مُضرة لصحتك دي برده يا باشا؟ متحرقش سجاير كتير عشان صحتك هات كام مجرم من عندك من الحجز وانزل فيهم ضرب لحد ما ترتاح! أنا لو مكانك هعمل كده بطل تدخين عشان مصر..
ضحك الضابط بتسلية وهو يرفع حاجبيه ثم أطفئها وهو يهز رأسه وأردف بخشونة وهو يقف تاركاً المكتب وجلس على المقعد المقابل لـ قُصيّ: عندك حق ونصيحتك دي هنفذها عليك دلوقتي لو متكلمتش وقولت قتلتها ليه وإزاي؟!

أومأ قُصيّ وتحدث بهدوء: بُص ياباشا أولاً كده أنا واحد ليا اسمي وسمعتي وأنا ساكت عن كل ده وسبتكم تاخدوني قدام الناس كلها وعادي ومقولتش حاجة تقديراً ليك ولظروف شغلك وواجبك تجاه البنت اللى ماتت لكن ما تزودهاش بالطريقه دي وتقول أني قتلتها!

تحدث الضابط بسخط وهو ينظر له: وأنا ميشغلنيش أسمك ولا سمعتك ولا إنت إيه أصلاً أنا ليا إنك هنا دلوقتي معايا في القسم ده وطالما إنت معايا دلوقتي تبقى مجرم وقاتل وملكش إسم غير كده؟!.

زفر قُصيّ ومرر يده على وجهه وهو يتنفس بنفاذ صبر: أنا معرفهاش دي أول مره أشوفها ومش معنى إن أنا كنت معاها في نفس يوم موتها يبقى أنا القاتل معنديش أي دافع يخليني أقتلها هي مين أصلاً دي عشان تستفزني وتخليني أقتلها! أنا محدش يقدر يستفزني وأنا مش قاتل عشان أقتلها لو استفزتني برده!.
ضحك الضابط وهدر وهو يأشر عليه: أهو غرورك وثقتك دي هتخليك تطول معانا هنا..

أسند قُصيّ ظهره على المقعد براحه ووضع ساق فوق الأخرى بعدم اهتمام وتمني لو يعقد يديه أمام صدره لكنها مكبلة ولا يستطيع، هز كتفيه بقله حيله وظل ملتزم الصمت..
تنهد الضابط بعصبيه ثم ركل ساقه بقسوة أسقطها، ووضع هو ساق فوق الأخرى وأرح ظهره علي المقعد وظل جالس يحدق به بثقب كي يفهم هذا القاتل وهما يتبادلانِ النظرات معاً بتحدي..

قاطعه العسكري الذي دلف وتحدث باحترام: في إثنين برا يا باشا عايزين يقابلوا حضرتك، أومأ الضابط وأشر له بالموافقة، فخرج وأذن لهم بالدخول..
أبعد الضابط نظرة عن وجه قُصيّ ونظر إتجاه سامي الذي دلف بملامح متجهمة كـ هجومه على قُصيّ ورفعة من حاشية ملابسه بعنف وهو يزمجر بخشونة، جعل عشق ترتعب وهي تقف بجانب الباب تضم جسدها بخوف وهي تراقبهم..

هدر قُصيّ باستياء وهو يحدق بيد سامي التي تقبض على قميصه: كده كرمشتلي القميص ينفع كده يا باشا؟
استأذن سامي من الضابط باحترام وهو يحاول التحكم في أعصابه: لو سمحت ممكن تسيبنا لوحدنا شويه مش هأذيه..
ضحك الضابط بسخرية وهدر بتهكم: إيه الثقه اللي انتوا فيها دي؟! انت فاكرة في اوضة الناظر ولا ايه؟ ده مجرم ولو متكلمش هرمية في الحجز دلوقتي..

فأعاد سامي بترجي وهو يبتسم بعصبية: معلش لازم أتكلم معاه، زفر وترك الغرفه وهو ينظر إلى عشق بنظراتٍ متفحصة منزعجة فابتعدت عن الطريق سريعاً عندما انتبهت ووجدته يقف أمامها يتنفس بنفاذ صبر..
دفعه سامي بعنف أسقطه فوق المقعد من جديد، زفر قُصيّ بضجر وهتف بامتعاض: إنت جاي تفرهضني ولا إيه؟!، ثم نظر بالاتجاه الآخر فقطب حاجبيه و هتف بتعجب: عشق بتعملي إيه هنا؟

كادت تتحدث لكن سامي ابتسم بخبث وتقدم منها، حاوط كتفيها بقوة وتحدث بابتسامه: مفجأه مش كده؟!
ضحك قُصيّ وهتف باستخفاف وهو يلوح بيده أثناء حديثه: لا مش مفاجأه ولا حاجة أنا كنت نايم في حضنها قبل ما يخدوني تقريباً مُدمرين اللحظات مش كده؟!

صك سامي علي أسنانه من الغيظ وهو يقبض على كتفيها غارزًا أنامله داخلها بقوة دون أن يدري جعلها تتأوه بألم، حذره قُصيّ بغضب وهو يأشر علي يده: براحه على كتفها هتمسح الحِنه مش كده؟ هي اتمسحت وانتِ نايمة في حضني صح؟!
ضحك سامي بعصبيه من كم الاستفزاز والبرود في حديثة هو حتى لم يخبره أن يبتعد عنها!، التقط أنفاسه بغضب وتركها ثم هتف بابتسامه مصطنعه: ماشي، قتلت شاهي ليه؟!

هز قُصيّ رأسه بأسى وهتف بدراميه: صدقني مقتلتهاش دي أجمل من إني أقتلها أنا بوستها بس..
فأعاد سامي باستفهام وهو يضم قبضتيه بغضب: ليه برده؟.

مرر قُصيّ لسانه على طرف شفتيه ثم قال وهو يضيق عيناه بتفكير مبتسماً بهدوء: كانت شقره وكده وأنا الصراحه بحب الفواتح، ثم حرك رأسه للجانب وتابع وهو ينظر إلى عشق التي تحدق به بدون تعبير: متزعليش انا برده بحب الغوامق، وغمز بنهاية حديثه وهو يقهقة ليدخل الضابط بذلك الوقت وهتف بسخرية: إنتوا بتتكلموا في إيه؟!

تحدث قُصيّ بهدوء: كنت لسه هقول إسم المحامي إللي أنا عاوزه بس سامي صديقي مش سامي برده! هيعمل اللي عليه وزياده شويه مش كده؟!
أبعد سامي نظره عنه وهو يتنفس بعنف ويدعو أن يظل صامداً أمام ذلك المستفز وألا يقتلهُ الآن وهُنا أمام الجميع..
قام سامي بسؤال الضابط باحترام: وصلتوا لحاجه؟!
تحدث بهدوء وهو ينظر الي قُصيّ: شوفنا تسجيلا الكاميرا وللأسف بعد ما سابها وخرج الكاميرا فصلت..

فسخر قُصيّ قائلاً: وبكده أكون أنا القاتل؟! مفيش بصمات مفيش شهود مفيش أي حاجه خالص! علي العموم أنا هفضل معاكم ولما تعرفوا إني معملتش حاجه قولولي عشان سعتها مش هسكت علي سمعتي إللي ضيعتوها دي..
تحدث الضابط باستهزاء متهكمًا: سمعتك! خايف على سمعتك ومش خايف على مشاعر مراتك إللى عمال تقول قدامها بكل بجاحه إنك بوستها!

إنفجر سامي ضحكًا وهو يحدق بعشق التي تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها الآن وهتف بتهكم: مراتك! الله ده انا فايتني حجات كتير يا مرات إبن عمي!.
سخِر منهُ قُصيّ وهتف بإزدراء: ومش عيب لما تكون بتحب مرات إبن عمك وعمال تطاردها يا محترم؟!
ضحك سامي ولوح له وهتف بسخرية: إنت أخر واحد تتكلم عن الإحترام يا قُصيّ..
صرخ بهم الضابط بحده وغضب: إنتوا جايين تفضحوا بعض هنا؟!

هتف سامي بضجر وهو يشابك أنامله مع أنامل عشق المرتجفة وهذا جعل قُصيّ يبتسم بعصبيه ضاغطاً على أسنانه من الداخل: كويس انك عارف إني بحبها ولازم تعرف إنك مش هتشوفها تانى..
رفع قُصيّ حاجبيه وهتف باستفهام: ليه إنت مين إنت؟! وبعدين مش تعرف رأي عشق الأول؟!
نظر الجميع إتجاه عشق التي زاغت عيناها و ازدردت ريقها بحلق جاف وقلب هلع لكنها لم تتحدث أو لم تستطع التحدث فهي خائفه منهُ بشدّة..

هتف قُصيّ بسخرية ممزوجة بخيبة أمل: مكنتش أعرف إنك جبانه كده!
نظر لهم الضابط باستفهام وعدم فهم مما يحدث بسبب تحدثهم بالترهات جميعاً، أليست زوجته! فكيف يخيرها الآن هذا الغبي؟، وذلك المتبجح هل يخبره بكل بساطة وهو يمسك يديها أنه يُحبها وسوف يأخذها ويذهب وهي زوجته؟

أطرقت رأسها وتساقطت عبراتها قهرًا بسبب خوفها وضعفها وخضوعها لــ سامي فهي تحب قُصيّ ورؤيتهُ هكذا لا تسعدها بتاتًا لكن سخريتهُ طمئنتها قليلاً أنه رُبما يكون بخير..
استفاقت على جذبه لها من معصمها بعنفٍ خلفه..
لـ يزمجر قُصيّ وهدر بتهديد وغضب: لو اتحركت أكتر من كده هتطرني إني أقول حاجات محدش يعرفها غيرك إنت وشاهي وللأسف عرفتها أنا كمان وزي ما تقول كده رقابتك بقِت في أيدي..

شحب وجهه وتوقف عن السير ثم استدار و هتف بنبرة مهتزة: وهتقول ايه؟

إبتسم قُصيّ ثم هتف بنبرة حانية وهو ينظر إلي عشق الباكية بوجه باهت: روحي يا عشق وجهزي الشنط عشان هنسافر هاجي وراكِ ومش هتأخر متقلقيش، نظرت إلي الضابط بتشوش وكأنها تسأله إن كان صحيح هذا القول ليزفر وقال بأسف كأنه حزينًا لأن قُصيّ ليس القاتل: للأسف بعد ما خرج كان سيبها كويسة واتضح أن القاتل حد تاني، نظر له سامي بوجوم ثم إلى عشق التي ابتسمت بنعومة وأضاء وجهها..

هتفت بسعادة تحت حسرة سامي وهو ينظر لها لأنها ستهرب من جديد: حاضر، هستناك، وتركت الغرفة وغادرت..
إبتسم قُصيّ ثم سأل الضابط باستياء: مش هتفك ايدي ولا ايه؟
أشر له الضابط أن يجلس وهتف باستفهام: هفكك لما تقول شاهي قالتلك ايه يوديه في داهيه؟ وزي ما انت عارف احنا لازم نعرف الحوار اللي دار بينكم يمكن قالتلك حاجة بتهدد حياتها او عن القاتل مثلاً مش يمكن يكون هو؟، وأشر على سامي في نهاية حديثة..

