رواية لقد كنت لعبة في يده الجزء العشورن والأخير
عادت لايهم كيف عادت الأهم أنها عادت ولم تعد وهو للآن يحاول التحلي بالصبر حتى تعود حقا، لكنها يبدو أنها مصرة على استنفاذ قوته ومخزونه من الصبر بل وابتلاعه كله والدليل عيناه المتسعة ببؤتهما المتقدة بغضبه والذي تعجز الأحرف عن وصفه نقص الشعر الطويل من المحرمات التي يجب أن يعاقب عليها القانون المحلي والدولي غير أنه لا توجد على الأرض تلك القاعدة سوى برأسه العنيد الذي اشتعل بغضب لم تختبره من قبل إذ صدح صوته الهادر يهز جنبات الغرفة وهو يراقب خصلاتها التي تقاصرت حتى بالكاد وصلت لحدود كتفيها:
- إنت إزاي تقصي شعرك منغير إذني ؟
لوهلة شعرت بالرعب وارتعدت مفاصلها ولكنها تشبثت بالغضب وذكرياتها المؤلمة لترد بعند وبجرأة أصبح يمقتها:
- ده اسمه شعري أنا، يعني ببساطة يخصني أنا فاقترب منها والرماد اشتعل وماعاد رمادا بل عيون محمرة بأنفاس متسارعة ولهيبها يتصاعد إذ قبض على ذراعها بقوة ونبرة صوته تهددها بعدم التمادي:
- في دي بالذات ترجعيلي ومن هنا ورايح مافيش حاجة اسمها يخصك ومش يخصك، أنا هنا اللي أقول وأنت تنفذي وسقط أول بيدق في معركتها معه والخاسر هو إذ ربحت الرهان هو جاسر وإن تلبسته هيئة سبعة حملان والتمع بذهنها سؤال ساخر لماذا لم تسميه أمه آمر بدلا من جاسر؟!
جذبت ذراعها منه بقوة وقالت بهدوء:
- ما أنا بنفذ فعلا ياجاسر أنت اللي شكلك نسيت، نسیت اتفاقنا وقالتها بحدة لا تقبل النقاش:
- رجوعنا صوري نقطة ومن أول السطر فهتف حانقا وقال بنفس الاشتعال وربما أكثر قليلا فعبارتها المستفزة لم تساهم بدرء ولو القليل من غضبه:
- لكن ده مایعنیش إني بقيت طرطور يا هانم عقدت ذراعيها في إشارة جسديه بالغة الوضوح أنها رغما عنها تشدو الحماية من سيل غضبه العارم وقالت بأنفاس متوترة:
- أنا على عكسك ملتزمة بإتفاقنا فهتف زاعقا:
- مش ده اللي اتفقت معاكي عليه فصرخت فيه بغضبها الدفين هي الأخرى:
- مجرد بیزنس ياسالي وفي الآخر حملت من الهوا مش كده، مش ده كان اتفاق برضه وخلفته ارتسمت الحيرة على ملاح وجهه حتى قال ضائقا:
- أيه اللي دخل ده في ده دلوقت؟!
تماسكت أو بمعنى أدق حاولت وابتعدت وأشاحت بوجهها بعيدا عنه:
- أنا ملتزمة باتفاقي معاك وأنا حره في اللي يخصني اخترق بأنامله شعر رأسه الكثيف وتدلی كتفيه بتعب وقال هامسا- ليه بتعملي كده ؟
ليه كل ما أحاول اقرب منك وأعمل أي حاجة بتبعدي وتحسسيني أنها منقوصة وتجيبي اللي فات يوجعك ويوجعني وانفجرت أنهار الدمع بعيناها وباتت جفونها غير قادرة على السيطرة فتركتها تنهمر على صفحة وجهها وقالت والرجفة تتملك جسدها:
- لأن كل حاجة منقوصة، اعتذارك منقوص، ندمك منقوص، إحساسك بغلطك في حقي وجرحي منقوص فاقترب بها وأمسك بذراعيها وقال دون أن يفكر:
- ليه مش عاوزة تفهمي، أنا واحد صحیح بيكي منغيرك أنا كلي منقوص هزت رأسها رافضة ذاك التقرب وذاك الإعلان الصادق والنابع من أعماق قلبه رغما عنه بلحظة ضعف اغتالت تماسكه وقالت:
- مش هاسمحلك توجعني ولا تكسرني تاني ومع مرور الوقت هترجع جاسر القديم، كلها أيام وترجع أنا عارفة المكر لم يكن يوما من صفاتها ولكنها تغيرت ولو لشيء يسير إذ اكتشفت ميزاته العديدة فمنذ أيام أشعلت النيران بعقله دون أن تدري، إذ ردت التحية على عاصم ذاك المعجب الولهان بعفوية مطلقة أثناء تناولهما العشاء بإحدى المطاعم ولاحظ هو نظرات ذاك الأخير والتي كادت أن تلتهما رغم أن طبقه محملا بأشهى المأكولات عادا بعدها لبيتهما وصوته تغتاله تلك الغيرة الحانقة واسترضته بدلالها ولم يرضى حتى طلوع الشمس والمكر عند النساء كخلطة سرية وإحدى وصفاته " الجمل العرضية والتي تبدو في هيئتها بريئة تماما- فيه أخبار عن أسامة؟!
