رواية الحرب لأجلك سلام الفصل العشرون
- أنا عايز افهمك بس إن اللى بتعمله ده هيوديك ورا الشمس؟! أنا من حقى أكلم محامى، من حقى مقعدش هنا اكتر من ٢٤ ساعه، ومن حقى أعرف أنا هنا ليه!
- برافو، دانت مذاكر قانون كويس، وجاي تعلمهونى!
اردف فارس جملته الاخيره بنفاذ صبر عند وقوفه أمام مجدى الذي يتكئ بفظاظه على مكتبه رافعا ساقيه فوق، فتدلت اقدامه بهدوء ثم نصب عوده واقترب منه محملا بعواصف غضبه، فباغته بلكمة قويه افقدته قوته وجهر.
- انا هقولك إنت هنا ليه ياروح أمك..
ثم أمسك به من يااقته ورجه أمامه بقوة، وصاح
- قبل مااقولك إنت هنا ليه، حابب اعرفك انا مين، واكيد عارف..
ثم هزه بعنفوان وواصل
- أنا مجدى السيوفى، عارف مين مجدى السيوفى! شكلك متعرفش وانا مش عايزك تعرف، مايشرفنيش...
وبمهاره قتالية ركله فى ركبتيه فأختل اتزانه فجثى على اقدامه متألمًا، وتابع مجدى بصوت كالرعد..
- بس لو مفكر إن اللى يجى على شرف عيلة السيوفى إنى ممكن ارحمه، تبقي بتحلم..
استقوى فارس ليقاومه ولكن يداه المكبلة بالاصفاد افقدته الدفاع عن نفسه، فضرب براسه بطن مجدى، وصرخ
- مش ذنبى إنكم مربتوش بناتكم..
فنالت ذقن فارس ضربه قويه من ركبة مجدى، وهدده
- لما تتكلم على بناتنا تحط عينك فالارض يلااااه، أنت فاهم...
ادرك فارس ضعفه أمام مجدى، فرفع راية استسلامه بمهاودته، وسأله
- يعنى أنت عايز إيه!
شد مجدى المقعد المجاور لمكتبه، وجلس بالعكس
- عملت كده ليه؟!
اتسعت عيون فارس، واردف بنبرة انتقام
- بنحب بعض، وكنا متفقين نتجوز!
تمالك مجدى اعصابه، ثم واصل
- ده السبب المستعار، الحقيقي إيه بقي..
رمقه فارس بتردد ممزوج بالخوف، فأكمل مجدى
- ما تيجى معايا دغرى!
نصب فارس عوده بمعاناة حتى وقف أمام مجدى، وهدده.
- هاجى معاك دغرى، واعرفك إنى لو مظهرتش بعد ٨ ساعات من دلوقتى فيديو المحروسة بنت عمك يتشير على كل المواقع، فالاحسن ليك تتقى شري!
وقف مجدى بثبات ثم رفس المقعد بقدمه قوة وتمالك اعصابه متمتما
- فيديو، يعنى تشهير! يعنى قضيه تانيه! طيب كنت خلصت من الاولى، تصدق عاجبنى الموضوع ده، وليه نستنى ٨ ساعات، بص هديك تليفونى وكلم اللى معاه الفيديو خليه ينزله دلوقتى...
ثم لصق جسده بجسد فارس بشموخ، وبنبرة توعد.
- لكن وشرف أمى لو هشيل رتبتى، ما هخرجك من هنا غير وحبل النشنقة ملفوف فوق دماغك، هاا نبقي عاقلين ونتفاهم بالعقل، ولا نمشيها بالدراع، ونشوف مين هيغلب..!
تعمد فارس اثارة غضب مجدى والضغط على اوتار رجولته
- على فكره هى كانت معايا بمزاجها، إلا هى حكتلك بس ؛ ولا ورتلك الفيديو!
لم يكبح مجدى مشاعره أكثر من ذلك بل نزع حزامه الجلدى من خصره فى لمح البصر كان مُلتفًا على عنق فارس الذي انفجرت حمره انكتام انفاس فى وجهه ملتويا وجعا، فزاد مجدى من الضغط على عنقه وجهر بصوت هز الجدران
- اشترى عمرك يلاااااه واعقل واعرف إنت واقف قدام مين وبتقول إيه...
توسل إليه فارس مستغيثا بانفاسه اللاهثه
- خلاص خلاص، انا انا، تحت أمرك، نتفاهم ..
- عمو، عايزه اتكلم مع حضرتك!
ما بين لحظات الوجع والامل ينبت الانتقام، اتخذت نانسي من آلامها عكازًا لتصل لعمها الذي اقتحمت مكتبه بدون استئذان، فانهت اجتماعه مع مدير اعماله الذي انصرف فى الحال، فدار بمقعده وسألها
- مالك يا نانسي؟!
دنت منه خطوة مقاومه انسيال مياه حزنها وقالت
- عايزه حقى ونصيب بابى..
استقبل جملتها بسخرية واشعال لفافه التبغ الفارهه وقال
- وده ليه؟! قصرت معاكى!
- لا، بس انا مسافرة ومش هرجع هنا تانى، هروح اعيش مع مامى ؛ وعايزة نصيبي وحقى..
مط شفتيه باهمال، ثم قال
- نانسي، انا مش فاضي لحوارات العيال دى! اعقلى وانبسطى وركزى فى حياتك!
اصرت على طلبها بحدة
- عمو، انا عايزه نصيبي وكفايه لحد كده، انا تعبت وزهقت...
وقف وفارق مقعده واقترب منها حتى وقف أمامها
- عايزه كام يانانسي! مليون دولار كفايه!
رفعت راسها بشموخ، وعاندته بتحدٍ.
- لا مليون دولار إيه! دول اشترى بيهم حاجات زياره خفيفه كده لمامى..
ثم احتدت نبرة صوتها
- انا عايزه نصيبى اللى يتجاوز 350 مليون دولار اللى من 5 سنين قبل وفاة بابى، أما الفوايد بقي فهما حلال على حضرتك..
انفجر منصور الشاذلى ضاحكا بإستهزاء
- أنتى اتهبلتى يابت! نانسي اعقلى وانسي الهبل ده وسافريلك اى حتة هدى اعصابك..
افحمها بروده الغير مُبرر ؛ فاردفت بغل
- انا لو طلبى متنفذش النتيجة مش هتكون مرضيه...
اوما الشاذلى رأسه محاولا تقليب حديثها برأسه، فاجابها بهدوء ما يسبق العاصفة، وقال
- اه يعنى مش كفايه عمك اللى ممنوع دخوله مصر وأنا شايل كل الارف ده لوحدى، والاسهم اللى بتقع واحد ورا التاني! والمصايب اللى بترف فوق دماغى! تيجى واحده زيك إنتى تتحدانى! وعايزه تنهب تلت التركة وتمشي؟! أنتى اتجننتى يابت!
كانت جملته الاخيره ممزوجة بلطمة قويه فوق وجنتها افقدتها النطق ؛ توقف علقها محاولا استيعاب مدى شرور الشخصية التي تقف أمامها، تبادلت اعين العتب للحظة وخزت فى قلب منصور الذي انخفضت نبرته بهدوء مفتعل
- يمكن يفوقك، أعقلى يا نانسي واعرفى أنه كلنا فى نفس المركب...
تحجرت الدموع فى عينيها و اومأت متوعدة
- تمام، انتو اللى ابتديتو...
تمتمت بجملتها سرا حتى تراجعت خطوة وانسحبت من أمام عمها وهى تعلن الحرب على كل من شارك فى غرس المسامير فى جرحها..
أما عن منصور الذي انهالت المصائب فوق رأسه ظل يضرب كف على الاخر متفاجئا من قرار نانسي المفاجئ ورده الغير متوقع عليها، فانقطعت حيرته بصوت رنين رقمه السري الذي رد عليه بالفرنسية وخلالها تبدلت ملامح وجهه مشدوها وهو يردد بالعربية
- اقتل زيدان والصياد؟!
فتحت رهف عيونها بتكاسل شديد وكل إنش فى جسدها يصدح إثر نومها على الاريكة فمضت ليلتها بثقل مخيف كأنها تحمل على كتفيها الارض، فامتدت يدها لتتناول هاتفها الذى وقع ارضا من يديها حينما غفوت، وبتكاسل شديد تفحصت المسدجات ففزعت برسالة ( ميان) التى شحنتها بالخوف والذهول...
تأملت صورتها بصحبة هشام وقرات تهديدها عدة مرات فانتفضت شفتيها ويديها من الرعب، وهى تدندن مع نفسها.
- لا، هشام لا، كله الا هشام، يارب اقف معايا يارب، انا ماليش غيرك..
حاولت الاتصال بميان مرارا وتكرارا ولكن بدون جدوى كان هاتفها مُغلقًا، لحظات من الدوار المرعب دارت بها هنا وهناك فلم تجد حلا سوى البكاء ؛ لاتعلم اذا كان ندما أم خوفا على كل فلقد حان موعد العض على قلبها ندمًا...
عاودت أصابعها الاتصال بمجدى وكانت النتيجه متكررة وهى التجاهل التام، ألقت الهاتف متأففة منتحبة فلأول مرة تدرك قدره بقلبها، هو من عودها حينما بحثت عنه وجدته وهو نفسه الذي ذوقها مرارة الغياب، بات الخوف والشوق يقاسم قلبها، نصف يناجيه لتحامى به والاخر يناجيه لانه اشتاق فقط فكارثته العظمى هى الغياب..
وقتها ايقنت ان السعادة تحولت فى قلبها من مجرد شعور لشخص، تأكدت إنها وقعت فى فخ الزمن الذي يسلب منا كل ما نريد ومن نريده، باتت المعادلة معقدة عُقدت على عنقها، داعية
- ياربنا انا مش عايزة قلبى يوجعنى تانى واخلص من الارف ده، احمى لى اخواتى وخلى مجدى يسامحنى وبس كده مش عايزة حاجه تانى لاخر عمرى ..
- ماينفعش تقعدى كل ده متاكليش!
اردف زياد جُملته الاخيره وهى يضع طبق به (سندوتشين) على الكمود المجاور لبسمة المتكورة حول نفسها، فرفعت رأسها بتثاقل
- مش عايزه حاجه غير إنى أخرج من هناا...
جلس بجوارها على طرف الفراش وقال
- ايدى على كتفك ياستى، قولى حل وانا معاكى...
- يعنى ايه انام اصحى القى نفسي محبوسه فى مكان! ومعاك إنت؟! مين له مصلحة فى كده..
كانت نبرتها حزينه مُغلفه بالجزع، فاستقبلها زياد باهتمام.
- مش بحب اشوفك كده..
- زياد أطلع بره...
خرجت جُملتها باختناق يحوى ضعفها الذي تعمدت اخفائه وراء ستائر عنادها، ولكنها اخطات حينما ظنت إن عيونه تعريها مهما تعمدت ان تخفى ما بدواخلها، فتبسم بفظاظة اربكتها
- طيب كُلى...
اجابت بعند
- لا، ومش عايزه اشوفك قدامى احسنلك...
- ليه!
كان بروده قاتل حد التقاء السحاب بشظايا الواقع، فهتف بضيق
- هو ايه اللى ليه؟! زياد، قولت اختفى من وشي..
نصب عوده فخفق قلبها الذي يريده دومًا حتى ولو كان وجعًا ولكن رجل مثله اعلم بشئون انثاه، فامسك بالخبز المحشو وعاد إليها وطلب منها بحنو
- مش هسيبك غير لما تاكلى..
