رواية حب خاطئ الفصل السابع


 

 - الغاية لا تُبرر شيء -
أنهت صلاتها بخشوع ثم لملمت سجادة الصلاة، اتجهت إلى المطبخ بـ خُطى بطيئة، أخرجت حُقنة الأنسولين الخاصة بها، حقنت نفسها بها بهدوء وتركيز ثم قذفتها في القمامة ووقفت تُحضر فطور بسيط من أجل جـنّـة المُكتئبة..
بعد بعض الوقت، أدارت المقبض بيدها ثم دفعت الباب بساقها وولجت إلى غرفة جـنّـة، وضعت الطعام على الطاولة بخفة ثم تقدمت من تختِها كي توقظها..



ربتت على شعرها بنعومة وهي توقظها بخفة: عشق، عشق، عشق، همهمت وهي تتقلب ليتبين لها وجهها المتورم جعلها تقلق وتابعت: عشق يا حبيبتي اصحي، حركت رأسها بانزعاج وهي تفتح جفنيها ببطء لتفرج عن فيروزتيها بصعوبة من شعورها بالحرقة داخلها..

انتصبت جالسة والحزن يكتسي ملامحها الرقيقة، ربتت روحية على وجنتها بحنان وسألتها بعدم رضي: كفاية يا حبيبتي العياط مش هيحل حاجة! لازم تاكلي وتخرجي من اللي انتِ فيه ده وتشوفي جامعتك ومذاكرتك!

تساقطت عبراتها بغزارة وهي تهز رأسها بنفي وقالت بحرقة: مليش نفس اعمل حاجة مليش نفس، عانقتها روحية بحنان وواستها وهي تربت على ظهرها: كل حاجة هتتحل يا حبيبتي مفيش مُشكلة ملهاش حل قومي بس انتِ فوقي وصحصحي الاول وكُلي عشان عاملالك مُفجأة..
توقف جسدها عن الإهتزاز و فصلت العناق ثم نظرت لها باستفهام وهي تستنشق ما بأنفها وهتفت بتعجب: مفاجأة ايه؟

ابتسمت روحية ثم قالت بابتسامة حانيه وهي تربت على وجنتها: بعد ما تخلصي فطارك هاخدك وهنروح نشتري حاجتك اللي ناقصاكي..
هزت رأسها بعدم فهم وسألتها بـ صوتٍ مهزوز: حاجات ايه؟
ابتسمت روحية باتساع وقالت بحنو: حاجتك بتاعة فرحك يا حبيبتي!
هربت شهقتها وعادت تنتحب من جديد دافنه رأسها بين ركبتيها تبكِ بحرقة دون توقف..

إستغفرت روحية وهي تضرب كفيها معاً ثم وضعت يدها علي كتف جـنّـة وقالت بنبرة حانية: وبعدين معاكِ بقي يا عشق!
رفعت وجهها الباكِ وهتفت وهي تجفف دموعها بعنف: حاجتي ايه؟ انتِ مسمعتيش جاسم قال ايه؟ مفيش افراح ده مش عايزني!

هزت روحية رأسها وقالت بهدوء وهي تمسح على شعرها بخفة: لأ مش حقيقي هو بس مضايق مش أكتر عشان كده هنعملهُ مُفجأة، صمتت جـنّـة ونظرت لها باستفهام لتتابع روحية: اليومين الجايين دول هنحضر للفرح زي ما المفروض كُنت هعمل وجاسم هنا بس جاسم مش موجودة دلوقتي بس هنفاجئة و هنخلية يرجع على الفرح على طول هندبسه يعني!

حركت جـنّـة أهدابها بتعجب وهمت بسؤالها وهي تهز رأسها برفض: ده مش حل وهنجيبه ازاي على الوقت؟ ومعاد الفرح! و هنلحق أصلاً؟؟

ابتسمت روحية بعذوبة وربتت على ذراعها بحنو وقالت بـ وتفاؤل: لو فطرتي وبطلتي عياط هننزل نتفرج على الفساتين ونشوف بيوتي سنتر حلو عشانك وكده هنكون خلصنا معظم الحاجة! الحاجات الباقية بقي مش مُهمه دلوقتي ومش هتحتاجيها طول ما انتِ قاعدة هنا، تبقي جهزي شقتك بنفسك مع جاسم على مهلك، ثم تنهدت بعمق وتابعت بقلة حيلة: انا كُنت مُعترضة على الجواز دلوقتى لكن طالما الدنيا اتلخبطت في الآخر كده يبقي تتجوزوا أحسن دلوقتي، وبعدين انا جيبالك حاجات كتير هنلحق ان شاء الله قولي بس يارب..

هزت جـنّـة رأسها بتفهم وقالت بحزن وشرود: يارب..

في الصعيد..
ركضت بكل ما أوتيت من قوة في الأرض الخضراء خلف المنزل وهي تصرخ بأنفاس متسارعة تكاد تنقطع من التعب..
شهقت عندما انغرست قدمها في الوحل، نظرت خلفها بذعر تُراقب تقدم قُصيّ بملامح شيطانية فهو أن أمسكها لن يتركها، إن الشرر يتطاير من عينيه اللعنة عليها لِمَ علقت معه لِمَ؟ ولِمَ علقت هُنا؟!

نزعت قدمها بقوة وهي تغمغم بغضب ثم تابعت ركضها وهي تصرخ بـ صوت مرتفع وفقدان أمل: ألحقوني يا ناس يلّي هنا، اي حد يا غفر الحقوني يا حيوانات طيب، يا آدم يا تالين الحقوني..
لكن لم يستمع لها أحداً سوى نادين التي كانت تُحادث أحدهم في الهاتف وهي تبكِ في عالمٍ آخر غير عابئة بما يحدُث حولها..
توهجت عيناه بمكرٍ عندما رآها تقترب من الكوخ، هذا جيّد لتختبئ به فقط هو لا يُريد سوى هذا؟ وبعدها لن تستطيع الهرب..

توقف واضعاً يديه بـ خصره وصدره يرتفع ويهبط أثر انفاسه الثائرة وهو يلهث مُراقباً ركضِها حتى يرى أين ستتوقف و ما الذي ستجنيه من كُل هذا؟!
لعن من تحت انفاسه عندما تخطت الكوخ وتابعت ركضها، لم تصب الهدف تلك المرة ولن يحصل على ما يُريد بنفسٍ راضية منها كما يبدو، هي تُحب العُنف وستحصل عليه، تحرك اتجاهها بخطوات حثيثة حذرة وهو يبتسم بخبث كي لا يصدر صوتاً..

توقفت خلف الكوخ وهي تلتقط انفاسها بلهاث، أسندت ظهرها على الكوخ وهي تغمض عينيها بقوة ويدها أخذت طريقها إلى صدرها تمسده بخفة، هدأت قليلاً ثم حركت جفنيها قليلاً ثم بدأت فتح عينيها ببطء، صرخت بفزع وهي تجد قُصيّ يقف أمامها وتعتلي شفتيه ابتسامة ساخرة..

لم يترك المجال لتتحرك بل جذبها من مؤخرة رأسها أسقطها بأحضانه، انقبض قلبها بخوف وهي تشعر بيده تعبث، رفعت رأسها له وترجته بأعين دامعة ونبرة مهزوزة: قُصيّ بالله عليك سبني أبوس رجلك سبني..
رفع حاجبيه وهو ينظر إلى ملامحها المترجية والخائفة من اقترابه إلى هذا الحد لِمَ؟.
قربها منهُ أكثر وسألها بعبث: انتِ قد اللي بتقوليه ده؟

أومأت وهي تزم شفتيها كي لا يظهر ارتجافها أكثر ولم تشعر به سوى وهو يُحررها من قبضته بسهولة دون التحدث، كادت تتحرك بذهول وتذهب لكنهُ أمسك معصمها ثم رفع قدمه وخلع حذائه وهو يبتسم ثم خلع جوربه ورفع ساقة للأعلى وقربها من وجهها وقال بكل هدوء: بوسي يلا..
فغرت فاه وهي تحملق بقدمه ثم نظرت له وهي تهز رأسها باستنكار، هل هو أحمق كي يظن أنها ستفعل هذا حقًا؟

رفع حاجبيه وهي يحرك ذقنه اتجاه قدمه مع ناظرية كأنهُ يحثها على تقبيلها، ازدردت ريقها وناظرت قدمه مرة أخرى ثم أومأت وانصاعت لأمره و اخفضت رأسها قليلاً وهي تنظر له ثم رفعت يديها على حين غرة ودفعت صدره بقوة جعلتهُ يترنح بسبب وقوفهُ على قدمٍ واحدة وسقط في الوحل..

ضحكت وهي تنحني ثم خلعت عن قدمه الحذاء الآخر وقذفته بعيداً ثم أخذت الملقي أمامها وقذفته خلف الآخر وأخرجت لسانها له بغيظ وهي تضحك برقة ثم عادت راكضة وتركتهُ عالقاً في الوحل..
صاح بـ صوتٍ مرتفع متوعداً لها: هتروحي مني فين يعني؟ انتِ مالكيش غيري يا كلبة ماشي، زفر بضيق ثم ألقى برأسه إلى الخلف مفترشاً الأرض بجسده شاعراً بالوحل الذي التصق على قميصة وهو يقول بقلة حيلة: كده كده هاخد دُش..
في السوق...

ابتسمت تالين بسعادة وهي تتجول مع آدم في السوق ويداه تحتضن يدها بتملك بعد أن أطمئن على سيارته..
توقف عندما سمع رنين هاتفه في جيب بنطاله، ابتسم إلى تالين بخفة وحثها على السير عندما توقفت عن السير معهُ ونظرت له باستفهام وهي تبتسم وعاد يسير وهو يخرجه..
تحدث بهدوء وهو يحمحم: ألو!
تحدث إحدي العاملين مع شقيقه في الشركة: ألو آدم بيه معايا؟

أبعد الهاتف عن أذنه ثم حدق في الرقم قليلاً بتعجب وأعاد وضعه ورد بهدوء: معاك اتفضل!

تحدث الموظف باستياء شديد وهو يقف بعيداً في زاوية وحده كي لا يستمع إليه أحد من المدسوسين من قبل والدته: آدم بيه اللي بيحصل في الشركة ده مينفعش؟ مصطفي بيه هامل الشغل وكل يوم والتاني يسافر بـ حِجة الشُغل والاجتماعات ومفيش اي شُغل لينا برا اصلاً! والهانم والدتك كُل فترة تيجي تاخد مبالغ كبيرة من الأرباح ولو مفيش تاخد من سيولة الشركة ولما حد يتكلم تطرده شر طرده ومش بتديلة فلوسهُ وبقيت حسابه كمان! الشركة بقِت في النازل وسُمعتنا اتهزت في السوق وده ميرضيش ربنا! انا واحد بقالي عشر سنين شغال فيها ومقبلش اني اشوفها بتنهار بالشكل ده واسكت؟!

تنهد آدم وهو يأخذ نفسًا عميقًا ثم قال بنبرة هادئة وهو يمسد جبهته: طيب أنا دلوقتي مسافر يومين ثلاثة بالكثير وراجع وهنتقابل وهنتكلم في كل حاجة ولو مش عاجبك الشغل ممكن تيجي تشتغل معايا بما انك خبرة عشر سنين حلو كده؟!

زفر الطرف الآخر وقال برفض واستياء مُضاعف: حلو ايه؟ أنا لو بفكر في الفلوس والمكان مكُنتش اتصلت عشان احكيلك! ممكن بسهولة أقدم استقالتي واخذ فلوسي علي داير مليم وامشي مُعزز مُكرم وأي شركة تتمناني وخصوصًا الشركات المُنافسة لكن أنا بقولك عشان تلاقي حل مش تقولي اشغلك عندي؟

غمغم آدم بضيق ثم قال بهدوء: تمام فاهم قصدك وعارف انك عايز تقول إن الشركة بقِت زريبة لأخويا وأمي وأنا عارف عشان كده عملت شُغل مُنفصل عنهم بس متقلقش اول ما انزل هاجي واشوف اقدر انقذ ايه، ثم صمت قليلاً وابتعد عن محل وقوف تالين وهو يفكر وتابع وهو يضيق عينيه كأنهُ يراه: بس الأول قولي كده مصطفي بيسافر بيروح فين طالما مفيش شُغل بما انك عندك خلفية عن الموضوع؟

وصل إلى مسامعه تنهيدة الآخر قبل أن يقول: مش عارف بس بيروح مناطق سياحية يتفسح باين والمرادي غيّر المكان وراح مناطق ساحلية راح هاواي وِجَر معاه الكلبة بتاعته سالي..

رفع آدم حاجبيه وغمرتهُ سعادة لا يعلم مصدرها، لا بل يعلم مصدرها ويعلم من أين أتتهُ بالتأكيد، لقد فهم الآن كُل شيء، هذا كان واضح وضوح الشمس، لكن تفكيرهُ أن شقيقة ليس رجلاً بل خروف هو من جعلهُ غبيّ ولم يُلاحظ رغم أن شقيقه هو من اقترح عليه سالي!، لقد صدق انهُ فعل هذا كي يرد لهُ جميلهُ بسبب تزويجه تالين كما ظَنّ..
ابتسم ثم سأله بنبرة مرحة: سالي بتسافر معاه على طول؟

قطب الموظف حاجبيه ثم قال بهدوء: اه كُل سفرية بتروح معاه! وكمان الموظفين في الشركة شوية بيقولوا انهم عاملين علاقة مع بعض وشوية تانيين بيقولوا انه متجوزها عُرفى معرفش!، ثم صمت وسأله ببلاهة: هي بجد خطيبتك؟ اسف لو كلامى ضايقك اكيد مش هيأثر على علاقتهم صح؟!، حقًا إن كان قاصدًا أن يخبرهُ لم يكُن ليتحدث هكذا!

ضحك آدم وهو يرفع حاجبيه ثم قال بهدوء: مش هيأثر متقلقش وشكراً على اهتمامك واكيد اكيد هقابلك مع السلامة..
أغلق الهاتف وهو يبتسم، حدق في ظهر تالين التي انشغلت بالأشياء المعروضة أمامها قليلاً وهو يعقد يديه أمام صدرهُ وعقله لم يكف عن التفكير ورسم الدراما الهزيلة بفضل ما سمعهُ!.

هل شقيقة خائن؟ أم متزوج؟ أم أنه قام ببدء عملٍ خاص به في الخارج؟ كُل هذا وارد ويتوقع أن يجدهُ لا شيء غريب! لكن لا يهم هو سوف يُصدق الشائعات التي سمِعها ببساطة لأنهُ لن يلتمس له أعذار حتى يعلم الحقيقية! لا بل سوف يُصدق الشائعات لأنها تتفق مع إرادته..
لن ينكر رغبته وأمنيته أن يكون مصطفى خائن حقاً، وهو بالفعل بدأ يشُك بهذا بسبب جعله يخطب سالي بتلك السُرعة!.

ابتسم ثم تقدم منها، وضع يديه على كتفها وقال بسعادة حقيقية: انا مبسوط تعالي اجيبلك برقوق، ضحكت برقة وسألته باستفهام وهي تسير خلفه: اشمعنا برقوق؟
رد وهو يهز كتفيه: عشان بحب أكله وانا مبسوط..
في المنزل لدى عمّار..
تقهقرت عائدة إلى الخلف بخوف وهي ترى عينيه الدامية، لتدرك أن لا مفر منهُ سوف يُمزقها ويُقطعها إربًا ويلقيها خارجًا..

ركعت عند قدميه وترجته وهي تبكِ بحرقة وعيناها تفيض من الدمع: ابوس يدك ارحمنى اني مليش ذنب خليل خليل هُوِه اللي جالي اجي واعمل اكدِه خليل وِربي خليل..
التهم شفتيهِ بغضب جامح وهو يضم قبضتيه بقوة كاتمًا انفاسه بغضب كي لا يلكمها ويركلها بمعدتها وهي حامل، هل هي حقًا حامل أم هذا كذبًا كما هي ايضًا؟

غرز أنامله في رأسها ورفعها من شعرها بقسوة وهو يسألها بأعين جاحظة تحملق بها بقوة تكاد تخرج من محجريها اخافتها منهُ أكثر: تجربي ايه للمحروج دِيه؟ انطُجي وحِبله جاد ولا بتكذبي..
هزت رأسها بهستيريا وقالت بنحيب كي تنجو بحياتها: حِبله والكعبة الشريفة حِبله، خليل يبجي جوزي جوزي..

ترك شعرها وهو يهز رأسهُ باستنكار! هل هذه هي الرجولة! يترك زوجته في منزل لدي غريب؟ لقد استحقرهُ لأنهُ ظن أنها ابنته لكنها زوجته يا إلهي ما هذا؟ أنه مُنحط بلا رجولة؟
لكن هذا لن يشفع لها ويجعلهُ يتركها! هي وافقت وشاركت بهذا! قبض على ذقنها بعنف سحقها بين يديه وهو يرفعها أمامه وقبل أن يتحدث قالت هي سريعاً بانفعال لعلهُ يعفو عنها: عاجول كُل حاجِة بس اديني الأمان..

ابتسم بإجرام وخطورة وهو يتنفس بانفعال ومن دون سابق إنذار صفعها بظهر يده أسقطها أرضًا على وجهها مع دوي صوت صرختها المتألمة التي أفزعت ليلى من مكانها..
انحنى وقام بلف شعرها حول كفه بعنف مستمعًا إلى تأوهها بألم وهو ينتصب واقفًا صارًاعلى أسنانه غضبًا وهدر بخشونة وهو يهز رأسها بين يديه يمينًا ويسارًا بقسوة كاد يقتلعهُ: لو مش مستغنية على روحك اتكَلمي عاد..

أومأت سريعًا وهي تضع يدها فوق يده على شعرها وهتفت وهي تنتحب: جَلي أعرِف انتوا بتشيلوا السلاح فين واخليك تحبني وتجولي كُل اسرار شُغلكم بس مفيش حاجة تانيِة..
هز رأسهُ وهو يُغمغم بغضب ثم شدد قبضته على شعرها أكثر وهو يسألها من بين أسنانه: ليه؟
هزت رأسها بنفي وهي تنظر له بجزع و قالت بألم: معرِفش معرِفش..
أخذ نفسًا عميقًا وسألها بحدة: وندي فين؟

هزت رأسها بجهل وهي تشهق بتقطع مع قولها: اني معرِفش غير انه جوزها وهي صغيِّرِة ومن ساعتها واخبارها انجطعت ميعرِفش عنِيها حاجة واني معرِفش..
تركها وهو يزفر بغضب ثم سألها باستنكار: وتجوزتوا ميتِه؟
قالت بأسى وهي تمسح عبراتها: من خمس شهور بس في السِر محدش يعرِف غير أهل البيت والخدم بس، ثم صمتت قليلاً وتابعت بحقد ممزوج بحسرة: أبويِه كان تاجر معاه خسِّروا كُل حاجِة واشتراني عشان أخلف الواد اللى نفسهُ فيه؟

مسح عمّار وجهه بغضب وهو ينظر لها وقبل ان يتحدث تابعت هي بنبرة هادئة وهي تنظر له نظرة حانية جعلته يتعجب: اني وافِجت اني اجي اهنِه عشانك انتِه! انت حِلم كُل بت اهنِه ياعمّار بيستمنوا بس نظرة مِنيك و اني مِنيهم كان نفسي اكون مرَتك جاد اني بحبك يا عمّار بحبك..

ضحك بخشونة وهو يهز رأسه بسخرية، حقًا هذا مثير للسُخرية، توقف عن الضحك ثم جذبها من حاشية ملابسها بقوة وتحدث بتهكم: انتِ اتجنيتي ولِّيه ديّ فيها دبح ديّ اتجنيتي؟
اهتزت مقلتيها باضطراب وقالت بحب: اتجنيت بـ حُبك!
ضرب كفيه معًا وهو يكاد يضحك ثم هتف بنفاذِ صبر: يا مثبت العَجل والدين يارب، تعرِفي وربي كُنت ههملِك لكن بعد البؤجين دولم تستحِجي اللي هعمله فيكِ..

وقبل أن تتفاجأ به قربها منهُ ومال علي كتفها وعضهُ بـ غِل جَعل صرخاتها تتعالى وهي تتلوى بين يديه، فهو لا يجد ما يفعلهُ بها سوى هذا! وجهها لم يعد به مكان فارغ كي يصفعها..
شهقت ليلى وهي تعتدل جالسة وقلبها يخفق بعنف، وضعت رأسها بين يديها وهي تتذكر جميع ماحدث معها، من أتي بها إلى هُنا يا تُري؟ رفعت رأسها بفزع على تلك الصرخات التي اخترقت أذنها..

ارتجفت واقشعر جسدها وهى ترى عمّار يعُض ندى المُزيفة بتلك الطريقة؟ هل علم حقيقتها أم ماذا! أنه أكل لحوم البشر! يا إلهي..
نهضت وسارت مُبتعدة كي تدلف إلى الداخل بتسلل وهي تسير من جانبه بحذر فلا طريق آخر، كتمت أنفاسها وسارت على أطرافها كي لا يراها لكنها صرخت بفزع عندما أمسك معصمها وابتعد عن ندى المُزيفة ودفعها بعيداً عنه، انهُ شبيه لـ مصاصِ دماء ارتوى بعد أن أنهي دِمائها كُلها..

سألها بـ تهجم بانفعال مستفهمًا: ايه اللي فوقك دلوقتي؟، ما هذا السؤال؟ هل تأخذ الإذن منهُ قبل أن تفيق!
ازدردت ريقها وقالت بتلعثم وخوف وأعين دامعة وهي على وشك البُكاء من جديد أثناء سحب معصمها من بين كفه بضعف: أنـ، انـ، سيبني يا عمّار سيبني..
تركها بانصياع دون أن يتحدث أو يعترض أو يضيف شيء جعلها لا تُصدق نفسها وظلت جامدة تُحدق في كفه الذي ابتعد عنها بنوعٍ من الذهول..

لاحظ جمودها فابتسم وعاد يمد يداه لكنها ابتعدت إلى الخلف سريعًا وفرّت هاربة من أمامه بطفولية جعلتهُ يبتسم وهو يراقبها..
تهجمت ملامحه واختفت ابتسامته واستفاق من أحلامه الوردية على صوت أنين تلك الغبية التي تبكِ ارضًا..
رفعها بخفة دون أن يقسو عليها فـ يكفي عليها حقًا الزواج من ذلك الشيطان والجلوس معهُ، فقط يتساءل ماذا تفعل عندما يقترب منها بـ رائحة فمه القذرة الكريهة هذه لا يُهم لا دخل لهُ بها!.

هو فقط كان يشتهي حقًا ضربها حتى الموت، كان يرغب في سماع صوت تهشيم عِظامها! لكنهُ ببساطة يُريد الركض خلف ليلى وسؤالها ماذا حدث معها..
ويعترف بكل صراحة أنهُ أصبح رقيقًا في الآونة الأخيرة لِمَ يا تُرى؟ هذا لا يروقه بتاتًا، لا يروقه..
كاد يتحدث لكن دلف الغفير راكضًا وهو يصيح: سيدي عمّار خليل الطحاوي واجف برا!

هز رأسه وقال بـ صوتٍ مرتفع وهو يدحجها بغضب: خليه يفوت، امسكت يده وقالت بترجي وهي تبكِ وجسدها ينتفض: ابوس يدك متجُلُوش اني جولتلك حاجِة ده ممكن يجتلني فيها وحياة أغلى حاجة عندك انا في عرضك متجُلُوش..

ربت على قمة رأسها بنعومة وهو يبتسم ثم سألها بهدوء: والمقابل؟، توقف وجسدها عن الاهتزاز ونظرت لها بصمت مُنتظرة مُتابعة قولهُ ليتابع وهو يبتسم باتساع: اللي جالك تعمليه وانتِ اهنِه تعمليه لما ترجعي معاه فاهمِة؟
اتسعت عيناها وهزت رأسها بنفي ثم قالت بذهول: بس ده جوزي؟

قهقهة عمّار بخفة وسألها وهو يوفع حاجبيه كان كـ تهديدًا لها: مش من شويِة كُنت حِلم كُل البنتِه اهنِه وانتِ مِنيهم ولا اني غلطان؟ مش بتحبيـ، وقاطعته وهي تبكِ بحسرة وندم عندما أدركت غباءها بسبب تفوهها بتلك التُّرهات التي ستنهي حياتها لو علمها أحد: تحت أمرك كُل اللي تؤمرني بيه هعمله بس ارحمني..
ابتسم برضى وربت على رأسها كـ جرو مُطيع بخفة وقال بابتسامة: متخافيش، متخافيش، جولتي اسمك ايه؟

هتفت بنبرة مرتجفة: اسمي، اسمي، نسمة..
اتسعت ابتسامته وضرب كتفها بخفة كـ صديق: حلو نسمة يا نسمة حلو..
تحمحم بقوة وهو يُنظف حلقة أثناء سيره إلى الداخل وهو يقول بخشونة: يارب يا ساتر، ارتجفت نسمة بخوف وهي تبتعد عن عمّار ووقفت بعيدًا عنهُ تزامنًا مع انقباض قلب ليلى واختبائها خلف الباب الفاصل بينها وبينهم تسترق السمع عليهم باضطراب..

ناظرة خليل من أعلاهُ لأخمص قدميه ثم تحمحم وقال بتعجب عندما رأى نسمة تقف في زاوية: واجفة اكدِه ليه يابتي جَرِبي؟
رفعت نسمة وجهها المُشوه ونظرت له بأعين دامعة لـ تتوسع عيناه بانفعال عندما أدرك وضعها ورأي الشعر المستعار ملقي أرضًا!، هو بوضعٍ سيء لا يُحسد عليه!

عقد عمّار يديه أمام صدره وأشر عليها وهو يرفع حاجبيه باستفهام وقال بسخرية: طِلِعت بجرون يا خليل يا طحاوي؟ فين ندى؟ مفكِرني مش هعرِف انها مش ندى! بتكدب ليه عاد؟ وانت خابر ان الحاجات دى مفيهاش هزار!
زفر خليل بضيق ثم قال بهدوء ونبرة حانية كأنهُ لم يفعل شيء: هتصدِج لو جولتلك اني عملت اكدِه عشان واعي انك عاتحبها من وانت صغيِّر وحبيت اعمل فيك خير ده جزاتي؟

وضع عمّار يده على قلبهُ بتأثر وقال بامتنان مغلف بالسخرية: واه واه واه! كتِر خيرك يا غالي بس مش بـ مرَتك يعني! بس مش مهم دلوك مش مهم، فين ندى؟
تنهد خليل وقال بقلة حيلة: كان على عيني يا ولدي! معرِفش! اني حبيت اعمل خير ونعمل صُلح لكن ملحجتِش كان غرضي خير يلا مالناش نصيب!

أومأ عمّار بخفة وقال بنبرة ذات مغزى: ملكش نصيب ليه عاد؟ رجِع ندى وكل حاجة تتحل! ولا اجولك مترجعهاش انت جايِيك ولد في الطريق وياعالم يمكن ينجتِل وناخد بطارنا ونهدي بعدِيها صوح؟
تلون وجه خليل بألوان قوس قُزح وهو ينظر له بتهجم ليتابع عمّار بتهديد وهو يبتسم: تِدوِر على ندي وتجيبها زي ما ضيعتها ودلوجتي خُد مرَتك واجلب..

ضم خليل قبضته بغضب جامح وهو يقطب حاجبيه أثناء ضغطه على أسنانه من الداخل بقوة، حرك رأسه إلى الجانب ورمقها بنظرة حارقة غاضبة شملتها من أعلاها لأخمص قدميها جعلت أوصالها ترتعد وابعدت نظرها عنهُ وهي ترتجف من الداخل والخارج..
شهقت بتفاجئ وهي تجد خليل يُصوب سلاحه اتجاهها بوجوم وهتف دون تعبير: انتيّ لازم تموتيّ لازم تموتيّ..

ابتسم عمّار بتسلية وهو يشاهده بثقب، يظن انهُ سيتدخل ويمنعهُ من قتلها؟ أحمق بل يُريده أن يقتلها الآن وليرى كيف سيفعل هذا حقًا؟!

ألقي خليل مُسدسة أرضًا مُتقصدًا وهدر بنبرة صخرية غاضبة: أخرك معايِه لحد ما اشوف ولدي وبعدِيها هرمي جِتتك لِكلاب السِكك يا محروجة يا جلابه المصايِب، غوري من اهنِه اجلبي، هزت رأسها سريعًا عِندما ميزت أُذنها تلك النبرة التي تخبرها أن تذهب الآن ثم ركضت إلى الخارج عائدة إلى المنزل..

جفف خليل جبينه وهو يزفر ثم قال بهدوء مستفز: لسه معايِه تمن شهور عجبال ما تولد وسنين كَتيرة لحد ما ولدي يبجي راجل و يا عالم يمكن أخلَف بِنتِه اصلي ملعون بيهم! دفنت واحدِه حيِّه والتانيِه بينلها كان مكتوب ليها عُمر جَديد وعاشَت! عشان اكدِه يابن الصعيدي عايز ندى دوِر عليها ارض الله واسعه..

و استدار ومضى في طريقه تاركًا مُسدسهُ خلفه مُتقصدًا لأنهُ سيعود، ولأنهُ يعرف عمّار ويعرف انهُ سيعاود ويتحدث معهُ كي يصل إلى حل لأن ندى أكثر ما يهمهُ الآن، ولا طريق لها سوى عن طريقة والدها كما يظُن وهو فى الحقيقة لا يعرف عنها شيءً مِثله تمامًا!

حدق عمّار في أثره بذهول وهو يُحرك رأسه مُستنكرًا بشاعة ذلك الرجل! هل كان لديه طِفلة أُخرى ودفنها بتلك السهولة؟ من ماذا هو مُركب كي يفعل هذا؟ لقد تخطى مرحلة القسوة، انه بلا قلب!، بالتأكيد كانت ابنته الكُبيرة لأنهُ لا يعرف سوى ندى وهي كانت وحيدة في ذلك الوقت..

ضحك بغضب وهو يُمرر لِسانه على شفتيهِ عِندما وقع نظرة على مُسدس خليل الذي تركهُ، ذلك اللعين البغيض تابِع إبليس على الأرض انهُ سيعود كي يُراوغه، هو يعرف كُل شيء وسيقتلهُ يومًا ما..
صاح بغضب وصوتٍ مُرتفع جعل ليلي تنتفض مكانها خلف الباب بعد إن قطع وصله ذكرياتها الأليمة التي كانت شاردة تتذكرها على مهل وهي تذرف الدموع دون توقف: فين الجهوة؟

محت عبراتها سريعًا وهرولت إلى الداخل لتصطدم بـ صباح التي كانت تحمل قدح القهوة وتسير بتمهل..
شهقت بتفاجئ وهي تبتعد عن شظايا الزُجاج المُتناثرة في الأرض وركضت إلى الداخل، زفرت صباح بضيق وهي تنحني تلملم تلك الشظايا على عجل بسبب طلب متولي لها..

