-->

رواية لقد كنت لعبة في يده الجزء الثالث عشر

 

 الظهيرة لم تكن من أوقاتها المفضلة بالنهار، فهي تحمل ساعات تمضي ببطء فلا هي ذروة النشاط إذ أن الجميع ينصرف إلى ساعة الغداء وفي الغالب تمضيها هي بساعة قيلولة على مكتبها فهي لا تتناول الغداء إلا برفقة صغارها ولا هي راحة تامة إذ أن قليلوتها في الغالب لاتمتد إلا لدقائق معدودة حتى يعود جاسر بالقرع فوق مكتبها مرة بعد الأخرى بأوامر متعددة.



ومرة بعد الأخرى تلوم نفسها لعدم الإنصراف والإنخراط ببقية الموظفين هربا من طلباته التي لا تنتهى ولكنها مع ذلك تبقى بمسئولية أم اعتادت تلبية رغبات نظرت في الساعة التي يحملها ساعدها فلقد مرت ثلاثون دقيقة على ساعة الغداء ومع ذلك فجاسر صامت بل هو في الواقع
صامت منذ الصباح إذا لا مزيد من تضيع الوقت بقي لها نصف ساعة أخرى من جنة الله على أرضه.

" قيلولة الظهيرة " ولكنها لم تهنا إذ أن الجنة لم تكن تحتمل عفونة الأرض وغوغاء
ساكنيها وتصاعدت تلك النغمة التي تعلن إستقبال الطابق لزائر أو في
تلك الحالة زائرة عقدت درية حاجبيها وهي تحاول تذكر أين رأتها من قبل ؟ !
فتلك العيون الفيروزية المدققة بها بشراسة تستدعي داخلها ذكرى ولم تمهلها صاحبتهما كثيرا إذ قالت بإستياء لحملقتها
الوقحة بها:
- جاسر موجود ؟

عقدت درية حاجبيها وقالت بعملية:
- مين حضرتك ؟ رفعت المرأة رأسها بشموخ وقالت بصوتها الساحر:
- داليا الزهري، خطيبته بهت وجه درية في الحال وماهي ثوان حتى استعاد لونه بل وأكثر إذ احمرت وجنتاها بل وأذنيها بشدة وأردفت وهي تكرر
بإستهجان:
- خطيبته ؟ ؟ ! !
وفتح الباب خلفها بقوة معلنا عنه فالتفتت له درية وقالت بنبرة صوت تحمل في طياتها إتهاما وزجرا:
- خطيبتك ! !
فغر فاهه وأطبقه بشدة ومد ذراعه يدعو داليا للدخول صامتا
والتفت لدرية قائلا بهدوء صارم:
- مش عاوز حد يقاطعنا يادرية

فقامت وأعصاب جسدها تختزل ثورة وراقبت تقدم تلك المرأة داخل غرفته وأردفت بتصميم قبل أن يغلق الباب عله يتراجع عن ذلك التصريح بل وتلك الخطوة الحمقاء بحياته:
- خطيبتك يا جاسر ! ! فهز رأسه بنفاذ صبر وقال مقرا:
- خطيبتي يا درية وغلق الباب بوجهها ومضت تنظر يمينا ويسارا
أين هو ؟
ولم يعود للإختفاء بتلك أوقات، لابد أن تعثر عليه ومضت نحو المصعد واستقلته للطابق الثاني متوجهة لغرفته ولحسن حظها كانت سكرتيرته غائبة ودفعت بالباب على مصراعيه واقتحمت خلوته وقالت صارخة به:
- جاسر خطب ؟ ! !
| التفت لها متعجبا أكان سؤالا أم إقرار بواقع فقال هازئا:
- هه بيقولوا
التمعت عيناها وقالت: - یعنى إيه بيقولوا واللي عنده فوق دي تبقي مين ؟

رد أسامة ببرود: - لو هيا فعلا اللي فوق تبقي داليا الزهري حملقت به درية وهي تحاول إستيعاب ما قاله أسامة للتو وعادت الذكرى تقتحم مخيلتها فلقد لمحت بغرفة ذاك النائب لوحة مائية لوجهها، وقتها ظنت أنها من متممات الديكور ليس إلا فقالت بهدوء وهي تحاول السيطرة على إنفعالاتها:
- یعني أنت كنت عارف ؟
طرق برأسه وقال:
- قالي من يومين فسألته بسخرية مريرة: - والتمثيلية اللي عاملناها ؟
ضحك بخفة وقال: - ما أنت سبق وقلت أنها فاشلة
ضاقت عيناها وقالت:
- عشان أنتوا بتختاروا الطريق الأسهل زم شفتيه وهو يعيد جملتها مرة أخرى في رأسه، وشيئا ما حدثه أنها تبعث له برسالة بين طيات سطورها فقال مستفهما:
- قصدك إيه يادرية ؟ نعم هي تقصده هو أيضا، فمنذ أن رأته بشارعها وهو يتجنبها وكأنها مصابة بالجذام فقالت دون مبالاة:

- ولا حاجة، عن إذنك وانصرفت بهدوء وكان هو ببساطة غير قادر على مجادلتها أو الغوص بخبياها فهو كان مؤخرا يعيش بحالة غريبة من استرجاع
الذكريات وعقد المقارنات التي لا تنتهي بينه وبين إخوانه
لم تصله لشيء إلا أنها نثرت مزيدا من الوجع فوق رأسه المشوش ونکات جراحه من جديد وسارت الدماء في شرياينه حاملة
مزيجا غريبا من المشاعر الغير متجانسة غيرة، نقمة، ذنبا وأنانية وغضبا لا حد له

يبدو أنها لم تترك محفلا إلا وأقامت فيه صوانا وتركته يشتعل
بأقاويل كالنار تسري في الهشيم ولكن تلك النيران لم تكن لتقارن بالتي تتاكلها هنالك حلقة ما مفقودة وظلت ترتب الأحداث واحدة تلو الأخرى وهي تتجه بسيارتها لقصر آل سليم

أولا ظهور داليا تلاه علاقة تشتعل بدايتها بين زوجها وتلك الغاوية. ثم بيع زیاد لشركته لتؤول لها ملكيتها وأخيرا وليس آخرا خبر تلك الزيجة بين جاسر وداليا التي هي بالأحرى فجيعة.

وأين سالي من هذا كله ؟ تلك التي لم تكف عن الإتصالات لأتفه الأمور ولربما فضفضة
فكيف تظل صامتة بعد تلك الواقعة صفت سيارتها أمام المدخل وترجلت منها مسرعة تجاهلت تحية
نعمات لها وقالت دون صبر:
- سالي فين ؟ هزت نعمات برأسها وقالت بأسف:
- في أوضة الولاد بعد قليل كانت تقف تراقب كيف تلاعب الصغار بهدوء تبني معهم بيوتا ومحلات من المكعبات الخشبية وقالت مستنكرة
بدهشة: - سالي أنت بتلعبي مع الولاد ومش حاسه باللي بيجرى حواليك رفعت لها أنظارا بائسة
وكان ذاك الأسوء، لقد كانت تعلم جلست أمامها وقدمت لها فنجان القهوة بالحليب كما تفضلها في حجرة الصالون نبادراتها آشري بسؤال لتقطع شكوكها: |
- زیاد إيه علاقته بالموضوع ؟ | رفعت سالي حاجبيها وقالت بمرواغة وهي تحول بعيناها بعيدا
عن مرمى أبصار آشري المتعلقة بها: - ماعرفش الصراحة وليه متوقعة يكون ليه علاقة بحاجة ؟

نظرت لها آشري متعجبة: - عارفة أنا كنت ممكن أعذرك لو كان زیاد متورط بحاجة واضطريت توافقي عشان صالح العيلة زي جوزك بس معنی
كلامك أنه لاء ردت سالي بإنزعاج من تلك الأفضيلة التي تدعيها آشري:
- تعذريني ؟ ! ! تکست آشري برأسها وقالت:
- آنا آسفة، أنا اتماديت بس سالي بلييز قوليلي أنك رفضتي
زعقتي في وشه وبهدلتيه
ابتسمت سالي بمرارة وقالت: - وكان هيفيد بايه . . أنا زي ماهيا قالت ماليش قيمة
عقدت آشري حاجبيها وقالت غاضبة: - رأي جاسر وأمه يخصهم، المهم رأيك أنت في نفسك صمتت سالي وتقافزت الدموع مرة أخرى بعيناها وقالت بعصبية
- آشري أنت عاوزه مني إيه أنت جاية تتطمني على أن جوزك
مالوش يد ولا تطمني عليا ؟ وقفت آشري وهي تستعد للإنصراف قائلة وخيبة الأمل تکسو
ملامح صوتها: - أنا كنت جاية ومتخيلة أني هشوف واحدة تانيه واحدة رفضت الإهانة ومش كده وبس دي صممت كمان على ريفنج يرد لها
کرامتها واعتبارها . . . . قيمتها الحقيقية