زاحت يده بعيدا، وثرثرت
- قولت مش عايزه، الله...! واتفضل اطلع بره..
تجاهل غضبها وشرع هو بتناول الخبز منبهرا بنفسه
- تعرفى إنى طلعت بعمل بيض حلو أوى، ما تدوقى كده وتدينى درجة...
ضمت شفتيها كى لا تسمح لهما بالتبسم أمامه على الرغم من أنها افقدت مزحاته كثيرا إلا ان تمردها لازال يكابر، وعقلها لازال يؤيد، وبين كل هذه الحروب تأتى العين كشعاع ليزر من بندقية قنص وتفسد كل شيء...
رجل مثله تذوق جيش من النساء حتى باتت معه شهادة خبرة بخبياهم، هل أيكون عاجزا عن ترجمة انثى خربشت باهدابها على جدار قلبه..
نفذ صبرها استدارت متدليه اقدامها لتلمس الارض هاربة من حصاره.
- انا همشي، شكل المكان عاجبك اوى...
امسكها من معصمها وقال
- هو عاجبنى عشان أنتى فيه...
نالت قبضته نظره خاطفه من عينيها وكانت لملامحه الحظ الاوفر لاطالة النظر بهما، فارتعشت شفتيه
- عايز إيه...
تنهد بحيره
- نتكلم، اهى فرصة كويسه نحط فيها النقط فوق الحروف...
- مابقاش فى مابينا كلام...
قالت جُملتها وهى تسحب معصمها بمكابرة متأهبه للوقوف فجذبها لتجلس، ونهرها.
- هو ايه اللى مابقاش ينفع؟! ما تبطلى حركات العيال دى..
صرخت فى وجهه
- زياد طلعنى من دماغك وابعد عن طريقي لحد ما نشوف حل فى المصيبه دى!
أحكم قبضة يده على معصمها فاحتبست الدماء بهما وقال
- اقعدى نحكى وهنلاقى حل سوا إن شاء الله..
لم تشعر بتألم ذراعها ؛ فحتى جسدها اللعين اشتاق لتعذيبه المستلذ، وناطحته
- روح شوفلك حاجة اشغل نفسك بيها عنى..
زفر مختنقا.
- مفيش تليفون ولا نت حتى التلفيزيون مفيهوش حاجة عدله، مش عارف انا فين وجيت ازاى هنا ولا هنطلع ازاى، وزهقت ومش لاقى حاجة اتنيل وأعملها تسلينى...
صاحت في وجهه جازعة
- وانا اعملك يعنى! اقوم ارقصلك؟!
برقت عيونه بلمعة الشوق وتبسم فجاة متنهدا
- ياااااريت..!
لكزته بكوعها بقوة وركضت هاربه من مقصد عيونه الصريحه، فلحق بها متابعا خُطاها معاتبا بصوته
- إنتى اللى قولتى مش أنا على فكرة...
كانت خطواتها واسعه اشبه بالركض
- المهزلة دى لازم تنتهى...
وقف فى منتصف السلم وقال فارحًا
- تصدقى الموضوع متكلف ومتكيف وعجبنى، دانا عايز ابوس دماغ اللى عمل كده...
وصلت بسمة الى المطبخ واخذت تفرغ شحناتها بكل ما يُقابلها، فزاد همها قدوم زياد الذي جلس على احد المقاعد الملتفه امام المطبخ وقال
- بتكركبى فى إيه..
- عايزة أعمل حاجة أكلها..
- طيب ما تعملى من غير تكسير، احنا مش عارفين ده بيت مين عشان نكسر فيه براحتنا...
- اووووووف، يارب صبرنى عليه عشان مقتلهوش..
وقفت فى منتصف المطبخ حائره ضائعه كشخص نزل الملعب وعمره ما لمست اقدامه الكرة، فرمقها متعجبا
- مالك!
- بتعرف تعمل اكل؟!
- منا عملتلك وانتى اللى اتبطرتى!
- مش بحب البيض يابنى ادم انت، عندى حساسيه منه..
اجابها بتلقائيه
- حساسيه فين؟!
بات غضبها كدخان يتبخر من كل إنش بها فلحق نفسه مبررا.
- ورحمة ابويا سؤال طبى مش شخصي...
- حل عن سمايا يا زياد..
نصب عوده بشموخ وتحرك بخطوات تخطو على قلبها ودخل المطبخ واخذ يبحث فى الثلاجه والادراج بعشوائيه حتى اقترب منها وهمس
- هنتصرف، اكيد مش هسيبك جعانه!
خفق قلبها لحنو جملته التى خدرتها فبالرغم من مساوئه التى كسرتها وهشمت كل إربًا بها، الا ان السقوط بين يديه لازال نجاة، ترميم لكل ما شُرخ بجدران صدرها، ولكن مازالت تصدح بصوت التمرد فأكتفت ان ترمقه بسخريه وهربت من مكان يُسكرها رائحة وجوده...
قطم زياد شفته السفليه مغلولا
- مالها دى؟!
وصلت نانسي الى قصر عمها متوجهة تحديدا صوب غرفة ميان ففتحت الادراج بعشوائيه باحثة عن مقصدها معلنة الحرب على الجميع، فكل ما بُنى بمساعدتها سينهدم فوق رؤوسهم، التقمت اناملها الحاسوب السري الخاص بميان ولانها الوحيده المطلعه على كل خبايا سرها فلم يرهقها الامر كثيرا، فتحت الحاسوب واول ما بحثت عنه ( فيديو ) رهف، وبدون تفكير حذفت الفيديو نهائيا ومن بعدها اغلقته ووضعته مكانه كى لا تلحظ من الامر شيئا ثم تناولت بعض الاسطوانات والفلاشات ودخلت بهما المرحاض ووضعتهم فى حوض المياه وفتحت صنبور المياه الغزيره فوقهم وزودت المياه ببعض مساحيق التنظيف القوية فشوهت كل محتواياتها...
ما لبثت أن انتهت من فعلها فلملمتهم تارة آخرى وجففتهم من إثر المياه ووضعتهم فى مكانهم الاصلى، لم تستغرق مهمتها اكثر من عشر دقائق، فوقفت للحظة تتفقد طهر حرائمها فتنهدت بارتياح وهى تعتصر بطنها محدثه نفسها
- أنا عارفه إنى خسرتك بذنبها هى، كنت لى عقاب آسي اوى...
رتبت عشوائيه الغرفه سريعا ثم ارتبكت عندما سمعت صوت فتح الباب فاندفعت سريعا خارج الغرفه مرتسمه ابتسامة زائفه، فتدلت من فوق درجات السُلم متمتمه.
- ميان!
ألقت ميان حقيبتها ومفاتيح سيارتها على المنضدة وتقاذفت فارحة
- أنا اسعد واحده فالدنيا يا نانسي!
ثم اقتربت منها واحتضنتها
- انت طايره، طايره، بجد مش مصدقة؟!
حدجتها نانسي بذهول، وشك
- انتى فايقه لكلامك؟! هشام مين اللى رجعلك..
حلقت ميان بجناحيها فى هواء الفرحه
- عارفه إنك مش مصدقانى، بس هو ده اللى حصل، مبسوطة اوى إنه فركش مع ست زفته دى، ويااااه اخيرا..
ثم صمتت للحظة واكملت.
- تعرفى إنه طلع زى الشخصية اللى رسمتها له بالظبط واحلى كمان؟! انا حاسه إنى فى حلم جميل اوى اوى مش عايزه افوق منه..
حذرتها نانسي بقلق
- لا، ميان فوقى ياحبيبتى، هشام مستحيل يرجعلك الا ولو كان فى مصلحة وراه، ده بيوقعك..
دوى صوت ضحك ميان الساخر، ثم عقبت على حديثها.
- لا لا، دى انا اتاكدت منها بطريقتى، وطلع ابيض خالص، والزفته بتاعته متفقه عليه مع زيدان، المهم سيبك من كل ده هشامم اخيرررا، اخيرا بقي ليا يانانسي ..
- خدى هنا، ايه الجنان ده! ميان إنتى بتغرقي نفسك وبتغرقينا معاكى! هو كان عملك ايه عشان تصدقيه كده!
مالت ميان لمستوى ووشوشت لها بسر انهته بضحكة مُجلجله أرعبت نانسي التى استنشقت رائحة الغدر، فرفعت ميان صوتها.
-وكمان ضربتله شغله والدنيا بقيت ملطشة معاه بقي زى الخاتم فى صباعى بالظبط، وخدت له معاد من بابى كمان..
ثم تمايلت على حبال الفرحة
- انا هروح اريح شويه وبعدين افوق عشان معاد بالليل..
ما لبثت ان تخطو فتوقفت كأنها تذكرت شيئا ما
- بالحق، هو فارس فين، مش شايفاه..
هزت كتفيها بتجاهل
- وانا هعرف منين..!
- هنام ولما اصحى فكرينى أكلمه...
ذهبت ميان لغرفتها متناسيه العالم ورائها، فتضاعف ذهول ناانسي لامر ميان إثر الحاله التى اوصلها اليها هشام، فتناولت هاتفها وفتحته وحذفت اخر نسخه من فيديو رهف وغمغمت متوعده
- يلا، اولعو فى بعض كلكم..
تركت هاتف ميان فى مكانه ثم اخرجت هاتفها وحجزت تذكرة خاصة للسفر فى احد الدول الاوروبية التى تحمل جنسيتها بعد ساعتين من الان، فنادت على الخادمه وامرتها
- حضري لى شنطنى حالا، رايحه اصيف...
انصرفت الخادمه وانشغل بال نانسي للحظة بأكثر من أمر، ففتحت هاتفها مرة آخرى ودونت آخر رسالتين قبل أن تغلق هاتفها نهائيا، الاولى كانت لزياد
- ( شكرا لانك مخذلتنيش وكنت مستعد تعترف بأبنك وتنفذلى طلبى الوحيد فالحياه، بس خلاص من سوء حظى إن الحمل ما كملش، وانا رديت لك الجميل اللى هتعرفه فالوقت المناسب، حاجة اخيره على فكرة حبيتك بجد )
ارسلت الاولى ودونت الثانية فكانت لرهف.
- ( من النهارده تقدرى تعيشي حياتك عادى، انا مسحت كل الفيديوهات يارهف، وانا اسفه بجد على كل اللى حصل) ...
تعلم ما هي الشجاعة الحقيقية، هي لست الرجل بيده بندقية ويقف من اعلى جبل يقتنص ضحاياه، الشجاعة حين تعرف أنك خاسر ولكنك لم تستسلم، وعلى أي حال تحاول أن تصل بقضيتك الخاسرة إلى آخرها مهما يكن من أمر، قد تكسب نادرًا، ولكنك تخسر في كل حال، فمحاولة اصلاح ما افسده الاخرين شجاعة لا مثيل لها...
- مصيبه، مصيبه يابابا، زيدان خلاص اتخبل فى دماغه ومبقاش شايف قدامه..
تأكدت مهجة من خلو المكان أمامها فهمست متحدثه فى الهاتف بجُملتها الاخيرة لوالدها الذي اهتم لسماع حديثها
- هو إيه اللى بيحصل يا مهجة، ماله زيدان..
- زيدان بقي ماشي ورا الحية اللى ما تتسمى، المهم إن فى مصيبه، هتودينا كلنا ورا الشمس...
- الهارد؟! الهارد اللى كان مع عماد السيوفى!
- هو إنت عرفت، مين وصلك المعلومات دى!
