-->

رواية لقد كنت لعبة في يده الجزء الثانى عشر

 

 الإندفاع نحو الإنتقام أمرا باعثا للتحدي والذي بدوره قد يتغلب علي كل شيء حتى أنه قد يقتل الألم في مهده، كان مدركا أنها ليست معركته وأنه ليس كأخيه الأكبر حامل لواء إمبراطورية سليم. فلطالما ظن نفسه كائنا مسالما لاينبغى له مصارعة أي شخص كي يحافظ على مجد اسم سيندثر مع الوقت لامحالة.



هو لا يحمل كل هذا الوفاء لأسم والده ولا تلك الروح القتالية في سبيله ولكنه يحمل الألم بين طيات عقله ووجدانه أينما كان ولم يجد مايقتل هذا الألم،فالوجع أقوى مما يبدو لذلك هو يقتات على مسكنات واهية في مطاردة درية وبقية الحسناوات التي تمر عرضا بحياته إحداها ولكن بعد زيارة أخيه بالأمس و...

ياللعجب أيضا هدوء جاسر
الغريب أثناء تلقيه إعترافات الأخير بوقوعه بشرك "لعبة بوكر"
غير أخلاقية وانصرافه صامتا لكأنما فقد حيلته!
وجد في الإنتقام عرضا أكثر من مغرى للتغلب على هذا الألم وربما دحره لسنوات قادمة
هو كان واثقا أنه سيعود

ولكنه فقط يسعى لإلتقاط بعض الأنفاس الخالية من الوجع امرا مشروعا،أليس كذلك ؟
وقد يبذل في سبيله كل ماهو مشروع وغير ذلك
توقف بسيارته الرياضية أمام منزلها وألقى نظرة خاوية لساعته
الثمينة، بضعة دقائق وتظهر صيده الثمين لهذا اليوم
وقد كان
ظهرت ببذلة عملية كحلية اللون وجدلت شعرها حتى آخره
ووجهها كالعادة خالي من المساحيق تحمل ..
بيد حقيبة

متوسطة الحجم وباليد الأخرى تمسك بصغيرها
لابد أنها في طريقها لتقله لحضانته
ترجل من سيارته وسار بضعة خطوات حتى توقف أمامها وهو
يلقى عليها تحية الصباح التي استقبلتها بأنظار شائنة متجاهلة
ترحيبه الودود بها:
- أنت هنا بتعمل ايه ؟
ألقى نظرة على الصغير الممسك بكف أمه والذى بدوره يراقب
طيفه،صغيرها لا يشبهها هو فقط نال تلك العيون الناعسة منها لا
أكثر ولكنها الآن متسعة ومترقبة للغاية لرد فعل الغريب على أمه
الذي لازالت تزجره بالنظرات وهي تشد بكفها على كفه فقال

بإبتسامة واسعة وهو يقدم الحلوى له:
- صباح الخير يا أيهم،دى عشانك .أمسك
لكن الصغير رغم إبتسامته التي اتسعت للضعف ربما،لم يتقبل
عطيته بسهوله والتفت إلي أمه التي أشارت له بهدوء كي يقبلها قائلا بأدب جم:
- شكرا
كانت عيناه مركزة عليها وعلى رد فعلها المقتضب فقال بهدوء:
- نوصل أيهم ونكمل كلامنا في العربية،الموضوع مهم بخصوص امبارح
فقالت محاولة الهروب لا سيما أنها لا تضمن أن يكون الموقف
مراقبا بالكامل من والدها المحترم:
- نكمل كلامنا فى الشركة ياباشمهندس

القى كلماته المقتضبه وهو يسير متجها لسيارته دون اكتراث:
- ومين قالك اننا رايحين الشركة !
رفعت أنظارها للأعلى واطمأنت أن والدها غير متواجد بشرفة
شقتها والتي تطل على الشارع حيث يقفان واتجهت لسيارته بخطوات مسرعة وهي تنبه صغيرها:
- أيهم اقعد حلو في العربية وماتعملش دوشة
الحضانة كانت تبعد دقائق معدودة عن مقر سكنها،عادت
لسيارته متجهمة واندفعت للداخل بثورة عارمة:
- على فكرة اللي أنت بتعمله ده مايصحش متنساش أنا ست
عايشه لوحدى وماينفعش ولادي يشوفوك والأهم من كده أن الشغل ليه مكانه

التفت إليها هادئا:
- أنت كنت ممكن تقولي الكلمتين دول من على باب العمارة
أساسا لكنك جيت معايا لأن الشغل عندك أكتر من مكتب في الشركة
كاد يمازحها قائلا "ده غير تأثيري الساحر عليك "ولكن نظرة
الشياطين التي تطل من عيناها جعلته يقلع عن الفكرة فاكتفى
بالعقلانية سبيل في حوارهما المشحون
تنفست بعمق وقالت بجدية:
- خير، فيه إيه وليه مش هنطلع على الشركة ؟
أجاب بغموض:
- أنا وأنت عندنا مأمورية
وانطلق بسيارته
****
"أنت أزاي تسمحلها تاخد الولاد معاها محرم بيه؟"
رفع أنظاره لأمه التي اقتحمت غرفة مكتبه بالقصر فقال بهدوء

محاولا السيطرة على ثورتها العارمة:
- وهيقعدوا هنا منغيرها يعملو أيه أنت تعبانه وأنا برة طول النهار لم تأبه لهدوءه واستطردت بنفس الهجوم:
- وأنت من أمتى بتسمحلها تبات بره أصلا ؟
دعك وجهه بكفيه متعبا وهو يقول بنفاذ صبر:
-أمى، اللي بين وبين سالي مافيش حد ليه الحق أنه يتدخل فيه
زائد إني مشغول ببلاوي مؤخرا مش مخلايني لا فايق لسالي ولا للولاد
اقتربت منه بقلق وهي تقول:
-إيه اللي بيحصل ومخبيه عليا ؟
نظر لها وهو عاجز حتى على التنفس فقال بإقتضاب:
- مشاكل في الشغل
ردت بسرعة غاضبة:
- أنت قلت بلاوي،إيه اللي حصل، ماتنطق ؟
نظر لها ولنظراتها المشتعلة
قدر خوفه أن يصيبها مكروة إن علمت بما اقترفه صغيرها الغالي
قدر سعادته بهذا البريق الوحشي الذي يطل من عيناها مؤكدا له

أن أنفاسها لازالت متشبثة بهذا الجسد وتلك الحياة فقال بهدوء:
- زياد ورطنا بمصيبة جديدة من مصايبه
جلست بهدوء أمامه وقالت:
-عمل إيه ب ؟
رد غاضبا:
- بنت الزهري ضحكت عليه وأخدت الشركة منه
رفعت أمه رأسها إليه وقالت بجمود:
دي بتنتمم منك
رفع حاجبيه وقال بإندفاع:
- قصدك إني أنا السب ؟!
همست له بفحيح قبل أن تنصرف مرة أخرى لمهجعها:
- قصدي أنك أنت الهدف
وفي علم الطبيعة تعلم أن الهدف السهل هو الهدف الساكن
لذلك لم يكن أمرا غير متوقعا أن يرتدي أفضل حلة لديه ويتأنق
مغادرا القصر نحو شركة أخيه
فهو لن يعترف بملكية آل الزهري لما ساهم ببنائة ولو بقطرات عرق

كان يلتهم المخبوزات الساخنة إلتهاما وهي ترقبه بهدوء ظاهري
وفنجان قهوتها شارف على آخر قطراته وقال متفكها:
- على فكرة أنت المفروض تفطري كويس
ردت ببرود وهي تهز راسها:
- على فكرة أنا فطرت وفنجان القهوة اللي انت طلبتهولي قرب
يخلص وكل ده ماعرفتش إيه نوع المأمورية اللي طالعين فيها
تمالك نفسه من الضحك متسليا بمظهرها الغاضب وقال:
- انت لما بتيجي تعاقبي ولادك بيكون شكلك كده ؟
جمعت أنفاسا متلاحقة بصدرها وهي تنظر للأعلى وقالت أخيرا
- باشمهندس أسامة أنا بالظبط قدامي

قاطعها برقة مستنكرا:
- باشمهندس !.أنا لحد امبار كنت أسامة بس
دفع بطبق لمخبوزات جانبا وأشار للنادل ليحضر مزيدا من القهوة وقال بعملية تامة:
- أحنا لازم نعرف إيه اللي بيدور من ورانا في مجموعة الزهري يا درية
وأخيرا ! حديث متزن عن العمل
انصتت له وقالت:
- فعلا، بس أزاي ؟
رد ببساطة:
- البداية أنت
اتسعت عيناها وقالت:
- أنا !
ارتشف القليل من قهوته:
- أنت صحفيه في مجلة إقتصادية هتطلعي دلوقت على مقر
الشركة أنا خليت سكرتيرتي تاخدلك معاد مع نائب مجلس
الإدارة هتسألية الأسئلة اللي في الظرف، وحاولي تكونى لطيفة
"لطيفة" كلمة مكونة من خمسة أحرف معنونة لديها فقط لمطربة شهيرة،

تناولت منه الظرف مستنكرة وقالت بنبرة ثقيلة:
- التمثيلية دي فاشلة جدا!اا
أقر مؤكدا بهزة رأس:
- وارد،بس في حالة أن النائب بصباص وعنيه زايغة،العجلة ممكن تمشي
رفعت له أنظارا حارقة ساخرة:
- ده أنت كمان عاوزني أمثل دور الإغراء فيها
ضاقت عيناه ولم يستطع المقاومة وقال بمكر:
- يمكن الدوركان يكون مسبوك كويس لو بلبس أمبارح
احمرت وجنتها بشدة وقالت وهي تستعد للإنصراف:
- أنا غلطانة أني وافقت آجي معاك
مد يده وقبض على كفها برقة وقال بهدوء:
- أنا مش هجبرك على حاجة يادرية،كل اللى بطلبه منك تكوني
لطيفة وأهي خبطة ياصابت يا خابت
سحبت كفها من قبضته سريعا
اللعنة عليه لقد اعتاد الإمساك بها واعتادت هي دفء لمساته فقالت بحنق:
- اسم المجلة اللي رايحة أمثلها إيه ؟
ابتسم لها وهو يشير للنادل طالبا لدفع الحساب:
- هتلاقي التفاصيل كلها عندك في الظرف فيه كمان كارت آي دا علقيه وأنت داخله