والحديث تتابع بعدها حتى اجتمع الاسمان في جملة عرضية " أسامة ومدام درية " الاحتفاظ باللقب الرسمي من متممات الوصفة- ماتيجي نعزمهم ونعزم جاسر وسالي، مايصحش احنا رجعنا من السفر بقالنا مدة ومن قال أن المكر وليد عقل الأنثى دون الذكر أيضا فتمتم لها مشاكسا:
- شكلك فاهم يانصة هي كانت بزيارة قريبة للمركز الخيري وبالطبع شخصية فريدة كشخصية درية لفتت أنظارها کمرأة محنكة لها باع في تقدير أشخاص مثلها حتى أنها عرضت عليها شراكة عمل " مکتب محاسبة لكبرى الشركات " تديره درية ببراعتها المعهودة وكبراعتها في اكتشاف مواهب فذة كذلك براعتها في نبش خبايا الأفكار والقلوب خاصة مع اختلاج نظرات درية وحركات جسدها المتوترة عندما مر ذكر أسامة العرضي بحديث لها مع سالي ضحكت واعترفت ببرائتها التي يدمنها:
- نفسي الكل يعيش نفس حالتنا فاحتضن كتفها وهمس بعشق جوار أذنها وهوي طبع قبلة على جیدها:
- صعب حالتنا تتكرر . . . حبنا غير وكعادتها كما هي دوما قطبت جبينها دون فهم:
- یعني إيه . . كمل . . . غير إيه ؟
فرفع أنظاره للأعلى دون حيلة وقال:
- فصيلة .
والجمع كان بمنزل العائلة الصيفي بوقت الظهيرة ولولا تعالي ضحكات الصغار وسعادة سليم التي لا تقارن إذ وجد صحبة أيهم مسلية للغاية لظنت آشري أن فكرتها كانت لجمع عزاء وليس لصحبة سعيدة وحفل شواء استرقت الأنظار لدرية التي التصقت بسالي عندما علمت بتواجد أسامة وداخلها يلعن ألف مرة رغبتها الرعناء من التهرب من أبيها ودعوته لها بصحبته هو وزوجته متعللة له بتلك الدعوة التي لم تكن تنوي حقا قبولها ولكنه هو من دفعها لقبولها بإصراره فإما الذهاب معه أو مع رئيستها خاصة مع غياب الأوسط بمعسكر رياضي والصغير يكاد يجن من الوحدة وعدم ممارسة أي نشاط ترفيهي يكاد يودي به وبها أيضا للجنون همست آشري لزياد حانقة:
- هو جاسر ماله، من ساعة ماجه . . سجاير كتير وقاعد مع أسامة وسايب سالي تولی زیاد تسوية اللحم قائلا بنزق:
- أنت كده هتحرقي الأكل على فكرة ترکت آشري موقعها قائلة بحنق:
- شوف أنت فين وأنا فين فلم يتماسك نفسه إذ قال ضاحكا:
- اسمها شوف أنت في إيه وأنا في إيه وعندما لمح تصاعد لهيب خديها بغضب رفع كفه مستسلما بضحك:
- خلاص، خلاص أنا هتصرف ترکها واتجه نحو أخويه قائلا بضيق:
- هيا غلطتي فعلا، عريس راجع من شهر العسل اعزم شلة المتنکدین دي ليه فابتسم أسامة قائلا:
- عايش الدور بجد فهز كتفه مستنكرا:
- طبعا أومال افضل منكد على نفسي زيك أنت وأخوك ألقى جاسر بسيجاره قائلا بترفع:
- ومين قالك أني متنكد أنا الحمد لله كويس جدا فرفع زیاد نظارته الشمسية وقال وهو يرتكز بأنظاره علي سالي التي كانت تجلس بصحبة درية في الجهة المقابلة:
- وعشان كده أنت ومراتك كل واحد فيكو في ناحية، ماشي أنا هاخد أسامة وننزل الماية وبراحتك أنت بقا فاعترض أسامة قائلا:
- ومين قالك أني هنزل ؟
فجذبه من كتفه وسار به قائلا بمكر هامس:
- هتنزل یا أسامة وهتاخد بالك من ابن درية وأنا هاخد بالي من ولاد أخوك فابتسم أسامة رغما عنه وألقي نظرة على جمع الصغار الخائفين من خوض المياة تحت نظرات المنع شديدة الوطأة من أمهاتهم المحذرات بدورهن، فشعر بقلبه يلين خاصة مع نظرات أيهم الماكرة إذ يحاول الفرار من ذلك الحصار بشتى الطرق تارة بالتعلل بمليء الدلو بالماء وتارة أخرى بغسله- هاه فكرتي وقررتي ولا لسه ابتسمت لها درية وقالت لسالي التي عقدت حاجبيها دون فهم إزاء کلمات آشري المقتحمة لحديثهما:
- آشري عرضت عليا ندخل شركة في مكتب محاسبة فالتفتت آشري لسالي قائلة:
- ده بعد إذنك يعني فرفعت سالي يدها باستسلام:
- صراحة مجهودك تشكري عليه يادرية وأنا أتمنالك كل خير وكالصقر عندما يقتنص فريسته قالت آشري بنصر:
- أظن كده مالكيش حجة فأقرت درية بإبتسامة:
- لأ ماليش فصافحتها آشري بجدية قائلة:
deal- ثم ابتعدت بأنظارها عنها وأردفت بمكر:
- وكده مالكيش حجه عند أيهم، أسامة وزياد هياخدوا الولاد وينزلوهم البحر كانت مدركة لحرارة خديها التي أخذت في الارتفاع ولكنها بكبرياء سارت نحوه غير عابئة بهيئته المثيرة ببزة السباحة وصوتها يعلو لأيهم بالتوقف فاقترب منها هو مبتسما بهدوء:
- حرام يفضل قاعد يلعب على الرمله وبس فتشبثت بعندها:
- هو جاي وعارف أنه هيقعد على الرمله فردد هو:
- ده طفل ! طبيعي يضعف ويرجع في كلامه فقالت بإصرار:
- أنا بربي راجل فقال هامسا:
- حتى الراجل بيضعف وبيرجع في كلامه وباستهانتها للفكرة قالت:
- مايبقاش راجل ساعتها فقال غاضبا:
- ولو كان غلطان ورجع في كلامه واعتذر، مايبقاش راجل برضه؟!