- البت نجست مع خالد، وفضلت عمه ؛ فحب ينتقم منها عالبارد، وجالى وكشف ورقه قدامى، وكمان حذرنى وقال لى إنك بقيتى لزيدان كارت محروق، هيتخلص منه فى اقرب وقت...
كانت كلمات لاتزيدها إلا لهبًا، من ثقل الصدمه لم تتحملها اقدامها حيث جلست على طرف الاريكه مشدوهه
- عايز يقتلنى أنا! دى اخرتها يا زيدان!
تغيرت نبرة الصياد منتبها.
- شوفى يامهجة إحنا لازم نتغدى بيه قبل ما يتعشي بينا هو، فتحي لى ودانك كده واسمعى كل حرف هقوله لك...
لازالت تحت مخدر صدمتها
- نتغدى بيه!
فكرر جملته مصرًا
- زيدان هيتقتل، لو عايزين نعيش ؛ لازم يموت هو...
اندمل قرص الشمس فى حضن السماء فنزف بأوجاع اليوم، فلا احد يستطيع أن يعرف بالضبط أين الحقيقة وأين الخيال في حياته، أو في أية حياة أخرى، ولا احد يعرف أين الذي صنعه هو وأين الذي صنعته الظروف، وأين الذي بقلمه وأين الذي بألمه وآلام الآخرين.
صفت سيارة ميان التى تقودها بجوار هشام الذي يشتاظ غضبا، وينفث دخان سيجارته بشراسه.
- بعد خدمه ١٠ سنين اتحول للتحقيق بتهمة تعدى حدود وظيفتى والاهمال فى مهامى! طيب ليه، هو ده وسام التضحية بتاع الحكومة!
التوى ثغر ميان بكهن
- هتصدقنى لو قولتلكم إنكم بتصعبوا عليا..
لم يبادرها بأى رد بل واصلت متلونه بالوان الخدعه
- الواحد منكم يطلع من بيته شايل سلاحه فى كفه والكفة التانيه حياته فى سبيل مين؟! اهو مع اول غلطه طيروك، وبدون مقابل ادوك شهادة مستغنين عن خدماتك، هو ده العدل!
ايد كلامها متفهما، وبنبرة حسره
- من الغباء ان الواحد يدافع ويحارب عشان ناس مش مقدره مجهوده، كويس إنها جات من عندهم، وجات بدرى قبل ضياع العمر فى خدمة حكومه مش بتعترف غير بمصالحها...
احتوت يده بلطف وقالت
- عشان كده انا جايباك هنا، هنا الخطوة بمقابل؛ لكل فعل دولارات مالهاش عدد...
ضاقت عينيها متصنعا الدهشه
- ازاى!
سحبت مفاتيح سيارتها
- لما تقابل بابا هتعرف، يلا إنزل...
قرأ مجدى رسالة رهف التى زاحت همًا ثقيلا من فوق قلبه عندما اخبرته برسالة نانسي الغير متوقعة، فقراها وقفل هاتفه ووضع السماعه على آذانه إثر نداء فجر المتكرر
- إنت فين يا مجدى من الصبح!
استراح على مقعده
- خير يافجر؟!
اردفت بفخر
- حبيت اقولك إن زيدان خلاص وقع، وقع ومحدش سمى عليه!
- عرفت يافجر عرفت...
فاندفعت بغباء:
- عرفت من فين..
ثم تراجعت للحظه وسحبت سؤالها
- نسيت، نسيت إنك بتسمع كل حاجه..
اغمض عينيه بكلل.
- طيب يافجر، ركزى ورحمة ابوكى خلاص هانت وخلى بالك على نفسك..
همست بقلق
- حاضر، بس
- بس إيه! أم خالد حصلها حاجه..
نفت شكوكه سريعا
- لالا اصلا لسه ما شوفتهاش..
- أومال ايه؟! فجر اوعى تدى سرك لحد انتى فاهمه، مهما كان مين!
ألجمتها مخاوفه الزائده فصمتت بقلق وتقطعت الكلمات فى شدقيها
- ها، لا لا متقلقش قولتلك، كنت عايزه اسالك عن هشام..
زفر مجدى مختنقا
- هشام كويس؟!
- هو لسه مارجعش من عند الزفته دى ولا لاحظ غيابى..
تعمد مجدى الكذب لان الصدق سيفسد كل شيء ؛ وترنح
- ومش من مصلحة حد فينا إنه يلاحظ يافجر..
امتلأ صوتها بالبكاء
- طيب هو وحشنى وانا مش عارفه أوصله...
- فجررررررر، قولتلك نركن قلبنا كام يوم انت فاهمه مش عايز جنان ولا حركات عيال..
ضربت الارض بقدميها
- انتى بتزعقلى ليه! مش كفايه إنى طاوعتك، وعملت الجريمة دى!
لعن فى نفسه سرا، ثم تمالك اعصابه.
- كان يوم اسود ومهبب يوم ما سمعتى كلامى، روحى ازرعى كام تسجيل كده فى كل الاماكن اللى بيقعد فيها الزفت ده، وانجزى...
- حاضر...
قطع محادثه دخول العسكرى
- مجدى بيه، الواد اللى تحت عامل دوشة والموضوع لو وصل للمأمور هنروح فى سين وجيم..
انهى المكالمه مع فجر بدون سابق انذار ونهض سريعا واضعا سلاحه خلف ظهره مغمغا
- الواد ده قرفنى، تعالى اما نشوف أخرته..
ظلت فجر تنادى عليه ولكن بدون جدوى، فنزعت السماعه متمتمه.
- عيلة تموت فى قلة الذوق، اوووووف...
على حدا فالطابق السفلى وضعت نورا كوب الشاى أمام زيدان الذي يدخن بشراسه
- الشاى جنابك...
فاخرج فوهة الخرطوم من فمه وامرها
- اقعدى!
تململت فى جلسها بخوف، ثم كرر سؤاله بنبرة منخفضه
- عملتى إيه!
بللت نورا حلقها، وتجمدت كفوفها
- فى ايه؟!
نهرها بحده
- هتستهبلى ياروح أمك!
- لا، لا وانا اقدر جنابك...
- البت فجر اى حوارها ...!
فكرت نورا للحظات كانوا كعقارب يلدغوا فى حواف قلبها، فاستجمعت شتات قوتها وقالت بارتباك
- باعتها الظابط اللى اسمه مجدى السيوفى ؛ جوزها مايعرفش...
فى فيلا السيوفى، تجلس عايده على أحد المقاعد متحدثه بعتب مع رهف التى قصت عليها كل شيء
- وانتى مش ناويه تيجى؟!
- واسيب طنط سعاد...!
فزفرت عايده باختناق
- لا سيبى أمك تولع يا رهف...!
- يامامى بليز ما تقوليش كده، انا كويسه والله ، المهم حضرتك تاخدى بالك من العقربه اللى ماتتسمى ميان دى...
- انا بكره هنهى كل حاجه مابينا، اطمنى..
تنهدت رهف بارتباح
- احسن بردو يا مامى، احنا مش ناقصين ارف البتاعه دى..
لم تكد عايده أن تُجيبها فقطعها صوت رنين جرس الباب...
- استنى يارهف هشوف مين جيه دلوقت ، اكيد الدليفري
فمازحتها رهف
- انتى طالبه أكل من بره من غيري! اللى ياكل لوحده يزور يامامى...
- هعمل ايه طيب ؛ بكرة هروح أى مكتب اجيب شغاله بدل البهدله دى...
- يكون احسن بردو، اهو هشام ساب البيت ومش هيفرق معاه الموضوع..
فتحت عايده الباب ففوجئت بظابط شرطه وخلفه مجموعه من العساكر، وسألها بقوة
- حضرتك عايده النورماندى!
تراجعت خطوة للخلف بذعر
- مطلوب القبض عليكى، اتفضلى معانا!
- انا! بتهمة إيه؟! ولييههه...
ثم صاحت فالهاتف
- الحقينى يارهف..
أحياناً تدهشني هشاشتي، كيف يمكن لكلمة منك أن تجعلني حزينة، و أخرى تخلق لي أجنحه، وجودك الشيء الوحيد الذي جعل كل ماهو عادىٌ بى مختلف معك...
اؤمن ان مهمة الرجل فى الحياه هى سد الفراغات، فراغات الارض، والحروب، وقلب المرأة، وفراغات ما بتره غيابه من جسدها
- لا مش قادر؟! طعمها بشع!
رجع زياد ما لكَ فى فمه مشمئزًا، ووضع الطبق من يده وابتلع علقم ما أكله برشفة مياه، فحدجته بسمة بعتب
- أحنا مش عملنا كل المقادير زى ما الشيف قال! طعمها مش حلو ليه؟!
ترك زياد الكوب فوق المنضده الصغيره واتكئ للخلف متملص الملامح، وقال.
- معرفش؛ دى مش مكرونه بالفراخ، دى حاجه كده استغفر الله...
ففكرت بندم
- طيب إحنا ممكن ناكل الفراخ وبس ونسيب المكرونه المعجنة دى..
- لالا، انا نفسي قفلت خلاص من الاكل كله...
تركت هى ايضا ما بيدها ونظرات الخزى تتقاذف من حِدقها، فلحظ ارتباكها وإحراجها منه وتوارى انظارها لتتحشاه، فتعمد كسر الحاجز بينهم واردف ممازحًا
- للدرجة دى متعرفيش تطبخى خالص!
فركت كفوفها بخجل، ولكت الكلمات فى فمها.
- معرفش، هما ازاى بيحطوا المقادير متساوية وتطلع الاكله حلوة، بصراحة حاولت اجرب الموضوع ده وكنت بفشل..
رفع زياد حاجبه مداعبًا
- يعنى بلح خالص!
أطرقت انظارها لاسفل باحراج، ثم استدارت بجسدها لمشاهدة التلفاز، فتبسم زياد وظل محافظا على ابتسامته ثم نهض بفظاظة وجلس أمامها ليُلاطفها فتلجلجت..
- وانتِ زعلانه ليه!، بالعكس دانا فخور بيكى..
حدجته بعدم تصديق، وعاندته
- هزعل ليه..! مش زعلانه أصلا...
ضاقت جفونه اللامعة
- وفخور بيكى دى شفاف، ملفتتش نظرك..!
مسكت الريموت ورفعت مستوى الصوت هاربة من عيونه المُربكة، وقالت
- لا، عايزه اتفرج على الفيلم، لو سمحت اسكت...
شيعها بنظرات السخط ثم انتقلت انظاره للشاشة متمتمًا بضيق
- تيمور وشفيقه! دى اخرتها!
حك ذقنه مفكرا فى وسيلة يجذبها بها إليه، فزفر مختنقًا وقفزت فى رأسه فكرة ما متذكرا حديثا سابق بينهما...
( - أنت بتعمل ايه؟! استئذنتنى الاول!
قفل صنبور المياه بعد ما رفع المكينه عن وجهه، وسألها
- مالك يابنتى..!
وقفت امامه كطفله متدلله
- مين سمحلك تحلق دقنك، اخدت رايي؟! ولا مش فارقه معاك أنا..
انخفضت انظاره المنتشية لمستواها وتبسم بمكرٍ
- هى فارقة معاكى يعنى!
امتدت اناملها لتداعب ذقنه بحب وقالت بتغنج
- بعشقها عليك..
- وايه كمان؟!
- متتحلقش، انت فاهم
انخفضت شفتيته لتنالها ولكنها ببراعة هربت من يداها كما تهرب الصابونه من يده ضاحكة وخرجت من الحمام..