تركت حُسنه ما بيدها بتعجب عندما ابصرت ليلي تتلفت حولها تبحث عن شيءً ما، وإن لم تكن مُخطئة فهي تبحث عنها، تقدمت منها بقلق، وضعت يدها على كتِفها لـ تستدير بخضة ثم شهقت عندما رأتها وأمسكت يدها سريعًا وترجتها بـ صوتٍ مبحوح: ساعديني ساعديني واحميني..
ضمتها حُسنه بحنان وهي تُربت على ظهرِها برقة وحزن ثم سألتها باستفهام: لو اعرف كيف اساعدك مش هفكِر لحظة؟

فصلت ليلى العناق وهي تشهق باكية ثم أعادت إمساك يدها وقالت بهستيريا وهي تضغط عليها: تقدري تساعديني، لما اقول انا ماشيه ما تقوليش اقعد ابوس ايدك متمسكيش فينا وسيبينا نمشى ابوس ايدك، ومالت كي تقبل يدها وهي تبكِ لكن حُسنه أبعدتها وهي تستغفر ربها ثم سألتها بتعجب ممزوج بشفقة: ههملك براحتك ومش هضايجك بس مالك بس انتيّ مكُنتيش اكدِه!

جلست أرضًا وغمرت وجهها بين يديها وقالت وهي تشهق: عشان محدش كان يعرف إن أنا ندى الطحاوي، لكن دلوقتي اتفضحت!، انا ندى..
ضربت حُسنه قلبها بيدها وهي تصيح بتفاجئ: واه كيف يعني؟، شهقت ليلى بحرقة ثم بدأت تقص عليها قِصة حياتها التى سبق وقصّتها على عشق صباحًا او مُنذُ قليل..

توقفت صباح خارجًا أمام الباب وامتنعت عن الدلوف وهي تسترق السمع وعيناها تتسع بذهول وظلت واقفة تارة تشهق بخفة وتارة تتفاجئ وبعد إنتهائها من الحديث، عادت خُطوتين إلى الوراء وهرولت إلى عمّار كي تخبرهُ ما سمعت..

زفر عمّار بغضب وهو يفرقع أصابعه ثم التقط مُسدس خليل وقام بتفريغ الرصاصات منهُ وهو يبتسم، رفع رأسهُ ليجد صباح تهرول له بـ خطوات سريعة فـ وبخها بحدة: وِش الجهوة يا مخبولة انتـ، ولم يُكمل بسبب رؤية قدح القهوة مُهشم فوق الصينية وهي تتقدم به!
سألها باستفهام وهو يُأشر علي الزجاج: جيباهولي اجرجشوا ولِّيه؟

هزت رأسها بنفي وهي تقترب منهُ أكثر ثم نظرت حولها بريبة وهمست بخفوت بجانب أُذنه: دِىّ وِجعت مني بسبب سِت ليلي صطِّت فيا وهي بتجري على المطبخ وبتبكِ المهم لملمت الجِزاز ودخلت وراها وسمعتها وهى بتـ، اوقفها عِندما وبخها كما يفعل كُل مرة وبعدها يستمع لكل ما تقول بتركيز ثم يصرخ بها بغضب لأنها لم تكمل استراق السمع: مش جولتلك بطِّلي تلميع أوكر يابت؟ هتتعلجي مِنِيهم في الآخرة دول، عبست وهي تحني رأسها بندم ليتابع بتهكم: جولي جولي خلاص خدتي السيئات هيروحوا على الفاضي جولي..

في منزل خليل الطحاوي..
دوي صوت صرختها المُتألمة بسبب صفعاته اللامتناهية التي كانت تتساقط على وجنتيها أكثر من عدد عِبراتها وهو يُوبخها بغضب وقسوة دون رحمة: بيضربك يابت المحروجة ليه عاد؟ كيف يمد يده عليكِ وتسكتي؟
صاحت صارخة بقهر وهي تضع يدها أمام وجهها كي تخفيه عن وقع يديه العمياء: اومال، عاوزه، عاوزه، يطبطب عليِّه لما يِعرف اني مش المحروجة بتك؟

توسعت عيناه وتلبسه الشيطان وهوى على وجنتيها بصفعاتٍ مُتعددة وهو يصرخ بها بجنون: مين ديّ اللي محروجة يابت اني هوريكِ مين المحروجِه دلوك..
خلع عباءته وهو يلهث من المجهود الذي بذله، ألقاها أرضًا ليبقى فقط بذلك البنطال الصوفي الأبيض مع الكنزة الملحقة به كي تدفئة في الشتاء أسفل العباءة..

ساقته خطواتِه إلى حُجرة ابنته المُغلقة، فمنذُ سنوات وزمنٍ طويل لم يدلف لها أحدًا قط، أدار المقبض ليجده عالقًا، ركل الباب بغضب وهو يتنفس بثوران لـ يسعل بحدة بسبب تلك الأتربة المُتراكمة التي ضربت أنفه..
سار وخطواته توصم الأرضية على الأتربة أسفل قدميه، أبعد الملائة البيضاء المُعلقة على قطعة الأثاث الخشبية الخاصة بتعليق الملابس ليتبين له تلك الأسواط التي لم يمسّها مُنذُ زمن..

توهجت عيناه ببريق شيطاني و أخذ واحدًا من المُنتصف، المُفضل لديهِ والذي كان يستخدمهُ دائمًا في تعذيب ندى، ومن أجل ألا يكون ظالمًا كثيرًا كان يأتي بغيرهم ويجعلها تنتقي من بينهم وتختار ما تُريد أن تُضرب به..
أخذهُ وغادر الغُرفة وهو يُجربه ضاربًا به الأرض بعنف حتى وصل إلى غرفتهما معًا..

رفع يديه وهو يتصبب عرقًا وهوى على جسدها بالسياط جعلها تتلوى ألمًا وهي تصرخ لـ يُعنفها أكثر وهو يقول ويداه لم تكف عن تعذيبها: يا جربوعة ده اني لميتك من الشوارع بعد اما ابوكِ بجي على الحديدِه وعملتلك جيمة وجايِة دلوك تجولي على بتي محروجِة؟ اني اجول انتيّ لاه فاهمة ولا مفهماش يا مرة انتيّ، توقف لاهثًا وتابع بحدة وتهديد وكأنها هي المُتحكمة بهذا: وربي لجطِّع جِتتك نسايل نسايل لو مجبتيش الواد، هدفنك انتيّ وهيِّه في جبر واحد لو طلعت بت..

ألقي السوط من يده بغضب ثم انحني والتقط عباءته، ارتداها وهو يصرخ باسم الخادمة: بت يا محروسة انتيّ يـ، وقاطعته عندما توقفت أمامه وهي تضع يدها على قلبها بألم تلهث بقوة بسبب ركضِها: نعم، نعم..

أمرها بحدة: شيِّعي للحكيم خليه ياجي يشوفها واعمِللها وَكل يِرُم العضم عشان وَلدي وشيلي الجرباج دِيه علجية مكانه تاني اني رايح مِشوار صِغيِّر لبيت الصعيدي وجاي، وتركها وغادر وهو يُراجع حروف إسمه بين شفتيه بحقد: عمّار..
في منزل عمّار..

خيّم الصمت على المكان وهو ينظر لها باستنكار رافضًا هذا الحديث!، بالرغم أنهُ الأقوى والأقرب إحتمالاً والأكثر تصديقًا لكن كيف تكون ابنة هذا الرجل حقًا كيف؟ هذا خارق للطبيعة!، لكن لِمَ تقول ليلى شيءً كهذا كذِب؟!

شعرها المجعد ليس مُعجزة كي يجزم أنها هي! فإن ملايين النساء تملك شعرًا مُجعداً ما المُشكلة؟! والكثير منهن يملكن طابع الحُسن كذلك ما الخطب معهُ؟ إن كانت تملك نفس الشعر المُجعد وطابع الحُسن هذا لا يعني أنها ندى؟ لكن ما تفسير انجذابه لها؟
إن لم يسمع هذا هل كان سيتوقف عن كونهُ مُنجذب! لا لكن هل هو مُنجذب لأنها ندى الحقيقية ولا يعرِف، حتى إن لم يعرِف فإن قلبهُ ميّزها!.

هذا القول اربكهُ حقًا ولايستطيع التفكير سوى بـ أنهُ مُوافق، ومهما أعاد التفكير في النهاية سيتوقف عِند التوقع الذي يرضيه وهو المُوافقة كُل مرة لأن لا مانع لديه أن تكون هي، فقط متى موعد الزفاف؟.
هز رأسه بنفي وهو يبعد تلك الأفكار عن رأسه لاعنًا صباح، التي مازالت تقف أمامه تشاهده وهي تبتسم ببلاهة..

أفزعها عندما زجرها بحدة: واجفة بتهببي ايه عاد؟ انجلبي واعملي جهوة ولو عرفت انك سمعتي حاجة تانيِّه هجطعلك ودانك اللي كيف ودان الفيل ديّ..
لويت شدقيها وقالت باعتراض: سيدي متولي شيعلي من ساعة و اتأخرت عليه اكدِه لازم اروح عاجولهم في المطبخ جبل ما امشي عشان هُوِه جاعد في الأرض جِبلي مش اهنِه وجرب ياجي، وقبل أن يتحدث باعتراض هرولت إلى الخارج سريعًا..

لعنها بسخط وهو ينظر في أثرها، هي فقط تتصرف بعفوية لأن والدتها كانت تعمل هُنا مُنذُ زمن وقد انجبتها هُنا وقد كبِرت هُنا، هذا منزلها والجميع يُحبها وتختلف عن البقية رغم أنها أكثر من تتحمل المسئولية هُنا لكن هذا فقط لأنهم يثقون بها..

زفر بضيق وقام بفرد ساقه على الطاولة وهو يُفكر بـ عقل مُشتت، فإن كانت هي حقًا ماذا سيفعل؟ وكيف كانت تملك تلك الهيئة الطفولة الصغيرة في ذلك الوقت وهي أكبر منهُ سِنًا حتى يُحبها! هي إلى الآن مازالت كذلك وهذا مُحيِّر! هي فقط فتاة عادية لِمَ تملك هذا الجمال إضافة لكونها ابنة ذاك القذر! هذا غريب!، غريب جدًا، وليس مُسلٍ على الإطلاق، لكنهُ مقبولاً إلى حدٍ ما ويُفسر الكثير..

الكثير من الأشياء سوف تتغيَّر إن كانت هي حقًا، أول ما سيتغير هو! صحيح انهُ يُحب التأقلم لكن تلك الليلى لن تأتي بتلك السهولة ولا بالتأقلم، هي مُتمردة، لكن إن كانت ندى لن تجرؤ على التحدث! هي ستكون قُربانًا عوِضًا لا تسوى فِلسًا ولن يستمع لها أحدًا صحيح؟

حتى ان لم تُحبهُ يومًا يكفي ان يُحبها هو، هي كـ ليلى تعجبهُ، هل تعجبهُ فقط؟! لا يعلم ولا يستطيع تفسير شعوره والقول انه حُبًا! لكن لا مُشكلة لديهِ بالزواج منها! وإن كانت ندى حقًا، حسنًا هذا مُعقد قليلاً لأنهُ لن يستطيع أن يكون جيّد ولا سيء سيعلق في المنتصف عاجزًا عن التصرف!، تلك العِبرات اللؤلؤية تُحزنهُ عِندما يراها تتساقط من عينى ليلى فقط..

يعلم أنهُ يُفكر بتلك الطريقة المُسالمة والهادئة فقط لأنهُ لا يُصدق أنها هي بالرغم ان جُزءًا بداخله يُصدق هذا..
قطع حبل افكاره حمحمة خليل الذي وصل الآن..
في المطبخ..
ضمتها حُسنه إلى صدرها بحنان وهتفت بحنو وهي تربت على شعرها أثناء نحيبها: بزياداكي بُكى عاد صدجيني مش عاجولك خليكِ معانِه تاني ارجعي لحياتك، حقًا! هل تقول هذا بتلك السهولة؟!.

رفعت ليلى نفسها من أحضانها وقامت بسؤالها وهي تنظر لها بحزن: مش بتكرهيني؟
هزت حُسنه رأسها بنفي وقالت بحنو وهي تربت على وجنتها: أكرهك ليه عاد! انتيّ مالكيش صالح بـ أي حاجة حصلت عاد، هتفضلي الغاليِة عِندي وغلاوتك من غلاوه دهب في جلبي، تأوهت ليلى بحزن وعانقتها بقوة وهي تقول بأسى: يِعز عليا اني اسيبك بس غصب عني والله غصب عني..

ابتسمت حُسنه بـ بشاشة وحثتها على الذهاب برفق: الاحسن ليكِ انك تمشي جبل مايعرِف حد النهاردِة، امشي النهاردِة، هزت ليلى رأسها بطاعة وكادت تتحدث لكن نادين دلفت وهي تجر قدميها خلفها تُقدِم واحدة وتُأخر الأخرى..
جلست ارضًا بجانب قدم ليلى، أراحت رأسها على فخذها وسألتها بنبرة حزينة ببحة أثر بكائها: احنا هنمشي من هنا امتي؟
رفعت ليلى وجهها بين يديها وسألتها بقلق وهي ترى جفنها المتورم: انتِ كُنتي بتعيطي؟

هزت رأسها بنفي وهي تحرك أهدابها سريعًا وأعادت وضع رأسها على فخذها وقالت ببطء: مش بعيط، أنا بس عايزة أمشي، مسحت ليلى على شعرها بحنان وهي تقول برفق: هنمشي دلوقتي، قومي هاتي شنطتك، أومأت بانصياع ثم وقفت وتقدمتها في السير وهي تطرق برأسها على غير العادة جعلت قلق ليلى عليها يتفاقم فهي ليست بخير..
وقفت حُسنه وبدأت بإعداد القهوة الخاصة بـ عمّار بعد ان جاءت صباح واخبرتها سريعا وذهبت..

بعد وقتٍ قصير، دقائق تحديدًا..
حملت نادين حقيبتها ونزلت بها الدرج بهدوء، تخطت عمّار وخليل كأنها لا تراهم، وضعت الحقيبة بجانب الباب في الخارج ثم صعدت وأتت بـ حقيبة ليلى بهدوء مُماثل دون التحدث أو الإلتفات لشيء تحت أنظار عمّار المُتعجبة، هل وافقت على الذهاب؟ هي كانت ورقتهُ الرابحة التي يستخدمها كي تبقى ليلي لكن يبدو أنها ملّت وتُريد الذهاب!، و مسبحة الذي عامت به هل ذهب هباءًا؟

ترك خليل الذي كان يُتابعها بنظراتهُ بثقب وهو يُشبه عليها بعد أن أخذ مُسدسهُ ووضعه داخل جيبه..
تقدم منها وهو يقطب حاجبيه باستفهام عندما وجدها تقف أمام الباب شاردة..
أمسك ذراعها وهو يسألها باستفهام غير متجاهل انتفاضة جسدها بخضة: انتوا ماشيين؟
أومأت بهدوء وهي تتنهد ثم عانقتهُ بعفوية وهي تبتسم وتساقطت عِبراتها وهي تقول بتأثر: هتوحشني..

ربت على ظهرها بحنان مُتعجبًا سبب بكائها، فصل العناق ومحي عبراتها بانزعاج وسألها باستفهام: بتعيطي ليه؟
هزت رأسها بنفي وهي تبتسم ثم قالت وهي تزم شفتيها: مفيش أنا بس زعلانه انت مُستقل بنفسك ولا ايه؟
ابتسم بخفة وبعثر شعرها وقال بعبث: متقلقيش هحصلكم..
في المطبخ..

أفرغت حُسنه القهوة وهي تبتسم، استدارت كي تبحث عن شخصًا ما كي يأخذها إليه لتجد ليلى تقف خلفها تبتسم لها بحنان، كادت تتحدث لكن ليلى مالت وعانقتها بقوة وقالت بـ حُب: مقدرتش امشي من غير ما أسلم عليكِ، ابتسمت حُسنه بعذوبة و بادلتها عناقها وهي تُربت على ظهرها بحنان..

فصلت ليلى العناق وهي تبتسم بنعومة ثم قالت بتأثر ونبرة مُرتجفة مانعة عِبراتها من التساقط: لازم امشي بقى مع السلامة، أومأت حُسنه وهي تبتسم وراقبت تحركها بحزن، فهي تمنت لوهلة لو تبقي وتتزوج من عمّار لكنها لا تستطيع أن تكون بتلك الأنانية معها بعد إن قصّت عليها كُل ماعانتهُ في حياتها وحدها..

أوقفتها حُسنه بقولها للمرة الأخيرة وهي تُأشر على القهوة: خدي الجهوة ديّ في طريجك لـ عمّار، صباح مش اهنِه والباجيِه فى اجازة واني مش جادرة موافجة؟
ابتسمت ليلى وهي تومئ لها وقالت بنعومة: مقدرش ارفضلك طلب..
بادلتها حُسنه الابتسامة وقالت بهدوء: لو وجفتي ونديتي علي بسطويسي هياجي رامح وياخد الجهوة لـ عمّار لو مش عايزِة تروحي..

أومأت ليلى بتفهم وحملتها بخفة وهي تنظر لها بحذر كي لا يسقط وجهها مُحاولة عدم نسيان ذلك الإسم الصعب وهي تسير، وقفت خلف الباب وهي تتنفس الصعداء ثم حركت شفتيها لكنها شهقت وقضمتها بـ غِل عندما لم تذكر اسمهُ! ماذا ستفعل الآن؟

تأففت بغضب وهي تقبض على طرف الصينية وهتفت بهمس دون النظر: عمّار، عمّار، لعنت نفسها ثم أخذت نفسًا عميقًا واستسلمت وخرجت هي كي تُقدمها لهُ يُجب أن تودعهُ أيضًا انهُ الوحيد الذي لن تشتاق لهُ ولن تفتقدهُ بتاتًا..
تقدمت بنفس الحذر بهدوء وبطء دون أن تُحيّد بنظرها عن القهوة قط، مالت ووضعتها فوق المنضدة بخفة وحذر ثم رفعت رأسها وهي تبتسم بفخر لتموت ابتسامتها فوق شفتيها وعلا صوت خفقات قلبها الذي صرخ ذعرًا..

لجم لِسانها وتيبست قدميها ارضًا وشحب وجهها وهي تجد والدها بشحمة ولحمة يجلس أمامها ينظر لها باستفهام وعيناه المُخيفة تتفحصها وتتوسع بتمهل وتروى عندما بدأ يدرك أنها ابنتهُ فعلاً!.
لقد حاولت بشتى الطرق ألا يحدث هذا، لكنها، إكتشفت الآن أنها الاسوأ حظًا على الإطلاق، حتى بعد مُرور كُل تلك السنوات..

لقد تعرف عليها بالرغم من تغيّر ملامحها عن الطفولة! هذا الوجه الذي لطالما كرِههُ وكان دائمًا ما ينظر لهُ وكثيرًا كي يُضاعف ذلك الكُره في قلبهُ أكثر، لكن، هذا جاء بـ فائدةٍ لهُ الآن! وبالرغم مما حدث قلبهُ ينبض برؤيتها..

لا يعلم احُبًا أم كُرهًا لكنهُ ينبض ولايُصدق أنها هي حقًا، لقد ظنّ انهُ فقدها إلى الأبد، لكنها عادت، عادت لهُ وهي بذلك الجمال الذي لم يطرق سقف مُخيلته قبلاً، أن تكون ابنته بهذا الكم من الجمال!

هو تأكد من كونها هي فقط عندما رأي الملامح المذعورة التي ارتسمت على وجهها، فـ مهما حدث ومهما حاولت التصنع أنها ليست هي يستطيع أن يتعرف على ذلك الذعر والخوف الذي يقدح من عيونها ويحتل كيانها عندما تراه، تلك العينان البراقتان لم تتغير قط، تلك النظرات لا تخص سِواها ولا تخرج سوى أمامهُ خشيّةً منهُ..
صاح بـ صوتٍ مُرتفع وهو يهب واقفًا بعدم تصديق: ندي، بتي!

استدار عمّار ونادين على عقبيهما عندما سمعا صوتهُ المُرتفع..
وقف خليل وتقدم منها ببطء ومازالت عيناه تجول عليها من أعلاها لأخمص قدميها..
توقف أمامها ورفع يده وقربها من وجنتها لكنها توقفت في الهواء بفضل قبضه عمّار الذي امسك بها وهو ينظر له بتهكم، نزع خليل يده من بين كفه ودفعه بحدة أسقطة على المقعد فاجئة بسبب هذا الهجوم المُفاجئ والحدة..

زمجر بغضب وهو يقف لكنهُ توقف وظل مُتيبسًا محلهُ عندما رأه يكوب وجهها بين يديهِ وسمعهُ يقول بلهفة وعدم تصديق: ندى! بتي الغاليِة حبيبه أبوكِ، حقًا! هل يمزح معها؟!

ذرفت الدموع ببذخ وهي تحرك أهدابها شاعرة بحرقة عيناها، لتتساقط عِبراتِها على يديهِ وهي تنظر له بلوم وعتاب رغم كُل شيء، لطالما تمنت فقط لو يمنحها عِناقًا دافِئًا كي تشعر بالأمان لكن كان هذا كثير لتحصل عليه، كانت أحقر من أن يتنازل من أجلها ويمنحها عِناقًا، والآن هل يقول بكل سهولة أنها حبيبته و ابنته الغالية! هل هو جاد؟!

هزت رأسها بتعب وهي تحرك شفتيها المُرتجفة في مُحاولة يائسة للتحدث، شهقت وأردفت بنبرة مرتجفة وهي تعود إلي الخلف بخطواتٍ مترنحة: أنـ، أنا مش ندى..
انزل يده وترك وجنتيها وهو ينظر لها بشك، كادت تذهب لكنهُ وضع يده في مؤخرة رأسها وقربها منهُ عُنوة وقام بتجميع شعرها إلى الجانب بسرعة لتقضم شفتِها وهي تطبق جفنها بقوة، فلا مهرب الآن..

نظر خلف أُذنها باحثًا عن ذلك الحرق الذي صنعهُ لها بنفسه وقد وجده، انها هي ندى، صحيح أنها تغيرت كثيرًا لكنهُ يستطيع تمييز نظرة عيناها، عيناها مُميزة..
هز رأسه ونفي قولها بإصرار: لاه، انتيّ ندى بتي، بتي..
هزت رأسها بنفي وصرخت به بقوة وهي تنتحب وجسدها ينتفض بخوف: لأ مش ندى، مش ندى..
تهجمت ملامحهُ ورفع يده وهوى على وجنتها بـ صفعة قاسية جعلتها تصرخ ألمًا وهي تسقط أرضًا..

شهقت نادين بخوف وركضت لها بقلق لكنها توقف في مُنتصف الغُرفة عندما رفعها خليل من ذراعها بعنف وهي خائرة القوى ثم هزها بين يديه بعنف وهو يهدر بغضب: مِستعرية مِني ولِّيه؟ انتيّ بتي واني خابر بتي أكتر من أي حد عـ، توقف عن الحديث عندما ارتخت جميع أعضائها وفقدت الوعي بين يديهِ، لكنهُ لم يسندها! بل ترك ذراعها لتسقط ارضًا بقسوة..

ركضت لها نادين بخوف، جثت أمامها وأخذت تصفع وجنتها بخفة وهي توقظها بأعين دامعة: مامي، مامي، فوقي، هزت رأسها بيأس ثم وقفت وركضت إلى المطبخ كي تأتي بـ مياة من أجلها..

بينما عمّار، يا أسفاه عليه، إنهُ مثير للسخرية! يعترف انه غبيّ وأحمق والأكثر بلاهة على الإطلاق، إنهُ يُحملق بها بذهول كأنهُ لم يسمع هذا القول من صباح قبل دقائق من الآن! كيف لم يستطع التعرف عليها؟ كيف؟ هل كان يستعرض حُبها فقط وكُلما تحدث يقول انها ملكة ومن حقه؟ لقد كان فخورًا بنفسه كثيرًا وهو يقول هذا بينما هي كانت أمامهُ وهو كالاحمق لم يتعرف عليها وكُلما كان يُفكر كان يُفكر كيف يوقعها لأنها تعجبهُ ولا يعلم من هي؟.

هو لم يخطر لهُ ولا لثانية أنها قد تكون ندى! حتى إن كانت تُشبهها! يخلق من الشبه أربعين! ندى كانت في الصعيد فـ كيف يُفكر أنها قد تكون هي وفي المدينة أيضا هذا بعيد كي يُفكر به! وهو لا يعلم عنها سوى أنها تزوجت فقط بعد إن ذهبت من أمامه بالسيارة وهُنا في القرية وليس خارجها..

لقد كان صغيرًا كثيرًا ليعلم ويبحث كان في العاشرة، فـ كيف سيفكر انها ستكون في المدينة؟ إن الفرق شاسع حقًا بين هُنا وهُناك! فإن ظلت هُنا لم تكن لتصبح هكذا بتاتًا، تلك الشخصية القوية لم تكن لـ تمتلك نصفها حتى، هو لا يظُن أنها كانت ستحيى إلى هذا العُمر بفضل والدها!

لكن حقًا، حقًا، هل هي ندى؟، هل هي التي من المفترض أن يتزوجها ويهينها ويجرحها ويذلها ثم يُدللها! وهل هي من ستخضع له بتلك الشخصية المتعجرفة بكل سهولة؟ انها لا تطيقه حقًا ما هذا؟ والمثير للسخرية أكثر أنهُ كان يرغب في الزواج بها حتى تظهر ندى وها هى ندى ماذا سيحدث؟

و اللعين والدها الذي يُخبرها أنها حبيبتهُ هل تناسى ما كان يفعلهُ بها؟ أم انهُ سقط على رأسهُ؟ هو لن يتركها معهُ لثانيةٍ واحدة؟ إنها ستنهار إن ظلت معهُ..

ضحك بعصبية وهو يُمسد جبهته مُتذكرًا ضحكها معهُ في الشرفة كُلما تحدث عن ندى! لقد انفجرت ضاحكة عندما أخبرها أنهُ سيتزوجها يا إلهي، لقد كانت تسخر منهُ بسهولة، وماذا أخبرتهُ ايضًا؟ إن أنجب فتاة يقوم بتسميتها ليلى، يا إلهي لقد كان أضحوكة ومعها حق هو غبى، لكن هل قلبهُ هو من تعرف عليها أولاً حقًا أم ماذا؟

حسنًا، حسنًا، سيعترف، لقد تمت هزيمتهُ، ولم يستطع التعرف عليها كـ أحمق، وتمت السُخرية منهُ والتلاعب به واستصغارة من قِبل ليلى التى هي ندى..
لقد كانت تسأله في الشُرفة عن ردة فعله وهي تبكِ وتنفعل وكأنها هي ندى وهو كالأحمق كان ينعتها بالمريضة فقط!، هو المريض هُنا وليس هي، هي معها حق، لكن يُقسم أنها ليست سهلة ليست سهلة بالمرة، ماذا سيفعل بها الآن؟
هو لا يُفكر الآن ولن يفعل سِوى شيئين، فقط شيئين..

الشيء الأول، لن يتركها بتاتًا ولا حتى لوالدها البغيض لكنهُ لن يُعاملها أيضا سوى كـ ندى، ستظل ندى حتى يمل كي لا تُفكر أن تتلاعب به مُجددًا حتى إن رأتهُ غبيًا فلتقدر مشاعرهُ قليلاً! ستعود ليلى فقط عندما يكتفي منها، ورُبما لا يفعل معها شيءً بتاتًا هو لا يعرف أسبابها بعد، لقد أخبرتهُ صباح كُل شيء صحيح؟! لكن رُبما تُضيف ليلى أو ندى قولاً آخر لا يعلم؟ ولا يعلم ايضًا وضع قلبهُ بهذا! لا يعلم شيء؟!

الشيء الثاني، لن يكون سوى عهد على نفسه أنهُ سوف يُنجب فتاة، وسيقوم بتسميتها ليلى كما طلبت تمامًا ولن تكون تلك الليلى سوى ابنه ثانية لها ومنهُ هو..
هو في الحالتين لن يتركها سواء كانت ليلى أو ندى، لكن ليعترف فقط بهذا الشيء الصغير الأكثر عقلانية والأقرب إلى ما يشعر به، أنه يفضلها كـ ليلى كان أكثر راحة وهي ليلى، هو لا يُريد أذيتها بأي شكل من الأشكال من الأشكال وكونها ندى ليس جيّد له هو شخصيًا..

يعلم ويدرك تمام الإدراك أنها ستكون ضعيفة وبشدّة وهي ندى ستظل تبكِ وتنتحب وتندب حظها وهو لا يطيق بكائها حقًا، هذه ستكون مُشكلة عويصة بالنسبةِ له..
وليعترف بهذا ايضًا هو ليس سعيدا بكونها ندى هو كان يتمنى أن يستقبلها بـ صفعتين لكن الآن سيقف أمامها عاجزًا عن فعل شيء، هي حتى أكبر منهُ يا إلهي كُل شيء مُعقد، لكنهُ لا يهتم حقًا، لا يهتم..

تهجمت ملامحهُ وغلت الدماء داخل عروقه، صرخ به بنبرة صخريه عنيفة وانفعال عندما وجده ينحني عليها: بَعِد عنيها بَعِد!
رفع خليل جسده متعجبًا وقال بعدم فهم: ابَعِد عينها ليه عاد؟ دي بتي!

وقف عمّار من مكانهُ وأخيراً بعد أن استوعب مايحدث حولهُ، تقدم من المسكينة التي تفترش الأرض بجسدها ولا تشعر بما يحدث حولها، انحنى ووضع إحدى يديهِ أسفل فخذيها والأخرى خلف ظهرها وخضراوية تجول على ملامحها وعيناها الباكية المُخلفة تلك الماسات اللامعة على وجنتيها..
حملها بخفة لتستقر رأسها على صدره جهة قلبهُ، مكانها، كما يُجب أن تكون تمامًا، لطالما كان ذلك القلب يخفق من أجلها وسيظل دائمًا..

لكن ذلك اللعين والدها كما علِم مُنذُ ثواني قليلةٍ فقط، لن يهدأ حتى يأخذُها منهُ، يحلُم..
ألقى عباءته الصوفية المفتوحة بعد أن أبعدها عن كتفيه بغضب وهو يراهُ يحملها بتلك الطريقة وقبضتهُ تحتضن جسدها بذلك التملك الذي جعل النيران تنشب داخل جسدهُ، ألا يعلم أن دمهُ حار؟!.
تقدم خطوتين إلى الأمام وهو يرفع يديهِ أمامهِ كأنهُ يحمل كفنه ثم تحدث وهو يصر على أسنانه: لافيني..

زجرة عمّار بحده وهو ينظر له باشمئزاز: ألا فيك ايه عاد؟ هيّ جحرودِه ولِّيه؟ شوف انت رايح فين عاد بلا جَرف..
رفع خليل حاجبيه وهدر بغضب وعيناه تقدح شراً صاراً على أسنانه: انتِه اتجنيت ولِّيه؟ دي بتي بتكلَم افرنجي اني ولِّيه يا بَهيم انتِه!

غمغم عمّار بغضب وهدر بسخط ممزوج باستنكار: بتك كيف يعني؟ كيف يا منتَن انتِه؟ ملكش بنات عِندينا واصل روح دَوِر على بتِك في مخروبة تانيِة غير اهنِه عشان ديّ حماتي حماتي!.