وترجعوا تلوموا على الراجل أذيته وأنت اللي بتربيه على الكبر والعند ارتفع حاجبيها وقالت بنزق:
- أنا مش فاهمة أنت إزاي وصلت الكلام لكدة ؟
فهز رأسه نافيا وقال لها وهو ينصرف نحو أيهم المتعلقة أنظاره به بأمل یائس:
- لاء فاهمة بادرية ثم جذب كف أيهم وقال لها:
- أطلب من ماما السماح المرادي عشان أنت اتفقت معاها أنك مش هتنزل البحر وكيف باستطاعتها خذلان تلك العيون المتسعة برائتها وشعورها بالذنب لكونها تنتمي لطفل صغير يرغب في حقه باللهو واللعب فقالت قبل أن يتهدج صوت الصغير برجائه وأسفه:
- أنا آسفة إني طلبت منك حاجه مش هتقدر عليها لكن ده من خوفي عليك فابتسم أيهم بدروه وقال:
- وأنا آسف إني وعدتك بحاجة وكنت عارف إني مش هقدر أعملها كان يراقب حديثهما منبهرا وشعر أنه ينتمي بشكل ما لتلك الرابطة التي تجمعهما فخص أذنيها بهمس دون غيرها:
- في يوم هنوصل أنا وأنت لنفس درجة التفاهم دي فهزت كتفيها دون اكتراث وداخلها يرقص طربا:
- كل شيء وارد وجذب أيهم كف أسامة متعجلا فقالت بقلب يرتعد:
- بس ياريت ماتبعدش بيه لجوه أوي فقال وهو ينظر للأمواج الثائرة:
- أنا هدخل بيه لحد ثقته فيا واتسعت عيناها بحنق وهي تراقبه يرفع صغيرها في الهواء ويقذفه في المياة والصغير يصرخ بسعادته ووقفت هي وجسدها ينتفض بقلق إذ ابتعد به مقتحما مياه البحر وياللعجب كم من ثقة هائلة يمنحها له ! | وساذجة هي كسذاجة صغيرها إذ ظنت أن ابنها ستكون ثقته محدوده بهذا الرجل الغريب ولكنها فطرة الأطفال وبرائتها الصافية نهار وليل متعاقب وأياما تمضي دون رادع والشروط ثابتة لا تتغير وكلما عمد للتملص بقصد أو بدون انتهى الأمر بشجار وفوضى مشاعر غضب مخلوط بذنب وكبرياء جريحة.
- أنت ليه طلقتها ؟
سؤال اقتحم جلسة عشاء صامت بعد نوم الصغيران رفع أبصاره متحيرا نحوها وهو يحاول فهم ما وراء ذلك السؤال- بتسألي ليه ؟
فراوغته بدفاع:
- وليه ما أسألش، مش من حقي ؟
فرد ببرود:
- لاء مش من حقك لكن مع ذلك مريحك وأجاوبك، طلقتها لأنها هي طلبت الطلاق . وهل ظن أنه بتلك الإجابة ستهنأ براحة؟!
ياله من ذكر أحمق، ويالغباء صراحته فهزت رأسها بخيبة واضحة وابتسامتها الساخرة تلتمع بزاوية فمها المنكسرة إذ هي صاحبة القرار ليس هو من زهدها وتأفف من صحبتها وقربها هي وليس هو والمعضلة ب " هو " كانت عيناه مرتكزة على ملامح وجهها وشعر متأخرا للغاية بخطأه فقال بعند رافضا أن يكون المخطأ:
- أنا دايما صريح معاكِ وأظن أن دي حاجة ما تزعلش فنظرت له غير مصدقة:
- فعلا؟!