- ده بعينك، )
تنهد بحماس فسقطت عيناه على عيونها الثابتة على الشاشه باهتمام، فضرب على فخذه متحفزا
- طيب اسيبك أنا مع تيمور وشفيقة وهروح أحلق دقنى بدل الملل ده..
لم يغمض لها جفن الاهميه بل انفجرت ضاحكة على مشهد ما بين السقا ومنى ذكى، فاشعلت النيران فى رأسه فنهض وتركها مشتاظا من اهمالها وواصل طريقه للمرحاض، للحظة ادركت ما قاله فألقت الريموت شاهقة
- هو قال هيعمل اى الزفت ده!
نهضت خلفه بدون تفكير، اما عنه فوقف حائرا منتظرا قدومها حتى اوشكت خطته على الفشل وسرعان ما التقمت عيناه طيفها وسالته
- أنت هتعمل ايه..!
اعد عدته مفتعل اللامبالاه
- ابدا، كنتى عايزة حاجه..
- انا! لا لا خالص..
- أومال كنتى جايه ورايا ليه؟!
- احم، كنت عايزه الحمام، لكن خلاص هطلع فوق..
شغل الماكينه وتأهب لحلق ذقنه، فهب قلبها معارضًا
- أنت هتعمل ايه..!
قفل ماكينة الحلق، وسألها متخابثا.
- لما تقوليلى الاول، إنتى جيتى هنا تعملى إيه؟!
بدا عليها معالم الارتباك وإندس ظهرها فى الحائط خلفها، فهزت رأسها نافية
- لا، زى، زى بالظبط ما قولتلك، معرفش إنك هنا، عموما خلاص، محصلش حاجة..
حاصرها بانظاره قبل ذراعيه مضللا عليها بابتسامته التى تُنسيها العالم وقال متنهدا
- وبعدين؟!
التقت اعينهم الفائضه بالشوق فى نقطة واحده، فهمست
-و بعدين إيه..!
- لسه بتحبيها عليا؟!
- هى مين دى؟!
احتضن كفها ورفعه ليمرره على ذقنه بهدوء عصف بقلبها، وغمغم
- وانا كمان لسه بحبك؟!
- ايه؟!
حركت ارتعاشة شفتيها رغبته فيها التى لم يتحمل مقاومتهم أكثر من ذلك، فتتدلى بتباطىء شل عقلها، ليصب رحيق شوقه بهما برقة جعلتها كطفلة بلهاء لا تعى اى شيء سوى المكوث فى مكانها، فشفتاه الوحيده اللتان ارتعش لهما جسدها، فاراد ألا يزيد الحمل عليها قبل ان يأخذ الأذن من عيناها الذي تعمد محاربتهم كثيرا، ابتعد عنها مبتسمًا فبادلته بنظره دهشه وتمتمت بعدم تصديق
- إنت عملت إيه؟!
- عملتلك تنفس صناعى، قبل ما يغمى عليكى..
اجابها كأنه لم يفعل شيئا وهو يطوق جدار عنقها باصابعه كأنه يمهد لجريمة ما ولكن لسحره الطاغى وخبرته الجيده بأمور انثاه سحرها حتى سلبها منها إليه متناسية العالم وراء ظهرها، فأصبح هو عالم متمنية إحتضانه حتى ولو ما بعده الموت...
- اهلا اهلا بسيادة المقدم...
رحب الشاذلى بقدوم هشام متوددًا، فصافحه هشام بابتسامة زائفه
- اهلا بحضرتك منصور بيه..
فتدخلت ميان فى حديثهم
- طيب أنا هسيبكم تدردشوا مع بعض ؛ أكون جبتلكم حاجة تشربوها...
ثم بادلت هشام بابتسامه هادئه
- المكان مكانك...
اشار له الشاذلى بسيجارته الفاخره كى يجلس
- ها ياهشام، احكى لى عن شغلك وو انا سمعت أن معاك فى مشاكل، على فكرة أنا ممكن اتدخلك لو فى ايه مشكله..
ضرب هشام الارض بقدمه بخفوت اثناء جلسته الفظه، وقال ممتنًا
- حوار بسيط كده فالداخليه واتمنى ميعديش، لان الواحد جاب اخره؟!
- من الشغل؟!
- مابقاش يجيب همه؟!
تفحصته انظار الشاذلى الثاقبة، واكمل
- ولما تسيبه، ناوى على ايه؟!
- الفكره فى إن الواحد اتربى على السلاح والضرب والقتل، ومفيش شغلانه تناسب كل ده غيري الشرطة، فحقيقي مفيش ( plan ) معينة فى دماغى...
- هو مفيش بلان تتناسب مع قدراتك ياهشام، انت اللى زيك اتكتب عليه يقضي حياته كلها مهمات وحروب، لو ترك سلاحه الغدر هيحاوطه..
اخرج هشام من جيبه علبة السجائر وهو يسحب واحدة منها اجابه
- عند معاليك حل للحياه المملة دى؟!
ضحك الشاذلى بخفوت ماكر
- عكس ابوك خالص ؛ اللى اعرفه أنه مات والسلاح فى ايده..
- وهى دى النهايه الحتمية لاي ظابط ؛ مش بقول لحضرتك حياه منتهى البؤس!
وضع الشاذلى ساق فوق الاخرى، وسأله.
- وايه اللى ممكن يخليك ترضي على حياتك!
- العوض، المقابل لكل حاجه بنقدمها...
اطفأ الشاذلى سيجارته وسأله
- اللى اعرف من خلال معاملتى مع الحكومه إنها بتحب تدلع رجالتها أوى...
اجابه ساخرا
- تدلعهم بترقيه ومكافأه متطلعهمش فسحه للغردقه؟!طيب ده عدل..!
انحنى ظهر الشاذلى مستندا بمرفقيه على ركبتيه
- واللى يدلك على طريق العدل..
فمال هشام نفس جلسته وقال بتركيز
- ايدى على كتفه..
فقطعت ميان حديثهم وقالت.
-العشا جاهز، انا قولت نتعشي الاول قبل اى مشاريب ولا إي راي سيادة المقدمه...
لم يعط له الشاذلى الفرصة للتحدث بل بادره وقال
- ميان خلى الرجالة يجهزوا العربيات، هناخد سيادة المقدم فى رحلة نيلة كده ونتكلم فيها على روقان..
اكثر ما يبغضه فى حياته المفاجئات، ان تسير سفنه على عكس المتوقع، فتدخل متحججًا
- بس أنا مش عامل حسابى لحاجة زى دى!
مازحه الشاذلى.
- ياراجل مش هناخد منك تمنها يعنى، ما تقوليلو حاجه ياميان، انا هجهز تكونى اقنعتيه، عن اذنكم...
استدار هشام لميان كاظما غيظه
- متفقناش على كده..
اسبلت ميان عيونها وهى تدنو منه
- متخفش هكون معاك...
زفر مختنقا: مياان، مش وقت دلعك...
تغنجت أمامه معانده
- ولا وقت عصبيتك..
ثم اغمضت جفونها متبسمة
- صدقنى هتتبسط، بطل بقي الجو القديم بتاعك ده...
- يابنتى استهدى بالله، هتروحى فين الساعة دى؟!
تتوسل سعاد لرهف التى ترتدى ملابسها كالمجنونه، متأهبة للنزول ولكن لن يجدى حديثها بأى فائدة، وقالت بلهفة
- مجدى مش بيرد عليا، وانا لازم الحق مامى..
- طيب استنى البس واجى معاكى؟!
رفضت رهف اقتراحها
- ياطنط وهو انا هتخطف يعنى، بصي ارتاحى إنتِ وانا هطمنك بالتليفون...
لم يطمئن قلب سعاد، فعرضت عرض اخر.
- طيب الحرس اللى معينهم مجدى تحت، خدى حد منهم يسوقلك العريية، او اقولك إحنا ننزلهم وهو يتواصلوا معاه بطريقتهم..
- طنط، حضرتك مش شايفه إنك مكبرة الموضوع بالفاضي؟!
- هو كبير فعلا يارهف! شايفه الساعه كام؟!
داعبت رهف وجنتها بمزاح
- وخدى منهم نص ساعه عطلة بسبب قلق حضرتك، انا هنزل وهروح لمجدى المكتب افتح دماغه على تجاهله ده ونطمن على مامى، اشطا؟!
ثم قبلتها سريعا وواصلت.
- وابقي اطمنك عليا، تصبحى على خير ياسوسو ياقمر..
ركضت رهف هاربه من إلحاحها المبالغ فيه ؛ فضربت كف على الاخر بقلق
- ربنا يسلم طريقك يابنتى...
هبطت رهف فى المصعد وهى تهندم حقيبتها وتخرج هاتفها محاولة الاتصال بمجدى ولكن بدون فائده فزفرت مختنقه
- ده هيعمل لى فيها مقموص بجد، اى ده بس ياربي؟!
غادرت مبنى العماره فوجدت الحرس الخاص بمجدى جميعهم نيام وبما فيهم حارس المبنى، فتسحبت بهدوء كى لا يلحظها أحد، اخرجت مفاتيح سيارته وفتحتها الكترونيا وما لبثت أن وقفت امام الباب ففوجئت بيد صخريه تكتم نفسها بقماشة مخدرة وتجرها عنوة داخل سيارة سوداء وتنطلق هاربة...
جلجل صوت زيدان فى جميع ارجاء القصر مناديًا على فجر، فخرجت مذعورة من غرفتها
- خير، فى حاجة جنابك...
رفع انظاره إليها
- عايزك تجهزى حالا، مسافرين اسكندرية..
انعقد حاجبيها بقلق وخفق قلبها
- اسكندرية؟! ليه...
احتدت نبرته
- ليهه؟! أنت هتعارضينى يابت؟!
هزت راسها سريعا رافضه اتهامه واناملها تعصر السور الخشبى، وقالت مترنحة
- لا، لا اكيد مش قصدى بس عايزه اعرف السبب..
اتسعت ابتسامة زيدان الخبيثة.
- محضرلك مفاجاة هتعجبيك قوى، يلا عاد بلا حديت كتير..
بادلته بابتسامه زائفه رديئه تخفى خلفها شجونها وحيرتها، فتقهقرت للخلف محتميه بغرفتها واحكمت غلق الباب عليها وبات صدرها يتراقص على الحان قلبها المرتعد
- أعمل ايه فالمصيبة دى بس ياربى..!
خطت خطوة واسعة لتتناول سماعتها من تحت الوسادة متلهفة، منادية على مجدى عدة مرات ولكن بدون رد حتى يأست، فنزعت السماعه عن آذانها وهى تجوب الغرفة ذاهبا وايابا وتعتصر رأسها من شدة الالم الى ان اطاح به نداء زيدان الذي يستعجلها قبل ان يدخل غرفته
- شهلى عاد يافجر...
توقف على مقبض بابه متوعدا
- وكمان تسرقي الهارد، صبرك عليا يابت صبرى...
ثم دخل غرفته فوجد الشر ينبعث شراره من عينى مهجة، فجلس بجوارها مداعبا.
- مين اللى مزعل القمر بتاعى...؟!
ولت وجهها بعيدا
- حل عن سمايا يا زيدان...
تطاولت يداه لوجهها فزاحته مختنقة
- عايز منى اي، مش مكفياك السنكوحه بتاعت..
انفجر زيدان ضاحكا على سذاجتها
- بطلى خفة عقل وقومى جهزى حالك، رايحين سكندرية، عند ابوكى...!
عششت الحيره بين ملامحها وهى تردد
- ابويا ليه؟!
نهض فارحا
- محضرلك مفاجاة هطير عقلك، وكمان الشاذلى بيه محضرلنا مفاجاة ومكافأه حلوة قوى..
