-->

رواية سجينة ثوب الرجال الفصل الثانى

 

 جلست بهيره الى جواره، وقد علمت انها وضعته فى مازق صعب، ولكنها لم يكن لديها حلا اخر، نظرت الى الاسفل وقد امتلاء عقلها بالافكار، نظر اليها وقد فهم ما تفكر به، فهو اضعف من ان يواجه عزمى، ولكنه لن يتركها له، اخذت نفس وزفرته قائله: عمى ممكن اسالك سؤال؟


عمري: كيف مابدك يابت اخوى اسألى؟
ترددت للحظات وقالت: انت ليه مشيت وموجفتش لعمى وخدت حجك منيه؟

ابتسم فهو يفهم مقصدها من هذا السؤال واجاب: وجتها مكنش ينفع اجعد، بعد ما ابوكى مات عزمى الطمع عماه، وكان كل همه ان الارض كلاتها تبجا تحت يده، ولما رفضت اسبله ارضي وكنت عايز ادوز البنت اللي رايدها، هو مرضيش واتحجج انها مش جد المجام، كيف ادوز بنت الراجل اللي كان بيشتغل عندينا، وبهدلو البت هو ومرته وكسرو نفسها، انا قررت اخد حجي منِه وابعد عنهم، لكن طبعا هو مرضيش دخلت كُبرات البلد وحكمو عليه يرجعلى حجى، وهو جدام الكل اتعهد انه يرجعو، بس لما روحت اطلب منه مرديش، وكان عايز يدينى بيته الجديم ادوز فيه، واشتغل فى ارضى تحت اشرافه انا واللى هتدوزها كننا اوجريه، ولما رفضت وجولت ان ده مش الاتفاج اللي بنتنا، ولا ده اللى اتعهد بيه جدام الرداله، جالى اعلى مافى خيلك اركبه، روحت لدوز اختى انصاف كان له كلمه عليه، هو اللي بيبيع للكل المحصول.

كل التجار ميخلفوش له امر، ولو منع ان حد يشترى محصُله مهيلجيش اللي ياخد منه حبة واحده، كلمته وهو واعدنى انه هيساعدنى، بس عزمى كان عارف انى هلجأ ليه، فعمل لعبه مع واحد من المخبرين فى الجسم، وكان هيلبسنى جضيه مطلعش منها الا بعد عذاب، اتجبض عليا واتبهدلت، جانى دوز اختى انصاف، جالى ان عزمى الوحيد اللى يجدر طلعنى منهِا، بس ليه شرط اسيب ارضى تحت يده واشتغل معاه، ولما رفضت جلى هتخسرهم كلهم عشان تدفع للمحامين، ولما حسبتها لقيت ان الحل الوحيد انى ابعد، وارضى باللى يبعته ليا احسن ما اخسرها خالص، اوارجع له ويتحكم فيا، عشان اكده مشيت، انا مش جبان يابت اخوى، بس لو كنت عملت زيه كنا هنتفضح فى البلد، والناس كلها هتتفرج علينا، وبعدين يابتى انا عارف زين كيف اوجف له، احنا مش هنواجه عشان ميركبناش الغلط، لكن هنلاعبه.

لم تفهم بهيره قائله: كيف يعنى؟
فكر قائلا: هجولك لمى خلجاتك وانا هجيب حاجه من جوه واجيلك.
دخلت جلبت الحقيبه وخرجت، واتى هو الاخر ومعه حقيبه صغيره ونظر لها قائلا: تعالى وياى وانا هجولك نعمل ايه.

خرج من باب الشقه خرجت خلفه، صعد الى الطابق الذى يليه، فهو اخر طابق فى البنايه التى يسكن بها، فهى خمس طوابق وغرفتين صغيرتين فوق السطح، اشار لها عليهم قائلا: لما اشتريت الشُجه دى، كان صاحبها بيبعها بالروف ده والاوضتين دول، وانا جولت اخدهم كمان عشان لما ادوز، ميجيش حد يطلع عليا انا وعيالى، واهو لما احب اوسع على نفسى اكمل بنها، هتجعدى اهنا، عمك ميعرف عنهم حاجه، انا فارشهم وفيهم تلاجه وبتجاز كمان، عشان سعات كنت اجى اجعد اهنا فى الهوا.

نظرت اليه بعدم فهم قائله: مفهماش يعنى ايه اجعد اهناه لحالى؟

عمرى: افهمى واد عمك لما يجى ماعيتكلمش، ممكن يدخل يخدك من شعرك ويخرج، وان وجفتله هيتعارك وياي، ويمشى ويروح اهناك ويركبنى الغلط، ويجول انى ساعدتك على الهرب، وبدل ما اخدك وارجع لهم عصيتك عليهم، فهمتى انت هتتخبى اهنه، لحد لما اروح اهناك، واعمل جعدة رداله واجول انهم بدهم يدوزوكى غصب، وانت تاكدى على كلامى، واحكم عليه انك تاجى تعيشى معاى اهنه فهمتى.

هزت راسها قائله: فهمت يعنى انت معتجولش انى عندك، بس اكده هما هيفضحونى ويجولو عنى انى هربت منهم.
عمري: لاه انا هقول انى جيت خدتك من هناك، لما انت شيعتلى واستنجدتى بيا فهمتى.
اخذت نفس وزفرته قائله: بس انا خايفه ياعمى هو زمانه دلوك جال لكل الناس وفضحنى.

فكر عمرى قائلا: هيبان لما ياجى واد عمك هفهم هما عِملو ايه المهم دلوك، هنزل اشتريلك وكل وشرب وتلفون، عشان اكلمك عليه طول مهما اهنا، وهفهم الجيران انى اجرت الاوضه لواحد بلدياتى، عشان محدش يستغرب لما يلجاكى فى الاوضه اهنه.
فتح لها باب الغرفه وادخلها ووضع الحقيبه التى معه على الطاوله قائلا: دسى الشنطه دى وياكى دى فيها كل اوراج الشُجه اللى تحت والسطح ده واوراج تانيه مهمه، معاكى اهناه هيبجو فى امان.

وتركها مر على جارته التى فى الدور الذى قبله، واخبرها انه اجر الغرفه التى فى السطح لشاب صغير من اقاربه، وطمأنهم انه لن يضايقهم فى شئ، ونزل اشترى لها كميه من الطعام، وهاتف جديد وعاد، كانت هى نظفت الغرفتين واعادة تنظيمهم، وضع الحقائب من يده على الطاوله قائلا منبهرا: واااه واااه دا انتى طلعتى شاطره جوى روجتى وظبتى كل حاجه فى الحبه دول.

ابتسمت بحزن قائله: ماهى مرت عمى كانت ممرمطانى ومشغلانى عندِها خدامه واتعلمت كل حاجه، كانت تريح بناتها توديهم يتفسحو فى الاجازه كل سنه، وتعمل عاركه مع عمى لما يوافج لعمتى انها تاخدنى معها وهى جيالك.
ربط على ظهرها قائلا: معلش يا بتى خلاص معتروحيش اهناك تانى وعد منى معرجعكيش ابدا.