مضت نصف ساعة وهو يجيب على أسئلتها بإقتضاب حتى قالت
بنفاذ صبر: - أنت غلطان لو كنت فاكر أني مقبل معاملتك دي التفت لها مولیا مشهد الأفق خلف ظهره قائلا بإستخفاف:
- ومالها معاملتي ؟ |
رفعت كتفاها بغرور وقالت: - أنا ماجربتش وراك ولا ضربتك على إيدك
يوم مالوش ملامح
يوم ماطلعتلوش شمس
جملة عابرة تمر بآذان المصريين عموما عندما يكون يوما مأساوي الأحداث وعادة تترافق تلك الكلمات، عندما تصل الأحداث لذروتها من البؤس حتى يظن البعض أنها مؤامرة كونية بدفع من نظرة حاقدة قوية، من عين حاسد بلاشك ولكن اليوم لم يكن بذاك المعنى الحرفي بعد إذ أنه في بدايته.



فالساعة الآن الثامنة والنصف والشمس مشرقة واعدة بصفاء قسري على سماء نوفمبر الرمادية ونسمات الهواء تذر على وجهها حرارة ضعيفة، ضعيفة جدا إذ أنها لم تصل لدرجة الحرارة التي تهديها دموعها، لوجنتيها وأناملها تكاسلت عن مهمة مسح تلك الدموع.

إذ أنه لا فائدة فصاحبتها تبكي منذ ساعات متواصلة، تبكي بصمت وعندما تلمح إقتراب لأي ظل أو خیال بشر ترفع رأسها شامخة وبمهارة تخفي آثار تلك الدموع حتى أنها استحقت بجدارة ذاك اللقب الذي أطلقته عليها حماتها المصون شجرة جميز لا تشعر ولا تحس ولكنها كانت تشعر وتحس وتتألم وتصرخ وتلوی، فقط بعيدا عن أعينهم
فهي لن تدع أحدا يراها وهي تلملم شظايا نفسها التي كسرها زوجها متعمدا حتى أنه سيقيم حفل زفافه الليلة تحت ناظريها بل وسمعته منذ قليل يجتمع بأبناءه ليخبرهم قراره في غرفة مكتبه ويعدهم أنهم سيحبون " طنط داليا " بل وطلب منهم معاملتها معاملة جيدة فهي بمقام والدتهم ولو ظن أنه طعنها في ظهرها عندما قرر الزواج من أخرى فتلك الكلمات بالتحديد أصابت قلبها في مقتل فشطرته نصفين وانصرف الأبناء شاردون يتعلقون بوجه أمهم الخالي من الإنفعالات فقد أصبحت بارعة بحق بإستخدام مزايا تلك الشجرة حتى أنها أهدته ابتسامة باردة، مستحقرة لكلماته ووصاياه فقالت بصوت لا معالم له:

- ماتخفش على الولاد بكرة تقول سالي عرفت تربي
فتمتم قبل أن ينصرف بظل هارب " عارف " وخرج لحديقة القصر يتابع سير العمل والأفكار تطرق رأسه بلا
هوادة وقدماه تحثه للعودة للداخل مرة أخرى للحديث معها التبرير ما بدا لعقله سخيفا جدا في تلك اللحظة إذ إنها سويعات لا أكثر
ووقفت هي تتابع خطواته المتنقلة من هنا لهناك تسترجع بخاطرها ذكرى زيجة أقيمت في تلك البقعة بالتحديد منذ سبع
سنوات لم تكن حرفيا بليلة العمر إذ أنها اكتشفت أن زوجها، رجل أحلامها ببساطة . . كاذب ولكنها تغاضت عن تلك الحقيقة ومضت بحياتها معه تمر مرور الكرام فوق كل إهدار لكرامتها وحقوقها وتسعد أيما سعادة
بهفوة تقدير منه أليس لا كرامة في الحب وليس بين المحبين حساب ! !

لا ليس بالضرورة
تلك أقوال النساء الخانعات وإلى متى تظل هي متشبثة بركبهن ؟

الحلم يتحقق
- أخيرااا همسة عبرت شفتيها وهي تفرك رأسها لدى استيقاظها ليلة العمر بانتظارها
رجل أحلامها
فارسها المغوار
حصلت عليه أخيرا
ليعود إلى أحضانها مرة أخرى
ستسقيه الشهد ألونا ستسكب في عروقه غراما
لن يستطيع الفرار أو الفكاك بل وأنه قد يستغني عن خدمات الأخرى ولكنها سترسل له ليبقيها
فمن يرعى الأطفال الصغار المعت عيناها بظفر وهي تقفز من فراشها الوثير اغتسلت وألقت بجوفها ذاك الشراب السحري وقامت ببعض
التمارين السريعة جدا
ومتى يصل اليوم لنهايته خاطرة ملحة مرت تطرق رأسها مرة بعد الأخرى

واليوم مر
وشمس الغروب تلقي بظلال خافتة على سماء نوفمبر الرمادية
والتي تنذر بهطول أمطار خفيفة
متوتر
حائر بل وأطرافه ترتعش ببرودة
عصبي المزاج
نزق الأنفاس
يبحث عنها بضراوة إذ تأكد من الحارس أنها لم تغادر القصر ولولا كبرياء نفسه الغبية لرج أركان القصر بصوته مناديا باسمها
يرجوها فقط الظهور أمام ناظريه لف عقدة عنقه للمرة السادسة على التوالي
ولكن ككل مرة ظهرت بشكل فوضوي أين هي، أصابعها كانت دوما بارعة
ياله من عديم الأحساس بحق، أيتمنی ظهورها لتمم أناقة مظهره، كي يخرج لإحضار عروسه من منزلها ! ! هز رأسه محتقرا لنفسه، نادما مقرا ومعترفا أنه فقط يرجو رؤياها والتحدث معها بكلمات غابت عن سطور معجم العربية واللغات أجمع فهو لا يكاد يستجمع حرفا
خرج من غرفته وعيناه تدور في كل الأركان حتى أبصر أمه تنظر له بقسوة فقال بصوت أبح قلق:
- مالك تعبانه ؟

فقالت بصرامة: - ماتدورش عليها، خلاص كل شيء وليه آخر اقترب منها بسرعة البرق وقال بأنفاس متقطعة:
- قصدك إيه ؟ سابت القصر ومشيت ؟
ضحكت أمه بسخرية على حاله: - لحد دلوقتي لاء، بس اطمن أنت في طريقك توصلها لبراه
عقد حاجبيه غاضبا من إستهزاء أمه به وقال بعنف: - ياريت بس ماتزرعيش أفكارك دي في دماغها، سالي بتحبني
وإستحاله تسيبني زي ما أنت عاوزه مالت أمه بعكازها واقتربت من أذنه قائلة:
- زيك زي أي راجل یا جاسر وعادت للخلف مرة أخرى لتواجهه بقوة قائلة وقد لمعت عيناها:
- غبي احمر وجهه بشدة وقرر الإنصراف مهدئا نفسه كي لايصرخ بوجه أمه فيكون عاقا بحق ولكن خطواتها على عكازها العاجي كانت الأسبق نحو الأسفل لترحب بالضيوف قائلة بكلمات وصلت
لسامعيه من وراء ظهرها ببرود تام: - روح هات عروستك الناس وصلوا

عاد فجأة دون إنذار إذ أنه اختفى منذ يومان راقبته وهو يدلف
لحجرتهما بكلمات قليلة شملت فقط إلقاء السلام عليها فزفرت بعضب وتركت حاسوبها النقال ومضت لتعقد تلك المواجهة ولتنهي الأمر كما بدأته
- زياد إحنا لازم نتكلم خرج من حجرة الملابس وهو متأنق بقميص حريري ناصع البياض وسروال کلاسکی أسود حاملا سترته على ذراعه
فقعدت حاجبيها قائلة بتعجب:
- أنت رايح فين ؟