طب خلاص خلينا نستغل جلسة الصراحة دي لأخرها ولو ماكنتش هي طلبت كنت هتفضل متجوزها ؟
فأقر بقوة:
- لاء فعبست وهي تحاول الفهم:
- رغم أنه كان بينكو طفل شبك أصابعه وارتكز بذقنه عليها وقال:
- وماحافظتش عليه فتراجعت للخلف وهي تقول:
- آآه عشان كده فاقترب هو وقال هامسا:
- جوازي منها كان مشروع محكوم عليه بالفشل من أوله ياسالي أنت اللي استعجلتِ فنظرت له بدهشة وقالت ضاحكة وابتعدت عنه بدورها:
- فبقت الغلطة غلطتي حاول تعديل كلماته لتصل إليها بالشكل الصحيح فهو لم يكن يقصد إتهامها بأنها هي من أفسدت زواجهم فقال:
- أنا ماقلتش كده أنا كان قصدي أن الأيام كانت هتوريكي أنها مجرد مرحلة اضطريت ليها وفي الآخر أنا وأنت كنا هنفضل سوا ومش واحدة زيها كانت ممكن تفرقنا دفعت بطبقها بعيدا وهمت بالانصراف قائلة:
- صح أنا كنت المفروض أقعد تحت رجلك زي الست أمينة مستنياك تسيبها وترجعلي، بس على العموم العصمة كانت في إيدك كنت ممكن تجبرني زي سي السيد لما كان بيعمل مع فقام وجذبها قبل أن تنصرف وتتركه لبركان غضبه يتاكله:
- أنا ممكن أجبرك على أي حاجة صحيح إلا أنك تقبلي تعيشي معايا أو لاء ولكن البركان ثار وانتهى الأمر إذ قالت بقوة:
- أنت كنت بتعاقبني علي عصياني ليك قدام الناس، لو كان رفضي بيني وبينك منغير شهود کنت هتعمل اللي في دماغك، أنت قولتها بنفسك كنت عاوزني أسكت، كنت مستني وبتتمنى أني أسكت فترك ذراعها وقال بخيبة أمل واضحة المعالم تجلت على ملامح وجهه:
- ويظهر أنك قررتي أنك مش هتسكتي تاني وتفضلي تنبشي في الماضي كل شوية شحب وجهها وتباعدت خطواتها وماكان رجاءا بالأمس وفرحة بعودتها صار خوفا من الفراق مرة أخرى فاستوقفها هو بهدير صوته الغاضب:
- بس أنت كده مش بتعاتبيني أنا لوحدي وبس هو محق فالكلمات تؤذيها بقدر إيذائها له والصغار أصبحوا متضررين بدورهم فبكل شجار يعلو بينهما تلمح بأعينهم حزنا أصبح مطعم أخيه بالحي المجاور ملاذه بعد إنتهاء جلسته النفسية وكما يجلس لساعات طويلة يستمع فيها لهموم المحيطين يجلس يستمع لأخيه وحديثه صامتا حتى قال بغتة:
- زياد أنت مش حاسس نفسك غريب على الشغلانة دي فنظر له مندهشا وقال بصدق:
- بالعكس أنا أخيرا لقيت نفسي في الشغلانة دي ومستغرب إزاي كنت مستحمل ربطة المكاتب والاجتماعات والأسهم والصفقات وأردف ضاحكا:
- ده حتى ربطة الكرافتة بقيت مستغربها فهز أسامة رأسه بغير فهم وقال:
- یعني إزاي أخدت الخطوة دي، النقلة الكبيرة دي في نوعية حياتك ظل زیاد ينظر له مليا وقال بهدوء منتقيا كلماته:
- لأني اتقبلت خسارتي والوجع اللي حصلي من بعدها وصممت أن أعوض نفسي وأكمل حياتي ساد الصمت لوقت طويل بينهما حتى قال زیاد بأنفاس متهدجة:
- حياتك وعمرك اللي ما انتهاش بفضل ربنا، مش ذنب يا أسامة تكفر عنه فابتسم أسامة بوجع وقال بصوته المحتقن والدموع تتقافز لعيناه رغما عنه:
- صعب هز زیاد رأسه وقال مقرا بواقعية:
- مش هيرجعهم يا أسامة وبمرارة ذنبه:
- ولما نتقابل ويسألوني عيشت من بعدهم إزاي ؟- ابقا أسألهم هما كمان عاشوا من بعدك إزاي وصدقني هتلاقي حالهم أحسن من حالك ألف مرة تراهني؟!