تعسست اناملها لتدفن الهارد الذي يحوى إدانه ابيها فى حافة الاريكة وترمقه بعيون المكر الذي صور لها الخيانه، فغمغمت لنفسها
- المفاجأة هى إنك تقتلنى يا زيدان! هى دى آخرتها، عايز تودينى أنا وابويا فى شربة ميه؟!
عاود زيدان ندائه بنبرة اشد
- إنتى لسه قاعدة مكانك يا مهجة، شهلى عاد...
اومأت بطاعة ماكرة
- حاضر جنابك...
- فهمنى يا مجدى؟!
بنبرة رسمية فظة لقن المامور مجدى معاتبا إثر تواجد فارس وعدم احالته للنيابه، فأطرق مجدى باحراج
- الصبح هيترحل سيادتك..
حدجه المأمور بلوم
- اى حواره؟!
تدخل فارس مستنجدا
- أنا عايز، عايز ابلغ عنه، واقدم فيه بلاغ على كل اللى حصل..
لكز العسكرى فارس محذرا
- اتكلم عدل قصاد البيه يلا...
وجه المامور تعليماته لمجدى بشموخ
- مجدى، حصلنى على المكتب..
اطرق مجدي بطاعة
- مع حضرتك يافندم...
&&حصرى ل جروب روايات بقلم نهال مصطفى &&.
وَإِني كُلما آتيتُكَ، رفضتنِي، وكلما نَسيتُكَ، آتيتَنِي.
فاقت بسمة متملصة من سُكر قربة الذى خدرها بالكامل وهى تدفعه بعيدا عنها بقديمها وتنهض متكوره حول نفسها على الاريكة وهى تتناول قميصه لترتديه بعشوائيه لتستر جسدها الذي فضحها وعري مشاعرها أمامه، فاندلعت في قلبها حريق لا يخمد وبكاء لا يجف، تقف وحيدة تحارب الوجع لا تُهزم ولا تنتصر.
ابتعد عنها مستجيبُا لنفورها منه وبداخله وميض من الندم عندما راى انكماشها حول نفسها واندلع منها صوت نحيب الخزى، فوثب قائما واحضر قارورة مياه من الثلاجة، شرب منها ما شرب وسكب ما تبقي فوق رأسه..
خطى نحوها ككسيح حتى جلس بقربها وربت علي كتفها فانتفضت فابتعد عنها سريعا وسألها
- مالك يا بسمة؟!
نشجت ببكاء دفين وهى تكور اصابع قدميها مصابة بلعنة الندم والاثم، فاحتضن كفه قدامها وقال
- طيب ارفعى وشك وكلمينى...
لم يجد منها إلا بكاء، فزفر جازعًا
- أنا اسف لو عملت حاجه خارجه عن ارادتك، بس...
ابتلع باقى كلماته بتردد فلا يعى ما الذي يجب ان يقولها حينها، فاكمل متحيرًا
- بسمة، قوليلى مالك...
رفعت وجهها الشاحب وهى تجهش بالبكاء، وعاتبته
- أنت عارف إنت عملت ايه؟! ولا أنت كتر الحرام عمى عينك وقلبك، وخلاك تنسي إنك طلقتنى...
ثم تقطعت انفاسها المتحسره
- ازاى! ازاى، أنا عقلى كان فين طيب..
ثم صرخت جازعة
- انت ازاى تعمل كده...
اطمئن قلبه قليلا عما كان يقلقه ويخشاه وظنه بأن حُبها تسرب من نوافذ غيابه، فتمالك اعصابه مسح رأسها
- اهدى وهنتكلم...
وقفت مبتعدة عنه وصاحت
- تانى؟! هتضحك عليا تانى وترمينى تانى، وانا هصدقك تانى؟! اى ما بحرمش؟!
ثم انحنت وقلبت الطاوله بما عليها وانفجرت.
- انت بتعمل فيا كده ليه!، كل ما يجيبك الشوق لبسمة تيجي لها وتلاقيها، كل ما تلاقي نفسك فاضي ومش لاقي حاجه تعملها تروح لبسمه..! بتعذبنى ليه، ليه كل ما اتخطاك الاقيك قدامى وبتعاندى، وكل مرة اجيلك فيها ترفضنى! أنت مش واخد بالك إنى بتدبحنى بسكينة تلمه فى كل مرة...
ثم جثت على ركبتيها أمامه وخرج سؤالها ممزوجا ببكائها
- أنت بتعذبنى كده ليه! ياخى ما بصعبش عليك؟!
صمتت للحظة محاولة استيعاب ما فعلته، والفاحشة التى ارتكبتها
- هى حصلت الحرام يا زياد، انا! انا مين جابنى هنا وليه...
ثم وجهت إليه اتهاماتها شاردة
- انت، انت جبتنى هنا عشان تكسرنى قدامك وتثبت ليك وليا إنى مش هينفع اعيش مع حد غيرك! صح؟! عاوز تذلنى وتنتقم من اللى عملته فيك...!
ثم هزت رأسها معاتبه وبصوت متقطع
- كان فيه الف طريقة تنتقم منى بيها غير الحرام، وانت ؛ وانت عارف ومتأكد أنك نقطة ضعفى الوحيده..
هبط زياد من فوق الاريكه لمستواها وجلس نفس جلستها وضم رأسها الى صدره ومسح على رأسها وتحدث بصوت خفيض
- الاول اهدى، اهدى ؛ مفيش حاجه حرام حصلت، اطمنى..
ابتعدت عنه متسائله
- يعنى إيه..
احتضن كفوفها واطال النظر فى عيونها
- انا رديتك من يومين يا بسمه..
ثم لحق نفسه قبل أن تنفجر به واكمل
- عارف إنه مش من حقى، بس انا خوفت تضيعى منى للمرة الاخيره واعيش ندمان عليكى العمر كله...
ألجمها برده الغير متوقع فسحبت كفوفها من يداه واستدارت لتجلس ارضا مستنده بظهرها على الاريكة، وغمغمت بذهول
- رديتنى!
جلس نفس جلستها ولكنه ثنى ركبته اليسري وبسط ذراعه عليه وتابع بوخزات الندم
-جربت الحب مع بنات بعدد شعر راسك، بس تعرفى عمرى ما لقيت مع اى واحده زى اللى كنت بحسه معاكى!
اجابت ساخره ولازالت تحت تأثير صدمتها
- عشان كده كنت تدوس عليا بجزمتك..
- كنت غبى، ااه يابسمة غبى مغرور ؛ كنت شايف إن الحياه فرص وانا ليه اضيع على نفسي الفرص دى كلها وارتبط بواحده بس! بس تعرفى لما عملت كده ضعت انا وضاعت الفرص كلها وضعتى إنتى من ايديا..
أطلقت انظارها بحريه فى ارجاء المكان، الى ان رست عنده ليخبره قلبها سرا (كيف اخبرك بان يدى تنام متكورة كل ليلة وهى تحتوى قلبى منذ أن رحلت!)، ولكنها صمدت وتابعت جلد ذاتها قبله.
- للاسف، مش كل حاجة بمزاجنا! فكرك إن الحياه كريمه لدرجة إنها ممكن تدى الشخص أكتر من فرصة!
- على الاقل احاول ؛ مش هخسر المحاولة كمان..
ضحكت بوجع
- هتحاول على حاجه مابقيتش موجوده؟!
نظر إليها رافضة جملتها
- إنت موجوده وانا موجود، يبقي ايه تانى؟!
عاتبه بعيونها اولا (كان عليك أن تتصور مدى إتساع الجرح وأنت تضرب في المكان ذاته ولا تُبالي ).
- صح، بس الثقه مش موجوده، الحب اتحول لكره، الامان عشش مكانه الخوف، الوجع سكن قلبى لحد ما بقي ذريبة، ذريبه ولا حد هيقبل يعيش فيها ولا أنا قادره انضفها عشان استقبل حد جديد فيها...
فاضت عيونه بانوار التوسل
- بلاش تصعبيها عليا يا بسمه...
هزت رأسها رافضة بيأس
- هى مش صعبة، هى مستحيله، تصرفاتك جابت النهاية..
تحرك زحفا ليجلس أمامها، واكمل بلين لم تشهده عيناها من قبل...
- ما باؤمنش بالنهايات، فى نظرى إن حياتنا كلها بدايه، وبالاخص بدايات متتابعة ومستمر كل مرحلة بتسلم التانيه، واللى إحنا وصلنا له مش نهايه، دى بداية، بداية لحياة جديده هنعيشها سوا ونبنيها زى ما رسمتيها إنتى وهديتها أنا..
فرت دمعة من عينيها
- تفتكر هقدر اصدقك؟!
احتوى كفها ووضعه على صدره العارٍ، ناحية قلبه خصيصًا
- صدقيه هو، مش هيكذب عليك..
لاول مرة تتحسس انتفاضة قلبه فاهتز كيانها كله حتى التقت اعينها المرتعشه بعيونه الثابته فتبادلت الحديث صمتًا ( لى مع عينيك عهدٌ، ف هما لا يُكذبان مثلنا، ولم يخشا احدًا كما نخشى نحن ارصفة الشوارع )..
بللت حلقها واخفضت انظارها وهى تسحب كفها رافضه
- مابقاش ينفع..
فرت دمعه لاول مرة من عيناه.
- اللى مابقاش ينفع بجد إن واحده غيرك تكون أم ولادى، مش هينفع احضن واحده غيرك بعد النهارده لانى خلاص استسلمت واعترفت إنى ماليش بعد حضنك، حضنك اللى ربنا حللهولى وحطلى فيه شهد الدنيا وانا اللى اتبطرت عليه، اللى ما ينفعش إنى دموعى دى اللى نزلت عشانك وبس ماينفعش واحده تشوفها غيرك، ههون عليكى تسيبينى مع واحده تانية تمرمطنى عمرى كله!
الغريب في الأمر أنّني ما زلت احبك، رغم كل هذه الخيبات، ثنت ركبتيها متأهبه للفرار ولكنه امسك بها وترجتها عيونه
- ههون؟!
شردت للحظة متذكرة جُملة قراتها من قبل ( إذا ضمن أحدهم قلبك، سيضمن مغفرتك، وإذا ضمن مغفرتك، سيؤذيك بلا رحمة. )، اترفضه وتقسو على قلبها الذي لا تنجو من وجعه عمرا، ام تطاوعه وتمد له يده المغفرة للمره التى لا تعد، قلبها يريده وعقلها يكابر وظلت لدقائق فى صراعٍ بينهما الى أن اصابه اليائس من عفوها الذي لا يستحق، فلا بأس تؤلمني احياناً وأحبك دائماً!
فرفعت انظارها الحائره إليه وسالته بخفوت.
- هتقدر تطيب خاطرى بعد كل اللى انت عملته فيا..
لمعت عيونه بنور الدهشة، والذهول لسؤالها الذي يحمل تذكرة سفر لجنان العفو، والرضا عنه، فباتت عيونه متراقصة امام عيونها باحثا عن اشارة تؤكد له ما وصله من مغزى سؤالها، فاتسعت ابتسامتها شيئا فشيئا وتمتمت
- للاسف مش هتهون عليا اسيبك لواحده غيري تمرمطك!
بكل ما اوتى من سرور جذبها من كفها إليه لترتطم بسياج صدره ويحكم قبضته القويه على خصرها الذي اعتصره بذراعه متمتما
- حقك عليا، ما عاش ولا كان اللى يكسر خاطرك بعد النهارده...