صرخ سامي بعصبية وهو ينظر له بحدة: عايز تلبسها لأي حد انت عشان تقفل القضية؟
ضحك قُصيّ بخفه واقترح على الضابط: احنا ممكن نقول انها قاومته وشوهت وشه كده بس قتلها و مرحمهاش ودلوقتي بيعلي صوته عليك ينفع كده؟
أطلق سامي صوتًا ساخر ثم جلس مقابل قُصيّ وهتف بتسلية معهم: حلو حلو، جميل كمل..
ضحك قُصيّ بتسلية ثم طلب بهدوء: عايز أعمل مكالمة ممكن؟.

لدي آدم..
ابتسمت بنعومه وهي تحاوط عنقه بيدها الناعمة تتمايل معه ببطء على أنغام الموسيقي الهادئة بعد أن تمت خطبتهما رسمياً الآن..

ابتسم آدم على مضض ابتسامة هادئة وهو ينظر لها دون التفوه بحرف، يكفي حديثها وثرثرتها مُنذُ أن رأته وكأنها كانت تنتظر الفرصة كي تخرج مكنون صدرها إلي زوجها المستقبلي عندما تراه وتتعرف عليه!، ثم والديها الثرثارين ايضاً، لقد أصابوه بوجع الرأس فقط لما وضع نفسه بهذا الموقف وارتبط بها لِمَ؟ هو لا يتحمل تلك الثرثرة لا يتحملها..

جالت عيناه في غرفة الجلوس باحثاً عنها بلهفة، هي ليست بجانب مصطفي ولا والدته اللعينة مع من هي إذا؟.

إبتسم عندما وجدها تجلس على طاولة الطعام التي تم ركنها جانباً، تضع راحة يدها أسفل وجنتها تنظر من النافذة التي تطل على الحديقة بشرود، والحزن بيّن على ملامحها! هل هي حزينة عليه لأنه سيتزوج؟ بالتأكيد لا! هي فقط حزينة لأنها ستفقد السائق الخاص بها والمربي الذي كان يعتني بطعامها وشرابها وحمايتها، هو ليس للحب بالنسبةِ لها ولن تفكر أن تخون زوجها من أجله فالخيانة ليست مُركبة بها ولا به لكنه مُطّر لخوض هذا لأنه لن يحصل عليها سوى بتلك الطريقة هذا ليس ذنبه!

صدح صوت هاتفه انتشله من شتات عقلة وثرثرته مع نفسه كالمجانين، ترك خصرها وأخرج هاتفه من جيب بنطاله، قطب حاجبية عندما وجده غير مسجل، كاد يغلقه لكن هذا سيكون حِجة الهروب منها...
تحمحم ورفعه على أذنه لكن سالي أوقفته عندما هتفت بعبوسٍ وهي تضع يدها على يدية: ده وقت مكالمات يا آدم؟
إبتسم وهتف بأسف: ده صاحبي..
هتفت بنعومة وهي تضرب صدره بـ كتفها: طيب خطيبتك ولا صاحبك؟

إبتسم بحنان وداعب وجنتها برقة جعلها تبتسم بنعومة وهي تحرك وجنتها ضد راحة يده كـ قطة ثم قال ببساطة: صاحبي طبعاً يا سالي، وتركها تقف متيبسة وحدها وخرج كي يرد على تلك المكالمة كي يهرب..

انسابت عبرات تالين بصمت دون أن تعلم سبب وجيه لهذا لما الحزن؟ هي متزوجة وهو سوف يتزوج فقط ما المشكلة؟ هي اتخذته صديق ولم تحزن عندما تزوجت شقيقة لأنها لا تحبهُ، ما مشكلتها الآن؟ هو المشكلة، لأنهُ أخبرها انهُ يُحبها، لأنهُ إهتم بها عندما كانت مُهملة، لأنه أشعرها بمقدارها وكم هي ثمينة بالنسبةِ لهُ، هو المخطئ من البداية! إن لم يخبرها لم تكن لتحزن على نفسها ولا عليهِ ولا على سالي التي سوف يظلمها معهُ بفضلها وتحيي هي مع تأنيب الضمير، كم هو شعورٍ بشع أن تكون السبب في تعاسة الغير دون قصدٍ منك..

وقفت عن الطاولة وهي تستنشق ما بأنفها بعنف ثم خرجت إلي الحديقة لأنها تشعر بشيءٍ يطبق على صدرها بقوة يجعلها تختنق ولا تستطيع التقاط أنفاسها..
هتف باستياء وهو ينظر بساعة معصمه: في حد يتقبض عليه متأخر كده؟ أسيب خطوبتي انا يعني عشان اجيلك أخرجك!، ابعد الهاتف عن أذنه مشمئزاً وبصق عليه وهو يستمع إلى سبابة البذيء بكل فخر..
هتف بضجر قبل أن يغلق الهاتف بوجهه: جي جي اقفل البكابورت ده واخرس..

اغلق الهاتف وهو يلعنه بابتسامة وأخذته قدميه إلى الخارج لكنه توقف عندما أبصرها تجلس فوق الأرجوحة بحزن، التفت وكاد يذهب لكنه توقف واعتلى ثغره ابتسامة عابثة، تقدم منها بخطواتٍ حثيثة على أطراف أصابعه حتى لا يصدر أوراق الشجر المتساقط صوتاً فوق العُشب..
تنهدت بإحباط وهي تعانق الوسادة الصغيرة لتصرخ بفزع حقيقي عندما وجدت الأرجوحة تهتز بقوة وتكاد تسقط من فوقها أرضاً على وجهها..

نظرت خلفها بقلب مرتعد وهي تمسك بالأعمدة الحديدية بقوة و خصلاتها ترفرف حول وجهها بسبب الرياح أثر اهتزازها، أبصرت آدم يقف خلفها على بعد خطوات بسبب تحليق الأرجوحة عالياً عاقداً يديه أمام صدره يشاهدها ويضحك بتسلية..
صرخت بخوف وهي على وشك أن تبكِ: إخص عليك يا آدم وقفها أنا خايفة، هز رأسه وهو يضحك لتدمع عيناها..

زم شفتيه وتعاطف معها، تقدم وأمسك العمود من الجانب أوقفها بخفه وتمهل حتى توقفت نهائياً، هربت شهقتها وبكيت بخوف وهي تغمر وجهها بين راحة يديها بحزن، إختفت إبتسامته ومال بجذعة من خلف الأرجوحة عليها، أبعد يديها وكوب وجهها الناعم بين يديه و هدئها بحنان: هشششش اهدي ايه انا بهزر معاكِ، هزت رأسها بنفي وهي تنتحب غير قادرة على التوقف..

قبل جبهتها بحنان وهتف بحب: بحبك، توقفت عن النحيب و ارتجفت شفتيها وعلا صوت خفقاتها وهي تنظر له بأعين دامعة، ابتسم بحنان عندما صمتت ومال عليها أكثر وهتف بحرارة وتأثر و مقلتيه تتجول على ملامحها بهيام: انا بحبك، حركت أهدابها ببطء وهي تنظر له شاعرة بتلك الفراشات اللطيفة التي تتطاير داخل معدتها لـ ميل أكثر أمام شفتيها وهتف بهمس: بحبك، ومن دون سابق إنذار، دون أن يعباً بـ جميع من بالداخل، قبلها بكل ما أوتي من حُب..

جحظت عينيها وابتعدت لكنه وضع يده خلف رأسها دافناً أنامله داخل شعرها بنعومة وقربها دون أن يترك لها الفرصة كي تتحرك وارتوى من رحيق شفتيها الهلامية الكرزية التي حلم كثيراً بتذوقها وها هو يفعل هذا بكل حب دون إعتراضٍ منها، صحيح أنها لم تبادلهُ قبلته من الصدمة لكنه سيكون حريصاً على جعلها تبادله المرةِ القادمة..

فصل القبلة لاهثاً و أطبق جفنيه بقوة وانفعال وهو يلملم شتات نفسه المُبعثرة، ما هذا؟ لا يُريد تركها! شقيقة الغبي كيف يترك كل هذا الجمال ويهملها! يجزم أنه ليس برجلٍ ابدا، ليس رجل اللعنة عليه، نظر لها من جديد وعينه تلتهمها التهاماً غير متجاهل صدرها الذي يعلو ويهبط باضطراب وارتجاف شفتيها وجفنيها المطبقين بقوة كطفلة خائفة..

ليدرك الآن وهو ينظر لها أن كُل ما كان يخطط له سابقاً أصبح مُصرا علي فعله أكثر الآن ويقسم أنه لن يتركها سوى بموته لن يتركها..
عاد خطوتين إلى الخلف هو يتنفس باضطراب وتذبذب ثم استدار وذهب بعيداً عنها وهو يضم قبضته بقوة لأنه إن ظل هُنا لن يتركها لن يفعل..

حركت جفنيها ببطء وأفرجت عن مقلتيها الدامعة ولا تعلم أحزناً أم فرحاً أم اضطراب أم خذلاناً من نفسها لا تعلم، لكن قلبها يكاد ينخلع ويقفز خارج قفصها الصدري ويخفق محله أرضاً كي تدري وتشعر بمدى مُعاناتهِ بسبب آدم..
رفعت ساقيها على الأرجوحة ثم قربت ركبتيها إلى.

صدرها وأسندت ذقنها فوقها وظلت تبكِ وحدها، لقد سئمت تلك الحياة، تُريد الطلاق والاختفاء بعيداً عن الجميع لا تُريد حياة مثل هذه وإن ظلت لن تكون سوى خائنة وضيعة..

توقف بالسيارة أمام مركز الشرطة، ترجل منها وهو يبتسم كالابله من سعادته، لأن هناك إحتفالاً صاخب يحدث الآن بداخله، توجه إلى الداخل دون أن يغلق سيارته ويأخذ المفتاح ومازال يبتسم، فهو يحلق بعيداً الآن، تلقي صفعة خفيفة على وجنته جعلته ينتبه إلى خطواته..
نظر أمامه وهتف بتعجب ومازال يبتسم: ايه ده قُصيّ ما انت خرجت اهو!

ضرب صدره بخفة وهتف بسخط: ما إنت اتأخرت وبعدين اديته بياناتك عشان لو عملت حاجة هيجيبوك انت..
أومأ بتفهم وتابع طريقه إلى الداخل جعل قُصيّ يتعجب وهو ينظر له ثم جذبه من ياقة ملابسه أوقفة أمامه وسأله باستنكار: انت شارب حاجة ولا ايه؟ رايح فين؟
ضحك بخفة وحك مؤخرة رأسه وهتف بابتسامة: أصلي مبسوط بس عقبالك كده حمد الله علي السلامة، كنت هجبلك عيش وحلاوة والله خرجت ليه؟

ضربة بغيظ وسأله باستنكار وهو يستقل السيارة المفتوحة: انت سايبها مفتوحة كده علي البحري ليه؟ بتلفت نظر الحرامي يعني ولا ايه؟
ضحك آدم بذهول وهو يحدق في السيارة بعدم تصديق وهتف بقلة حيلة وهو يستقلها: انها السعادة يا صديقي..
قهقهة قُصيّ بخفة وسأله: كسبت في مسابقة الحلم ولا ايه؟
أبتسم آدم وقال بسعادة: انا حققت الحلم نفسه..
ابتسم قُصيّ و سأله ببلاهة: ايه ده كسبت المليون؟

زفر آدم ونظر له بازدراء وقال بضيق: طب اسكت بقي متعكننش عليا، وكان مقبوض عليك ليه حماتك انت التاني بلغت عنك؟
ضحك بسخرية وهو يهز رأسه ثم قال بهدوء: طيب روحني عشان مسافر..
قطب حاجبيه بتعجب وسأله: رايح فين مش ممنوع من السفر؟

نظر له قُصيّ قليلاً بتعجب ثم سأله: وعرفت منين؟ علي العموم ممنوع فعلاً عشان هيطلبوني تاني ويسألوني شوية أسأله ولحد الوقت ده عايز ابعد عن القاهرة، هروح عند عمّار بقالى كتير مروحتش تيجي معايا؟
ضحك آدم بخفه وسأله: عمّار متصلش بيك ولا حاجة النهاردة؟
هز رأسه بتفكير ثم قال وهو يتحسس جيبه: الموبايل سايبة باين مش معايا..