قطب خليل حاجبيه بعدم فهم وهو يُفكر حتى تذكر تلك الفتاة التي كانت تهبط الدرج أثناء وجودة أمس ومن كانت توقظها الآن! إنها حفيدته لهذا ذكرتهُ بها إنها تُشبهها! لكن هذا يعني أن إبنته هي من رقصت ومن تحدث عنها جميع أهل القرية! لقد كان تفكيرهُ في محلهُ عنها مُنذُ أن كانت صغيرة، لقد كان مُتأكدًا أنها ستجلب له العار يومًا ما، كان مُتأكد، إنها جميلة كـ والدتها والجمال بالنسبةِ له نقمة على الفتيات، يكفي انها فتاة وهل ستكون جميلة ايضًا؟!.

يأخذها فقط وكل هذا سوف يتصرف به إضافة إلى حفيدتهُ لقد جاءت فتاة هي الأخري! انه ملعون بالفتيات، ملعون بهم..
قال بخشونة وهو يأشر عليها: حماتك كيف ديّ يا حلوف انتِه يلي جاي من تحت الجاموسِه ديّ بتي وهتهملها ورجلك فوج رجبتك واعي للحديت ولا لاه؟
رفع عمّار زاوية شفتيه بسخرية وهتف بنفاذِ صبر محاولاً الصمود وعدم الإنفجار به: لا مواعيش ملكش بنات عِندينا حتى لو ليك عاتبجي مَرَتي خلاص همِلنا وإجلب!

رفع خليل رأسه بشموخ وقال بنبرة جدية نافرة رافضة هذا: وأني مش مِوافج ومش عاوز صُلح عاد ديّ تبجي جواز الندامِه لو تمت وأني مش مِوافج، كيف يعني تاخد مني بتي بعد ما رجعت وهي كيف كيف الجمر وتستاهل جوازِه احسن من ديّ بـ كَتِير؟!.
مازال كما هو لم يتغيّر!، من الجيّد أنها ليست مُستيقظة كي لا تسمعهُ و تشعر بالقهر على نفسها أكثر!، حتى بعد كُل تلك السنوات الطويلة تفكيرهُ مازال مُنحدِراً كما هو..

ضحك عمّار بسخرية وسأله وهو ينظر له باحتقار: ايه عاتجوزها واحد ميِّت المرا ديّ ولِّيه؟ ولعلمك بجي هي مبجِتش جمر إكدِه غير عشاني كيف معرِفش بس هُوِه إكدِه!، غلت الدماء داخل عروقة عندما سمع تلك النبرة التي إستفزته عنها منهُ ثم صاح به بوجه متهجم ممتقع من الغضب: متهلفطش بالحديت يابن الصعيدي عشان شكلك اتخبلت وعجلك طار ولسانك دِيه عايز جطعة!

غمغم عمّار وهو يقلب عيناه ثم قال بجدية بـ صوتٍ مُرتفع إخترق أُذنه: روح هات شهادة الميلاد اللي تثبت انها بِتك وجمعلي صورها وهي صغيّرِه وكبيرة ولما تتوكد إنها بِتك عاد هات المأذون في يدك عشان مالهاش طالعة من اهنِه يا حمايِه!
صرخ به بنبرة جمهورية غاضبة: على جُثتي انك تتجوزها على جُثتي! مش هتطولها عُمرك يا عمّار عُمرك..
ابتسم عمّار ابتسامة خالية من الحياة وقال بكل هدوء: يبجي هجتلك!

ابتسم خليل بسخرية ثم ضرب كفية معًا وهتف كالنساء بغضب: يا مثبت العجل والدين يارب، يامخلف البنات يا شايل الهم للممات اني عارف عارف ومن وهيِّه صغيِّرِه انها عاتجيبلي العار عاتجيبلي العار..
ما العار بهذا أيها المريض؟

رفع عمّار حاجبيه وهدر بابتسامة عابثة نجح بإخفاء غضبه واشتعاله من الداخل خلفها وهو يضم جسدها إليه بقبضته أكثر: همِلِّي اني العار ولا تتعب نفسك بيه عاد!، من الأفضل لها ألا تستيقظ في وجودهِ حقاً هو يتمنى لها هذا من كل قلبهُ..

غابت عينا والدها داخل تلك الغيمة السوداء وهو ينظر إلى قبضته عمّار على جسدها ولا إرادياً وبحركة يستخدمها كثيراً ضع يده في جيب عباءته كي يخرج مُسدسه وينتهي كُل هذا! يكفي وقاحة وقِلة احترام يكفي..
هز عمّار رأسه بسخرية وهو ينظر له وكم يرغب في الضحك لكنهُ ليس في مزاج جيّد الآن كي يفعل هذا، هو خائن وهذا كان متوقع منهُ، لهذا السبب أفرغ المُسدس..

استشاط خليل غضبًا أكثر عندما رأى تلك السخرية وقبل أن يضغط على الزناد وجد متولي يقف بينهما هادرًا بـ صوتٍ خشِن: بترفع سلاحك وانت في بيتي يا خليل؟!
صاح بغضب وهو يكشر عن أنيابه: شوف ولدك اللي بيتصرف كيف الصغار بـ، وصمت عندما قاطعهم دلوف قُصيّ بذلك الوحل الذي يغطية وهو يقول بضجر كي يغضب عمّار أثناء تفحصه للملابس: شوف ندى السافلة عملت فيا ايه؟

تهجمت ملامح خليل الشيطانية أكثر ظنًا أنه يتحدث عن ندى حقًا ومن دون سابق إنذار جذب رأسه بقوة أسفل إبطه ووضع مقدمة المسدس على جبهته وهدر بنبرة جهورية: ندى ايه يا محروج انتِه؟
تأفف قُصيّ شاعرًا بالاختناق ثم سألهم باستفهام: مين عم هريدي ده؟
رد عمّار بسخط وهو ينظر إلي خليل: ده ابو ندى..
رفع قُصيّ حاجبيه وسأله باستفهام كما فهم: اومال معندوش ديل يعني؟

رفع عمّار زاوية شفتيه بسخرية وقال بامتعاض: لأ ده بـ قرون بـ..
صاح متولي بغضب وهو يضرب عصاه أرضًا: ايه الكلام الماصخ دِيه منك ليه؟ ايه اللي بيحصل اهنِه وشايل ديه على جلبك اكدِه ليه؟
نظر له عمّار ثم قال بهدوء وهو يستدير: هطلِعها وجاي..

صرخ به خليل رافضًا وهو يُصوب اتجاهه بـ ثقة كأنها ممتلئة بالرصاص: تِطلع ايه؟ هات بتي يا عمّار بدل ما تبجي دم؟، وضع متولى يده فوق مُسدس خليل وهو ينزل ذراعهُ وهدر بحدة: الكلام مش اكدِه والسلاح ماهيترفعش في بيتي يا خليل وانت خابر الحديت دِيه مليح!.
ركضت نادين إلى الأعلى خلف عمّار بقلق وهي تحمل كوب المياه وخلفها حُسنة التي تتحسر بداخلها بسبب كشف كُل شيء..
صعد قُصيّ إلى الأعلى كي يُنظف نفسهُ..

بينما في غرفة ليلى، قام بوضعها فوق الفراش الناعم بخفة ودثرها أسفل الغطاء ثم تنهد بعمق وجلس مُقابلها على طرف الفراش وظل يتأملها بحزنٍ عميق واناملهُ أخذت طريقها إلى وجنتها الحمراء بسبب صفعة والدها التي دمغت عليها وتركت علامة على بشرتها الناعمة..
فتحت عشق دورة المياه وخرجت وهي تحاوط جسدها بالمنشفة بعد أن أخذت حمامًا دافئ، شهقت بتفاجئ ثم ركضت إلى الداخل من جديد عندما رأت عمّار يجلس أمام ليلى..

التفت كي يرى من هذه وهو يقطب حاجبيه لكنهُ لم يلحقها وقد أغلقت الباب عليها، بالتأكيد إحداهن، ابعد نظره عن دورة المياه بعدم اهتمام، رفع أناملهُ لتتجه خلف أُذنها كى يرى ما هذا الذي رآه والدها جعله يجزم أنها ندى لكن باب الغُرفة صُفع بقوة..
ابتعد ووقف بهدوء وهو ينظر اتجاه الباب لتركض نادين تجاهه بخوف وهي تسأله بلهفه: ايه حصل ايه؟ بقِت كويسة جِبت مايه بـ سُكر اهي؟

ربت على شعرها بهدوء وهو يهز رأسه بـ إماءه بسيطة كي تطمئن وقال بنبرة هادئة: هتبقي كويسة خليكِ جنبها وفوقيها، هزت رأسها بخفة ثم سألته بعدم فهم وخوف: هو مين ده اللي ضربها تحت وبيقولها يا يابنتي وندى ليه؟
تنهد وقال لها بهدوء وهو يمسد جبهته: عشان هى ندى بنته وده جِدِك..
توسعت عيناها بصدمة وهزت رأسها بعدم فهم غير مُدركة هذا وهي تستعد لإلقاء سؤالاً آخر عليه لكن حُسنه دلفت وهي تلهث من الدرج..

تقدمت وأمسكت بيد عمّار وهي تنظر له تلك النظرة التي يعرفها جيّدًا ويعرف ما ستقول عقبها وهو، لاتقترب منها، هذا ليس ذنبها، انها طيبة، انت تعرفها قبل ان تعرف حقيقتها، لا تفعل هذا وإلخ...
ابتسم بهدوء و ربت على يدها قبل أن تتحدث ثم ترك الغرفة وذهب إلى الأسفل..

وجد خليل قد ذهب بكل هدوء وهذا ليس جيّدًا ولم يجعلهُ يرتاح بتاتًا لكن والدهُ أخبرهُ أنه سوف يعود في وقتٍ لاحق لأنهُ قال قبل أن يذهب لن يتركها لديهم وذهب..
لكن المشكلة ليست هُنا حقًا، المشكلة كانت في حديثة مع والده الذي علِم كُل شيء وقد انتهى هذا الحديث بـ شجارٍ حاد، ليأخذ عمّار نفسهُ وغادر المنزل نهائيًا تاركًا والده يقف في مُنتصف غُرفة الضيوف يصرخ باسمه بغضب..

اصطدم كتفهِ بكتف آدم وهو يدلف إلى المنزل مع تالين لكنهُ لم يهتم وتابع طريقة بصدر مشتعل من الغضب، فقط لو لم يكن والده يا إلهي..

هتف آدم باسمه بتعجب: عمّار، عمّار!، لكنهُ لم يلتفت وخرج من بوابة المنزل الرئيسية، توقف آدم محله بريبة، ثم صعد السُلم المصقول بالرخام حتي وصل إلي باب المنزل، جعل تالين تقف خلفه ومال بجذعة ونظر عبر الفراغات بين الباب يرى الأجواء في الداخل ليجد متولي مازال يقف يستشيط غضبًا وحده..

استقام وقال بتفكير وهو يضيق عينيه: تعالي نقعد في الأرض وناكل البرقوق لوحدنا وبعدين نشوي ذُرة ايه رأيك؟، هزت رأسها مُوافقة بحماس وهي تُصفق، فأمسك يدها واخذها وسار خلف المنزل..
أما هُناك، بعيدًا عن المنازل والزحام، بعيدًا عن المقابر وبداخل الجِبال..

كان خليل جالسًا ينظر حوله بريبة مُراقبًا الحارسين بثقب أثناء جلوسه مع ابن شقيقه المختبئ خوفًا من إن يُقتل بسبب قتله اثنان من عائلة الصعيدي ثم فرّ هاربًا تاركًا الثأر بين العائلتين..
تحدث خليل بهدوء مغلف بأسف مصطنع: ديّ آخر مرة هاجيك اهنِه اني هبعتلك فلوس وكل اللي تحتاجه بس مش هاجيك تانيّ عاد عشان لما تنمسك ميكونش ليا صالح بيك عاد؟
هتف الشاب في مُقتبل العُمر باعتراض وخوف: واه.

هتهملني يعني؟ اني مش في حمايتك؟ وبعدين انت اللي حرضتني عشان اجتلهم يا عمي!.
هز خليل رأسهُ باستنكار وقال بتهكم: واه، لو جولتلك ارمي نفسك في البحر هترمي نفسك عاد؟
علا صوت الشاب وقال باستياء شاعرًا بالظلم: اني مليش صالح بكل دِيه؟ شكلك بيجول انك لجيت ندى ومش عاوز تضيعها تانيّ صوح؟ عاتجوزهاني؟

زجرة خليل بحدة وهو يكاد يغرز اناملهُ في صدره ويخرج قلبهُ بين يديه بغضب: اجوزك ايه يا جالوس الطين انتِه! فكِر لوْول انك تُهرُب ومتموتِش مش تتجوز! جواز! ايه دِيه يا مجنون انتِه؟.
أعاد بإصرار وهو يُذكره: بس واحنا صغيرين كُنا عانتجوز؟
ضربه خليل على جبهته بغضب وهو يزجرة: زي ماجولت كُنتوا صغيرين و كيف تتجوزها وهي اتجوزت جِدامك ومشيت مع جوزها يا مخبول انتِه! يعني خلاص راحت عليك ملكش صالح بيها عاد..

قال بغضب وهو ينظر له بازدراء: يا عمي ما انتِه خُنتِنا وخمِتنا وجوزتها لواحد غني وكسرتلي جلبي..
نظر له خليل بدون تعبير وقال بسخط وهو يقف: اني ماشي ومش عايزك تخرج عشان العيون كُلاتها عليك وعمّار مش هيرحمك ولو عرِف انك ظهرت، هيجيبك ولو جابك اني معرفكش، مع السلامة يا وِلد اخوي..
في منزل خليل الطحاوي..

ربتت الخادمة على شعرها بشفقة وهي تُراقب حالتها المُزرية الممزقة للقلب بعد ذهاب الطبيب وتعليق ذلك المحلول وحقنها به..
بينما هي لم تكن هُنا بل كانت تُحدق في العدم تتنفس ببطء وعدم انتظام وصدرها ينبض بالحقد والكُره تجاهه، تُقسم أنها لن تتركه سوي ميتًا وسوف تُساعد عمّار كي ترى رأسه مُنفصلة عن جسده في نهاية المطاف، وإن لم يفعل عمّار ستفعل هي..
في منزل تغريدة..

كانت تجلس أمام منضدة الطعام شاردة وجاسم يجلس مُقابلها يشاهدها بتعجب..
سألها باستفهام وهو يتلفت حوله: هو جوزك مش هياكل ولا ايه؟
رفعت رأسها لهُ وهي تقطب حاجبيها بتشوش ثم سألته: كُنت بتقول حاجة؟
نظر له مطولاً وسألها باستفهام: في حاجة مضايقاكِ انتِ سرحانة من ساعة ما جيتي من برا!
هزت رأسها بخفة وقالت بتعجب: اصلي شوفت في السوق واحده شبه عشق كانت بتجري ورا واحدة تانية!.

قطب حاجبيه بتكفير ونظر لها بحيرة لتتابع: مشُفتش وِشها كويس كُل حاجة كانت بسرعة وبعدين اختفت، ابتسمت بخفة ثم تابعت: متشغلش بالك انت وكُل اكيد دي تهيئات عشان كُنت بفكر فيها بس..
هز رأسه بتفهم وبدأ يتناول الطعام بتفكير ثم سألها سؤاله السابق: جوزك مش هياكل؟
ابتسمت وقالت بهدوء: بيصلي في الجامع وجاي..
في منزل عمّار، في الحقل..

كان آدم يلوح بتلك المروحة اليدوية فوق النيران وهو يبتسم بعد ان طلبها من الغفير كي يشوي بعض الذُرة..
ابتسمت تالين وهي تُراقبة كيف يلوح بها بانتباه وهو يقلب الذرة أمامه كـ متمرس لتشرد به وتختفي ابتسامتها بالتدريج ثم قالت بهدوء جعلتهُ يتوقف وينظر لها: تعرف اني طلبت من مصطفى انه يطلقني قبل كدة!.
نظر لها بتفاجئ وسألها مشدودًا: بجد؟

هزت رأسها بخفة وتابعت وهي تتذكر: السفرية اللي قبل اللي فاتت، لما رجع اتخانقت معاه جامد وقولتله طلقني، قالي موافق ونام! مش هكدب عليك انا مجاليش نوم اليوم ده من الخوف، رفعت نظرها لهُ وقالت بتأثر وهي تعانق جسدها وتابعت: خُفت يطلقني بجد وارجع اعيش تاني الحياه اللي كُنت عايشاها! بس الصُبح لما صِحي لقيتهُ بيضحك عادي ولا كأنهُ قال حاجة امبارح ونسي وانا سِكت و قولت مش هتكلم معاه في السفر تاني براحته بقى..

هز آدم رأسه مُتفهمًا وهتف وهو يبتسم بحزن: بس انتِ اتخانقتي معاه عشان الاهتمام مش السفر يا تالين؟
أومأت بارتباك وهي تبعد شعرها خلف أذنها: هو مش بالظبط بس كان من ضمن الأسباب..
ابتسم بهدوء وهو يلوح بيده ثم رفع كوز الذُرة وناوله لها وهو يبتسم مع قوله بهدوء وثقة: ارجعي المرادي وقوليله طلقني هيطلقك..

قطبت حاجبيها ونظرت له باستفهام وكادت تتحدث وتسألهُ لِمَ كُل تلك الثقة لكن ذلك الصوت الذي خرج مترددًا أوقفها: الف وارجع تاني ولا ايه؟
نظرت تالين خلفها لتجد قُصيّ يقف بعد إن نظف نفسهُ وأخذ حمامًا دافئ وارتدى ملابس بيتية ويحمل فوق كتفه أعواد قصب!.
أغمض آدم عينيه من الدخان المُتصاعد ونظر له بطرف عيناه لـ يقهقه بخفة وهو يرفع كوز الذُرة لكن تالين اختطفتهُ من يده وركضت الى الداخل..

صاح آدم متذمرًا: ده بتاعي ده!
جلس قُصيّ بجانبه وهتف وهو يبدأ بتقشير القصب: اشوي غيره اشوي شكلنا هنقضيها اكل..
قهقهة آدم وهتف باستياء وهو يزم شفتيه: أنا بقول نمشي عشان حاسس اننا هنتقطع وهيعمولونا على ملوخية..
قهقهة قُصيّ وقال مُقترحًا: انا اصلاً بفكر اجيب اشيائي واستقر هنا..
ضحك آدم بتسلية وسأله باستفهام: وهتعمل ايه هنا يعني لما تيجي؟

هز كتفه وقال بتفكير: هفتح مزرعة حيوانات، انت تلم البيض بتاع الفراخ وانا ححلب الجواميس وعمّار يِشيل البيبي بتاعهم..
ضحك آدم وهتف بسخرية: والله لو سِمعك هيعمل منك بيبي اصلاً، ضحكا معًا ليجفلهما صوت الفأس القريب الذي هبط فوق التُربة جعل منهما يلتفتانِ معًا فإذا به عمّار بملامحه الغاضبة المتهجمة يمسك بالفأس ويحفر به في الأرض بقوة..

همس آدم بريبة وهو يحدق به: شوفت هيطير دماغنا بالبتاع ده وهيعمل علينا ملوخية زي ماقولت..
رد قُصيّ وهو يمتص القصب: لأ لأ ده تلاقيه مضايق عشان ليلي مراد طلعت ندى..
أومأ آدم بخفة وهو يحدق في ظهرعمّار لتتسع عيناه ثم صاح بتفاجئ: مين؟ ازاي يعني؟ وانت عرفت منين؟.

ضحك قُصيّ بخفة وقال وهو يتسطح مُستندًا على مرفقة: وانا نازل قابلت الحاجّة حُسنه علي السلم وقفت معاها وعرفت الحكاية من طقطق لسلام عليكم، بُص يا سيدي، ندي جوزوها وهى صغيرة لواحد كبير في السن من القاهرة متهيألي بس وهُمه كانوا بيدوروا عليها بس محدش عِرف هي فين؟ لكن مقابلة نادين لـ عمّار هي اللي وصلتهم لكل ده بس الغبي معرِفهاش برده بس، و دلوقتي بقي هو مضايق ليه؟ عشان طلعت ندى وهو كان مكنش يعرف و عشان شكلهُ كان مخطط لحاجة تانية فى دماغه و باظت..

هز آدم رأسه وقال باستنكار: طب ماهو طبيعي ميعرفهاش يعني بعد السنين دي كُلها! عادي وبعدين انا شايفها فُرصة احسن عشان لو هي عجباه فعلاً وطلعت ندى يتجوزها وخلاص مفيش مُشكلة!
ضحك قُصيّ بسخرية وتابع بـ صوتٍ مُنخفض كي لا يسمعهُ عمّار: ما انت معرفتش اللي فيها، وانا نازل من على السِلم بعد ما خلصت كلام مع الحاجة حُسنه سمعتهُ بيتخانق هو وابوه تخيل ليه؟

هز آدم رأسه بجهل وهو يُلوح بيده سريعًا بعصبية جعل الكثير من الدُخان يتصاعد و هتف بضيق: معرفش خلص إنجز..
قال قُصيّ بـ صوتٍ مُنخفض أكثر:
ابوه قاله بما انها طلعت ندى وكده كده هتتجوز و مش هيدفعوا فيها مليم واحد عشان الصُلح يتجوز هو ليلى وعمّار يتجوز نادين بس عشان كده وعنده حق يضايق والله ايه الأب ده؟.
رفع آدم حاجبيه وهو يفكر بذلك الرجل حقًا ماهذا؟
تحدث آدم واقترح عليه: طيب ماتيجي احنا نحلها..

نظر له قُصيً وسأله باستفهام: نعمل ايه يعني؟
شرد آدم وهو يُفكر: لما اعرف هقولك انا بفكر اهو، بس انت كُنت فين كل ده؟
قهقهة قُصيّ وقال بفخر: روحت اشتريت قصب وجيت..
هز آدم رأسه وهو قهقهة وظل يلوح بيده كي تطيب الذُرة..

هز قُصيّ رأسه وهو يُحدق في ظهر عمّار ثم هتف بـ صوتٍ مُرتفع كي يصل إليه وهو يُقشر المزيد من القصب: وايه يعني يا عمّار لما تطلع ندى مضايق ليه؟ ده اصلا مفيش حاجة احلى من انك تعذبها وتحبها في نفس الوقت والله..

تجاهله عمّار مُستمرًا في الحفر وهو يتصبب عرقًا بغزارة، بأنفاس لاهثة وعروقه بارزة من الإنفعال وهو يفكر بقول والده، هو يقتلها ولا يتركها لوالده، يمزح معهُ انهُ يمزح، لقد تعلم المُزاح على كبر حقًا لن يسمح أن يحدث ما يُفكر به والده قط..
توقف عندما سمع رنين هاتفه المُزعج، زفر والقي الفأس من يده وأخرجه كي يغلقه لكن وجده رقم دولى! انه شقيقة..
أخذ نفسًا عميقًا وهو يلهث ثم قام بالرد باختناق: الو..

قابلة صوت شقيقة المرح: ايه ده؟ ايه الوِش الخشب ده الو حاف كده؟
زفر عمّار وقال بضيق: آسر مش ناقصاك عايز ايه؟ فلوس؟
ضحك آسر وهو يُمسد جبهتهُ ثم قال باستياءٍ شديد: عشان تعرف انك ظالمني بس، انا كُنت بطمن عليك عشان اقولك كمان ان الكونتيسه عايزة تنزل مصر اصلك وحشتها..

غلت الدماء داخل عروقه و زمجر بغضب ثم صرخ به بحدة دون سابق إنذار: تنزل فين؟ مش عايز اشوف حد انا خليها مكانها هناك يمكن ينفعوها وخليك فاكر لو اتصلت تاني وجبتلي سيرتها مش هرد عليك فاهم!

تنهد آسر وهتف بضيق: بس يا عمّـ، لكنهُ أغلق في وجهه بغضب، هل يمزح هو الآخر، والدتك تُريد رؤيتك، يال الجمال حقًا هل انتبهت الآن بعد كُل تلك السنوات أنها اشتاقت لهُ حقًا!، نجوم السماء أقرب إليها من رؤيته لن يسمح لها، والغبي شقيقة المُتحمس الطائش إن عاد سيُقتل دون مجهود بسبب تلك البلاهة..

قذف الهاتف بغضب وظل واقفًا يُراقبه بوجوم، الجميع مُصِر على جعلهُ ينفجر اليوم، مهما حاول الصمود والتحكم في غضبهُ يفقدونهُ صوابه بشيءً آخر، الجميع مُسلط عليه..
وقف آدم من محلهُ وترك المكان بسبب رؤيته إلى عمّار يتقدم منهما بتلك الملامح، نظر له قُصيّ بتعجب وسأله باستفهام: ايه في ايه؟

كاد آدم يُحذرة لكنهُ إنفجر ضاحكًا عندما سحب عمّار قُصيّ من قدمه وجره خلفه وهو يسير بغضب، أليس صديقة فليتحملهُ إذا ويتحمل غضبه فلا يوجد أمامه سواهما..
ضحك قُصيّ بعدم تصديق وهو يجد نفسه يُجر غير قادرًا على التحدث بانتظام..
صاح بـ صوتٍ مُرتفع وهو يضحك بتقطع: انت، انت هتدفني ولا ايه استني بس، آدم الله يخربيتك الحقني، على فكرة مش انا اللي يتعمل عليا ملوخية انا قُصيّ رشدان، يا آدم..

وضع آدم يده على معدتهُ من الألم بسبب الضحك وهو يخفض وجهه غير قادرًا على التحدث ولا الوقوف باعتدال..
أسقطة عمّار داخل الحُفرة و قفز خلفهُ داخلها لـ يصرخ به قُصيّ بتذمر: انا لسه واخد دُش يا اخي حرام عليك، كُل ده عشان ندى لا عاش ولا كان اللي يزعلك ياشيخ روح اغتصبها وارحمنا بقي..

زفر بأنفاس حارة غاضبة ورفعه من ياقته وقال بـ غِل وهو يصر على أسنانه: انا لو مقتلتش حد دلوقتي هتشل هتشل، انت صاحبي وتتحملني متزعلش مني..
توسعت عينا قُصيّ وأوقفه سريعًا وهو يقول بترجي: لأ، انا لسه عايز اعيش ارجوك ارجوك، بُص انا هريحك هقولك تعمل ايه بس من غير تغفيل وضرب..

مسح عمّار وجهه بغضب وأخذ نفسًا عميقًا ثم خلع سترتهُ وقذفها من الغليان و الحرارة التي يشعر بها، جلس داخل الحُفرة أمامه ونظر له في ترقب..
اعتدل قُصيّ جالسًا وقال بهدوء: بُص انت دلوقتي ومن غير مبالغة هتتذل ليه قولي ليه؟

زفر عمّار وضم قبضتيه بغضب ونفاذِ صبر ليقول قُصيّ سريعًا: خلاص متقولش هقول انا، بص هي ندى او ليلى مش هتفرق كتير عشان في الحالتين بتكرهك ومش بتحبك يعني ومش مِدياك وِش اصلاً وده صدقني هيتعبك جامد جدًا، عشان كده مفيش حل قُدامك غير الهدوء الهدوء في كُل حاجة وكُل تصرف تتصرفه معاها خليها تحبك يا عمّار خليها تحبك وبعدين شوف انت هتعمل ايه لكن دلوقتي اي حاجة هتحصل هتخليها تكرهك اكتر وانت هتنفعل اكتر وساعتها هتتشل بجد عشان الانفعال بتاعك ده مش طبيعي، لو هي حبِتك صدقني كُل حاجة هتتحل وساعتها بقي براحتك يا هتكمل يا شوف بقى هتجرحها ولا هتعمل ايه..

قاطعهم آدم العاقل الذي كان يجلس فوقهم أمام الحُفرة يراقبهما بهدوء: غلط، غلط اللي انت بتقوله ده، ده فاشل يا عمًار متسمعش منهُ، انا معنديش ليك غير الحل ده وصدقني هو اللي هينجح، نظر له عمّار بانتباه في ترقُب لِمَ سوف يقول لأن العالم أجمع قد نفذِ منهُ الناس كي يستمع لأفشل اثنين في الحُب..
قال آدم بهدوء وهو يقذف عليه كنزته: ابدأ معاها من جديد وانسي كُل حاجة عشان ترتاح..

ثم تابع مُشددًا على قوله وهو ينظر لهُ بعمق: عّمار مش هنكدب على بعض انت بتحبها! بتحب ليلى مش ندى؟ ندى دي وهم مُجرد طفولة عبيطة عشان ملقتش حاجة تلهيك غيرها في الوقت ده، متضحكش على نفسك! وحتى لو بتحبها بجد اللي بيحب مش بيأذى يا عمّار ولو أذتها بـ حِجة انها ندى مش هتبقي غير انسان زبالة من الآخر يعني وضعيف عشان تستني لما تحبك وتديك قلبها اللي بتحلم بيه وانت زي برميل الطرشي غبي تروح تجرحها وتدوس عليه! ده ضعف وخيبة مش رجولة، وفي الاخر هتكرهك تاني ولو مكرهتكش هتكسر جواها حاجة لو فضلت عُمرك كُله تُحاول تصلحها مش هتعرف صدقني، ملكش دعوه بـ قُصيّ ده واحد خاين وواحدة من الاثنين اللي معلقهم معاه هتقتله فى الآخر سيبك منهُ..

لوي قُصيّ شدقيه وصمت ليتابع آدم: هتلاقى صعوبة في الأول عشان هي اكيد منهارة دلوقتي بس هتقبل الأمر الواقع بعدين واحدة واحدة حتى لو مش هتقبله انت حسِسها بالأمان وخليها تقبله فاهم، صدقني مفيش أسهل من انك تخلي واحدة سِت تحبك بس لو دخلتلها صح ودي دخلتها مش هنا ومش هينفع، سِبها ترجع مصر يا عمّار وسافر وراها..

هز عمّار رأسه بنفي وقال برفض شديد: مُستحيل مُستحيل، دي لو خرجت من هنا ابوها هياخدها ولو حصل زي ما بتقول ورجعت مصر ابوها مش هيسبها ولو شافني صُدفة معاها هيفتكر اننا على علاقة ببعض وهيقتلها! وغير كُل ده انت فاكر انها هتبص فى وشى؟ دي بتكرهني من غير سبب و دلوقتى هتكرهني اكتر مفيش حاجة هتنجح معاها مفيش صدقني، ثم تابع مستنكرًا: وبعدين اخليها تحبني اعملها ايه يعني؟ اللي انت بتقولوا ده ترجمته عندي يعني حَك وانا مش حَكاك! انا هتحايل عليها عشان تحبني ولا ايه؟

هز آدم رأسه بيأس وقال بحدة: حتى لو مش بتكرهك برده هتلاقي صعوبه معاها؟ اصلها مش من ثانية كده هتقبلك بشخصيتك الزفت دي اصلاً! وبعدين ما أي حد بيحب بيحُك وايه يعني ما تُحُك! وعلى فكرة بقى ما سمهاش تُحُك ياسوقي هي بس هتشوفك انسان لزِج لازق فيها و شوية شوية هي هتحب اللزقة دي!، ثم تابع باستياء شديد وهو يمسك الفأس وبدأ بإلقاء التربة فوقهما: انا غلطان اني اتكلمت خليك مع قُصيّ اللي هيضيعك وراه انتوا اصلاً شبه بعض وانا مش هصاحبكم تاني موتوا بقي موتوا..