ثم دفن انفاسه فى شعرها ووعدها
- وعد منى هعوض عيونك دول عن كل دمعه نزلت منهم بسببى..
فجري حلقها اخيرا واجابته بتنهيده محارب
- وانا معَاك في حُزنك قبل سعادتك في تعبك قبل راحتك وايدي بايدك للابد...
ثم استراحت على فخذيه وعانقته بضمة أم افتفدت ابنها فى الحرب وانتظرته لاعوام ولم يعد، وحينما عاد كان شوقها قويا حد تمنيها ان تدسه بصدرها...
خُلقنا بشَر, نُخطئ ونصيب، نُجرب ونتعلّم، نفشل وننجَح، نحب ونخذل، ثم نعود كرة آخرى لان قلوبنا تستحق المحاولة لانه شخصا واحد الذي خُلق لتحبه ولتضئ معه، كأنك ابتلعت القمر في قلبك، ولانك اضعف من لعنة الرحيل فكم هو مُؤلم أن تتصنع الإبتعاد وأنت من الشوق تُكاد أن تنفجر، نحاول ونعطى الفرص لان قلوبنا تستحق..
القلوب كالكنور لا تلتقى إلا مرة واحده بالعمر إن تلاقت...
- وديتى البت للموت يا نورا؟!
بالرغم من هزل نادية وضعفها الا انها لم تتحمل ما قصته نورا عليها، حيث وثبت كالفيضان القوى وهجمت على رأسها حتى اسقطتها فى منتصف فراشها صارخه..
- هيقتل البت، ومش بعيد يقتل خالد ولدى، ليه ليه تعملى كده وانتى ادرى واحد بشره وسمه..
صرخت نورا متألمه من قلبها قبل جسدها
- هددنى، وقال لى هياخد ولدى منى ويرمينى، وانا مقدرش استغنى عن ولدى..
فواصلت ناديه ضرب بكفها.
- تقومى تسلميها للتعبان عشان مصلحتك، غبيه، غبيه..
توسلت نورا إليها صارخه
- اعمل ايه يعنى، ماانتى عارفه إنى مفتري...
ثم اعتدلت وهى تمسح دموعها
- المهم، انا سمعته وهو بيقول للغفر هنطلعوا على اسكندريه، وخد مهجة وفجر معاه..
لطمت ناديه بحسرة على خديها وفخذيها وهى تدور حول نفسها بقلة حيله، ثم قفز فى راسها مجدى، واستدارت اليها
- فين محمولك يابت، انطقى، فين نلحق عملتك المنيله دى...
أيها الأول في كل شيء، الغائر فيّ، أيها المغموس في وجهي، المنسكب فى شرايينى، المنثور على تفاصيلي وأشيائي، أيها الكثير جداً من كلى، منذُ أن أحببتك و أنا أشعُر بإن الأمان أصبحَ بكُل أجزاء جسّدي و الراحة قد تشبكَت بي، فَ حُبك يصنعُ مِن مُر الحيّاة إبتسامة لِي لا تسطع إلا فى سمائك ولك...
- إنت مين اداك الحق تردنى؟!
ابتعدت عن حضنه الذي كان لقلبها عباره عن سحابة بيضاء انهمر غيث شدقيها على روحها لترد إليه كُرة آخرى وألقت سؤالها الاخيره بعناد حواء تأبى الهزيمة فى اغداق رجلٍ، فاجابها مذهولا
- ما أحنا كنا حلوين! اتقلبتى ليه تانى..!
وثبت قائمه، واحتدت نبرة صوتها الهائمه
- سؤالى واضح إنت ازاى تردنى من غير ما تاخد رايي ؛ أو انا اعرف..! أنت مش هتبطل اسلوبك ده؟!
نصب عوده متأففا.
- يابنتى هو إحنا مش اتصالحنا، وانتى سامحتى واترميتى فى حضنى وفرغت الحدوته، فى ايه تانى؟!
تحركت بخفة لتقف محتميه بظهر المقعد ولوحت بكفها
- إنت مين فهمك كده، متهناش لا
- مش عارف، بس افلام الابيض والاسود كلها بتنتهى كده، ممم طلع مضحوك عليا طول الفترة دى؟!
كانت جُملته بها شىء من المزاح والسخرية فى آنٍ واحد مما اثار اشباح عنادها الضاحكه بجوفها وقالت بحدة مزيفة
- مابهزرش..
- وحياة عيونك الحلوة دى ولا أنا بهزر، ده مجرد سؤال للعلم..؟!
ثم دنى منها وغمز بطرف عينه
-هو طلع مضحوك عليا بجد!
داعبت شفتيها بابتسامه خفيفه حاربت اخفائها بكل الطرق ولكنها فشلت، فصاح مهللا
- أهو اديكى ضحكتى أهو، يعنى قلبك حن ومال ؛ ولا كمان عمرو دياب طلع بيضحك عليا...
نفذ صبرها من تحول جديتها لمزحه، ففاض صبرها
- يوووووه، بطل اسلوبك ده...
- ليه بقي؟! عشان بيهزمك دايما..!
ثم ثنى ركبتيه فوق المقعد لتصبح عيونهم مُتقابله فى نفس المستوى وتابع
- اهى ضحكتك الحلوة دى هى انتصارى وهزيمتى فى نفس الوقت...
اتكأت بمرفقيها على ظهر المقعد هائمة به
-ياسلام ! ازاى بقي؟!
تطاولت انامله لتزيح خصيله من شعرها وراء أذنها وتابع متغزلا
-انتصارى علشان بحس بانجاز عظيم وثقتى بتزيد جوايا إنى قدرت اهزم عصبيتك بضحكة حلوة منك، وهزيمتى لانى للاسف مش هقدر اقاومها أكتر من كده غير لما ادوق طعمها..
احمرت وجنتيها بحمرة الخجل ففرت هاربه من امامه لتدخل دائره مقاعد ( الانتريه ) وتجلس على طرف إحداهما وهى تقول
- مش بسهولة كده...
كور زياد قبضته مغتاظا وجز على اسنانه بقوة وهو يستدير نحوها ليعتدل فى جلسته وبادلها بابتسامة زائفه
- هى إيه اللى مش بسهولة، بت إنت اتعدلى ؛ أنت مراتى لو نسيتى..
وضعت ساق فوق الاخرى لاعبه على اوتار فطرته وقالت متدلله
- شوفت اهو إحنا لازم نتفق..
- نتفق على إيه إن شاء الله!
- إنتَ طلبت فرصة، وانا عشان هبله ومتنيله على عينى وبحبك وافقت اديهالك، بس غرور الست اللى جوايا مش سامح بالمهزلة دى، فأنا لازم احط شروطى وارضيها بردو...
- اللى هى بقي؟! ادينى!
فكرت للحظة ثم تابعت
- مش معنى إنى هديك فرصه نبقي خلاص هنعيش زى اى اتنين متجوزين وخلاص..
رفع حاجبه وهو يرمقها بنظرات التوعد
- أومال؟!
تحمحمت بثقة
- أولا، تقطع علاقتك بكل البنات اللى فى حياتك..
انكمشت ملامحه بسخط.
- اى الافترى ده، وجالك قلب تقوليها!
حدجته محذرة ثم واصلت
- باسورد الفون وكل المواقع يكون معايا، والواتس آب يتوصل باللاب بتاعى عشان اشوفك بتكلم مين وبتقول إيه..
طفح كيل الصبر منه ولكنه استمر لسماع شروطها، وتبسم متوعدا
- اللى بعده...!
- يتعمل لى اكبر فرح فى مصر كلها، وكل مطربين مصر تحضره...
- ليييه، فكرانى نجيب ساويرس؟!
هزت كتفيها لا مباليه بشروطها التعجيزيه، وتابعت.
- شهر العسل نقضيه فالجونه، وكمان تجيبلى ياخت هدية جوازنا، ولو عجبنا المكان هناك ممكن نشترى بيت..
ضحك بصوت منخفض ساخرا من طموحاتها واجاب
- لا دانتى ياسمين صبري بوظت دماغك، بوسبوس حياتى انا مش ابو هشيمه هاااا نفوق...
- الله؟! لو مش عايز متشتريش..
- لالا كملى، انا حبيت اللعبه دى أوى، هاا وايه كمان...
نهضت من جلستها لتقترب منه واكملت
- كل يوم ليا طلب، ولازم تنفذه..
- ولو منفذتهوش، ايه اللى هيحصل بقي؟!
- يوووه هيحصل كتير ؛ بس مش من مصلحتك متنفذش، بحذرك اهو...
انشقت ابتسامة خافته على وجهه وغمز بطرف عينه
- ولو نفذته...
- ساعتها بقي هيكونلك مكافاة.
- احم، نوع المكافأة بقي عشان انا بحب الحاجات دى اوى..
زمت شفتيها واصدرت ايماءه خافته
- ممكن اديك بوسه، دا لو كنت راضيه عنك...
اسبل عيون الشر وهو يرمقها بتوعد
- دانا اللى هديكى فى سنانك لو متعدلتيش!
نظرت له بعيون ضيقه تحمل وميضًا من التحذير.
- اسلوبك فى الكلام كمان مش عاجبنى...
فلحق نفسه من حالتها المزاجية المتقلبه كاحوال الطقس
- لالا، شوفى إنتى عايزانى اتكلم ازاى وانا هتكلم...
فحدجته قائلة: أما نشوف...
صمت لدقيقه او اثنين، فتحرشت بفضوله ؛ فسألها
- خلصتى؟!
- انت وافقت على دول؟!
نهض من مكانه بهيئته الجذابه التى تمزق اوتار قلبها شوقًا، وجلس بجوارها وأمسك بكفها وهو يداعب اناملها بحنو.
- بصي، حوار البنات ده والباسورد انا معاكى فيه ؛ ومن حقك طبعا، انا اصلا ماليش آمان
فشهقت مع اتساع بؤبؤ عينيها
- ااااه اديك اعترفت، يبقي..
فقطعها:
- يبقي تستنى اخلص كلامى ياستى، وطولى بالك ؛ وبعدين ما انا معترف إنى متنيل على عينى الزايغه دى، بس إنتى لازم تعوضينى، وتقفى جمبى لحد ما اتعالج..
نطقت باسمه محذرة
- زياااااااد...
- هوضحلك، يعنى أنا عايز ارجع كل يوم من بره ألقى رقاصه فى البيت، بوز الست النكديه ده ميلزمنيش ؛ هتلاقى عينى فرت على بره على طول، وكل يوم تبقي بشخصية جديده تبهرنى عن اللى قبلها، وهتلاقينى زى الخاتم فى صباعك...
اجابته باستنكار
- لا طبعا مش موافقه..
القى الوم عليها
- شوفتى اهو إنتى اللى مش عايزانى اتعالج أهو، وبتزعلى لما ابص بره..
فكرت لبرهة ثم قالت.
- خلاص هعمل كده، بس لما ارضي عليك الأول أنا لسه عند مبدأى، بص إحنا نتخطب فترة كده تحت الاختبار وبعد كده نشوف، إيه رايك!
غمغم فى سره مغتاظًا
- احلمى احلمى، اى الذل ده..
- بتقول حاجه يازيزو...
بادلها بابتسامه واسعة مزيفة و رد
- منوره ياقلب زيزو...
فصمت الاثنين للحظة استاكنت فيها اجسادهم للخلف، فقطعها قائلا
- تحبى تلعبى؟!
فدارت إليه بحماس
- ألعب إيه..
- استغمايه؟!
فكرت للحظة فى نواياه الضالة ولكنها لم تعط له الفرصة فى خديعتها، وهزت رأسها نافية
- لالا، تعالى نلعب حاجة تانى احلى..