أومأ آدم بتفهم ثم قال بهدوء: النهاردة كانت خطوبة عمّار واتصل بيا وقالي بيرن عليك ومش بترد!
أومأ قُصيّ وهو يحدق بأنامل آدم وسأله: خطوبته وخطوبتك!
أومأ آدم بتوجس ظناً أنه سوف يغضب ويثور لأنه آخر من يعلم ليجده ضرب يديه معاه وقال بضيق: كان نفسى تبقى دُخلة..
ضحك آدم وسأله باستفهام: اشمعنا؟
هتف قّصيً وهو يلاعب حاجبيه بمكر: عشان أصبح عليكم واشوف جبتولنا العار ولا لأ؟

ضحك آدم ثم هتف باستياء: بس يا خاين انت اسكت خالص..
توقف بالسيارة أمام منزله وأمره بحزم: وصلنا اتفضل وياريت متتصلش بيا في المصايب تاني..
هتف بضجر هو يضع يده على المقبض: انا غلطان اني بكبرك قدام الشخصيات الكبيرة، لوي آدم شدقيه وهو يقلب عينيه لـ يتابع قُصيّ: المهم هتيجي معايا؟
زم شفتيه وهو يفكر ثم قال بهدوء: هحصلك عشان كده كده كُنت هاجى بس بعد يوم او اثنين عشان ممكن أجيب تالين معايا..

ضيق قُصيّ حاجبيه وقال بمكر: تالين!
زفر آدم وقال بتحذير: انزل قبل ما تقول أي حاجة سخيفة زيك يلا وهبقي اتصل اقولك جي ولا مش جي بس هاجي، أومأ له قّصيّ بتفهم وترجل من السيارة ولوح له ثم دلف إلى المنزل ليعود هو الآخر إلي المنزل..

أنهت ترتيب الثياب داخل الحقائب وهي تبتسم بنعومة وقد بدلت ثيابها إلي بنطال جينز وسترة شتوية وفوقها معطف وعقدت وشاح حول رقبتها ظناً أنها رُبما تسافر إلى أوروبا، متناسية قرارها بتركه والبدء من جديد وحدها بعيداً عنه، ودلف تقف داخل الشرفة..

دلف إلى الغرفة بملامح متجهمة متجاهلاً وجودها، فتح الخزانة بضيق وأخذ ملابس ثم صفع الضلفة بقوة جعلها تصرخ بفزع وهي تتلفت حولها بهلع ثم خرجت ركضاً تبحث عنه بعينيها بلهفة، لم تجده بل سمعت صوت المياه يأتيها من خلف باب من دورة، تنهدت بحزن ثم جلست على الفراش تنتظر خروجه بقلق، هي متأكده انه غاضب مما حدث، لقد قامت ببيعه والتخلي عنه بسهولة بسبب خوفها..

خرجت من شرودها عندما صفق باب دورة المياة، وقفت وركضت اتجاهه، عانقته بقوة وهي تمرر أناملها داخل شعرة الرطب بنعومه، دفعها عنه بخشونة وهو ينظر لها ببرود مع هتافه بتهكم: لا بجد!
وقفت أمامه وكوبت وجهه بين يديها وهي تضع جبينها على جبينه وقالت بأعين دامعة بنبرة مرتجفة: أنا كنت خايفة منه وانت وضعك مكنش مساعدني اني اتحامي فيك..

ابعد رأسه عنها بضجر وقبض على ذراعها بقوة غارزاً أنامله داخله بقسوة لـ تنكمش ملامحها معبرة عن ألمها الشديد وهتف بتهكم: ولو خدك دلوقتي كان حصل ايه وكان هيعمل فيكِ ايه مفكرتيش ياغبية؟!

انسابت عبراتها بحزن وأطرقت رأسها ولم تتحدث، رفع وجهها بيده كي تنظر له مداعباً ذقنها بإبهامه بنعومه وهتف بحنو: خوفت عليكِ، شهقت باكية ثم عانقته بقوة وهي تحوط منكبه العاري بيديها وهي تدفن وجهها داخل عنقه ثم هتفت بصوتٍ مكتوم آسف: أنا آسفة..

عاد إلى المنزل وهو يبتسم، صف السيارة واتجه الى الداخل ليجد كل شيء مرتب والأضواء مغلقة؟ ما هذا؟ هل نام الجميع مبكراً هكذا؟ لايهم، لكن خطبته هل انتهت! لما لم تهاتفه سالي كي يقلِها هذا مؤسف لقد كان يرغب في ان يقلِها بشدّة، حسناً المرةِ القادمة، هز كتفه بعدم اهتمام ثم صعد إلى غرفته ودلف بهدوء، بدل ثيابه وهو يبتسم بحماس ثم دلف إلى الشرفة بسعادة..

إختفت إبتسامته وتحولت سعادته العارمة الى حزنٍ عميق عندما وجد تالين تجلس بأحضان مصطفي يحاوطها بالغطاء الدافئ يحميها من البرودة صامتين دون التحدث، يتأملان النجوم معاً، مع مصطفي عوضاً عنه..
ابتلع غصته بمرارة وهو ينظر لهم بحسرة ثم عاد أدراجه إلى الداخل بخيبة أمل وقلب متألم بأعصاب مشدودة، استلقي على الفراش وتقوس على نفسه بوضعية الجنين وظل شارداً بأعين زائغة يحدق في نقطة معينة في جدار الغُرفة حتى غفي..

صباح اليوم التالي..
توقف قُصيّ بالسيارة في منتصف الطريق على الجانب، نظر إلى عشق الغافية في المقعد بجانبه، ابتسم وداعب وجنتيها المتوردة بنعومه، فتحت عيونها بثقل وهي تهمهم بنعاس..
تساءلت باستفهام وهي تتثاءب: ايه ده؟ لسه موصلناش المطار!
قهقهة بخفة وسألها وهو يمط ذراعيه بنعاس: ومين قالك انت مسافرين برا مصر؟
قطبت ما بين حاجبيها بانزعاج وسألته بضيق: طيب رايحين فين دلوقتي؟

ابتسم وعاد للقيادة من جديد وهو يقول: رايح عند صاحبي في الصعيد نقعد معاه يومين..
أومأت باقتضاب وظهر القلق جلياً على ملامحها وظلت صامته تتابع الطريق عبر النافذة بتثاقل..
قطب حاجبيه عندما لاحظ ذلك القلق ثم سألها باستفهام: متضايقة نرجع؟
هزت رأسها بنفي وقالت بخفوت: لأ، أصل ماما ليها كذا حد عايش هناك، وانا مش عايزة اقابل حد..

حرك أهدابه وهو يفكر بما تقول، هذا يعني أنهم أقرباء خالتها والتي والده جاسم والذي يكون زوجها! وإن رأوها ستعرف خالتها!
قال بهدوء وهو يلتقط حقيبة بلاستيكية من علي المقعد الخلفي بها طعام جاهز ووضعها على ساقها: متقلقيش محدش هيشوفك! حتى لو هُمه لسه فاكرينك يعني؟ آخر مرة شوفتيهم إمتي؟

تنهدت وهي تضيق عينيها بتفكير ثم هتفت بهدوء: مش فاكرة بس من فترة طويلة جداً بس البركة في الفيس بوك والانستجرام مخلاش حاجة واكيد عارفين شكلي!
هتف باستنكار وهو يهز رأسه: فيس وانستجرام هناك؟ لا استبعدها دي! هُمه عندهم حاجات أهم بكتير من التفاهه دي فكراهم زينا ولا ايه؟ أنا صاحبي بيختفي لما بيرجع هنا وبالصدفة لما بلاقيه فاتح ولا بيرد عليا حتى! هو اللي بيتكلم لما بيعوزني؟

أومأت بتفهم وهي ترفع ابهامها مؤكدة قوله ثم أضافت باستياء: تمام معاك حق بس مش كُله ومفيش حاجة تجبر واحده لسه بتدرس انها تسيب الموبايل سواء بتذاكر بتلعب بتكلم صحابها اي حاجة بقي! بص يا قُصيّ صوابع ايدك مش زي بعضها مش عشان واحد كده يبقى كُله كده بطل جهل يا متعلم..
قهقهة وهو يهز رأسه بتفهم ثم هتف بحنو وهو يأشر على الحقيبة التي على ساقها: طيب كُلي انتِ مكالتيش من امبارح والطريق كان طويل..

لدي آدم..
استقل السيارة بمزاج متعكر وهو يحرك المفتاح داخل المقود بعنف كاد ان يكسرة داخله، أدار محرك السيارة لـ يرتفع صوته الخشن ممتزج بـ طقطقة..
زفر وترجل من السيارة بغضب، صفق الباب بقوة ثم فتح مقدمة السيارة بنفاذِ صبر لـ يتبخر وجهه من الدخان الذي استقبله عندما فتحها، سعل بقوة واختناق وهو يبعد وجهه إلي الخلف..

زفر وهو يغلقها بغضب، لقد كانت بخير ماذا حدث؟ لن يذهب إلى العمل بل سيصعد وينام كالفتيات لأنه مكتئب..
استدار كي يذهب لكن توقف عندما وجد تالين تقف خلفه تمسك كُتبها، تقبض عليها بأناملها بقوة وظهر الارتباك جلياً عليها وهي تخفض رأسها متحاشية النظر له..

تأمل ملامحها الرقيقة وجهها المتورد بفعل البرودة وخصلاتها الناعمة التي كانت ترفرف بفضل نسمات الهواء التي لم تتوقف قط وكأنها متقصده جعل قلبه يرفرف مع كل خصله تتطاير متراقصة على أوتار قلبه، بالتأكيد هي تفكر بما حدث أمس، هو قام بمسح هذه الذكرى من رأسه نهائياً عندما رأها أمس معه..

هو يشعر أنها فعلت هذا متعمدة فقط كي يراها معه لأنها تعلم أنهما يتقابلان كل يوم في الشرفة؟ فما الذي جدّ كي تتأمل النجوم أمس مع زوجها الحبيب! لن ينسى هذا الفعل يوماً لن ينسى فرحته العارمة التي تحولت إلى حزنٍ عميق بفضلها، لن ينسى تلك الليلة التي لن يجافيه النوم بها..
تنحنح ثم هدر بصوتٍ خشن غاضب وهو يبعد نظره عنها: العربية باظت ومش هتتصلح بسهولة خدي تاكس مش هوصلك النهارده..