هزت راسها بالموافقه، وابتسمت ابتسامه هزيله، فهى خائفه عزمى لن يترك ثروتها بسهوله، ولن يصدق انها ستتركها له، قامت اخذت ما احضره ووضعته فى الثلاجه، واحضرت الافطار واعدت الشاى، تناولا الافطار معا وشرب عمري الشاى وقام قائلا: انا هنزل دلوك زمانتهم جاين، هشوف هما عايزين ايه وهيجولو ايه وبعد اكده هنتصرف، هتصل على التلفون ده عشان اطمن عليكى هكلمك على انك راجل فاهمه، ومتخفيش محدش بيجرب من السطح اهنا والعماير التانيه بعيده يعنى محدش هيشوفك.

هزت راسها قائله: حاضر ياعمى.
تركها ونزل بقى فى شقته ينتظرهم، كان متاكد من حضورهم رغم تاخرهم، وبالفعل بعد عدت ساعات دق جرس الباب، قام وفتح وعندما راهم امامه تصنع الدهشه قائلا: واااه ولاد اخوى ايه اللى جابكم اكده فجاءه؟!
تفاجاء الاثنان من رد فعله، ودخلا الشقه واعينهم تتفحص المكان بحثا عن بهيره، تصنع الغضب قائلا: ايه يا واد انت وهو ده جلة الادب دى؟ ابوكو معلمكوش تسأذنو قبل لتدخلو الدار؟

تنحنح شاكر قائلا: معلش ياعمى اصل احنا تعبانين جوى من الطريق، بدنا نرتاح بس شويه.
شعر فواز بالحرج قائلا: منقصدش ياعمى بس كل الحكايه ان السلم عالى هد حيلنا.
كان عمري يلاحظ نظراتهم التى تبحث عنها فى كل مكان، ولهفتهم للدخول للبحث عنها فى داخل الغرف، فتصنع عدم الفهم قائلا: وااه مالك ياواد اخوى انت وهو عما تتلفتو اكده ليه بتدورو على ايه؟
تجلج شاكر قائلا: هاه معلش اصلى، اه اصلى مزنجوج جوى وبدى ادخل الحمام.

اشار له على اتجاه الحمام قائلا: اهناك اهو وبدل ماتتلفت اسأل وانا هجولك.
اسرع شاكر ودخل الحمام واغلق الباب، ارد فواز ان يشغل عمه فى الحديث، كى يتيح الوقت لشاكر ليبحث عنها فور خروجه من الحمام فقال: مايجصدش ياعمى هو بس مستحى منك، خجلان يعنى، دى اول مره يجى عندك، واصلا لفينا كتير على ما عرفنا البيت.

عبس عمرى قائلا: ماهو ابوك ابو عجل تخين ده، لو جالى فى التلفون كنت روحت جابلتكم ووفرت عليكم اللف، انتو بردو ولاد اخوى.
فواز: معلش ياعمى اصلها سفريه جت مفاجأه اكده.
عمري: وياترى ايه اللى جابكم مفجأه اكده فى حد مات تانى ودفنتو منغير متجولو؟

تلجلج فواز فهو لايعرف ماذا يقول، فهم لم يجدو لها اى اثر فى الشقه، خرج شاكر من الحمام ودخل الغرف وبحث بهم، التف عمرى واعطى ظهره للغرف كى يعطيه الفرصه ليبحث كيفما يشاء، اتى شاكر ووقف الى جانب فواز قائلا: معلش ياعمى هعمل مكالمة تلفون، اطمن ابوى اننا وصلنا واجولك احنا ايه اللى جابنا اكده.

عمري: براحتك ياواد اخوى البيت بيتكم، هعمل لكم كوبيتين شاى على ما ترتاحو، واطلب لكم غدى، انتوةخابرين انا لحالى ومعنديش حد يطبخ، وطبيخى عفش.
تركهم ودخل المطبخ وهو يراقبهم من بعيد، نظر شاكر الى فواز قائلا: ملجتهاش فى الاوض.
فواز متعجبا: راحت فين يعنى ملهاش مكان تانى؟
شاكر: اكيد تاهت ومعرفتش توصل وشويه وتاجى.
فواز: طب كلم ابوى واسأله نعمل ايه؟

هز راسه بالموافقه واخرج الهاتف من جيبه وطلب والده الذى كان ينتظر مكالمتهم متلهفا، اجابهم قائلا: ايوه يا شاكر جبتوها وراجعين ولا عمكم وجف لكم؟
شاكر غاضبا: ملجنهاش اصلا مش موجوده ومعرفينش نجول لعمى احنا جاين ليه.
عزمى غاضبا: كيف يعنى ملجتوهاش راحت وين دى؟
جز شاكر على اسنانه قائلا: وانا اعرف منين مش دى اللى كنتو عايزين تدوزوهالى شوف بت اخوك راحت وين.

زاد غضب عزمى قائلا: سد خاشمك ده واكتم ماعيزش عمك يسمع بالحديت ده، وجوله انك جاى تشترى باجى الشوار بتاعاك انت وبهيره، يمكن تكون تاهت فى الطريق، وشويه تاجى عندكم خليكم لبكره.
شاكر وهو يجز على اسنانه: حاضر يابوى.
انهى المكالمه ونظر الى اخيه قائلا: هنفضل اهنه لبكره عشان نلاجى اللى حاطت راسنا فى الطين، ياولها منى بس اما الجيها، مهخليش فيها حته سليمه يولها منى.

فواز: طب اسكت دلوك عمك يسمعنا ويعرف الحجيجه، اسكت دلوك ولما نلاجيها ونروح يحلها ربنا.
كان عمرى يستمع الى كلامهم واشتعل غضبه، وكاد يخرج يضربهم ولكنه تراجع خوفا عليها من بطشهم، يجب ان يحميها لا يتسبب في اذاءها، اخذ لهم الشاي وضعه امامهم قائلا: مجلتش يعنى ايه اللى جابكم اكده على سهوه؟
شاكر وهو يحاول ان يدارى غضبه: جاين نشتري شوار ليا انا وبهيره، اصل احنا هنتدوز بعد اربعين عمتى.