ضحك أسامة وقال متفكها:
- يابني أنت ماحرمتش رهان فابتسم له زیاد:
- بس المرادي أنا واثق أني هکسب مش كده ولاإيه ؟
فهز أسامة رأسه وقد تقبل الفكرة تماما:
- کده فعلا وأردف ساخرا:
- تصدق يا أخي أنك طلعت أحسن من الجلسات اللي كنت بحضرها وأفضل أقول لنفسي اللي يشوف بلاوي الناس تصعب عليه بلوته فهز زیاد رأسه نافيا وقال بنضج أدهش أخيه:
- غلطان، الحياة مراحل لازم تعيشها واحدة واحدة، مافيش حاجه بتجيب من الآخر- ياریت حاجة تجيب من الآخر ماکنش حد غلب فالتفت الاثنان لصوت أخيهما الذي اقتحم جلستهما وأردف:
- بترغوا في إيه ؟
فتبادل الأخوان النظرات وقال زیاد ساخرا:
- في الهروب التكتيكي للراجل المكسيكي ضحك أسامة وقال بلطف للكبير الذي حدجهم بنظرة غيظ خالصة:
- أحنا خلصنا رغي . . أرغي أنت فقال بكبرياء رافضا الإفصاح عما يدور بداخله من عواصف:
- أنا جاي أشرب حاجة وأروح فقام زیاد وقال:
- مشروبك عندي هقوم بنفسي أعملهولك فسخر جاسر:
- واتوصى بالسم وحياتك فوكزة زیاد:
- عییییب، نوع مفتخر- هوا أنا المفروض اعتذر كام مرة؟!
! سؤاله الحانق خرج رغما عنه بعد انصراف زیاد فعقد أسامة حاجبيه وقال بعد برهة:
- مش بعدد المرات، ممكن من مرة واحدة الكيف وليس الكم عبارة مكررة مألوفة للغاية صحيحة مائة بالمائة في الصباح التالي وجد غايته التي أثارت حنقها وهي تحاول تشغيل محرك السيارة مرة بعد الأخرى ولكن لا فائدة ترجلت ورفعت الغطاء المعدني وهي تنظر لمحتوياتها يائسة، ومرة أخرى تذكر نفسها أنها بالغباء المطلق بأمور ميكنة السيارات ولو أن العيب كان واضحا بحجم قرص الشمس لما رأته أو بغياب بطارية السيارة ! والتفتت بعجز وعيناها تبحثان عن الحارس ولكنها عوضا عنه لمحته يقترب وقالت بيأس وهي تنظر لساعتها:
- العربية عطلت أغلق الغطاء وقال بعملية:
- أركبي هوصلك والطريق كان مختلفا في بدايته وبعد مرور عشر دقائق أخرى أضحى بعيدا كل البعد عن مسلكها المعتاد إذ كان نحو الطرف الاخر من المدينة فالتفتت له حانقة ومزاجها العام كما اعتاد منها مؤخرا " مشتعلا "- إحنا رايحين فين ؟
وبغموضه المعتاد أيضا:
- عندي مشوار أخلصه الأول وأوصلك وبغيظ نفشت:
- طب كنت قولت كنت أخدت تاکس فابتسم دون اكتراث:
- مش هأخرك وهبقا أكلمك المدير فقالت بنزق وهي تطالع هاتفها بحثا عن موقع التواصل الإجتماعي لعلها تصرف القدر اليسير من ضيقها:
- بتتريأ حضرتك، أنا ورايا مواعيد والطريق امتد لساعة كاملة ورغما عنها التزمت الصمت بعند وداخلها يقسم أنها المرة الأخيرة التي تقبل فيها بعرض للمساعدة وأخيرا توقفت السيارة والمكان شبه مهجور ولولا أنها كانت بصحبة زوجها وليس سائق غريب مجنون لظنت أنها أرض مناسبة لدفن جثتها فقالت له متعجبة:
- إحنا فين ؟
ترجل من السيارة والتف حولها حتى فتح لها الباب وأشار بيده بدعوه لها للترجل أيضا ففعلت مرغمة وحاجبيها انعقدا في اجتماع أقسمت أن يطول وهي تنفث بغضب:
- أنا على فكرة مابحبش طريقتك دي فهز كتفيه دون ندم:
- أنت اللي بتدفعيني لكده فاتسعت عيناها بغير تصديق أنها وللمرة التي لا تعرف عددها فعليا تقع بشراك خداعه:
- یعني أنت اللي عطلت العربية فأقر بصدق محاولا كبح ضحكته:
- شيلت البطارية فزمت شفتيها بغيظ:
- ليه ؟
مد يده وقبض على كفها فارتعشت رغما عنها وقال بحميمية:
- تعالي معايا وأنا أوريكي ليه استكانت أصابعها بين أحضان كفه الدافيء المتملك وسارت لجواره صامته حتى قطع هو نسمات الهواء المحملة بترقبها بصوته الرخيم وهو يشير لمبني خشبي متهالك:
- فاكرة ده ؟
نظرت له مليا وهزت رأسها نافيه فتجعدت ملامح وجهه ببؤس وقال:
- خالص؟!