- شكلك بدأتى تفهمينى...
صدمته بجملتها العفوية
- نلعب ريست..
فتقلصت ملامحها الفارحة
- رست؟! وانا اللى خيالى راح فى حتت تانية، المهم أدها...؟!
عقدت ساقيها تجاهه، وبنبرة تحدى
- المهم إنك إنت تطلع ادها...
جلس نفس جلستها مقابلا لها، فتحمس
- هنشووووف...
تشابكت الاصبع والقلوب معًا وتبادلت الاعين المدججة بفيضانات الحب والعناد فى آن واحد، فارتبك قليلا عندما لحظ بروز اسلتحتها الانثويه القاتله، فتحمحم مستعدا
- ربنا يستر..
بدت فى التحمل على ذراعه بكل ما اوتيت من عناد انثوى حتى اخفقت فى شروط اللعبه وارتفع كوعها عن سطح الوسادة ولكنه لازلت يده راسخ لم تتمايل كجبل صلب لا يهزه العواصف، فزفرت مختنقا
- هو انا بلعب لوحدى؟!
فضحك.
- لو اتكيت بس على ايدك هتتخلع فى ايدى، فأنا سايبك براحتك، وقعينى بقي...
ففكرت للحظه وعرضت عليه
- طيب هو الشرع بيقول للذكر مثل حظ الانثيين، فانا هلعب بايديا الاتنين عشان نبقي متعادلين...
ضحك بصوت هدر على طرق اقناعها، فطاوعها
- موافق، يلا...
قبضت بكفوفها على كفه القوى متحديه
- هغلبك...
فغمز بطرف عينه
- ما إنتى غلبتينى خلاص...
شرعت بسمه فى التحمل على ذراعه بكل قوتها حتى انقطع نفسها ففشلت فشل ذريع، فاستغل زياد فرصة تمسكها به وبجذبة ما واحده من ذراعه كنت بين يديه شاهقة
- لالا اللى حصل ده افترا...
التف معصمه على خصرها وهو يدس انفاسها فى شعرها وهام برائحتها قائلا
- اى هو اللى افترا...
- خلاص مش لاعبة، إنت بس عشان ربنا مديك شوية عضلات هتستقوى بيهم عليا..
فغمغم متيمًا بسحرها ووشوشها بصوت هز كل ماهو ساكن بها.
- على فكرة كنتى هتقدرى تغلبينى، لان عندك الاقوى من العضلات..
ما لبث أن انتهى من جملته فشرع فى نثر عطر اشتهائه على جدار عنقها، فاستسلمت له بأمر قلبها منكمشه فى حضنه، فسره فعلها الاشبه بافعال الاطفال التى تلقي اوامر وتنساها بقطعة حلوى، فطوقته بلهفة قلبها الصادح ( لا أملك من القول شيئًا سوى أنني أُحبك، أُحبك و أنا أعيي مدى استهلاك هذه الكلمة بين كُل الأشخاص، أُحبك بقدر رغبتي المفرطة في قول كلمةً جديدة تليق بكُل هذا الحب الكثيف الذي أحملهُ لكِ )..
ف لحظة استسلم فيها القلب وخضعت لها الرجال، ولكن النساء كالعقارب فإن نام العقرب هل لذنبه التوقف عن السم؟!، باغته بعضة قوي من فكيها فجعلت قبضته ارتخت من عليها وهربت منه كالمفزوعه وقالت منتصره وهى تركض
- من اولها ابتديت تكسر شروطى...
فوثب خلفها مناديا
-يا بت العضاضه، انت يابت خدى هنا...
فضحكت ظافرة
- بتحلممممم
فألمته موضع لدغتها قائلا
- وشرف أمى لاوريكى، طيب طيب..
طالعته من أعلى لتفحمه.
- نام على الكنبه عندك بقي مش عايزه ازعاج هنا...
- لو وقعتى فى ايدي ما هرحمك...
- اتكلم على أدك...
ثم هربت منه محتميه بغرفتها عندما وجدته يندفع نحوها بلهب انتقامه، فجهر معاندا
- قاعدلك، هنروح فين من بعض يعنى، خليكى فاكرة إنتى اللى ابتديتى...
- شكلك نسيت حدود وظيفتك يامجدى بيه...
انفجر المأمور معاتبًا وهو يجلس على مكتبه، وينزع قبعته، فبرر مجدى موقفه
- ده عيل مترباش سعتك..
- واحنا هنا بنفذ القانون مش بنربيهم حضرة النقيب..
جلس مجدى مرغما وهو يزفر باختناق
- اللى تامر بيه معاليك..
- انت من أمتى بتدخل امورك الشخصيه فالشغل؟! لانى شايف إن الموضوع بقي خارج التربيه لانتقامات شخصيه، وانت عارف إن ده مش لمصلحتك...
- تمام، بكرة ملفه هيتحول للنيابه؟!
فحدجه المأمور بعدم تصديق
- وهو فى ملف وقضيه من الاساس يامجدى!
- حضرتك عايز توصل لايه..
زفر المأمور باختناق
- شوف إنت زى ابنى ووالدك اخ قبل ما يكون صديق، بس انا مش شايف من مصلحتك القضيه دى تتم..
- بمعنى...
- انزل افرج عنه يا مجدى واعقل، الامور ماتتاخدش بالدراع، ومش هسألك عملت كده ليه بس هقولك خاف على نجومك ومكانتك، اتفضل..
نصب مجدى عوده كاظما غيظه
- اى اوامر تانية معااليك...
- اتفضل يامجدى، بس كلامى معاك لسه مخلصش...
خرج مجدى من الغرفه وهو يسب فى نفسه سرا حتى وصل لمكتبه وتناول هاتفه فقرأ رسالة رهف عن حذف فيديوهات التى ريحت قلبه من جبال الهم، فنادى على العسكرى وامره
- الزفت اللى تحت روح خليه يمشي...
ثم ردد سرا
- يلا ماهى خربانه خربانه...
ما لبث أن غادر العسكرى، فرن هاتفه مرة ثانيه، فأجاب بلهفة
- أم خالد، اتفضلى حصل حاجه..
صرخت ناديه متوسله
- مصيبه مصيبة يا مجدى...
فزع من مجلسه.
- فهمينى حصل إيه..
- زيدان كشف فجر وخدها وطلعوا على اسكندرية عند حماه..
انصبت مياه مغليه على جروحه الدامية غاضبا
- يادى النيله، انا هتصرف خلاص..
فنادته: خالد ضنايا بخير يا ولدى، طمنى..
لملم مجدى سلاحه واغراضه سريعا وهو يطمئنها
- كل حاجه هتبقي بخير، متقلقيش...
فتدخلت نورا فالمكالمه وقالت نادمة
- انا عرفت حاجه كمان لازمًا البيه يعرفها...
- ايه اللى واخد عقلك ياحبيبي..
قفلت قمر باب غرفتها التى تحوى اثاثا بسيطا ممسكة بظهرها الذي يؤلمها كثير إثر الحمل وتقترب من خالد الشارد يذهنه فى عالم آخر، فجلست بجواره وأمسكت كفه وقالت
- دانت مش معايا خالص...
- هاا، كنتى عتقولى حاجه ياقمر...
اعتدل فى جلسته ليفسح لها مكانًا، فاستراحت فى جلستها متنهده..
- بقولك بتفكر فأيه..
- ابدا ياقمرر، منا سمعت كلامك اهو وقاعد جمبك..
ربتت على كتفه.
- يجعلك جمبى ومايغيبك عمرى كله..
قبل كفها ثم انتقل شدقيه لبلون بطنها وطبع قبلة خفيفه وسألها
- مقربش يجى عاد...!
تغللت اناملها فى خصيلات شعره بحب
- هانت، هانت ويجى ينور حياتنا ياحبيبي..
ثم اطالت النظر اليه بعيونها اللامعة، فسألها متعجبًا
- مالك، انتى اللى سرحتى اهو...
- قلبى حاسس وبيقول لى إنك مخبى عنى حاجه، بس مش هتقل عليك وهستناك تيجى وتقول لى من روحك...
اعتدل فى جلسته ممسكا بكفها الذي يبث الحياه فى شرايينها
- لازم تتأكدى إنى بعمل كل حاجه عشان ولدنا وانت تعيشي فى أحسن حال...
- مش عايزه لا فلوس ولا قصور على كد منا عايزاك...
لم يفهم المغزى الصحيح من وراء فسألها
- إنتى ليه رافضة ارجع حقي، ليه عايزه تخلينى اعيش عينى مكسوره وهربان طول عمرى
اغرورقت عيونها بالدموع
- خايفه...
- خايفه من ايه ياقمر...
- خايفة يجى اليوم اللى الفلوس تعمى فيه عينك وتبعدك عن قمر، خايفه الشيطان يلعب فى راسك ويقولك إنك تستاهل الاحسن منى انت تاخد ليه واحده ناقصة، خايفه اللى عمله عمك يقف حاجز ما بينا تفتكره طول ما احنا هناك، خايفه قلبك يحن ويرق لفجر...
انفجرت فالبكاء حتى اكملت شاهقة
- خايفة ربنا يعوضنا بالمال وياخد من قلوبنا الحب، واعيش ادور عليك العمر كله ومعرفش اشترى قلبك ولو بكنوز الدنيا...
عادة مايكون تفكير الانثى سابق الزمان بسنة ضوئية، خربشت بكلماتها على جدار عقله الذي لم يتصور له للحظة ما قالته، فمسح بابهامه دموعها وسألها
- وانت معايا صدر منى كلمة تدل على كل الاوهام دى؟!
احتوى كفها المرتعش كفه الذي غُسل بمياه حزنها وقالت
- دى الحقيقه اللى بتتعمد تنساها كل يوم..
هز راسه رافضا اتهامها
- لا، دى اوهامك السودة اللى بتوصلك حاجات مخطرتش على بالى، عارفه ليه!
جمع الكلمات براسه ثم أكمل.
- عشان اللى عمله عمى فيكى هاخده منه وهندمه، ولو كنت بحب فجر زمان فدلوك هحب واحده متجوزه ليه، واصلا تيجى اى كلمه حب جمب اللى حسيته وانا معاكى فى ليلة نمت فيها فى حضنك، مش معنى إنى بحارب عشان ارجع حقنا يبقي هسيبك واروح اشوف غيرك، عارفه ليه...
وضع كفه على بطنها وواصل بخفوت.
- عشان قلوبنا دى عامله زى اصداف البحر اللى بتحمينا وماينفعش يسكنها غير شخص واحد وبس ولو سبناه هنضيع والدنيا هتلطش فينا لحد مانموت ولا هنعرف نرجع للصدفه تانى ولا هنلاقي مكان يناسبنا بعدها، عرفتى بقي إن بعدى عنك والموت واحد...
- يعنى عمرك ما فى يوم هتندم ياخالد...
نفذ صبره منها
- إنتى مش واخده بالك إنك مراتى وام ولدى اللى جاي! اثبتلك اى تانى...؟!
توسلته بعيونها الذائبة فى بحور هواه.
- قولهالى، قولهالى على طول عشان تريح قلبى..
قبل رأسها بدفء:
- وقلبى أنا كمان نفسه يرتاح من اللى عيونك بيعموله فيه..
ما كاد ان يتذوق ابتسامتها المرتسمة من عجاف دواخلها فقطعه رنين هاتفه فلعنه سرا وهو يتعرف على هوية الطارق مستغربا
- مجدى بيه..
سالته: ما ترد...
- منا هرد...