تعجب عمري قائلا: كيف ده يعنى هو مفيش عندكم حرمه للميت؟ عايزين تعملو فرح واختى لسه ميته؟
شاكر: لاه ياعمى معنعملش فرح ولا حاجه، هندوز سوكيتى اكده متخافش.
عمري غاضبا: اه وبردك ابوك هيدوزهالك منغير ميجولى، ابوك عدى الحدود كلها ومخلاش اى حاجه، بس لما اجى البلد هيكون ليا كلام تانى معاه.
فواز: انت حر انت واخوك ملناش صالح احنا، بدى انام شوى تعبان من الطريق انام فين؟

اشار الى الغرفه التى كانت بها بهيره قائلا: اهناك روح نام.
شاكر: انا كمان هدخل اريح وياه ياعمى.
عمري: ادخل يا واد اخوى اهو على ماتصحو يكون الوكل ده.
دخل الاثنان الى الغرفه، كان عمري ينظر عليهم بغضب شديد، فهو يعلم ما يدبرون للفتاه المسكينه، ولكن ما كان يقلقه ما يخططون له، وكيف يوقفه، خرج الاثنان من الغرفه ونظر شاكر الى عمه قائلا: جولى ياعمى هو فى حد كان جاعد وياك اهناه؟

تفجأ عمري بالسؤال وظن ان بهيره قد نسيت شئ يخصها بالغرفه، فتحنح قائلا: حد جاعد معايا كيف يعنى تجصد ايه ياواد اخوى؟
شعر شاكر بالخوف والقلق فى نظرات واجابة عمري، فقرر انه يحاول ايقاعه فى الكلام قائلا: تكون جت عندك يعنى.
فهم عمري انه يحاول ايقاعه فى الكلام، فنظر له غاضبا: انت هتجول ايه ياواكل ناسك بتتهم عمك بالزنا؟! انت شايف عمك راجل عفش عشان يعمل اكده؟ان مكنتش ضيف فى بيتى كنت علمتك الادب ياواد اخوى.

فهم شاكر ان عمه قد فهم قصده خطأ، وتيقن من داخله انه لايعلم شئ عن بهيره، فقال: لاه لاه ياعمى كيف افكر اكده، انا اقصد يكون حد بيجى ينضفلك الشجه، حد من صحابك بيجعد معاك شويه اكده يعنى، مقصديش حاجه عفشه لاسمح الله.
فهم عمري انه طمانهم بكلامه، فقد قصد ان يحول تفكيرهم لامر اخر كى يتأكدا انه لايعرف شئ عن بهيره، فقال: ماشى يا واد اخوى.

دخلا مرة اخرى الى الغرفه نظر فواز الى شاكر قائلا بصوت خفيض: بجولك ايه انا مجيليش نوم دلوك ماتيجى ننزل ندور عليها يمكن تايه فى الطريق، اهو لو لجيناها ناخدها من بره وعمى مايعرفش حاجه.
فكر شاكر قائلا: تصدج فكره زينه، ننزل حتى كمان نستناها عند العماره تحت، واول ماتاجى ناخدها ونمشى.
فواز: يلا بينا.
خرجا مره اخرى من الغرفه، تعجب عمري قائلا: وااه مالكم داخلين خارجين اكده؟!

شاكر: ابدا ياعمى بس معرفينش ننام فهننزل نجيب شوية حاجات ونعاود.
عمري: استنو الوكل على وصول كلو لاول وبعدين انزلو.
فواز: تمام وماله بردك، بس لو جدامه كتير ننزل نجيب حبة حاجات على ما يجى.
عمري: لاه جاى خلاص هما عارفنى ومعيأخروش عليا الوكل، اجعد ياواد انت وهو اجعدو جولولى ايه اخبار البلد.
جلس الاثنان وبدأا يتحدثا معه.

انهى عزمى المكالمه مع شاكر، وجلس يفكر اين ذهبت بهيره، لو انها لم تذهب لاحد فى البلد، ولم تذهب ل عمري، اين تكون؟ هل تكون تعرف احد اخر، فقال لنفسه: لاه بت اخوى متعملش اكده ابدا، تكون عملت فى نفسها حاجه، واااه تكون رمت نفسها فى الترعه ماهى معهاش فلوس هتسافر كيف يعنى؟!
دخلت عليه رقيه وتعجبت لرؤيته يكلم نفسه قائله: وااه عتكلم نفسك، منك لله يا بهيره طيرتى عجل الردل.

نظر اليه عزمى بحده قائلا: ككجن لما يلخبطك ياوليه انت غروى كتك غوره.
رقيه بعبوس: وااه يعنى متخلعش عليك لما الجيك بتتحدد لحالك.
ضجر عزمى منها قائلا: بووه منك اسيبك وامشى يعنى جولتلك يا حرمه، بفكر عايز اعرف البت دى راحت وين، وهى معهاش حتى جرش واحد ولا معها خجله تلبسها.
جلست الى جواره وقالت بمكر: بنت فى سنها تخرج واحدها كيف الا لو كان حد غوها.

غضب عزمى ونهرها قائلا: سد خاشمك ياوليه انت بدل ماسدهلولك بجلوص طين، مره لسانها كيف العجربه، بت اخوى متعملش اكده ابدا، اصدج انها تقتل نفسها ولا انها تغضب ربنا، وبعدين يا دموسه انت هو فى راجل واحد راضى بيها كحرمه، ده ابنك مرضيش بيها عشان ملهاش منظر.
حركت فمها يمينا ويسارا ووضعت يدها على ذقنها قائله: صح فدى عندك حج بس معجول تكون رمت نفسها فى البحر.

نظر اليها عزمى وكانه اقتنع بكلامها قائلا: تصدجى صح مدام ملهاش اثر اكده ومراحتش عند اخوى تبجا موتت نفسها، بس احنا لو بلغنا الحكومه هتبجا فضيحه كبيره.
فكرت رقيه قائله: اجولك لو جم ولادك وملجيوهاش يبقا هى انتحرت، ومهنبلغش ولا حاجه انت تعرف دكتور الوحده، تخلص معاه وتخليه يطلع لنا شهادة وفاه، ونعمل لها عزا والموضوع يخلص.
عزمى رافضا: كيف ده طب وخالها وعمري هيسكتو كيف؟

رقيه ماكره: خالها مجدور عليه هنجول انها اتغسلت واتكفنت خلاص ومحدش يفتح عليها الكفن.
عزمى: طب والجثه عنجبها من وين؟
رقيه: وااه هى دى صعبه الممرض بتاع المستشفى، يجبلنا من المشرحه ايها جثه عندهم معرفينش لها صاحب، ناخدها وادينا هناخد ثواب دفنها كمان.
امسك عزمى ذقنه قائلا: تصدجى كلامك صح ونخلص من الموضوع.
رقيه: وحتى لو كانت حيه مامتتش معتجدرش ترجع اهناه تانى خلاص، مبجلهاش وجود اصلا.

نظر اليها عزمى منبهرا: ايه الدماغ دى ده انت ولا ابليس نفسه.
ضحكت قائله بتفاخر: ابليس ده ياجى ادرسله.
ضحكا الاثنان وقد عزم على ذلك.