- أنت مش عجباني يا سالي
كلمات مرت بخاطرها قبل أن تفصح بها مجهدة في وجه ابنتها
الصغرى التي كانت تجلس ساكنة أمام شاشة التلفاز تتابع فيلما كارتونيا برفقة صغارها
التفتت لها قائلة بإبتسامة صغيرة:
- ليه كده ياست الكل ؟
سايبة بيتك وجوزك ليه يا -
ابتسمت لها بسخريرة مريرة وهي تقول:
" بيتي ! هوا فين بيتي،قصدك بيت سوسن هانم

ربتت أمها على كتفها مواسية:
- طب وجوزك؟!
هزت سالي رأسها وردت:
- قلت أبعد يمكن يحس بقيمتي
أشارت لها أمها نافية وهي تتنهد:
-عمر البعد ما بيقرب يا بنتي
تقافزت دموع القهر من عيناها قائلة:
- مابقاش حاسس بيا يا ماما
أمسكت الأم بذراع ابنتها وهمست لها:
- قربي أنت منه أكتر وأكتر مش تسيبيه غيرك يلهفه منك
رفعت سالي أنظارها نحو أمها على نحو مذعور:
-لا ياماما جاسر لايمكن يخوني

لوت مجيدة شفتيها لحماقة صغيرتها وقالت:
- هوا مش محتاج يخون ياحبيبتى ..الشرع محلله أربعه وجوزك غني وألف مين تتمناه
اتسعت عيناها بصدمة وقالت:
- قصدك يتجوز عليا،جاسر لايمكن يعملها،الستات أصلا مش
في دماغه،كل اللي يشغله الشغل وأمه وعياله وبس وحتى أنا برة دايرة إهتمامه
نظرت لها مجيده ممتعضة وقالت:
- الست اللي ماتعرفش تضلل على جوزها وبيتها وتخليه لايمكن
يستغنى عنها ست خايبة ياسالي،وأنت مش خايبة أنت بس
نفسك قصير وبتستسلمي بسرعة

أشارت لها ابنتها لتخفض صوتها الذي قد علا جراء الإنفعال وقالت:
- خلاص ياماما يومين بس أريح اعصابى وأرجع طالما زهقت تنهدت مجيدة وقالت:
- أبدا يابنتي ..ده أنتو مالين عليا البيت حتى،أما أقوم أعملك عصير تروقي بالك أنت والولاد
نظرت لها سالي وهي تنصرف لمطبخها وتساقطت دموعها رغما
عنها وهي تطالع صورة والداها الحبيب التي تحتل الحائط
المقابل وهمست داخلها "ياريتك كنت معايا "

وضعت سماعة الهاتف بأنامل مرتعشة ودقات قلبها تتقافز حتى كادت تصم أذنيها كطبول حرب ضارية
لقد أخبرها موظف الأمن منذ قليل بوصول جاسر سليم وهو في
طريقه الآن للطابق الأخير حيث مكتبها في تلك البناية المتواضعة
بالنسبة لبناية شركة والدها الراحل
طالعت هيئتها في المرآة التي تحتل عرض الحائط وهندمت زيها
المكون من قطعتين غير متناسبتين إطلاقا مع الطقس المتقلب
الذي يمر بالبلاد بلونه الكريمي الدافىء ومررت أناملها المرتعشة
بين خصلات الليل التي تظلل رأسها الجميل وتمتد لتصل إلى

ورشت المزيد من عطرها المغري وأخذت نفسا عميقا وتظاهرت
بهيئة باردة فأيا ما كان يحمله جاسر لها لابد وأنه يحمل صفة نارية
وهي ستنجو منها بالبرودة التي ستزرعها في عروقها
تظاهرت بالإنشغال في أوراق واهية لم تلتقط عيناها أبعد من سطورها الأولى
وهو يقتحم الغرفة دون إنذار

وخطوات البلهاء التي تتقافز خلفه وصوتها يتعالى من ورائه ورغم
ذلك وصل خافتا مرتعشا لآذانها بكلمات لا قيمة لها في عالم جاسر سليم:
- مايصحش كده يافند
صرفتها بإشارة من يديها وهي تتهادي في مشيتها نحوه حاصدة
رغما عنه نظرة إعجاب فجابهته بنظرة واثقة وإبتسامة واسعة
كلمات معدودة:
-جاى تباركلي
ربما يكون تغير بقدر يسير منذ أن هجرها ولكنه لازال متمتعا
بتلك الطلة الساحرة والساخرة في آن واحد وكبرياءه تعتلي رأسه
شامخة ونبرة صوته قادرة على تخدير حواسها أجمع
-لا بالعكس أنا جاي أعزيكي
عبست بدلال وقالت بلوم:
- تعزينى ! أنت مش واخد بالك أنه فات أوانه خلاص
ضحكته أذابت عظامها وخشونة نبرته أعادت تكوينها على نحو أشعث:
-ااه بالنسبة لوالدك !بس لاء مش عشان كده، ولو أن الرحمة تجوز على الجمع

استجمعت شتاتها وعقدت حاجبيها وقالت حانقة:
- أومال جاي تعزيني ليه"
مد يده ونزع زهرة جوري حمراء من بين مجموعة زهور منقمة
فوق طاولة اجتماعات وسط الغرفة
قائلا بغموض:
-ده اللي هتعرفيه قدام
تراجعت بضعة خطوات للخلف واتكأت بإغراء على سطح مكتبها الزجاجى وقالت بدلال:
- جاسر،أنت جاى تهددنى وفي أول يوم أقعد فيه على مكتب مدير الشركة؟!

مالكش حق بعد الغيبة الطويلة دي
لمعت عيناه وهو يلتفت لها:
-كل شيء وليه آخر ومن هنا ورايح أعرفي أنك تحت عينى
اقترب منها بخطورة، بخطوات فهد فاقتربت منه بدورها وقالت
وهي تتلمس كتفه بنعومه:
- يسعدني جدا اكون تحت عينيك،بس ماتفكرش أبدا إني
ممكن تاني أرجع تحت إيديك
ابتسم لها وقال مستنكرا وهو يزرع الوردة بين طيات خصلاتها بيد خبيرة:
- ليه ؟ ماكنت كده زمان
سارت رعشة قاتلة بطول عمودها الفقري فقالت بجمود قبل أن
تنهار أمامه وتفقد تماما ماء وجهها:
- أنت قولتها بلسانك.. زمان

وهمت بصرفه ببرود ولكنه لم تلمح سوى ظله يختفي سريعا من
أمامها راقبته ساخرة لطالما كان بارعا بالإختفاء من حياتها بلمح البصر
ولكن ماهي إلا ثوان معدودة حتى وصل لهاتفها الشخصي الذي
لا يعرف رقمه سوى نخبة ضئيلة جدا من المحيطين بها رسالة
فضغطت على الزر بأنامل مرتعشة:
"العشا بكرة الساعة سبعة في نفس المكان،مستنيكي يا خمرية""
وسقط قلبها من بين أضلعها
فهو لازال يذكر لقبه الذي كان يتودد به إليها

كان يجوب أورقة الشركة دون هدى يطرق أبواب موظفيه ويبتسم .
لهم أو يزمجر بهم على حسب تقلب حالته المزاجيه على مر
ثلاث ساعات متصلة ماضية،وكاد أن يرتطم بمدام هدى رئيسة قسم الحسابات
فتراجع للخلف مغمغا بأسف تقبلته منه مدام
هدى على حرج قائلة:
-خير ياباشمهندس فيه حاجه ؟حضرتك تؤمر بحاجة ؟!
برقت عيناه وهو يواجهها وقال:
- أطلبي درية من فضلك وشوفيها فين ؟
أومأت براسها وعادت له بعد ثوان:
- مابتردش، غريبه

عبس وعقد حاجبيه أنها لاترد على مكالمات الجميع إذا،لقد
ظن أنها تتجاهل إتصالاته المتكررة وهو يريد الإطمثنان عليها
فمنذ أن تركها أمام شركة آل الزهري منذ ثلاث ساعات كاملة والقلق يتأكله
وأمرا أخرا يرفض الإعتراف به،فحرفيا هي الآن بوكر زير نساء
مخضرم وهيثتها المتزمتة التي طالعته بها هذا الصباح فوجىء
بأنها قد غيرتها تماما قبل أن تترجل من سيارته، رغم أن كل مافعلته كان بسيطا للغاية
فقط فكت جديلتها وأرسلت خصلات شعرها حرة على ظهرها

ومنحت شفتيها مباركة من أحمر شفاة بلون الفريز الشهي، وتركته يحترق بأمنية لوكان بإمكانه تذوق طعمه
عاد لغرفة مكتبه بالطابق الثاني تاركا سكرتيرته مترنحة بصوته الصارم بجملة مفاداها
"أول ما درية توصل تجيلي مكتبي "
عادت سكرتيرته الحسناء إلى مكتبها وعلى وجهها إبتسامة حالمة
وهي مفتونة تماما بتغير حالة رئيسها بعد رحيل زوجته الشابة عن الحياة

الساعة تعدت منتصف الظهيرة وقررت المرور على صغيرها بحضانته
وحمله باكرا للمنزل بدلا من أن ينتظر عودة أخيه الأكبر من مدرسته ليقله هو
فسار صغيرها إلى جوارها وهو سعيد تماما بتلك المفاجئة، يقفز من حين لاخر فنهرته أمه قائلة:
- أيهم بطل تنطيط
نظر لها الصبي بشقاوة وهو يقول:
- ماما أنت حلوة أوي،ماكنتيش كده الصبح