قال بصوت مرح: - أنت نسيت ولا إيه أنا توقعت أرجع ألاقیكی جهزت
اقتربت منه وقالت بنفاذ صبر:
- نروح فين ؟
رفع حاجبيه وقال بهدوء: - إيه یا آشري النهاردة الجمعة، فرح جاسر
قالت حانقة: - أنت بجد هتروح ؟ سيريسلي ؟ هز رأسه وقال هازئا منها:
- آه سیوریسلی جلست على طرف الفراش وهي تراقبه يرش عطره المفضل بوفره
ثم قالت: - وسالي، مافكرتوش أد إيه ده يجرحها ؟
فقال ببرود: - اللي بيتجرح بيصوت، بيعيط، بیعترض لكن أديكي شايفه
لمعت عيناها وقالت: - مش شرط على فكرة، يمكن يكون كاتم جواه زي ما أنا كاتمة جوايا

التفت لها وقال بهدوء: - مش لوحدك یا آشري، احنا الاتنين كاتمين جوانا، وهيجي وقت وهنتكلم ونطلع فيه كل حاجه، بس دلوقت قومي ألبسي
فقامت وقالت بعنف: - ليه ؟ هه ؟ عشان نبارك لجاسر ؟ ولا عشان تظهر قدام أخوك
ياريح مايهزك جبل ؟ |
ضحك زیاد ساخرا: - اسمها يا جبل ما يهزك ريح
فقالت بحدة:
- ایتس نوت ذا بوينت عقد زیاد حاجبيه وقال وهو يضع كفيه على كتفيها مهدئا: - أنا لازم أروح، ماينفعش ما أروحش، کملي جميلك يا آشري
واقفي جمبي
مضت تنظر له عاقدة الحاجبين وهي تزفر أنفاسها الحارة ثم
قالت بصوت لاجدال فيه: - وبعديها إحنا لازم نتكلم

بوجه جامد المعالم
فقير التعبير جلس إلى جوارها يراقب الطريق بأعين سوداوية فقالت متأففة:
- محسسني أنك رايح لأجلك
فابتسم هازا ملتفت لها: - كالعادة بتبالغي في إحساسك بقيمتك
فقالت بعند: - أنا فعلا قيمتي عالية ولا أنت مش حاسس بكدة ؟
رفع كفها وقبله ثم قال:
- أكید یا داليا وإلا مكناش اتجوزنا
فقالت بدلال: - لسه متجوزناش وخد بالك لأحسن أضيع منك
فقال ضاحكا: - وتضيعي إزاي وأنت جمبي في العربة وبينا وبين القصر أمتار
قالت بغموض: - ماتكونش واثق أوي كده، الحياة زي مابتدي فجأة، بتاخد
فجأة نظر لها نظرة تقيمية جديدة في عرف جاسر سليم ثم قال:

- دا أنت طلعت فلیسوفة وأنا مش واخد بالي أمسكت بكفه بقوة وقالت بأنفاس واثقة وهي تحدق بعيناه: - جاسر أنا جوايا حاجات أكتر بكتير من اللي في بالك وواثقة أي هشوف منك أكتر من اللي في بالي، بس أنا مستعدة لده وشغوفة بيه . اللي بيزعلني أن أحس أنك مش مهتم وكأنك
محيت فعلا كل المشاعر الحلوة اللي كانت بينا
وتعاظمت المسئولية فوق کاهله
مسئولية إمرأة تراه بعين العشق تظلل وجدانه بذكريات مشاعر كانت بالفعل رائعة ولكنه نسيها أو
تناسها ولا فارق إذ أنها ما عادت تشکل شیئا بكيانه، فما تلاها كان بالفعل أقوى
رد بصوت جاف:

- وصلنا على فكرة ترجل من السيارة الفارهة ولف حولها ليفتح الباب لعروسه التي
سارت متبطأة ذراعه رفع رأسه ليواجه ضيوف الحفل ولكن أنظاره لم تكن متعلقة بسواها تقف بشموخ تطالعهم بنظرات خاوية، كفيها متدليان على كتفي صغارهما لا يعلم أتستمد منهم قوتها أم أنها تلقي بظلال حمايتها عليهما ؟ ! جسدها عاد ليزدان ببوادر رشاقة ملفوفا بثوب کریمي مطعم
بأحجار على شكل ورود قرمزية اللون
ومن يتهم الرجال بضعف الذاكرة وعدم ملاحظة التغيرات التي تصيب نسائهم وأنهم لا يستطيعون تمييز ما ترتديه زوجاتهم فهو
المخطىء

إذ أنه تذكر ذاك الرداء
فهو من ابتاعه لها لحفل خطبتهم عقد حاجبيه وداخله يشتعل بغضب ولوم وغيرة لاتفسير لها تقدم بعروسه نحو الدرجات الرخامية حتى توقفت خطواته عندما توقفت خطوات رفيقته التي خلعت زهرة بيضاء من خصلات
شعرها وثبتتها برأس الصغيرة " سلمی " بأنامل مرتعشة فتقبلت سالي حركتها المستفزة بهدوء تام وهي تثبت الزهرة خلف أذن صغيرتها وأمرت صغارها بمصافحة العروس ثم قالت ببرود وهي تراقب خجلات زوجها المرتعشة على غير عادته:
- مبروك ياعروسة
هزت داليا رأسها ونظرت لغريمتها أو بالأحرى ضرتها المستقبلية وهي تقر بإعتراف داخلها أنها لم تقدرها حقا قدرها وردت

بهمس رقيق:
- ميرسي الموقف المتوتر والذي كان ينذر بإشتعال كما كان يتمنى البعض، مر بسلام إذ أنها كانت دقائق معدودة وجلس المقربون جدا من العائلتين بصالون القصر الواسع وهم يستمعون لديباجة
الشيخ وهو يتمم عقد القرآن
كانت تدور بعيناها وتتنقل بين وجوه الجميع وجه حماتها متصلب ينذر بلعنة ستطیل تلك ال " داليا " ولا محالة آشري والدموع المترقرقة بعيناها وهي تنظر بغضب لزياد الذي كان يجاورها متغافلا بقصد ربما عنها وهو شارد بأنظاره نحو
أخيه الأكبر أسامة الذي حضر أخيرا وهو متشح بالسواد ببذلة ليست برسمية وكانت نظراته بنفس القتامة وكأنه جاء ليحضر عزاءا وليس زفافا
ورجلان آخرين والسعادة تشع على محياهما كقريبتهما التي
كانت تردد كلمات لا تقدر بثمن وراء الشيخ وأخيرا زوجها المتصلب الهارب بنظراته حتى من عروسه الجميلة
فكره وعقله منصرف بالكامل عن الجميع أنظاره متركزة على الشيخ يخط بقلم حاد الإنحرفات، قائم الزوايا بحروف اسمه فوق عقد الزواج
وانتهى المشهد

وزفرت الأنفاس
بعضها إرتياحا والآخر كان خيبة إلا أنفاسها التي كانت تتوق لتلك اللحظة منذ بداية اليوم لتقول بصوت قوي قاتم قاطع لتلك الزفرات مشتتا لتلك الراحة
مختزلا لتلك الخيبة الايقبل النقاش أو الجدل أو حتى إعادة التفكيير ولا الرجعة:
- طلقني با جاسر
وأصابت أنظاره المصدومة مرماها أخيرا ومرساها إذ تعلقت
بقسمات وجهها من علياء وصمت لف الحجرة بإحكام حتى خنقها والأنظار متصلبة بين الاثنان والأنفاس محتبسة
وقام ليواجه، فليس من شيمته التقاعس
والغضب بشياطينه اجتمعا فوق رأسه تطلب الإنفصال عنه أمام ذاك الجمع الغفير
تثبت للجميع أنه فشل فشل بإحتواء زوجته وضمان موقفها ومباركتها كانت زيفا لقد خدعته
على مدار تلك الأيام الماضية كانت تتوارى بظلال هروب
وخنوع وهي تدبر للتخلص منه كانت تخطط لهذا المشهد منذ أن صارحها بقراره
لتضعه بين شقي الرحی
إما أن يتخلى عنها أو يعلن رفضه ويعلن معه ضعف جاسر سليم أمام إمراة
أكان ذلك إنتقامها منه ؟