اما بهيره كانت تجلس فى الغرفه كما امرها عمها، كانت تستمع الى كل مايدور عندهم، وعمها يتصل بها كلما وجد فرصه يطمأن عليهاويطمأنها، ظلت على هذا الحال حتى المساء، كان الوقت يمر عليها بطئ، وكانها تسير فى طريق مظلم ولا تعرف متى ياتى النهار، كانت كلما اغمضت عينها رأتهم يدخلون عليها وينهالون عليها ضربا، فتنتفض مكانها وتظل تلهث مرتعبه، وكأنها كادت تغرق فى بحرا هإج حالك الظلمه، وظلت على هذا الحال، حتى سمعتهم يخرجان مع عمها، وقتها فقط شعرت ببعض الإطمئنان، جلست مكانها وكانها اسيره تنتظر الحريه، دق باب غرفتها ورغم انها متاكده انه عمها، الا انها انتفضت وفزعت وتجمدت مكانها، لم تهدأ الا عندما سمعت صوت عمها يناديها قائلا: افتحى يابت اخوى اطمنى غارو خلاص وركبتهم العربيه كمان متخفيش.

تنفست بهيره وكأن روحها عادت اليها، وقامت فتحت له الباب دخل ونظر لها فوجهها شاحب وتحت عينها اسود فهى لم تنم بسبب الكوبيس التى تطردها.
تنهد قائلا: معلش يابت اخوى عارف انك كنتى خايفه، بس انا وعدتك ومعخليش حد منهم يمس منك شعره حتى لو كان فيها موتى.
بهيره: بعد الشر عنك ياعمى ربنا ما يجيب حاجه وحشه ابد.

جلس على طرف السرير واشار لها جلست الى جواره، ربت على ظهرها قائلا: بصى هما دلوك اتأكدو انك مش عندى، انا هتدلى على البلد، وهحكى لخالك كل اللى حصل واللى عملوه فيكى، وهجول انك كلمتينى وانا جيت اخدتك من اهناك، وهعمل جاعدة رداله ونحكم على عمك انك تعيشى معايا، وربنا ييسر الامور وعمك ميعملش مشاكل تانيه.
ابتلعت بهيره ريقها قائله: اللى تجولو ياعمى انا موافجه عليه وهعمله، بس انا مش هتدلى معاك؟

عمري: على عينى يابتى اسيبك اهنه لحالك، بس مجدرش اخدك وياى، الا لما اتفج مع خالك، ومينفع الحديت ده يكون بالتلفون، اول ما اطمن هبعت واد خالك ياخدك هو خبر البيت زين.
بهيره: طب وانا هروح اكده بخلجات الرداله دى؟

عمري: لاه هنزل دلوك اشترى ليكى خلجات حريمى من اى محل جريب، عشان ماعيزش حد يعرف انك عملت اكده، انا خابر زين انك كنتى مجبره منها لله مرت عمك، شكلك تعبانه نامى دلوك وانا هنزل اشترى الخلجات وبكره ان شاء الله هتدلى على البلد.
هزت راسها بالموافقه تركها وخرج، نزل الى شقته فهو الاخر متعب، لم ينم جيدا كان خائفا من ان يكتشفو امرها، نزل اشترى لها الملابس الجديده وعاد الى شقته.

فى المساء وصل شاكر وفايز الى منزلهم، كان عزمى ينتظرهم فى غرفته، فصعدا اليه دخل شاكر قائلا: ملجنهاش حاطت راسنا فى الطين والوحل هربت ومنعرفش راحت فين؟
نظر اليه عزمى غاضبا: وطى حسك ومتتكلمش عن بت اخوى اكده، هى عمرها متعمل اكده ابدا، البت جتلت نفسها عشان متتدوزكش يافالح.
صدم شاكر من رده وتلجلج قائلا: كيف يعنى وفين جتتها؟

عزمى غاضبا: رمت نفسها فى البحر وخلاص هندفنوها بكره بس محدش منكم يتحدتت مع حد لحد لما نعلنها ونجول للكل انت فاهم.
لم يفهم شاكر قائلا: لع مفهمش يعنى ايه هى ماتت ولا انت هتجول اكده؟
زاد غضب عزمى وصرخ بهم قائلا: عنك مفهمت خدى ولدك وبعدى عنى دلوك يا رقيه بدل ما اجتلهولك.

اخذتهم رقيه وخرجت دخلت غرفة شاكر، نظرت اليهم قائله: افهم ياواكل ناسك انت وهو، بوك معايزش فضايح، لو هى هربت هتبقا فضيحه لنا كلنا، وكمان كيف تهرب لحالها وهى معهاش خلجات، فتشت خلجات اختك لجيتهم كاملين يعنى مهربتش، فأكيد هى موتت نفسها وخلصنا بجا، الموضوع ده مايتفتحش تانى مفهوم.
سكت شاكر وهو يشتعل غضبا قال فايز: طب وانت هتعملو ايه هتجولو انها انتحرت؟

رقيه: لاه هنجول انها ماتت طبيعى، من يوم ماماتت عمتها وانا جايله انها مرضانه، هجول ان التعب زاد عليها وماتت، وابوك هيجيب جته ونكفنها وندفنها وخلاص، والصحه تبعنا هنخلص معاهم.
شاكر غاضبا: طب وعمى هيسكت على اكده؟وخالها هو التانى مهيجولش اننا جتلنها ويعمل لنا مشاكل؟
اخذت نفس وزفرته قائله: كل ده مقدور عليه ابوك هيحله ملكش انت صالح.

شاكر: وااه كيف يعنى هو جال ان البت هربت منى ومعيزاش تتدوزنى كانى حيوان انا.
رقيه: وهو انت معرفش انها رافضاك من الاساس؟ واننا كنا جبرينها عليك، بجولك ايه هى ملهاش شكل ولا منظر، بس انت كمان ضربتها بغبا خليتها مطيجاش فهمت.
شاكر: فهمت خلاص.
رقيه: هسبكم دلوك عشان ابوك يروح يشوف اللى هيعمله.
عادت الى غرفة عزمى كان يتحدث فى الهاتف، ظلت صامته حتى انتهى ونظر لها قائلا: يظهر ان البت موتت نفسها صح.

تعجبت رقيه قائله: كيف يعنى؟
عزمى: كلمت دكتور الصحه عشان اجله يخلصلى الموضوع، جالى انهم لجيو دثه لبت فى البحر، بس ملامحها مش باينه الميه كلتها، فجولت اكيد تبقا هى، فجولتله ميجولش لحد معيزينش حديت عاد، هناخدها من سكات وندفنها وننهى الموضوع وخلاص.
رقيه: زين اكده الموضوع خلص لحاله.
عزمى: لما نخلص الاجرات كلها، هكلم عمري واجله عشان يجى يحضر الدفنه، وكمان عشان ميعملش مشاكل.

رقيه: زين اروح احضر الوكل للولاد زمانتهم جعانين.
تركته وذهبت وكل منهم متيقن انها ليست جثتها لكنهم مقتنعين انها قتلت نفسها وستظهر جثتها بعد فتره، وليس مهم اى جثه سيدفنون، المهم ان الامر ينتهى دون فضائح لهم.