التفتت له ضاحكة وهي تقول:
- ياسلاام وكنت وحشة على كده الصبح ؟
هز رأسه نافيا وهو يقفز مرة أخرى:
- لاء بس شكلك كان مدايق الصبح
ضحكت وهي تمسك به من جديد:
- ماشى يا أبو نص لسان لو مابطلتش تنطيط أنا هشيلك
جري الصغير منها وقد اقتربا من باب العقار وهو يصرخ ضاحكا بلهو:
- طب امسكيني الأول
اتسعت عيناها وكذلك خطواتها وهي تحاول اللحاق بصغيرها
الذي اصطدم بجارهم الطبيب الطيب فتوقفت لتعتذر له:
- أنا آسفة جدا، والتفتت لصغيرها الذي توقف أخيرا أمام باب المصعد وقالت مؤنبة:
-كده يا أيهم،تعالى اعتذر من الدكتور حالا

ابتسم لها نبيل وقال:
- حصل خير،يالا هات الأسانسير يا أيهم
هز أيهم رأسه الكثيف طائعا واستدعى المصعد وتوقفت أمه إلى
جواره وتنحنح نبيل قائلا:
- راجعين بدري النهاردة ؟!
رفعت له رأسها بدهشة فهي كانت لا تعلم أن جارها المتيم بها
يراقب تحركاتها ولديه الآن خبرة كافيه بمواعيد انصرافها
ورجوعها للمنزل رغم إنشغاله بعمله الطارىء في معظم الأحيان
فهمهمت بموافقة ولكن صغيرها تطوع بتوضيح الموقف كاملا:
- ماما خلصت شغل بدري وجت أخدتني من الحضانة

جزت على أسنانها بإبتسامة وهي تقبض على كف صغيرها بحزم وتدفعه لداخل المصعد
وعندما وصلا للطابق الرابع ترجلا منه وتركا جارهما يودعهما ملوحا وعلى وجهه نظرة رجاء
وهو يقول:
- طب ما تتفضلوا تتغدوا معانا، وماتخافيش مش أكل عزابي وأردف موضحا: بضحكة
متوترة:
- الحاجة عندي النهاردة
ابتسمت بحرج وقالت:
- بالهنا والشفا وواجب علينا يادكتور بس احنا كمان بابا عندنا النهاردة

واغلقت بات المصعد وتنفست بعمق وفاجأها صغيرها يإحدى أسئلته الغير عادية:
- هوا ايه أكل عزابي ده يا ماما ؟ طعمه حلو ؟بتعرفي تعمليه؟
ضحكت دريه وسقطت منها مفاتيحها محدثة ضجة مميزة وفتح
الباب وهي تهم بإلتقاطهم ورحب بها والدها بحرارة:
-كويس إنك رجعتي بدري، يالا الغدا جاهز
فدلفت وعلى لسانها إعتراض لم يسمعه والدها،فهي فقط قامت
بمهمة توصيل صغيرها حتى لا يمضى مزيدا من الوقت وحيدا
بفصله وتخطط للعودة مرة أخرى لعملها
ملاحظة التغيرات الجذرية التي قام بها والدها في غرفة
الإستقبال بالإضافة لعطر رجولي مميز صارخ يجوب الأجواء ولا
يخص والدها إطلاقا قائلة بحيرة عابسة:
با بابا ..بابا أنت عملت أيه ..المكان آآآ..اتغير

- مش هينفع .
وكده الولاد،،بابا...
والتفتت لوالدها الذي كان يصدر سلسلة من الأوامر لحفيده
ولاحظت وقوف رجل عريض فارع الطول وعلى كتفه منشفة
مطبخها المزركشة والتي لا تتلاثم إطلاقا مع هيئته بقميصة
الأسود وسروال من الدنيم الأزرق مبتسما لها بحرارة ويتقدم منها
بخطوات خجلة واطلق والدها ضحكة عميقة وهو يربت على كتف الرجل الذي يفوقه طولا:
- هاه أيه رأيك،أنا والعقيد غيرنالك ديكور الشقة كده أحسن

وأوسع واستغلينا المساحة مش كده ولا أيه
صافحها العقيد بحرارة وهو يسلط بأنظاره عليها قائلا بحرج:
- في الحقيقة سيادة العميد أصر وماكنش قدامى غير أني أقدم المساعدة أتمنى ماتكونيش أتدايقتي
وقفت تطالع الرجل عاقدة الحاجبين كالبلهاء تماما
، اللعنة عليه، اللعنة تماما عليه
شون كونوري بشحمه ولحمه لن يقاربه روعة
هزت رأسها صامتة ووالدها يسمعها الأروع بفخر واعتزاز وكأنما
كان إنجازه هو:
- طارق هوا اللي طبخ النهاردة
وضحكتها كانت البلهاء

وانصرفت لغرفتها مسرعة وهي تغمغم بغيظ
- ياترى أوضتي في مكانها يابابا ولا اتغيرت هيا كمان ؟!
ولم تنتظر للحصول على إجابة فهي كانت تتوق وبشدة للإختفاء داخلها
جلست على طرف الفراش وهي تعد داخلها حتى تخطت
العشرون محاولة التنفس بأيقاع منتظم
في ليلة واحدة ظهر والدها وغير معالم غرفة إستقبالها بمساعدة
غريب طاف أركان منزلها !
ولم يكتفي بهذا فقط بل وسمح له بدخول مطبخها المرتب
والعبث بخزانة طعامها ليحضر لها ولصغارها طعام الغداء الذي
قلما تعده بنفسها فساعات عملها الطويلة المتصلة حرمت أطفالها تلك الرفاهية
هي فعليا تغلي وتزبد وعندما قررت التحلي بروح إيجابية تحطمت تماما على صخرة الواقع
أو بالأحرى هاتفها الذي يحمل أحدى عشر مكالمة لم يتم الرد
لقد نسيته تماما على الوضع الصامت منذ أن دخلت شركة الزهري صباحا
وحتما من يغلي ويزبد هو "أسامة" الآن الذي راسلته برسالة نصية
آسفة التليفون نسيته سيلينت ومش هينفع ارجع النهاردة على الشركة تاني
بكرة بإذن الله نتقابل ونحكي"
ثم أخذت القرار الأكثر تهورا وأغلقت الهاتف !

آشري، مش معقول المفاجئة السعيدة دى !
التفتت له وهي ترسم على وجهها إبتسامة هادئة وتمد يدها لتصافحه:
- أهلا،عاصم بيه .مفاجئة فعلا
صافحاها بحرارة ونظرة إعجاب تطل من عينيه قائلا:
- حمد الله على السلامة، مصر نورت،أنا كنت جاي استقبل
صديق ليا بس طيارته اتأخرت ونزلت ترانزيت في دبى مكتوبلي بقى أوصلك

هزت رأسها رافضة عرضه:
- ميرسي بجد، بس السواق مستنيني بره
تهدلت كتفاه وقال:
- طب خلاص اسمحيلي بقى أساعدك في الشنط
ابتسمت له وقالت:
- شور ولو إني هتعبك معايا
- بالعكس تعب إيه ده حتى شنطك قليلة أوى اكيد لميتي اللي
قدريتى عليه ورجعتي بعد الخبر اللي سمعناه كلنا،
قالها وهو ينظر لها بمكر بالغ منتظرا ردة فعلها والتي كانت
واضحة على ملامحها وتوازت مع نبرة صوتها المتوترة:
- خبر إيه،خير ؟!
رفع حاجبيه وقال بإندهاش كاذب:
- معقول ماتعرفيش،زياد باع شركته لداليا الزهري
وعندها توقفت خطواتها تماما عن الحركة
لم يتغير المكان كثيرا بل ربما بقي على حالته خاطرة مرت بذهنها وهي تجتاز بسيارتها الرياضية البوابة المعدنية المنخفضة لذلك المنزل الحجري المكون من طابق
واحد والذي يحوي غرفتين لا أكثر كانت في الماضي مخباءا سريا لهما لا يعلم موقعه أي شخص سواهما ترجلت من سيارتها وهي واثقة أنه لا يزال يحتفظ بتلك الميزة فجاسر سليم لن يخاطر بسمعته إذا ما شوهد برفقتها وهو الرجل المتزوج .

الهواء كان باردا خاصة بمكان واسع يحيطه اللاشيء بعض النباتات القصيرة الغير مشذبة وهواء البحر يحمل صوت تضارب أمواجه وحرصت هي على ارتداء ملابس محتشمة مكونة من قمیص سماوي مقلم وسروال أزرق ينساب على ساقيها بنعومة بالغة ورفعت شعرها وثبته بدبوس ذهبي.

فهي مدعوة لعشاء، لم تحتاج لدق الباب فقد كان يقف حاملا فنجانا بمشروب ساخن وعيناه لا تفارقها قائلا وهو ينظر لساعته الثمينة:
- فكرتك توهتي فتقدمت منه بهدوء قائلة بثقة ودقات قلبها تتسارع:
- أبدا، المكان ماتغيرش أفسح لها الطريق مرحبا بها:
- اتفضلي دخلت وطالعت الغرفة الصغيرة التي لم ينالها أي تغيير درجتان
للأسفل وتصبح بمنتصفها ثم تقودها لمدفئة حجرية قديمة تقتات على الأخشاب لتشع الدفء في الغرفة بمواجهة برودة
رياح الخريف التي يحملها نسيم البحر من الشرفة الواسعة العبة والطاولة المستديرة داخلها تحمل فوقها شمعدانا أثريا من الفضة والشموع مضاءة وبعضها متناثر في الأركان وعلى السور المنخفض ابتسمت والتفت له بنعومة وقالت: - شموع وورد . اتغيرت يا جاسر ! !