فتح المكالمه بتردد وقال
- ألو..
- خالد، انا تحت بيتك، البس انزل لى حالا، طالعين على اسكندرية
- حاضر، حاضررررر نازل اهو...
خفق قلب قمر.
- خير يا خالد، حُصل إيه؟!
(صباحًا )
- منير، الحقني، شوفت. شوفت اللى حصل!
اندفعت عايده اليها كاندفاع العطشان فى الصحراء نحو بحيرة ميا مستغيثه به من جفاء ليلة البارحة التى قضتها فى مكتب النائب العام، فربت منير على كتفها ليطمئنها
- اهدى، اهدى وتعالى فهمينى اللى حصل..
احتوى ذراعها المرتعش وسحبها برفق ليجلس معها على اقرب اريكه، فنشجت.
- معرفش، معرفش يامنير، لقيتهم بيتكلمو عن سلاح وبضاعه واسلحة محرمة وحاجات كتيره كده انا مش فاهمة اى حاجه عنها...
تبدلت ملامح منير من الهدوء للحيره المُقلقه
- يعني ايه؟! ومين له مصلحه فى كده..
واصلت بنبرة صوتها المرتجفه
- اللى فهمته من اللى كانوا فى الشاحنه ان البضاعه ليها 3 ايام فى عرض البحر، بعد ما الربان بتاعها حالته اتدهورت، منير انا هروح فى داهيه، كل حاجه باسمى..
مسك منير راسه مفكرا.
- قولت اهدى ياعايده، اهدى..
ثم غمغمت بشك
- معقوله تكون ميان! ميان ليها علاقه بالموضوع ده؟!
- اطمنى ياعايده، متقلقيش، هوصل لهشام والولاد وهنلاقى حل بإذن الله
اسبلت عيونها المحمره بدماء البكاء واحتوت كفه متوسله
- متسبنيش يامنير، انا مابقاش ليا غيرك...
- مش معقوله كل ده نوم؟!
بفستان قصير اسود يصل لركبتها اردفت ميان جُملتها الاخيره وهى تُزيح الستائر عن احد شرفات (اليخت) الذي ينتمى لملكية آل الشاذلى، بعدما ألقت بدلة جديده بجواره..
تراقصت جفون هشام المُلقى فى منتصف السرير بزيه وحذائه الذي بات فى قدمه طوال الليل محاولا تذكر ما حدث أتى به الى هنا، بنهض بتكاسل شديد وهو يتفقد المكان بعيناه وقال
- أنا ايه اللى جابنى هنا...!
اقتربت منه ساخرة.
- بس متفكرنيش، وأنا اللى كنت بخطط ازاى هننبسط سوا..
هز راسه بعدم تفهم وسالها
- يعنى ايه؟!
فضحكت بصوت عال وهى تقترب منه اكثر
- مكنتش اعرف إنك من كاس واحد هتنام كده...
ثم انحنت لمستوى آذانه هامسه
- مطلعتش زى ما كنت فاكرة...
- مش فاهم...
دوى صوت ضحكة نسائيه لها وهى تخبره
- طيب يلا قوم، يومنا طويل ومحضرالك مفاجأت كتير...
نصب عوده جازعا وهو يمسك بساعدها
- خدى هنا، انا مش بحب المفاجئات ولا بحب ابقي مش فاهم...
وضعت قُبله على سبابتها ثم طبعتها على ثغره وقالت
- مش خاطفينك اكيد، عايزاك ترفع راسي
- اومال؟!
- بابى بس حابب يعرفك على شركائك، وطبعا ماينفعش تقابلهم بلبسك ده...
رمقها بعدم تصديق حتى تلونت كالحيه.
- يلا بقي اجهز عشان كلنا مستنينك تحت..
تحسس على حزامه الجلدى من الخلف
- إحنا فين الاوول؟! وفين سلاحى؟!
- هشام، اى الاوفر ده! اجهز وتعالى مستنينك فوق...
تمايلت بحذائها العالى متدلله أمام عيناه حتى لعن الحظ الذي جمعه بها ووقف أمام المرآة حائرا محاولا تذكر اى حدث يدله لمقصدهم المريب..
اتجه نحو المرحاض وغسل وجهه ولازالت دبابير الشك تزوم فى راسه، الى ان قفزت فى راسه اكثر من فكرة همّ بتفيذها على الفور...
مر قرابة النصف ساعه فخرج من باب غرفته فوجد أحد الحرس فى انتظاره على الباب وقال له مرشدا
- من هنا يا سييادة المقدم اتفضل معايا...
خطوات باتت تفصله عن تحول حيرته وشكوكه ليقين، هبط السلم برزانه وثبات حتى وصل الى السطح فسقطت عيناه على الدائره المنعقده من عدد كبير من رجال الحرس حول مجلس كل من الشاذلى وابنته ؛ الصياد ؛ وزيدان ومُهجة التى انعقدت ملامحها الحادة لرؤياه..
تقدمت ميان لاستقباله بابتسامه خافته وقالتله
- تعالى اعرفك...
التوى ثغر هشام ساخرا
- لا متعرفين من زمان...
ثم تحرك بشموخ وتجاهل ميان ليجلس على المقعد المقابل لزيدان وساله
- والله زمان يا عمدة...
هندم سترته المُلقاه على كتفيه تحت بدلته وقال
- شوفت يا سيوفى الزمان دوار كيف، حذرتك من قبلها..
- و المفروض كنت أخاف؟!
ثم وجه سؤاله ناحية الشاذلى
- هو إيه الحوار يا منصور بيه؟!
مدت له ميان كأس النبيذ
- اشرب الاول..
فغمز لها بطرف عينه
- مانتى لسه قايله إنى مش قده..
- ده ٥% كحول بس...
رمقها بعدم تصديق كأنه تذكر نفس الجملة سمعها من قبل
- فاكر إنى سمعت الجملة دى قبل كده!
تراجعت ميان بحرص مغمغمه
- اللى يريحك...
فصدحت زعابيب هشام المحمله باتربة المكر
- بس اى اللى لم الشامى على المغربى يا منصور بيه..
ارتشف منصور كأس النبيذ وقال ممازحا...
- الوحده الوطنيه...
فتدخل الصياد بشك
- هو ده اللى هيساعدنا...
انتقلت انظار هشام إليه بفظاظة
- انا ليه شامم ريحة تريقه فى كلامك يااااا، مش الصياد بيه بردو..
قطمت ميان الحوار وهى تجلس بجوار مهجة وقالت
- بالمختصر ياهشام، فى بضاعة قاعده فالبحر اكتر من اسبوع مش عارفين ندخلها الحدود المصرية خاصة إن الحكومه مفتحه عيونها قوى علينا، هتقدر تعمل كده...
لم يدهشه الامر نهائيا، فحافظ على ثباته وسألها
- سلاح، وذخائر؟! واجهزة تجسس وغيره وغيره، مش كده!
رد الصياد
- صفقة العمر ولو وصلت بسلام يبقي طاقة القدر اتفتحتلك...
فكر هشام لحظات وهى يتكأ للخلف وقال
- ندخلها...
فاتسعت ابتسامه ميان بفرح
- كنت متأكده إن ثقتى فيك فى محلها...
تجاهل ابداء اعجابها به ووجه نظره للصياد
- افتكر إن الميه هتكدب الغطاس...
فقهقه زيدان بمكر، ورحب به
- والله وجيه اليوم اللى يبقي هدفنا فيه..
- المصلحة تحكم جنابك...
وثب الشاذلى بهيبته وهو يلوح بسيجارته البنية وقال
- حلو، كل ده حلو، بس اللى مش حلو بقي إنك مندهشتش ياسيادة المقدم..
حافظ هشام على اتزانه.
- هندهش ليه؟! زيدان بيه وسمعته سابقاه، والصياد بيه حماه واكيد كلهم على قلب واحد، والهدف اللى يجمع اتنين يجمع تلاته، فأنا ربطت الخيوط ببعضها واهو تخمينى طلع صح...
- بس اللى مش صح بقي إن البضاعة اتمسكت امبارح، والست عايده هانم راحت فالرجلين..
هدوئه كان مثيرا للدهشه على عكس الجمر الذي قُذف على قلوب البقية، ذهلت ميان
- حضرتك بتقول ايه يابابا...
حدجها محذرا: استنى يا ميان...
تحرك بين صفوفهم وشرع بالتحدث عن انجازاته العظيمه فى المعمار وخدمات الدوله وغيرها من المشاريع العملاقه وتكوين ثروته وافتخاره بذكاءه واعمالها الى أن نهى نشرته بجملة لسعت قلب هشام بالقلق..
- يعنى اقدر اترجم الواحد من عيونه...
وقف زيدان معارضا
- يعنى ايه اتمسكت، وازاى حاجه تدخل البلد من غير تأمين...
فاردف الشاذلى بهدوء
- ما هو ده اللى جايبكم عشانه، ونعرف ازاى الحاجة دخلت من غير ما تتأمن...
هتفت مهجة بعدم تصديق
- يعنى ايه! مفيش فلوس...
واكمل زيدان
- ولا بضاعه؟! طيب ومعاد التسليم؟!
- كل ده سهل، ثقتنا فى حضرة الظابط كبيره، ولا انت شايف ايه يا هشام بيه؟!
اجابه بثقة
- شايف إن فى موضوع اهم لسه حضرتك بتلف حوليه وماقولتهوش...
لمعت عيون الشاذلى معجبا بذكاءه وواصل
- تعجبنى وانت جايب من الاخر...
- مش بحب المقدمات...
الشاذلى بهدوء: تقدر ترجعلنا اللى وقع فى ايدين الحكومه..
سخر من طلبه وقال.
- وهى فى حاجه بتقع فى ايدين الحكومه بترجع!
صاح الشاذلى معجبا
- عليك نور، يعنى مستحيل، بس اللى مش مستحيل إننا ناخد حقنا من اللى عمل كده..
ميان بدهشه
- بابى، حضرتك عارف مين عمل كده...؟!
تابع الشاذلى تحركاته الخافته الى ان وصل وراء هشام وشاور له لاعلى نحو الطائره التى تزوم فوقهم
- شايف الطايره دى مش هيركبها غير اتنين وبس، وهوووب هيكتو من البلد، بصراحه أنا مش عارف مين هما بالظبط...
ثم اخفض نبرة صوته الماكره ووضع كفه على كتفه
- ممكن انا وميان، مهجه وجوزها او ابوها، ممكن أنت وووووو
ثم اشار لاحد الحرس بفتح الباب المغلق امامهم، ففلحظة ظهر طيف رهف المرتعبه وهى مكبلة الايدى وعلى فهمها شريط لاصق...
- اختك صح؟! متعرفش انا عملت إيه عشان احوشها عن الرجاله دول امبارح...
لم يستطع تقبل الصدمه الاولى حتى سقطت على صدره الصاعقة بظهور فجر تحت قبضة يد الحارس صاحب البنيه الضخمه واكمل الشاذلى.
- او الحلوة مراتك، اللى بعتها تتجسس على زيدان فى قصره...
تلاقت الاعين الجاحظة ببعضها فلاول مرة يشعر بنفسه مكبل الايدى واللسان، امتدت يد الشاذلى فى خصر الحارس ليخرج سلاحه ويصوبه ناحية رأس هشام وصراخ
- واخرهم بضاعة تمنها يساوى تمن البلد كلها تدخل الحدود برساله منك من تليفون ميان بتى، اللعبة انتهت ياسيادة المقدم، الداخليه هتخسرك..
تاااابع ◄ الحرب لأجلك سلام