استيقظ عزمى وايقظ رقيه قائلا: جومى يا حرمه انت حضرلى الفطار على ما اتسبح وطلعليلى شنطة الفلوس عشان اروح اخلص الورج.
نهضت قائله بنعاس: حاضر هحضره، والفلوس اهي عندك فى الدلاب خدهم.
واتجهت ناحية الباب لتخرج فنادها قائلا: طلعى لى خلجات نضيفه قبل لتنزلى.
رقيه: حاضر.

دخل هو الى الحمام فتحت الخزانه اخرجت الملابس، وبحثت عن حقيبة النقود، لكنها لم تجدها فقالت لنفسها: راحت وين الشنطه دى مفكراش (بتذكر ) وااه ايوه افتكرت صح البت المخبله بهيره خدتها من عمها ودخلت اوضة شاكر تبقا لسها هناك.

اخرجت ملابس ل عزمى وذهبت الى غرفة شاكر فتحت دون اصدار صوت ودخلت تبحث عن الحقيبه فتشت الخزانه لكنها لم تجدها فبحثت تحت السرير فوجدتها فامسكتها شعرت انها خفيفه ففتحتها فوجدتها خاليه ففزعت قائله: واااه وين لفلوس اللى كانت اهنا؟
استيقظ شاكر على صوتها نظر لها قائلا: عم تعملى ايه اهنا دلوك؟
نظرت اليه بغضب قائله: وين الفلوس اللى كانت فى الشنطه دى يا واكل ناسك؟

نظر شاكر الى الحقيبة وتعجب قائلا: شنطة ايه دى وايه اللى جابها اهنه؟
فكرت رقيه قائله: يعنى انت متعرفش انها كانت اهنه؟
نفخ شاكر قائلا: يعنى اطلع من خلجاتى جولتلك معرفش موعيتلهاش جبل سابج من الاصل.
سكتت قليلا وبحثت تحت السرير مره اخرى قائله: ووين الشنطه التانيه اللى جبتو فيها الخلجات؟
قام شاكر غاضبا: هتكون وين يعنى تلجيها تحت السرير.

فكرت رقيه وجمعت الامور مع بعضها قائله: اكده بانت تبجا بنت الكلب بهيره هربت صح، سرجت الفلوس وهربت بيها.
صدم شاكر قائلا: كيف يعنى انت مش جولتى انها معهاش خلجات ولما فتشتى خلجات سماح لجتيها منجصاش حاجه؟
نظرت بحقد وغل قائله: صح بس فاتنى خلجات انصاف كلها دوه كنت راكنها انجى منيها الزينين واطلع الباجى.
نظر لها بغضب: تجصدى انها هربت ومموتتش نفسها طب راحت وين؟

اخذت نفس وزفرته وجزت على اسنانها قائله: عمك عمرى مفيش غيره بس هو عارف انكم متهملوهاش ولو وجف لكم هتحصل عاركه بنتكم فخبها لحدت ممشيتو وبعد اكده عيجبها وياجى يعمل جعدة رداله ويخادها ويهزج ابوك جدام الكل.
زمجر شاكر قائلا: وااه واحنا هنسكت ده انا كنت ادفنها ولا اهملهاش تهزج ابوى مش كفايا حطت راسنا فى الطين.

ابتسمت ماكره: صح اكده يبجا ملهاش الا الكتل، اسمع انت تدلى على اول الطريق مكان ما بتجف العربيات اللى جايه من مصر، وتتطلع للعربيات واول ماتشوف عمك وهو جايبها معها، تجرها من شعرها وتاخدها، وخد معاك اخوك عشان يشغله عنك وينتهى الموضوع ومحدش يعرف حاجه انت فاهم.
شاكر: طب وعمى هيسكت؟!
نظرت بخبث قائله: ملكش صالح بيه سيبه وهو مهيجدرش يعمل حاجه، طلما اخدتها منه يبجا خلاص الكلام خلص.

شاكر: طب وابوى هيبجا عارف بالحديت ده؟
رقيه: هنعرفه بعد مانخلص، هى حاطت راسنا فى الطين وملهاش عندنا الا الكتل، والفلوس انا هتصرف فيها.
خرجت وعادت الى غرفتها اخرجت نقود من خزانتها كانت تخبأهم، ووضعتهم فى الحقيبه وتركتها على السرير بجوار الثياب، ونزلت لتعد الافطار.

صعد عمري للغرفه التى بها بهيره، دق الباب كانت نائمه فزعت من صوت الباب، وقامت اقتربت من الباب تنصت للصوت، قال عمري: وااه يابت اخوى انت لساكى خايفه افتحى جايبلك الخلجات.
ابتلعت ريقها واطمأنت انه عمها ففتحت الباب قائله: معلش يا عمى اصل كنت نايمه واتخلعت من صوت الباب.
دخل عمري اعطها الملابس وجلس قائلا: تعالى اجعدى يابت اخوى بدى اجولك كلمتين.

اخذت الملابس وجلست الى جوره نظر لها قائلا: انت اكيد متعجبه انى سبتك تنامى لحالك اهنه امبارح، بس انا خوفت يكونو بيلعبونا واول ما تنزلى يجو ياخدكوى، انا جولت واوضحلك بس، هتدلى دلوك على البلد وربنا يسهل، متخفيش ماههملكيش لهم ابدا، بس لما يجى واد خالك معايزهوش يشوفك بلبس الرداله ده فاهمه؟
هزت راسها قائله: فاهمه يعمى ماتخفش.
وقف عمري قائلا: طب هنزل عشان الحق اليوم من اوله وهحدتك فى التلفون.

بهيره: وانا كمان ياعمى هحدتك اطمن عليك كل شويه بس مش هتفطر الاول؟
عمري: لا ماعيزش افطر، انا بس جيت اخبرك الحديت ده، ومعيزش حد يعرف منهم انك ادليتى لحد اهنه لحالك فاهمه؟
بهيره: متخافش ياعمى، بس الله يخليك متهملنيش لهم تانى، انا مجدراش اجعد معاهم تانى.
ربط على كتفها قائلا: متخفيش مههملكيش لو فيها موتى.

وتركها وخرج ولمعت عيناه ونظر متوعد وهو يقول فى عقله: دى فرصتى عشان اخد حجى منيهم، زمان هما هددونى، لكن دلوك انا اللى همسكهم من رجبتهم، اغلب الارض الزينه كلها بتاعتك، ولما تبجى وياى هتبجا تحت يدى، يعنى هما اللى هيبجو تحت رحمتى، ويوليهم منى.
اتجه الى موقف الحافلات وركب الحافله، كان شارد الذهن حتى انه لم يلاحظ ترنح الحافله، وصراخ الركاب على السائق بسبب نومه اثناء القياده.