ضحك قُصيّ وهو يختبأ خلف عمّار كي لا يتسخ، ليقف عمّار وهو يسعل بحدة ثم أمسك ساق آدم اوقعة ارضًا ثم سحبه واسقطة معهما داخل الحفرة..
وخرج هو وبدأ وبدأ بالردم فوقهما، شهقت تالين بتفاجئ وهي تقف في الشرفة الخاصة بـ غُرفة ليلى مع عشق ثم قالت بقلق وهي ترى عمّار لا يتوقف: هو هيدفنهم ولا ايه؟
نظرت عشق تجاههم بدون تعبير وهي تلعن قُصيّ اللعين الذي لا يتوقف عن العبث يستحق فليمُت كي ترتاح، لكن هل سترتاح حقًا..

قالت بلا مُبالاه وهي تُنظف فمها من بواقي الذُرة: مش مهم سيبيه يستاهل..
نظرت لها تالين باقتضاب وقالت بضيق: انتِ مضايقة مش قُصيّ آدم ماله بقى؟
رفعت عشق حاجبيها ولكزتها بذراعها وقالت بمكر: طيب وخايفة على آدم كده ليه برده؟
توردت تالين وكادت تتحدث لكن أفزعهم صوت صُراخ حاد يأتي من داخل الغُرفة إنها ليلى!
توقف عمّار وهو يلهث قاطبًا حاجبيه ثم سأل الجثتين في الأسفل: سمعتوا الصوت ده ولا انا بس؟

قال قُصيّ بضجر وهو يصعد من الحفرة: ده صوت الموت بيناديك إلحق..
زفر عمّار ووضع يديه بخصره لكن القلق إحتل كيانهُ رُبما ليلى!، هذا وكأنها ستسمح له أن يُهدئها، تنهد وسار إلى الداخل لكن اوقفهُ قول قُصيّ المتهكم: إلبس بدل ما تدخل عليهم تخضهم..

عانقتها نادين بقوة وهي تبكِ معها في محاولة يائسة منها كي تهدأ: عشان خاطري اهدي، متخافيش محدش هيعملك حاجة عمّار هيحـ، توقفت عن الحديث عندما صرخت ليلى بقهر وهي تدفعها بعيدًا عنها ثم قالت بانهيار وهي تنتفض فوق الفراش تلومها بـ صوتٍ مبحوح وهي تنتحب: كُل ده بسببهُ وبسببك انتِ السبب انتِ السبب قولتلك من الأول بلاش عمّار لأ بلاش عمّار لكن اصريتي عليه وفي الأخر سبتيه وسبتيلي الدنيا تطربق علي دماغي انا، انا هعمل ايه دلوقتي هعمل ايه؟، نظرات والدها في اتجاهها في الأسفل لم تستطيع نسيانها، تلك النظرات الشيطانية لا تنم على خيرٍ أبدًا، سيفعل شيء لن يتركها، لن يتركها..

أمسكت نادين يدها وهي تترجاها ببكاء: مامـ، صفعت ليلى يدها وصرخت بها بقسوة وهي تقول باختناق: أخرجي برا انا مش عايزة حد معايا اخرجي برا وانتوا كمان براا، مش عايزة حد..
تركتها نادين وهي تبكِ بأسى ثم ناظرتها بلوم وسارت مُبتعدة عنها إلى الخارج وهي تطرق برأسها مع تالين وعشق..

غمرت وجهها بين يديها وهي تبكِ بألم من أعماق روحها المُعذبة دون توقف، الموت أهون لديها على أن يتم التحكم بها من قبلهم، خصوصًا عمًار..
أدار عمّار المقبض ليجد الثلاثة يتكدسون خلف الباب كي يخرجون وصوت بُكاء ليلى يصل إلى الخارج..
ارتجف قلبها بخوف عندما أبصرته أمام الغُرفة ولايبدو من ملامحهُ أنهُ جاء كي يطمئن عليها بتاتًا..

دلف هو وسألهم باستفهام: في ايـ، ولم يتابع جملته بفضل صُراخها عليه بنبرة كارهه مهزوزة كانت واضحة جدًا: انت بتعمل ايه هنا برا انت كمان..
تنهد وقال لهم بهدوء مُتجاهلاً قولها وكأنهُ لم يسمع: اتفضلوا برا زي ما قالت..
صرخت به بـ صوت مُختنق ووجه أحمر باكِ وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة: انت تخرج قبلهم اخرج..

توقفوا عن السير ونظروا إلى عمّار ليصرخ بهم بحدة أفزع ثلاثتهم: مش قالِت برا برااا، دفعت عشق نادين من ظهرها بخفة كي تحثها على التقدم و هرولوا ثلاثتهم معًا إلى الخارج..
أغلق الباب خلفهم واستدار وبدأ يتقدم منها لتنهض وتترك الفراش وقلبها يقفز هلعًا داخلها، حذرتهُ بسبابتها بانهيار وملامحها تتقلص بـ خوفٍ أكثر وعيناها لم تكُف عن ذرف الدموع قط: متقربش متقربش..

لكنهُ لا يسمع بل ظل يتقدم منها وهو ينظر لها ببرود، هزت رأسها بيأسٍ وهي تنظر حولها تبحث عن وسيلة للهرب وهي ترى بتشوش بفضل عبراتِها وقدميها ترتجف ولن تستطيع حملها لوقتٍ طويل وهو لن يتوقف ولم يترك لها حلاً آخر..
تتمنى فقط أن يعتني بـ نادين عِوضًا عنها كي لا تفتقدها، لقد تمنت الموت كثيرًا ولن تحصل عليه لكن يبدو أنها ستحصل عليه أخيرًا..

تفاجئ عندما وجدها تحركت وركضت اتجاه الشُرفة، جحظت عيناه وارتجفت أنفاسه عندما وجدها تصعد فوق سور الشرفة الغبية ستنزلق قدمها..


- أن أُحبك يعني أن أثقُ بك ولا وجود لـ مثل هذا الشيء بيننا -
أغمضت عينيها بقوة وهي تقف على حافة السور وجسدها يرتجف من الداخل، بينما الهواء البارد كان يلفحها بقوة كأنها تقف على إحدى الجسور العالية..
أطلقت آخر أنفاسها المُرتجفة وهي تبكِ بألم، حركت إحدى ساقيها وتركتها مُعلقة في الهواء وهي تنتحب، ومن ثم تركت العنان لنفسها كي تتحرر من ذلك العذاب الذي يُلازمها..

صرخت صرخه لم تكتمل عندما شعرت بتلك الكلاليب تلتف حول خصرها بقوة وانزلتها من فوق السور بعنف..
ركلت بقدميها في الهواء وهي تتلوى بين يديه بهستيريا وظلت تضرب كتفه بمرفقها بعنف وهي تهز رأسها ليدخل شعرها داخل فمه جعله يغمض عيناه بنفاذِ صبر حتى وصل بها إلى الداخل..

ألقاها على الفراش بقوة وهو يزفر ثم مسح وجهه بعصبية وهو يبعد تلك الشعيرات التي تساقطت منها والتصقت على وجهه وهو يتنفس بانفعال ثم صرخ بها بحدة: انتِ اتجننتي؟
لفّت وجهها له لـ تتبعثر خصلاتها وتتناثر حول وجهها أكثر ثم صرخت به بشراسة وهي تبكِ: الموت عندي اهون من وجودي هنا؟! انت لو فاكر اني هقبل وهكست على الإهانات التي هتعرضلها في الرايحة والجاية تبقي غلطان انت فاهم! أنا همشى يعنى همشى..

هز رأسه وهو يبتسم بعصبية ثم سألها باستنكار: وابوكِ هتعملـ، صرخت به وهي تهب واقفة ثم قالت بنشيج وقوة: متقولش ابوكِ ده مش ابويا وانا مش ندى فاهم انا ليلى المِنشاوي..
هز رأسهُ بخفة وهو يعقد يديه أمام صدره وسألها باستخفاف مُزِج بتهكم: تمام، هتعملي ايه بقي يا مدام ليلى يا مِنشاوي لما تمشي؟ فاكراه هيسيبك يعني؟ عقلك الغبي صورلك انه هيسيبك عادي كده؟

محت عبراتها بعنف وقالت له بنفور وهي تنظر له بتحدى: ملكش دعوه يسبني ولا ميسبنيش حاجة متخصكش!
ضم قبضته وضرب عمود الفراش الذهبي الذي بجانبه بغضب جعله يهتز لتعود إلى الخلف بخوف عِندما صرخ بها بعصبية: لأ يخُصني عشان انتِ تهميني!.
هزت رأسها بسخرية بعد سماع هذا القول منهُ! تهمة حقًا؟! هذا مُضحك هو فقط لا يعبأ سوى بـ ندى ولا شيء آخر..

زفر بغضب واسترسل حديثة بهدوء: و دلوقتي هتقعدي وهنتكلم بهدوء عشان نلاقي حل..
ابتلعت غصتها ثم ضحكت بسخرية تحولت إلى بكاء هستيري وهى تجلس على طرف الفراش ثم قبضت على الملائة بقبضتها بقوة وهي تخفض وجهها ولم تتوقف عن البكاء قط، جعلتهُ يزفر بغضب ثم سألها باستنكار بسبب نفورها منهُ ومن كُل ما يخصة: للدرجادي الكلام معايا صعب؟

رفعت رأسها وسألته بـ شفتين ترتجف و صوتٍ هامس بالكاد خرج وهي تشعر بجسدها يثقل ويهدأ: هتعملِّي ايه يعني لما اتكلم؟ هتطبطب عليا! ولا هتواسيني؟.
هزت رأسها بسخرية وهي تبتسم بحسرة واسترسلت حديثها: ولا هتعمل حاجة من دول عارف ليه؟.

ابتسمت بمرارة وتابعت بكُره: عشان انت هتساعد نفسك مش هتساعدنى انا! انت بتدور على ندى ومش هتسمح اني اعدي من تحت ايدك كده وخلاص عشان انت كده انسان مؤذي وحقير ونكره و، صرخت بألم عندما صفعها بظهر يده على وجنتها بقسوة جعل وجهها يلتف إلى الجهة الأخرى عقبة سحبها من شعرها بقسوة جعلها تقف معهُ بترنح لتستقر أمامه..
شهقت بحرقة ثم صرخت به بانهيار وهي تضرب صدره بعنف: أنا بكرهك بكرهك..

قرب وجهها الباكِ منهُ ثم هسهس بفحيح غاضب وهو يشدد قبضته فوق شعرها وخضراوية تطلق شرار تجاه عسليتها: وهتكرهيني اكتر لو متكلمتيش! انا معنديش اي سبب يخليني احترمك واسكُتلك تاني انتِ فاهمة؟ وانتِ بتتكلمي ومعايا انا بالذات تشوفي انتِ بتقولي ايه وتراجعي كلامك مليون مرة قبل ما تخرجية عشان متغباش عليكِ..

اهتزت مُقلتيها و ارتجفت شفتيها وهي تنظر له بكل اللوم وعيناها تفيض من الدمع دون بذل مجهودٍ منها، دفع رأسها بعيدًا عنهُ جعلها تترنح إلى الخلف بضعف وهو يأخذ نفسًا عميقًا غاضبًا يهدأ ثورانه قبل أن يطيح بها كـ ثور، فهي لن تكُف عن البُكاء ولن تتوقف عن النظر له بتلك النظرات المعذبة، لن تتوقف..

شهقت بخوف وارتجف جسدها عندما كوب وجهها بين يديه بقوة على حين غرة جعل ألمها يتضاعف محل صفعته هو ووالدها وهتف بنبرة مهزوزة أكثر من كونها مُحذرة وهو يقول بملامح لم ترتسم على وجهه قبلاً: انتِ لو متكلمتيش عارفة أخرتك هتبقي ايه؟ هتتباعى تاني بس بسعر رخيص اوي ارخص مما تتخيلي! هتبقي مرات ابويا عارفة يعني ايه مرات ابويا؟.

ارتجفت أنفاسها الدافئة التي ضربت وجهه وداعبت حواسه، جحظت عيناها واتسعت حدقتها برفض وهي تهز رأسها القابعة بين يديه بنفي وعدم تصديق ليتابع هو وهو يضغط على وجنتيها بإبهامه كـ تحفيز لها: ده مش هيعمل منك بني أدمة زي جوزك الأولاني؟ ده هيذلك وهيهينك ومش هتبقي اكتر جارية بالنسباله! هتبقي جارية عشان مزاجه بس جارية مستوعبة انا بقول ايه هتبقي جارية يا ليلى! لو مش هتتكلمي متتكلميش بس متتفاجئيش لما تلاقي نفسك مِراته؟!.

وتركها مبعدًا يده عن وجهها وأولاها ظهره و استدار وذهب مهمومًا تحت أنظارها الضائعة و التائهة، ماذا ستفعل الآن؟ هي لا تعرف؟ لا يوجد أمامها سِواه، رغمًا عنها سوف تثق به رُبما يخيّب ظنها السيء تجاهه! رُبما؟
صرخت باسمه تستنجد به بنبرة مُرتجفة: عمّار ساعدني، توقف قبل أن يدير المقبض ويذهب وهو يتنفس الصعداء فهو كاد يذهب حقًا..

جلست على طرف الفراش وأسندت رأسها فوق العمود الذهبي وهي تبكِ بينما هو تقدم منها وجلس أرضًا بجانب قدمها ثم أسند رأسه على طرف الفراش وظل نظره مُعلقًا عليها منتظرًا أن تتحدث لكنها ظلت تبكِ وتنتحب دون توقف..
سقطت بجانبه بعد دقائق وعانقت جسدها بذراعيها ثم نظرت له بعين زائغة لـ تقابلها نظراته الهادئة دون حماس او ترقب لقولها وكأنهُ يعرف كل ما سوف تقول..

بدأت تقص عليه وتبوح له بمكنون صدرها وكل ماعانته وحدها بـ صوتٍ مبحوح، لقد عانت الكثير وتحملت وحدها دون أن تنطق بحرف، دون أن يستمع لها أحد، دون أن يواسِها شخصًا ما في تلك الليالي المُظلمة، كانت وحدها دائمًا لا تملك صديقات ولا أقرباء، لا زوج ولا شقيق ولا حبيب! لاشيء..
هي بحاجة لأن ترتاح وتزيح هذا الهم الذي يطبق فوق صدرها لأنهُ يُثقِل كاهلها بشكلٍ بشع يجعلها تشعر بالاختناق والعجز في آنٍ واحد..

بينما هو كان في عالمٍ آخر يتأملها دون توقف عائمًا بنظراته في تفاصيل ملامحها الناعمة التي أخذته إلى عالمٍ آخر رغم بكائها وهو يستمع لِما تقول بتركيز واهتمام غير غافل عن أي تفصيلةً بحديثها ولا بها هي شخصيًا، فهي من تقصّ عليه قصتها كيف لا ينتبه؟
لقد ظن أنها خلاصهُ من تلك اللعنة ليكتشف أنها اللعنة نفسها، لقد كانت بجانبهُ طوال الوقت• ~.

توقفت عن الحديث وظلت صامتة تنتظر أن يتحدث ويعرض مساعدته التي تحدث عنها لكنها لم تسمع حتى همسة واحدة قد يهمس بها..
حركت رأسها للجانب ونظرت له لتجده مازال يحدق بها دون أن يُحيد بنظره عنها ولا أن يرف لهُ جفن..
شعرت بالريبة وانتفض قلبها بخوف حقيقي وهي تري نظرته الجامدة لها، هل مات وبقي على وضعه أم ماذا هو يخيفها يا إلهي لِمَ يفعل بها هذا؟

ازدردت ريقها ومسحت عبراتها وابتعدت للخلف قليلاً بريبة لكنه قال بهدوء ونظرة مازال مُعلقًا عليها: اتصلي باللي اسمه سعيد ده وقوليله يجي يعمل جوزك و ياخدك ويمشي..
نظرت له قليلاً وهي تحرك اهدابها بتفكير ثم انفجرت ضاحكة وهي تضرب كفيها معًا حتى أدمعت عيناها وذرفت الدموع من جديد..

قالت بهدوء وحزن عميق استعمر قلبها وهي تريح رأسها على الفراش مُقابلة وعسليتها الناعسة تخترق خضراوية بلا هوادة: مش هينفع عشان هو عارف شكل جوزي كويس، وبعدين انت فاكر سعيد ده ايه؟ ده لو عرف حاجة من دي ممكن يسلمني بنفسه لـ خليل عشان يتجوزني دي فرصته عشان يتجوزني!.

رفع عمّار حاجبيه وهو ينظر لها! هل أصبح اسمه خليل هكذا دون والدي أو ألقاب؟ هذا جيّد كي لا تحزن عليه عِندما يموت لأنهُ لن يستطيع مواساتِها في هذا الرجل..
سألها باهتمام مُزِج باستفهام وهو يقطب حاجبيه: هو ايه اللي مخليه متمسك بيكِ اوي كده؟

تحولت نبرتها وملامحها من ذلك الحزن والأنكسار العارم إلى تلك الإبتسامة الناعسة وهي تقول له بنبرة ذات مغزى: نفس السبب اللي خلى ابوك مُصر انه يتجوزني رغم اني رفضته ونفس السبب اللي بيخليك تبصلي البصات دي..
ابتسم بعبث وسألها كأنها لم تكن تبكِ مُنذُ قليل وهو لم يصفعها: بصات ايه؟
بادلته إبتسامته بأخرى ناعمة وقالت بخفوت وهي تحرك رأسها تشير إلى ابتسامته: البصات دي..

حرك رأسه وهو يبتسم بخفة، حسنًا، لقد تم الإمساك به واخيرًا، لقد لاحظت نظراته! هو لن يتعجب لأنهُ يعلم أن لا وجود لإمرأةٍ سهلةً قط لا توجد من هي سهلة ويقسم بهذا..
تنهد ووقف بهدوء كي يفكر وحده فيما سيفعل، ألقي نظرة أخيرة عليها مراقبًا هدوئها وسكونها محلها قبل أن يتحرك إلى الخارج لكن قولها بـ صوتٍ مُنخفض أوقفه قليلاً: إبعتلي نادين، هز رأسه بخفة وهو ينظر إلى ظهرها ثم ترك الغرفة وغادر..

انسابت عبراتها بألم وانتفض جسدها مع سماعها صوت إغلاق الباب، دفنت رأسها في الفراش وهي تنتحب بحرقة، إنه يُريدها أن تكون مُطيعة صحيح؟ لا يُريد أن تكون نِدًا له وتتحداهُ ولن تفعل ستظل مُطيعة مُسالمة حتى تذهب من هُنا بسلام، يُجب أن تفعل هذا..
في الأسفل..
تنهد عمّار وهو يتلفت حوله باحثًا عنها بعينه ليجدها تتوسط الأريكة، تجلس عليها شاردة تبكِ! لِمَ تبكِ؟!

تقدم منها وهو يقطب حاجبيه بتعجب، جلس بجانبها وسألها بعدم فهم: نادين بتعيطي ليه؟
نظرت له بحزن ثم عانقته بقوة واسندت رأسها فوق صدره وهي تحوط خصره بيدها وقالت وهي تنتحب: مامي بتكرهني يا عمّار وقالتلي اني السبب في كل اللي بتحصل..

أخذ نفسًا عميقًا ثم بدأ يُحرك يديه صعودًا ونزولاً فوق ظهرها بحنان وقال بهدوء: تلاقيها بس كانت مضايقة انتِ عارفة الانسان لما بيضايق بيقول حاجات ويندم عليها بعدين اكيد متقصدش وانتِ عارفة هي بتحبك قد ايه ولا انا اللى هقولك!
رفعت رأسها ومسحت عبراتها بظهر يدها وسألته باستفهام: يعني انا مش وِحشة؟

ابتسم وقرص وجنتها بخفة وقال بعبث: وحشة ايه بس! انتِ قمر ويلا اطلعي فوق عشان هي كانت عايزاكِ قالتلي ابعتلي نادين..
تهللت أساريرها وقالت بسعادة: بجد يا عمّار عايزاني ومش زعلانة؟
هز رأسه بإيماءة بسيطة وهو يبتسم لـ تعانقه بقوة وهي تضحك بسعادة ثم قبلت وجنته بسرعة خاطفة وركضت إلى الأعلى..

حرك أهدابه بتعجب وهو يضع يده على وجنته ثم هتف وهو يلتفت مراقبًا صعودها بعينه: هقول لأمك على فكرة!، قهقهة وهو يهز رأسه وكاد يقف لكن قول والده المزعج الذي اتي جعلهُ يظل جالسًا محله: طالما عشِجها اكدِه اتجوزها محدش حايشك!
ابتسم عمّار ابتسامتة الصفراء ثم قال بكل هدوء: لاه مش عاشِجها انت خابر اني عاشج مين عاد ومش مِحتاج اني اجولك مين!

رد والده برفض بيّن: خليك عارف انها لو اخر نسوان الارض مش عاتتجوزها معلوم؟
هز عمّار رأسه وهو يعقد يديه أمام صدره: لاه مش معلوم؟ كيف عاتتجوزها وهي متجوزة؟ اني جولت جبل سابق ان جوزها مسافر حصل ايه عاد ولا اني ولا انتِه!

ضحك متولى بخشونه وهو ينظر له باستخفاف ثم قال بتهكم: شايفني داجك عصافير على جفايِه اياك؟ عارف ان جوزها ميت وهي عاجباك وداخلة دماغك وعشَشت فيها كومان عشان اكدِه مش عايز تهملها واصل بس اني مش غريب اني ابوك!

ضحك بسخرية وهز رأسه بعدم فهم ثم سأله مستنكرًا: كيف يعنيّ؟ عايزني اجوزك اللي بحبها عشان انت ابوي ولِّية؟ بتهزر صُوح؟، كاد والده يرد لكنهُ اوقفة عندما استرسل حديثة بعصبية: انت مفكِر ان كل اللي بيحصل دِيه عشان التار ولِّية لاه؟ لو فاكر اني رايدها عشان التار بردك تبجي غلطان! ولو في حد من حجُة يتجوزها بِحج يبجي عمي عشان ولادُه هُوِه اللي انجتلوا مش ولدك انتِه فهمت يابوي؟ دِيه متنفعكش!

سأله والده باستنكار وسخرية: وتنفعك انت بجي؟! طيب هاتنادم عليها بإيه؟ امي ولا اوم؟!.
أليس هذا مُبالغًا به قليلاً! فقط خمس سنوات ونصف هي ما بينهم ما هذا؟!
ابتسم عمّار بعصبية وهو يومئ بخفة ثم قال بهدوء: ديّ هنادم عليها بكل حاجِة ويمكن اجولها امي فعلاً جايز تطلع احسن مِنيها وتفضل معايِه ومتهملنيش ليك..
ضحك متولي بغيظ أخفاه ثم قال من بين اسنانه: وعشان اكدِه مش هتِّم حاجة ولا هيجمعكم عجد واحد..

في الأعلى..
دلفت نادين إلى الغرفة بهدوء وهي تفرك يديها بتوتر..
توقفت لبرهة عندما أبصرت ليلى تجلس أرضًا، هرولت لها بقلق، جثيت أمامها واحتضنت يدها بين يديها بقلق وقبل أن تتحدث سحبتها ليلى إلى أحضانها بقوة وهي تعتذر باكية: انا اسفه متزعليش منى مكُنتش أقصد..
دفنت نادين رأسها بصدرها وهي تحوطها بقوة وقالت بحنان: انا مش زعلانه، انا اللي اسفه متزعليش مني انتِ و متعيطيش..

قبلت ليلى جبهتها عدة قبلات وهي تدفن أناملها داخل شعرها تزيد من ضمها لها بقوة وهي تنتحب لـ تسألها نادين بحزن وهي ترفع رأسها لها مع يدها ومسحت عبراتها: احنا هنمشي من هنا امتي؟

هزت ليلى رأسها بأعين تفيض من الدمع هي تقضم شفتيها ثم قالت بقلة حيلة: مش عارفة، مش عارفة، ثم كوبت وجه نادين بيدها وطلبت منها برجاء: عمّار بيحبك واكيد هيسمع كلامك لو قولتيله انك مخنوقة و عايزة تمشي هيسبنا نمشي هيسمع منك حاولي معاه ها حاولي عشاني، أومأت لها نادين بانصياع ثم عانقتها بقوة وأخذت تربت على ظهرها بحنان قليلاً حتى هدأت..

وقفت نادين بعض دقائق و أوقفتها معها بخفة ثم ساعدتها على التسطح فوق الفراش واستلقت بجانبها وظلت نائمة بأحضانها وهي تضم يدها إلى صدرها بدفء..
في الأسفل..
كان قُصيّ جالسًا يسند ذقنه فوق رأسها بهدوء بينما هي كانت ساكنة تجلس بين قدميه وتضع يديها فوق يده التي تحوط خصرها بتملك تنظر تجاه الكوخ الخشبي من محل جلوسها البعيد عن محل وقوف تالين..

سألتهُ عشق بهمس وهي تحرك رأسها لتستقر فوق صدره ونظرها فوق شفتيه: انت جبتني هنا ليه يا قُصيّ؟
إبتسم قُصيّ بخفة ورفع يده وداعب رقبتها بأنامله بنعومة صعودًا إلى ذقنها وهو يقول بجانب أذنها بهمس: جبتك هنا عشان نقضي يومين حلوين مع بعض نعوض فيهم النكد اللي نكدتيه عليا اليومين اللي فاتوا بس انتِ مش مدياني فُرصة و بتهربي مني! ليه بتهربي؟!

أمسكت بيده التي تعبث، قربتها من شفتيها وقبلتها بنعومة ثم وضعتها على قلبها وقالت بـ صوتٍ مُنخفض: قُصيّ خلينا إخوات أحسن..
صمت قليلاً ثم انفجر ضاحكًا وهو يحرك رأسها لتستقر فوق ذراعه كـ طفلة يحملها، حملق في وجهها قليلاً وهو يبتسم ثم قرص وجنتها وقال بسخرية: انتِ عبيطة ولا ايه؟

حركت أهدابها بتعجب وهي تنظر له بفيروز تيها اللامعة جعلتهُ يتأملها بعمق وهو يبتسم ثم هتف بتيه وعيناه تجول على ملامحها هائمًا بها: انتِ جميلة اوي يا عشق، اجمل منها بكتير من جوه ومن بره..
خفق قلبها بعنف وهي تتأمله ثم ابتسمت بحزن ظنًا انه يسخر منها وسألته باستفهام: مين دي اللي انا احسن منها؟ جـنّـة!

ابتسم بحزن مُماثل وهو يداعب وجنتها بحنان وقال بهدوء: وايه اللي جاب سيرتها دلوقتي! هتبدئي النكد؟! بس انا مش هسمحلك عشان انا بحبك..
اهتزت مقلتيها باضطراب و ابتلعت غصتها وقالت له بنبرة مرتجفة: قُصيّ متصعبهاش عليا اكتر من كده انا بجد عايزة أبعد واسيب كل حاجة بس انت مش مساعدني ولا رادي تسبني! انت معلقني معاك ومش عارفة اخرة كل ده ايه؟ بجد مش عارفة!

مال وقبل جبهتها قلبه عميقة حانية وقال بهدوء وهو يرتب غرتها: محدش يعرف إجابة السؤال ده دلوقتي! لكن لو عايزة تسافري سافري غيري جو بس هترجعيلي تاني مش هسيبك!
هزت رأسها بنفي وهي تغمض عيناها بتعب ثم قالت بإرهاق: قُصيّ انا تعبت ومش عايزه الحياة دي ولو سافرت هختفي ومش هرجع تاني لا ليك ولا لغيرك..

زفر بضيق وسألها باستنكار: انا بس مش فاهم ده كُله من ايه؟ ما احنا على طول ومن زمان كده وكُنا مبسوطين ايه اللي جد؟

حركت رأسها على ذراعه وقالت بمرارة: انت اللي كُنت مبسوط مش انا! مش هكدب عليك واقولك اني كُنت حزينة كل الفترة دي! لأ أنا كُنت سعيدة عشان بحبك، ابتسم بجاذبية وقرص وجنتها بخفة لتتابع وهي تمسك يده برقة صانعة تواصلاً بصريًا معهُ: ولو عليا يا قُصيّ فـ أنا نفسي أقضي عُمري كُله معاك دي أُمنيتي لكن دي مش أُمنيتك انت!، ابتسمت ثم نظرت له بعمق وسألتهُ باستفهام: أُمنيتك ايه يا قُصيّ؟

ابتسم بعبث ومال عليها بجزعة وهمس أمام شفتيها بـ مكرٍ: أُمنيتي بجد بجد إني أخدك دلوقتي ونروح الكوخ ده عشان حقيقي وحشتيني أوي..

ضحكت بصوتٍ مُرتفع وهي تهز رأسها أثناء تأمله لها وهو يبتسم وقلبه يُرفرف كُلما سمع صوت ضحكتها الرنانة بتلك النعومة، توقفت وهي تأخذ نفسًا عميقًا ثم قالت بهدوء: تعرف يا قُصيّ لو كُنت قولتلي ان أُمنيتك انك تفضل معايا ونعيش بهدوء ونتجوز ونخلف أو حتى نهايتنا تكون سعيدة كُنت هستغرب وهقولك انت كداب! بس فعلاً جاوبت الإجابة اللى هي في مكانها بالظبط، انا كنت هنذهل فعلاً لو عرفت اني بالنسبالك اكتر من واحده مخليها معاك عشان مزاجك، بس كويس انك جاوبت كده عشان افضل عارفة انا ايه ومنساش نفسي..

قطب حاجبيه بانزعاج ومرر أنامله على وجنتها بنعومه وقال بجدية وهو ينظر داخل عيناها: بس انتِ عارفة انك بالنسبالى اكتر من كده بكتير..

هزت رأسها وهي تبتسم ثم قالت بخفوت: قُصيّ مهما كانت مكانتي عندك كبيرة عُمرك ما هتحبني انت مش بتحبني! انت لو بتحبني بجد مش كُل شويه هتعاكس واحدة وقُدامي وده غير نظراتك! حتي لما كُنا في الفندق وفي القسم اتكلمت كذا مرة عن البنت و إنك بوستها بكل بجاحة! انت كده يعني كان دمك خفيف ومخلص ومفيش منك؟.

هز رأسه وكاد يتحدث لكنها قاطعته بتهكم عندما رفعت جسدها وجلست باستقامة: انا عارفة اني مستاهلش أي حاجة ومش من حقي اقول كده بس على الأقل لما احب اختار اختار اكون مع واحد يحترمني ولو على الأقل قُدام الناس! بس هقول ايه؟ انا اللي عملت في نفسي كده و عادي مش فارقة إتعودت منك على قِلة القيمة! ومن غير حاجة انا مليش قيمة ومسواش حاجة فعلاً فـ عادي بقي..

مسد جبهتهُ بضيق وقال بضجر: تعرفي انا غلطان اني جبتك معايا وغلطان اني اتكلمت وغلطان اني عايز افرفشك خليكِ مِنكده كده بقي..
عانقته بقوة ودفنت رأسها في تجويف رقبته ثم همست بنعومة لتضرب أنفاسها الدافئة عنقه: إسكُت يا قُصيّ وأحضني جامد..
أحاطها بقوة وهو يضمها إليه اكثر ويديه تمر فوق ظهرها بشوق مستنشقًا عبيرها بانتشاء وقبضته تشتد حولها بقوة كأنها ستضيع منهُ..