، مش فاكرة المرة اللي جينا فيها هنا، والممشى والمركب و . . . . فتوردت وجنتها وانقشعت لها الذكري الدفينة كبريق الشمس بعد المطر فقالت بصوت أبح محاولة الهرب من ذكرياتهم الحميمة سويا وكذلك الهرب بأناملها بعيدا عن حوزته:
- وبعدين ؟
تقبل هروبها للوقت الحالي وقال بهدوء وهو يتجول بالمكان:
- وزي ما أنت شايفه المطعم بقا مهجور والمكان بقا خرابه ولا عاد حتى فيه زبون واحد والممشى اتكسر طالعت المبنى الخشبي المتهدم بحسرة لقد كان مكانا رائعا في الماضي يطل على الطريق العام من جهة ومن الأخرى على شاطىء البحر مباشرة وقالت بعد برهة:
- خسارة فعلا، هتشتريه يعني ؟
تجاهل سؤالها وقال:
- الراجل صاحبه فضل يسحب من حسابه في البنك ويصرف في الفلوس لحد ما وصل حتى لوديعة الصيانة فكها وصرف منها، معتمد أنه المطعم كده كده بیکسب وقريب هترجعله فلوسه همست سالي حينها:
- غبي، ثم أردفت بقوة معترضة:
- كان المفروض يدرك أنه المطعم بيخسر مش بيكسب طالما حسابه بيقل ووصلت أنه يفك وديعة الصيانة فهز جاسر رأسه وأقر:
- کنت بنفس غبائه، لما فضلت أسحب من رصيدي عندك لحد ما حسابي خلص وبدال ما أجدد وأحافظ على جوازنا فضلت أسحب واستنفذ كل اللي بينا لحد ما انتهينا وقع كلماته عليها كان كالماء المنهمر على فقر اليابسه أهتزت من داخلها وتدافعت الدموع لمقلتيها وارتعشت أوصالها وشفتيها توترت بانفعالها، فتوارت بجسدها بعيدا عنه تضم نفسها وبقي هو متعلقة أنظاره بها وحدها والتفتت له بعد حين:
- وأنت كنت هتعرف منين وأنا ماكنتش بنطق ولا بعترض فهز رأسه:
- بس کنت سامع سکوتك وفاهمه وابتسم بمرارة وقال:
- مانكرش أني أحيانا كنت بكون غضبان من سكوتك وأحيانا كتير کنت بستفزك يمكن تنطقي همست مبررة:
- يأست- يأسك مني دبحني ياسالي، حسسني أني فعلا ما استاهلش فصرخت رغما عنه:
- ورحت تدور على اللي تقدر فنكس رأسه وأقر:
- جاتلي لحد عندي، استنيت منك رفض، حرب . . . عشاني فقالت بمرارة الاتهام والخذلان:
- وأنت عشاني عملت إيه ؟
ولا فرار من إنكار الذنب:
- ما أنا قولتلك غبي وفضلت أسحب من الرصيد لحد ماخسرت كل حاجة مسحت دموعها وقالت:
- ودلوقت ؟
اقترب منها وأمسك بكفيها ورفع وجهها لتقابل الأعين:
- اسمحيلي أرجع اللي أخدته من غير لوم ولا عتاب واقبليه مني- معناه قرب . . . وتحكمات وفرض . . . وضع يده على فمها وأوقف سيل الاتهامات مستنكرا:
- ليه متوقعه مني الأسوء ؟- بحمي نفسي، حقي بإصرار قالتها فابتسم بمرارة:
- طب لو فهماني كويس زي مابتقولي دايما، أكيد عارفه أني لما أصمم على حاجة لازم أنفذها واستطرد سريعا:
- بس على شرط اتسعت عيناها بدهشة:
- أنت كمان منتشرط ومين قالك أني قبلت أصلا فابتسم لها:
- أصلا . مافيش مفر من أنك تقبلي، هفضل وراكي لحد ماتقبلي فاحمرت وجنتاها وهربت بأنظارها بعيدا عنه:
- ماتسكتيش تاني، ماتشیلیش مني جوه قلبك، فضفضي، أصرخي فيا حتى ومرة أخرى تلك الدموع اللعينة مصرة على الهرب من حصون أجفانها معلنة ضعفها فامتدت أنامله تمحي بعضها هامسا لها:
- دموعك غالية عندي- جاسر أنت إزاي قدرت تقبل لمستها؟!
تهدلت كتفاه بتعب وأمسك بكتفيها وقال بقوة:
- کنت بلمسها آه، عایش معاها جسد مش روح روحي وعقلي كانو معاكي حتى لما كنت ببقا معاها بنادي باسمك من غير ما أحس- أنت وصلتني لدرجة حسيت معاها أنك استحالة تكون حبتني في يوم قالتها بحسرة خالصة فانعقد حاجبيه وقال بإصرار:
- المستحيل يكون مر عليا يوم منغير ما أحبك نفضت رأسها كمن تنفض عن رأسها الأوهام، خائفة هي نعم ومتشبثة بخوفها ففيه الأمان- طول عمرك شاطر، عندك ملكة إقناع رهيبة فرد مستنكرا بعجزه:
- للدرجادي الشك ملی قلبك من ناحيتي ؟
سارت نحو السيارة وهي تقول:
- الثقة أغلى من الحب يا جاسر
الختامي
- شفتِ أختك المجنونة ! هكذا كان استقبال أمها لها ظهيرة يوم الجمعة حتى استطردت بندم:
- معلش يابنتي ماكنش قصدي أشيلك الهم، وكويس إنك جيتي تخففي عني ثم ابتسمت بحسرة للصغار:
- إزيكوا الأول ؟
حاولت التخلي عن انزعاجها من استقبال أمها لهم بتلك الهيئة المتوترة قائلة وهي تمر نحو الداخل بصحبة طفليها:
- الحمد لله إحنا كويسين، خير يا ماما قلقتيني؟!