أومأت بخفة دون النظر له وتحركت ساقيها بخطواتٍ بطيئة ثقيلة كأنها تسير داخل وحل دون التحدث وهي تطرق برأسها، تشعر بالحزن والإحباط؟ نعم لكنها لن تتحدث ولن تذكره بما حدث أمس وكأنه لم يحدث! هي غبية لأنها أتت له من الأساس لما أتت؟ هكذا سيظن أنها تخطت الأمر ومن الطبيعي أن يتبادلانِ القُبل وكأنه يلقي عليها التحية؟ هذا خطأ وسوف تذهب وحدها من اليوم، ولما تذهب وحدها وتستقل سيارة أجرة؟ بل ستطلب من مصطفي سيارة!، هي لم تطلب منه شيء ثمين منذُ زواجهما وهذا ليس بالكثير عليه هذا حقها، هي بالفعل كانت تملك سيارة قدمها آدم لها يوم زفافها كـ هدية زواجها!، لقد كان هذا مفاجئ، لكنها لم تقبلها واكتفت فقط بباقة الورود التي كانت مع مفتاح السيارة، ومنذ ذلك اليوم وهي تذهب الجامعة كل يوم بها، لقد أخذها آدم وترك خاصته في المرآب ويبدو انه سوف يخرجها لأن عمر سيارتها المفترض يبدو انه انتهي!

هتف بإسمها بغضب استوقفها: تالين، استدارت ونظرت له بعدم فهم! ليتابع بضيق وهو يسعل من جديد: متروحيش الجامعة النهاردة انا مسافر هتيجى معايا ولا لأ؟
ازدردت ريقها وأردفت بتلعثم وبخت نفسها عليه لأنها لا تعلم سببه: انـ، انـ، انا عندي امتحانات ومش هينفع مرة ثانية..

ابتسم بهدوء و هتف بنبرة غلب عليها الحزن استشعرتها: تمام براحتك، ربنا يوفقك، يدوب تلحقي المحاضرة الأولي سلام، وتركها ودلف إلي المنزل بخطواتٍ قاسية كانت تدعس العُشب بكل غِل..
نظرت خلفها تراقب ذهابه بحزن، أخذت نفساً عميقاً وهي تمرر أناملها داخل شعرها بضيق، هي بحاجة إلى راحة قبل الاختبارات كي لا تمل، هو معه حق! لكن لما معه وليس مع مصطفي؟، ليتها تعلم ماذا يفعل الآن بعمله..

هزت رأسها بقلة حيلة مستسلمة إلى رغبتها في الذهاب معه ثم دلفت إلى المنزل خلفه..

في منزل عمّار..
تقلبت في الفراش وهي تهمهم بنعومه، شعرت بثقل على صدرها، فتحت عينيها بنعاس لتبتسم بنعومه عندما وجدت نادين تغفي على صدرها، طبعت قبله حانيه على جبهتها وأخذت تداعب خصلات شعرها بنعومة ثم رفعت يد نادين من أسفل الغطاء، حدقت بأناملها بتفكير وهي تزم شفتيها فإن الدُبلة التي اختارتها لها في القاهرة كانت أجمل من هذه..

شردت وهي تتذكر أحداث أمس التي بدأت تتوافد على عقلها واحده تلو الاخرى جعلتها تريد دفن نفسها حية، كيف ستنظر في وجوههم الآن؟ بالتأكيد حُسنة لن تنظر في وجهها مجدداً بعد قولها أمس، هي تشعر بالخذلان منها الآن لأن هذه بمثابة فضيحة هُنا، هذا فقط ما يجعلها حزينة لأنها لا تستحق هذا، أما البقية فاللعنة عليهم لا تعبأ بهم..

هي لم تغفل أمس عن والده العجوز الذي كان يخترق جسدها بنظراته البغيضة إنه كـ ابنه تمام لا يوجد إختلاف، المختلف فقط أن ابنه يفوقه وقاحة لأنه لم يحسن تربيته جيّداً، بالتأكيد كان مشغولاً مع امرأةٍ ما أثناء تربيته، بغيضين..
أخرجها من شرودها صوت طرقات خافتة علي الباب، أذنت له بالدخول أياً يكن، لتجدها صباح..

أخبرتها باحترام: الفطور جاهز يا سِت، أومأت بخفة وهتفت بهدوء: حاضر جايين وراكِ، أومأت بخفة وأغلقت باب الغرفة وغادرت..
قبلتها بنعومه وهي تهزها برفق: نادين، نادين، فوقي يا حبيبتي يلا، حركت رأسها بانزعاج وهي تدفن رأسها بصدرها متذمرة: بس يا مامي بقي عايزه أنام..
هزتها مجدداً وهي تبتسم: لأ، يلا عشان تفطري وتشوفي عمّار مش إنت مشفتيهوش امبارح ولا اتكلمتي معاه يلا انزلي عشان تشوفيه..

انتفضت من أحضانها وسألتها بنعاس ولطافة: بجد؟
أومأت وهتفت مؤكدة: طبعاً بجد مش بنفطر كل يوم مع بعض، يلا قبل ما يخرج بسرعة، أومأت بحماس ثم قفزت عن الفراش وركضت إلى دورة المياه سريعاً..

قهقهت ليلى وهي تراقبها وعادت إلى الاستلقاء وهي تمط جسدها ثم دثرت نفسها أسفل الغطاء بملابس الراقصات تلك التي لم تبدلها أمس بل غفيت وهي ترتديها، تركت الفراش وتقدمت من المرآة، أخرجت بعد المناديل المبللة وقامت بمحو مساحيق التجميل بضيق بسبب نومها أمس دون أن تمحيها وهذا مُضر بـ بشرتها..
تنهدت واتجهت الى الخزانة وقبل أن تفتحها وجدت نادين تجذبها من ذراعها وتسحبها معها الى الأسفل..

اوقفتها ليلى وأردفت برفض: استني اغير هدومي الاول انزلي انتِ لو مستعجلة، هزت رأسها بنفي وظلت متشبثة بها وقالت بتذمر: شكلك حلو اهو مالك؟
هزت ليلى رأسها بنفي وهي تسحب ذراعها: أنا حتى مغسلتش وشي انزلي انتِ وانا جاية وراكِ..
هزت نادين رأسها وهي تزم شفتيها وجذبتها معها بعد أن فتحت الباب حتى لم تترك لها الفرصة كي ترتدي شيء بقدميها وأخذتها حافية القدمين..

تذمرت ليلى وهي تهبط الدرج: الأرض ساقعة يا حبيبتي مينفعش كده؟
هتفت بعبوس وهي تهرول مسرعة الى الأسفل: معلش يا مامي استحملي عشاني عشان خاطري..

هزت رأسها بقلة حيلة وتبعتها بصمت حتى توقفت على بُعد خطوات من المنضدة المستديرة المنخفضة، كان الجميع جالساً عدي دهب التي ذهب أمس و عبدالغفور والدها الذي لا تعرف اين هو، وهذا جعلها تتعجب لِما والده يتناول الطعام معهم اليوم؟ هو لا يتناول الفطور صباحاً معهم لما هذا التجمع والصمت المُريب! وحُسنة يا إلهي إنها تبدو في غاية الحزن بالتأكيد بسببها، حتى عمّار مابه شارد الذهن هكذا وكأنه غير موجود بالمرة ماذا يحدث؟

استفاقت من شرودها على ضغط نادين على يدها وهي تتقدم لأنها مرتبكة هي الأخرى، جلست بهدوء وجلست ليلى بجانبها بصمت لكنها أجبرت نفسها على التحية التي خرجت بصوت منخفض: صباح الخير..
ردت حُسنة ومتولى معاً: صباح النور..

إبتسم عمّار بسخرية وهو يهز رأسه، لما تلك النبرة الخافتة؟ هل تخجل؟ هل فقط شعرت بالخجل الآن؟ حسناً هذا جيّد لأنها سوف تتمنى لو تنشق الأرض وتبتلعها بعد قليل بسبب ما فعلت أمس، أطبق جفنيه شاعراً بالحرقة الشديدة بسبب الأرق الذي داهمه ليلة أمس ولم يزره النوم قط بفضلة..

كُل هذا بسبب تفكيره بالشيطانة التي أغرت الجميع أمس وتركته هو يتحمل توابع فعلتها، واللعينة الأخرى التي ظهرت الآن لتخريب ما بقي من حياته وتمثل الحُب عليه؟ الغبية لا تعرفه هل تظن أنه سوف يصدق كلماتها! فقط يريد أن يعلم من زوجها البغيض هذا الذي طلقها الآن كي تأتي وتؤرقة هو!.
نظف والدهُ حلقة بصوتٍ مرتفع للمرة المئة شاعراً بحرقة حلقة بسبب شرود ولده اللعين الشارد..

استفاق من شروده على صوت الكوب الزجاجى الذى حركتهُ ليلى وملأته سريعاً وقدمته إلى والده بقلق ظناً أن غص أثناء تناوله الطعام..

إبتسم متولي جعل عمّار يرفع حاجبيه وهو يراقبه هل الشيطانة جعلت من والده يضحك لثانِ مرة! ومازالت ترتدي تلك الملابس اللعينة ولم تُبدلها بعد، هي تستحق الحصول على نوبل حقاً ما هذا؟ هو منذهل من والده؟ ماذا سيحدث إن أطعمتهُ بيديها إذاً؟ هل سيسيل لُعابه عليها؟ هو لن يسمح لها أن تُدمر هيبة والده، لن يسمح أن يتغير والده الذي عهده دوماً لن يسمح لها حتى إن كان قاسي أهون من هذا المُراهق الذي يراهُ أمامه الآن..

غامت عينيه في غيمة سوداء عندما رأي والده يلامس أناملها وهي تناوله كوب المياه!، تلك الأفعال الصبيانيه تباً لها؟
قطبت حاجبيها وهي تشعر بأنامله على أناملها بالتأكيد لا يقصد هذا لا يقصد، تركت الكوب وأبعدت يدها سريعاً بارتباك جعلت الكوب يسقط فوق المنضدة ثم وقفت وهي تتنفس باضطراب والتفتت لتذهب لكن صوته الخشن أوقفها: وجفي عِندك..
توقفت وأخذت نفساً عميقاً ملأت به رئتيها ثم استدارت ونظرت له بعدم فهم: نعم!

نظف حلقة وسألها بهدوء: جوزك فين؟
قطبت ما بين حاجبيها بعدم فهم ثم هزت رأسها باستنكار والكلمات توقفت على طرف لسانها قبل أن تتفوه بها وتخبره بكل بساطة ما دخلك بهذا؟، صمت والده وهو ينظر لها بتفكير ثم ابتسم من جديد وكأنها أخبرته أنها لا تملك رجلاً وقال بهدوء: يبجي اكدِه اجول اللي عندي بجي..

نظر عمّار إلى والده الذي سيبدأ الآن تلك المسرحية الهزلية، لكن لما لم ترد عليه؟ نادين قالت أنه متوفي لما لم تخبر والدها وصمتت! وهل والده اعتبر صمتها موافقة على كونها لا تملك زوج أم ماذا؟ اللعنة على الجميع ماذا يحدث؟.

أما نادين فهي كانت تحدق في الطعام أمامها بشرود تفكر بـ عمّار الذي لم يلقي عليها حتى نظرة واحدة وأمس لم يتحدث معها ولا حتى هو من أدخل دُبلتهِ داخل أناملها ما هذا؟ هذا ليس عدلاً و يشعرها بالحـ، ما الذي سمعته الآن؟
رفعت سريعاً رأسها ونظرت لهم بريبة، بالتأكيد لمْ تتوهم وسمعت صحيح أليس كذلك؟.