ابتسم هازئا وقال: - أنا زي ما أنا ماتغيرتش وأنت زمان ماکنش بيهمك لا ورد ولا
شموع، واستطرد بمكر: - ماکنش بيهمك غيري أطلقت ضحكة ساخرة:
كنت هبلة، فعلا لازم اعترف حمل لها فنجان من الشاي الساخن وقدمه لها وقال معترضا:
- کنت بريئة، براءة الحب والأحلام تناولت منه الفنجان وشربت منه القليل
وقالت بعزم: - في دي أنا فعلا اتغيرت، خصوصا أني أخدت أعظم درس على
إيديك حرك لها المقعد المبطن بقماش القطيفة لتجلس وجلس أمامها
قائلا بسخرية: - مافيش داعي للشكر ولو أن أنت كان عندك الإستعداد
وضعت الفنجان وقالت بمرح: - واضح أنه مش عشا وهنقضيها على فنجان الشاي ده والأتهامات المتبادلة.

وضع الفنجان وقال بهدوء:
- لا إزاي ده أنا حتى مستنيكي من ساعتها قام وشمر عن ساعديه وشرع بإنهاء طعام العشاء الذي كان يعده بنفسه وقامت هي وراءه لتمد له يد المساعدة قائلة:
- أنا ححضر السلاط
لم يعترض ودفع لها بسلة الخضروات لتقوم بالعمل ثم قال بلطف
- إيه اللي رجعك يا داليا ؟
قالت بحنين: - اشتقت لبلدي
أجاب غیر مصدقا: - ولو أنك زمان کنت مشتاقه تسافري بأي شكل
هزت رأسها نافية وقالت: | كنت مشتاقه إني أسيب البلد ونهرب سوا، نبعد عن الكل، بس
أنت طلعت أذكى مني
ضحك هازئا: - لا الصراحة الأذکی کان أمين الزهري وضعت السكين بعدما انتهت من التقطيع وقالت بنبرة حزينة:
- وحملتني ذنبه
أطفأ الموقد وشرع بإعداد الأطباق وقال بعد وهلة: - ماکنش مذنب، كان حقه ولو كنت مكانه كنت هعمل زيه ضحكت بهسيترية حتى ظن أنها فقدت عقلها وفکت خصلات
شعرها ثم قالت: - سوري بجد، بس أنت ألعن منه على الأقل هوا كان بيعمل أي حاجه عشان يحميني أنا وبس أنما أنت بتعمل كل حاجة عشان
تحمي كل حد في حياتك وأردفت بحقد:

- حتى لو ممكن يأذيك هز رأسه متفکها وصب الطعام وتذوقه تحت ناظريها ثم مد لها
بالطبق وعيناه لاتحيد عنها
قائلا: - بون آبتی، وماتقلقيش أنا دوقت المكرونة قدامك بس الشاي
وترك جملته معلقة في الهواء وسار بطبقه للشرفة وسارت خلفه وعيناها تلمعان بجزل ثم جلست أمامه بهدوء قائلة:
- زیاد بدأت ترجعله ذاكرته
شرع في الأكل وقال بإحتقار: - ودي حاجه تتنسي شركة قيمتها ملايين تروح منه في ستريب بوکر
أطلقت ضحكة ساخرة وقالت: - تخیل، مش معقول، أنا كمان ولا ملايين الدنيا تخليني أعملها
ثم استطردت بقوة:
- ولا عملتها . ركز أنظاره عليها والتمعت عيناه بمكر وقال: - برافو یا داليا بس باتری ممكن تلعبيها لو كنت أنا الخصم ؟ زمت شفتيها وتركت الشوكة جانبا وقالت بإستهزاء:
- وأنا اللي كنت فاكراها دعوة عشا بريئة.

قال:
- اللعبة لسه ماخلصتش باداليا، وأردف بتهدید:
- ومش هنخلص إلا لما الشركة ترجعلي . مدت يدها لكوب الماء وارتشفت منه القليل وقالت:
- وأنا هرجعالك يا جاسر بس بشرط التمعت عيناه وقال:
- أيه هوا ؟ دفعت بخصلات شعرها للخلف وقالت بدلال مفرط:
- نتجوز وهكذا ألقت قنبلتها بشفاة قرمزية وبقي هو يحملق بها حتى
ارتعشت شفتاه بابتسامة غامضة

عادت للمنزل منذ يومان وتقبل هو عودتها شاردا حتى أنه رحب بأبنائه بهدوء بالغ
وصدقت أمها فالبعد جفاء بالفعل وقفت تنظم الأزهار التي تحملها كل صباح لركنها المميز في هذا القصر الشاسع، أزهارا تزرعها بنفسها وتحرص دوما على الإعتناء بها ولكن أزهارها ضعيفة لا تتحمل برودة الخريف

وتقلب أجواءه أزهارها مثلها، لم تعد قادرة على تحمل الصعوبات التي تمر بها تتمنى لو تنقشع الغيوم وتعود الشمس لتسيطر على سماء الأرض
هي مخلوقة صيفيه بل هي أقرب للربيع من يقول أن الشتاء مطر وفنجان قهوة وصوت فيروز، لایدری نعمة الشمس ولا جمال دفئها وصفاء شعاعها وحرارة الجو
الصافية بفضلها وأما عن صوت فيروز فهو يشع شتاءا وصيفا فلم عساها تتمتع به فقط تحت وطأة زمهریر.

- صباح الخير
نبرة صوته الدافئة أرسلت لجسدها القشعريرة فالتفتت له وتركت
الأزهار هامسة:
- صباح النور جلس لطاولة الطعام ليتناول فطوره الذي حمله من المطبخ في
هدوء ثم قال: - الولاد فين مش سامعلهم صوت ؟ ! | تابعت عملها بأصابع متوترة وأجابته متوقعة منه الزجر: - طلعوا رحله للمكتبة تبع النادي هعدي عليهم الساعة ۱۲ أخدهم.

ابتسم لها على حين غرة: كبروا، وبيطلعوا رحلات دلوقتي
ابتسمت له بصفاء وقالت: - وسليم ماشي الصبح عمال ينبه على سلمى تمسك إيده
وماتبصش على حد
أطلق ضحكة عالية وبعدها ساد الصمت بينهما وظل ينظر لها ثم
قال بحنان دافيء: - ماتسيبي الورد اللي في إيدك ده وتعالي اقعدي معايا
هاربة هي بكل تفاصيلها وبالأخص عيناها وكلما عمدت للهروب استهوته مطارداتها لتعود بمكمنه هادئة
فيطمئن هو لسكونها نظرت له متوترة ولا تعلم لم قفزت الدموع لعيونها لقد فقدت القدرة على التقرب منه بحديث سوی بکلمات
متناثرة عن حال الصغار ولم تكن يوما ماهرة بالحكي عن نفسها أو عن مشاعرها وهو غامض ككهف حالك السواد لاتدري مابه ولا بأي أرض
تطأ إلا عندما يرشدها هو بضوء خافت
جلست أمامه صامتة وبادرها بمسكة حانية لكفها البارد وقال هامسا:

- إيديكي ساقعه هزت رأسها وحاولت سحب كفها ولكنه استبقاها بل وحاصر
الآخرى وقال بدفء: - أنا عارف أني ساعات بضغط عليكي وعارف ومقدر کویس أنك بتستحمليني لكني دايما واثق أنك هتفضلي على طول
مستحملاني، ثم رفع ذقنها بطرف إصبعه وحملق بعيناها البنية الدافئة واستطرد
برجاء: - يا تری أنا غلطان ياسالي ؟ ياترى بطلتي تستحمليني ؟
هزت رأسها نافية وانهمرت دموعها وقالت:
- أبدا، عمري

مسح دموعها سريعا وقال بصوت أجش:
- ماتعطيش مابستحملش دموعك
وغمرها بأحضانه وهو يربت على كتفها ثم قبل رأسها وقال
بهدوء: - أنا هروح الشغل دلوقت لو عوزتي حاجة كلميني
وهكذا كما يقولون " شمس الشتاء عزيزة " كذلك شمس مشاعرة ودفئه الذي يغمرها به فما كانت سوى دقائق معدودة حظيت بها بقرية لم تثرثر، لم تبح بما يعتمل بصدرها من مخاوف
فقط طمأنته أنها ستظل دوما إلى جواره واطمأنت أنه لايزال يرغب بذاك القرب

لأول مرة يتعالي صوتها بصراخ في وجهه فهي كانت تعامله دوما
معاملة الأطفال على الرغم من أنها تصغره بخمسة أعوام لا تلجأ للصراخ ولا المطالب بصوت مرتفع وإلا بادراها بالعند ولكن فاض الكيل
- فيه أيه بينك وبينها ؟ !
رد زاعقا:
- قولتلك مافيش حاجه - وبعتلها ليه الشركة وفجأة ومنغير أي مقدمات
هدر بها: - مالكيش دعوة بشغلي، شغلي وأنا حر فيه اتجهت لحقيبتها وأخرجت هاتفها والصورة التي لازالت تحتفظ
بها: - والصورة دي كانت شغل برضه یا زیاد ؟ ! !

حملق في الصورة وقال مرتبكا: - كمان باعته جواسيسك ورايا
ردت حانقة: - أنا مابعتش حد وراك الصورة دي وصلتني من حد من مصلحته
أنه يوصلهالي
ثم اقتربت منه وقالت هامسة بحرقة: - ولأن ثقتي فيك كانت أكبر أن مادیتهاش أهمية، لذلك ولآخر مرة بازياد بسألك فيه أيه بينك وبين داليا الزهري ؟
رفع رأسه وقال بتصميم: - مافيش، عاوزة تصدقي أنت حرة مش عاوزة برضه أنت حرة
وخرج وتركها
خرج هاربا خرج لأنه بات لايقوى على المواجهة مواجهة واقع أنه خسر عمله وشركته وأمواله وعلى وشك خسران
زواجه واستقراره بالكامل

عيناه كانتا تلمتع بغضب وحشي وهو يراقب تقدمها داخل بوابة
الشركة من نافذة مكتبه
متأخرة بساعة كاملة
بعد ما حدث بالأمس وتجاهلها الرد عليه وتلك الرسالة النصية
المختصرة جدا | تظهر في اليوم التالي متأخرة ! ! رفع سماعة الهاتف ثم قال لموظف الأمن:
- مدام درية وصلت يا عرفة

أتاه الرد:
- أيوه يا باشمهندس وطلعت على فوق قام وخلع سترته القائمة السواد وشمر عن ذراعيه وسار بخطوات حازمة حتى الخارج وطالعته السكرتيرة بنظرة مشوبة بالإعجاب
وخاصة أن هيئته كانت أقرب لأحد ممثلي هوليود بقميصه وسرواله الأسوديين وخصلات شعره التي قصرت بعض الشيء ولكنها لازالت تقترب من یافته فهبت واقفة وقالت بغنج:
- تؤمر بأي حاجة ياباشمهندس نظر لها بطرف عيناه وهو يطالع الحسناء التي استقرت على
مكتبها منذ ثلاثة أسابيع لا اكثر ثم اقترب منها بحميمية وقال:
- فكريني بإسمك تاني ؟ قالت بصوت مبحوح:
- میار
هز رأسه بغموض ومضي في طريقه وتركها كانت لازالت تفاصيل صباحها بل مساؤها المشحون تطاردها، عراك محتدم بينها وبين العميد الذي هدر بها غاضبا " هتتجوزيه.