فصلت العناق وظلت قريبة من وجهه تتأمله بحب ليقرب رأسه منها بتردد وانامله تخللت شعرها بنعومة، طبع قبلة خاطفة على شفتيها وابتعد قبل أن تبعده هي لكنها لم تُحيد بنظرها عنهُ قط وكأنها تدعوه للمزيد دون تحدث بفضل نظراتها المكشوفة، فهي اشتاقت له بالمثل أيضًا..

أعاد الكَرة واقترب منها وأكثر ومال ينهل من رحيق شفتيها دون توقف، دون أن يلتقط أنفاسه فهو متعطشًا لها وهي لا تشعر به، وهي حاوطت رقبته وبادلته القبلة بنعومة وشوق وهي تغمض عيناها بلذة مُتعمقة معهُ كما اعتادت ان تفعل دائمًا دون عوائق..
هو يعلم أن معها حق بكل ما تقول ومن الطبيعي ألا تُصدقهُ عندما يخبرها أنهُ يُحبها، لكنهُ يفعل حقًا ويُحبها..

وبعيدًا عنهما وأمام الكوخ كانت تالين تسير ببطء وهي تفكر بشرود دون أن تفعل شيء فقط كانت تستنشق هواء نقي تصفي ذهنها من كل تلك الأفكار التي تشوشها وخاصتًا آدم الذي يشغل حيّزًا كبيرًا من تفكيرها في الآونة الأخيرة..
شهقت بخضه عندما شعرت بيد تحوط خصرها بقوة، ابتعد عنها لـ تستدير سريعًا بذعر وتبصر آدم الذي يقف خلفها يبتسم لها بهدوء جعلها ترتاب وهي تسأله: ايه يا آدم خضتني! مش تعمل صوت؟

ابتسم وهو يقترب منها وأعاد محاوطه خصرها بتلقائية كأنهُ مُعتاد على فعل هذا وهو يقول: عملت بس انتِ مخدتيش بالك..
أومأت له وهي تبتسم بتوتر ثم رفعت يدها وأبعدت يده عن خصرها بهدوء وسألته: كُنت مِحتاج حاجة؟
هز رأسه بنفي وهو ينظر لها ببعض التعجب بسبب تصرفاتها! وهو يتساءل أهو من تمادي أم هي من تغيّرت؟!

وضع يديه بجيب كنزته في المنتصف أمام معدته وسألها بهدوء: كُنت عايز اعرف انتِ هتطلبي الطلاق امتي! عايز نفكر ونقرر أنا وانتِ ونرسم حياتنا ومستقبلنا مع بعض ده لو معندكيش مانع!.
قطبت حاجبيها وهي تنظر له بتعجب كأنها تسمع هذا الحديث لأول مرة!، هي بالفعل أول مرة تسمع هذا القول منهُ بتلك الراحة والهدوء كأنهُ معتاد على مثل هذا الحديث معها وطلب هذا أيضًا!.

لن تنكر انها تميل له في بعض الأحيان، ولن تنكر أنهُ يهتم بها أكثر من زوجها، ولن تنكر أنها مُنذُ أن علِمت أنهُ يُحبها وهو من كان من المفترض أن يتزوجها وهي تبغض وتكره زواجها من مصطفى، قوله هذا لفت نظرها إلى كثير من الأشياء التي كانت تتجاهلها ولا تعبأ بها، لقد جعلها تعبأ وتركز وتتعب نفسها أيضًا الآن..

لكن مع كل هذا الصراع الذي يحدث بداخلها مازالت تكن الإحترام إلى زوجها سواء شاءت أم أبت فهذا واجب عليها، وما يحاول آدم فعله خطأ ونهايته ليست جيّدة لكليهما..
ابتسمت بهدوء وقالت باستفهام: طلاق ايه يا آدم؟ مش هطلق! هطلق وابوظ حياتي ليه؟

تهجمت ملامحه وهو يخرج يده من جيب كنزته وأخذ يتقدم منها وهو يقطب حاجبيه بتلك الملامح التي لم تعهدها منهُ ولم تراها قبلاً وهو يسألها بابتسامة مخيفة: نعم؟ قولتى ايه؟، هل تمزح معهُ الآن؟

ازدردت ريقها بخوف وهي تعود إلى الخلف بتعثر ليتابع بأكثر نبرة متهكمة حملها يومًا وهو يعيد قولها: مش هتطلقي! مش هتبوظي حياتك؟ طب وانا؟ وحياتي البايظة اللي واقفة عليكِ دي اعمل فيها ايه؟ انتِ شيفاني لعبة بتلعبى بيها ولا ايه؟ ها! انا لعبة؟ هو عشان انا مستني إشارة منك هتذليني؟!

هزت رأسها بنفي وقالت بتلعثم بنبرة مهزوزة ومازالت تعود إلى الخلف: أنـ، أنـ، أنا موعدتكش بحاجة يا آدم وبلاش الطريقة دى عشان انت بتخوفني!
ازداد اتساع ابتسامته المُخيفة وقال مؤكدًا قولها: لو خوفك مني هيخليكِ تسبيه مش هبطل اخوفك فاهمة؟، ثم قبض على ذراعها بقوة قربها منهُ وتابع بتهكم وتحذير: إنتِ بتاعتى وكُنتي هتبقى مراتي أنا مش هو فاهمة؟

نزعت يدها من يده وصرخت به بـ فقدان اعصاب: لا مكنتش هبقى مراتك! مش ذنبي انت سِكِت انتِ سِكِت وقبلت الامر الواقع وعجبك اوي دور الضحية اللي انت عايشه ده؟ بس احب اقولك ان كل حاجه كانت بمزاجك وهو كان نصيبي مش انت! عشان كده انا دلوقتي مرات اخوك فاهم؟ وقولتلك انى مش هطلب الطلاق ولا حسيب المستوي ده عشان ارجع للجوع تاني فهمت؟

كوب وجهها بين يديه وهتف بترجي وهو يهز رأسه: بس انا بحبك وانتِ عارفة! ولما تطلقي هتجوزك مش هترجعي لأي حاجة لا الماضي ولا عيلتك! الدنيا هتبقي عالم وردي لينا لوحدنا!

إعتلاها قُصيّ فوق العُشب وهو يقيد يديها فوق رأسها مستمرًا فى تقبيلها دون توقف وهي تبادله بشوق وشغف، حركت رأسها إلى الجانب وهي تغمض عيناها لكنها اتسعت قبل فعل هذا عندما وجدت آدم يدفع تالين داخل الكوخ، شهقت بين قبلتها جعلته يتعجب ثم رفع نفسه وسألها باستفهام: ايه؟
انتصبت جالسة وقالت بسرعة وقلق: تالين آدم دخلها الكوخ ودخل وراها؟

ابتسم قُصيّ ونظر خلفه تجاه الكوخ وقال بفخر: عمل اللي مقدرتش أعمله يا بخته..
دفعته من أمامها بسخط ووقفت سريعًا ليمسك يدها ويسقطها بجانبه من جديد وهو يسألها بضيق: رايحة فين انتِ مالك بيهم؟
هزت رأسها بنفي وهي تنزع يدها من يده وقالت بتهكم: لأ مش مالناش دعوه انت مش هتستعبط انت واصحابك!.
أمسك ذراعها وأسقطها داخل أحضانه تلك المرة وهو يحوطها قائلاً بعبث: تعالي بس اوريكِ الأخوات بيعملوا ايه؟

تملصت من بين يديه بانزعاج وهي تلكز صدره بمرفقها بقوة: إبعد كده و بلاش سخافة ياسخيف..
قهقهة بخفة وشدّد قبضته حولها وهمس وهو يقبل وجنتها: طب بحبك..
نظرت له بطرف عيناها وهي تتساءل مابال تلك الرومانسية اليوم! هو لا يكُف عن القول أنهُ يُحبها؟
ما الخطب معهُ هل يشعر أنهُ سيموت؟
سألته بلؤم وهي تضيق عينيها: وطالما بتحبني اوي كده قولي ايه اكتر حاجه بحبها؟

ابتسم بخبث وقرص وجنتها بخفة وهو يلاعب حاجبيه أثناء قوله: ده سؤال ده؟ بتحبيني أنا طبعًا..
قلبت عينيها وهي تزفر ثم قرصت وجنته بقوة وأعادت من بين أسنانها: لا قصدي أكل هوايات بس مش هتقل عليك قول ايه أكلتي المفضلة؟

ابتسم وقال بثقة وهو يضرب أرنبه أنفها بسبابته: طبعًا عارف، قُصيّ بالجبنة، رفعت يدها وشدت شعره بغضب وهي تقف على ركبتيها أمامه قائله بغيظ جعلتهُ يضحك: والله انت عايز تضرب يارخم وهضربك، ضحك وهو يسقط فوق العشب وهي فوقة تضربه بيدٍ طائشة دون توقف، فـ آدم مدينًا له بسبب إيقافها وجعلها تنسي أمرهمها..

تقهقرت إلى الخلف وهي تنظر حولها بخوف بينما آدم كان يتقدم منها بخطواتٍ بطيئة بعد أن صفع الباب الخشبي خلفهُ جعلها تصاب بالذعر منهُ ومن حالته الغريبة بالنسبةِ لها! لأول مرة تراه مُنفعلاً هكذا؟!.
أدمعت عيناها وحذرته بخوف ونبرة مرتجفة: آدم إبعد متقربش انت بتعمل كده ليه بتعمل كده ليه؟

شهقت وهو يسحبها من يدها بقوة، قربها منهُ وهو يقول بعصبية: بعمل ايه؟ انتِ رجعتيني للصفر تاني!، وتابع صارخًا جعلها تنتفض: يعني ايه يعني مش هتسيبيه ازاي يعني!
نزعت يدها من بين يديه وحركت أناملها وجففت وجنتيها من تلك العبرات وهي تقول ببرود: زي الناس يا آدم! ده جوزي ودي حياتي ومش هدمرها عشان نزوة؟.

توقف عن التنفس وظل يحملق في وجهها بصمت وهو يعيد هذا القول داخل رأسه مِرارًا وتِكرارًا، هل قالت نزوة؟ هل هو نزوة بالنسبةِ لها؟
هزت رأسها مؤكدة وقالت بأسف وهي ترى نظراته اللائمة لها قبل أن يتحدث هو فهي أصبحت تعرفه وكثيرًا الآن: اه نزوة يا آدم، أنا معنديش سبب وجيه يخليني اسيبه! ايه يعني لما يهملني فترة عادي اكيد مشغول وهيرجع زي الأول مع الوقت لكن مش معنى كده أطلق منهُ!

هز رأسه بهستيريا وأمسك ذراعها وهزها بين يديه وهو يقول بنبرة يائسة جعلها تبكِ من جديد: لأ ده سبب كفاية، هو بيهملك ومش بيحبك؟ مش بيغير عليك مني! بيسيبك طول الوقت معايا وعادي مش بيسأل!
هزت رأسها بنفي وقالت وهي تنتحب: عشان بيثق فيا وفيك! عشان انت اخوه ومش المفروض تفكر في مراته بالطريقة دي ولا حتي تحبها!
تهجمت ملامحه أكثر واشتدت قبضته حول ذراعها وهو يقول بغضب: انتِ المفروض تكوني مراتي انا مش هو!

ابتسمت بحزن وهزت كتفها وقالت بهدوء: بس بقيت مراته هو وبسببك..
صرخ بها بحدة وأعين حمراء دامية من فرط العصبية: متقوليش كده مش انا!

صرخت به بحدة مماثلة وهي تنزع يدها منه لتضرب صدره بقوة وهي تقول: لأ انت السبب، لو كُنت بتحبني اوي زي ما بتقول كُنت حاربت عشاني عشان مكونش لغيرك، لكن انت استسلمت للأمر الواقع إحترامًا لـ والدتك اللي انت مش بتبصلها اصلاً في البيت ولما تتكلموا تتخانقوا! انت السبب يا آدم انت اللي طلبتني عشان تسلمني لأخوك وانت اللي قبلت اني اكون في المكان ده! وانا طول ما انا مراته مش همس شرفة فاهم؟ عشان اللي انت عايزه ده خيانة وانا مش خاينة يا آدم مش خاينة ومش هسمحلك تخليني أظهر بالصورة دي حتي لو قدام نفسي..

كوب وجهها بين يديه وقال بنبرة مرتجفة معذبه: بس انتِ تستحقي واحد يحبك ويهتم بيكِ ويدلعك و يحسسك بأنوثتك وانا الحد ده صدقيني مش هتندمي انتِ مش هتلاقي حد يحبك أكثر مني، وهجم على شفتيها في نهاية حديثه يُقبلها بنهم وشوق مغمض العينان وهو يضمها إليه بقوة كاد يهشم عِظامها أثرها وهو يعود بها إلى الخلف حتى التصق جسدها علي الخشب خلفها ليقبلها براحة أكبر لكنها كانت تتحرك بهستيريا ونفور وهي تضرب صدره بقوة كي يبتعد لأنها تختنق لكنهُ لم يكن هُنا بل كان بعالمٍ آخر يُقبلها بجوع كأن حياته تعتمد على هذا ويديه تحوطها بقوة كالكلابيب..

تساقطت عبراتها وهي تحرك رأسها بيأس تشهق شهقات مُتقطعة كان يبتلعها هو داخل فمه غير سامحًا لها أن تخرجها قط..

رفعت يدها المرتجفة دون تردد وصفعته بقوة لتتوقف حركة شفتيه فوق شفتيها وهو يرفع رأسه بذهول مع ارتخاء قبضته حولها ناظرًا لها بتفاجئ وقبل أن يتحدث صرخت به بحرقة وهي تهوي على وجنته بصفعة أخرى لا تعرف من أين أتت لها كل تلك الشجاعة كي تفعل هذا لكنها كانت متأكدة أنه يستحق ويجب أن يستيقظ من هذا ويفيق: أنا مرات أخوك فاهم ولا لأ؟ انا مرات أخوك يا آدم متنساش نفسك؟ وبالنسبالك مش هكون اكتر من كده! مش هسمحلك تخليني خاينة فاهم؟!.

ثم تابعت بتهديد: والله لو قربتلي تاني بالطريقة دي هقول لـ مصطفي وانت حُر بقي، ثم دفعته من أمامها و ركضت إلى الخارج وهي تذرف الدموع بانكسار بسببه، لقد خذلها لثان مرة بذلك التصرف حقًا، خذلها..
توقفت عشق وهي تلهث بإرهاق ثم تأوهت فجأة بألم وهي تضع يدها على معدتها..
إعتدل قُصيّ بجلسته و سألها بقلق: مالك؟

هزت رأسها وهي تقف لـ تترنح إلى الخلف شاعرة بذلك الدِوار يُداهمها، حاوطها قُصيّ بقلق وهو يبعد شعرها إلى الخلف وسألها باستفهام: متأكده إنك كويسة؟
هزت رأسها بخفة وهي تبعده بيدها من أمامها لأنهُ يسد عنها الهواء لـ يستقر بجانبها وتأخذ هي نفسًا عميقًا وهي تمسد صدرها براحة يدها قائلة بهدوء: مفيش مفيش انا بس شوفت تالين بتجري أنا هروح أشوف مالها..

خرج عمّار وهو يزفر لـ تصطدم تالين بصدره بقوة من قوة اندفاعها كي تدلف إلى الداخل، نظر لها بتعجب بينما هي رفعت نظرها له لبرهة من الثانية وهي تبكِ ثم تابعت ركضها إلى الداخل..
استدار ونظر خلفه بتعجب ثم نظر أمامه ليجد آدم يأتي ركضًا خلفها، توقف أمامه لاهثًا تزامنًا مع توقف عشق وهي تلهث لترتطم به فترنحت للخلف ليمسك بها قُصيّ قبل أن تسقط بعد لحاقه بها وهتف بتعجب: براحة في ايه؟

أبعدتهُ عنها بضيق وهي تنظر إلي ثلاثتهم بالتناوب بغضب ثم ولجت إلى الداخل..
غمغم عمّار بغضب وهتف بضجر: مالها الخاينة؟
ضرب قُصيّ صدره بضيق وقال بضيق: إحترم نفسك وملكش دعوه بيها!
غمغم عمّار ودفعه من أمامه بسخط: يا عم إوعي كده جتكم البلا كلكم..
فتحت تالين باب الغرفة الخطأ بيدٍ مُرتجفة دون أن تطرق الباب لتجد ليلى تعانق نادين والصمت يطبق على الغرفة..
سألتهم بنبرة مرتجفة وهي تشهق: ينفع اقعد معاكم؟

أومأت لها ليلى بخفة وهي تستنشق ما بأنفها تراقب تقدمها من التخت باستفهام وقلق بسبب بكائها..
استلقت بجانب نادين ودثرت نفسها أسفل الغطاء وعانقتها وهي تعود للنحيب بخفوت جعلت ليلى تسألها بقلق وهي تبلع غصتها قبل أن تبكِ بجانبها بينما نادين أخذت تربت على ذراعها بحنو وهي تراقبها بعبوس: مالك بتعيطي ليه؟
كادت تتحدث لكن الباب صفع بقوة عقبة ركض عشق تجاه دورة المياه وهي تضع يدها على فمها!.

جثت على ركبتيها في الداخل وتقيأت كل ما بجوفها بإعياء وتعب وهي تشعر بالعالم يدور من حولها..
توقفت وهي تتنفس بثقل ثم جلست خلف الباب بتعب وهي تغمض عيناها شاعرة بالخمول وجبينها يتفصد عرقًا ولا تعلم ما هذا هل ستمرض الآن أم ماذا؟

هدأت بعد دقائق ثم استجمعت قواها الخائرة ووقفت وهي تمسك بحافة الباب كي لا تسقط، أغلقت الباب ببطء وهدوء ثم تقدمت من التخت وخلعت حذائها وانضمت إليهم ثم دثرت نفسها أسفل الغطاء بجانب تالين وغفيت بعد دقائق قليلة..
سألت نادين والدتها بصوت منخفض: هتقعي أقوم أروح أوضة تانية؟
هزت ليلى رأسها ونفت وهي تقبلها: لأ يا حبيبتي السرير كبير واخدنا كُلنا..
مساءًا..

وقت العشاء تحديدًا، أمام الطعام، كانوا ثلاثتهم يجلسون كمن يأكل الطير من رأسهم صامتين بشكل مُريب مُثير للنفس على غير العادة وكل واحدًا غارقًا بأفكاره عدى قُصيّ الذي كان يجلس نصف جلسة يهز قدميه بتوتر وهو يتلفت باحثًا عن عشق حوله لكنها لم تظهر إلى الآن ماذا تفعل في الأعلى! وماذا يفعل معها البقية أيضًا؟
زفر وصاح بضيق وهو يسأل صباح: فين عشق والباقي راحوا فين؟
تنهدت صباح وهي تقول: بينعسوا فوج..

قطب قُصيّ حاجبيه بعدم فهم وسألها باستفهام: يعني لسه هيناموا يعني ولا ايه؟
هزت رأسها وأعادت: لاه نايمين كُلهم مع بعض نادين بس اللي صاحيِة وجالت لما يفوجوا أطلِع الوكل فوج..
أومأ قُصيّ بضيق وهو يقلب الطعام ثم سألها مستفهمًا: نايمين مع بعض كلهم؟
هزت رأسها بإيماءة بسيطة ليضع يده اسفل وجنته وهتف بإزدراء وهو يهز رأسه: يابختهم، ثم صاح فجأة بـ آدم وعمّار: انتوا هتفضلوا قاعدين زي عواجيز الفرح كده كتير؟

تنهد عمّار وقال باقتضاب دون شهية: أنا ضربتها..
تفاجئ آدم ثم أغرق كتفه بوابلًا من الضربات المتفرقة بغضب وهو يوبخه: انت غبي ليه غبي ليه؟ انا قولتلك تعمل كده يا طور يا هايج يا حمار طب والله عندها حق تشتمك بكل شتايم الدنيا!
لكزه عمّار بسبابته في جبهته كـ غبيّ وهو يقول بعصبية: انت فاكرها كيوت زي تالين ولا ايه هضحك عليها بالكلام؟

دفع آدم يده وقال بسخط: طب متقولش كيوت، عشان ضربتني بالقلم، ابتسم قُصيّ بتسلية وهو يراقبهما ثم سأل آدم باستفهام: ضربتك ليه ياخبيث ده حتي انت دخلتها الكوخ!
زفر آدم وقال بضيق: اه ما انا كُنت شِبه بتهجم عليها
أعاد قُصيّ سؤاله بتسلية: ليه كُنت هتسرقها؟
نظر لهُ آدم بدون تعبير وقال بندم: أنا غلطان اني مصاحب واحد زيك..
رفع قُصيّ حاجبيه وقال متذمرًا: انا قولت كده برده بتحقدوا عليا عشان مضّربتش..

نظرا الأثنان لهُ بدون تعبير في آن واحد جعلوه يرتاب ليقول بتفكير وهو يأشر عليهما: أوعي أكون قولتلكم ان عشق ضربتني قبل كده؟، لم يبدر عن أيًا منهما ردة فعل لـ يُحمحم قُصيّ ثم تابع مُبررًا بعقلانية إلى آدم: وايه يعني لما تضربك؟ عادي سِبها تخرج مكنون صدرها ياجدع ايه المشكلة؟.
ووجه بقية حديثه إلى عمّار مستنكرًا العنف كـ شخصٍ نبيل: وانت بتضربها ليه؟! مش قولنا تخليها تحبك؟!

زفر عمّار وقال بضجر: خلي كُل واحد في نفسه محدش يديني نصايح! بقي على آخر الزمن هسمع منكم انتوا يا أفشل خلق الله ماتشوفوا نفسكم الأول جتكم القرف، ووقف وتركهم وغادر!
نظر قُصيّ في أثره بتعجب وهتف بضجر: هو في ايه؟ كُل شوية يشتم ويمشي؟ وانت يا مُهزق مش هتاكل؟
هز آدم رأسه وقال بضيق: لأ أنا مكتئب، وتركه وغادر هو الآخر..

حملق قُصيّ في الفراغ أمامه وتحدث إلى العدم بثقة وهو يضع يديه على المنضدة: كان نفسي أكمل الإجتماع المهم ده معاكم بس للأسف محدش ليه نفس يتكلم ولا ياكل ولا انا عشان كدة بالهنا والشفا، ووقف وترك الغرفة هو الآخر..
بعد مرور يومين..
سعل آدم وهو يلوح بقطعة الكرتون بين يديه يشوي بعض الذُرة بضيق، فهو لا يجد ما يفعل سوى هذا!

اليومين السابقين كانا سيئين كثيرًا لم يراها حتي هو لم يلمحها، كانت تتهرب منهُ وكأنها تعاقبهُ بتلك الطريقة وحقًا نجحت في عقابه! لقد جعلوا منهم يشُّكون أنهن يصنعن بياتًا شتويًا معًا! فلم تظهر أي واحدة منهن أو تنزل إلى الأسفل طوال اليومين سوى نادين كانت نقطة الوصال بينهم تطمئنهم عليهم سريعًا وتأخذ الطعام مع صباح وتصعد به إلى الأعلى..

ليلى كانت خائفة من النزول ومازالت كي لا يحدجها أحدهم بنظرة تجرحها أو يلقي على مسامعها كلمة تجعلها تبكِ وتظهر ضعفها أمامهُ أكثر من هذا، لهذا اقتصرت على الغرفة وامتنعت عن النزول وحُسنه كانت تصعد وتجلس معهم من وقتٍ لآخر..

أما تالين فهي حقا لا تطيق النظر لوجه آدم لا تُريد أن تتعاطى معهُ كثيرًا حتى تعود وتحادث مصطفي وتحاول معهُ من جديد كي لا تظلمهُ معها رُبما يكون مضغوط من كثر العمل وهذا مُتوقع، وبعد نقاشها الطويل مع ليلى وعشق طوال اليومين وعرض مشكلاتهم معًا أجمعوا على إعطاء مصطفي فرصة وإبعاد افكارها عن آدم تلك الفترة حتى تجد حلًا لزواجها الفاشل..

أما عشق فهي كانت خاملة طوال اليومين ونصف الوقت كانت تقضيه في النوم بينهم في الدفء الذي كان يدفعها إلى المزيد من النوم والطعام كانت تأكل القليل فقط و تتسامر معهم قليلا ثم تذهب في سبات عميق..
ضرب قُصيّ كفته أخرجه من شروده وهو يقول بضجر: هتقضيها شوْى بس ولا ايه بقي انا زهجت؟
ابتسم آدم ابتسامة بالكاد خرجت وهو يقول: روح هات قصب و تعالى اقعد جنبى..

عبس قُصيّ بضيق وجلس أرضًا بجانبه ثم أبعد ذراعة وأراح رأسه فوق فخذه وسأله باستفهام: انت عمال تشوي تشوي تشوي مين بياكل كل ده؟
ضحك آدم وهو يضرب جبهة قُصيّ: عمّار هو اللي بياكل، مش لاقي حاجة يعملها! وبقاله يومين بيخطط لحاجة بس مش عارف هي ايه؟
تنهد قُصيّ بضيق و إقترح عليه: ماتيجي نقوله يرجع تاني كان مبسوط وهو هناك، مش هيرجع زي زمان غير لما يرجع يعمل الحاجة اللي بيحبها..

هز آدم رأسه بنفي وقال بسخرية: انا اتكلمت معاه امبارح وانا قاعد بشوي في أمان الله و دقيقتين بالظبط لقيته رزعني بصة و بعدها كان هيحط وشي في الفحم مفيش أمل ومش هيرجع تاني..
زفر قُصيّ وقال ساخطًا: أبوه، كُله من ابوه إلهي يموت ولا يتشل! ده و لا بيرحم ولا بيسيب رحمة ربنا تنزل ماتيجي نقلته؟
نظف آدم حلقه وقال بهدوء: طيب اسكت طيب..

أبي قُصيّ وتابع بغضب شديد: اسكت ايه بس ده انسان مُستفز وجبار هتتخسف بيه الأرض ان شاء الله ده بتاع نسوان ياعم يتكسف على دمه شوية ويسيب عمّار يشوف حياته بقي هيفضل ربطه جنبه لحد امتي؟ بجد ده مش أسلوب..
ضربة آدم بضيق وهو يحذره: الله يخربيتك اسكت اسكت..
زفر وأعاد بإصرار: لأ مش هسكت وهكلم عمًار عشان يرجع تاني وابوه ده يشرب من الترعة بقي..

ترك آدم ما بيده وهو يهز رأسه بأسى ثم قال بنبرة مقاربة إلى الهمس: عمّار أنا مليش دعوة هو اللي عمال يغلط في ابوك من الصُبح حُط وشه في الفحم..
توسعت عينا قُصيّ وانتصب جالسًا ثم قال بتهكم وهو ينظر إلى عمّار الذي يقف ينظر لهم بنعاس: أيوا أنا غلطت في ابوك و هغلط فيه! وهفضل اغلط انا بغلط فيه ليه عشانك وعشان مصلحتك؟!.

لوح له عمّار بعدم إهتمام هو يغمغم بنعاس ثم جلس بجانبهما وسألهما باستفهام: انتوا صاحيين بدري ليه؟
رد قُصيّ بامتعاض: عشان نمنا بدري! ايه السؤال ده؟
هز عمّار رأسه بهدوء غير مُريح جعله يرتاب، بالتأكيد سيفعل شيءً ما يعرفة..
في الأعلى..
كانت ليلى تجلس أمام المرأة تصفف شعرها بعد أن أخذت حمامًا دافئ وهي تتجاهل نادين التي تقف بجانبها..

تنهد نادين بيأس وهي تنظر إلى ليلى ثم سألتها بحنو: طيب مش عايزة تنزلي ليه عمّار مش هيـ، قاطعتها عندما قالت بعصبية ونفور: متجبيش سيرته قُدامي متتكلميش عنهُ..
تبدلت ملامح نادين إلى الحزن وسألتها باستفهام: ليه طيب؟ أنا عارفة إنهُ اتخطى حدوده معاكِ لما ضربك لكن هو اعتذر وانتِ كمان ضربتيه صح؟

هزت ليلى رأسها وارتجفت يدها وهي تنزل المُجفف لـ تضعه أمام المرآة ثم قالت بـ مقتٍ لهُ وغضبٍ شديد وعيناها تلتمع بالدموع: لأ مش صح الحيوان ده من ساعة ما قابلته وهو بيتخطى حدوده وبيمد ايده عليا! كان هيكسرلي ايدي وضهري، وهددني في المكتب وكان هيضربني بالحزام، وانا اللي بلغت عنهُ بعد ما اتهجم عليا في الشركة، واجبرني اني اوافق عليه ونيجي معاه هنا، وبعدين ضربني بالقلم ومرتين و لسه بتسألي هو عمل ايه؟ ده حقير وطور وخنزير ونكرة وحيوان وفيه كُل العِبر مينفعش يتقال عليه انسان ده ذئب بشري مش انسان ولما نمشي من هنا هتنسي أنك قابلتي حد اسمه عمّار وتخرجيه من حياتك نهائي فاهمة؟!

وأنهت حديثها وهي تلهث بعصبية مُفرطة وقد خانتها عبرات انكسارها فغمرت وجهها بين يديها وبكت وحدها وهي تطرق برأسها بمهانة، فهي لن تنسى تصرفاته معها يومًا وعنفه الغير مُبرر..
هل عمّار من فعل كُل هذا بوالدتها وهي لا تشعر؟ لكن هو لا يبدو عليه هذا حقًا! هو يعاملها برقة وحنو؟!
أحاطت نادين منكبها بحنان وقبلت رأسها ثم سألتها بحزن: و ليه مقولتليش كُل ده؟

شهقت ليلى باختناق ثم قالت بانهيار وهي تنظر لها في المرآة: أنا قولتلك بلاش عمّار انا مش موافقة بس انتِ مسمعتيش مني! مكنش لازم احكيلك و ابوظلك صورة حلوة ليه كُنتي رسماها في خيالك عشان متتعبيش! كان كفاية إني أقولك لأ و تسمعي مني أنا أُمك ومش عايزه غير سعادتك ومصلحتك، كُنت ممكن أمنعك وأجبرك بس خُفت أخسرك لما لقيتك بتعيطي في حضنه ومتمسكة بيه! خُفت بسبب همجيته وانا عارفة إنه حقير وكان هيضحك عليكِ و ياخدك في صفه وهتسبيني وانا مقدرش استغني عنك انتِ حياتي..

ابتلعت نادين غصتها وهي تشدد قبضتها حول منكب والدتها وقالت بتأثر وهي تقبلها قبلات متفرقة في أنحاء وجهها: مستحيل حد يبعدني عنك ولا يفرقنا أبدًا مهما كانت مكانته في قلبي كبيرة مش هتبقي اكبر منك، انا معنديش أعز منك في الدنيا ربنا يخليكِ ليا..
استدارت ليلى وضمتها إلى صدرها بحنان وهي تنتحب مع قولها برفق: بُكرة تحبي وتتجوزي اللي يستاهلك بجد حد في سنك يفهمك مش ده!.

شهقت نادين بصوت مكتوم وهي تُشدد قبضتها حولها بقوة فهي لا تعرف ما تعاني وما تواجه وحدها لا تعرف..
ربتت تالين على رأسها بحنان وهي تبتسم ثم حثتهما على التوقف: كفاية عياط بقى كل حاجة هتبقي تمام ان شاء الله، ويلا بقى ننزل نفطر عشان شكلنا بقي وِحش ومينفعش كده ده مش فُندق..