نظرت إلى والدتها التي تيبست قدميها أرضاً وظلت تحملق في وجة متولى بأعين جاحظة بينما عمّار كان يحدق بـ ليلى بثقب دون ان يحيد بنظره عنها وكأنه ينتظر ردة فعلها!.
وحُسنة كانت تجلس تضع يدها أسفل وجنتها تراقب ما يحدث بحزن فهي ليست موافقة على هذا؟ لن تكذب هو لا يستحقها، لقز تمنت لو كانت هي عروس عمّار عندما رأتها أول مرة لكن ما حدث حدث..

انفجرت ليلى ضاحكة وهي تمرر يدها على وجهها غير قادرة على التوقف قط، يريد أن يتزوجها؟ حقاً! هل تفرح وتتراقص الآن بسعادة؟ هذا العجوز الغبي كيف يجرؤ على طلب شيءً كهذا كيف فليحترم سِنهُ قليلاً هي بعمر ابنته؟
وقف عمّار عن المنضدة وهو يتفحصها بنظراتٍ غير مريحة بالمرة فما بال هذا الضحك معها في الفترة الأخيرة كُلما اخبرها أحدهم شيءً تنفجر في ضاحكة لِما؟

تقدمت ندى بعد أن أتت من الداخل تحمل بين يديها صينية بها أكواب من الشاي ظناً أنهم انتهوا من تناول الطعام، فهي بذلت مجهوداً حتى نجحت في التسلل بالشاي من خلف صباح لأن وجودها هُنا ممنوع، إستوقفها هذا المشهد فوقفت تشاهده دون أن تتقدم أكثر ويتم طردها..

توقفت ليلى عن الضحك وأبعدت شعرها إلى الخلف بغضب وهي تشعر بأناملها تعلق داخله جعلتها تتألم وقبل أن تتحدث قال متولي باستنكار وغضبٍ مكتوم: أني جولت نُكتِه ولِّيه؟

تقوست ملامحها بنفورٍ وهي تحدق بـ متولى ثم قالت باشمئزاز: إنت ازاي تفكر اني ممكن اوافق علي حاجة زي دي؟ انت كبرت وخرفت ولا ايه؟ ابوك شكله خرف يا عمّـ، دوى صوت صرختها المتألمة عندما صفعها عمّار بظهر يديه أطرحها أرضاً بقسوة خلفت صوتاً عنيفاً أثر اصطدام جسدها بالأرض بقوة مع زمجرته بغضب وقوله الحاد القاسي: أنا حذرتك مرتين وانتِ اللي جنيتي على نفسك..

قضمت شفتها بقهر وهي تكتم شهقتها شاعرة بحرقة وجنتها المُخدرة وآلام جسدها التي لا تحتمل من صلابة الأرضية المصقولة، إن ظهرها مازال يؤلمها كي تتحمل هذا العُنف من جديد..
شهقت نادين بتفاجئ وجحظت عينيها وهي ترى والدتها مسطحة أرضاً، وقفت بأعين دامعة وعدم تصديق لِمَ يحدث، ركضت لها وانحنت تساعدها في الوقوف و عبراتِها تنساب على وجنتيها وهي تنظر لها بأسف واعتذار كأنها السبب والمسئولة عن هذا..

وقفت معها وهي تخفض رأسها تكتم شهقتها المُتحسرة شاعرة بالمهانة من هذا الموقف الذي جعلها أقل شأناً وأحط قدراً أمام الجميع، هي لم تتعرض إلى الإهانة من قبل ولم يجرؤ أحداً على التطاول عليها مثلما فعل هو، هو الأكثر حقارة على الإطلاق..

رفعت رأسها له وهي تزم شفتيها رغماً عنها كي لا تظهر ارتجافها، تحت نظراته الحادة التي بدأت تلين وهو يرى صمودها ومقاومتها البُكاء بشدّة رغم أن عسليتيها كانت تبكِ وتعاتبه بلومٍ شديد..

قالت بحدة بنبرة مرتجفة مقهورة وهي تبلع غصتها الحارقة: فرحان بابنك مش كده؟ أحب أقولك إنك إنسان فاشل ومعملتش حاجة غير انك عملت منه وحش ماشي عمال يطيح في الناس زي الطور ومش همه؟ ده مش انسان و عُمره ما هيبقى! إنت معرفتش تربية فشلت في تربيته زي الناس الطبيعية!، انتوا مش أكتر من ناس معدومة الرحمة والقلب صحيتوا الصُبح فجأة لقيتوا نفسكم أغنِية معاكم فلوس وشوية سلاح وبس تفرضوا سيطرتكم بقي وتدوسوا على باقي الناس الأضعف منكم مش ده اللي بيحصل هنا؟ مش ده اللي بتعملوه؟ بس آسفة أنا مش هسمح لحد منكم أياً كان مين انه يتخطى حدوده معايا أكتر من كده، أقسم بالله أبلغ عنكم و أوديكم في داهيه انتوا فاهمين؟

ثم نظرت الي عمّار بكُره مضاعف واشمئزاز وسقطت عبراتها بحرقة وهي تقول بصوتٍ مُرتجف: إنت مش راجل على فكره ومش هتكون، عارف الغفير بتاعك ده والله أرجل منك ورأيي فيك عُمره ما هيتغير عشان انت كل مرة بتثبتلي إنك أسوأ مما كُنت أتخيل، ثم استدارت وركضت إلى الأعلى وهي تبكِ تحت نظراتهم التي كانت تخترق ظهرها وهي تركض..

أخرجت نادين دبلتها التي لم تبقي عليها داخل أناملها سوى لـ ساعاتٍ قليلةٍ فقط بيد مرتجفة ثم وضعتها له على المنضدة وهي تبكِ بصمت وركضت خلف والدتها..

اتسعت ابتسامة ندى المتشفية حتى تحولت إلى قهقهات سعيدة فهي تستحق هذا، لا مشكلة أن تملك لساناً سليطاً هُنا؟ بل المشكلة تكمن في كيفية التحكم فيما يخرج من بين شفتيها والحذر مما تنطق به أمام شخصٍ مثل عمّار لا يفكر سوى بالمحافظة على مكانة والده واحترامه أمام الجميع...

تنحنح متولي وهو يعدل طرف عباءته الشتوية ثم وقف وقال بكل هدوء وكأن ماحدث لمْ يحدث أمام ناظريه: شكلها اكدِه مش مواجفة، اني خارج دلوك، وتركهم وذهب تحت نظرات عمّار الذي لا يعرف كيف يصف ما يشعر به من سوء الآن بفضله، لقد أخطأ عندما صفعها لقد أهانها ويعلم هذا، لكن هو حذرها من قبل أن لا تتخطى الحدود مع والده لكنها لا تفهم! يمكنها الرفض باحترام هل تري الشيخ هُنا كي يعقد قرانها؟

لا يعلم لما بكائها هذه المرة امامه ألمه بهذا القدر رغم أنه أبكاها سابقاً لكن شتان بين شعوره الآن وشعوره سابقاً، لكن لايهم لقد أهانتهُ الآن ولم يتحدث هل هذا بمثابة تعادل بينهما؟ ونادين ماذا سيفعل بها الآن؟
لقد تركته رسمياً هل يتقدم إلى ليلى الآن؟، إن لعين بماذا يفكر..

تنهد وهو يمسد جبهته بضيق لـ يلمح ندى تتقدم بطرف عينيه، تهجمت ملامحه عندما نظر بجانبه و أبصرها، صرخ بها بحدة جعلها تتيبس محلها: انتِ ايه اللي جابك اهنِه يابت النتِن انتِ؟ غوري من جِدامي..
ازدردت ريقها وهي تنظر حولها بارتباك ثم نظرت له بلوم وكأنه أحرجها أمام الجميع بعد قصة حب طويلة وهذا جعل الشياطين تتلبسه، فتلك اللعينة لا تعرفه كي تتصرف بتلك الطريقة كُلما رأتهُ..

زجرها بحدة جعلها تنتفض: انتِ اتجنيتي ولِّيه اجلبي من جِدامي يا متوُوله انتِ، هزت رأسها سريعاً بطاعة كـ الخدم وعادت ادراجها من حيث اتت وجسدها ينتفض..

زفر ضارباً صدره بقوة وهو يلعن حياته ليجد حُسنة تنظر له بحدة وخذلان لأنها هي من ربتهُ وليس والده، و حديث ليلى لم يؤثر سوى بها هي وليس والده الذي ذهب وكأنه لم يسمع، كيف يصمت هكذا من المفترض انه يريدها كي يتزوجها؟ كيف يتخطى اهانتها هكذا؟ لأنه فقط وببساطة لا يحتاج سوى جارية جميلة ولا يهمه شيءً بعدها..

أخذ نفساً عميقاً ثم قال بتعب: والله انا ما متحمل حاجـ، قاطعته بحزم وهي تحذره بسبابتها: لو مطلعتش دلوك يا عمّار وجولتلها اني اسف اعتبرني موت ولسانك ماهيخاطبش لساني ليوم الدين عاد، وتركته وغادرت لكنه وقف أمامها و هتف باستنكار وهو يمسك يدها: انتِ عارفة اني مجدرش اعيش من غيرك واصل انتِ سِت الكُل! وهي غلطت!.

دفعت يده بغضب وهتفت بحدة وتوبيخ: أبوك ذات نفسهُ ماتحمجش اكدِه ولا تحددت انت اللي حاطت نجرك من نجرها من ساعة ما جبِلتها ليه؟ انا تعبت عليك عشان تبجي مِتنوِر مش غشيم اكدِه؟ انا ربيتك عشان تكون راجل و الراجل مش بيعافي علي حُرمة عِندينا عاد وهي مغلطتش في ولا كِلمِه جالتها عشان طلعت هي اكتر واحده خبراك محدش يلومها عاد..
أطبق جفنيه وهو يتنفس بانفعال ثم سألها بصوتٍ هادئ: والمطلوب مني ايه دلوك؟

أبعدت نظرها عنه وقالت وهي تحدق أمامها بدون تعبير: تطلع فوج وتجولها آسف وتطيب خاطرها هي مستحجش منك كُل دِيه، وبعدين تراضي نادين وترجع دبلتها ولما ابوك ياجي عَجِلُة وجوله يختار واحدة من توبة عشان ديّ حتى لو وافجت عليه ما هتمشيش معاه واصل ولا تنفع وانت اكتر واحد واعي للحديت دِيه جوله يابوي بطِل طفاسِية..

أومأ بطاعة وقال باستسلام: موافج عجولها آسف بس، رفعت نظرها له باستفهام ليتابع بتردد وهو يحك طرف حاجبيه: هو لازم ارجِع نادين؟
شهقت واتسعت عينيها وسألته باستنكار: واه، اومال عتعمل ايه عاد؟

دلفت إلى الغرفة وعِبراتها لمُ تكف عن التساقط قط وهي تستمع إلى صوت بكاء والدتها المختنق بحرقة وهي تشهق أثناء تجميع ملابسها وإلقائها داخل الحقيبة بعنف، تقدمت منها ببطء وهي تحني رأسها شاعرة بالذنب وهي تفرك اناملها بتوتر..