ورجلك فوق رقبتك " واستيقظت لتجد أن والدها قد غادر تاركا لها مظروفا يحمل
عشرة آلآلآف من الجنيهات أهكذا يظن ؟ ! ! يحمل لها حفنة من الأموال لتنصاع لأوامره
هي ماعادت طفله كانت تدق بأصابع متوترة على لوحة مفاتيح الحاسوب تراجع
قيمة أسهم الشركات المنافسة ومن حين لآخر ترتشف القهوة الساخنة التي حرقت حلقها
ولكنها تابعت الشرب غير عابئة العبة عاشق
والسؤال الحانق يتردد بداخلها عابثا بسلامها النفسي
" أيظن أنها لازالت طفلة ؟ ! ! " توقف المصعد وفتح الباب وظهر بهيئته الشيطانية وسار بعنجهية مفرطة متجاهلا النظر إليها فطالعته متعجبة وهو يتجه لغرفة مكتبه التي لم يطأها من قبل واستمعت لنبرة صوته الآمرة قائلا ببرود:

- ورايا
اتسعت عيناها بغضب ماجن
أهكذا أصبح هو الآخر يتحدث إليها ! ! ! | وكعادتها عندما تغضب تأخذ شهيقا عميقا وتتوالى الأرقام
داخلها حتى العشرون، فالعشرة لم تكن يوما كافية طرقت الأرض الرخامية بحذائها المدبب وحاولت مسح ملامح الغضب المنحوتة بدقة على وجهها مكتفية بتقطيبة جبين واضحة لم تحتاج لطرق الباب فقد كان مفتوحا على مصراعيه إلى أن
دلفت منه فأغلقه ورائها بهدوء
وبعثر التوتر مشاعر الغضب داخلها
فوجودهما فقط في الطابق سویا خلوة كافية
فلم عساه يوصد الباب عليهما ؟ ! ! وكأنما استمع لمخاوفها فابتسم لها وقال بإستهزاء تام:
- عاملة إيه يادرية ؟ أزيك وأزي الولاد ؟

قطبت جبينها أكثر وقالت معترضة: - إيه الأسلوب اللي بتكلمني بيه ده ؟
أشار لها بيده مستفهما قائلا بحدة: - ليه ؟ ما أحنا أصلنا جايين نتسامر مش نشتغل وكانت الحدة من نصيبها هي الأخرى:
- أفندم ؟ ! !
اقترب منها صارخا: - ماهو أنا لما أبعتك مأمورية وبدال ماتتفضلي وتتكرمي وتتعطفي تردي عليا حضرتك تروحی بیتکو ولا كأن فيه أي
حاجة، يبقى احنا جايين نتسامر، ماهو أنا أصبی کنت باعتك
تسلي روحك مع العضو المنتدب في شركة الزهري فاقتربت منه هي الأخرى وبرقت بعيناها بوحشية في مواجهته
قائلة: - أنا ماسمحلكش يا أسامة ولحد هنا وكفاية، أنا ما وافقتش على
التمثيلية دي عشان في الآخر اضطر اسمع سخافتك وهمت بإنصراف ولكن أنامله كانت الأسبق فقبض على ذراعها بحزم وأدارها لتواجهه مرة أخرى فاتسعت عيناها بذهول غاضب
- أنت اتجننت أنت أزاي تمسكني كده ؟
تجاهل اعتراضها وقال بجنون:
- عمل إيه معاكي إمبارح ؟ جذبت ذراعها تلك المرة بقوة وقالت بحزم: - لما تبقى تهدي وتعرف أنت بتقول إيه يبقى نتكلم
وفتحت الباب ودفعته ورائها بقوة
وعادت مرة أخرى إلى حيث مكتبها ووجهها أحمر كقرص الشمس لحظة الغروب وداخلها مكتظ بكل مشاعر الغضب
والجنون وكانت تلك المرة الأولي له التي يراها في تلك الحالة فبادرها بسؤال مهتم:

خیر پادرية، مالك ؟ ! | ولم يحتاج لإجابة درية التي عادت لمقعدها وهي تحييه بإقتضاب فقد كان ظل أخيه الذي يندفع من الغرفة تسبقه
شياطين السعير خير إجابة
فقال بهدوء قدر استطاعته:
- صباح الخير يا أسامة ثم تناقلت نظراته بين الأثنين وأردف ساخرا:
- ولو أنه مش باين ثم عاد لتوجيه حديثه لأخيه الذي كان بإنتظار المصعد ببرود:
- أسامة، عاوزك
ودخل مكتبه فالتفت الأخير له وأطلق نظرة متوعدة بإتجاه تلك
التي تتجاهله متعمدة فاقترب منها هامسا بوعيد:
كلامنا لسه ماخلصش

أغلق جاسر الباب بهدوء وقال بصوت لا يقبل الجدال: - عشان نبقي واضحين ياأسامة . أيا ما كان اللي في دماغك لحد
درية وستوب التفت له وضحك ساخرا محدقا فيه بتحد تام: - وأنت بقى اللي هتعرفني إيه اللي عنده وأقف ؟
أشار له جاسر بإصبعه مهددا: - أبعد عن درية يا أسامة هز رأسه وقال بعند:
- مايخصكش یا جاسر، أنت اللي لازم تعرف حدودك أنا مش

عیل صغير ولا أنا زیاد كانا على وشك الدخول في عراك محتدم لولا طرقات درية
الهادئة التي قطعت لحظاتهما المشحونة دخلت بهدوء لتضع على سطح مكتب جاسر أوراقها التي تحملها
قائلة برود متجاهله صراع الأسود الذي يدور في الخلفية: - دي نسختين من تقرير عملته عن حركة الأسهم والمعلومات اللي وصلتلها من مأمورية إمبارح، باشمهندس أسامة . ثم أردفت

بحزم: - زائد طلب أجازة لآخر الأسبوع یا جاسر من فضلك نظر لهما جاسر حانقا وقال بحدة موجها حديثه لأخيه:
- مأمورية أيه ؟ سدد أسامة نظرة غاضبة نحو درية التي كانت تبادله النظرات
متحدية غير عابئة وقال بهدوء غامض:
- هتعرف من التقرير اللي عملته درية لعبة عاشق
ثم انصرف اتجه جاسر لمكتبه وهمت درية بالإنصراف هي الأخرى حتى
استوقفها جاسر قائلا بوضوح: - ياترى الأجازة دي رد فعل على تصرفات أخويا ؟ ! |
التفتت له وقالت وهي ترواغه: - أنا عارفة أنه التوقيت مش مناسب بس أنا مضغوطة من كذا ناحية واتطمن أحنا مع بعض على التليفون وهقطعها لو حصلت
أي تطورات هز رأسه موافقا وقال بصوت لا يقبل الجدال: - ابعتي البديل وخدي بقية اليوم راحة وبكرة، بعده تكوني على
مكتبك ثم طالعت عيناه التقرير الذي أعدته وتعجب من دقة الأرقام فقال وهو يسدد نحوها نظرة ماكرة: - يظهر أنه من الأفضل ماعرفش نوع المأمورية
فأشاحت بأنظارها بخجل وخرجت صامتة فماذا عساها أن تخبره ؟ ! أنها قد تقمصت دور إمرأة لعوب للحصول على معلومات بالغة السرية فقط لساعتين زمن ولو استمرت لربما حصلت على ماهو أكثر، فهذا العضو المنتدب رجل أهوج قد يورط الشركة في مصائب مقابل رفقة حسناء، وبدلا من أن يوجه أخيه الشكر لها
بادرها بإتهامات مخزية .

طلته كانت مختلفة بعيناها
طلتها هي الأخرى كانت مختلفة بعيناه لم تستاء من التغيرات التي طرأت على مظهره لأنها كانت واثقة تماما من معدنه وطيبة قلبه ولكن الإستياء كان من نصيبه فقال
متبرما: - عمل فيكي إيه الوحش الكاسر ؟ ضحكت بتوتر وهي ترحب به يإهتمام بالغ:
- اتفضل يا أسامة، أزيك عامل إيه ؟ ! ! رفت نظراته وهو يطالعها قائلا:
- خسيتي ابتسمت بحبور وقالت:
- بجد، أهوه أديني بحاول إبتسامتها لم تصل لعيناها قط وسرعان ماغابت عن شفتيها وهي
تقوده للداخل
قائلة بهدوء: - أظن أنه سوسن هانم نايمة دلوقت بس هيا ممكن تصحی کمان شوية.