نظرت لها ليلى بقلق وتردد لـ تطمئنها تالين عندما ربتت على ظهرها بخفة وهي تقول: متخاقيش اعتبريه مش موجود ولا كأنك شيفاه تجاهلية كـ نكرة..
ابتسمت ليلى وهزت رأسها بخفة ثم سألتها باستفهام وهي تبحث عن عشق بـ أنظارها: فين عشق؟
ردت تالين بإيجاز: في الأوضة التانية بتاخد دُش عشان انتِ كُنتي واخده الحمام ده زمانها خلصت دلوقتى يلا بينا..
في الأسفل..

هب قُصيّ واقفًا وقال بارتياب: بُص يا عمّار لو هتغفلني قول عشان انا مش مرتاحلك! ايه يعني لما لما اتكلم عن صفات السيد الوالد؟ ده انا بوصفه مش بغلط فيه خالص ولو عايز توصف حد في عيلتي انا موافق عادي معنديش اي مانع ده يوم المُني يا ابو عبد الرحمن..
قبض عمّار على ياقته وقربه منهُ بقوة وهو يسأله بتهجم: عبدالرحمن مين؟

ابتسم قُصيّ وقال بهدوء: ابنك ان شاء الله انت وليلي او ندي المهم هتخلف وخلاص، صحيح ندي هتولد امتى انا عايز حصان؟
قضم عمًار شفتيه بغيظ وكاد يلكمه لكن صباح أتت راكضة وهي تصيح بصوت مُرتفع: سيدي عمّار سيدي عمّار نزلُوْ عشان الفَطور نزلُوْ..
ابتسم قُصيّ وهتف بسعادة: طب احلفي كده!
أقسمت وهي تؤكد بأنفاس متسارعة من الركض: والنِعمة يا سيدي اني شوفتهم بـ عنيِّه اللي هياكلهم الدود دولم..

نزع قُصيّ يد عمّار بضجر ووقف وهو يبتسم ثم تقدم منها وقال بعبث وهو يقرص خصرها جعلها تقفز صارخة: تستاهلي بوسة يا صباح، صباح فعلًا هاتي بوسة..
ابتعدت إلى الخلف وهي تخفي وجهها بخجل داخل حجابها الشفاف الأسود الذي تضعه فوق الحجاب الذي تخفي به شعرها وتعقده إلى الخلف مثل فتيات الريف: واه واه واه إلحجني يا سيدي إلحجني..

أمسكهُ عمّار من ياقته الصوفية بضجر ولوح لها كـ أمر بالأنصراف لتذهب ويقول هو بتهكم وهو يهز قُصيّ بين يديه: يعني نُحطك فين يعني عشان تحترم نفسك؟ ها في زريبة هنا جنبنا تحب تروح تجرب مع الجواميس والخرفان؟!
قطب قُصيّ حاجبيه بتفكير ثم قال وهو يهز كتفيه: لو الجموس ابيض مُوافق، يا إلهي سينفجر به ذلك البارد، صرّ على أسنانه بقوة وهو يتحرك مبتعدًا إلى الداخل لأنهُ مشغولًا الآن..

نظر قُصيّ في أثره بتعجب ثم استدار وقال بذهولٍ إلى آدم: ده سبني ومشي!
هز آدم رأسه بخفة وتقدم منهُ وهو يقول بهدوء: أه خدت بالي قولتلك بيخطط لحاجة وراح ينفذها دلوقتي تيجي نتفرج؟
أومأ قُصيّ موافقًا وهو يضع يديه على كتفه ثم سألهُ بتسلية: حطيت مُرطب على وشك ولا لأ! القلم مش بيلسعك دلوقتي ووشك اتحسن الحمد الله؟

دفعه آدم بضجر وقال ساخطًا: ده انت مُزعج بجد مُزعج امشي من هنا امشي، ضحك قُصيّ وهو يتحرك إلى الداخل ليضع آدم يديه على وجنته يتحسسها ثم سأله بصوت مُرتفع: هو احمر ولا ايه؟
في الداخل..
لملم عمّار البُساط سريعًا مع صباح وهو يحثها على جلب طلبهُ سريعًا: شهلي بسرعة وهاتي جردل ميِّه وخِيشة خلِّصي..

أومأت سريعًا و ركضت إلى الداخل وفقط خمس دقائق كانت تتقدم بـ دلو مليء بالمياه الممزوجة بمسحوق منظف ومطهر ومُعطر معًا..
نظرت إلى الأرضية اللامعة النظيفة وهي تهز رأسها باستنكار ولا تعرف لما يُريد أن ينظفها الآن فجأة فهي نظيفة؟
وضعت الدلو أمام قدمه ووضعت بجانبه قطعة القماش الخاصة بالتنظيف بهدوء ووقفت تنظر له باستفهام كي تسمع ما يأمر لكنهُ لم يتفوه بحرفٍ واحد!

سألته باستفهام بعد إن طال صمته: سِيدي مش هنّضِف ولِّيه دِيه وجت الفَطور؟!
لوح لها أن تذهب بعيدًا وهو يقول: اجلبي دلوك مالكيش صالح بحاجة اهنِه اجلبي..
لويت شدقيها وعادت إلى الداخل وهي تهز كتفها، زفر هو ويعقد يديه أمام صدره وظل واقفًا خلف الباب ينتظر دلوف أحدهم إليه، هل استوطنوا الغرفة الأخرى الخاصة بوالده اليوم أم ماذا!

دلفت نادين من باب الغرفة وهي تنظر حولها بتعجب واستفهام بسبب الأرضية لتقع عيناها على عمّار وهو يقف خلف الباب..
أبعدت نظرها عنهُ باقتضاب وتجاهلتهُ بطريقة ملحوظة جعلتهُ يتعجب بسبب هذا التغيّرالمُفاجئ! ألم تكن تبتسم لهُ؟! و ما تلك المنامة الطفولية المليئة بالرسومات الكرتونية؟

قهقهة بخفوت عندما التقطت عيناه نظرة حارقة ألقتها عليه قبل أن تدلف إلى الداخل كي تعرف سبب تجرد الأرضية من كُل شيء، كم هي لطيفة، هي ابنه ليلى بالتأكيد سوف تكون لطيفة..
سألت ليلى تالين باستفهام عندما توقفت أمام الباب بتعجب ولم تلج: ايه يا تالين في ايه؟

قالت بتعجب وهي تنظر حولها: الأرض فاضية هنقعد فين؟، دلفت ببطء ودلفت ليلى خلفها وهي تنظر إلى الأرض بتعجب لـ تأخذ تالين نفسها وقدمها وسارت إلى الداخل غافلة عن الذي يقف يراقبهما بتسلية ويبتسم بانتصار عندما بقيت ليلى وحدها..
رفعت رأسها وهتفت بإسمها بتفاجئ عندما رأتها تذهب: تاليـ، توقفت وصمتت عِندما سمعت رنين هاتفها..

أخرجته من جيب بنطالها الخلفي واجابت بهدوء وهي تضع احدى يديها في جيب بنطالها وتولي عمّار ظهرها: الو، رنا ازيك عاملة ايه؟ انا بجد مش عارفة اقولك ايه بسبب عدم وجودي معاكِ دلوقتي بجد انـ، ايه؟ انا بعت رسالة؟ نادين في المستشفى؟! امتي ده؟ تمام تمام..

زفرت وهي تمرر يدها على وجهها واسترسلت حديثها بحزن وهي تمسد صدرها بخفة بسبب رائحة عطرة الذي امتزج مع الهواء ووصل إلى أنفها واطبق على صدرها دون أن تعلم مصدره: بجد انا مش عارفة هرجع امتي مش عارفة خالص كل حاجة متلخبطه دلوقتي، وصمتت قليلًا تستمع لها ثم استرسلت قائلة بهدوء: أكيد هقولك لو جد جديد مع السلامة..

اغلقت الهاتف وهي تتنهد ثم رفعت سبابتها وعضته بخفة وهي تفكر بهذه الرسالة النصية التي تحدثت عنها رنا، فتحت الهاتف من جديد وبحثت به عن أي رسائل لكن لا يوجد! هذا غريب!.

شهقت بفزع عِندما استدارت و وجدت عمّار يقف خلفها يبتسم لها تلك الابتسامة الشيطانية التي كانت تراها في القاهرة قبل أن تأتي، قبل ان ينقض عليها، قبل أن يُهددها بالحزام الخاص به، قبل أن يلوي ذِراعها بعنف، قبل أن يجعلها تقطع له تلك التفاحة وهو يحوط جسدها، قبل يضرب ظهرها في الرُخام المصقول، لقد هدأ عندما أتي إلى هُنا قليلًا، لكنهُ سيظل حقيرًا في نظرها مهما فعل، فتلك الابتسامة المُرعبة غير مُريحة بالمرة..

تفحصها بتمعن وعيناه تجول على ملامحها الناعمة غير مُتجاهل حُمرة وجنتيها وأنفها وبلل أهدابها إنها كانت تبكِ في هذا الصباح أيضًا! لِمَ هل هو مُخيف إلى تلك الدرجة؟ فهذا اليوم الثالث من المفترض أن تعتاد هذا لا أن تبكِ!.
لكن ما يُحيرة حقًا هو والدها لِمَ لم يعود ويطالب بها أو يحاول فعل أي شيء لِمَ؟ هذا غير مُريح!.

ابتسم وهو يُراقب حركة أناملها الناعمة وهي تبعد خصلة مُتمردة مثلها تمامًا ويجزم أنهُ إختار أرق وأجمل إمرأة فى الكون، إنها جميلة ورقيقة بشكل لا يوصف، لما لا يتزوجا وينتهي كُل شيء؟

فتلك الخصلات التي ترفعها بإهمال بمشبك الشعر لـ تتمرد وتتناثر حول وجهها بنعومة لتعطيها مظهرًا ساحر أكثر رقة عن ذِي قبل تجعله يجن في رغبة جامحة كي يلملم كُل هذا بين يديه ويستنشقه بانتشاء عوضًا عن هذا العذاب ورفرفة قلبه مع كل خصلة تتطاير أمام عينيه..
يحسد كثيرًا جميع النساء التي تقترب منها، يحسد ملابسها التي تحتضنها و تدفئها عِوضًا عن صدره هو..

يُجب أن يقترب منها ويجعلها تحبهُ قبل أن يأخذها منهُ ذلك السعيد الذي متأكد أنهُ سيكرهه إن رآه، لكن تلك الأفعال الغبية التي لا يكف عن فعلها وجعلها تكرهه أكثر هي من تُدمر كُل شيء مثلما سيفعل الآن تمامًا كي يقوم بذلها، فقط لأن الغباء شيءً مُتأصلًا به..
تقدم منها بهدوء لتعود إلى الخلف تلقائيًا بجزع وهي تنظر له باضطراب وعين زائغة وهي تكاد تبكِ جعلتهُ يتوقف عن التقدم قبل أن تبدأ وصله بكائها..

قال بـ لُغة آمرة وهو يأشر على الدلو: الجردل اهو ودي القماشة عايز الأرض دي تلمع دلوقتي..
هزت رأسها باستنكار وعدم فهم وهي تنظر له كأنها لم تسمع هذا ليعيد قوله بهدوء وهو يرتب غُرتها بابتسامة صفراء: يعني امسحي الأرض دى طوئيها ايه اللي مش مفهوم في كلامي؟، ثم ضحك بخفة وهو يضيق عينيه وقال بسخرية: طبعًا كُل كلامي هيبقي مفهوم انتِ مش من هنا برده!

نظرت إلى الأرض قليلًا ثم إلى ذلك الدلو بتعجب هل يمزح معها؟ هي لا تفعلها في منزلها كي تفعلها هُنا هذا حُلم يُجب أن يُضاف إلى بقية أحلامه!
رفعت رأسها ونظرت حولها تتأكد من عدم وجود خادمه بجانبها ثم حدقت في وجهه بتمعن رُبما يمزح بسخافة كما يفعل لكن ملامحهُ كانت جدية بينما عيناه كانت تقول شيءً آخر وهي تخترق عسليتها بتروي وبطء دون أن يحيّد بنظراته عنها..

اضطربت واخفضت وجهها وهي تزدرد ريقها بحلق جاف وقد تدرج وجهها بألوان قوس قزح عجزت عن رؤيته بينما كان واضحًا أمامه وضوح الشمس ولم يزده هذا سوى بجعل ابتسامته العابثة تتسع أكثر وخضراوية تتوهج أكثر فأكثر دون أن يبعد نظره عنها أربكها بقوة وجعلها تترنح إلى الخلف وهي تدور بمقلتيها في أنحاء الغُرفة عدي عينيه بارتباك، يبدو أنهُ سيتسلي معها كثيرًا! إنها خجولة حتى أن تلك الحمرة التي لا تدل سوى على خجلها ونعومتها وصلت إلى عنقها يا إلهي! هو فقط يحملق بها فقط يحملق!

لملمت شتات نفسها وتنفست بانتظام ثم نظرت له وصدرها يعلو ويهبط في عنف وقالت بنبرة مهزوزة وعيناها تلمع كـ طفلة: عـ، عمّار، انت قولتلي من يومين انك هتساعدني عشان أمشي امسح ايه دلوقتي؟
هز رأسه متفهمًا وقال بهدوء وهو يرفع حاجبيه: أنا قولت هساعدك! انا هساعد ليلي لكن انتِ دلوقتي مش ليلي..
قطبت مابين حاجبيها بعدم فهم وسألته باستفهام: اومال انا ايه؟

قال بهدوء وهو يبتسم: انتِ دلوقتي بنت النتِن عشان كده هتمسحي، إهتزت مُقتليها شاعرة بالحرقة داخل عينيها وهي تبلع غصتها، فهي لا تشعر بالذل بسبب هذا اللقب بقدر شعورها بالنفور بسبب انتمائها إلى تلك العائلة وسريان دماء ذلك الرجل داخل عُروقِها، فهذا لا شيء تفتخر به بتاتًا..
أخفضت وجهها وهي تمنع عِبراتها من التساقط ثم سألته بنبرة هامسة بالكاد خرجت و مرتجفة: وهبقي ليلى إمتي؟

ابتسم وقال بهدوء وهو يمد يده ورفع ذقنها بإبهامه كي تنظر له بزوج العسل خاصتها: لما تكوني ليلى هتعرفي لوحدك من المُعاملة المتخلفة..
ضحكت رغمًا عنها وهي تهز رأسها كي تبعدها عن وقع يديه القذرة ثم قالت بمقتٍ شديد مُزِج بسخرية: صدقني هي هي نفس الهمجية؟ ويمكن بتعامل ندى أحسن كمان من غير تطاول لأ بجد صدقت انك بتحبها!

أومأ بخفة وهو يبتسم ثم سألها بسخرية متصنعًا التفكير: بس ايه رأيك فيا وانا حبوب؟، نظرت لهُ بحقد لـ يسترسل الحديث بتسلية: مش مهم أعرف أنا عارف رأيك فيا كويس، يلا بقى شمّرى البنطلون واقلعي اللكلوك الجميل ده عشان ميتبلش خُسارة..

انصاعت لأمره بصمت وهي تواسى نفسها بأنهُ لا بأس لن تموت إن فعلت هذا لن يحدث شيء، يُجب أن تجاريه ولا تتحدث هو مريض ولا حرج عليه، يستحق هذا العناء كي تبتعد عنهُ وعن بطشه يستحق منها أن تفعل أكثر من هذا..
سقطت عبراتها وهي تضع الهاتف داخل جيب بنطالها ثم انحنت وقامت بثني بنطالها بهدوء عقبه خلعها لـ خُفِّها الصوفي ليظهر ذلك الخلخال الذهبي الذي يُزين كاحلها هدية حُسنه مازالت ترتديه..

ابتسم وهو ينظر إلى كاحلها ثم ركل الدلو بقوة ليسقط وتسقط المياه منهُ وتملأ المكان، ابتعدت إلى الخلف بجزع عندما اقتربت المياة من قدمها جعلته يضحك بسخرية وهو يراقبها ثم قال بدون تعبير مُحذرًا للمرة الأخيرة: اتفضلي امسحي عشان الأرض بتزحلق..
سارت وسط المياه بخنوع كي تلتقط قطعة القماش المُبللة جزئيًا مع دخول عشق إلى الغُرفة وهي تتثاءب..

صرخت بهلع وهي تجد قدمها تنزلق لكنها تشبثت في الباب بقوة وهي تحاول الإتزان ثم صرخت بغضب: مين الحيوان اللي مغرق الأرض كده إلهي تنكسر رقابته..
هرولت لها ليلى وساعدتها بالوقوف باتزان وهي تربت على ظهرها بخفة، بينما عشق كانت تهدأ من روعها وهي تأخذ نفسًا عميقًا مُغلقة العينين ثم فتحتها مع زفيرها وهي تنظر حولها بغضب ثم سألت باستفهام عندما ناظرتها من أعلاها لأخمص قدميها: هو في ايه؟ ومشمرة ليه؟

قالت ليلى بهدوء وهي تبلع غصتها: عشان همسح..
رفعت عشق زاوية شفتيها باستنكار ثم قالت بنبرة تهكمية: تمسحي ايه هتهـ..؟
قاطعها صوت عمّار البارد جعلها تلتفت بتفاجئ بسبب وجوده: خليكِ في حالك..
استدارت و رمقته بنظرة قاتلة غاضبة جعلته يتابع باستفزاز: مضايقة عليها أوي امسحي انتِ!

اكفهر وجهها بغضب وكادت تتحدث باعتراض وتشتمه لكن ليلى أمسكت يدها وضغطت عليها جعلتها تصمت وهي تبتسم لها ثم قالت بهدوء: مش هيحصل حاجة يا عشق عادي مش هيحصل حاجة..
وتركتها وانحنت على قطعة القماش لكن يد حانية منعتها عِندما رفعتها من ذراعها بقوة مع قولها بتهكم إلى عمّار: اتجنيت ولِّيه؟ ولا يكونش جاك خابط فى نفوخك يا مجنون انتِه؟

تنهد عمّار وهو يلوك بلسانه داخل فمه، لقد انتهي كل شيءً الآن ولم تسمح لها والدته أن تُنظف لن تسمح لها، بالتأكيد تلك فعله صباح الثرثارة التي تقف تختبئ خلفها بخوف يعلم هذا..
قال بهدوء وهو يقف باعتدال: النضافِة من الإيمان اتجنيت ليه عاد؟

نظرت له نادين بغضب وهي تعقد يديها أمام صدرها بعدم رضى إنهُ سيء حقًا، بينما تالين كانت تقف بجانبها ولا تقل غضبًا عنها وهي تتمتم ببعض الكلمات غير المفهومة وعشق لا تحتاج إلى توصيةً به، أما ليلى فهي كانت تحتمي بـ حُسنه وتقف بجانبها فهي الأجمل على الأطلاق وقد أنقذتها الآن..
أما حُسنه كانت غاضبة بشدة بسبب سذاجته في الحديث وافتعال تلك المتاعب كي يريح عقله المريض بسبب أفكار غبيه برأسه..

قالت له بعصبية وهي تأشر على الأرض: زي ما غرجت الأرضية ديّ نشِفها دلوك بالشليتِه، نظر عمًار حوله وهو يرفع حاجبيه ثم سألها باستنكار: مين؟ بتجولي مين؟
أعادت قولها بحدة ولُغة آمرة: نشِف الأرضية ديّ دلوك، ضحك بخفة وهو يمسد جبهته فهي تمزح معهُ بالتأكيد، هم عائلة مرحة يعلم هذا..
تركتهم عشق واتجهت إلى الخارج عندما شعرت بالإختناق والإعياء فجأة لتصطدم بصدر قُصيّ وهو يثب إلى الداخل..

ابتسم وكاد يحاوطها لكنها تابعت سيرها وهي تطرق برأسها دون أن تعبأ به وصعدت إلى الأعلى بترنح تحت أنظاره المتعجبة، ماخطبها؟ لم يراها منذُ يومين وهكذا تقابلة؟ هل هي جادة ولم تعد تُحبهُ وستذهب حقًا..
دلف وهو يناظر الجميع بتعجب وكاد يتحدث لكن قدمه انزلقت وسقط على ظهره بألم، توقف آدم أمام الباب وهو يضحك ممتنعًا عن الدخول كي لا يكون مصيره مثل صديقة..
صرخ قُصيّ بـ عمّار بغضب: انت ياحلوف تعالي قومني!

تقدم منهُ عمّار على مضض ومد يده ليمسك بها ليجده يجذبه إليه مع إصطدام دُفعة من المياه الباردة فوق جسديهما مرة واحدة..
شهق قُصيّ بتفاجئ بسبب البرودة كمن تعرض للخيانة الآن بينما عمّار كانت نظراته تحرق صباح حية..
أسقطت الدلو من بين يديها وقالت بخوف: اني بنفذ الأوامر يا سيدي سِتي اللي جالت وركضت تختبئ خلفها..
صرخ بها بغضب: تعالي نشفي الأرضية ديّ..

أوقفتها حُسنه قبل أن تذهب وقالت بتهكم: محدش هيحط يده في حاجة واصل نضِفها وانت واصحابك واحنا هنُفطر في المطبخ تكونوا خلِصتوا، ثم صمتت ونظرت إلى آدم جعلته يزدرد ريقة بقلق لتقول بابتسامة: انتِه طيب انتِه متعملش معاهم حاجِة راجِبهم بس، وتركتهم وتحركت إلى الداخل ونادين خلفها تضحك بسعادة بعد أن نظرت لهما بتشفي وهي تبتسم، ثم تالين بعد أن استرقت النظر إلى آدم أثناء ابتسامتها لتجده لا يعبأ بها ولم يكلف نفسه حتى ورفع نظره لها..

أما ليلى قد إستأذنتها وعادت بخطواتٍ بطيئة تسير فوق المياه وخلخالها يرن برقة كـ خطواتها، يعتلي ثغرها ابتسامة انتصار وهي تسترق النظر لهُ بطرف عينيها، انحنت وأخذت خُفيها وهي تبتسم ثم هرولت إلى الداخل..
نظر قُصيّ حوله باقتضاب ثم سأله بتهكم: مُتأكد إن هي دي اللي ربتك وبتحبك وكده ولا ايه النظام؟
غمغم عمّار بغضب وهو يلعن نفسه بسبب فعلته التي انقلبت عليه، لِمِ الجميع يُحبها هكذا لِمَ؟.

إلتقط قطعة القماش بضجر، قام بعصرها داخل الدلو وأعاد وضعها على الأرض يلملم بها المياه واستمر بفعل هذا..
توقف فجأة عِندما أبصر قُصيّ وهو يجمع المياه بين كفيه وتتساقط نصفها في الطريق أثناء تحريك يده ثم يلقي بما تبقى في الدلو ولا يكون سوى بضع قطرات فقط..
هز رأسه مُستنكرًا ما يفعله صديقة الأبله وسأله بتهكم: انت بتعمل ايه؟

قال بهدوء وهو يحدق في كفيه بجزع وترقب أثناء اقترابه من الدلو: بشيل الميه من الارض مش معايا حاجة انشف بيها..

شق عمّار قطعة القماش نصفين بغضب وهو يغمغم ثم ألقاها عليه وتابع تجفيف الأرضية بهدوء وهو يجثو على ركبتيه، فكما يبدو أنهُ سيراها ليلى أسرع مما تتوقع، فهو عاجز عن أذيتها وكان هذا التصرف صبياني مُثيرًا للشفقة وهو يطلب منها هذا حقًا! هذا مثير للشفقة كي يفكر به ليومين متتاليين ومن ثم يقع هو في فخه، هو غبيّ ولم يفكر بطريقة جيّده، كانت خطة فاشلة..

إبتسم عمّار بخفة وهو يفكر بعمق ثم هتف باسمه بهدوء: قُصيّ، همهم له وهو يعصر القماشة كـ سيدة منزل مُنغمسة في التنظيف ليتابع عمّار بنفس الهدوء: أنا بحبها..
إبتسم قُصيّ وسأله بسذاجة: بتحب مين فيهم ندى ولا ليلى؟
ضم عمّار قبضته فوق القماشة بـ غِل وصرّ على أسنانه بغضب وقال بتهكم: والله انت المفروض يعدموك في ميدان عام يا فصيل هُمه الاتنين واحد..

ضحك قُصيّ وسأله بمكر: طب بزمتك لو مكُنتش عرِفت إن دي ندى كُنت هتعمل ايه؟
قال بتفكير وهو يضم شفتيه: كُنت هتجوزها..
هز قُصيّ رأسه موافقًا وقال بتهكم وهو يكور قطعة القماش بين قبضته: وده لوحده يثبتلك انك بتحب ليلى مش ندى، يعني متقعدش تقرفنا و تدبسنا معاك بعد ما تفشل خطتك الفاشلة فهمت؟!
تنهد بضيق وقال بـ هم: أصلاً انا من ساعة ما عرفت انها ندى وانا حاسس اني بقيت فرخة بلدي..

عدل قُصيّ من قوله وهو يبتسم: لا انت بقيت عامل زي الفراخ البيضة التخينة دي اللي هي بتاكل وتبيض تاكل وتبيض..
ضحك عمّار وهو يلقي عليه قطعة القماش ليتسلل بينهما صوت ضحكة ثالثة..
نظر عمّار خلفه ثم سأل آدم باهتمام عندما وجده يقف بعيدًا ويرفع هاتفه ينظر داخله ويضحك: انت بتعمل ايه؟
قال آدم وهو يضحك بتسلية: بصوركم، شاهد فضيحة رجل الأعمال الشهير قُصيّ رشدان قبل الحذف..

قذف عليه قُصيّ قطعة القماش بسخط وقام بتهديده: لو محذفتهوش انا هحذفك من على وش الأرض إحذفه دلوقتي..
قلب آدم عيناه بعدم اهتمام ولامبالاه لكنه توقف وتوسعت عيناه بتفاجئ عندما قال قُصيّ بخبث: على فكرة مش هقولك إن تالين كانت بتبص عليك..
تنبهت حواس آدم ثم سأله بارتباك: بجد كانت بتبص عليا؟.

هز قُصيّ رأسه وقال مؤكدًا: أيوا كانت فاكراك هتبص عليها وكده فاكرة الرجالة لُقمة سهلة لكن لأ احنا جامدين اوي، امسح الفيديو بقي انا قولتلك..
هز رأسه بنفي وقال باقتضاب: لأ مش همسح، وتركهم وغادر..
زفر بنفاذِ صبر وهو يقف من مكانه ثم قال بإزدراء: انا غلطت لما صحِبت اشكال زيكم يا عِرر، وافرش السجاد لوحدك بقى انا رايح لـ عشق، وتركه وغادر وهو الآخر..

استفاق عمّار على قوله لأنهُ لم يكن معه من الأساس ثم صاح بصوت مرتفع: اشكال ايه يا معفن ياجربوع انت..
ضحك قُصيّ عِندما سمعهُ وتابع صعوده إلى الأعلى، فتح الغرفة التي تمكث بها ليلى بخفة لكن وجدها فارغة! نظر داخلها وبحث عنها رُبما تكون هُنا أو هُناك لكن يبدو انها في الغرفة الأخرى..

أغلق الغرفة واتجه إلى الغرفة الأخرى بتوتر كأنهُ ذاهبًا كي يأخذ عروسة ولا يعلم لِمَ ذلك الشعور داعب قلبه وجعله يبتسم وهو يتجه لها..
أدار المقبض وهو يدلف لتسقط عشق داخل أحضانه أثناء خروجها هي الأخرى، ابتسم بعبث وهو يحوطها لكن ابتسامته لم تكتمل عندما رأي شحوبها..
كوب وجهها بين يديه بقلق ثم سألها وهو يتحسس جبينها الحار: عشق انتِ كويسة؟ اخدك لـ دكتور وشك اصفر!

هزت رأسها بنفي وهي تبتسم بثمالة جعلته يتعجب وهو يتأكد أنها محمومة، دلف وأغلق الباب خلفه لتباغته بعناقها المفاجئ له وهي تدفن رأسها داخل عنقه..
ابتسم وحاوطها بقوة وهو يقول بعبث: على فكرة انا انسان مش مُحترم وهستغلك دلوقتي لو مبعدتيش..
فصلت العناق وهي تبتسم ثم قالت بنعومة وهي تداعب وجنته: انت حلو اوي يا قُصيّ..

حرك رأسه و قبّل راحة يدها برقة ثم قال بابتسامة عابثه: انتِ احلى يا قمري، بس قوليلى بقى انتِ شاربه ايه؟
ابتسمت بنعومه وقالت بخفوت: ولا حاجة! انت بس وحشتني بقالك يومين مش بتضايقني قولت اضايقك انا..
ابتسم ثم قبّل وجنتها بنعومة قائلًا بهمس: دي احلي مُضايقة والله..

ربتت على وجنته برقة وهي تتأمله بحب صانعة تواصلًا بصريًا معهُ مراقبة تلك النظرات التي تخترقها وتخترق حصون قلبها بعمق دون هوادة جعلت منهُ يثور داخل قفصها الصدري..
ابتسمت بخفة وهي تبعد يدها عنه ثم قالت بهدوء: يلا ننزل..
ضحك ببلاهة ثم خلع كنزته الصوفية المُبللة نسبيًا وقال بدون تعبير: شوف كيد النسا، بقي بتحسسي وانت جميل واضايقك بقالي يومين ماشوفتكش وتسبليلي وفي الأخر يلا ننزل! ها؟

عادت إلى الخلف بترنح وهي تراه يتقدم منها بجذعة العاري ونظراته تتأكلها و لا تنم على خيرٍ البته بعد إن أدار مُفتاح الغُرفة داخل المقبض وأغلق عليهم..

استرسل حديثة بتهكم وهو يطرقع أصابعه بنفاذِ صبر: عايزه تطلعيني وِحش ومش مُحترم صح؟ بتجريني للرذيلة وتقوليلي في الأخر عيب! بس انا فعلًا وِحش ومش مُحترم وهبوس النهاردة يعني هبوس وتعاليلي بقي، وركض خلفها في أنحاء الغرفة لبعض الوقت حتى أمسك بها وهي تلهث من فرط التعب، وفقدت حصونها واستسلمت له لتنتهي اللعبة..
قُبيل المغرب بقليل في منزل تغريدة..
تنهدت بحزن وهي تُراقب جاسم وهو يضع حقيبته في السيارة..

طلبت منهُ بنبرة عليها عليها الحُزن: خليك يومين كمان ياجاسم..
ابتسم وهو يُغلق باب السيارة الخلفي ثم قال أسفًا: كان نفسي بس بجد لازم أمشي مش متعود اسبهم فترة طويلة لوحدهم بس اكيد هكرر الزيارة تانى فى اقرب وقت وهُمه يكونوا معايا مش لوحدي..
هزت رأسها بإيماءة بسيطة وهي تبتسم ثم ربتت على ذراعة بخفة وهي تقول بحنو: في أمان الله..

إبتسم مودعًا ثم أوصاها: تبقي سلميلي على جوزك عشان شكله هيتأخر في الجامع، ثم صعد سيارته وانطلق فالطريق مازال طويلًا أمامه..
في منزل عمّار وخصوصًا في الغرفة في الأعلى..