يستجدي بقائها إلى جواره، يرجوها عدم الرحيل والتفكير بالأمر
مرة أخرى تنتظر منه ركوعا وخنوعا أمام أعين القريب والغريب ولكنه مع ذلك أجبر نفسه للتغاضي عن تلك المشاعر والأفكار
السوداوية التي أصابت رأسه نعم هو لم يكن من يخنع ويركع لأمرأة قط، ولكنه كان ليساوم ويجبرها عن التراجع وصوته الجامد أعلن
- والولاد تلك الكفة الرابحة الكفيلة بإعادة الميزان لاعتداله وربما أكثر قليلا نحو صالحه
ولكن سوء الحظ كان رفيقة وتلك المساومة خيبت رجاءه بنتيجتها التي أعلنت على لسانها بأمر غير قابل للنقاش ولا
لاعادة المحاولة - ولادی مش هيسيبوا بيت أبوهم، هبقي آجي أنا أشوفهم مهما
كان هفضل أنا أمهم لقد وضعته بخانة اليك " كما يقولون مزقته بين رحى كبريائه وإحتياجه
لم تترك له خيارا فهو لم يكن ليستجدي بقاء من أعلنت رفضها له ورغبتها
بالإنفصال عنه لم يكن ليرغب بخائنة

نعم هي خانته بارکت خطواته ومنحته صك غفرانها ووعد بتحمله للأبد والآن نكثت عهدها وأمام الجميع أعلنتها صراحة وطلبها غير قابل للرفض
ومساومته له باتت خائبة لا قيمة لها إذ أنها كانت متحملة لنتائجها بالكامل وراضية بقسمتها ونصيبها
وكيف يعلن رفضه بل وكيف يتمادی بضغطه عليها ؟ ! ! | أيتزوج من أخرى ويحرم زوجته الأولى صغارها، كيف سينظر له
الناس بعدها ؟ كان ذلك ممكنا بين جدران غرفتهم، كان ليكون سرهم
كان ليقدم الاعتذارات والوعود لها بل كان من الممكن أن يتخلى عن الأمر برمته إرضاءا لها إن فشل
بالحصول على رضاها
ولكنها لم تمنحه تلك الفرصة لقد منحته مباركتها ليتمم تلك الزيجة لتنسحب بعدها من حياته
ربما كانت تلك رغبتها الحقيقة
طعنته بظهره والطعنة يجب أن ترد
- أنت طالق

شهقة وصلت لأسماعه وربما كانتا شهقتان وكلاهما تخص آشري
وعروسه وتقدم خطوات غاضبة نحوه تخص أخيه الأوسط أما زوجته أو بالأحرى من كانت زوجته تلقت طعنته بصدر رحب
وتقدمت منه بخطوات محسوبة لتنظر له نظرة أخيرة لم يفقه معناها ولكنها كانت تلتمع بعبرات النصر ثم خرجت بخطوات
شامخة وكأنما كانت هي من تربط الجمع ببعضه وكأنه عقد وانفرط عند إنصرافها تفرق الجميع بخطوات مشتة وبقي هو برفقة عروسه التي كانت تحاول إستيعاب الموقف وتسترجع تفاصيله شاردة حتى أفاق على صوت أمه الصارم التي كانت تقول قبل إنصرافها مستندة على عكازها بقسوة بالغة.

- قدم قدم سعد ياعروسة
فرفعت لها داليا وجهها وهمت برد غاضب ولكنها كتمته عندما
طالعت ملامح زوجها المكفهرة | الذي خرج ليراقب وداع من كانت زوجته لصغارهما الباکیان
وهي تقول بصوت هادىء: وبعدين، إحنا مش كنا اتفقنا خلاص
فقال سليم وهو يبكي: - وتسيبينا لوحدنا ياماما ؟ ربتت فوق رأسه وقالت بحنان:
- أنتوا مش لوحدكوا معاكوا بابا وتيته ثم جذبتهم وهمست بأذنهم بأمرا ما كان كفيلا بإعادة البسمة ولو
كانت صغيرة متوجسة لوجوههم الباكية وقبلتهم وقامت وهي تراقب إنصرافهم للأعلى برفقة نعمات التي كانت تهديه نظراتها
الغاضبة بغير حساب ومضت هي بخطواتها نحو الخارج واستوقفها قبل أن تنصرف
قائلا بصوت يكتم غضبا لا حدود له:
- فكرتى وخططتی کویس حتى أتفقتي مع الولاد نظرت له وهي ترفع أنظارها، ربما تغير فيها الكثير إلا أن قامتها القصيرة لم تكن لتغير والغريب أيضا تلك اللمعة بعيناها وهي تلمس ردائها القديم قائلة بكبرياء: - لا الخطط والأفكار دي طول عمرها بتاعتك أنت، أنا كل اللي عملته إني افتكرت اقترب منها وقال بصوت غاضب يخالطه اللوم: - افتكرت النهاردة وقدام الناس إنك مش موافقه ياسالي ؟ هزت رأسها نافية والدموع تتقافز بعيناها وهي تقول بهمس مسترجعة ذكريات قريبة: - إني بنت محسن اللي أخدتني من فوقه سطوحه المليان ورد.

وأماني . . . بالفستان ده
وتجسدت له الذكريات حاضرة وكأنما يسمع الضحكات من جديد وتشق أذنيه الوعود التي ألقاها لذاك الرجل الطيب بعناية صغيرته والإحسان إليها وأغشت أنظاره ظلال تلك الفتاة الحالمة التي كانت أبصارها تتعلق دوما
به بشغف وعشق ورغبة بحياة سعيدة وعندما عاد للواقع كانت قد اختفت من أمام ناظريه وأضحت تماما خلفه بطريق تشقه بخطوات مسرعة نحو الخارج ودون
وداع وما بقي أمامه سوى ظل أخيه القاتم الذي باغته بوعده وصدقت
نبؤته: - ولسه ما تعرف كويس أوي قيمتها وانفجر بركان الغضب داخله فقال يإتهام:
- يبقى أنت اللي حرضتها أرسل له ضحكة هازئة ثم اقترب منه وهو يقول غاضبا: - لاء أنت اللي حرضتها، كنت فاكر أنك تفضل تدوس وتدوس
وهيا إيه ؟ ! صمت قليلا وهو يراقب رأس أخيه المنكس وأنفاسه المتسارعة
ثم قال بهدوء ساخر:

- مبروك ياجاسر، فزت بعروسه قصاد إنك ترجع شركة أخوك التي اتسرقت منه بلعبة " ستريب بوكر " وشدد على تلك الكلمات وهو يعلم أن الآخر بالذكاء الكافي ليفهم مقصده ثم أردف
بهدوء مرة أخرى - ومعلش هاردلك أيه يعني ماعرفتش تحتفظ بمراتك الطيبة بنت
الأصول، ولا حاجة في عالم جاسر سليم
رفع جاسر إصبعه مهددا ثم قال بغضب محتقن: - أسامة ماسمحلكش متنساش أنها بقت مراتي وعلى فكرة أخوك كان شارب ومافيش حاجه حصلت بينهم
فأمال أسامة رأسه وقال:
- ياااه تصدق تفرق فعلا
وانصرف وهو يلعن أخيه وجحوده وعناده فهو إن كان أطفأ شعلة الحياة في زوجته فرحلت عنها بحادث غير مقصود، فلقد أطفأ جاسر شعلة الحياة في زوجته حية متعمدا

وها هي النتيجة وأطفاله من سيدفعون الثمن
وغاب أسامة عن ناظريه وغاب هو عن الجميع بحجرة مكتبه
المظلمة ولم يدري كلاهما بوجود ضيف خفي ضيف كان حظه دوما يقوده لإعتراف سري بين أطراف عائلة سلیم
ليعلنها مرة أخرى أنها كانت مخطئة تماما بالوثوق بأصغر أفرادها ومضت بدموعها تبحث عنه حتى وجدته بأحد أركان الحديقة
المتزوية والجمع حوله مشتت لايدرى أهناك المزيد من الأحداث المشينة التي قد تثري
مخيلتهم وألسنتهم لأيام قادمة أم أن الليلة أحداثها بدأت بزيجة وانتهت بطلاق فقط ولا مزید قالت وهي تجذبه من ذراعه بهمس حانق:
- ستريب بوكر
بهت وجهه واتسعت عيناه برهبة وفقد توازنه لوهلة ثم قال
بصوت مرتعش نافيا:

- تقصدي إيه يا آشري ؟ اقتربت منه وقالت بنفس الهمس ولكن جنبات جسدها كانت
تهتز بغضب لم تختبره بحياتها من قبل: - الشركة خسرتها في لعبة ستريب بوكر مع الهانم ؟ ! !
أمسك بذراعيها وأمرها خائفا بصوت مكتوم: - شششش وطي صوتك، إيه الكلام اللي بتقوليه ده ؟
دفعت يداه بكفيها وهي ترد بصوت حاد: - أنت عارف كويس، ایتس أوفر یازیاد اللي بينا انتهى

ويالها من ليلة
زيجة 1
طلاق ۲
والحصيلة شماتة لا مثيل لها بأفراد عائلة  سليم
والهمهات المرتفعة خير برهان نظرت حولها للجميع مستنكرة، متقززة، جميعهم من أصدقاء تلك
الحرباء المتلونة أغوت زوجها واستطاعت تفرقة الآخر عن زوجته فانصرفت بكبرياء غاضب فهي لم تكن لتمنحهم ذاك الرضى
بمشاهدة آخر فصول حياتها الزوجية
خسارة تلو الأخرى، وماذا بعد ؟
ماذا تبقي له ؟
لاشيء كان يحملق بالفراغ أمامه ودقات قلبه تتسارع كاد يهشم الكأس الذي يحمله من بين أصابعه وبالفعل ألقاه بعيدا فأصاب جذع الشجرة إلي جواره فتهشم في الحال مما جذب أنظار المدعويين له فنظر لهم بحقد شدید و مضی منصرفا مصطدما بأحدهم وبضعة طاولات وتسارعت خطوات أخيه نحوه ليهدىء من روعه قائلا:

- زياد أهدى مالك في إيه ؟
دفعه بعيدا:
- سيبني يا أسامة أنا خلاص مش طايق وجبت أخري قبض على ذراعه بقوة وقال بصوت حاول أن يجعله منخفضا:
- ممكن تفهمنی بس إيه اللي حصل ؟
تهدجت أنفاسه وهو يجيبه: | - اللي حصل . . عاوز تعرف . أخوك كسب كل حاجه وأنا . . أنا
خلاص . . صفر . . مافيش . . انتهيت وأخوك السبب دار أسامه بعيناه وهو يستمع لهذر أخيه الأصغر ثم قال:
- هوا برضه السبب ؟
فاندفع زیاد صارخا: - أنت لسه هتدافع عنه . . آشري عرفت منين . . فهمني ؟ اتسعت عينا أسامة غير مصدقا أن يكون جاسر من أخبرها سر أخيه ومضی زیاد بخطواته المسرعة نحو سيارته الرياضية الفارهة وأدارها وانصرف محدثا صريرا قويا.

بقي سؤاله معلقا في الهواء دون رد واضح فقط نظرات ابنه الغاضبة التي تشبه نظراته لحد بعيد
إن أراد إحتسابها إجابة فالتفت لصغيرته الرقيقة التي ورثت طباعها من أمها وقال مکررا
سؤاله: - ماما اتفقت معاكي على إيه يا سلمى ؟ نظرت سلمي لأخيها الأكبر وكأنما تود الحصول منه على إذن فأمسك بها جاسر برفق وقال:
- إيه يا لومي مش هتقولي لبابا حبيبك ؟ فرد سلیم حانقا بنبرة لوم وإتهام واضحة على صوته الطفولي
بالنيابة عن أخته الصغري: - أنت مشيت ماما وجيبتلنا واحدة تانيه إحنا مش بنحبها أغمض جاسر عيناه وأخذ نفسا عميقا وحاول أن يتحلى بالصبر
ورد بهدوء كي لا يخسر المزيد من حب أطفاله - أنا ماقولتش لماما تمشي، ماما هيا اللي طلبت أنها تمشي
فرد سليم بعند أكبر ن هدوء أبيه:

- بس كنت ممكن تخليها ماتمشيش . . . هيا مش بتخرج إلا بإذنك
أقر جاسر داخله بتلك الحقيقة البسيطة التي سردها ابنه ببراءة، نعم هي لم تكن تتحرك قيد أنمله دون إذن مسبق منه حتى
تمردت على كل قيوده وغادرته دون رجعة نظر لأطفاله والتمعت عيناه وذكر نفسه،
حتى الآن وإن كان أخيه قام برهان أخرق فهو داخله يخوض رهان لا خسارة فيه
ستعود وعلى أعظم تقدير خلال إسبوعين أو سبعة أيام لا أكثر
لن تستطيع فراق أطفالها ولن تستطيع التخلي عنه يومان اثنان ويبدأ بكاء أطفالها وعندها لن تستطيع الصبر أو التحمل وستعود له طائعة وإما يقبل أو يرفض
ربت على كتفي صغاره برفق وقال: - ماما هترجع يا ولاد، ماتقلقوش، لازم هترجع، يالا تصبحوا
على خير قبل صغاره وأرسلهم لأسرتهم ودثرهم جيدا وانصرف تاركا ضوءا
خافتا يظل الغرفة حتى يستطيعوا النوم دون مخاوف وترجل الدرجات باحثا عن عروسه التي كلفته الكثير حتى الآن
وعليها أن تدفع جزءا من دیونها.

ودعت ضيوفها بإبتسامة مشرقة وتقبلت أمانيهم المزيفة بحياة سعيدة إلى جوار عريسها الغائب بكلمات رقيقة وكأنما تخبرهم
أن ماحدث منذ ساعة أو أكثر قليلا
بل هو ما أرادته وسعت له منذ البداية واختلت بنفسها في صالون القصر الواسع ومضت تسترجع
اللحظات العصيبة التي عاشتها
السنة الجميع ستنطلق على أكثر تقدير صباح الغد متهمة إياها بخراب البيوت أو كما قالت حماتها المصون " قدمها قدم سعد " داخلها يقر أنها كانت ستسعي لتلك النهاية بكل ما أوتيت من قوة

فقط ليس الآن لم يكن هذا ما خططت له، لم تكن تلك خطتها التي كانت
ترسمها منذ شهور حرفيا كانت تخطط لاستبقاء زوجته حتى تعتني بالأطفال ريثما
تشق هي طريقا ممهدا نحو قلبه تظلل بأفعالها سماءه، ترسم تباین لا يخطىء بينها وبين البدينة
الأخرى لتجعله هو صاحب القرار والرغبة، ليكون حكما أصدره هو
بالانفصال وليس طلبا إنصاع له خلال دقائق لا أكثر
ومرة أخرى تشعر داخلها بالخوف وعدم الأمان منه
نعم هي تخشاه همست داخلها ولكن شفتاها نطقتها بوضوح:

- مالوش عزیز وأيقظتها كلماتها من أحلامها ودوامة أفكارها وحدقت في
إنعكاس صورتها في المرآة بهلع ترى أيكون هذا مصيرها بعد مرور السنون عليهما، أيتخلى عنها
مرة أخرى ويمضي في طريقه دون النظر وراءه ؟ ! وكأنما سمع ذكره يجوب في خيالها فظهر أمامها بطول الفارع
يتقدم منها وعيناه أضحت قاتمة كسواد أفكاره فرفعت أنظارها له بخوف ثم قالت بصوت جاهدت أن تجعله
هادئا:

- الولاد ناموا ؟ هز رأسه صامتا ومضى بصب لنفسه شرابا منعشا من مزيج الليمون
والنعاع الطازج أشار لها بالكأس فرفضته هامسة:
- ميرسي
فترجعه دفعة واحدة فاندفعت بسؤالها الذي كان يؤرقها دون أن
تشعر: - جاسر أنت ليه طلقتها ؟ أنا ماطلبتش منك تطلقها ؟ التفت لها وحدق فيها مندهشا وسعل ضاحكا وانتظر حتى هدأت
أنفاسه ثم قال: - وأنت فاكرة نفسك كنت تطلبي أطلق مراتي وأنا أسمع كلامك
على طول وأردف بقسوة:

- ليه فكراني إيه ؟ هزت رأسها بعصبية واقتربت منه وقالت بدلال مصطنع: - لاء أنا ما أقصدش، أنا بس مش فاهمة أنت ليه عملت كده، ماکنش فيه داعي
قبض على ذراعها بقسوة وقال: - لاء فيه، هيا طلبت وأنا الست اللي مترضاش تعيش معايا
وتطلب الطلاق مالهاش عندي رجعه
مش هجبر واحده تعيش معايا غصب عنها واهو عشان ماترجعيش تندمي زي ماهيا هتندم یا داليا يوم ماهتطلبيها مني
في نفس اللحظة هتتحقق ورددتها مرة أخرى ولكن تلك المرة بوضوح جم وأمامه:
- مالكش عزیز