رد بهدوء: - ولا يهمك أنا ممكن أقضي بقية اليوم معاكم ده لو ماکنش
بدايق التفتت له وهي تنفي سريعا:
- بالعكس أبدا ده أنت تنورنا
- سالي أنت بطلة باغتها بتلك الكلمات عندما همت بالإنصراف للقيام بواجب
الضيافة فالتفتت له قائلة بتوتر:
- ليه بتقول كده ؟
قال وكأنما يؤكد لها حقيقة: - اللي تعاشر جاسر والنسخة الأنثوية منه لازم تكون بطلة
ثم أردف بلطف: - ماتعمليش حاجة وتعالي احكيلي مالك، ليه شكلك تعيس کده

توقفت الكلمات عند شفتيها وحشر صوتها في حلقها حتى ظنت أنها ستختنق والدموع هددت بإنهيار مزر أمامه فهزت رأسها
نافية وقالت وهي تشدو هروبا: - تعرف أنت بتفكرني ببابا الله يرحمه، كنت ممكن أعرف أمثل
على ماما لكن بابا . . .
وصمتت وجاهدت الدموع التي توالت بالطرق على جفونها بقوة أكبر عند ذكرى والدها الحبيب ثم أردفت بصوت متحشرج:
- كان بيقفشني كل مرة، خليها وقت تاني يا أسامة أنا ورايا مشوار مهم . . الولاد فوق في أوضتهم بيلعبوا لو تحب تقعد معاهم
وتركته ينظر لهروبها بحيره لاعنا أخيه في سره
قضى فترة لا بأس بها باللهو مع أبناء أخيه، سليم كان يتحاشي اللهو بصخب وعندما يهم بفعل ما يتراجع عنه سريعا وكأنما يخشى التمتع باللعب حقا كأي طفل في الثامنة من عمره، أما سلمى فكانت فتاة بريئة مرحة لم تكف عن السؤال عن ابنة عمها وإلى أين ذهبت وكيف لها أن تتركهم فكان سليم يقاطعها بعنف عندما تذكرها
حتى هدئه أسامة وقال له: - براحة على أختك يا سلیم، أنت لازم تكون حنين عليها وتحميها مش تزعقلها وتتخانق معاها فرد سليم متبرما:

- ماهي أسئلتها غبية
ابتسم له عمه بدفء وقال: - عشان بتسأل عن مريم، طيب أنت ماوحشتکش ؟
هز رأسه وقال بحزن:
- وحشتني
فرد أسامة بحنان: - أنا كمان وحشتني جدا بس اللي مصبرني أنها عند ربنا في
الجنة بتلعب ومبسوطة فقالت سلمى بعقل طفلة في الخامسة من عمرها لاتستوعب
معنى الفراق: - طب مانروحلها نلعب معاها
هز العم رأسه مؤكدا بهدوء: - هنروحلها . في يوم من الأيام كلنا هنروحلها.
- عيد كدة تاني اللي قولته حدق فيه ولازال عقله يحاول إستيعاب ما قاله أخيه الأكبر
فقال جاسر بضيق:
- فيه إيه مش مفهوم في كلامي ؟ قبض على لسانه كي لا يتفوه بألفاظ قد تسيء لأخيه محاولا الهدوء ولكن محاولته لم تكن جدية بالقدر الكافي إذ أنه رد
صارخا: - أنا عايز أعرف أنت حدودك فين بالظبط ؟ إيه اللي ممكن يوقف جاسر سليم ؟

رد بعنف:
- أنا مافيش حاجة ممكن توقفني ومافيش حد يلوي دراعي
ضحك أسامة بسخرية وقال:
طب ما أهيه بتلوي دراعك
فرد جاسر بهدوء: - الجواز مش لوي دراع ده قبول أو رفض بين أي طرفين
التمعت عيناه بحدة وقال: - وأنت موافق یاجاسر ؟
ضاقت عيناه وقال: - القرار مش بتاعي لوحدي

حدق فيه غير مصدقا وقال: - أنت ممكن تعمل كده في سالي فعلا ؟
رفع أنظاره نحو أخيه وقال: - إحنا في مركب واحدة، وهيا بتخاف على مصلحتي
زعق فيه حانقا:
- أومال بتقولي ليه ؟ هه، لمجرد العلم بالشيء أنت أصلا واخد قرارك ومش محتاج ليا ولا لغيري، ولا هامك حتى الأرقام ولا
المعلومات اللي جابتها درية لم يستطع المقاومة أكثر من ذلك فاندفع نحو عبوة السجائر التي تخص أخيه وسحب واحدة وهو الذي أقلع عن التدخين تماما
منذ عام تقريبا ونفثها بقوة: - مش كفاية وماتضمنش أن الشركة ترجعلي
عندها بهدوء قال ساخرا: - ترجعلك ! ! مش ترجع لزياد ؟ ! !

حل ربطة عنقه وهدر: - ولما ترجع لزياد حيحصل إيه، هيضيعها من تاني ونفضل نلف
في الحلقة دية لحد أمتي ؟ هز أسامة رأسه وقال وهو ينظر له بضيق قائلا بتهكم مرير: - أنت أصلا واخد قرارك ومافيش حاجة هترجعك إلا لما تخسر
، عارف وأنا هسيبك تخسر وافتكر كلمتي ياجاسر افتكرها كويس
واقترب منه ولكزه بإصبعه في كتفه قائلا بتصميم: | - أنت محتاج الخسارة عشان بعد كدة تعرف تقدر قيمة اللي معاك

تمر على المرء لحظات يتمنى لو لم يختبرها قط
ولكن للقدر لحظاته الفارقة في زمن قريب بمكان ليس ببعيد خرجت شابة في منتصف العشرينات من بيتها لتتجه لزيارة صديقتها التي انتقلت للحی القريب منذ يومان فقط، زيارة لو أطالتها لساعة واحدة فقط في ثرثرة نسائية ماعرفت بخيانة خطيبها الذي كان يجلس في مطعم برفقة أخرى وهو الذي أخبرها يوم الأمس أنه سيكون مسافرا.

بعمل ولشدة هول المفاجأة عليها تركت الفتاة سيارة الأجرة التي كانت ستقلها عائدة لبيتها وهي تتجه للمطعم لتصب على الخطيب الغادر غضبها
وكانت المحظوظة التالية بتلك السيارة الخاوية في هذا الوقت
المزدحم " سالي " التي لم تكن محظوظة بقدر كافي إذ عادت لقصر " آل سليم
" مبكرة حاملة هدية عيد ميلاد لزوجها وحبيبها وقررت لشدة حظها أن تدخل من باب الشرفة الواسع بدلا من البوابة الرئيسية للقصر لتضعها في حجرة مكتبه حتى تكون مفاجأة لطيفة له.

عندما يعود ولكن المفاجأة لم تكن لطيفة
إذ لم تكن أبدا ! ! فسالي استقرت على الأرض الباردة للشرفة المظلمة ودموعها تجري أنهارا على صفحة وجهها البريء في صمت تام بجوار
الحقيبة التي تحمل هديتها التي غلفتها برونق خاص فلقد سمعت للتو قرار زوجها بالزواج من أخرى والسبب لم يعد أبدا مهم ! !
لقد فكر وقرر واختار رغما عنها فكما قال " هما الإثنان في
مركب واحدة وما قيمتها بمقارنة شركة تقدر بملايين الجنيهات ؟ ! !
لو أراد إختيارها لكان فعل
وبكل الأحوال هي خاسرة إن رفضت فستخسره وإن قبلت أيضا ستخسره.

لا تعلم كيف دفعت بساقيها للنهوض ولا بعد كم من الدقائق تماسكت وحملت هديتها بوجه بارد ودموعها تشق داخلها نهرا
الا قرار له ودلفت من باب القصر الشامخ لمحت الأضواء الخافتة تهرب بظلها من خلف باب غرفة مكتبه فتجاهلتها متعمدة وصعدت للأعلى حيث دفء أبنائها هاربة
ولكن شيئا ما جعلها تتوقف أمام حجرتها نعم هي المسئولة الأولى عما آلت له حياتها، هي من رفضتها وكرهتها وجرعتها كؤوس الهوان والذريعة.

" أم مريضة "
سمعت آه خافتة تلتها أخرى توقعت أن تنشب داخلها نیران الحقد وأن يرقص قلبها طربا بذاك العذاب، ولكن عذابها كان
أكبر وبيقظة ضميرها الذي لا يهدأ اتجهت بخطوات هادئة نحو
غرفتها وطرقتها بحرص وخطت داخل الغرفة المظلمة لمعة عيناها أرشدتها لمكانها لقد كانت تفترش الأرض أمام
الشرفة أضاءت المصباح الخافت وقالت بتساؤل مرتجف:
- أندهلك نعمات ؟ هزت لها رأسها نافية وقالت بقسوة الألم وقوته:
- مش عاوزه حد، عاوزه أموت، تعبت
منعت دموعها من الإنهيار بصعوبة واقتربت منها وقالت بصوت
مرتعش: - طب على الأقل قومي معايا على سريرك ماينفعش تموتي على الأرض

نظرت لها بكراهية وقالت:
- ده اللي بتتمنيه
ابتسمت لها ساخرة: - لیا آه بقيت بتمناه، وليكي . . . إن كان فيه راحة ليكي جذبت ذراعها فجأة بقوة تتنافى مع مرضها وقالت وهي تدفع بجسدها للأعلي بمساعدة ذراع سالي الممدوة لها بخشونة:
- التأخير من عندك
لم تتمالك سالي نفسها وضحكت ودموعها تنهمر وهي تدفع
بجسد سوسن النحيف نحو الفراش وهي تهمس لها:
- مافيش فايدة
أمسكت سوسن بكفها قبل أن تبتعد وقالت بحزن: - مانكرش أنك السبب، بتمسك بأنفاسي عشان أعيش وأقهرك
زي ما أنا مقهورة منك رفعت لها سالي أعين لائمة وهي تقول بنبرة تعيسة:
- لیه قهرتك، ليه بتقولي كده ؟ عملتلك إيه ؟ هزت سوسن رأسها وأخفضت عيناها خجلا وهي تجذب الشراشف الوثيرة نحوها تشدو دفئا فعظامها لم تعد تتحمل برودة الطقس وقالت:

- أكتر واحدة حبها، أكتر مني هزت سالي رأسها نافية وقالت بهدوء وكأنما تقر لها واقعا: - أنت غلطانة، ابنك بيحب نفسه أكتر، ولو كان بيحبني ماکنش
أجبرني أعيش معاك، لخاطرك رفعت سوسن أنظارها وقالت معترفة:
- لاء هوا عشان ضميره مش أكتر
جلست سالى إلى جوارها وقالت وهي تحصي: - طيب، يبقي مش أنا، ضميره وهوا ونفسه وبس
همست لها بخوف:
- کرهتيه ؟ هزت رأسها وقالت مزدرية حالتها والدموع تغالبها: - ياريتني كنت أقدر، حتى بعد اللي عرفته ياريتني كنت أقدر لم تصدق أن يد سوسن من تربت على كفها المنبسط أمامها وهي
تقول لها باسی:
- معلش التفتت لها سالي ومسحت وجهها وأنفها بقوة وأجبرت نفسها على التوقف عن البكاء وتأملت بشرة المرأة الشاحبة ثم قالت
بنبرة هادئة:

- تحبي أجيبلك حاجة دفعت برأسها للخلف وقالت بخجل وهي تغمض عيناها:
- هوا أنا حاولت أخد جرعة زائدة من المسكن وأخلص، بس مالقتش غير حابيتين، ناوليني المصحف أقره شويه يمكن ربنا
ا يغفرلي اتسعت عينا سالي وهي تنظر لمن تصارحها بمحاولتها للإنتحار بهدوء وبرود تام فقامت تبحث عن المصحف الكريم لتلبي لها رغبتها حتى عثرت عليه وعادت لها وهي تلوم نفسها لضعفها
وقلة حيلتها إمراة تتحمل من الآلآم ما لا يمكن تحمله حتى أنها تفكر بالإنتحار وتنهي حياتها هربا من شقاء مرض وقوته وهي تنهار لرغبة زوجها بالزواج من أخرى
يالها من مثيرة للشفقة فليذهب ويتزوج من النساء مايشاء، اللعنة عليه هي لن تبالی
فالخسارة واحدة ولا عزاء إلا للكرامة وهي ستواجهه بكل ما أتيت من برود
حفظا لبقايا ماء وجه
وربما بقايا لما كان في يوم يدعي زواجا تحت مظلة حب

لسعة البرودة في الأجواء كانت غير محتملة ولكن أنفاسة المشتعلة والتي تصب بنيرانها في حلقة مرسلة بأدخنة تخنقه
كانت الأقوى سعل بقوة وبعند تملکه قرر إستكمال لفافة التبغ لآخرها
هل يمكن أن يقوم بالمستحيل ؟ ! ! نعم، لقد كان من رابع المستحيلات بالنسبة له الجمع بين زوجتين
فهو كائنا إنفراديا بطبيعة حاله يشفق على ذويه ممن يتحملون وزر مثنى وثلاث ورباع
فأين لهم بالعدل ؟ ! ! | رحم الله إمرؤ عرف قدر نفسه وهو لم يكن يوما بالعادل ولكن الحسن حظه أن رفيقة دربه تتحمل مغبات ظلمه بنفس راضية
ولايدري أيصارحها ويخيرها وبهذا يكون عادلا أم أنه في الواقع مستمرا بظلمه لها ؟
قبلت جبين صغارها ورفعت ألعابهم المتناثرة وعادت لغرفتها ووضعت هديتها التي كانت تحملها على طرف الفراش يإهتمام
ولمحته ينفث دخان سجائره لقد عاد للتدخين إذا.

" لابد أن الموضوع عويص " خاطرة ساخرة مرت بذهنها وهي تبتسم له بهدوء مرحبة
رفع حاجبيه تعجبا وقال لها:
- لسه راجعة ؟ هزت له رأسها وهي تخلع وشاحها ذو اللون الزيتوني من أعلى رأسها ونثرت خصلاتها البندقية الناعمة حول وجهها وهي تواجه
صورته في المرآة أمامها قائلة:
- من شوية
لمحت علامات الغضب تزین جوانب وجهه وترسم تقطيبة مثالية أعلى جبهته وهو يتقدم منها فاستدارت تواجهه ليقول بحدة:
- الساعة ۱۱ کنت فين كل ده ؟

تناولت الحقيبة الورقية السوداء اللامعة التي كانت مستقرة على
الفراش وقدمتها له قائلة بهدوء: كنت ناوية استنی کمان ساعة، كل سنة وأنت طيب عقد حاجبيه شاردا وهو يستدعي الذكري مطالعا هديتها الثمينة . دبوس ذهبي صنع خصيصا له يحمل حرفي اسمه، كان واثقا أن زواجهم يعود لفصل الصيف، وعندما طال صمته قالت بنفاذ صبر
۱۱ / ۹ عيد ميلادك ارتسمت ملامح الدهشة على وجهه وقال بصدق: - أنا فعلا كنت ناسي ماحستش أصلا أمتي الشهر دخل، متشکر تنازعت الكلمات على طرف لسانها ولكن بقي الصمت القاهر الأقوى يتربع فوق عرش شفتيها وهي تنظر له وعيناها تحمل تأنيبا، إتهاما، رفضا لما سوف يصارحها به وإذعانا في الوقت نفسه لما سوف يطلبه منها أمسك بكفيها وهو يشعر بالذنب يتاكله حملت له هدية ليحمل لها خيارا أقسى مايكون بل هو أقرب لطعنة قائلا:

- سالي أنا كنت عاوز أتكلم معاكي في موضوع مهم هربت بعيناها وسحبت كفها الدافيء بعيدا عن مرمي كفه البارد فهي غير قادرة على المواجهة حتى لو ظنت أنها مستعدة لها، لا ليس بعد فاستبقته بكلمات تتسارع على لسانها بإهتمام بالغ: - جاسر هوا طنط مش كان المفروض تعمل عملية تانيه بعد اللي
عملتها من سنة ؟ توترت ملامحه وعقد حاجبيه بقوة أكبر وهو يحاول سبر أغوارها
وقال بدهشة: - آه . بتسألي ليه ؟ تجاهلت سؤاله وأردفت:
- ليه معملتهاش ؟
رد بنفاذ صبر:
- الدكاترة اختلفوا على أهمية العملية وفيه اللي حذرنا إنها ممكن تفقد ذاكرتها بسببها
اتسعت عيناها وقالت بعصبية: - وفيها إيه لما تفقد الذاكرة مش أحسن من العذاب اللي هيا عايشه فيه ؟ هز رأسه حانقا هو الآخر، فهي تعبث بأفكاره وبقوة جأشه بأسئلتها المتكررة وتوقيتها الغير مناسب إطلاقا لما سوف يلقيه بوجهها وفي الوقت نفسه ملقية بظلال الذنب لقراراته السابقة.

والحالية فقال ضائقا: - مش فاكر ياسالي . . مش فاكر ليه . . وقتها أنا وأسامة قررنا أنه مالهاش لازمه، وقتها كانت آراء كتير من الدكاتره وحتى الدكتور اللي قالنا على موضوع فقدان الذاكرة ده ماکنش معروف أوي
عشان نمشي وره کلامه نظرت له وهي تراقب حركاته المتوترة
فهو قد نزع ربطة عنقه بعنف وألقاها أرضا، فك أزرة ياقته وقميصه، بل وهم بخلعه
وكل ذلك في ثوان معدودة ! ! ثوان خضع فيها جاسر العظيم لضغط عصبي وهي التي عانته السنوات شتی وبالكاد تتماسك وتحارب بأنفاس لاهثة
حقا، ما أضعف الرجال لا يملكون سوی حنجرة قوية وعضلات مفتولة
برها وجلدها وقوة تحملها فابتسمت بهدوء وقالت عاتبة:
- براحة ياجاسر ده ماکنش سؤال المعت عيناه وهو يخلع قميصه ويواجهها بقوة وبنبرة شرسة قال: - أيوا أفهم بقي السؤال ده لازمته إيه دلوقت ياسالي، من إمتی الإهتمام بحالة أمي ومرضها ومن أمتي بتصعب عليكي ؟

هزت رأسها بيأس وقالت بتهكم:
- كل حاجه عندك لازم يكون لها سبب، كل إهتمام صادق لازم يكون وراه دافع، ولو ما اهتمتش يبقى بكره . ولو اهتميت يبقى فيها إن . . وبعد ده كله تقول على نفسك أنك مهما تعمل مش عاجب فضحكت وهي تدفع بدموعها بعيدا وأردفت:
- والله أنا احترت أراضيك أزاي ! ! ظلا يتبادلان النظر بصمت لوهلة
فقط لوهلة حتى تمتمت بخفوت وهي تبتعد عنه نحو باب الحمام:
- ولا أقولك . . . والتفت له وقالت متعمدة جرحه بسخرية حارقة:
- أصلا ماعدش يفرق عندها رسمت شياطين السعیر درب المصارحة التي كان ينتويها بكل شراسة بدلا من ملائكية ضميره المعذب بالذنب لنر إن كانت حقا فقدت الإهتمام وما مدى قوة لامبالتها لنر إن كان ما سيقوله سيصنع فارقا أم لا كما تدعي فقال بقوة:

- سالي أنا قررت أتجوز التفتت له وقالت يإزداراء أشعل النار في هشيم روحه:
- ألف مبروك فاقترب منها وهمس بفيحیح وكأنما يرجو طعنة أخرى:
- الخميس الجاي فعادت له بخطوتان وقالت وعيناها تتصلب في مواجهته:
- خليها الجمعة أحسن فاقترب بدوره وهمس فوق شفتيها:
- یعنی أنت موافقة ؟
رفعت له رأسها وقالت بصوت أبح:
- موافقة جدا
زم شفتيه وقال ورأسيهما يكادان يتعانقا ولكأنما يعقد معه رهانا
- حتحضري كتب الكتاب هزت رأسها وطردت دموعها بعيدا وقالت هامسة:
- أكيد زم شفتيه المرتعشتان وهو يواجه صلابتها المنحوتة بدقة فوق
معالم وجهها لن تشجب، لن تصرخ لن تعترض أو ترفض ولن تبكي بعویل إمرأة قرر رجلها لتوه الزواج والتمتع بأحضان أخرى هي، لم تحبه يوما، وعشقها كان بالأصل وهما لربما كان واجهة مثالية بوابة ذهبية للعبور نحو حياة أكثر رفاهية والعقاب كان قبلة دامية فوق شفتيها، استحقتها ربما ولكنه كان يريد فقط أن ينالها لربما نال معها ولو دمعة واحدة . . .