كان قُصيّ مُستغرقًا في النوم يدفن رأسهُ في منتصف الوسادة بينما عشق كانت تنام بجانبه تضم الغطاء فوق جسدها العاري وهي تنظر له بتثاقل دون أن تطرف بعيناها قط، فقط تحاول فهمه لأنهُ أتعبها وكُلما ظنت أنها فهمته تراه شخصًا جديدًا وخصوصًا الآن لقد تغيّر ولا تعلم ماخطبهُ..

إنهُ مُختلف! وتصرفاته معها مُختلفة تجعلها مُشتته بشأنه، هو لم يشعرها اليوم مثل كل مرة! كان مُختلفًا، كان حانيًا، كان أكثر دفئًا عن ذي قبل؟ كان مراعي لها أكثر من أي وقتٍ مضى حتى أكثر من ليلتهم الأولى معًا!.

هي لا تفهمه حقًا وهو لايعرف تأثير تلك التصرفات عليها!، هي بسيطة بالنسبةِ لهُ لكنها تعني لها الكثير وتتلاعب بمشاعرها وهي ليست سوى عاشقةً لهُ و تتمنى فقط أن تبقى معهُ إلى الأبد وهو لا يُساعدها لا بذهابها ولا ببقائها..

قبلًا كانت تشعر وتلاحظ رغبته و تعطشه وحاجته إلى جسدها فقط! لكن اليوم كانت هي أولوياته وليس رغبته، لم تشعر بالرخص اليوم، فهو يتغيّر رغمًا عنهُ وقد فعل هذا لأنهُ أراد فعل هذا، كان بحاجة إلى أن يفعل هذا حقًا! وهي فقط كانت أنثى ناعمة وعاشقة بين يديه مِثل كُل مرة، وقد بدأت تُصدق أنهُ يُحبها حقًا..

تنهدت بتعب ثم تركت الفراش ودلفت إلى دورة المياه تغتسل، خرجت بعد بعض الوقت، ارتدت ملابس دافئة و جففت شعرها ثم جلست بجانبه على طرف الفراش..
نظرت له بحنو لتلاحظ تصلب جسده وملامحه البادي عليها الانزعاج أثناء نومة، مدت يدها لتغلغل أناملها داخل شعره تداعبه بحركة ناعمة جعلتهُ يسترخي أكثر وهو يهمهم براحة قائلًا وسط نومه بهذيان دون أن يدري: عشق..

ابتسمت وادمعت عيناها وهي تنظر له بحنان بالغ، هل حقًا يُحبها ويُفكر بها أثناء نومه أيضًا؟
فتح عينيه بثقل وهتف باسمها بثمالة: عشق؟
محت عبراتها سريعًا وربتت على رأسه بحنان وهي تقول بابتسامة مهزوزة: نعم يا حبيبي..
رفع نفسه وأحاط خصرها بقوة وهو يسحبها إلى أحضانه ومن ثم أراح رأسه على صدرها وتابع نومه وهو يضمها..

استكانت وهي تسند ذقنها فوق رأسه وظلت تربت على شعره بحنان تارة وتارة أخرى كانت تقبل رأسه بحنان بالغ..
بينما في الغرفة المجاورة..

كانت ليلى تجلس على الفراش تقرأ روايتها البائسة ذات النهاية الحزينة بتأثر، فهي لا تكل ولا تمل منها نهائيًا بالرغم من قراءتها أكثر من مرة ومعرفتها لتلك النهاية البائسة بموت بطلها بعد معاناته كثيرًا حتى اجتمع مع حُب حياته، لكنها رغم كُل هذا مُمتعة وجميلة وستظل مُفضلة لديها وستظل تقرؤها دون ملل!.

لا تعلم لما خطر لها عمّار فجأة الآن، لكن خبر موته رُبما سيكون جيّدًا لو سمعتهُ في تلك الأجواء الكئيبة، هي لا تعلم إن كانت تكرهه إلى تلك الدرجة! لكنها متأكدة أنها تبغضه كثيرًا..
أما نادين كانت تجلس بجانب ليلى أسفل الغطاء تعبث في الهاتف بتوتر وهي تُراسل أحد أصدقائها..

بينما تالين كانت تجلس داخل الشرفة وتحوط جسدها بغطاء ثقيل ومعها دفترها وقلمها، هي لا تستغني عنهما ابدًا وهاهو هاتفها تفتحه وتنقل منه بعض المُحاضرات وتدرس، فالفراغ سيقتلها وقد فقدت آدم الذي يقوم بتسليتها معظم الوقت، وهذا جعلها تفكر وهي تضع القلم فوق شفتيها تتساءل عن مكانه آدم لديها؟

هل هو المهرج الذي يضحكها؟ فيروس السعادة خاصتها؟ حبيبها؟ لا تعلم هي فقط ترتاح معهُ وتكون على طبيعتها كثيرًا دون تصنع أي شيء..
وهذا يُريحها بسبب طبقتهم التي تحتاج إلى كثير من التصنع وخاصتًا اللباقة الزائدة والتصرف كـ أميرة! وخصوصًا أمام والدة زوجها شهيرة..
أما آدم فهو غافيًا من وقتٍ داخل الكوخ الخشبي ولا يدري بما يحدث حولهُ..

أما عمّار فهو خرج الآن من غرفة الرياضة خاصته، جذعة عاري شديد التعرق رغم البرودة، عضلات جسده مشدودة متصلبة بعد إخراج طاقته السلبية في الداخل، تقدم من المسبح والعرق يشق طريقة إلى صدره الذي يعلو ويهبط بانفعال..
قفز في المسبح وأخذ يقطعه ذهابًا وإيابًا دون توقف يتشاجر بيده مع المياه يرفع رأسه كل برهه وأخرى يلتقط أنفاسه ثم يعود إلى الغوص أسفل المياه بقوة..
إن كان في سباقًا الآن بكل تأكيد كان سيفوز به..

أغلقت عشق الباب خلفها بهدوء كي لا يصدر صوتًا وهي تنظر إلى قُصيّ الغافي بحنو ثم وضعت يديها في جيب معطفها وذهب إلى الخارج لأنها تُريد أن تسير قليلًا وحدها..
توسعت عينا الغفير عندما أبصرها تخرج من الباب الحديدي الضخم، ركض خلفها استوقفها وهو يقول: يا سِت هانم يا سِت هانم ممنوع الخروج من غير إذن من سِيدي؟

قلبت عيناها وقالت بهدوء: لما حد يسأل عليا قوله خرجت تتمشى وجاية مش هطير يعني، وتركته وغادرت قبل أن يضيف شيءً آخر، ركض إلى الداخل سريعًا من اجل أن يخبر أحدهم كي لا يتم توبيخه في النهاية..
أوقفه آدم وهو يتثاءب عندما رآه يأتي: انا شوفت هقوله روح شوف شغلك انت، هز رأسه موافقًا وعاد ادراجة أمام البوابة..

توقف جاسم في منتصف السوق ثم أغلق المقود وهو يتأفف بعصبية بسبب ضياعه في منتصف السوق، هذا ليس الطريق الذي أتي منهُ هو غبي لأنهُ لم يسأل، ظن أن خروجه مُبكرًا قبل الظلام سيجعله يذهب في سلام لكن الليل حل وهو عالقًا الآن في منتصف السوق ولا يعلم بدايته من نهايته..
أدار المقود من جديد لكنهُ اطلق صوت صرير متحشرج ولم يدور، ماهذا؟ يبدو أنهُ بحاجةٍ إلى بنزين..

زفر جاسم بضيق وانحني بجذعة كي يربط رباط حذائه المفكوك وهو يضغط على زر كي يفتح باب السيارة الخلفي لـ تمُرعشق في ذلك الوقت بجانب السيارة وعن طريق الخطأ ضربت المرآة بـ مرفقها وهي تخرج يدها من جيب مِعطفها وتابعت طريقها..
رفع جذعة وهو يتنفس بعصبية ثم ترجل من السيارة وأخذ من الخلف زجاجة موضوع بها بعض البنزين ثم عاد إلى المُقدمة وفتح السيارة من الأمام وقام بوضع البنزين داخل المُحرك..

صفق الباب بضيق ثم استقل مقعده أمام المقود وأدار السيارة لـ تتحرك معهُ وذهب في طريقه ببطء قاتل لأعصابه بسبب الطريق المزدحم إلى الآن لِمَ؟
فهذا هو الوقت الذي يعود به الجميع إلى المنزل مع أغنامهم والبهائم الخاصة بهم بعد التجول طوال اليوم بهم في القرية أو بعد نهاية جلوسهم في الأرض التي يرعونها ويقومون بذراعتها ثم يذهبون مع ذهاب الشمس..

توقفت عشق محلها بخوف عندما سمعت رجل يصيح بصوت مرتفع: الجاموسِة فكِت الجاموسِة فكِت
تجمدت محلها وشحب وجهها وهي ترى تلك البهيمة السوداء تأتي ركضًا من بعيد هي تطوح برأسها إلى الجانبين كـ ثور، لقد أصبحت قريبة الآن وهي أول من سوف تموت، جلست القرفصاء بخوف وهي تضم جسدها مُستسلمة إلى مصيرها المحتوم لـ تغيّر البهيمة اتجاهها وتخطّتها عندما سمعت بوق السيارة المزعج..

استفاقت من جمودها على صوت بوق السيارة المرتفع الذي حثها على الابتعاد، وقفت وهي تتنفس بلهاث ووجه شاحب خُطِف لونهُ، عادت إلى الوراء خطوتين لتصطدم بمقدمة السيارة التي توقفت عندما أبصرها السائق تجلس القرفصاء في منتصف الطريق هكذا!.
استدارت سريعًا بخضة لتفقد توازنها وكادت تسقط لكنها أسندت يديها فوق مُقدمة السيارة وهي تغمض عيناها بسبب الدِوار الذي داهمها..

ارتجف قلب جاسم وارتجفت يديه فوق المقود وكادت عيناه تخرج من محجريها وهو يبلع غصته عِندما رآها تقف أمامهُ تخفض وجهها و خصلاتها السوداء الداكنة ثائرة ترفرف حول وجهها بنعومة، انها عشق! هي حقًا! هو لا يحلم بالتأكيد لا يحلم ولا يهذي إنها هي حقًا، عشق..

انعقد لِسانه غير قادرًا على النُطق ولا لفت نظرها حتى من تفاجئه بها!هذا مُفاجئ حدّ الذهول إنها هي دون أن تكون مُحجبة أو متغيّرة هي عشق نفسها التى كانت تحزنهُ دومًا! وهو يُريدها هكذا لا يُريدها أن تتغيّر وتكون مثلما يُريد هو يُريدها هي نفسها كما هي، لقد تعلم الدرس ولا يعبأ سوى بها هي حقًا..

بالرغم من راحته التي لا توصف مع تلك التي لا يعرف من هي وكيف سيتصرف معها عِندما يعود؟! هو يريد عشق، عشق من أحبها وليست تلك التي تشبهها حدّ التطابق! هو يُريد إبنة خالته كيفما تكون..
لكن هيئتها ووجهها حقًا مطابقًا للتي في المنزل لديه تمامًا كأنها شخصًا واحد! فإن إرتدت حجابًا ستكون هي؟ وهذا مُحيّر..

هو لا يعلم حقًا أيشعر بالخذلان من نفسه بسبب عدم قدرته على التفرقة بين كلتيهما! أم بسبب عجزه في أن يصبح صديقًا مقربًا لها كي تخبره بكل مايضايقها ويحزنها عِوضًا عن الهرب! أم يؤنب نفسه بسبب سعادته بتغيّرها والإنجراف بمشاعره نحوها أكثر وهي ليست عشق! هل كان غبيًا أم أن العمى أصابهُ فجأة ولم يرى سِواها! أم أن حُبه كان تعلقًا أكثر من كونه حقيقيًا؟!

فتح الباب وهو يلملم شتات نفسه ثم صرخ باسمها جمدها محلها وهو يترجل من السيارة بلهفة: عشق، عشق..
جحظت عيناها وشهقت وهي تضع يدها على فمها عِندما عرِفت لمن تابع هذا الصوت، تقهقرت إلى الخلف وهي تهز رأسها بنفي غير قادرة على الحديث أثناء تقدمه منها وهو ينظر لها بعتاب وشوق وحزن وكثيرًا من اللوم وهو لا يُصدق ولا يعرف أين ينظر حقًا لقد اشتاق لها كثيرًا..

تساقطت عبراتها بألم هي تنظر داخل عيناه التى إتخذها الحُزن موطنًا لهُ ثم قالت له بنبرة مرتجفة آسفة: أنا آسفه، واستدارت سريعًا وركضت بكل قوتِها كي تبعد عنهُ..
ركض خلفها وهو يصيح بصوت مُرتفع مُعذب مزق نياط قلبها عليه: أُقفي ياعشق انتِ بتهربي مني ليه؟ يا عشق! يا عشق!

توقف لاهثًا ثم عاد ركضًا إلى السيارة وقاد بسرعة كي يلحق بها، هي ماذا تفعل هُنا؟ يبدو أن تغريدة معها حق لقد كانت هي من رأتها في السوق لكن مع من و اين تمكث؟ ولِمَ تهرب من الأساس هو بماذا أخطأ هو ووالدته معها كي تهرب؟!
توقفت أمام أحد الرجال الجالسين أمام مقهى شعبي يضع قدم فوق الأخرى وهي تلهث بقوة..

نظرت خلفها لتتأكد أنهُ مازال يلحقها ثم استنجدت بالرجل وهي تقول بخوف: إلحقني الراجل اللي في العربية ده عايز يخطفني عايز يخطفني إلحقني..
توقف الرجل ذات الملامح القاسية مالك المقهى وصاح برجالة أن يأتوا بجانبه وقام بسد الطريق وقطعه أمام سيارته كي يتوقف..
أخرج جاسم رأسه من النافذة ثم صاح بهم بغضب وأعصاب تالفه: ابعدوا عن الطريق عايز اعدي..

تقدم منهُ الرجل بملامح غاضبة عِندما ظنّ أنهُ من أهل القرية لكن سأله باقتضاب عندما لاحظ كونه غريبًا عن هُنا: وعايز تروح فين عاد؟
صرخ جاسم به بعصبية مُفرطة وهو ينظر إلى عشق التي تقف بعيدًا تبكِ بسبب أخطائها التي لا تتوقف وهاهي ستقوم بـ أذيته وتركض: انت مالك انت اروح فين؟

جأر الرجل بغضب ثم فتح باب السيارة بقوة وجذبه من حاشية ملابسه بعنف وهو يقول بغضب: انت بترفع صوتك علي مين يا محروج انتِه؟ مش كفايِه انك ناجص وعديم الرجولِه وبترمح ورا حُرمة..
دفع جاسم يديه بغضب وقال بحدة: دي مراتي!
ضحك الرجل بسخرية وقال بتهكم: ومَرَتك بتُهرب مِنيك ليه عاد وجايِه تجولي إلحجني هيخطوفني..
أبعد نظره عنهُ ثم نظر إلى عشق بترجي وقال باستنكار: عشق انتِ بتعملي كده ليه؟

هزت رأسها وهي تتأسف له بداخلها وعيناها لم تتوقف عن ذرف الدموع قط ثم ركضت مبتعدة عنهم حتى إختفت عن وقع انظارة..
دفعه جاسم من أمامه بغضب وهو يهدده: ابعد وفضي الطريق بدل ما ادوسك انت والمقاطيع بتوعك..

لكمهُ الرجل بغضب جعل وجهه يلتف إلى الجهه الاخرى، زمجر جاسم بغضب وهو يرفع وجهه مُكفهرًا من غضبه الجامح ثم سدد له لكمه مماثلة اطرحتهُ أرضًا، التمّ رجالة حولهُ ثم أوقفوه وهم يسبون جاسم سُباب لاذِع وحاصروه لـ يباغته أحدهم بضربه من خلف ظهرة أسقطته أرضًا ثم التف الجميع حولهُ و ابرحوه ضربًا بالتناوب والكثرة تغلب الشجاعة..
في المنزل..

طرق الباب بتهجم كاد يخلعه من محله وهو يسبه بأبشع الألفاظ: افتح يا وربي لو طلعت معاك في الأوضة هولع فيك يا افتح الزفت ده..
اتي آدم مهرولًا عِندما سمع صوته الغاضب ليمتص ذلك الغضب بقولة: مفيش حد معاه خرجت تتمشى من بدري..
زفر عمّار وسأله باقتضاب: وقبل ماتخرج كانت فين ده قالي من الصبح إنه طالعلها؟!
هز آدم رأسه بجهل وسأله باستفهام: بس هو يلحق في الوقت ده؟

نظر له عمًار بتفكير وقال بهدوء: مش عارف مجربتش قبل كده؟
هتف قُصيّ من الداخل بتشفي وهو يضحك: ولا عمرك هتجرب يا معنس انت وهو يا عواجيز الفرح..
صرّ عمّار على اسنانه بغضب وقال وهو يضرب الباب من جديد: لا وانت ماشاء الله مهلل ياخاين أخرج وريني وشك..
قهقهة قُصيّ وهو يدير المقبض بعد أن ألقي نظرة مُتفحصة على الغُرفة بعد ترتيبها جيّدًا..

فتح بهدوء وخرج لـ يجذبه عمّار من ياقته بقوة وقبل أن يتحدث توسعت عيناه وسأله بحدة وهو يهزه بين يديه: شعرك مبلول ليه؟ خدت دُش ليه ها؟
برر له بهدوء وهو يضرب كتف آدم الذي يضحك بتسلية: مش كُنت بمسح معاك عشان تعرف انك ظالمني بس..
تركه بضيق وهو يغمض عينيه بقوة يستغفر ربه ثم فتحها من جديد وحملق به بشك جعلهُ يزفر وهو يقول بضجر: لأ ماهي مكنتش دُخلتي هي في ايه؟

كاد يرد عليه لكن قطع عليهم الحديث صعود عشق على الدرج بوجه شاحب وخطوات متعثرة كادت تسقطها أكثر من مرة..
توقفت أمام قُصيّ دون أن تعطي إهتمام لهما وقالت بخوف وهي تضغط على يده وعِبراتها تنساب على وجنتيها: قُصيّ جاسم هنا شافني، شافني في الطريق انا لازم امشي لازم امشي، وركضت إلى الغُرفة قبل أن ينطق بحرف وتركتهُ يقف في الخارج يستوعب حديثها وهو يطرف بعينيه وعمّار وآدم يتبادلان النظرات..

أخذت حقيبتها بيد مرتجفة وأعصاب تالفة وخرجت من الغرفة وهي تبكِ بانهيار، أمسك قُصيً ذراعها أوقفها وهو يسألها باستنكار: رايحة فين؟
شهقت وهي تقول بنبرة مرتجفة خائفة: جاسم شافني وهيجبني وهيعرف اني هنا لازم امشي لازم امشي، وتركته وغادرت، لكنه شدد قبضته حول ذراعها أوقفها مُجددًا وهو يغمض عيناه بنفاذِ صبر ثم قال من بين أسنانه: استنى عندك يعني ايه تمشي؟ انتِ جاية معايا!.

صرخت به وهي تنتحب قائلة بخوف لم يراه من قبل: خلاص يبقى تمشى معايا..
إقترب وكوب وجهها بين يديه وسألها بصوت مُنخفض: انتِ خايفة كده ليه؟
شهقت وهي تهز رأسها بأسى بين يديه ثم قالت بحرقة: لو مِسكني هيعرف كُل حاجة وانا مش عايزه أجرحه هو ميستاهلش ميستاهلش حاجة خالص من اللي بتحصل دي ميستاهلش، انت مشفتهوش بيبصلى ازاي يا قُصيّ أنا مش هقدر أواجهه مش هقدر..

ترك وجهها وحزن عميق استعمر قلبه، هل هذا هو السبب؟ هل أصبح جاسم هو كُل ما يُهمها! لِمَ خانته إذًا وكُل يوم تخبره أنها تحبهُ إن كان جاسم مهمًا بالنسبةِ لها إلى تلك الدرجة؟ ولما هو حزين لأنها تهتم؟ لقد وعد نفسهُ ألا يُحبها وألا يتأثر بأي شيء يخُصها، لكن جميع ما يحدث بداخله مُعاكسًا إلى قوله بطريقةٍ مؤلمة، هل هذا هو ألم الحُب الذي يتحدث عنهُ الجميع؟! إنهُ يشعر أن داخل صدره لهيبًا مشتعلًا يحرق روحه بسبب بكائها عليه بتلك الطريقة!

توسعت حدقيتها بانفعال وهزت رأسها بنفي وهي ترى نظرته تجاهها، لقد فهمها خطأ وهي تعلم ما يدور داخل عقله الآن، هي تحبهُ وستظل لا تُريده أن يفهمها خطأ لا تُريد أن يفهمها خطأ..
مرر يده على وجهه وهو يتنفس باختناق يفكر ماذا سيفعل ليقاطع كل هذا تفوه عمّار بما لايُجب أن يتفوه به وأمامها بكل هذا التهكم: وطالما خايفة عليه اوى كده بتخونيه ليه؟.

ارتجفت شفتيها وتوقفت عن البُكاء بأعين زائغة وكأن دلوًا من المياه الباردة سقط فوق رأسها، سقط نظرها على آدم وهو يلكز عمّار بمرفقة بضيق، هل يعلمان؟ هي خائنة بنظر الجميع، الجميع يعلم بشأنها!.

تعلم أن وجودها غير مُبرر والجميع يعلم أنها ليست خطيبته ولا معقود قرانهما! لكن كان يمكنهُ أن يقول أنها صديقة وكان الجميع سوف يصدق لأنها لم تكن تقترب منهُ طوال الأيام السابقة، أو حتى حبيبته أي شيء غير الحقيقة، هي ظنت أنهُ قال أي شيء لكن لم تتخيل ولم يطرق سقف توقعاتها أنهما يعرِفان إلى هذا الحد!

لقد سألته مرة عِندما أتت عن ماهية علاقتها به أمام أصدقائه وبأي صفه هي معهُ وعن كونه أخبرهم كل شيء وهي ستكون رخيصة بنظرهم! لكنهُ أجابها ببساطة أن كُل واحدًا منهم ملهي ومشغول في حياته كي يفكرون بها! هي لم تستوعب الجملة سوي الآن! هي صمتت وظنت أنهُ لم يتحدث من الأساس لكنهُ أخبر الجميع، بالطبع سيفعل فهو لم يأتي إلى زيارة صديقة الذي يمكث في المُدن الساحلية كي لا يعبأ بمن يدخل إلى منزله! لا بل هُنا في الصعيد، لكن لِمَ أخبرهم أنها خائنة ألا يكفي أن يعرف هو ما يحدث؟ ما دخل أصدقائه؟!

ابتسمت بانسكار وعيناها تفيض من الدمع وهي تنظر إلى قُصيّ الذي لا يعرف كيفيه التصرف الآن..
هي فهمت الآن فقط موقف عمّار عِندما وجدتهُ أمام الغرفة أثناء هروبها من قُصيّ وكيف ظل هادئ دون أن يتحدث، لقد كان يعلم كُل شيء، هي فقط من وثِقت به أكثر مما ينبغي وظنت أنهُ شخصًا جيّد سوف يحافظ على صورتها على الأقل أمام أصدقائه لأنها تخصهُ..

لكن فقط كيف يكون جيّدًا؟! كيف يكون جيّدًا وهو خائن مِثلها تمامًا هذا أقل ما قد يصدر منهُ لأنها ببساطة رخيصة!
هل قالت أنها تُصدق أنهُ يُحبها؟ حسنًا هي لا تراهُ الآن سوى حقير وستنسى أنها قد تعرفت عليه يومًا..
ولن تتوقف عن إيقاع اللوم على نفسها لأنها هي المسئولة عن وضعها وهي من وضعت نفسها بهذا الموقف..

هي فقط ضمت قبضتها الآن وضربت صدره بقوة مُعبرة عن كم القهر الذي تشعر بهُ بسببه وقد شعر به هو الآخر وهو يراها تذهب من أمامه وهي تبكِ بانهيار..
هو مُخطئ لأنهُ أتي بها إلى هُنا من البداية، لكن عمّار لِمَ تفوه بهذا لِمَ؟ من المفترض أن يخبره إن كان يكره وجودها بدلًا من جرحها بهذا الشكل، هذا بشع، ولا يُريد أن يخسره لن يتحدث معهُ ولن ينظر له، لن ينظر لأنهُ على وشك الإنفجار..

استدار وذهب إلى غرفة عمّار لأن بها حقيبة ملابسه، فهو لن يبقى من دونها..
ضرب آدم كتفه بقوة وهو يوبخه: انت غبي يا عمّار؟ انت مالك انت؟ بتدخل ليه اصلًا؟!
زفر وهو يمسح وجهه بغضب لأنهُ أدرك كم هو غبيّ وقال بضيق: خرجوني عن شعوري وانا شايفهم واقفين يتكلموا، هي بتعيط وهو متأثر أوي وهُمه الأثنين خاينين اصلًا وانا مش بحب الخيانة وبجد لازم يوضع حد للموضوع ده عشان أخرِته وِحشة بجد..

قال آدم بضيق وهو يأنبه: بيحبها يا عمّار عشان بيحبها ملكش دعوه!.
زفر عمّار وقال بضيق: أنا الوِحش صح؟ هروح اصالحه إوعي..
توقفت عشق أمام الغفير وهي تشهق كـ الأطفال تطرق رأسها بانكسار تحت انظاره المتعجبة ثم سألته وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة: لو، لو، لو سمحت..
رد سريعًا باهتمام: نعم يا سِت هانم..
طلبت منه بهدوء وهي تنتحب: ممكن، ممكن، تيجي معايا توصلني للموقف بتاع العربيات عشان مش عارفة هو فين؟.

أومأ لها سريعًا وقال بطاعة: طبعًا يا سِت هانم اتفضلي اتفضلي..
خرج قُصيّ من الغرفة وهو يحمل حقيبتهُ ليجد عمّار يقف أمامه، ابعد نظرة عنه وتجاهله وسار مبتعدًا لكن عمّار وقف أمامه وقال مُعتذرًا: بجد أنا أسف متزعلش مكنش قصدي، عارف إن مش من حقي أقول كده بس انا خايف عليك الطريق ده وِحش ولازم تنهي كل ده وتفكر كويس يا قُصيّ..

أومأ قُصيّ بهدوء وقال بدون تعبير: تمام، انا ماشي عشان شكلي تقِلت عليك، بس اعذرني عشان كُنت فاكره بيتي يا صاحبي..
زفر عمّار وقال بضيق: انت عارف اني مش قصدي كده ولو مِشيت دلوقتي مش هتعرف تنهي حاجة مش سهل انك تتخلي عن حد بتحبه بسهولة يا قُصيّ، خليك هنا دلوقتي ولو مش عايز تكلمني متكلمنيش بس خليك، انا خارج دلوقتي هرجع الاقيك صح؟

نظر له قُصيّ بملامح هادئة دون التحدث فضغط عمّار على كتفه وأعاد عليه بنبرة حزينة: هرجع ألاقيك صح؟
أومأ قُصيّ بخفة ولم يتحدث فعانقه عمّار بغته وقال برجاء: متزعلش بقى..
بادله العناق وهو يبتسم بحزن ثم قال ممازحًا: على فكرة انت طلعت فرخة بلدي اوي..
ابتسم عمّار واقترح عليه وهو يفصل العناق: طيب تعالى معايا، هز رأسه بنفي وقال بهدوء: لأ انا هنام، وترك الحقيبة ثم تركه وذهب إلى الغرفة التي كان بها مع عشق..

نظر له عمّار وهو يسير بتعجب لكنه تركهُ ولم يعقب على هذا فلا أحد يذهب إلى تلك الغرفة من يومين، ولا يعلم لِمَ شعر بتأنيب الضمير وهو يراقب سيرة ببطء هكذا! إن تفريق عاشقين هو عمل بشع لكن هل هم عاشقان حقًا؟! هو لا يعلم ولن يكذب لأن قُصيّ لعوب ولا يفهم منهُ شيء ولا يتحدث كثيرًا عن حياته الشخصية، فقط عشق هي من تحدث عنها!

هو لم يكن هكذا من قبل! لقد بدأ الأمر معهُ فقط من أربع سنوات قبل أن يُقابل عشق، وعندما قابلها رُبما إنتهت مغامراته مع النساء لكن الحديث عنهُ لم ينتهي وعبثه في الحفلات الخاصة برجال الأعمال لا ينتهي أيضًا..
تنهد وذهب في طريقه هو الآخر لأنهُ كان ذاهبًا إلى دهب، غريب أنها لم تأتي كما اعتاد منها! هي لا تكف عن التذمر والإتيان إلى هُنا كل يوم أو يومين لكنها لم تأتي من أيام وهذا أكثر من غريب!

أغلقت نادين باب الغُرفة بخفة وهي تغمض عينيها كي لا يصدر صوتًا ثم استدارت لتشهق بخضة وهي تجد ليلى وتالين تقفان خلفها تنتظران أن تقول الأخبار الهامة..
تنهدت وقالت بهدوء: بُصوا مش هقدر احكي كُل حاجة بالظبط عشان نسيت لكن المُلخص إن عشق مِشيت بسبب عمّار جرحها بكلامه..
عقدت ليلى يديها أمام صدرها وقالت بسخط: حلوف..
في الخارج أثناء تجول عمّار..

توقف عمّار في مُنتصف الطريق عندما لمح ذلك التجمع وتلك الضوضاء، تقدم بتعجب وسأل أحد الواقفين: ايه؟ بيفرِجوا لحمِه وليِّه؟
هز الشاب الذي يعمل في المقهى رأسه بنفي وقصّ عليه: لاه دول مِسكوْ واحد عدموه من الضرب عشان يتعلم الأدب بيجولوا إنه بيخطف نساوين..

قطب عمّار حاجبيه وهو ينظر لهُ وعقلهُ يعمل وقد أخذه إلى التفكير بشيءً آخر، بالتأكيد ليس ما يُفكر به، أومأ بخفة ثم تقدم وسط هذا الحشد ودفع ذلك الذي رفع قدمه كي يتابع ركل جاسم وجثي هو أمامهُ..
تطلع عمّار إلى حالته المزرية ووجهه الممتلئ بالدماء من كثرة اللكمات بشفقة مُستنكرًا حالتهُ ثم سأله باستفهام: انت من هنا؟

سعل جاسم بألم وهو يقول بتقطع: لـ، لأ، أومأ عمّار ورفع ذراعة ووضعه حول رقبته وهو يساعده في الوقوف ثم سأله من جديد وهو يحدق في وجهه الذي لا يعرف له شكل واضح: انت بتعمل ايه هنا؟
قال بثقل وهو يتأوه بألم: ز، يارة، جيت زيارة بس المتخلفين دول قطعوا عليا الطريق..

جأر الرجل بغضب وهو يبصق في الأرض ثم ألقي كوب الشاي الذي كان يرتشفه أثناء مراقبته لجاسم وهو يُضرب على يد رجاله ثم قال بتهكم: لِساك عاتتحدت يا عديم الرجولِة انتِه؟ دِيه كان هيخطُف واحدِة جاتني واتحامت فِيِّه اهملها ولِّيه؟!

صاح جاسم بغضب: دي مراتي يا غشيم يا غبي ماهي لو كانت واحده مش حلوه مكُنتش عبرتها اصلًـ، تأوه بألم بسبب الحديث وكاد يكمل لكن عمّار قال بحزم: خلاص خلاص كُل واحد يعاوِد لـ شُغله وانت التانيّ جبل ما تُضرب حد افهم لوْول، ثم تحرك كي يذهب أخذًا جاسم معهُ لكن اوقفه قوله بخفوت: عربيتي هنا..