بعد عدت ساعات عاد عزمى الى المنزل وهو غاضب جدا، صعد الى الغرفه ولحقت به رقيه دخلت واغلقت الباب قائله: مالك متضايج ليه اكده؟
جز على اسنانه قائلا: اعوذ بالله الطمع عما جلوب الناس، دكتور المركز مرضيش يسيب حاجه، خد الفلوس كلاتها وجال لسه هيراضى العساكر والخفر بس هما يكافو.
رقيه: واااه خد المية الف كلهم؟
ضجر قائلا: حاجه تجرف، المهم خلاص هيغسلوها ويجبوها اهنه بعد شويه، جهزى حالك وانا هكلم عمري.

رقيه: طب وخالها عتجلو كيف؟
قال متذكرا: وااه كنت ناسيه ده.
فكرت قائله: انت لما كنت هناك مش كنت عامل جدامهم انك حزنان على البت.
عزمى: ايون امال اجنعتهم انهم يدواهنى اكده كيف، الفلوس دى بس عشان ميطلعوها وجتى منغير محضر.

رقيه ماكره: طب كلم التمرجى وجوله ان جالبك وجعك على البت جوى، وانك مجدرش تروح تجول لخالها انها موتت نفسها، وخليه هو يجوله، وفهمه انها عملت اكده عشان عاشجه واد خالها، ولما رفضها كسر جلبها، وعشان ترد كرامتها وفجت على شاكر، لكن مجدرتش تكمل، جلبها متحملش انها تعيش مع واحد وهى عاشجه غيره فجتلت نفسها.
فكر عزمى قائلا: طب ولو ساله هو عرف الكلام ده من وين يجلوه ايه.

قالت بمكر: جوله اننا لقينا ورجه البت كاتبه فيها الكلام ده، واننا معيزينش نفضحو البت كفايا انها ماتت منتحره.
انبهر عزمى قائلا: ايه ده انت غلبتى ابليس زاته جبتى الفكره دى من وين؟ ده اكده معيفتحش خاشمه نهائى.
رقيه بتفاخر: مش اكده وبس لاه ده كمان هيبجا حاسس بالذنب ويانب نفسه وكانه هو اللى جتالها هو وولده.
زاد انبهاره قائلا: وااه صح محدش يجدر على كيد الحريم.

ضحكت بخبث امسك هاتفه واتصل بتمرجى الوحده وفعل ما قالت، وبعدما انهى معه المكالمه اتصل بعمرى لكنه لم يسمع الهاتف، فاعاد الاتصال مره اخرى، فنبه الشخص الجالس بجوار عمري قائلا: تلفونك بيرن يابلدينا.
فنظر لها عمري وهز راسه قائلا: متشكر.
وامسك الهاتف ونظر به وتعجب من اتصال عزمى فاجاب قائلا: اهلا ياعزمى فى حاجه؟
عزمى وهو يتصنع الحزن: بت اخوك بهيره تعيش انت.
عمري بعدم فهم: اعيش انا كيف يعنى؟

تضايق قائلا: وااه يا واكل ناسك بجولك البت ماتت ايه مش واضحه دى؟!
غضب قائلا: هى وصلت لكده بتموتو البت بالحيه كيف ماتت وهى حداى؟
صدم قائلا: حداك كيف يعنى؟
عمري بحده: البت وايى من يوم مخرجت، بس انا كنت خابر انك باعت ولادك عشان يخدوها فدستها منهم، وانا جاى دلوك وهفرج عليك الخلج كلهم.

وانهى معه المكالمه وهو غاضب جدا، ويفكر ماذا يفعل هل يعود ويجلبها معه، ولكن هذا سيأخره كثيرا، ففكر ان يتصل بخالها ويخبره بالامر، ويطلب منه ان يرسل ولده لاحضارها، وامسك هاتفه ليتصل فاذا بالحافله تترنح وتنقلب، يقع عمري منها وتنقلب الحافله مره اخرى وتقع فوقه، وتنقلب مره اخيره وتنفجر بعدها ويموت كل من بها، البعض محروقا والبعض الاخر بسبب اصابته.

انهى عزمى المكالمه مع عمري واستشاط غضبا، ونظر الى رقيه التى لم يرى على وجهها اى تعجب فزمجر قائلا: انت كنتى عارفه يا حرمه انت البت هربت وراحت عند عمرى.
ارتعبت رقيه من شدة غضبه وابتلعت ريقها قائله: لاه احنا خمنا اكده لما ملجناش الفلوس فى الشنطه الصبح، بس مرضتش اجولك واحملك هم زياده.
هجم عليها وكاد يضربها لولا انها نزلت عند قدمه قائله: احب على رجلك اسمعنى الاول وبعدين اعمل اللى يعجبك.

قبض على يده وجز على اسنانه قائلا: جولى وياويلك منى لو معجبنيش كلامك عدفنك مكانها.
وقفت وهى ترتعد وقصت عليه ماحدث ففكر قائلا: عشان اكده مشايفش حد منيهم من الصبح.
نظرت اليه نظرات خائفة وقالت: منا جولت اتسرف يعنى كفايا عليك اللى انت فيه.
فكر قائلا: تمام اللى عملتيه هو الصح، بس تنبه على ولادك لو عدت منهم عدفنهم مكانها، انت فاهمه معايزش فضايح فى البلد.

هزت راسها بالموافقه قائله: طب والدفنه اللى جايه والعزا عتملو فيهم ايه؟
نظر لها باصرار قائلا: هدفنها جبل لاياجى ومعيزش حد يعرف بالحديت ده فاهمه، وعايزك تبانى جدام الكل حزينه على البت وكانها بتك فاهمه.
ابتلعت ريقها قائله: حاضر.
تحركت نحو الباب مسرعه لتخرج من امامه فقال: اسمعى نبهى على ولادك يجيبو عمري مع البت عشان اصفى حسابى معاه لاول.
فقالت: حاضر.

وخرجت مسرعه كلمت ابناءها واخبرتهم بكل ماحدث، وقام عزمي بمراسم الدفن وكانه لم يسمع شئ من عمري، وبعدما انتهى رن هاتفه من رقم عمري فابتعد عن الناس قليلا واجاب قائلا: ايوه يا عمري عايز ايه تانى؟
الهاتف: حضرتك تعرف صاحب التليفون ده؟
تعجب قائلا: ايوه اعرفه ليه؟
الهاتف: انا اسف البقاء لله صاحب التليفون مات فى حادث مينى باص.
صدم قائلا: وااه كيف ده يعنى؟

الهاتف: للاسف من شويه العربيه اتقلبت وكل اللى فيها ماتو وياريت حد يجى يستلم الجثه.
صمت للحظات وقال: محدش بجى من العربيه دى؟
الهاتف: للاسف كلهم ماتو ولسه هندور على اهليهم.
انهى معه المكالمه وصمت للحظات واقترب من الناس وبدأ يتصنع الحزن والبكاء وهو يقول: هملتنى ليه ياواد ابوى اعمل ايه ودلوك بجيت لحالى ياسوادى هى مالها الاحزان جايه وراى بعضيها ليه؟
فاقترب منه احد الرجال قائلا: فى حاجه حصلت تانى؟

تصنع البكاء اكثر قائلا: عمري مات ولسه مكلمنى هروح استلم جثته مات فى حادثه وهو داى على الطريج.
وتركهم واسرع الى منزله اتصل باولاده واخذهم ليذهب الى مكان الحادث.