قبلت مجيدة الصغيران ووضعت قبلة دافئة فوق خد صغيرتها وهي تقول:
- معتصم لسه قافل معايا من شوية، فيه واحدة عاقلة تقول لجوزها لو ماكنتش تتعدل معايا أنا مش هطلب الطلاق أنا هخلعك ! اتسعت عينا سالي بدهشة وقالت وهي لا تخفي نبرة السعادة بجرأة أختها أخيرا بمواجهته:
- طب ليه حصل إيه لكل ده ؟
هزت مجيدة كتفيها:
- أنا عارفة، قال من كام يوم بقول الحمد لله الصغيرة عقلت ورجعت لجوزها واتطمنت عليها مافيش كام يوم وألاقي الكبيرة اتجنت فنظرت لها سالي لائمة:
- یعني أنا كنت مجنونة يا ماما ؟
فقالت مجيدة بإنزعاج:
- ويعني اللي أختك ناوية عليه ده عقل؟!
فقالت سالي وهي تشير لأطفالها للدخول غرفتها حتى يتسنى لها الحديث بحرية مع أمها المنزعجة:
- ماتخافيش إن شاء الله خير والصراحة معتصم كمان بيزودها أوي وسيرين من حقها تجيب أخرها يمكن يتعدل.
ربما قبل باستسلام ولكنه في حقيقة الأمر استسلاما مؤقتا تعامل مع رفضها تحت شعار فقدان الثقة به على أنه مجرد خوف لا أكثر وعليه فقط تهدئتها حتى حين كما هي الحال بين القناص والفريسة واليوم أعد أرضا جديدة لمعركته التي لن تهدأ سوى بإذعان تام منها كما عهدها دوما والمكالمة الهاتفية سمعتها أمها عرضا وهي تنهيها بنزق:
- طبعا مش هينفع یاجاسر إحنا لسه واصلين من ساعة فأشارت لها أمها لتتمهل وقالت:
- خليه يجي أنا كده كده لازم أنزل أروح لأختك فتمتمت لها سالي بضيق:
- ده عاوز يفسح الولاد اتسعت عينا سليم وسلمی بجزل وقالت لها أمها مشجعة:
- وماله يابنتي روحي وماتعكننيش على ولادك وأنا كمان أروح ألحق أختك فتنهدت سالي وقالت باستسلام:
- خلاص يا جاسر أوكيه نص ساعة ونكون جاهزین والخطة كانت بدايتها بمدينة الألعاب خارج حدود المدينة قضوا بها أربع ساعات کاملة، حتى أتعبتها ساقيها فقالت برجاء:
- ممكن كفاية كده ونروح بقا، إحنا صاحيين من سبعة الصبح والساعة داخلة على 6 فقال معترضا:
- كفاية إيه إحنا هنمشي آه بس فيه عرض للنجوم في القبة السماوية الساعة 8 لازم نروح نشوفه فنظرت له متعجبة:
- وأنت من أمتي ليك في النجوم ؟
فاقترب منها حتى كاد أن يلتصق بها کاسرا حدودها الوهمية:
- ماليش فيها لأني معايا القمر فتوترت خجلاتها وابتعدت عن حصار عيناه نحو أطفالها اللذان استغرقا بلعبة للقنص وفاز الصغير كأبيه وأهدى اللعبة المحشوة لأخته بكرم بالغ ومع ذلك كان منصتا جيدا لحديث والديه فقال- إيه القبة السماوية دي يابابا ؟
والسؤال الفضولي كان كافيا لتكون محطتهما التالية كما كان يبتغي وأثار العرض حماسة الصغار حتى بعد انتهائه ووصولهم لحديقة القصر فتناولوا طعام العشاء بالحديقة وأصر سليم على الجلوس بأرضها ومتابعة السماء لعله يفك شفيرة الدب القطبي وباقي النجوم وافترشوا الأرض لجواره ودست سلمى نفسها بين والديها واقتنص سلیم حضن أمه منفردا به والثرثرة امتدت لساعتين وأكثر وكانت هي مستلقية مستمتعة بدغدغة الأرض الصلبة لمفاصلها المتألمة شاعرة بخدر يسير صعودا لرقبتها حتى بدأ ينال من رأسها وصوت سلمى كان أقرب لهمهمات فالصغيرة تحارب سلطان النوم بضراوة أما سلیم فتارة يغفو وتارة يفتح عيناه بسؤال آخر يلمع بذهنه فيحرمه النوم- هو فين الكرسي ؟
رفعت سالي يدها وهي تشير له وتاهت عينها بحيرة فلشدة تعبها ماعادت تستطيع رؤية خريطة النجوم كما عهدتها فالتفتت لجاسر لتطلب المساعدة ووجدته عکسهم جميعا يقظ بكامل تركيزه عليها وكفى وابتسامته الهادئة يخصها بها وفقط فاحمرت وجنتها والتفتت لسليم الذي غرق بالنوم مجددا تجذبه قائلة بهمس:
- أنا بقول كفاية كده النهاردة ونطلع ننام فحمل سلمي النائمة هي الأخرى وصعدا سويا لغرفة الصغار ودسا كلاهما بفراشيهما ودثرتهم جيدا وخرج بخطوات هادئة تبعته هي وأغلقت الباب خلفها واصطدمت به وتراجعت خطوة للخلف أو بالأحرى نصف خطوة قائلة بتوتر وهي تفرك رقبتها هاربة بعيناها:
- كان يوم طويل وصوته الأجش يخبرها أنه بكلماته يقصد شیئا ونيته تقصد آخرا- بس جميل رفعت عيناها وتأكدت من حدسها فعيناه كانت مستقرة على فتحة قميصها والتي تكشف بسخاء عن مفاتنها ولا غرابة في ذلك فالإغواء كان كامناً بنبرته وحقا كل شيء مباح في الحرب والحب والخصم هو الحبيب وفي حالة الحرب أو الحب فالهجوم دوما خيارا متاحا بل ورائعا عندما يتعلق الأمر بالشفاه واقترابه لم يكن مدروسا ولم يكن عفويا كذلك ووقفت هي كغزالة غبية تراقب الأسد المفترس يواصل تقدمه نحوها وبثقة الغافلين لازالت ثابته مكانها لا تتحرك تراقب تقلص المساحة بينهما وكأنه سيقلع عن فكرة التهامها في أي لحظة ظنا منها أنه أرنب بري متخفي بهيئة أسد على ما يبدو أو بثقة عمياء من سرعتها وخفة حركتها ستنجو من الموت وبنهاية المشهد المكرر في كل الأفلام الوثائقية لا تنجو الغزالة والموت قدرها كذلك ماتت حروفها على شفتيها التي اقتنصها بقبلة حارة غير أن بعدها عادت للحياة ونطقت اعتراض واهن جاسر.
فأعاد الكرة فلا سبيل له سوى الهجوم، وبالتأكيد لم يكن يوما الشخص المناسب لقبول رفض أو خسارة وغابت حروف الأبجدية مرة أخرى وأخرى والموت بعدها كان مقدرا لأبجدية الضاد وانتعشت أبجدية من نوع خاص أبجدية تنتمي للغة الجسد مكونة من خمس لا غير ضم بأنامل قوية استحوذت على الخصر وكسر لكل اعتراض أو قيد بشرط وسكون بين أضلعه وإستسلام وشدة حرائق اشتعلت بقدر الشوق والحرمان وفتح الساحة حرب ناعمة قادها وكان المنتصر وبنهاية الحرب لا تبقى سوی ساحة محملة بآثارها وتحت أشعة الصباح تكون الرؤية أوضح لما خلفته ورائها فراش أشعث . . . بحجرته وملابس ملقاة جوار بابها مما يؤكد ولا يقبل مجرد الشك أنها هي من ذهبت بإرادتها إليه وعند مدخل حجرته وقعت صك التنازل عن الشرط الأول كاملا وياللعار ! !
هكذا رفعت الشرشف نحو وجهها المتورد بخجلها وخزيها لتغطي نصفه وهي تكاد تستمع لصفيره وصوته يدندن بلحن هو نشاز بحق وظهر أخيرا بمنشفته الأثيرة تحيط خصره ولا توجد کلمات تصف حاله وتفيه حقه سوى بأنه كان منتعشا، منتشيا بنصره ولحد كبير بعكسها تماما وابتسامته المشرقة تنافس شمس الظهيرة واقترب منها ووضع قبلة حارة على كتفها العاري قائلا بغزل صریح:
- صباح اللافندر على عيونك يا جميل واتسعت عيناها بغضبها وقالت بغيظ:
- ده ماکنش اتفاقنا یاجاسر واتسعت ابتسامته ووضع تلك المرة قبلته بهدوء متأني فوق أرنبة أنفها قائلا:
- ماخلاااااص فدفعته بغضب أشد غير عابئة بالشرشف الذي بدأ يفقد تماسكه حول جسدها:
- هوا إيه اللي خلاص؟!
فاقترب أكثر وضمها بتملك نحوه:
- وماله ماخلصش، أنا موافق أفضل ألعب معاك لعبة القط والفار دي، والله مسلية وحاجة جميلة فدفعته بنزق وهي تحاول إعادة ستر جسدها المشتعل باستهانته لقرارها:
- هيا فعلا كده بالنسبالك لعبة، مش كده ؟
فهز رأسه وطرق جبهتها بجبهته مشاكسا وحروفه تحط بالقرب من شفتيها المنفرجتان بحنقها:
- أيوا لعبة وهتفضل لعبة، تجيبها كده تجيبها کده وهمسه أصبح يزداد خطرا إذ اقترب أكثر وأكثر- ومهما تعندي هتفضل لعبتي وبلمعة عيناه الماكرة لم تجرؤ على الاعتراض أو الرفض فهو كان محقا فاللعبة بلا نهاية.
تمت بحمد الله.
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
النهاية ◄ لقد كنت لعبة في يده