توقف عمّار ونظر إلى السيارة ثم اتجه لها دون تفكير، ساعده في الجلوس في المقعد الأمامي بجانبه ثم استقل المقعد الآخر أمام المقود وبدأ يقود بهدوء مُتجهًا إلى منزلهُ..
سأله عمّار باستفهام وهو يخرج ذراعه من النافذة وقام بتعديل المرآة بضيق: انت جي زيارة لمين هنا؟

تأوه جاسم بخفوت وقال بندم بسبب إتيانهُ إلى هُنا: دي واحدة قريبتي جيت اغير جو يومين عندها هنا بس هي قاعدة بعيد في قِبلي أو بحري زي مابتقولوا معرفش بس بعيد عن هنا، ولما جيت امشي الدنيا ضلمت عليا وتوهت وبعدين اتشاكلت معاهم وضربوني..
هز عمّار رأسه بتفهم وسأله وهو يبتسم: بس برده مين يعني اللي كُنت عندها مالهاش اسم عيلة وكده؟

ردّ جاسم بهدوء وهو يفكر: لأ هي مش من هنا بس جوزها من هنا اسمه منصور وبيصلي في الجامع معرفش اكتر من كده!
ضحك عمّار بخفة وتساءل باستفهام وهو يرفع حاجبيه
: يعني لما اعوز أسأل عليه اقول ايه؟ منصور اللي بيصلي؟
قهقهة جاسم وهو يتألم ثم سأله باستفهام وهو ينظر إلى الطريق: احنا رايحين فين؟ وانت مين شكلك مش من هنا؟

ابتسم عمّار وهو يصف السيارة داخل المنزل بعد انفتاح الباب له وقال بهدوء: أنا عمّار، ده بيتي داوي جروحك وبعدين هبعت حد معاك يوريك الطريق..
في الأعلى..

عانق قُصيّ الوسادة التي كانت تضع عشق رأسها فوقها، استنشقها بانتشاء وهو يغمض عينيه بقوة متذكرًا الساعات السابقة معها كأنهُ مرّ عليها سنوات عديدة، هو يفتقدها قبل أن تغيب حتي، لقد كان ينتظر أن يتصلح كل شيء بينهم وتعود كسابق عهدها معهُ وبعد حدوث هذا يُدمِّر عمّار كُل شيء مرحي..

يعلم أنهُ عِندما يعود لن يجدها، نظراتها المنكسرة أخبرتهُ بانتهاء كُل شيء بينهم، أخبرتهُ بنفاذِ صبرها منهُ ومن هذا الوضع، لكنهُ سوف يبحث عنها عِندما يعود ويتمني أن يجدها بسهولة حقًا لأن هذه المرة لن تذهب وتختبئ في منزلهُ مِثل المرةِ السابقة بل سوف تذهب إلى مكانٍ آخر..
في الأسفل..

وضعه على الأريكة بهدوء ثم ذهب وأتي بـ علبة الإسعافات الأولية، اوقفه آدم على الدرج أثناء صعوده ناظرًا له بتعجب ثم سأله باستفهام: ايه ده مين متعور؟
أحاط كتفه وأخذه معه إلى الأسفل وهو يقول بصوت منخفض: تعالي شوف قابِلت مين تعالي..
نظف وجهه بتركيز بالمطهر الذي وضعه فوق القطن ثم سأله بمراوغة: ايه موضوع الخطف ده؟

تنهد جاسم وقال بهدوء: خطف ايه بس دي عشق مراتي قبلتها في السوق بس عشان في خلافات بينا وكده، هي مخصماني وشكلها افتكرت إن الصعايدة بتهزر فـ قالته اني هخطفها! هي هزارها تقيل حبتين مش هتفرق..
هز عمّار رأسه بتفهم وهو يفكر بتلك العشق حقًا ما هذا؟ كان من الممكن أن يُقتل بسبب شجار مثل هذا، هل هي غبيه؟

بينما آدم كان ينظر لهُ وهو يرفع حاجبيه بتفاجئ، هل هذا هو زوجها الذي تحدثت عنهُ؟ ماذا يفعل مع عمّار؟ كيف تقابلا معًا؟ ما هذه الصُدفة الغريبة؟ بالتأكيد تلك العشق محظوظة وعمّار لم يفعل معها سوى خير، يُجب أن تكون مُمتنه لهُ، لقد كانت ستجده فوق رأسها إن لم تذهب..

انتهي عمّار من تضميد جروحه والخدوش في وجهه ثم سأله سؤالًا آخر: طيب مش المفروض مراتك ترجع تلحقك وتقولهم انك جوزها لما شافت إن الهزار قلب جد ولا ايه؟ هي فين؟!
ركله آدم في قدمه وهو ينظر له بضيق، ما خطبه اليوم يتحدث دون تفكير ودون مُراعاه لشعور الآخرين! ماذا سيقول لهُ الآخر الآن؟
زاغت عينا جاسم وبدأ يهز قدمه بتوتر ثم قال بهدوء: مش، مش عارف، بس هي اكيد عارفة اني هتصرف وهخرج من المأزق ده لوحدي..

هز عمًار رأسه بخفة ثم سأله باستفهام وهو يراقب اهتزاز قدمه: انت عايز تدخل الحمام؟
ضحك جاسم بخفة وهو يتأوه بخفوت ثم قال ببعض التردد: دي حاله بتجيلي لما بكون عايز أرسم اصلي رسام وكده!
رفع عمّار حاجبيه وهو يهز رأسه ثم سأله باستنكار: يعني انت عايز ترسم و دلوقتي؟
أومأ جاسم بخفة وقال برجاء وهو يبتسم بتوتر: بجد مش هقدر أقعد لو مرسمتش لو جبتلي طباشير هيحل المشكلة مش محتاج لوحة..

ضرب عمّار كفيه معًا وهو يقف وسأله باستنكار: انت بارد يعني ولا انا متهيألي! رسم ايه دلوقتي وانت متشلفط كده يا بارد..
نظر له جاسم مُتعجبًا تلك الحدة الغير مُبرره بينما آدم وقف بجانبه وقال معتذرًا: معلش هو بس متعصب بقاله كام يوم من غير سبب ميقصدش..
تنهد عمّار وقال بيأس: انا هنصحك نصيحة لوجه الله كفاية حشيش بقي وفوق لنفسك..

فغر جاسم فاه وهو يهز رأسه بعدم فهم ليسترسل عمّار حديثة بتهكم: فوق ها فوق عشان انا مضايقلك..
قرص آدم وجنته بغضب كـ طفل وقال بحدة: اخرس انت بتقول ايه اخرس..
كاد عمّار يرد لكن الغفير دلف ركضًا وهو يصيح بخوف ممزوج بقلق: إلحج يا سِيدي إلحج في شويِه مجاطيع هجموا على دُوار سِت دهب وصوت ضرب النار مِش مِوجِف..
ولم يحتاج عمّار أن يسمع هذا القول مرتين، بل ركض إلى الخارج وذهب إليها سريعًا أعزلًا دون سلاح..

تحرك آدم بعد إدراكه ما يحدث وخرج خلفه لكن جاسم وقف وركض خلفه بتعرج وسأله باستفهام وهو يتألم: فين اللي هيوريني الطريق انا عايز امشي!.
توقف آدم أمام الباب في الخارج عندما وجد تجمع الرجال الذين اتو فجأة من حيثُ لا يدري..
تقدم سأل الغفير باستفهام: عمّار راح فين؟
قال سريعًا وهو يتفحص بندقيته: عند السِت دهب واني رايح وراه اني والرجالِة..

منعهُ آدم وقال بـ لُغة آمرة: خليك انت و روح مع الضيف ده و وريله الطريق وانا هروح معاهم..
قال الغفير باستنكار: تانيّ اني لِسِه موصل سِت عـ، اندفع آدم سريعًا وكمم فمه بيده وهو يضحك ببلاهة ثم قال بتحذير من بين أسنانه وهو يرفع حاجبيه: انت موصلتش حد محدش خرج النهاردة من البيت فهمت محدش خرج متفتحش بؤك وتقول حاجة محدش خرج فاهم!

هز رأسه بطاعة وهو ينظر له بتعجب، رفع آدم يده وحثه على الذهاب بعد إن أخذ بندقيته: يلا روح وصلُه بسرعة وحصلنا يلا يارجالة، وتركه مع جاسم وغادر هو مع الرجال بشجاعة..

أما في منزل ذهب الذي يكاد يسقط فوق رؤوسهم من كثرة الرصاص الذي يخترقه كان عمّار يتسلل من خلف المنزل وهو يتلفت حوله بريبة وصوت الطلقات النارية تخترق أذنهُ بقوة! ماذا يحدث بحق الجحيم؟ فارس هادئ ولا يفتعل مشكلات ما كُل هذا؟ ماذا فعل لكل هذا الغضب؟ إنهم يريدونه ميتًا..

تمكن من الدخول أخيرًا ليتجمد محله لبرهة مُراقبًا تدمير المنزل والأثاث من الداخل وكسر النوافذ وتقطع الستائر أثر اختراق الرصاصاتِ لها واهتزاز تلك التُحف، هذا مشابه إلى رياح عاتيه هبّت على المنزل فجأة دمرته ثم باغتهم بزلزالٍ بعدها!، إنها تمطر رصاصًا اليوم..
دهب الغبية لِمَ تجلس القرفصاء وسط غرفة الجلوس في منتصف الفوضى! هي إن أرادت الموت لن تفعل هذا؟ لِمَ هي وحدها أين الجميع وزوجها الغبيّ أين ذهب؟.

ركض اتجاهها سريعًا وهو يحني جسده مستمعًا إلى صوت شظايا الزُجاج المُتناثرة التي يدعسها أسفل قدميه تفترش الأرضية بكاملها، اقترب منها ليصل إلى مسامعه صوت نحيبها مُستشعرًا خوفها وفزعها مما يحدث، وضع يديه على كتفها لتصرخ بفزع حقيقى وهي تنتفض بهلع..

عانقتها بقوة وهو يهدأها بحنو: متخافيش عاد متخافيش اني عمّار، رفعت رأسها بلهفة تتأكد من كونه هو وهي تشهق وجسدها ينتفض بخوف ليربت على وجنتها بحنو وهو يبتسم لها كي تطمئن لترتمي بأحضانه تحتمي به وهي تبكِ بـ رُعب بسبب ما يحدث في المنزل..
كان رجاله قد وصلوا في الخارج مع آدم في هذا.

الوقت وبدأوا فى القتال عدى آدم الذي كان يجلس خلف الحائط يختبئ وهو يتساءل عن كيفية استخدام تلك البُندقية وهو يُقلبها بين يديه وما سِر وزنها الثقيل هذا؟.
سألها عمّار باستفهام بوتيرة صوت مُرتفعة كي تسمعهُ وهو يقف ويوقفها معهُ ومازال ينحني قليلًا: فين فارس والبجيِه؟

هزت رأسها بجهل وقالت بانهيار وهي تنتحب بصوت مرتفع كي يسمعها: فارس بدّر وخرج بعد الفجريِة ومجالش رايح فين عاد، واني كُنت فوج وفجأة سمعت صوت ضرب النار اتخرعت ونزلت طوالي بس ملجِتش حد باينهم في المطبخ وجفلوا علي نفسيهم من جُوِه..
هز رأسه بخفة وهو يمسك يدها بدفء كي تطمئن وقال بحنان: متخافيش، هنطلع من إهنِـ، صمت عِندما صُفع باب المنزل بقوة أثر ركل أحدهم لهُ بعنف..

استدار سريعًا وأخفاها خلف ظهره بيده بقلق ووقف أمامها ليطلق ذلك الرجل المُلثم دون أن يرى من أمامهُ ودون أن يعطيه فرصة للتحرك وهو يصرخ بصوته الخشِن بغضب جامح: فاااااارس..
اخترقت الرُصاصة صدر عمّار في ثانية جعلته يرتد إلى الخلف ثم سقط جسده دون حراك، صرخت دهب ولطمت وجهها وهي تسقط بجانبه بعد سقوطه أرضًا بجانب قدمها..
هذا كان مفاجئ، ولم يتوقع أحدهم حدوث هذا..

أنزل ذلك المُلثم بندقيتهُ وهو ينظر له بتفاجئ كأنهُ أدرك خطأة الآن وعرف أنهُ ليس المقصود، ويا ويله من سيدة، ركض إلى الخارج، وقف في مُنتصف السُلم الخارجى ثم رفع يده إلى الأعلى كـ إشارة ليتوقف رجالهُ عن الإطلاق ثم بدأوا بالقفز والهرب بعيدًا كالقردة وهو خلفهم..

ترك آدم البُندقية من يده وهو يزفر ثم قال بسخط: ماله يعني المُسدس الصغير ولا المُسدس الخرز حتى يعني مالـ، توقف وهو يقطب حاجبيه عندما اتضح له صوت الصُراخ الآتي من الداخل بعد إنتهاء القتال وهرب الجميع في هذا الهدوء، ركض إلى الداخل بقلق مع الرجال ليتجمد محلهُ عِندما أبصر عمّار غارقًا في دمائه ودهب تلطم وجهها بجانبه وهي تصرخ بقوة..

استفاق من جموده وركض له سريعًا فهذا ليس وقت الصدمات بتاتًا، جثي أمامه وهو يتنفس باضطراب ثم صرخ باسمه وهو يصفعه بقوة: عمّار، عمّار، عمّار، لكن وتيرة تنفسه كانت مُنخفضة أثناء نزيف جرحه وتدفق الدماء القانية منهُ في محاولة يائسة كي يفتح عيناه، لكنه فشل..
صرخ آدم بهم بعصبية وهو يرفع رأسهُ بين يديه: شيلوا معايا شيلوا..
بينما في المنزل وفي هذا الوقت تحديدًا بعد وصول الخبر لهم..

كانت حُسنة تجلس تندب حظها وهي تضرب فخذيها وتهتز مع قولها بعويل: بتي، لِسه صبية ياعالم هتموت في عِز شبابهِه يا خلج، يا مُرُك يا حُسنه يا مُرك مش كفايِه موت الرجالِه هيبجي دِيه ودِيه يا ربي؟

ربتت ليلى على كتفها بحزن ومواساة وهي تنظر تجاه الباب بقلق مُنتظره أن يأتي أحدهم بخبر جيّد كي تهدأ حُسنه ويستريح قلبها، فهي مُنذُ أن علمت ما يحدث في منزل ابنتها وهي منهارة ولا تتوقف عن العويل أو ذكر الموت كأنها ماتت..

توسعت أعين ليلى وشهقت بتفاجئ ونبض قلبها بخوف عندما رأتهم يأتون من الخارج مهرولين يحملون عمّار وتعابير وجههم لا تُفسر! ودهب تسير خلفهم كالميته دون أن تتوقف عن لطم وجهها ماخطبه؟ هل هذا تحقيق رغبتها الخاصة من الصباح؟ لكنها لا تحب الموت ولا رؤيته هي لم تتمنى هذا بالمعني الحرفي وهذا ليس جيّد في هذه الأجواء كما أرادت!

ضربت حُسنه صدرها وهي تقف صارخة وعِبراتها شقّت طريقها على وجهها المُجعد: يا حزنك يا حُسنه ياحزنك يا مرارك الطافح ولدي جراله ايه جرالك ايه يا حبيبي جرالك ايه متفجعنيش عليه يارب عمّار لاه..
تابعوا صعودهم به إلى غرفتهُ في الأعلى بقلق بينما دهب لم تصمد كثيرًا بل فقدت الوعي بعد أن دخلت من باب المنزل مباشرةً، انقبض قلب حُسنة خوفًا عليها بخوف لكن عمّار هو من يحتاجها أكثر الآن هو بخطر بسببها..

هدأ قلبها قليلًا وهي ترى صباح تهرول لها هي وخادمة أخرى كي يعتنيان بها لـ تهرول هي إلى الأعلى بقلب منفطر على طفلها، على الأقل دهب ستكون بخير بعد قليل لكن عمّار، يا إلهي فلينجه الله، بينما كُلًا من ليلى ونادين وتالين انطلقوا خلفها..
خارجًا بعيدًا عن المنزل بسنتيمترات قليلة..

تحدث ذلك الرجل الذي يرتدي الزي الصعيدي الرسمي من داخل السيارة المشابهة إلى سيارة الأجرة ذات التكاليف الباهظة: احنا جِدام الدُوار دِلوك..
حذرهُ بنبرة حاقدة خرجت من بين أسنانه الصفراء: لو مرجعتش وهي معاك هجتلك! اني معملتش كُل الدربكة ديّ عشان تجولليّ اني واجف جِدام الدُوار يا بهيم..
ابتسم الرجل ذات البِنّيه القوية والملامح القاسية وهو يؤكد له: ديّ مش أول نوبه أعملك شُغل يا خليل ومش هتبجي أخر نوبه..

في المنزل..
أراحوا جسده فوق الفراش ليكتم آدم الدماء بيده وهو ينظر إلي وجهه الشاحب والعرق الذي يتفصد منهُ بغزارة بخوف ثم قال إلى تالين: انتِ مش دكتورة تعالي شوفيه!

ارتبكت وتوترت وعجزت عن الرد وهي تنظر إلى حاله عمّار ليزداد توترها عِندما وجدت الجميع ينظر لها بترقب، ازدردت ريقها بحلق جاف وكاد تتقدم لكن الغفير أتي بالطبيب الخاص، حسنًا هو ليس طبيبًا بالمعنى الحرفي لكنهُ يستطيع إنقاذه، ففي تلك المواقف لا أحد يذهب إلى مستشفى كي لا يتم التحقيق ويصيبهم فقط ألم الرأس من كل هذا..

أخرج المدّية من حقيبته وبعض الأشياء الأخرى ثم ناولها إلى حُسنة كي تضعها فوق النيران كي يكوي بها جرحه فهو لا يستخدم مُخدر..
أخذتها منهُ عِوضًا عن الخادمة لأنها مع إبنتها ثم أمسكت يد ليلى التي كانت تحدق به وهي تبلع غصتها بتأثر ويدها ترتجف جعلتها تشفق على كليهما، أجلستها حُسنه على طرف الفراش بجانبه وطلبت منها وهي تبكِ بأسى: نشفي عرجة يا بتي..

كادت ليلى تتحدث لكنها تركتها وذهبت إلى الأسفل، نظرت حولها تبحث عن منديل ورقي بانصياع لأمرها لتتوقف عن الحركة عندما رأت نادين تبكِ بحزن وهي تضع يدها على فمها مُتجنبه النظر لهُ بخوف وقلق، هل سيموت؟!
أدمعت عيناها وهي تنظر بينهما ولا تعلم حقًا ما تفعل وما يحدث؟ هل نادين تُحبهُ؟!.

سقطت عِبرتها ومحتها سريعًا وتابعت بحثها عن منديل ورقي لكنها لم تجد ولن تسأل أحدًا، فقط مطّت كُم كِنزتها الشِتوية وبدأت تُجفف جبهتهُ بخفة وشفقة، ولما لا فهو يتحمل مسئولية أشياء لا دخل له بها، وتصرف ذلك الطبيب هذا إن كان طبيبًا حقًا، هو هادئ بشكل مُريب وغريب كأنهُ مُعتاد على فعل هذا..

انكمشت ملامح عمٓار بألم وهو يهز رأسهُ يتحدث بخفوت عاجزًا عن فتح عيناه وتحريك جسده، كُل شيء ثقيل وهو لا يشعر سوى بالآلام المُبرحة فقط..
أعاد آدم صفعة وجنته بخفة بيد وبيده الأخرى كان يضغط أكثر فوق صدره: عمّار، خليك معايا سامعني عمّار..
هز رأسه بألم وهو يشعر بالبرودة تزحف إلى كامل أوصالة ويتشنج جسده أكثر تحت يد آدم..

أعاد آدم بصوت مُرتفع يائس: انا عارف انك سامعني خليك معايا عمّار فتح عينك فتح، ثم نظر إلى ليلى وطلب منها برجاء: قوليله انتِ قوليله انتِ..

نظرت لهُ بتعجب وهي تطرف بعينها ولا تعلم لِمَ يطلب منها هي هذا الطلب غريب على وجه الخصوص؟ وإن كانت في ظروف أُخرى لم تكن لتقدم وتفعل أيًا من كُل هذا لكن لا يوجد مُزاح الآن و يُجب أن تفعل، هو يموت أمامها! ولا تعلم لِمَ تشعر أنها أصبحت مُتحجرة القلب وخصوصًا اتجاهه وأصبح لا يُهمها أي شيء مما يحدث؟!
تنفست بعمق ثم همست بصوت ناعم وهي تجفف وجنته برفق: عمّار سامعني؟ خليك معايا، فتّح عمّار سامعني؟

تلك الحياة مثيرة للسخرية حقًا! كانت تكرهه من دقائق والآن تساعد في ابقائه على قيد الحياة بانصياع كأنها مُجبرة، لكن حقًا في أعماقها تدرك أنها لاتكرهه كُل هذا الكُرة فهي تتطاول عليه أيضًا!
ارتفع جسده كـ شخصٍ يحتضر والعرق يتفصد منهُ بغزارة، صرخ آدم بالرجل بخوف مستنكرًا موقفه البارد: انت واقف بتعمل ايه؟ وسايبه كدة ايه البرود ده؟ ومش معاك بينج ليه وليه تستخدم السكينة فين ادواتك؟

لاحت ابتسامة هادئة على مِحياه وظل صامتًا قليلًا ثم قال بكل هدوء: متقلقش عليه هيبقي كويس هو استحمل اكتر من كده بكتير ومش هيحصله حاجة..
رمقتهُ ليلى بنظرة مُستحقرة فهو كما توقعت تمامًا، كيف يسمح لنفسه أن يفعل هذا؟! وذلك الغبيّ الذي على وشك الموت كيف يأمن على حياته مع رجلٍ كهذا..
أعادت نظرها إلى عمًار بقلق تفاقم وهى ترى وجهه يشحب ويصفر أكثر لتقول بهمس: عمّار متموتش..

ما هذا الصوت؟ لما يسمع صوتها الناعم الآن؟ ورائحتها لِمَ تحوم حوله؟ ماذا تفعل بجانبه؟ أليس ميتًا؟ ألم يكن من المفترض أن يخبرها أنهُ يُحبها قبل أن يموت؟ حقًا من المفترض أن يخبرها أنهُ يُحبها قبل أن يموت وبعدها يبتعد إلى الأبد، لأنهُ لا يملك تلك الجرأه كي يخبرها في وجهها لأنها لن تقبل به، هي بالتأكيد بجانبهُ وستسمع هذا، ليتهُ يستطيع أن يخبرها..

حرك شفتيه بيأس وهو يحاول تجميع كلمه بهذيان وعقله يتخبط داخل رأسه غير واعِ لشيء مما يقول: بـ، بـ، بـ، حـ، بـبـبـ، ك، توقفت يديها فوق جبهته وخفق قلبها بعنف وهي تحملق في وجهه بنوعٍ من الاستنكار، إنهُ يهذي لا حرج عليه يهذي..
حثهُ آدم على الحديث وهو يشجعه فهو لم يسمع ما قال من الأساس: و ايه كمان كمل قول عايز تقول ايه؟

أطلق آهه قوية شاعرًا بروحه تنسحب منهُ ببطء معذب وألم لا يهدأ ولا يقل بل في إزدياد إضافة إلى تلك الطبول تطرق داخل أُذنه وليس صوتهم، لما الصوت قريب إلى تلك الدرجة..
أعاد تحريك شفتيه التي جفت والدماء تتدفق من صدره أكثر أغرقت الغطاء وقال بقوة أكبر من سابقها، فيبدو أنهُ مُصر على قولها: بـ، بـ، بـ، بحـ، بحـبـ، بحبك، بــحــبــك..

تدرج وجهها بألوان قوس قُزح وقلبها ينقبض وينبسط بقوة بسببه! ذلك القلب الغبي ماخطبه لما كُل هذا الضجيج؟.
ابعدت نظرها عنهُ لتجد نظر آدم مُعلق عليها، لقد سمع هو الآخر صحيح؟ لقد كررها بصوت مُرتفع لن تتعجب إن سمع الجميع! حتى في هذه الأوقات يتصرف بجنون ويهذي بما لا يُجب، وهي تتأثر كالغبية وهو شِبه ميت أمامها، لما لا يموت حقًا؟! لن تحزن عليه..

وقفت بعدم اتزان وهي تفرك يديها المتعرقة بارتباك وابتعدت عن الفراش وهي تهز رأسها بنفي كأنها تخبر آدم أن لا شيء صحيح مما يفكر به وفقط صديقة يهذي، فقط يهذي، ثم تركت الغرفة نهائيًا وركضت إلى غُرفتها..
نظرت نادين في أثرها بقلق وهي تجفف وجنتيها ثم ذهبت خلفها كي تطمئن عليها..
أدارت المقبض ودلفت بهدوء لتجدها تقطع الغرفة ذهابًا وإيابًا تفكر بتركيز وهي تلتهم شفتيها..

ضيقت عيناها ثم سألتها باستفهام: مامى انتِ كويسة؟
رفعت ليلى رأسها بتفاجئ ووجه باهت كأنها كانت ترتكب جريمة داخل رأسها بسبب أفكارها..
ركضت سريعًا وأغلقت الباب خلف نادين بارتباك ثم توقفت أمامها وأمسكت يدها بقوة وأخبرتها بصوت مُنخفض غلب عليه التوتر: نادين يا حبيبتي البيت دلوقتي مقلوب ومحدش هياخد باله لو مشينا ومش هنلاقي فُرصة أحسن من دي صدقيني يلا نمشي..

نظرت لها نادين بتردد ثم قالت بقلق: بس يا مامي عمّار مش كويس؟.
ضغطت ليلى على يدها وقالت برجاء: عمّار هيبقي كويس مش محتاجنا عمّار هو السبب في كُل ده ولما يفوق هيرجع زي ماهو ولا عُمرة هيتغير صدقيني واسمعي الكلام عشان خاطري..
هزت رأسها موافقة باستسلام ثم سألتها بقلق عندما تذكرت: الشُنط تقيلة وانتِ عارفة ان لو حد شافنا مش هسيبنا نمشي ومش هنعرف نجري بيهم!

هزت ليلى رأسها بعدم اهتمام وهي تأخذ الهاتفين من فوق الكومود ثم حقيبة يد صغيرة بها أموالها وبطاقتها الائتمانية و المتعلقات المهمة، علقتها فوق كتف نادين ووضعت بها الهواتف وقالت بلا مُبالاه وهي تسحبها من ذراعها خلفها: مش مهم مش عايزين الشُنط كُلها هدوم مفيهاش حاجة مُهمة يلا بينا..

تنهدت نادين وهي تسير خلفها بعدم رضى حتي خرجوا من المنزل بسلام، فلا أحد يقف أمام المنزل يحرسه الجميع مشغول، تابعت ليلى سيرها وهي تمسك بيد نادين بقوة كأنها ستضيع وهي تبحث عن سيارة أُجره رُبها تجد هُنا..
إستوقفتها نادين عندما قالت بعدم رضى واعتراض: بس يا مامي مينفعش نسيبهم في ظروف زي دي وهُمه معملوش معانا حاجة وِحشه؟

مررت ليلى يدها داخل شعرها بعصبية ثم قالت من بين أسنانها وهي تناظرها بغضب: مسمعتيش الراجل وهو بيقول إنه مِتعود وهيبقى كويس؟ صدقيني هيبقى كويس..
هزت نادين رأسها مُستنكرة حالة والدتها ثم سألتها بتعجب: انتِ للدرجادي بتكرهي عمّار؟
تساقطت عبرات ليلى بحزن وهي تقضم شفتيها بقوة تضم قبضتها بعنف حتى ابيضت كاتمة انفعالها والدماء التي تغلي داخل عروقها مُستنكرة هي حالة ابنتها وتعلقها بهم..

كوبت وجهها بين يديها وقالت بنبرة مرتجفة مترجية وهي تبكِ: عمّار واللي بيحصل لـ عمّار آخر همي انا مش عايزه غير اني امشي من هنا واخليكِ في امان وانتِ كُل همك عمّـ، وصمتت عندما رأت ملامح نادين المذعورة وهي تنظر خلف ظهرها مباشرةً ماذا يحدث؟!

صرخت بذعر وهي تعود إلى الخلف بخوف مع قولها بتحذير: اجري يا مامي، وقبل أن تدرك ليلى ما يحدث وجدت يد قوية تُقيد خصرها بقوة وعُنف جعلها تتأوه بألم، ارتجف قلبها واحتل الخوف كيانها غير قادرة على التحرك قيد أنمله من بين يديه..
سقط قلبها أرضًا وجحظت عيناها وبدأت تتلوي بين يديه كي تهرب عندما رأت معهُ رجلًا آخر يتقدم من نادين ببطء، نادين لا لن يمسّها أحد..

صرخت بـ نادين بجنون وهي تبكِ بخوف: اجري وادخلي البيت بسرعة ارجعي وخليكِ هناك هُمه هيحموكِ إجري متخافيش عليا هبقى كويسة متخافيش عشان خاطري إهربـــي إهربـــي عشان تقدري تنقذيني إهربــــي..
ركضت نادين مع نهاية حديث ليلى وهي تبكِ بخوف على والدتها وخوف من لحاق ذلك الرجل الضخم بها لكنهُ لم يلحق بها، هي فقط من خوفها لم تنظر خلفها وركضت بأقصى سُرعة لديها وهي تشهق كالأطفال..

أمّا الرجل فقد عاد ادراجه وقال إلى صديقه الذي يقيّد ليلى بقبضته وهو يُخرج المُخدر من جيبه: جال إن ديّ الأهم دِلوك، تلوت ليلى بين يديه وهي تقاوم بضعف وقوى خائرة، ولقد أدركت الآن فقط أن عمّار كان معهُ حق في جميع ما قالهُ وأنها كانت تستحق تلك الصفعة لأنها هي المُستفيدة الوحيدة من مُكوثها معهُ وليس هو، هي من تحتمي به وليس هو..

سكب المُخدر فوق منديل ورقي ثم وضعه فوق أنفها وفمها بقوة كان يخنقها خنقًا به لا يخدرها، اسود العالم داخل عينيها و توقفت عن المقاومة وارتخت أعضائها ومن ثم فقدت الوعي..
حملها أحدهم بين يديه ثم وضعها في المقعد الخلفى للسيارة وجلس الاثنين في المقدمة، أخرج أحدهم الهاتف كي يُحادث خليل والآخر بدأ يقود..
تحدث بابتسامة واثقة وهو ينظر إلى جسدها عبر المرآة =: جبناها زى ما أمرت..

هل هربت من عمّار لأنهُ سيء؟، حسنًا، حسنًا هي ذاهبة إلى الأسوأ الآن، لا بل إلى الجحيم نفسهُ، الجحيم الذي كانت تهرب منهُ لسنوات كي لا تذكره! هاهي الآن ذاهبة إليه كي تراه حقيقة حيّة سوف تُجسد امام عيناها..
لقد تم الإمساك بها الآن فقط كي تعرف أن عمًار كان يُدللها بالنسبة إلى ما سيفعلهُ بها والدها..


تااااابع ◄ 

أحدث أقدم

نموذج الاتصال