هتفت بهمس وهي تقف بجانبها أثناء انحنائها على الحقيبة: مامـ، صرخت بصوت متحشرج من البكاء وهي ترفع نفسها ظناً أنها تقف في صف عمّار: أنا مش هسمح للحيوان الواطي ده انه يتخطى حدوده معايا اكتر من كده فاهمه ولا لأ؟ مستحيل أقعد هنا ثانية واحدة بعد كده لو بتحبيه اوي ومش قادرة تسبيه خليكِ معاه لكن انا مش مُطره اني اتحمل واحد زي ده إلهي تتقطع ايده الحيوان وبرده مش هسيبك لِيه..

عانقتها نادين بقوة وهي تشهق بألم شاعرة بتشنج جسدها ثم هتفت باعتذار: أنا آسفة أنا السبب أنا اللي عرفتك عليه آسفة، ثم فصلت العناق وكوبت وجه ليلى الباكِ وهتفت كي تطمئنها: انا سبت عمّار انتِ كان عندك حق وهو مش بيحبنى حتى لو بيحبني مستحيل أرجعله بعد ما اتجرأ ومد ايده عليكِ هاجي معاكِ مش هقعد أنا كمان ثانية واحدة هنا، هزت ليلى رأسها بخفه وعانقتها وهي تنتحب وجسدها ينتفض بقوة رغماً عنها حتى هدأت بعد بعض الوقت..

قالت بحنو امتزج بصوتها الباكِ وهي تربت على وجنة نادين: انا مش عايزه غير مصلحتك وبس ومش عايزه أكسر قلبك لو بتحبيه مش هقف في طريقك، هزت نادين رأسها بنفي ودفنت رأسها في صدرها وهي تحاوط خصرها بقوة: لأ، أنا هاجي معاكِ عمّار مش أخر واحد في الكون، ثم رفعت رأسها وتابعت وهي تمحي عبرات ليلى العالقة بأهدابها برقة: أنا هروح اجهز شنطتي، وتركتها وسارت الى الخارج ببطء وهي تطرق رأسها تحت أنظار ليلى التي عادت تبكِ بسبب حالتها فهي حزينة عليه، أمسكت الوسادة بقوة ودفنت وجهها داخلها وصرخت بغضب وقهر وهي تتنفس بعنف فهي لن تهدأ إن لم تشفي غليلها، لن تهدأ..

بعد بعض الوقت..
أغلقت حقيبة الملابس ثم أنزلتها أرضاً من على الفراش وهي تستنشق ما بأنفها ومازالت تبكِ غير قادرة على التوقف، حدقت بملابسها التي أخرجتها برؤية مشوشة بسبب عبراتها، وضعتها فوق التخت كي تبدلها قبل الذهاب وتخلع هذا عنها..

توقفت حُسنة في المرر بعد أن كانت ذاهبة إليها كي تعتذر منها رغم غضبها منها أمس لكن قلبها رق لها، توقفت عندما ابصرت عمّار يقف أمام غرفتها يحادث نفسه كالمجانين دون أن يطرق الغرفة، اختبأت خلف الحائط و وقفت تراقبه لترى ما سوف يفعل..

أخذ نفساً عميقاً وهو يحدق بالباب بضيق، كيف سيفعل هذا؟ وهيبته ماذا يفعل بها؟ كيف سيقول آسف بتلك السهولة اللعنة عليها لما جعلت الجميع يُحبها هُنا؟ هو يشك أنهُ نفسه يُريد معاقبة نفسه بسبب ما فعل أيضاً وليس الجميع فقط، لقد سمع بكائها بحرقة وهي تشهق لما؟ هل صفعته مؤلمة إلى تلك الدرجة؟.

يعلم أنها مؤلمة كي تتحملها رقيقة مثلها وتتماسك إضافة إلى عِزةِ نفسها وكبريائها لقد جعلها بلا قيمة أمام الجميع دون أن يُراعي شعورها لأنه همجي..
زفر باختناق ومسح وجهه بغضب جعله يحمر قبل أن يطرق الباب، توقفت قبضته في الهواء قبل أن تنقر فوق جبهتها عندما فتحت الباب فجأة..

أسقطت الحقيبة من بين يديها وتقهقرت إلى الوراء بجزع عندما إنقبض قلبها ولا تنكر ذلك الخوف والنفور الذي اعتراها عندما رأتهُ، فهو منذُ أن رأها لا يفعل شيء سوى جعلها تخافهُ وكأنهُ يتعمد فعل هذا، هو يتنفس جعل الناس تخشاه..

لوح بيده كي تقف ولا تخافهُ وهتف بهمسٍ على مضض لمْ يصل لها: انا، انا، انا، اسف، حركت أهدابها مع جفنيها المتورم من كثرة البُكاء بتعجب ثم تقدمت منه بخطوات رشيقة وكأنها لم تخاف من برهة ثم مالت برأسها عند صدره لـ تتغلغل رائحة عطرة النفاذ أنفها وهتفت باستفهام ببحة أثر البكاء: ايه؟ مسمعتش قول تاني كده؟

لاك بلسانه داخل فمه بنفاذِ صبرٍ وقال بندم هو يتحاشى النظر إلي عسليتيها الدامعة: آسف، هي حقاً لا تعلم مقدار تلك الكلمة بالنسبةِ له كي يتفوه بها بهذه السهولة وكأنه يخبرها اسمهُ، لكن كما تقول حُسنة دائماً انها غاليه..
هزت رأسها بنفي وأعادت بنبرة هادئة استشعر التشفي من خلالها: لأ بجد مش سامعة قول تاني..

ابتسم بعصبيه وقال من بين أسنانه وهو يتفرس وجهها بنظراته: آسف يا ليلى، رفعت حاجبيها وهزت رأسها بخفة وهي تنظر له من أعلاه لأخمص قدميه، ليلى! هل سقط التكليف بينهما إذاً! هذا جيّد..
رفعت وجهها المتورد خلافاً إلى وجنتها الملتهبة وهي تدفن أظافرها داخل راحة يدها بكل غِل، تناظرة في علو وكُره متجاهلة غشاوة عينيها التي تهدد بتساقط عبراتِها بكل مهانة ونوبة البكاء التي ستنفجر بها أن ظلت تنظر له أكثر من هذا!.

قالت بشفاه ترتجف وهي تبتسم ابتسامة تخالف شعورها بالقهر أثناء رفعها ليدها من جانبها ببطء: مش قابلة اعتذارك شكراً أنا باخد حقي بإيدي، مع نهاية حديثها هويت على وجنته بصفعه ظنت أنها قاسية، لكن تم إدخالها تحت مسمي صفعة في النهاية..

توقف الزمن به مع توقف عقله عن التفكير، لقد صُعق وهو يتساءل بكل استنكار هل تم صفعه الآن من قبل هذه؟ حقاً!، هل سترتاح عندما يهشم رأسها داخل الحائط أم عندما يخنقها حتى الموت كي تتعظ، هذا جزاءه لكونهُ نبيلاً وجاء للإعتذار!

ارتجف قلبها و ازدردت ريقها بحلق جاف وهي تعود إلى الخلف بخطواتٍ مُترنحة وقلبها يقفز داخل قفصها الصدري ذعراً، هو لن يقدم على أذيتها صحيح؟ هو عاقل ويقدر كونها أكبر منهُ ويحترمها مثلما حدث في الأسفل مُنذُ قليل صحيح؟، ما هذا؟ لما ينظر لها بتلك الحِدة والخطورة؟ نظرته تكاد تقسمها نصفين! بجانب كونها حارقة! لما؟ هذه مجرد صفعة ناعمة منها لما لايبتسم فرحاً! انه الموت نظراته مُميته، وهي خائفة ياإلهي، أن ظلت في الغرفة لن تستطيع الهروب، وان اغلقت عليها سيقفز من شرفته ويقتلها براحة دون مقاطعة، لكن باب المنزل مفتوح على مصراعيه تستطيع الهروب من خلاله، لكن إلى أين؟

تقدم منها بخطواتٍ ثقيلة وهو ينظر لها بأعين حمراء دامية غضباً وارهاقاً دون أن يخفي انفعالاته وعروق جسده التي برزت من أسفل ملابسه وشراسته تجاهها، نظرت إلى صدره الذي يتأجج غضباً وهو يعلو ويهبط في عنف وثوران، هي لم تظن يوماً انها سوف تغادر هذه الحياة مُبكراً علي يديه لكن هذا نصيبها لن تقاوم لن تقاوم لن تقاوم، صرخت بهلع وانحنت راكضة سريعاً من أسفل ذراعه وهربت إلي الأسفل..

هبطت الدرج بخطواتِ متعثرة وهي تدعو أن تنجو من هذا لتصرخ فجأة بصوت مرتفع عندما رأت ندى تمر أسفل الدرج بتلك الصينية التي تُحيرها من الصباح..
صاحت بصوت مرتفع بتحذير كي تبتعد: ابعدي ابعدي، توقفت محلها وهي تحرك أهدابها بتعجب تطالعها من الأسفل حتى مرت من جانبها كـ رياح عاتية هبت وذهبت فجأة في نفس الوقت..

اصطدم جسدها بصدر قُصيّ الذي وصل الآن لتصرخ بخضة ونظرت له بخوف ممزوج بتفاجئ وهي تلهث بسرعة، حاوط خصرها بنعومة وهتف بعبث أمام ملامحها المذعورة: ايه يا ملّبِن..
رفعت يدها وهويت على وجنته بـ صفعة قوية وهي تقول بحدة وأنفاس متسارعة: ايه يا حيوان، ثم صرخت بهلع عندما سمعت زمجرة عمّار تأتى من خلفها، دفعتهُ من صدره بعنف وركضت الى الخارج..

وضع قُصيّ يديه على وجنته وهو يحرك اهدابة ذاهلاً تحت أنظار عشق التي لم تقل عنهُ ذهولاً بهذا..
صرخت ندى بألم عندما سقطت أرضاً من كتف عمّار الذي ضربها وهو يركض أوقعها هي والأكواب التي تُحيرها أسفل الدرج..

صرخت بغضب وهي تتشبث بالدرابزون كي تقف: ما تفتح يا أعمي انتِه جاك خابط، توقف وهو يصك أسنانه بغضب ثم جأر وهو يلتقط انفاسه وهدر بوعيد: جاييكِ دلوك وعتعرفي مين الأعمى يا بت النِتن يا منتنَه، الله يخربيت النسوان و اللي جابوهم..
توقف أمام قُصيّ وهو يلهث ثم لكمهُ جعل عشق تصرخ فزعاً وهتف بغضب: سِبتها تهرب ليه؟ وايه اللى جابك دلوقتى؟، ثم رفع طرف عباءته وركض إلى الخارج خلفها، هي تُريد فضيحة وستحصل عليها..

رفع قُصيّ وجهه المحتقن وهدر بحدة: ما في ايه يا ولاد الـ انا الملطشة بتاعكم ولا ايه؟ ده انا اطربقها عليكم هنـ، صرخ بألم وهو يشعر بذلك الحذاء الذي يهوي علي مؤخرته مع قولها بغضب: تطربج ايه يا صايع انتِه يا مجرم، ضحك وهو يهرب من براثن حُسنة راكضاً في بهو المنزل وهو يقول: أنا قُصيّ يا حجة نسيتيني ولا ايه انا قُصيّ أنتيم عمّار.

ضحكت عشق وهي تراقبه بعدم تصديق لِمَ يحدث يا إلهي ماهذا؟ لم تراه هكذا من قبل؟ يبدو أنهما سوف يتسليان هُنا كثيراً..
نظرت خلفها وهي تركض بذعر وأنفاس متلاحقة تبحث عنه بعينيها من خلف تلك الخصلات المجعدة التي ترفرف حول وجهها من الهواء دون أن تنتبه إلي خطواتها..