كانت بهيره فى غرفتها منذ ان تركها عمري، تتحرك فى الغرفه بقلق شديد وخوف منتظره اتصال منه ليطمأنها، وعندما تاخر اتصاله بها قررت ان تتصل به، فطلبته على الهاتف لحظات واجاب شخص اخر قائلا: ايوه حضرتك تعرف صاحب التليفون ده؟
اجابت قائله: ايوه اعرفه هو التليفون ضاع منيه؟
الهاتف: للاسف صاحب التليفون عمل حادثه ومات، واتصلنا بأهله عشان يجو يستلموه، لو تعرف حد منهم ياريت تستعجلهم قبل الدنيا ماتضلم.

بهيره بعدم تصديق: لااااه مماتش لااااه كيف يعنى يهملنى هو جال ميهملنيش، لااااه مماتش انت فاهم غلط ادهونى اكلمه احب على يدك.
الهاتف: لا حول ولا قوة الا بالله انا اسف جدا ربنا يصبرك.

وقع الهاتف من يدها وانهمرت الدموع من عينها وانهارت على الارض وهى تنتفض وتصرخ بصوت مكتوم: لااااااه لاااااه بووووووه بووووووه اروح وين واجى منين هملتنى ياعمى هملتنى انت كمان طب اعمل ايه انا دلوقتى اروح لمين اااااااااه ااااااااااه.

وانفجرت فى البكاء وظلت هكذا حتى خارت قوها وغلبها النوم، رات نفسها فى غرفتها، ترتدي فستان جديد ويبديها رائعه، وشعرها منسدل على ظهرها، وتجلس على طرف سريرها تبكى، اتت والدتها التى تشبها كثيرا، وجهها مضئ ترتدى جلباب ابيض جميل، جلست الى جوارها ربطت على كتفها قائله: اكده يا بهيره ده اللى علمتهولك مش جولتلك يا بتى الصبر عند الصدمة الاولى ووعيتك اننا لازم نتبع سنة النبى ( عليه الف صلاة وسلام ).

بهيره ببكاء: مجدراش يا امى جلبى وجعنى جوى نار جواى معرفهاش اهديها اعمل ايه؟
مسحت دموعها بيدها قائله: اطلبى الصبر من ربنا يابتى هو واحده اللى جادر يساعدك، هو وحده جادر يشيل حملك ويخفف عنك.
ازدادت فى البكاء قائله: اه يا اماايى بجيت وحيده فى الدنيا من بعدك انت وابوى، مخدتنيش وياكى ليه؟ هملتينى اهنه ليه الدنيا عما تلطش فيا يمين وشمال، وانا خلاص مجدراش خدينى معاك يا امااى.

مسحت على شعرها وربطت على ظهرها قائله: انت لسه صغار والدنيا جدامك متجوليش اكده، وادعى ربنا هو وحده جادر يابتى يخفف عنك ويدبر امرك، اوعاكى يابتى تيأسى من رحمة ربنا، ده ابتلاء ولازم نصبر ونحتسب مش ده اللى اتعلمتيه ولا ايه؟
ابتلعت ريقها ببكاء قائله: ونعم بالله ونعم بالله ادعيلى يا امااى يخفف عنى، ويبرد نارى ادعيلى وجولى لابوى يدعيلى هو كمان.

ابتسمت ومسحت على شعرها قائله: دعيالك يابتى وجلبى راضى عنك، وابوكى كمان مات وهو راضى عنك، واللى ابوه وامه يرضو عنه، الدنيا بكل جوتها ماتجدر تهته، علجى جلبك بربنا وهتلاقى الخير كله يابتى.
هدأت قليلا قائله: ونعم بالله يا اماى ونعم بالله.

فتحت عينها ونظرت حولها وعلمت انه كان حلم، ظلت تردد ونعم بالله وقامت دخلت توضأت وافترشت المصلى، ووقفت بين يدى الله تبكى وتتضرع اليه وتطلب منه العون والصبر، وظلت هكذا حتى سمعت صوت اذان الفجر، شعرت براحه وكأن النار التى بداخلها قد هدأت، صلت وجلست تدعو الله وتستغفر وتطلب منه العون.

استيقظ عزمى وايقظ رقيه قائلا: جومى يا حرمه حضرلى الفطار على ما اتسبح.
قامت وهى نعسانه وتحركت نحو الباب فناداها قائلا: رقيه تعالى جربى اهنه.
فالتفت ونظرت اليه وظلت مكانها، فنظر اليها قائلا: انا خابر انك زعلانة منى بس انت خابره انى مجصدتش ازعلك.
نظرت اليه بعتاب قائله: انت خلعتنى، من يوم ما ادوزنا وعمرك مارفعت يدك على، يعنى ترفعها واحنا فى سننا ده؟

ابتسم قائلا: سن ايه بس احنا لسنا شباب، وبعدين انت عجبتينى طلع دماغك دى جامده، فمتزعليش عاد.
ابتسمت قائله: خلاص مزعلانش انا اجدر.
ضحك قائلا: طب يلا روحى صحى ولادك يستعدو، عندينا يوم طويل، بالعافيه امبارح على ما اجنعتهم يدونى دوسته عشان نتوايه ونخلص، ومبجاش حد له حاجه عندى، الموت هو اللى طلعه من تحت يدى.

ضحكت بشماتة الانتصار قائله: خلاص بجا ربنا خلصنا منيهم ولا وسخناش يدينا بدمهم، نعمل الواجب ونعملهم العزا اللى يليج بينا وخلاص.
نظر لها باعجاب قائلا: صح اكده، يلا روحى صحى ولادك على ما اتسبح، وكلمى بتك سماح تعاود كفايا عليها اكده، فى عريس داى ليها، وانا اجلت الموضوع على ما العزا والحزن ده يخلص.
فرحت قائله: عريس زين اكده؟

عزمى متفاخرا: واااه امال، واحد من كبرات البلد بس ربنا يهدى بتك وتوافج، ومتعملش زى المره اللى فاتت، وتنشف دماغها المره دى مهوافجش على دلع البنته ده.
رقيه: لاه متخافش انا هجنعهالك واخليها توافج.
تركها ودخل الى الحمام وذهبت الى غرفة شاكر ايقظته قائله: جوم ياشاكر جوم ياولدى، عشان تلحق تاكل لجمه انت واخوك جبل لاتنزلو للدفنه والعزا.