فرد بقوة محدقا بقسماتها الناعمة: - أنا اللي يعزني مايسبنيش، مایلویش دراعي غير كده ماليش
نکست رأسها وهي تستمع لوعيده المبطن فأردف ساخرا: - أنا أول مرة أشوف واحدة زعلانه على ضرتها مش فرحانه أن
جوزها بقي ليها لوحدها رفعت أنظارها له وتذكرت خطتها السابقة فعزمت على اللحاق ببقاياها فاقتربت منه بحنان وتغلغللت بأناملها بين خصلات
شعره الكثيفة وقالت بصوت خافت: | - أكيد فرحانة أنك بقيت ليا لوحدي وبوعدك أنك عمرك
ماهتقدر تستغني عني
رقص غروره طربا داخله وقال بنظرة ذات إيحاء: - إحنا هنقضي ليلة العمر في الكلام وبس ولا إيه ؟
فأخفضت عيناها خجلا وقالت: - طب يالا شوف السواق عشان نروح الفندق سوا ضاقت عيناه ومضي يبسط أولي قواعده التحكم المطلق
فقال بهدوء مسيطر: - أنا مشيت السواق، أصلي تعبان شويه وبعدين مش معقول
عشان ليلة يعني وأهو بقينا لوحدنا فقالت بغضب وهي تحاول إستيعاب كلماته: - یعنی إیه یا جاسر، أنت عاوزاني أنام على سرير غيري ؟
ضاقت عيناه وهو يرد بإستخاف: - ماتبقیش درامية أوي كده القصر فيه أكتر من عشرين أوضة
، معقول يعني هنيمك في نفس الأوضة ؟ !

قالت وهي تحاول التملص من رغبته فهي لم تستسيغ فكرة أن
تكون ليلة عمرها بين جنبات قصر آل سليم: - بليز يا بيبي خلينا نروح الفندق هنكون على راحتنا أكتر
رد بهدوءرافضا توسلها:
- أنا راحتي وسط أهلي یا داليا ومضى بخطواته منفضا عنها فلحقته مذعنة حتى أوقفته على مشارف الدرج الرخامی قائلة بدلال لتبسط سيطرتها الأنثوية عليه بالمقابل
- لحد هنا بقى ولازم تشيلني التفت لها غير مصدقا طلبها والذي تبين له مدى إصرارها عليه
من نظراتها الراجية وذراعيها الممدودان له فرفعها بيسر تام بين ذراعيه ومضي في طريقه نحو الأعلى متجاهلا نظراتها المحمومة نحوه وعبث أناملها بالنبض الذي يطرق عروق رقبته وأنفاسها الساخنة التي تقتحم فتحة صدره
وجل تفكيره دعاءا خالصا من قلبه أن لا يراهما أحدا
وتوقف أمام الغرفة الجديدة والتي أمر نعمات منذ قليل بتجهيزها
وقبل أن يخطو داخلها رأي إنعکاس ظل أمه في المرآة المعلقة آخر الردهة ينظر لهما بتقزز بالغ فالتفت لها متحديا وركل الباب
بقدمه واختفي داخل الغرفه وأغلقه بقوة حتى انزعجت عروسه وشعرت
بالخوف يقبض على أوتار قلبها وهو يدفع بها إلى الفراش وأنظاره تجول على جسدها الملفوف بفستانها الضيق بوقاحة
عهدتها بسنوات ماضية فتوترت واحمرت وجنتاها وأشاحت بأنظارها بعيدا فقال ساخرا
وهو يغادرها:

- شوية وراجعلك
حدقت بأثره الغائب بدهشة، لقد ظنت أنه سيفترسها بنظراته ولكن ما لبث أن انفض عنها ببرود بالغ ولكنها حدثت نفسها
لعلها تقتنع أنه تركها لتغير ملابسها دون حرج لوجوده
قامت بخطوات سريعة وبدلت ملابسها بأخري ساخنة في حمام الغرفة الملحق بها وعادت مرة أخرى للغرفة بعدما أصلحت زينتها وأرسلت خصلاتها الفحمية مسترسلة بنعومة على ظهرها العاري ومضت تتأمل قدها الفتان في المرآة أمامها غلالة رقيقة بلون
جلدها تلتف بنعومة حتى آخر کاحلها تستر القليل من مفاتنها وتبرز معالم أنوثتها ثم رشت المزيد من عطرها المغري وأخفضت أنوار الغرفة وجلست تنتظر مجيئه وهي تشعر بحرارة مشاعرها وبرودة شهر نوفمبر يتناوبان عليها فتصيبها بمزيدا من القلق
والتوتر وعاد بعد مضي نصف ساعة على انصرافه واقتحم الغرفة فجأة ملاحظا أضوائها الخافتة فحطم رومانسية الغرفة بإضاءة المزيد
من الأنوار حتى أضحت كبقعة تحت شمس النهار ولمحت بيده عدة أوراق وقلما فعبست غاضبة وقامت واتجهت
نحوه قائلة بحنق بالغ: - یعنی کنت ممكن تنستنی لبكرة على الأقل مش في ليلة دخلتنا
یاجاسر، ده ماكنش بيع وشرا
فرد ببرود لامباليا:

- ده كان اتفاقنا حملقت به صامته ثم جذبت الأوراق منه بعنف ووقعتها ودفعتها
بها له من جديد قائلة:
- اتفضل
مضى يراجع الأوراق حتى اطمأن لسلامة توقيعها على عقود بيع شركة أخيه له ثم اتجه نحو الخزانة المعدنية داخل دولاب الملابس وفتحها ووضع عقد البيع بدخلها وأوصدها جيدا بأرقام سرية معقدة والتفت لها وهي تحدق به غير مصدقة أنه حتى لا يستأمنها على تلك الأوراق التافهة بالنسبة لها فترقرت الدموع من بين جفونها ولفت جسدها بالروب الحريري والذي ألقته في لحظة جرأة تراها الآن بالغة الرعونة والحماقة إذ أنها أهدرت الكثير من كرامتها أمامه وصممت أن ينال عقابه فتوجهت نحو باب الغرفة وفتحته على مصراعيه وقالت بصوت جاف ونظراتها تكاد تحرقه حيا:

- ودلوقت تقدر تتفضل عشان عاوزة أنام
في ليلة واحدة ترفضه إمرأتان هذا يعد له أكثر من الكثير بكثير لاسيما أنه لم يخطىء
لقد كان هذا إتفاقهما المبرم ومرة أخرى تنكث إحداهما بعهدها معه
أتراه يكون مصيره ؟ ! ! | أم تتابعا إفتراضيا لتصرف تراه هي متاحا طالما أجبرته الأخرى على الخضوع له.

لا، ببساطة لن يكون . مضي نحو الباب وأغلقه بقوة والتفت لها منذرا لها بعقاب أسوء وخلع عنها ماتشبثت به بغرض حماية، بل وخلع المزيد ولم تملك ردا أو دفعا أو مقاومة فقد اجتاحها كإعصار مدمر عادت متأخرة تلك الليلة وهي تشعر بالأرهاق يقتات من مفاصل ركبتيها اللتان شاختا
دلفت لداخل الشقة الساكنة واتجهت إلى غرفتها وهي تدعو بصلاح حال ابنتيها وخصوصا الكبرى التي اتصلت بها باكية ظهيرة اليوم حيث شب بينها وبين زوجها شجارا محتدما فهرعت في الحال إليها وتذكرت مقولة زوجها الشعبية " يا أبو البنات يا عتبة للأندال "

فترقرق الدمع بعيناها وهي تردد: | - الله يرحمك يا محسن سيبتني لوحدي للأندال وداخلها يقر أن حال الصغرى لم يكن بأحسن من أختها فزوجها مسيطر ومتحكم ولكنها لا تملك سوى الدعاء لابنتها الصغيرة
| بالصبر وتوقفت خطواتها فجأة وشعرت بالخوف الشديد إذ إنها رأت الأضواء الخافتة تنساب من السقيفة الخشبية التي أعدها زوجها
الراحل بالأعلى فوضعت يدها على قلبها وحملت عصاها التي تستخدمها أثناء الحركة وصعدت الدرجات الخشبية نحو الأعلى
وهي تصرخ:
- مین هنا ؟
- مين هنا ؟ وأخيرا إطمأن قلبها وهدأت دقاته وهي تقول بصوت مستبشر:
- سالي، خضيتني إنت هنا من أمتي ؟ ! التفتت لها سالي وهي تحبس الدموع داخلها وقالت بصوت
مرتجف:

- من ساعة كده دعتها أمها للإقتراب منها وهي تقول:
- تعالي طيب قاعدة عندك ليه ؟ ده الجو طل قامت سالي وأذعنت لرغبة والدتها التي مالبثت ولحظت ردائها
فقالت مندهشة: - الله أنت كنت في فرح ولا إيه، وفين الولاد ؟ ! ! وعند ذكر أمها لكلمة " الفرح " انهارت دموعها وتملصت من
حصون جفونها واندفعت لأحضان أمها وهي تقول:

- ماما أنا محتجاكي أوي، محتاجة لحضنك، محتاجة تقوليلي
أنت صح ماغلطتيش انزعجت مجيدة للغاية وهي تستوعب إنهيار ابنتها بالبكاء بين
أحضانها فبادلتها الأحضان بقوة تمدها بالدعم وهي تردد بعنفوان أمومتها التي ظنت أنه لا حاجة له بعد كبر البنات
وزواجهم وإستقلال كل واحدة بحياتها بعيدا عنها: - أنت صح يا سالي أنت ماغلطتيش يابنتي . . بس یاحبیبیتی بس
اهدي كل حاجة هتبقا كويسة وحاولت أن تضيف نكهة الفكاهة لحديثها ربما تخفف عن
ابنتها الصغيرة: - بقا تكوني حلوة كده وزي القمر وتعيطي، مش ده فستان
خطوبتك صحيح ؟ ! مسحت سالي دموعها وهزت رأسها قائلة:

- ايوا هوا فریتت أمها على ذراعها:
- طب مالك حصل إيه ؟ عادت مرة أخرى للبكاء الذي كاد يشطر نیاط قلب أمها وهي
تقول بصوت متقطع متهدج من الألم: - فرح . . جاسر . . كان الليلة . . في القصر . . . قدامي . . ما استحملتش . . صدقيني يا أمي ما استحملتش . . ماقدرتش وضعت مجيدة يدها على فمها وهي تشهق غير مصدقة وتابعت
سالي حديثها لكأنما تتخلص من حمل أرهق كتفيها: - طلبت الطلاق . . وطلقني قدامهم . . . في ساعتها . . . ولا كأني
أسوی هزت أمها رأسها نافية وهي تحتضن ابنتها بقوة قائلة: - لاء تسوي، أنت تسوي ونص . . إخص عليه ابن الأصول . . . دي
أخرتها واستكانت في أحضان أمها لبرهة التي ما لبثت واستدركت قائلة بحزن:
- والولاد یا سالي ؟ !

فشهقت مرة أخرى بنهر متدفق من الدموع وكان ذلك ما يكاد يطير بعقلها ويغلف وجدانها بألم عظيم:
- سيبتهومله فربتت أمها على كتفها لتزيدها صلابة وقوة وهي تمسح دموع
ابنتها بأصابعها وقالت وكأنما تقر واقعا لتطمئنها: - بكرة هيرجعوا لحضنك . . بكرة يرجع يبوس رجلك واقعدي هنا
في بيت أبوكي معززة مكرمة ولا ندل يدوس على طرفك منذ نصف ساعة وهو يصرخ متألما وهؤلاء الأغبياء مصممون على المضي قدما بالأشعة المغناطيسية ليطمأنوا على مخه مخافة أن يكون قد أصيب بإرتجاج فيه ولكن كل ما كان يشغل باله هذا الجرح الذي لا يتوقف عن النزيف تماما أعلى منتصف جبهته فيما كان أسامة يذرع الطابق قلقا فمنذ ساعة آتاه ذاك الخبر المشؤوم إصابة أخيه الأصغر في حادث سيارة والذي أعاد له كل ذكرياته السوداء وأخيرا خرج أخاه علی کرسی مدولب مرتديا لباس المشفى المكون من قطعة واحدة وهو يصيح بالممرضة: - ممکن بقا توديني لدكتور تجميل يشوف الجرح ده فاستقبله بوجهه متهلل قائلا:

- الحمد لله يا أخي وقعت قلبي
هتف به زیاد بحرقة على حاله: - أسامة ألحقني شوف كل الدم ده نازل من نافوخي
طالعه بنظرة متفحصة وهو يجيبه مطمئنا:
- ماتقلقش ده جرح بسيط جدا نظرت له الممرضة طالبة العون والنجدة قائلة بتزق: - والله يافندم الدكتور عاد الأشعة مرتين عشان بيصرخ من
الجرح ده
ضحك أسامة متفکها فالصغير يظل صغيرا حتى لو تجاوز عمره السابعة والثلاثون لطالما كان أخيه لا يتحمل الألم ولا الشعور به
وكان يهاب الأطباء دوما
فزجره زیاد قائلا: - أنت واقف عندك تضحك شوفلي دکتور خبير تجميل يشوف
الجرح ده هز أسامة رأسه مطمئنا إياه وقال: - ماتقلقش هروح أسأل في الإستقبال
اعترضت الممرضة قائلة: - يافندم إحنا راجعين قسم الطواريء تاني للدكتورة ريم
اعترض زیاد والممرضة تدفعه نحو القسم:

- لاء الدكتورة دي تاني لاء، استحاله دفعت به الممرضة نحو الفراش المجهز وساعدته للصعود فوقه
وقالت:
- حضرتك طلبت الخبير الأجنبي أول مادخلت المستشفى
ودكتورة ريم هيا الخبير الأجنبي وقف أسامة وهو يحاول تهدئة روع أخيه: - ماتقلقش یازیاد هتبقى كويس بلاش التوتر ده وسمع صوت حلقات الستائر المعدنية وهي تنزلق بقوة فالتفت ليطالع إمرأة في أواخر الثلاثينيات وأول ما جذب أنظاره عيناها اللتان كانتا تلمعان لكأنما فهد بري يندفع ليطارد غزالة ضعيفة غير أن نظرة الفهد خاصتها كانت تتمع ببريق مختلف فالعين اليمني براقة بلون أسود وحشي أما اليسرى فبلون السماء
المكفهرة وتقدمت وهي تلوك جزرة تقضمها محدثة غوغاء غير عابئة بأي مظهر إجتماعي مرتدية ملابس الجراحة الكحلية اللون
وهي تقول: | - هاه أيه الأخبار ؟

اندفع ورائها طبيب حديث التخرج يعرض عليها نتيجة الأشعة التي قام بها زياد منذ قليل فمررت بصرها عليها متبرمة الشفاة
وقالت:
- طب تمام ثم وجهت حديثها للممرضه خلفها قائلة بحرفية تامة:
- ستشز بالا نجهز حضرت لها الممرضة الخيط والمعدات الجراحية لتقوم بتقطيب الجرح
فاعترض زیاد صارخا بها بذعر تام: | - إيه إيه إيه . . . استني استني مش الأول تعقمي إيديكي وتحطي
حاجه على وشك ابتسمت له ساخرة وقالت:
- ليه هتنقب ؟ ! ! ثم زجرته بصرامة:

- بص قدامك ارتدت القفاز المطاطي ووضعت كمامة طبية على فمها بعدما انتهت من تناول الجزرة التي كانت تحملها وأمسكت برأس زیاد
بقوة وهي تقول بتهدید: - لو حرکت راسك أنا مش مسئولة كاد يبكي وهو يرجوها:
- طب مش حتحطيلي مخدر الأول نظرت له وهو يكاد يبكي كالأطفال فنظرت للأعلى مستنجده ثم
قالت ببرود: - بص . . قدامك فقال زیاد ببؤس تام:
- طب ممكن اغمض عيني وضعت يدها على عيناه ودفعت بجفونه ليغلقهم وشرعت بأداء عملها في تقطيب الجرح بمهارة بالغة تحت أنظار أسامة الذي
كان مفتونا بها تماما حتى انتهت
وظل زياد مغلقا عيناه وهو يتمتم بكل آيات القرآن التي يحفظها
حتى صفعته على وجنته بخفه وأمرته ساخرة:

- فتح، خلصت المصحف ولا لسه ؟ وعندها انفجر أسامة بالضحك بل وتمالكت الممرضة ضحكاتها بمشقة بالغة وقد احمرت أذنا زیاد فجلس أسامة إلى جواره وهو يراقب انصراف الطبيبة المثيرة جدا للجدل وللإهتمام
لاحظ زیاد نظرات أخيه وقال حانقا: - حضرتك سايبها تعمل فيا كده وعجباك أوي
رد أسامة بهدوء: - الصراحة أنا شايف أنها دكتورة شاطرة أنت اللي خواف بزيادة دفع زیاد بیده داخل جيب سترة أخيه وتناول هاتفه الخاص ومضى يرسل رسالة نصية فقال أسامة معترضا:
- أنت بتعمل إيه ؟ ! أعاد له أسامة الهاتف وعاد للخلف ليريح رأسه فطالع أسامة
هاتفه غاضبا وقال:

- أنا مش مشترك في التمثيلية دي ولو سألتني هقولها على كل
حاجة . وماهي إلا ساعة زمنية أو أقل حتى كانت آشري تندفع بخطواتها داخل قسم الطوارىء وعندما رأت أسامة هتفت به:
- خير يا أسامة زياد ماله ؟ | تقدمت نحوه بسرعه حتى توقفت أمام الفراش وطالعته بأسف بالغ وقد تظاهر بالنوم ففتح عيناه وقال متصنعا الدهشة:
- آشرى، أنت جيت، شوفت اللي حصلي یا آشري رفع أسامة عيناه للسماء من أداء أخاه المصطنع والذي يرغب به ادرار شفقة وعطف آشري التي قالت بأسف تام: - ألف سلامة عليك بازياد، إزاي ده حصل ؟

أمسك زیاد بكفها وقال مؤنبا إياها: - بعد ماسيبتيني ومشيتي منغير حتى ماتديني فرصة أشرحلك سوقت العربية وأنا مش مركز في حاجه غيرك كنت هموت نفسي عشانك
رفعت آشرى أنظارها مستنجدة بأسامة قائلة: - زياد ماله بجد يا أسامة ؟
- زى القرد ولم تكن تلك كلماته ولا هذا كان صوته الذي اخترق الصمت
المتوتر بينهم بل كان صوت الطبيبة ريم التي تابعت حديثها بجدية تامة: - هيفضل تحت عنينا بس للملاحظة شوية وهنيجي ممرضة تنقله
أوضة للصبح والساعة و هيخرج ارتاحت ملامح آشري بينما ارتسم الغيظ على ملامح زیاد الذي کاد حرفيا الفتك بتلك المرأة وقامت آشري واتجهت نحوها
تستوقفها قبل أن تنصرف قائلة:

- بجد يا دكتور ؟ ! !
نظرت له ريم ساخرة وقالت بضيق: - بجد جدا ولو عليا استحاله ابيته على السرير ده، فيه عشرات
غيره أولى بيه منه، لكنه للأسف بروتوكول المستشفى
واتسعت عينا زیاد غیر مصدقا لوقاحة تلك الطبيبة والتي تتعامل معه بإستهزاء تام بينما وضع أسامة يده على عيناه وهو لايستطيع
كبح جماح ضحكته
عادت آشري مرة أخرى وقالت بجدية: - طب اتطمنت عليك واديك سمعت الدكتورة قالت هتخرج بكرة
، مع السلامة وخد بالك من نفسك
هم باعتراض قائلا: - آشري، هتمشي برضه وتسيبيني
حملت حقيبتها وقالت بتصميم: - أنا عشان بنت أصول جيت لكن أنت كويس ومعاك أخوك
، ألف سلامة عليك يا زياد . وأرجوك تنفذ اللي طلبته منك مش عاوزه بابي يحس بحاجة وانصرفت بعد أن القت تحية هادئة على أسامة الذي كان يراقبهم
صامتا

بعدما صرخ في الممرضات طالبا لجرعة مكثفة من المسكنات وتناول طعام عشائة متبرما غرق في سبات فقام أسامة وعزم على الإنصراف بعدما اطمأن على حرارته حمل مفاتيحه ومضى يبحث عن هاتفهه ولكنه لم يجده فتحرك للخارج وهو يفكر لابد أنه سقط منه في قسم الطواريء وصل للقسم الذي كان في حالة من الحركة الغير طبيعية وسمع صوتها يصرخ بالأطباء حولها الإنجليزية وهي تدفعهم للتحرك وتصدر لهم أوامر بنبرة عنيفة مابین کلمات بالعربية والإنجليزية وقف يتأملها، جسد فارع ممشوق أنثوي بحت ملابسها ملطخة بكم هائل من الدماء، يبدو أنها لا تعبأ لها ولا لتلك المتدفقة بوجهها وهي تحاول إنقاذ صاحبها بكل ما أوتيت من قوة وسرعة التفتت جانبا ليجد امرأة ترقب الرجل الغارق بدماءه بوجل وهي تبكي بهيسترية فاقترب منها مهدئا إياها عندها رفعت إليه أبصارها فزجرت الممرضة لتواجدهم أثناء عملها فاندفعت الممرضة لترجوهم بالبقاء في الخارج وسارت المرأة برفقة رجل يكبرها عمرا يبدو أنه والدها للشبه المتقارب بينهما و بقي هو مصمما على الدخول قائلا للممرضة:

- أنا تليفوني وقع جوه لما كنت مع أخويا هنا فقالت الممرضة وهي تلتفت للطبيبة التي كانت تصرخ بالجميع
حتى يسرعوا بإنقاذ الرجل قائلة بتوتر: - طب معلش تستنى شوية لأن زي ما أنت شايف هز رأسه وخرج وهو يراقبها بإعجاب بالغ وداخله يحدثة لو كانت موجودة يوم الحادثة التي أودت بأسرته الصغيرة ربما كتبت لهم
النجاة جلس وشعور مرير ينخر عظامه يتذكر اللحظات الأخيرة في حياة زوجته أما طفلته فكانت كما لو كانت نائمة وحتى اليوم هو يقنع
نفسه بأنها لا تزال نائمة أما زوجته فهي قد ارتاحت من الآمها ومضت الساعات وبقي هو على حاله جالسا في رواق المشفى شاردا حتى لاحظ اندفاع المرأة التي كانت تبكي زوجها فالتفت ليجد الطبيبة تبتسم لها بدفء فانهمرت دموع المرأة وفجأة دفعت الطبيبة الفارعة لأحضانها فارتسم تعبير ممتعض على وجهها أثار روح الفكاهة داخله رغما عنه قام عندما لاحظ أن خطواتها تنحرف لتصل إليه وعندما اقتربت منه أخرجت من جيب ملابسها الملطخة بالدماء هاتفه الجوال الثمين قائلة له:
- اتفضل أخذه منها وهو يشكرها قائلا:

- كان جوزها ؟
ردت بجفاف:
- أظن أخوها
فقال مقرا: - حضنتك عشان تشکرك أصدرت صوتا عجيبا معبرا عن التقزز:
- تصدق
فقال لها لائما:
- على الأقل ما اهتمتش بالدم اللي على هدومك
حدقت فيه وقالت بغيظ: - أنا كل يوم بيحضني مالايقل عن عشرین بنی آدم، صدقني
كلمة شكرا لوحدها كفاية
فقال بمكر: - أنا ازاي ما شکرتکیش على اللي عملتيه لأخويا
نظرت له بطرف عيناها وهي تهز رأسها: - أنت وقح، وحظك أني تعبانة ومحتاجه أغير هدومي
حاول کتم بسمته وهو يرفع يده للأعلى مستسلما: - وعلى أيه الطيب أحسن، بس أنت مش تخصص جراحة
تجميل، مش كده ؟ نظرت له وهی متقززة من الفكرة تماما:

- لاء طبعا أنا تخصص جراحة كارديو . . قلب أوعية دموية ضحك وهو يتوقع ردة فعل زياد عندما يعلم فقال:
- لو عرف زیاد
نظرت له وقالت ساخرة: - هوا اللي طلب خبير أجنبي عشان بعد كده يتعلم يحدد
التخصص الأول استوقفها قبل أن تستقل المصعد قائلا وهو يدفع بهاتفه لها: - لكن أنا ممكن احتاجك في استشارة مهمة، ممكن تكتبيلي
رقم تليفونك نظرت له وهي تلاحظ نظراته المركزة عليها والتي لم تكن بغريبة
عليها فطلية الساعات الماضية لم يخفضها عنها كلما رآها ولم تكن نظراته بالأمر العجيب عنها إذ أنها كانت مألوفة جدا لديها من قبل جميع الرجال ولكن شيئا ما حثها على قبول طلبه المراوغ فأخذت هاتفهه وسجلت رقم هاتفها واستقلت المصعد.

 

تاااابع ◄