تعثرت وسقطت بمنتصف السوق على ركبتيها بقسوة، تأوهت وهي تدعو عليه ثم صرخت بهلع وشحب وجهها عندما أبصرت تلك العربة التي يجرها الخيل راكضاً بها تتقدم منها بسرعة دون أن يراها الرجل ويوقفها سيتم دعسها وتموت!.

زحفت على ركبتيها بألم شاعرة بالتقزز من تلك التُربة والطريق الغير سوى، اختبأت بين عربتين يوضع فوقهما خضراوات وهي تضم ركبتيها الى صدرها تخفي ساقيها بثوبها المشقوق وهي تنظر حولها بعين زائغة خائفة، تستمع إلى الضجيج الصادرعن السوق من كثرة الأشخاص المتجولين داخله، حمقاء لما هربت لا مفر منهُ سيجدها في النهاية، لِمَ صفعتهُ غبية!، لكن هو من صفعها أولاً ويستحق هذا..

صرخت بفزع عندما سمعت صوت أحد المتجولين يقول وهو ينظر لها: مش دي الرجاصة؟ وقفت سريعاً لـ تضرب رأسها طرف العربة الخشبية، تأوهت بألم وهي تقضم شفتيها بقهر على وشك البكاء بسبب ما يحدث معها ثم زحفت حتى ابتعدت عن العربتين لتصطدم جبهتها بساق صلبه من فوق عباءته..

أطبقت جفنيها بيأس عندما علمت من هذا بسبب رائحة عِطره النفاذ الذي وصل إلى أنفها، هو لعين قذر يضع العِطر كُلما خطى خطوتين كي لا يعرف حقيقته أحد بالتأكيد هو كذلك، لما يضع كل هذا لِما؟
شعرت به يرفعها من شعرها بقوة كادت تقتلعه بين يديهِ، لا يهم فليحلقه حتى إن أراد لأنها تكرهه هكذا..
كتمت شهقتها المتألمة وهي تقضم شفتيها، تطبق جفنيها بعنف، لا تُريد رؤيته لا تُريد يكفي رعباً..

هسهس أمام وجهها بغضب وتحذير: فتحي عينك بدل ما أخزقهالك، فتحت عينيها بطاعة وتوجس وبتروي وبطء تحت أشعة الشمس الدافئة وهي ترفرف بأهدابها بثقل جعلته يلعنها، حتى في أسوأ حالتها جميلة تلك العينين ساحرة بطريقة غير عادية وهذا مايضايقهُ لِمَ يُجب أن يجتمع بها كل شيء يُحبهُ لِمَ، هي بالتأكيد تعمل مع إبليس هذا مؤكد، فلا أحد كامل وهو يراها كاملة لا عيب بها، لا أنها أكبر منهُ سِناً ينسي هذا دوماً عندما يبصرها، فهو يحلق بعيداً عندما تقع عينيه عليها لسببٍ لا يعرفة..

نظر إلى السماء قليلاً وهو يتنهد بتعب لـ يقاطعه همسها بخفوت ونبرة مرتجفة: عمّار، أنا حامل..
لما لا يصدر عن السماء برقاً مع هذا الخبر الصاعق، خفف قبضته عن شعرها ونظر لها بأعين جاحظة تنذر بما هو قادم ولن يكون خيراً بتاتاً، هل سينتظر حتى موعد إنجابها كي يحصل عليها مثل البغيضة الأخرى..

لم تستطع إخفاء ابتسامتها بسبب انطلاء هذا عليه وقبل أن يسألها شيء دفعته من صدره بقوة وركضت، أطبق جفنيه وهو يأخذ نفساً عميقاً أخرجه زفيراً حاراً ثم ضم قبضتيه على عباءته بقوة حتي ابيضت عروقة فهي مُصرة على الموت..

هتف الرجل بتفكير وهو يحملق بظهرها: طب والنِعمة هي الرجاصة، نفخ عمار ودجيه مع أنفه بغضب ثم صفعة على مؤخرة رأسه بقوة وهدر بخشونة: انت الرجاص، وتركه وتابع بحثه عنها بإرهاق فهو أن وقع سوف يغفى بأي مكان..
صاح البائع بغضب وهو يمسد مكان صفعته: وااه طب والله هي الرجاصة وانت عمّار!.

أسندت راحة يدها على هذا الجدار الخشن وهي تميل بجذعها بإرهاق تلهث بقوة وحلق جاف، لا تستطيع الصمود أكثر قلبها يؤلمها سيتوقف إن لم تتوقف يكفي مطاردة يكفي، رفعت جسدها وسارت بحذر في هذا الزقاق الضيق الممتلئ ببرك المياه، لا تعلم إن كانت نظيفة أم لا لكن رائحتها الكريهة وصلت إلى أنفها أصابتها بالإعياء، فإن رأها عمّار هكذا سوف يصدق أنها حامل حقاً..

صرخت بصوتٍ مكتوم خرج مرتفعاً بسبب صدى الصوت عندما دخلت شظايا زجاج في قدمها جعلت صوتها يجلجل..
التفت حوله بهستيريا وهو يقف خارجاً في منتصف السوق عندما وصل له صوت تلك الصرخة، هل دلفت إلى هذا الزقاق الضيق؟ كيف؟.
فإن من يراه من هُنا يعرف أن نهايته مسدوده لا يسير داخله إلا من سار به من قبل ويعلم أنه طريق وهذه زيارتها الأولى هُنا كيف علمت؟ اللعينة الغامضة كيف تعلم؟.

جلست أرضاً وهي تبكِ بألم بسبب قدمها، مدت يدها بخفة وأمسكت طرف الشظية وهي تئن ثم أخرجتها سريعاً وهي تبكِ، ارتجفت انفاسها عندما سمعت صوت خطواتٍ تأتي من بعيد..

صاحت بصوتٍ مهزوز مرتفع خائف وصل له: مين جي، قهقهة بصوتٍ خشن قاسي وصل لها مجلجلاً في أنحاء المكان بسبب كونه خالي من أي شيء جعلها ترتعب و خفق قلبها ذعراً، تحاملت على نفسها ووقفت، أخذت تسير بتعرج وهي تستند على الحائط وجسدها يرتعد من الخوف، ما هذه الأجواء المرعبة..

والزقاق المظلم وصوته يا الهي أنها داخل فيلم رُعب وهو الوحش بالتأكيد، انها مُتعبة وموافقة وعلى أتم الإستعداد أن تُصفع من جديد موافقة بشرط أن يتركها..
اقترب صوت الخُطوات أكثر ليزداد هلعها أكثر فأكثر، توقف عن التقدم عندما أبصرته يأتي اتجاهها، استدارت وهربت راكضة بضعف لكنها تهاوت ساقطة على ركبتيها ولم تملك القوة لتقف من جديد، تأوهت وهي تشهق بحرقة..

علا صوت أنينها وهي تحاول الوقوف بكل ما أوتيت من قوة حتى وقفت بعدم اتزان فقط وعندما حاولت الركض كان قد توقف أمامها يلهث كـ الثور الثائر عندما يرى قماش احمر، نبض صدرها بألم وشحب وجهها وهي تنظر له بأعين زائغة كـ الطفلة وهي تزم شفتيها التي لم تتوقف عن الارتجاف قط..

التصق ظهرها بالحائط من شدّة خوفها من أن يمسك بها وهتفت بنبرة مرتجفة متلعثمة وهي تلهث عائدة إلى الخلف بترنح برؤية ضبابية مشوشة بينما هو كان يتقدم منها كالأسد: عمّـ، عمّـ، ار، أنـ، أنا، أنا أكبر، مـ، منك، احترمني، شـ، شوية، ضحك بخشونة وسخرية وهو يضيق عينيه الداكنة بـ خطورة! هل انتبهت الآن إلى فرق السن ولم تنتبه إلي تخطيها الحدود معهُ؟.

لم يتوقف عن التقدم منها وهي لم تتوقف عن الترنح إلى الخلف بحذر منه وهي تتكئ على الحائط بـ أعصاب تالفة، عادت عبراتها تنساب بخوف وهي تقول باختناق ولهاث شاعرة بالعالم يدور من حولها: عمّـ، عمار، أنـ، أنا، مـ، ش، مش، قادرة، مش، قـ، قـ. اتـ، اتـ، اتنفـ، واسود العالم في عينيها وسقطت فاقدة للوعي بجانب قدمه، سُحقاً لهذا، ألم تخبره أنها تفقد الوعي عندما تخاف وتتفاجئ بشدّة؟ لما لم يسمع؟

شدّ شعره بقوة وهو يزمجر بغضب، ركل الحائط بعنف شاعراً بارتفاع ضغط دمه، لقد هربت وتركته، اختارت الطريقة الأمثل للهروب دون أن يمسها بسوء، يشعر بـ لهيبٍ مشتعلاً داخل صدره!، هو لم يشفي غليله لم يشفي غليله بعد، رأسه ستنفجر من الحرارة والإنفعال إن لم يصفعها الآن سيحدث له شيء سيصاب بنوبة قلبية، هي تفقده عقله، تفقده عقله، يا إلهي الهمه الصبر، جلس أرضاً مقابلها وهو يعتصر رأسه بين يديه في محاولة لتهدئة نفسه قبل أن يخنقها..

مرت نصف ساعة عليه، ظل جالساً يحدق بها وهو يفكر بعمق، كم هي مسالمة وهي نائمة، جميلة بريئة ناعمة، هل تشعر بالبرودة بسبب تسطحها على الأرضية الباردة بتلك الملابس؟ تستحق يقسم أنها تستحق كي تتعظ ولا ترتدي هكذا من جديد، هل تؤلمها رأسها من قوة السقطة؟ لا شعرها المبعثر يفترش الأرضية أسفل رأسها كـ وساده، هل هي نائمة أم ماتت لأنه لم ينقذها؟ هي سوف تستيقظ وحدها صحيح؟ ماذا سيفعل بها عندما تستيقظ يا ترى؟!

نظر إلي قدمها التي جفت الدماء عليها وهو يتساءل باستنكار، هل هو مخيف إلى تلك الدرجة كي تهرب منه رغم جرح قدمها؟ هل عقلها الصغير الغبي هيئ لها أنها رُبما تهرب منه ولن تعود وهُنا؟ غبية فإن لم يمسك بها هو الجميع سوف يمسك بها من أجله! هل هي في القاهرة كي لا يجدها؟ كيف تكون أكبر منه بهذا العقل الصغير، ضيقة الأفق هذه، تحتاج إلى مركز تأهيل لأن طفلتها أعقل منها حقاً..

ألقى رأسه على الحائط وهو يزفر حتى هبت رياح قوية أظهرت رائحة العفن المنتشرة في الزقاق، كيف تحملت هذا وهي تتقزز من الوحل! كيف؟ انكمش أنفه في تقزز من الرائحة، ليصل إلى مسامعه ذلك الصوت المألوف وهو يهتف بإسمه..
=: سيدي عمّار انت اهنِه؟ جالولي انك فوت اهنِه انت موجود ولا اعاود؟
تنهد وصاح بضيق: اهنِه تعالي..