اجاب ناعسا: ماعيزسش انا تعبان وجفين امبارح طول اليوم على رجلينا، سبينى ارتاح شوى.
غضبت قائله: جوم لازم تجف النهارده وتبين وسط الناس جد ايه انك حزنان، عايزه الكل يتكلم على حزنك عليها.
افاق من نعاسه قائلا: ليه يعنى هى كانت حرمه دانا ربنا نجانى منيها الدوازه دى.

نظرت اليه بمكر وخبث قائله: افهم ياواكل ناسك، انا عايزه كل بت فى البلد تحلف بوفاءك لبت عمك اللى كنت هتتدوزها، وكل بت تتمنى انها تتدوزك، عشان لما نروح نخطبلك بعد فتره تبجا العروسه هى اللى هتتجنن عليك، وانا ديابلك عروسه ايه كل الشباب بيجرو ورها، هخليها هى اللى تتمناك.
اعتدل فى جلسته ونظر لها منبهرا وهو يرقص حاجبيه: لو اكده بجا لاه دانا هجهر جلبى عليها وجلبهم معايا كمان.

ضحكت قائله: طب يا ناصح، همشى انا دلوك وروح انت صحى اخوك واتسبح واجهز.
وخرجت ونزلت الى الاسفل اعدت لهم الافطار، نزل الثلاثه وجلسو لتناول الافطار، نظر عزمى لشاكر قائلا: بعد كام يوم ابجا خد اخوك وروحو شجة عمك، شوفو لو فيها حاجه مهمه هاتوها وتعالو زين.
شاكر: ولزومه ايه ده يا بوى دى شجه متأجره يعنى ملهاش عازه.
فايز: صح يابوى هنضيع وجت على الفاضى خليها لما نبجا نفضا.

عزمى: خلاص وجت ماتفضو ابجو روحو، معزينش ورجه اكده ولا اكده تعمل لنا مشاكل.
شاكر: حاضر يابوى.
عزمى: صح رقيه لما تاجى الحريم بلاش تعاملى نواره معامله عفشه متركبيناش العبيه.
عبست قائله: ليه يعنى تطلع مين دى عشان تعمل لها حساب اكده؟
غضب عزمى من ردها قائلا: دى صاحبه ميه وخمسين فدان ارض، يبجا تتعامل باحترام فهمتى، وكمان هى اشتكت انك عاملتيها عفش فى موتة انصاف، وده ميصحش.

اخذت نفس وزفرته وقالت بضجر: حاضر هعاملها زين.
عزمى محذرا: لاه تعامليه احسن معامله معيزش شكوى تانى فاهمه.
هزت راسها بالموافقه تركهم وقام قائلا: انا هتدلى على المستشفى عشان الغُسل خلصو اكل وحصلونى.
شاكر: حاضر يابوى.
تركهم وذهب كان يبدو على رقيه الغضب فقال شاكر: انت ايه مزعلك فى حديت ابوى؟
رقيه بغضب: ايه نواره دى بت الكلاف كمان اللى هعاملها زين؟ واهتم بيها ايه يعنى ميه وخمسين فدان هى هتنسا اصلها.

ابتسم شاكر قائلا: طلما بجا حداها ارض كتير، تنسا كل حاجه متزعليش ابوى، بدل ماتحلا فى عنيه هى وارضها.
صكت وجهها قائله: واااه يامرارى ايه اللى بتجوله ده ياولدى، جوم غور انت واخوك وجفل على الحديت الماسخ ده، جال تحلى فى عنيه جال.
وقف فايز قائلا: هى من ناحية الشكل جمر منور، يعنى تحلا فى عين ايه رادل.

نظرت اليه بغضب وقبل ان تنطق امسكه شاكر من ذراعه وتحرك مسرعا وهو يقول: يلا بسرعه يا واكل ناسك هى ناجصه بتولعها زياده.
خرجا الاثنان بسرعه وهما يضحكان على غضب امهم وغيرتها، نظرت عليهم رقيه بغضب متوعده: بجا اكده يبجا لازمن افكرك باصلك يا نوراه، بس مش اهنه فى الموته ليكى روجه، بس مش دلوك.
ودخلت الى المطبخ لتجهز الطعام للمعزين.

مرت عدت ساعات على بهيره وهى تجلس مكانها تدعو وتستغفر حتى شعرت براحه وطمانينه، حاولت ان تتحرك من مكانها وتقف لكنها شعرت بدوخه وهبوط شديد، تذكرت انها لم تتناول طعام منذ يومين، تحاملت على نفسها وقامت اعدت شطريتين وكوب من الشاى وجلست تتناولهم، كانت تبتلع الطعام بصعوبه شديده فهى لاتشتهيه، ولكنها يجب ان تاكل لتستطيع الحركه، كانت تشعر بمراره فى حلقها، فكل ما مرت به من الالام اصعب من تحملها فهى ماتزال فى السابعه عشر من عمرها، ولكنها تشعر انها شابت قبل اونها، انتهت من الطعام وجلست تفكر ماذا تفعل واين تذهب هل تبقى فى هذه الشقه ام تذهب منها، بدات تحدث نفسها قائله: مخبراش اعمل ايه لو مشيت من هنا اروح فين، وخايفه يجاو يدورو عليا اهنه، يارب دبرنى واعيش منين وكيف اعيش لحالى اكده؟

تذكرت النقود التى اخذتها من الحقيبه خبطت على جبينه قائله: واااه كيف نسيتهم دول كانهم مبلغ كبير، ده انا حتى من ربكتى نسيت اخبر عنهم عمى الله يرحمه (اخذت نفس وزفرته) الحل الوحيد افضل مكانى، وعلى حالتى دى ولو حد منيهم جه يدور على اهرب بسرعه جبل لايشوفنى صح هو ده الحديت.

بقيت بغرفتها لمدة ثلاث ايام دون ان تخرج حتى للسطح امامها، كانت تراقب المكان من خلف النافذه، بدأ الطعام لديها ينفذ وهى خائفه من ان تخرج، فكرت ان تخرح بملابس الرجال، وبعد تفكير طويل لم تجد حل اخر، فأرتدت احدى الاطقم التى معها وكان لها غطاء راس وضعته فوق راسها، ونزلت احضرت اشياء تكفيها لعدت ايام، مر اسبوع لم تخرج من غرفتها مره اخرى، تتابع فقط وتنتظر المجهول، فهى لا تعرف مكان اخر تذهب اليه، سمعت صوت وحركه فى شقة عمها مما ارعبها وملاء عقلها بالظنون، هل هو احد ابناء عمها اتا للبحث عنها، ظلت بغرفتها دون اصدار اى صوت، حتى رأت شخص اتى الى السطح ويقترب من غرفتها.

ارتعبت وزادت ضربات قلبها وكادت تتجمد من الخوف، دق باب الغرفه قائلا: ...

 

 تاااابع ◄