ولكن كلا هي لم تبالي شفتيها باردة كالجليد لم تنال منها الرعشة ولا من أطراف جسدها المحتبسة بين أحضانه دفعته ببرود عندما انتهى وحررها بإرادته وتركته وتورات خلف الباب تاركة ورائها ظل رجل صرعته فكرة أنها لم يعد مرغوبا وأن كبريائه يضمدها رغبة أخرى قاتلت وراهنت بكل ما تملك لتحصل عليه حتى لو كان يكرها ويحتقرها فهو سيتمم تلك الزيجة اللعينة فقط الإرضاء كبرياء تحطمت تحت أقدام امرأة تدعي زوجته ومن تكون زوجته تبكي سرا من وراء ذاك الباب تکتم بصدرها صرخة وتحبس داخلها آهه فهي لم تكن تملك حقا رفاهية النطق بها.

تنازعت الألوان أمام ناظريه وهو يقود سيارته عائدا لمنزله بعد المناقشة الحامية التي خاضها مع أخيه الذي لايدرك بأي نعيم هو وأي خسارة على وشك إختبارها وهو الذي يرقد في وحدة
جحيمه ورغما عنه اتخذ طريقا غير الطريق
طريقه كان نحو منزلها، لا يعلم لم
يشدو الحصول على هدوء ربما قد يقف لساعات يتطلع لشرفتها كمراهق أحمق ويعود بعدها
المنزله وقد هدأت حواسه وتخدرت صف سيارته بركن منزو ومضى يتطلع للشرفة المظلمة تطلع الساعته لقد تخطت منتصف الليل لابد أنها غارقة بسبات مع صغارها
سخر من حماقته وأعاد محرك سيارته للحياة وعندما هم برحيل المحها وهي تترجل من سيارة رجل فارع الطول برفقة ولديها
والأصغر يتوسد كتف الغريب يرافقها نحو المدخل واشتعلت

الدماء وبلغت حرارتها ذروتها في عروقه والتهبت عيناه | بمخيلات لاحصر لها بين جميلته وذاك الوسيم ونفث أنفاسه بقوة ثم دفع بسيارته بعنف محدثا صريرا بعجلاتها جعلها تقفز دون قصد وهي تتطلع للطريق ورأت سيارته تمر مسرعة من أمامها
فبهتت ملامحها والسؤال يطرق عقلها
" ماذا كان يفعل هنا ؟ " التفتت لمرافقها وقالت بهدوء: - متشكرة جدا يا سيادة العقيد تعبناك معانا
ابتسم لها وعيناه تحمل أكثر من تقبل شكر: - تعبكم راحة، اسمحيلي أوصلك لحد فوق أيهم نایم خالص
هزت رأسها رافضة عرضه المهذب وقالت:
- لاء دلوقت أصحیه هوا متعود على كده أيقظت صغيرها وسار لجوار أخويه ثم التفتت له وقالت:
- معلش أنا نسيت معاد الزيارة أمتي ؟

هز رأسه متفهما وقال: - بكرة الساعة ۲ ححود عليكو ونروح سوا أشارت له بيدها رافضة عرضه مرة أخرى
وهي تشعر بالخجل قائلة: - لا أرجوك مافيش داعي وأصلا مش حاخد الولاد جو المستشفيات مش مناسب ليهم أنا هطلع من شغلي على معاد
الزيارة بأذن الله
قال بتصميم: - خلاص يبقى تديني عنوان الشغل وأمر عليك حاولت التملص من دعوته وقالت وهي تتجه بخطوات هارية
نحو الداخل: - مافيش لزوم صدقني أنا هظبط حالي بكره وممكن أكون هناك
عند بابا قبل المعاد كمان . متشكرة أوي

وقف يتطلع لها وهي تغادر مسرعة مدركا أنه لا يملك سوى شکر الظروف التي جمعته بها فلولا الحالة الصحية الطارئة التي يمر
بها والدها لما ألتقاها مرة أخرى في المشفى ولولا إصرار والدها على أن يصطحبها هو لما حصل على تلك الدقائق الثمينة بصحبتها وبات متأكدا أن أمر زواجه منها أصبح وشيكا فبعد أن يتماثل والدها الشفاء فسيقوم بالأمر على نحو صحيح، فالحصول على زوجة مناسبة لمركزة، على قدر من الجمال والأخلاق كان يعد بالنسبة له أمرا شاقا والجد أبدی ترحيبه التام والسري لرعاية الأحفاد وليس عليه تحمل ضجيج الصغار لوقت طويل

إنه يمضي في طريقه بسعي غير مقطوع
فصفحات المجلة تحمل لها خبرا من حروف حمراء لامعة عن الزيجة القريبة لرجل الأعمال المعروف من جميلة المجتمع مسحت دمعة ساخنة استقرت أعلى خدها وهي تدقق النظر
" ضرتها " بشرة خمرية رائعة وجسد لاتشوبه شائبة وصدرها مكتوم بصرخة وصرخة أخرى هزت أرجاء القصر لا
تمت لها بصلة والطرق المتصاعد على باب غرفتها ودخول " لعنات " كما كانت تطلق عليها سرا أنبئها بحدوث أمرا جلل وتاهت مع حروف
المرأة المتقطعة: - الست . . . سوسن . . . في أوضتها . . . تعالي . . عاوزاكي بسرعة ركضت خلف المرأة المكتنزة حتى غرفة حماتها حيث كانت تتوسط فراشها ووجهها مكفهر بشدة والتي ما أن طالعت وجه
سالي المتغضن حتى بادرتها صارخة:
- ده اللي كنت عارفاه من ساعتها، کنتوا مخبيين عليا كلكم
، فکرکم مش هعرف كانت ممسكة بالمجلة الثقيلة بقوة وتهزها بعنف هزت سالي رأسها نافية واقتربت منها مهدئة:
- مخبيين إيه ؟ رفعت لها أنظارا قاسية وأمرت خادمتها بالإنصراف بهزة رأس
غير قابلة للنقاش وأردفت بحقد: كنت عارفه أنه هيتجوز بنت الزهري، صح ؟ ! نکست رأسها وقالت بتماسك واهن:
- قالي أنه هيتجوز ماقلیش مین همست بإستنكار وهي تضرب بكفيها الفراش إلى جوارها:
- وأنت وافقتی، عادي كده ؟ بالبساطة دي ؟ نظرت لها مصعوقة وقالت ساخرة من ثورة المرأة التي يبدو أنها

فقدت عقلها:
- أنا مش فاهمة أنت مدايقة ليه، طول عمرك بتكرهيني، ما أنا كنت السكرتيرة إنما دي سيدة مجتمع . . إيه إعتراضك عليها ؟ عقدت سوسن حاجبيها وزمت شفتيها بإزدراء وقالت بعجرفة:
- عندك حق، وهتفضلي طول عمرك السكرتيرة أنت ولا حاجة وأهو رايح يتجوز عليكي عشان أنت زي قلتك فعلا، شجرة جميز احمر وجهها بشدة وتقافزت الدموع الحارة لعيناها وقالت: - ليه . . ليه بتهنینی ليه . . حرام عليكي . . عملتلك أيه ؟
تماسكت سوسن بمواجهتها وردت بعنف: - ومش كده بس أنا هفضل أهينك وههينك قدامها كمان ووريني
هتعملي إيه ؟ فغرت فاها وهي تواجه قدر الكراهية السوداء التي تلقيه لها تلك المرأة، كحية تبث سمومها وهي تحاول إستجماع أي كلمات
تجابها بها، ولكن لاشيء فنظرت لها سوسن هازئة وقالت بإزدراء:
- اطلعي برة ماشوفش وشك هنا تاني
سارت بخطوات متخبطة بطول الرواق حتى وصلت لغرفتها مرة أخرى وما أن دخلت حتى جلست على طرف الفراش وأجهشت
ببكاء وما أن اختفت عن ناظريها حتى دلفت مرة أخرى لغرفة سيدتها دون إستئذان وقدمت لها حبة دواء مهدئ وكوب ماء وقالت لها
بخشوع: - ماکنش ليه لازمة كل ده یاست هانم

تناولت منها الحبة وزجرتها قائلة: - اخرسي أنت، إيش فهمك، كلكم أغبيا وهي بالذات أكبر غبية
في البيت ده تناولت منها كوب الماء وقالت بهدوء: - یعني هيا كانت تقدر تعارض البيه
هزت رأسها وقالت بإقرار: - اللي خلت جاسر سليم يقف قدام أمه ويصمم يتجوزها يخليها
تلففه حوالين نفسه.

هزت نعمات رأسها دون فهم: - طب وماله لما يتجوز، دي حتى بيقولو أنها بنت . . لم تدعها تكمل حديثها وقالت مقاطعة بحقد:
- بنت الزهري، بنت أمين الزهري الأسم لم يكن وقعه غريبا على أذني نعمات الخادمة، بل هو في الواقع مألوفا جدا، فبسبب الضائقة المالية التي تعرضت لها أسرة
مخدومتها وكان الفضل کله يرجع لهذا الرجل كادت هي أن تفقد وظيفتها ولكنها تخلت عن رواتب أشهر متتالية فقط لتبقى إلى جوارهم فحتى لو كانت لهم مجرد خادمة فهم بالنسبة لها.

أهل، أهلها وهي ماكانت تتخلى عنهم وفهمت جيدا وتفهمت غضب مخدومتها وقالت بأسف:
- کده یا جاسر بيه على آخر الزمن أغمضت سوسن عيناها بضعف وهي تصدر آهه ثم قالت: - بعد ساعة اتصلي بزياد وأسامة وجاسر . خليهم يجوا كلهم . .
أكون ارتحت شوية.

 

تاااابع ◄