تقدم الغفير وهو يتلفت حوله حتى وجد مفترق طرق، نظر امامه بحيرة ايذهب يميناً أم يساراً أم يكمل طريقه؟، حسناً، أكمل طريقة وظل يتقدم حتى أبصر تلك المسطحة أرضاً، هرول لها بقلق، انحني كي يحملها لكن توقفت يديه في الهواء عندما سمع زمجرته الغاضبة وهو يحذره: بَعِد وهمِّلها..
أومأ بطاعة وهتف سريعاً: انا جيبت العربية لجنابك..

أومأ عمّار وقال بهدوء: روح افتحها وانا جاي وراك، أومأ لها بطاعة وذهب، تحت أنظار عمّار التي كانت تخترقة من أعلاه لأخمص قديمة هل هذا هو الذي تراه أكثر منه رجولة؟، فلتستيقظ اللعينة..
تنهد بضيق ووقف وتقدم منها، جلس القرفصاء أمام جسدها، لكز وجنتها الناعمة بسبابته وهو يقول بحدة وكأنها تسمعه: انتِ فوقي بدل ما اضربك، الوووو فوقي!

زفر وهو يضع يديه أسفل فخذها والأخرى خلف ظهرها وهو يتأفف وكأنه لا يرغب بهذا، الوقح، رفعها بين يديه كـ ريشة شاعراً بـ بروده جسدها، بالطبع يُجب أن تكون ريشة وهي لا تتناول في الفطور سوى مكعب جُبن وبيضة وبعض اللقيمات ما هذا؟ لو كان زوجها حي وتعتني بنفسها من أجله لم تكن لـ تفعل هذا، الطعام أهم شيء لدى النساء ما خطبها هي مختلفة في كل شيء؟

رفعها إليه أكثر وهو يسير بها مستشعراً ليونة جسدها الطري بين يديه فهي قابلة للثني كـ حافظة أمواله، هل يهشم عظامها الآن ويفعل هذا؟، هز رأسه مبعداً تلك الأفكار عن عقله لأن هذا سيكون مسلي أكثر وهي مستيقظة، وضعها في المقعد الخلفي للسيارة عندما وصل أمامها، صفق الباب بعنف ثم استقل السيارة وأدار المقود كي يذهب لكنه توقف عندما وجد غفيرة يجلس بجانبه..
أمره بهدوء وهو ينظر لها عبر المرآة: انزل..

نظر له قليلاً بتعجب ثم أومأ بطاعة وترجل من السيارة، أعاد عمّار إدارة المقود وتحرك بالسيارة..
تشبث الغفير بـ نافذة السيارة وهو يسير معه مهرولاً حسب سرعتها وهو يسأله باستفهام واستنكار: انت مهملني اهنِه ليه؟
إبتسم عمّار وهتف من بين أسنانه بغضب: عاود رمح يا راجل، وضاعف سرعته حتى أفلت النافذة وإنطلق ذاهباً من هُنا نهائياً، يستحق هذا كي لا تُقارن بينهما مجدداً..
في المنزل..

شهقت وهي تبكِ بحرقة تسألها باستفهام: مامي فين؟ انتوا عملتوا فيها ايه؟
ربتت حُسنة على ظهرها بحنان وهتفت بتعب: بزيداكِ عاد يا حبيبتي عمّار رمح وراها ومش عيرجع غير وياها!
تنهد قُصيّ وهو يهز قدميه بتوتر وعينية معلقة على حذاء حُسنة الذي تحركه في قدمها بدون راحة بحذر وتوجس على أتم الإستعداد إلى الهروب عندما تقف، فهو كُلما يأتي إلى هُنا يتعرض للضرب كـ أحد صراصير الحقل بسبب لسانه السليط..

ربتت عشق على وجنته بخفة وسألته وهي تضع رأسها على كتفه: فين صاحبك مش هنطلع انا تعبانة و عايزة انام، قبل راحة يدها برقة وهتف بحنان: هو زمانه جي يا ترى مسك الغزالة ولا لسه؟
احتقن وجه عشق وضربت كتفه بغضب وأردفت من بين أسنانها: احترم نفسك! انا لسه محسبتكش علي ملبن يا عديم الاحترام يا وقح..

لويت ندى شدقيها وهي تنحني على الطاولة، وضعت أمامهم العصير باحترام وهي تسلط أذنيها معهم تسترق السمع حتى صرخت بها حُسنة عندما وجدت انحنائها استمر وقتٍ طويل: انتِ عاتهببي ايه عندك يا بت انتِ مش جولنا متطلعيش من المطبخ عاد ايه اللي جابك اهنِه اجلبي عالمطبخ؟
تأففت بصوتٍ منخفض وهي تقلب عينيها، وقفت باستقامة وتحركت بخطواتٍ بطيئة بتمهل وهي تلوي رقبتها تحملق تجاه الباب متمنية أن يصل عمّار كأنه سيحميها!

إتسعت ابتسامتها عندما وجدته يدلف لـ تختفي بالتدريج وهي تبصر ليلي بأحضانة..
شهقت نادين وازدادت نحيبها عندما رأتهُ يتقدم يحمل والدتها بتلك الحالة المذرية، قدميها المتسختين وطرف عباءته المليئة بالوحل وقدميه!، هل ركض خلفها حافي القدمين ولم يشعر هو الآخر!، ابتعدت عن الأريكة وهي تشهق بخوف كي تترك له مجالاً ليضعها..

وقفت حُسنة وسألته بقلق: خبر ايه يا وَلدى حوصول ايه؟، هز رأسه بنفي وهو يسطحها على الأريكة بهدوء، جثت نادين أمام الأريكة وأخذت تربت على وجنتها بحنان وهي تبكِ ثم سألته بغضب: انت عملتها ايه؟
هتف بهدوء وهو يلتفت: معملتش حاجة هي اللي تعبت من الجري، لوح إلى قُصيّ الذي كان يراقبهم باستفهام وهو يبتسم وكأنه لم يلكمه منذُ قليل..

استفاق على يد نادين التي ضربت كتفه بغضب وهي تصرخ به بحرقة: كذاب انت عملتها حاجة، انت السبـ، صرخ بها بقوة جعلها تنتفض بخوف: قولت مرة معملتش حاجة ايه في ايه؟
نظرت له بلوم وعتاب وهي تزم شفتيها المرتجفة مثلما كانت تفعل ليلى وهي تبكِ، زفر بضيق وحرك شفتيه كي يعتذر لكنها انفجرت باكية وهي تغمر وجهها بين يديها جعلته يطبق اجفانه بنفاذِ صبر، هذا كان قاسياً يعلم لكنه أفضل كي تكرهه الآن ولا تتعلق به أكثر..

استدار وتجاهل بكائها، تقدم منه قُصيّ وهو يبتسم، لكم صدره كفتاة غاضبة ثم عانقة بقوة وهو يضحك وتذمر في نفس الوقت بـ درامية: كانوا هيعدموني يا عمّار، قهقهة وهو يربت على ظهره وقبل أن يتحدث سمع ضجة في الخارج تبعها ولوج الغفير مهرولاً اتجاهه بوجه شاحب ومن دون مقدمات هتف بصياح ولهاث: الحق جنابك مُنذر جاي مع رجالته محملين بالسلاح عشان يجتلوك..

صرخت حُسنة وهي تضرب قلبها: يا مُرك يا حُسنة يا مُرك يا حُسنة، قطب عمّار حاجبيه وهو ينظر لها ومازال لا يستوعب ماسمع؟ لما يقتلوه ماذا فعل؟ هل كُل هذا بسبب الآثار ذلك المُخنث؟ وهل سوف يقتلوه في وضح النهار؟ لا الصباح هل هم حمقى؟، ولما تلك اللعينة ندى تبتسم الآن هل تُريده ميتاً أمامها؟!

استفاق من شروده على صوت صراخهم معاً عندما تم اخترق زجاج الشرفة أحدي الطلقات النارية، جذب قُصيّ عشق من يديها وأوقفها بجانبه بقلق..
اسودت عينا عمّار بسواد قاتم ونفر عرق جبهته وانقبضت عضلات صدره بغضب وهدر بلغة آمرة: اطلعوا فوج دلوك، نظروا له بذعر وكأنهُ يخبرهم أن يذهبوا إلى موتهم الآن..

فصرخ بهم بعصبية وانفعال: انتوا لسه عاتبحلجوا جولت اطلعوا فوج دلوك!، دفع قُصيّ عشق إلي الأمام وحسها على التقدم معهم، هرولوا ثلاثتهم إلى الدرج سريعاً بخوف عدي ندي وليلي الفاقدة للوعي..
توقفت نادين على بداية الدرج وصرخت بخوف وهي تبكِ: ومامي، لعن عمّار تحت انفاسة ونظر لها بـ بُغض، هي نائمة ولا تدري بما يحدث حولها!، هل يتركها تموت؟!
أخرجه من شروده إقتراح قُصيّ الغير برئ بالمرة: اشيلها انا لو مش عايز!

نظر له عمّار بدون تعبير عندما استشعر تلك النبرة اللعوبة التابعة الى صديقة والتي يعرفها جيّداً وقبل أن يتحدث، اتسعت عينيه وشد قُصيّ من يده جعله ينبطح معه أرضاً لتخترق تلك الرصاصة الأريكة!، الأريكة، اللعنة! ليلى؟!.

هب واقفاً وقلبه يطرق قفصه الصدري بـ عُنف وقلق يكاد ينخلع من محله!، حملها بين يديه بلهفة وهو يتفحصها بخضراوية مراراً وتكراراً بهستيريا يطمئن أنها بخير ثم تحركت ساقيه وركض بها إلى الأعلى، صرخت به ندي من الأسفل بخوف: مهملني اكدِه ورايح فين؟

زمجر بغضب وهتف من بين أسنانه وهو يصعد: إنجلبي وتخبي يلي تنحرجي بدري، الله يخربيت أدمك الفقر يا قُصيّ، ضربت قدميها في الأرض بتذمر وتحركت لتذهب لكن قُصيّ تقدم منها وهو يبتسم بخبث رغم الموقف..
شهقت عندما وجدت نفسها ترتفع عن الأرض فوق كتفه منقلبة رأساً على عقب، ضربت كتفه بوجه محتقن غاضب وهي تشعر به يصعد الدرج بها وهتفت بحدة: نزلني يا بتاع النسوان انتِه يا مزبلح..

وضعها عمّار على الفراش برفق وهو ينظر لها بقلق ثم قال إلى نادين بهدوء: حاولي تفوقيها ومحدش يخرج من هنا، أومأت وهي تبكِ وجلست بجانبها على طرف الفراش بينما عشق كانت تقف تمسك بيد حُسنة بخوف، تركتها حُسنة وتقدمت من عمّار وأردفت بلهفة و قلب منقبض وهي تربت على صدره: عمّار متفجعنيش عليك ياولدي!

ابتسم وقبل رأسها بحنان وهو يطمئنها: متجلجيش مش عتحصل حاجة وحشة عاد، ثم استدار ليجد ندى خلفهُ مباشرةً، رفع كفه ودفعها من أمامه بسخط جعلها تترنح إلى الجانب ثم قال ببرود إلي قُصيّ الذي يقف أمام الغرفة: تعالي ورايا يا فقر..
أغلق باب الغرفة خلفة وسار تجاه غرفتهِ..
إبتسم قُصيّ بعبث وهو يسير خلفه و يعلم إلى أين يأخذه لكن سأله بخبث كي يتأكد: احنا رايحين نلعب ببجي صح؟


تااااابع ◄ 

 

أحدث أقدم

نموذج الاتصال