رواية لقد كنت لعبة في يده الجزء التاسع عشر

 

 الأوهام ظلال الحقيقة اقتربت حتى انصهرت فابتعدت حتى تماسكت بقايا وتلملمت للمرة الثانية في تاريخهما المشحون بكل العواطف الرائعة والمؤذية أيضا يستجلبها هو بفرض قوة ذكورية بحتة بالكذب كان أو بالخداع ويفرض عليها قيدا وشرطا دون اعتبار لأنوثتها المتداعية بفضله ولا لكبريائها المنحور على يده، فليس ذلك بشيء يذكر جوار كبريائه الأبقي والأعلى شأنا غضب يتأجج وحزن يوجع القلب بتراكماته وكأنها لم تكن شيئا مذکورا وقرار رغم أنه مجحف بحق الآخر وحق أطفالها إلا أنها باتت تراه صحيحا والتضحيات غالبا ما يرافقها ألم ألم ستعتاده وستضيفه للائحة آلامها السابقة فلا تراجع ولا عودة وستعتاد الحاضر حتى تنسی.



" معك يولد الرجل بالمصادفة ويموت بالمصادفة " رسائله النصية التي باتت روتینا ثابتا صباح كل يوم أضحت حمل ثقيل يضاف لبقية ما تتحمله قد تكون في حاجة لإشباع وغريزة فطرية بكل أنثى ولكنه ببساطه ليس هو والأكثر أنها تكاد تكون واثقة أنه مدعي فلا هو شاعرا بالفطرة وحالما كزوجها الراحل ولا هو رجل صارم، صعب المعشر كأبيها تحين لحظات ضعف تصيبه جراء تقلبات الحياة فيتحول لمراهق غر تراه کنمر يختار موقع قدميه بعناية دقيقة حتى يصيب فريسته وهي تمقت دور الغزالة المتحذلقة التي تثق بسرعتها وخفة قدها حتى تقع رقبتها بين براثنه وإتصال هاتفي تلك المرة في الواقع أحصت الدقائق فوجدتها عشرون ككل مرة فردت ببرودها المعتاد و جائها صوته المتردد يحيها قاطعته قبل أن يسترسل:

- كنت لسه هكلمك مش هينفع نتغدا سوا النهاردة، أيهم طول الليل مانمش من وجع ضرسه وكأنما قدمت له الحل على طبق من ذهب وليس فضة براقة- صاحبي عنده مركز أسنان في وسط البلد ودكاترة شطرين جدا، هعدي عليكِ في خلال نص ساعة ده كله إلا أيهم تنهدت وهي تفتأ تبحث عن سبب قوي لترفض عرضه فهي لم تعتاد بعد تلك الفكرة المخزية بترك مقاليد الأمور ليتسلمها هو بحكم ضعف أنثوي لن تعيشه في كنفه راضية ولكنها رغم ذلك تراجعت فما عيب الضعف وما المانع لو أنها تركت ذلك المنصب الذي تقلدته إجباريا لتضع أحمالها ولو قليلا علها تلتقط فقط بعض الأنفاس وإلا مافائدة تلك الزيجة بالمقام الأول فهي ليست بإمرأة صرعها الهوى ولا أرملة أجحفها العوز وضعت الهاتف وتلقت الصغير بين أحضانها الدافئة:

- لسه واجعك ؟
هز الصغير رأسه بضعف وهو يريح خده المتورم برفق على صدرها فربتت على كتفه في انتظار ظهور المنقذ الذي لم يتأخر والذي لم يكذب أيضا فما أن خطت قدميها داخل مركز الأسنان حتى لاحظت الإهتمام الشديد بحالة صغيرها دون الإعتبار لكون العقيد صديقا مقربا لمالك المركز والذي استقبلهما بحفاوة بالغة وما تلا ذلك كان الصدمة والمفاجأة بالنسبة إليهم جميعا فالطبيبة الماهرة التي عالجت أيهم الصغير، في الواقع هي سالي التي تعرفت على درية واستقبلتها بأحضان دافئة وصاحب المركز ذلك الطبيب خفيف الظل كما استشعرته درية لم يكن سوی خطيبها !

وقع المفاجأة على درية حينما علمت بذلك الخبر كان متشابها لحد بعيد عندما علمت سالی أن درية حطمت أسوار حصنها المنيع ودعت رجلا لاقتحامه والسيطرة عليه وأخيرا الرجلان اللذان لم ينتبها لملامح المرأتين وتضحكا سويا بشأن " الخطوبة السرية " كما أطلق عليها كريم والذي أصر على أن يتناولا طعام الغذاء سويا، ولكن درية قابلت عرضه برفض قاطع إذ أن الصغير في حاجة للراحة وربما يستطيعان تلبية الدعوة في وقت لاحق انصرفت درية وهي تحمل صغيرها رغم إصراره أنه يستطيع المشي وحده وعيناها معلقة بوجه سالي الذي كان يعلوه تعبير غریبا غريب جدا، بل غريبة الحياة برمتها.

الفوضى ربما تكون وصفا دقيقا حالة الشركة مع غياب الشقيقان وهذا ما لاحظته عيناه بمجرد مرور بضعة دقائق عليه داخل مكتب أخيه الأكبر الغائب وزأر بأحقية فردا من آل سليم بعدة أوامر نفذها الموظفون بكل دقة وحرفية قد يكون الأصغر وربما يكون قد انسحب من الشركة منذ زمن ولكنه لازال فردا لا يستهان به بتلك العائلة الذي ما أن أنهي عملا هاما أنقذ عدة أوضاع كانت على المحك اتجه لبيت الأوسط الذي كان غارقا في بؤسه بين أورقة ذكرياته البعيدة وخسارته القريبة استقبله أسامة بعينان زائغتين فرمقه زیاد بالمقابل بنظرة خائبة الآمال قائلا:

- إيه اللي رجعك للقرف ده تاني أشاح أسامة برأسه بعيدا مغمغما باعتراف مخجل:
- مش عاوز أفكر في حاجة ولكن زیاد لم يستسلم وتابع حديثه بعند:
- درية سابت الشغل وأنت وأخوك ماعتبتوش الشركة بقالكو كتير والموظفين بياكلو في قته محلولة، إيه اللي بيحصل؟!
فعقد أسامة حاجبيه وقال:
- وجاسر مابيروحش ليه ؟
فدهش زیاد:
- أنت بتسألني أنا؟!
. . أومال أنت قاعد معاه بتعمل إيه ؟

ضحك أسامة ساخرا:
- أحنا كل واحد فينا في وادي لوحده أنت ولا هوا ولا أنا هز زیاد رأسه وقال:
- معاك حق وأنا السبب والتفت لأسامة وهو يرمقه بشفقة قائلا:
- أسامة أنت محتاج تروح تتابع مع دكتور نفسي، الهروب مش حل ولا أنت مرتاح هز أسامة رأسه موافقا فتابع زیاد برفق راجيا:
- أما أرجع من السفر نروح سوا؟!
فتسائلت عينا أخيه قبل لسانه:
- مسافر فين ؟
رد زیاد ببساطة:

- فرنسا، هبقا أحكيلك لما أرجع ظن أسامة أن أخيه يشعر بضيق حال جعله يغادر البلاد فقال بسرعة:
- على فكرة جاسر أداني عقد بيع منه ليك بشركتك يازیاد، بس وصاني ما أجيبش سيرة إلا لما أحس أنك رسیت کده و عقلت، والصراحة أنا كنت قلقان لا بنت الزهري ترجع تلف عليك تاني من بعد ما سابت أخوك فرفع زیاد حاجبيه دهشة:
- وهما اتطلقوا . . . . طب والبيبي ؟
هز أسامة رأسه نافيا فقال زیاد مستفهما:
- عشان كده جاسر سایب الشركة هز أسامه کفه معارضا وقال بإستخفاف:
- مش أخوك اللي يزعل على الموضوع ده، وكده أفضل . ناقص بس يرجع المايه لمجاريها مع سالي وصمت الاثنان إذ أدركا أن ذلك قد يكون سبب غياب أخيهما المفاجيء وعندها قال أسامة بإدراك:

- يمكن يكون ده السبب فعلا، والصراحة ماحدش يقدر يلومها ولكن بعكس ملامح أسامة المستسلمة لمعت عينا زياد وهو يقول بإصرار:
- لكن لازم ترجع هم زیاد بالرحيل وقال آمرا:
- خلي العقد معاك يا أسامة مش محتاجه دلوقت وتعالي المهم نروح لأخوك ونتطمن عليه     ثلاثة أيام مرت ثلاثة أيام من الصمت المفعم بحرارة براكين الغضب المتفجرة داخله وشعور حارق بالخيانة يقتات منه وعودة لذكريات مقيتة أقسم على دفنها بأعمق الأعماق سهيلة فضلت رجلا آخر فتخلص منها ومن قيود زيجة منتهاة ولكن سالي . . . هي لم ترتكب جرما فادحا بالمعنى الحرفي إذ أنها لم تعد زوجته ولكن كيف تفضل سواه ؟

الفرحة التي استقبل بها الصغيران عمیهما كانت لا تقدر بثمن وساهمت بإخراجه من دوامة أفكاره الملتهبة مستعيدا بريق عيناه الذي خمد قليلا وبمظهره الوحشي بذقنه الخشنة وعيناه التي ضاقت عندما لمح نظرة أخيه الأصغر متشبثة بكل حركاته ولفتاته تقدم منه ودفعه لأحضانه بود استقبله زیاد بسرور قائلا:
- قلقنا عليك أنا وأسامة دعاه جاسر للجلوس قائلا بمكر:
- أنت ممكن لكن أكيد الباشا التاني ولا كان حاسس بحد وضع أسامة سلمى المتشبثة بعنقه والتفت لأخيه الساخر وقال:
- قال يعني تفرق معاك فهز جاسر رأسه نافيا:

- لاء تفرق يا أسامة،لمتنا أهم حاجة عندي كان سليم يتابع حديث الكبار بأعين متسعة يحاول إدراك ما يجري حوله بسنوات عمره القليلة فجذبه زیاد بقوة وتعلق به وقال:
- أبوك ماله یا سليم أحكلنا أنت بقا نظر سليم لأبيه الذي سارع بإشعال تبغه بأنامل متوترة قائلا بخشونة:
- خلي سليم بره یا زیاد فاعترض سليم بجين العند المتوراث بعروق آل سليم:
- بس هوا سألني أنا نظر جاسر لصغيره نظرة تقدير بالغة وقال بإذعان:
- خلاص اتفضل يا سلیم جاوب نظر سليم لزياد وقال بحروف لا تمت لعالم طفل بعمره بصلة:
- أظن أنه بابا قاعد قدام حضرتك تقدر تسأله بنفسك انفجر الجميع ضاحكون حتى سلمى التي لم تكن تفقه الحديث الجاري من حولها فجذب زیاد رأس سلیم مشاكسا وقال:

- ابن الوز عوام، خد أختك ورحوا طيب وسيبونا لوحدنا . عشان أقدر أسأله براحتي وكأن سليم بحاجة لذلك الأمر منه، مد يده صامتا لأخته التي تعلقت بذراعها وسحبها نحو الخارج تارکین عالم الكبار المشحون بالأفكار والأقوال التي تخفي ما داخل الصدور وحديث قاد دفته و تمرکز فقط حول العمل ولا شيء سواه متجاهلا نظرات أخويه الفضولية بشأنه حتى قاطعه زیاد قائلا بحسم:
- مهما تحاول تهرب یا جاسر بالشغل وكأن مافيش حاجة حصلت هيفضل واقع أنك أنت وولادك قاعدين هنا لوحدكم منغير أمهم وساد الصمت لفترة ليست بالهينة فلقد تعلم زیاد الصغير المواجهة وأساليب الطرق على الحديد وهو ساخن كما يقولون وتابع بإصرار:

- ولا أنا غلطان یا جاسر؟!
هز جاسر کتفیه یازدارء قائلا بتكبره المتعمد:
- وده يفرق في إيه ؟
قام زیاد وقال:
- ماهو مافيش أهم من لمتنا یا جاسر يبقى من باب أولى لمتك أنت ومراتك وولادك تدخل أسامة ليلطف قليلا من الأجواء المشحونة بينهما وقال:
- جاسر أنا ممكن أكلمها وسالي طيبة وبتحبك قاطعه زیاد باعتراض قوي:

- لاء طبعا لا أنا ولا أنت هنتدخل، هوا اللي لازم ينزل شوية من عليائه ويترجاها ترجعله، هوا غلط فيها ولازم يصالحها ويحسسها بأهميتها عنده، ولا سالي مش مهمة ياجاسر والتفت لجاسر الذي احمرت نواجذه غيظا إذ لم يعتاد أن يتقلد موقع الصغير الذي يتلقى الأوامر من أحد وتابع زیاد بنفس الإصرار:
- اعترف على الأقل بينك وبين نفسك أنك غلطت في حقها، وأنها استحملت كتير منك وأنه من حقها تحس بغلاوتها عندك وعادت كلماتها تطرق رأسه وشعور بالذنب يطوقه نحوها فاقترب زیاد منه هامسا:

- على الأقل عشان مصلحة الولاد هز أسامة رأسه موافقا وقال وهو يسحب زیاد نحو الخارج بواقعية الأمه مؤخرا:
- كفاية كبر وتضيع وقت أكتر من كده یاجاسر، بدال ماتصحى في يوم تلاقيها خلاص راحت لغيرك والألم الذي تجسد بناظريه تعاظم حتى شعر بأنفاسه تختنق وحال دون أن يودع أخويه وداعا لائقا فجلس في مكانه ولم يبرحه حتى بعد مرور ساعات على إنصرافهما وعاد مجددا لدوامة أفكاره فهو كان يظن أنها رفضت الاستمرار ورحلت ثأرا لكرامتها وعلى عكس کلام أخيه الذي يتهمه بالغرور وعدم استشعار قیمتها بحياته فهو ظل ينتظر هدوء تلك المشاعر السلبية من جهتها التي عصفت بحياتهما وتعود مرة أخرى لأحضانه وأحضان صغارهما كما اعتاد دوما منها ولكن أن يقتحم آخر رقعتهما الخاصة ويزيحه تماما وتفضل هي الاستمرار بحياتها معه هذا لم يكن بالحسبان أمازال ثأرها لكرامتها يتعاظم أم هي بالفعل نبذته وخانت عهدهما ؟

ولا سبيل لمعرفة الحقيقة سوى خطوة أخيرة يقوم بها فلا سبيل لإضاعة المزيد من الوقت كما قال أسامة هو لم يكن يوما رجلا بارعا في الصبر ولكنه كان دوما بارعا في الصيد وليس هناك أسهل من اصطياد إمرأة يعرف نقاط ضعفها وقوتها ويحفظ عن ظهر قلب عاداتها.

خرج في الصباح في ميعاده ليس لأنه متشوقا للعودة للعمل ولكنه كان متأكدا بأن نعمات ستقوم بواجبها على أكمل وجه وماهي إلا ساعتان من الزمن حتى رن هاتفه وكان المتصل حارس القصر الذي أخبره بتواجد " الهانم " في تلك اللحظات برفقة الصغار فترك الحديثة بالعمل تعيث فسادا في ملفات درية المنظمة بدقة ولم يهتم وعاد لقصره وهو يحمل خطته المتقنة كانت سالي في تلك اللحظات تجلس بانتظار العفو نعم هي مذنبة خطبت لآخر وستتزوج في غضون أشهر قليلة وماهي أيام بعد إعلانها لذلك الخبر المشؤوم حتى غابت عن صغارها وتركتهم قالت بأنفاس متهدجة وهي تنظر بتضرع لصغيرها سليم الذي کتف ذراعيه بحزم كأبيه تماما:

- یعني یا سليم يرضيك تسيبنا نخرج أنا وسلمى لوحدنا ؟
فرد سليم دون أن يمنحها حتى نظرة:
- وإيه الفرق ما أنت بقالك كتير ما بتجيش وسيبتينا لوحدنا حاولت سالي التملص من ذنبها الذي لايغتفر قائلة:
- ما أنا سيباكم مع بابا فالتفت لها سليم:
- وأنا هفضل قاعد هنا مستني بابا ولو سلمى عاوزة تخرج معاكي براحتها فاقتربت منه سالي وهي تربت على ذراعه:
- طب أنا اللي عاوزة أخرج معاك النهاردة فهز سلیم رأسه بألمه الذي لا يطيقه صدره الصغير:

- عشان بكرة ولابعده تسيبني وتخرجي لوحدك ولا مع عمو کریم وأفضل أنا مستنيكي لحد ماتيجي اتسعت عينا سالي بذعر فائق فما يود الصغير قوله حقا أنه لن ينتظر منها نظرة عطف ولا شفقة ويفضل أن يتخلى هو عنها بمليء إرادته قبل أن تتركه مي فهزت رأسها نافية والدموع تقتحم مقلتيها واحتضنته بقوة هو وأخته قائلة:
- أنا لا عمو کریم ولا غيره يقدروا يبعدوني عنكم، فاهمين وقاطع هو تلك اللحظات المفعمة بالألم وهو يشعر بأنه يتحمل ذنب صغيريه بالكامل وليس سالي وحدها فقال:

- إيه رأيكم لو نخرج كلنا سوا ؟
ترك الصغار حضنها الدافيء والتفتا إلى أبيهما الذي ركع واستقبلهما بقبلات مفعمة بالحب ودفعهما نحو الأعلى مع أمر بالإسراع في تبديل ملابسهما وإلا تراجع عن قراره وما أن اختفا الصغيران حتى اتجه نحوها وهي الواقفة صامته وداخلها يعج بالأفكار السيئة نحو نيته المبيته وقليلا من الغضب إذ أن ذلك هو أسلوبه للتعامل معها ولن يغيره فقال بلطف:
- الولاد محتاجين مننا أننا نتفاهم ياسالي ده حقهم علينا فالتفتت له بهجوم شرس:
- وأنا حاولت أتفاهم كتير معاك قبل كده یا جاسر أنت اللي . . قاطعها مهدئا بإبتسامة رقيقة أذابت أوصالها:
- اهدي بس . . مالهاش لازمة العصبية دي كلها اختلجت دقات قلبها وتوترت شفتيها وهي تقول بعند:
- أنا هادية هز جاسر رأسه وقال:

- كويس جدا، خلينا نتفق الولاد هيباتوا معاكي سبت وحد واتنين والتلات بعد الغدا هعدي أخدهم من عندك يقعدوا معايا تلات واربع وخميس والجمعة تعدي تاخديهم مني في النادي اتسعت عينا سالي وهي لا تصدق عرضه الذي ألقاه على مسامعها بكل بساطة وقالت لتتأكد:
- یعني هتسيبهم معايا نص الأسبوع؟!
هز جاسر رأسه ولكن ضاقت عيناه وهو يؤكد لها:
- مع شرط فكتفت سالي ذراعيها وقالت ساخرة:
- آه طبعا ما أنا قلت الموضوع لازم يكون فيه إن، اتفضل أشرط یا جاسر تجاهل جاسر سخريتها وقال بهدوء:
- مش عاوز ولادي يكون ليهم أي علاقة باللي اسمه کریم، لا يشوفهم ولا يخرج معاهم اتسعت عينا سالي قائلة برفض:
- ولما نتجوز إن شاء الله . . قاطعها مزمجرا:

- ولادي هيباتو معاكي في بيت جدهم یا سالي مش في بيت جوز أمهم هزت سالي رأسها وهي تقول بإدراك:
- يبقا الغرض من الإتفاق ده أني أفسخ خطوبتي وما اتجوزش کریم، ده اللي أنت عاوز توصله هز جاسر رأسه وقال نافيا وكأن أمر زواجها من آخر لا يعنيه:
- أنت حرة ياسالي دي حياتك وأنت حرة فيها، وده اللي عندي واللي أقدر أقدمه، اعقليها وشوفي هتتصرفي إزاي، الولاد ليهم حق علينا ومن حقي أن ولادي مايباتوش في بيت راجل غريب ولا يكون ليه أي علاقة بيهم وأظن إنه ده الطبيعي هبط الصغيران الدرج بمرح يتسابقان وارتسمت على ملامحهم البهجة فأبيهما وأمهما سيصطحبانهما للخارج في نزهة عائلية خاصة بهما وهذا ما صرحت به سلمي بكلماتها الطفولية:

- أخيرا هنخرج سوا كلنا مع بعض فهمس جاسر بالقرب من أذن سالي:
- لو عاوزاني أقولها أنه جالي شغل وتخرجي أنت معاهم لوحدكم براحتك بس أنا صعبان عليا أكسر فرحتها فهزت سالي رأسها نافية ومدت ذراعها لسلمي وقالت:
- مين هيركب معايا ومين هيركب مع بابا فقال سليم معترضا:

- مانركب كلنا سوا مع بابا شعرت سالي لكأنما تساق بمليء إراتها نحو فخ منسوج بعناية وتحت رعاية مباشرة وبتصميم موقع بلمسة من جاسر وأطفالهما ومع ذلك لم تستطيع الهرب والتملص فهي المذنبة، هي من يعرض عليها رعاية وحضانة مشتركة بينهما وهي من تدفع بآخر في معادلة بقائهما لتصبح مستحيلة.

ويبدو أن المعادلات المستحيلة أصبحت تسيطر على مزيدا من العلاقات فما سمعته منذ قليل بالصدفة البحتة جعل بقائها مرتبطة بتلك الزيجة لهو أمر من رابع المستحيلات بحق فالنمر يخطو خطواته المدروسة بالفعل إذ سمعته يخطط مع أبيها تفرقة الأبناء أبنائها الصغير برعاية الجد إذ أنه شديد التعلق بأمه والتعامل معه ومع متطلبات سنه الصغير أمر فائق الصعوبة والأوسط والأكبر سنا معهما إذ يستطيع التفاهم والسيطرة على طباعهما الهادئة ومتطلباتهما البسيطة بحكم سن المراهقة هكذا، بمنتهى البساطة معادلة تشملها هي وإثنان فقط من الأبناء والأخير الصغير منبوذ معادلة مستحيلة وببساطة طرحه لتلك المعادلة على مسامع الجد وموافقة الأخير عليها بالمقابل لم تجد حرجا ولا مانعا هي الأخرى بقذفه بأحط الصفات وأقذع الشتائم وهي تلقي بطوقه الذهبي بوجهه وتطرده خارج المنزل رغم أنه منزل أبيها بالأساس وبعد انصراف العقيد بأذيال الخيبة وزعقة أبيها وعلى غير العادة تصفيقا حارا من زوجة أبيها وتحية لها على موقفها الجريء منبعه الحقيقي أنها لم تكن لترحب برعاية صغير في عمره ولكن الظاهر أنه هذا ما تقوم به أم شجاعة بعمرها حملت صغيرها ودثرته جيدا وعادت لمنزلها الصغير الهاديء وفكرها يتقد بمعادلة أخرى لا زوج ولا عائل ولا وظيفة ولا سبيل للعودة وأيضا لا سبيل لطلب مساعدة من الأب معادلة أكثر تعقيدا والمزيد من التعقيد واجهته صباحا إذ استيقظت فزعة على صراخ الصغير بآلآم ضرسه مجددا فحملته بعدما تناول طعام الفطور بمشقة بالغة نحو المركز الطبي الذي قصده آنفا وانتظرت دورها طالعتها سالي بإبتسامة مرحبة والصغير اقتحم الغرفة وجلس سريعا على المقعد المخصص له قائلا:

- آآه الحقيني وشوفي ضرسي يا طنط أبوس إيدك لم تتمالكا الاثنتان نفسيهما وانفجرتا ضاحكتان واقتربت منه سالي وبحنان قالت وهي تداعبه تماما مثل سليم الصغير:
- وريني كده، آآه رجعت تزود في الحلويات وماغسلتش سنانك أشار لها الصغير برأسه مذعنا وهو يتألم:
- خلاص حرمت آآآخر مرة شرعت سالي في أداء عملها وهي تقول:

- مادخلتوش على طول ليه، يعني حتى لو کریم مش موجود دلوقت، حالة أيهم حالة طارئة وبعدين يعني إحنا عيش وملح يامدام درية اقتربت منها درية:
- على أساس يعني هناديكي مدام سالي ده إذا كان جاسر وبقوله... بترت درية عبارتها بحرج بالغ وعندها رفعت سالي رأسها لها وقالت لترفع عنها الحرج:
- ولا يهمك . الغلطة عندي أنا يا درية انتهت سالي من عملها بعد قليل وهي تملي على أيهم بضعة أوامر لعله يستجيب لها والتفتت لدرية وقالت:
- شدي عليه شوية، لو كل حلويات لازم يغسل سنانه في ساعتها وأشوفه كمان أسبوع نكمل شغلنا هزت درية رأسها وقالت:
- سمعت يا أيهم، أظن أنك حرمت بعد الوجع ده کله اصطحبتهما سالي نحو الخارج والتفتت لها درية وقالت:

- أنا مش عارفة أشكرك إزاي فابتسمت لها سالي متعجبة:
- على إيه ده شغلي وبعدين أنتوا بقيتوا وصاية جامدة دفعت درية صغيرها للعب في المنطقة المخصصة للأطفال والتفتت مرة أخرى لسالي قائلة بحرج شديد:
- ياريت مافيش داعي أنه دكتور كريم يعرف بزيارتنا، أنا وطارق فسخنا الخطوبة اتسعت عينا سالي وهتفت دون أن تشعر:
- معقول، ليه ؟
ضحكت درية وهزت رأسها بتهكم بالغ وقالت:
- عشان ولادي مش محل خیار یاسالي ماينفعش أختار بينهم وبين جوازي، دول هما عندي بالدنيا وما فيها تاهت أبصار سالي وهزت رأسها بإذعان وقالت بصوت متحشرج وتشبعت تفاصيل وجهها بالألم الدفين بأعماقها:

- فعلا معاك حق، إستحالة يكونوا إختيار، هما الواقع، الحقيقة الثابتة اللي لا يمكن تتغير ربتت درية على ذراعها وقالت دون حرج:
- يمكن جاسر مایستهالش منك فرصة تانية، لكن ولادك ياسالي أكيد يستاهلوا، راجعي نفسك مش تبقي وأبوهم عليهم دول أغلب من الغلب فرت دمعة من عيون سالي دون إرادة ودون أن تشعر فجذبتها درية لأحضانها وقالت:
- ربنا ينور بصيرتك

على السادة المسافرين على متن الطائرة رقم ( . . . ) التوجه لصالة القيام رقم ( . . . ) قام من جلسته التي طالت بعد تأخر إقلاع الطائرة لساعتين کاملتين كان غير منتبها بالمرة لتلك التي تراقبه بأعين لامعة تحت قدميها على التحرك نحوه وعقلها يأمرها بالانصراف فلقد اطمأنت عليه وكأنما شعر بتذبذب خطواتها والتقط إشارات قلبها المتعلق به فهتف بها سعيدا:
- آشري أنت هنا ؟
كانت قد استدارت وتابعت سيرها خوفا ولكن مع لمحة السعادة التي لونت صوته دق قلبها بشدة والتفتت نحوه مجبرة وبخطوات خجولة اقتربت منه وقالت دون أن ترفع أبصارها:
- جيت عشان اتطمن عليك ابتسم زیاد واقترب منها وقلبه يتراقص طربا:
- عرفت منين إني حاجز المعاد ده ؟
هزت رأسها واعترفت:

- دي الطيارة الوحيدة بالنهار والتانية بالليل متأخر وأنت كنت قايلي على يوم السفر، عملت اتصالاتي وعرفت إنك هتركب دي جذبها زياد نحوه ومسح بظهر كفه وجنتها بحنان بالغ وعيناه متعلقة بقسمات وجهها الجميلة كإسمها تماما وقال:
- لو تعرفي أنا كنت محتاج أشوفك أد إيه فأدمعت عيناها وقالت لائمة:
- طب وليه مش عاوزني أسافر معاك ؟
تنهد زیاد وقال بندم وأسف بالغ:

- عشان الخطوة دي بالذات لازم أعملها لوحدي زي ما سيبتك أيام وليالي لوحدك بتحاولي تصلحي حاجة مالكيش يد فيها تصاعد الصوت منبها للمرة الأخيرة بضرورة سرعة التحرك مقاطعا لحظتهما المشحونة فربت زیاد على كف آشري وقبله بدفء:
- إدعيلي وأنا هبقى أكلمك من هناك هزت آشري رأسها وهي تشير له مودعة:
- أوكيه مستنية منك تليفون وبعدما ابتعد عنها بخطوات هتف بها مرة أخرى بصوت مرتفع غير عابیء بالمتابعة الفضولية التي حصدها الاثنان جراء سؤاله العجيب:
- آشري . . . أبيض ولا أوف وايت ؟
التفتت له آشري متعجبة وقالت:


- إيه ؟
هو إيه ؟
فهتف ثانية متجاهلا سؤالها:
- أبيض ولا أوف وايت ؟
اتسعت إبتسامتها وتراقص قلبها طربا وقالت بعد تردد:
- أوف وايت فغمزها زیاد وقال مشاكسا:
- هجيبه أبيض فأدمعت عيناها وضحكت وأومأت له بموافقة واستقبلت قبلته التي أرسلها لها في الهواء ووضعت كفها على فمها بخجل شديد جراء نظرات الناس الموجهة لهما وتسارعت خطواتها نحو الخارج بعد أن غاب عن أنظارها.

حالة السعادة المحلقة بها منذ الظهيرة جعلتها شبه غائبة عما يجري حولها وغير واعية لحديث سالي الذي امتد لنصف ساعة من الوقت بمكتبها وهي تخبرها بخطوبتها لكريم وترددها الشديد في مشروعها للزواج منه حتى هتفت بها سالي:
- أنت مش معايا خالص یا آشري فارتفع حاجبي آشري وقالت مغمغمة باعتذار:
- سوري يا سالي بجد، كنت بتقولي إيه ؟
فرفعت لها سالي كفها الأيمن ليلمع خاتم الخطبة بخنصرها في وجه آشري التي أمسكت بقوة بكف سالي قائلة بسرور بالغ:
- رجعتي لجاسر ؟

! مبرووك ياسالي جذبت سالي كفها وقالت بغضب حانق:
- کریم مش جاسر اتسعت عينا آشري وقالت بغباء لم تصب بمثله يوما به:
کریم مین ؟
؟
. . . . ومع نظرة سالي المشتعلة وضعت آشري كفها على فمها ثم هتفت- آآه کریم، عرفته مش ده الدكتور صاحب المركز هزت سالي رأسها صامتة فتابعت آشري تساؤلاتها:
- طب ليه ؟
بتحبيه ؟
انزعجت سالي بشدة من ذلك السؤال وهتفت حانقة:

- لاء طبعا فتعجبت آشري بشدة وقالت مستنكرة:
- طب طالما مش بتحبيه هتجوزيه ليه ياسالي ؟
وضعت سالي رأسها بين كفيها بتعب وقالت بصدق دون أن تستطيع رفع رأسها ومواجهة اشري باعترافها الذي تعلنه بصوت عالي ربما للمرة الأولى:
- هوا طلب وأنا . . أنا مجروحة وقتها كان لسه جاسر متجوز اللي اسمها داليا دي لكن دلوقت اتطلقوا واللي فهمته من نعمات أنها أجهضت هزت آشري رأسها بعدم فهم وقالت بواقعیتها:

- إنت بتخلطي الأمور ببعضها ليه ياسالي ؟
تنهدت سالي بتعب وقالت:
- مش عارفة، أهو اللي حصل تغضنت ملامح آشري وارتسم عليها الضيق الشديد وقالت معنفة صديقتها التائهة:
- تاني ياسالي، تاني بتحطي نفسك في إيد اللي حواليكي، فين قرارك أنت، أنت صاحبة القرار ياسالي مش حد تاني، دي حياتك أنت مش حياتهم فقالت سالي بشعور حارق بالذنب:
- کریم صعبان عليا، کریم بیحبني بجد، صعب أجرحه ارتشفت آشري القليل من قهوتها المرة وقالت بتصميم قاس:
- دي مشكلته هوا مع مشاعره مش مشكلتك، والجرح الأصعب هيكون ساعة ماتتجوزيه وأنت بتفكري لسه في غيره انكرت سالي قولها رغم أنها تعلم بمدى صدق حديثها:

- أنا بفكر في ولادي وبس نظرت لها آشري وهزت رأسها نافية:
- لاء بتفكري فيه وإلا ماكونتیش جیبتي سيرته، وعلى فكره لا هو عيب ولا حرام، أنتوا ليكم تاريخ مع بعض فوضعت سالي كفها على جبهتها بتعب وقالت:
- طب أنت رأيك إيه ؟
هزت آشري رأسها رافضة أن تقودها نحو إختيار أو قرار:
- ماليش حق أن أكون صاحبة رأي باسالي وأنت عارفة كويس الصح فين

ماهو القرار الصحيح ؟
ليست بحاجة لمزيد من التفكير خاصة وهي تتسلل من المركز قبل ظهور کریم لتذهب للقصر لاصطحاب أطفالها في نزهة كما وعدتهم ومنذ بداية الأسبوع القادم سیمکثون معها لنصفه كما اتفقت مع جاسر ولكن ما لم تحسب حسبانه أن تجد الصغار برفقة أبيهم بحجرة المعيشة يلهون سويا بصخب وصوت ضحكاتهم قد دفع بالبسمة اللإرادية لثغرها صرخت سلمی مرحبة بأمها وتدافعت ساقيها نحوها وقالت مؤنبة- إتأخرت على فكرة يعني فحملتها سالي وقالت ضاحكة:
- یابكاشة قال يعني عارفة الوقت هزت سلمى رأسها معترفة:

- سلیم هوا اللي قال أنك جاية الساعة تلاتة وسألت بابا قال دلوقت بقت خمسة حث جاسر سليم لتوجه نحو أمه التي تلقفته بأحضانها مغمغمة باعتذار:
- معلش والله يا سليم كان عندي حالات كتير عشان كده أتأخرت فقال جاسر بمكر:
- ماتزعلش بقا ياسولم وبعدين أنا مش مكفيك يا أخي؟!
هز سلیم رأسه واندفع مجددا لأحضان أبيه فهو أصبح يستشعر الأمان بينهما أكثر من ظل أمه الغائب وداخله يعد نفسه لمزيد من الأعذار والغياب وتلاهي بآخر سواهما تلك المشاعر المعتملة بصدره أصبحت سالي تراها لكأنما كائن حي، وحش قبيح الشكل والهيئة يخبرها كم أضحت أما قاسية ينهش هناء ليلها ويؤرق مضجعها واقتحمت نعمات حديث القلوب وقالت بصوتها الجهوري:

- الغدا جاهز ياجاسر بیه فارتسمت على ملامح وجه سالي التوتر وقالت لسلمی:
- أنتوا ما اتغديتوش لحد دلوقت ؟
رد جاسر وهو يقترب منها حاملا سليم على كتفه:
- قلنا نستناكي ناكل سوا عزمت سالي الرفض ولكن مع تعلق أنظار أطفالها بها تحركت خطواتها مذعنة خلف جاسر الذي تحرك نحو الشرفة حيث أعدت نعمات طعام الغذاء وجلست للطاولة المستديرة والتي أعدت لها أربع مقاعد فقط فأصبحت على مقربة من جسده الفارع وأطفالهما أمامها قد شرعا بإلتهام الطعام من فرط جوعهما وبالمثل تناولت سالي معلقتها وشرعت بالأكل ليدخلا مسابقة الأسرع أكلا كما اعتادوا وفجأة قام جاسر تاركا طعامه الذي لم يقربه وتحرك نحو مشغل الإسطوانات لتنبعث منه تلك الموسيقى المميزة جدا لأسماعهما ومرة أخرى وربما كانت تنبعث من بين طيات الذكرى صوت فيروز الحالم بأغنيتها المتسائلة المتوحة لقلوب الجرحى " سألتك حبيبي لوين رايحين ؟

" فتركت سالي معلقتها ووضعتها وتوقفت عن الأكل كما توقفت الأرض عن الدوران وعادت بها لأرض الأقصر وذكرى تلك الفتاة المتخبطة بين أورقة العشق له عادت لتتلبسها فأخفضت رأسها وهي متشعبة بذكرياتها البعيدة تارة تشعر بالسعادة وأخرى بالخزي والألم وتراقصت الدموع بعيناها وتركت الطاولة هاربة نحو الداخل تحت أنظار الأطفال المتعجبة لحال أمهما الغريب وأتبعها جاسر نحو الداخل بعد أن أمرهم بلطف للانتهاء من طعامهما وقفت مكتفة الأيدي تدير له ظهرها تحاول إستجماع شتات نفسها وقالت عندما شعرت به يتقدم داخل حجرة المعيشة:

- هبقا أخدهم يوم السبت زي ما اتفقنا فقال بلطف:
- الجمعة هجيبهم لحد عندك فحملت حقيبتها واستعدت للرحيل واصطدمت قدميها بألبوم صور ملقى على الأرض فالتقطه واقترب منها وقال:
- کنا بنفر في الصور، فيه صور نسيت أمتي أخدناها حتى فتحت سالي الألبوم وتناقلت بحنين نحو صفحاته وتطلعت لصورة سلمى وهي برفقة سليم في أحد الصناديق المخصصة لجمع الألعاب فضحكت رغما عنها وقالت:
- كانت غاوية تستخبى هنا وسليم كل مرة كان يقفشها فضحك جاسر متفكها وقال:

- ولما لقيته كل مرة يمسكها بقت تروح ورا الستارة في مكتبي تستخبى مننا، ورجليها وساعات كلها كان بيبقا باين من وراها وتناقلت بين الصور جوعا للمزيد حتى توقفت عند صورة بملابس صيفيه بيتيه لها بلون كريمي تكشف الكثير من مفاتنها وهي تحمل سلمى التي لم يكن تجاوز عمرها أشهرا قليلة فمدت أناملها بسرعة لتسحبها بخجل وتوتر واضح وعزمت على تمزيقها فوزنها كان قد بدأ في الإزدياد، كما أن وجود مثل الصورة الفاضحة لها بحوزته أمرا باعثا على الحرج والضيق لكن أنامله كانت الأسبق إذ منعها برقة بالغة وهو يقول وعيناه لا تحيد عن وجهها المتورد:

- ولو مافيش صورة، فيه حاجات استحالة تنمحي من خيالي یاسالي واقترب منها وبصوته الأبح قال بحميمية بالغة:
- ذكريتنا وحياتنا سوا، يمكن ننسى من التلاهي بالحياة بس سهل جدا لما نستدعيها ترجع تاني كأننا بنعيشها لأول مرة فرفعت عيناها له وكانت تلك أعظم أخطائها إذ اشتعل جسدها برمادية عيناه التي لم تنضب، وتخضب وجهها باللون الفاضح واهتزت أوصالها وحبال صوتها إذ قالت هاربة:
- أنا هسلم على الولاد قبل ما أمشي      عيناها المتورمة ببكاء لايبدو له نهاية كانت أول ما استدعى إنتباهه بعد نبرة صوتها المرتجفة بالهاتف منذ قليل اتصل بها يبلغها بأمر ضروري يخص أجهزة التعقيم بالمركز وطلب منها الحضور إن كان باستطاعتها قال بلطف وهو يطالعها:
- مالك ياسالي ؟

هزت رأسها وهي تمنحه ضحكة كاذبة:
- ماليش أنا كويسة جدا، موضوع الكهربا ده هياخد وقت؟!
هز کریم رأسه وقال وهو يوليها ظهره مشيرا الأسلاك الكهرباء المعلقة بالأعلى:
- هیأجل الإفتتاح يومين تلاته لأنه هنغير شبكة الكهربا كلها أحسن بدال مانقابل مشاكل قدام مع الأجهزة اللي طلع فولتها عالي دي هزت رأسها وهي حرفيا لاتفقه شيئا وقالت:
- أعمل اللي تشوفه صح یاجاسر ولو استدار لم تكن لترى نظرة عيناه فحسب بل ملامح وجهه التي تغضنت بألمه القاس ومع ذلك تجاهل ماسمعته أذنيه وما مر على قلبه کسکین دام وقال:
- كمان الكهربائي هيغير شبكة التليفون فتسائلت بتعجب:

- والتليفون ماله ؟
نظر لها مليا وقد أدرك أنها لم تنتبه قط لزلة لسانها وقال:
- العامل خلط فيش الكهربا بالتليفون فاتحرقت سارت للخلف وهي تطالع المكان بإحباط شديد وهي تقول:
- هيا مالها قفلت من كل ناحية كده؟!
هز رأسه وقال وأنظاره مرتكزة على حركاتها التائهة:
- عادي بتحصل، مشاكل سطحية هتروح فهزت كتفيها وهي تستعد للرحيل متعبة:
- أوكيه يا جاسر حاجة تانية ؟
استوقفها بصوته الجريح:
- فيه أن أنا کریم مش جاسر ونبرة صوته کانت کالصفعة التي أعادتها مرة أخرى للحياة ولأرض الواقع وليس لأرض الذكريات التي تمتصها كعلقة شرهة فتوقفت عن الحركة بل تصلبت وارتجفت شفتيها وقالت وهي تلتفت لتقابله:

- أنا قلت جاسر؟!
فابتسم بسخرية مريرة واقترب منها قائلا:
- یعني لحد دلوقت بالظبط 3 مرات أو عشان أكون دقيق أكتر . . ماقولتيش اسمي ولا مرة فأخفضت رأسها وتساقطت دموعها رغما عنها وقالت دون أن تستطيع السيطرة على رجفة جسدها:
- أنا آسفة، آسفة بجد یاکریم فزم شفتيه وقضب جبينه قائلا:

- آسفه عشان غلطتي في اسمي ولا آسفه عشان خطوبتنا ککل یا سالي فرفعت عيناها الباكية وظلت صامتة حتى قالت بصوتها المتهدج- آسفة، أنت أكيد تستاهل أحسن مني وأنا زفت فهز رأسه نافيا وقال وهو يخلع دبلته الفضية ويضعها أمامها على الطاولة التي تفصل بينهما:
- ماتقوليش على نفسك كده، كل شيء نصيب ظلت تنظر له وعيناها لم تتوقف عن البكاء وشعور حارق بالذنب يخنق أنفاسها فخلعت الدبلة الذهبية هي الأخرى وهمت بخلع السلسلة هدية والده عن أمه الراحلة فمنعها قائلا بإبتسامة مبتورة:
- هتفضلي أنت العروسة اللي أتمنتها وهتفضل دائما من حقك.
الحب ماهو تعريف الحب ؟
ذاك السؤال الذي تسابق لأجله الفلاسفة والكتاب والشعراء بل وحتى العامة لتعريف ماهية الحب والحب في نظر البعض میزان بين الاجتياح والاحتياج وإذا ما أختل الميزان كان الحب ضعف والأنثى ضعيفة باحتياجه والذكر ضعیف باجتياحه ولا عزاء وقتها للكرامة غير أن الدرس الأقسى الذي تعلمته أنه لا غنى عنها حتى مع الضعف المباح بإسم الحب ومع ذلك هي باكية تعلن ضعفها وتلعنه بعبرات تهطل حتى انتصف الليل دلفت أمها لحجرتها وهي تمتم بجزع:

- بسم الله الرحمن الرحيم، مالك يابنتي يا حبيبتي ؟
والسؤال بحاجة لإجابة شافية غير أنه الإجابة حاضرة مع غياب لمعة خاتم الخطبة فأمسكت أمها بكفها وعلت الشفقة نظرة عيناها فالتفتت لها سالي:
- مش عشان كده، ده الصح، من الأول كان الغلط عليا إني وافقت تنهدت أمها وربتت على كفها:
- وبتعيطي ليه طيب ؟- عشان ما ابتعلمش قالتها هامسة وأردفت بغضب وهي تسترجع الأحداث القريبة لتلك الليلة:
- غبية وضعيفة ومهما أعمل هيفضل ماسكني من إيدي اللي بتوجعني تأملتها أمها مليا حتى قالت:
- وهتعملي إيه، هيا الدنيا كده، والطلاق عمره ماكان حل سهل وأديکي جربتي ظلت صامتة لفترة ليست بالقصيرة ثم مسحت دموعها بقوة ونفضت عنها رداء الخزي، خزي المشاعر الإجبارية، خزي الأفكار والذكريات الجارحة ونظرت لأمها وقالت بهدوء:

- جربت لكن هو لسه، ومش هرجع بالسهولة دي غير لما يجرب ويعرف ويدوق الوجع اللي اتوجعته عشان يحرم يوجعني تاني لا تعلم كيف انقضت ليلتها ولا تعلم كيف قامت من فراشها الأشعث وبدلت ملابسها وتناولت فطورها بشهية غائبة ولكنها تعلم جيدا خطوات طريقها الذي أتخذته نحو المركز الهادیء في تلك الساعة المبكرة من النهار لملمت أشيائها القليلة وودعت طاقم التمريض ووقفت لبضعة ثوان أمام مكتبه حتى أخبرتها إحداهن أنه لم يظهر بعد فدلفت للحجرة الهادئة وهي تحمل خيبة أمل عظمي فهو كان يستحق وداعا لائقا بكل ماقدمه لها من مساعدة خطت بضعة كلمات لا تغني ولا تداوي غير أنها عرفان بالجميل ستحمله معها حتى آخر العمر وتركتها مغلفة بمظروف أبيض على سطح مكتبه المرتب وبعدها أتجهت للمركز الخيري وتفاجئت عندما أبصرته يقف مع أحد العمال يملي عليه بعض الأوامر فاحمرت وجنتيها بحرج بالغ وتقدم هو منها بطلة هادئة وقال بلطفه المميز:

- أنا جيت أخلص شوية حاجات بسيطة وسيبت على المكتب جوه کشف بأسامي الدكاترة المتطوعين وفلاشة عليها كل الملاحظات وكشوفات الحساب فهزت رأسها ومنعت دموعها من السقوط أمامه قائلة بصوت متحشرج:
- وأنا روحتلك المركز من شوية مالقتكش سيبتلك جواب ممکن تقطعه حتى قبل ماتقراه لأنه عمره ماهيوفي جمايلك عليا رفع رأسه متحاشيا النظر إليها ثم قال بعد برهة:
- أنا كنت عارف وكنت مستني النهاية دي، جزء متغابي جوايا كان بینکرها، مفيش داعي تحملي نفسك الذنب كله لوحدك نظرت له ثم قالت:
- أنت اسم على مسمی فعلا فمد يده ليصافحها قبل أن ينصرف:

- أتمنى أسمع عنك كل خير    لقد تخطى الأمر مجرد حادث مرور غير متعمدة بمتجر البقالة القريب وإن كانت كاذبة أوانتظار داخل سيارته أمام البناية التي تسكنها فهو الآن واقفا ببابها يستأذن للدخول بشحمه ولحمه بعد أن أمضي عدة أيام سرا يراقبها حتى اطمأن لاختفاء العقيد من حياتها دون رجعة عقدت حاجبيها وهي تتأرجح بين الرفض والقبول وكانت توشك بالفعل على غلق الباب والرفض القاطع إلا أن صيحة صغيرها المرحبة به فور أن رآه وتعرف عليه:

- عمو أسامة جعلتها تتراجع خطوتين للخلف وتسمح له بالعبور لمملكتها المقدسة ظلت صامتة تراقبه وهو يداعب الصغير وقد حمل له بعض الحلوى وأحيانا يسترق الأنظار لوجهها الخالي من أي تعبير فهو كان تحت المراقبة حتى أمرت صغیرها بهدوء بالانصراف إلى غرفته فرفع أنظاره إليها وهز رأسه وانصرف شاكرا لهدية العم الطيبة ولا تدري هي بأي سابقة استحق بها لقب العم والتفتت له وهي عاقدة الحاجبين كصقر ينتظر الانقضاض على فريسته:

- خیر، جاي ليه ؟
فابتسم لها مشاكسا:
- طب على الأقل مش هتعزميني على فنجان قهوة ؟
لم تبتسم ولم تلن معالم وجهها قيد أنملة وقالت بصلابة:
- أدخل في الموضوع على طول یا باشمهندس لو سمحت أنا لولا أيهم، ماكنتش دخلتك بيتي وأظن أنك تعرف في الأصول کویس ارتسم الضيق على ملامحه وزم شفتيه ثم قال:
- أنا عارف أني غلطت في حقك قبل كده بس محتاجك تسمعيني وأشرحلك . . . قاطعته:
- مش عاوزة أسمع حاجة، ولو ده سبب الزيارة فتقدر تتفضل دلوقت لأني ماعنديش وقت أضيعه في لعبة القط والفار دي إحمر وجهه بحنقه البالغ وقال وهو ينفث غضبه:

- ماهو مش طريقة كلام دي یادرية أنا جاي لحد عندك أعتذرلك ضحكت بتهكم:
- ليه كنت دوست على رجلي لاسمح الله؟!
ظل صامتا لوهلة حتى تنهد قائلا:
- أنت مصممة تصعبي عليا الطريق، حقك . عموما هختصر عشان ماضيعش وقتك أنا جاي النهاردة أطلب منك . . . . وصمت مترددا يحاول إيجاد صيغة أفضل لطلبه وهي تراقبه بعيون ضيقة وأوصال بدأت في التململ حتى قال هامسا:
- درية أنا محتاجلك، وأنا آسف على الوقت اللي ضيعته قبل ما أعترف لنفسي الأول أني فعلا محتاجلك وأخرج من جيبة علبة مخملية تحمل خاتما للزواج وفتحها وهو يقول راجيا:

- من النهاردة مافيش لعبة قط وفار، من النهاردة بكل الوضوح اللي في الدنيا بطلب منك، تقبلي تتجوزيني ؟
لم تعلو وجهها ملامح الدهشة كما كان يتوقع أو الفرح كما كان يأمل بل تلك التقطيبة اللعينة التي تزين حاجبيها کناظرة مدرسة ابتدائي في الخمسينات من عمرها ترمق طالبا مشاكسا أخطأ مرات عديدة حتى قالت بصوت قاطع مختصر:
- لاء وتابعت رغم ملامح خيبة الأمل المعلنة على صفحة وجهه:
- أنت محتاج تلاقي نفسك الأول، وفي الأصل أنا مش محتجالك ولا محتاجة لأي راجل في حياتي ماعنديش إستعداد ولا حتى الطاقة اللي أشيل بيها مسئولية حد غير نفسي وولادي فهتف سريعا مؤكدا:
- أنا مش عاوزك تشيلي مسئوليتي أنا مش عيل صغير، بالعكس أنا عاوز أكون جمبك ونعيش حياتنا سوا أغمضت عيناها وارتسمت مرة أخرى ابتسامتها الساخرة على جوانب ثغرها وقالت وهي تهز رأسها رافضة:

- الجواز في الأول والآخر شركة، اتنين بيشيلو بعض وأنا مكتفية بنفسي وبولادي وقامت وأردفت لتنهي تلك الزيارة الغير متوقعة:
- حياتي يا أسامة مالكش فيها مكان أخفض عيناه بخزي واضح وأغلق العلبة ووضعها مجددا في جيبه وقال:
- ولا تقصدي ما استحقش فيها مكان ابتعدت بأنظارها عنه وقالت هامسة:
بإختصار ماينفعش أيا كانت الأسباب والأفضل أن كل واحد منا يمشي في طريقه یا هنفضل خطين متوازيين عمرنا ما هنتقابل أو يمكن تتلاقی خطوطنا فقام وظل ينظر لها وداخله محمل بكل المشاعر التي تصطرخ مستجدية التلاقي ومع ذلك وضع على وجهه قناعا باردا يليق بأحد أفراد آل سليم وقال:
- أشوف وشك بخیر يادرية .

من كان يظن أن قالب الشيكولاتة التي حملها أسامة في الصباح تكون في اليوم التالي وظيفة بأجر ثابت بل ومشروع مستقبلي يعد بالنجاح اللامحدود، استيقظت صباحا على صراخ أيهم من ألم ضرسه مجددا فحملته وهي تلعن الحلويات بكافة أنواعها وطيف أسامة الذي رافقها ساعات الليل كاملة لتبلغ اللعنات مداها عندما علمت بترك سالي لعملها بالمركز منذ أيام قلائل ورفض أيهم للكشف عند طبيب آخر حتى أرشدتها إحدى الممرضات لطوق النجاة، عنوان المركز الخيري الذي تمتلكه سالي وما كانت سوی ساعة زمنية حتى تخلص أيهم من آلآمه بالمعدات البسيطة وبيد سالي الماهرة وقالت وهي تبتسم لدرية:

- أول حالة نستفتح بيها، فامعلش بقا أعذرينا لو المكان مش متظبط أوي زي المركز الافتتاح لسه كمان أسبوعين تقريبا فابتسمت لها درية:
- بالعكس أنت نجدتيني أيهم كان مش قابل بدكتور تاني غيرك، بس طالما عندك مرکز ملكك ليه كنت بتشتغلي مع دکتور کریم خلعت سالي قفازها الطبي وقالت:
- أنا الأول كنت بشتغل عنده لحد ما زي ما أنت عارفة حكاية الورث دي ففكرت أعمل بيها مشروع خيري بإسم المرحومة والصراحة دکتور کریم کان بيساعدني وماسك كل الحسابات لكن دلوقت . . . توقفت سالي عن السرد عندما لاحظت إمارات عدم الفهم جلية على وجه درية فقالت بإختصار:
- إحنا فسخنا وماعدتش ينفع يعني نكمل سوا في المشروع فهزت درية رأسها وقالت بهدوء:
- المهم تكوني مرتاحة لقرارك أخذت سالي نفسا عميقا وهزت رأسها:
- جدا، وما أنكرش فضلك عليا في القرار ده اتسعت عينا درية وهتفت:

- أنا؟!
فابتسمت لها سالي:
- یعني، أنت ربنا بعتك ليا عشان تشجعيني رغم أني ماكنتش صاحبة القرار ۱۰۰ %، بس ده الصح فهزت درية رأسها وقالت:
- ولو أني مش فاهمة حاجة من ساعة ما اتكلمتي عن الورث لكن وماله، متشكرة جدا والظاهر أننا خلاص هنكون زبون دایم طالما الأستاذ أيهم مش عاوز يرحم نفسه فضحكت سالي وقالت:

- كل الأطفال كده ولا يهمك وعموما هنا فيه قسم للعلاج بالمجان فامتشليش هم فهزت درية رأسها رافضة عرضها السخي وقالت:
- لا المجان للحالات اللي تستاهله إنما إحنا هندفع فضحكت سالي ساخرة:
- طب خلاص بس الأول تشوفيلي حد يمسك الحسابات وأنا آخد منك ساعتها الفزيتا فلمعت عينا درية وقالت مقتنصة الفرصة:
- أنا أمسكها فهتفت سالي غير مصدقة:
- بجد، وجاسر؟!
فقالت درية:
- أنا سيبت الشركة من حوالي شهر وحاليا زي ما بيقولوا عواطليه فعقدت سالي حاجبيها وقالت:
- لكن أنت لو طلبتي ترجعي جاسر عمره ما هيرفض أنا أصلا مستغربة أنه وافق تسيبي الشغل أخفضت درية عيناها وقالت هامسة:
- عارفة، بس أنا كده مرتاحة أكتر، الشغل مع جاسر متطلب جدا والولاد بيحتاجو مني رعاية أكتر والمرتب اللي هتقولي عليه أنا راضية بيه فمدت لها سالي يدها تصافحها وقالت:

- وأنا أكيد مش هلاقي حد أحسن منك يادرية والعكس بقا المرتب اللي هتقولي عليه أنا اللي راضية بيه ياستي فهتف أيهم الذي كان يتابع الحديث يإهتمام:
- هتاخد خمسميت ألف ومية جنيه فاتسعت عينا المرأتين وتعالت ضحكاتهما وبعثرت أمه خصلات شعره بحب:
- أما أنك مفتري صحيح      في كل صباح تنتظر رسائله النصية حتى تستطيع المضي قدما في عملها ولكن مع غياب رنة الهاتف المميزة تبعثرت أفكارها وتشتت حتى أنها لاتفقه شيئا مما تقوله مساعدتها على الرغم من أنها أعادت صياغة حديثها لمرتين متتابعتين فقالت بنبرة اعتذار خالصة:

- سوري بجد مش مركزة في ولا كلمة من اللي بتقوليه ممكن تسيبني شوية لوحدي تركتها المساعدة الخبيرة بمفردها وهي ترمقها بإشفاق إذ بلغ بها التشتت مبلغه، حتى أنها وضعت رأسها على سطح المكتب الترتاح قليلا فعادت لتنقر فوق أزرار الهاتف لتتصل به تلك المرة بإصرار لأن تحصل على رد ولكن ما من مجيب وماهي إلا بضعة دقائق حتى طرقت مساعدتها الباب مرة أخرى فعلت وجهها نظرة غاضبة وقبل أن تسترسل بحديث غاضب قالت المساعدة:

- الطرد ده وصل حالا عقدت حاجبيها بتعجب فهي كانت حمل صندوق مستطيل عریض بلون أبيض يزينه شريط نبيتي من الستان فقامت لتوقع بالاستلام ثم فتحته بلهفة لتطالع ورقة صغيرة خط عليها بخطه الأنيق " ماقدرتش أجيبه أبيض وأنت عاوزاه أوف وايت، یارب يعجبك " فضحكت وهي ترتعش من شدة فرحتها ونفضت الأوراق التي تغلفه برقة حتى طالعت قماش فستان زفاف مطرز رائع الجمال ورفعت أنظارها لمساعدتها التي كانت تصقف بكفيها بجزل واحتضنتها بقوة وهي تقبلها قائلة:

- مبرووووك یا بوس وقطع لحظتهما المشحونة بالمشاعر المختلطة دخوله حاملا باقة زهور حمراء يشاكسها قائلا:
- طب هيا وبس جابتلك الطرد لحد عندك وبوستيها وحضنتيها أنا بقا اللي اشتريته وغلفته بنفسي وجيت بيه هنا بلحمي وشحمي ليا إيه ؟
فضحكت وترقرقت عيناها بدموع الفرحة واحمرت وجنتها وتنحنحت مساعدتها لتنصرف بخطوات مسرعة إلى الخارج فاقترب منها وهمس لها وهو يقبض على كفيها:
- اعملي حسابك الفرح كمان أسبوعين فهتفت غير مصدقة:

- فرح ! هز رأسه مؤكدا:
- ولا ألف ليلة وليلة، إحنا بنفتح سوا صفحة جديدة فضاقت عيناها:
- یعني هتروح تطلبني من بابا فهتف بها ضاحكا:
- واطلب أبوكي نفسه فضحكت وقالت تمازحه:
- بس أنا عاوزاه بالنهار فهز رأسه مذعنا وهو يمسك بكتفيها:
- ولو حتى فوق المريخ، أنت تشاوري بس وأنا عليا التنفيذ.

لم تنتبه لمرور الوقت سریعا برفقة درية بالعمل فالافتتاح منتصف الأسبوع المقبل وعرضت عليها توصيلها لمنزلها بسيارتها وبالتالي تخطت الساعة السابعة عندما توقفت بسيارتها أمام بوابة القصر رفعت هاتفها لتصل بنعمات لتطلب منها مرافقة الصغار للبوابة فاليوم هو الجمعة وكما اتفقت سابقا معه فهذا اليوم المخصص لها لبداية منتصف الأسبوع وهي بالفعل تتحاشى لقاءه ولسوء حظها هاتف نعمات كان مغلقا فترجلت من سيارتها وعبرت البوابة نحو القصر وقفت أمام الباب المعدني الضخم دون أن تطرقة وكأنما هبت عليها نسمة من نسمات ذكرياتها المؤلمة لتذكرها بلحظات قوتها وضعفها في آن واحد.

فمنذ بضعة أشهر فقط كانت تقف متزينة برداء خطبتها ومزدانة ببضعة كيلوجرامات زائدة تنظر له الألم يخترق أضلعها ويفتت مفاصلها من ثم يسحق عظام صدرها وهو يصطحب عروسه الفاتنة ويسير نحوها غير عابیء بشظايا قلبها التي تناثرت مع حبات الملح فوق رأسيهما، ومع ذلك تماسكت بقوة تحسدها عليها الكثيرات ممن قد يوقعهن حظهن العثر بنفس موقعها فلم هي الآن خائفة ترتجف، تهرب من نظرة ونبرة حميمة مسكونة خلف أغنية قديمة وبضعة صور لم تشفع لها عنده برحمة أو بشفقة زفرت الهواء المحتبس داخل صدرها إن كان هو يعمد لذكريات أعوام مضت فهي تعاني من فقدان ذاكرة للأحداث بعيدة الأمد وما تذكره فقط لن يتعدى الأشهر القلائل الماضية طرقت الباب بحزم حتى فتحت لها نعمات واستقبلتها بابتسامة بشوش فخاطبتها لائمة:

- بكلمك تليفونك مغلق فردت نعمات بحسرة:
- وقع اتكسر ماعدتش أشوف زي الأول فربنت سالي على كتفها مؤازرة:
- ربنا يديكي الصحة و الولاد جاهزين تنهدت نعمات:
- من بدري ولما أتأخرتي راحو يلعبوا في الجنينة اللي وره مع باباهم أشارت لها نعمات التقدم فرفضت قائلة:

- هستناهم في العربية ياريت تبلغيهم همت نعمات بالاعتراض ولكنها مالبثت أن هزت رأسها طائعة وانصرفت تاركة سالي تعود أدراجها نحو سيارتها خطت سلمى الباب المعدني جريا نحوما يتبعها سليم برفقة جاسر ودون تفكير أدارت سالي خاتمها الذهبي في إصبعها ليبدو وكأنها لازالت تحمل خاتم خطبتها دفنت سلمى بأحضانها ثم اتجهت نحو سليم الذي كان يحمل حقيبته رافضا أي ملمح من ملامح التقارب الجسدي معها فعلت وجهها خيبة الأمل حتى أنها رفعت أبصارها غاضبة نحو جاسر الذي كان يبدو ملاحظا للتغيرات التي طرأت على صغيره ومع ذلك ظل صامتا وداخلها شعورا بأنه يعزز مشاعر الطفل السلبية نحوها فقالت مرحبة بالصغيران:
- ياله عشان ما نتأخرش أنا عازماكو على العشا فرد جاسر متبسما بلطف- هما اتعشوا خلاص، أصلك أتأخرتي أووي تجاهلت النظر نحوه وقالت لسليم وهي تحاول أن تبرر له سبب تأخيرها:

- معلش مش هتكرر تاني إن شاء الله الافتتاح خلاص الأسبوع الجاي فردد جاسر مستفهما:
- افتتاح؟!
فرفعت له سالي وجهها وقالت بهدوء:
- مرکز خيري لعلاج أسنان الأطفال فضاقت عيناه وهو يقول:
- وياترى أنا معزوم ولا غير مرحب بيا ؟
فردت بهدوء:
- أكيد ومش أنت لوحدك كمان أسامة وزياد معزومين، المركز بإسم والدتك الله يرحمها، ولولا الفلوس اللي سابتها في الوصية ماکنش هيبقاله وجود ارتسمت الدهشة على ملامحه فأردفت لتثير حنقه:
- ومن ناحية ثانية الفضل کمان يرجع لكريم، كانت فكرته أصلا وساعدني كتير وكان دايما واقف معايا في كل حاجة وبالفعل نجحت وأصابت هدفها بدقة بالغة إذ عض على شفتيه وقال حانقا:

- أصلا . . هه . . وأنا اللي كنت فاكر أنه زمن معرفتكم قصير فقالت بإبتسامة حالمة قبل أن تصعد لسيارتها:
- العبرة مش بالوقت ولا أد إيه بقالنا نعرف بعض، العبرة بالتغيير الممتاز اللي عمله في حياتي وأحكمت وثاق حزام الأمان ثم انطلقت بسيارتها مسرعة غير عابئة به ولا بغضبه الذي بلغ عنان السماء حتى أنه ركل كل قطعة حصى مهما بلغت صغرها في طريق عودته للقصر ومع ذلك فهذا الفعل لم يمنحه أدنى قدر من الهدوء وعندما حل موعد النوم احتضنتهم سالي بفراشها وجذبت رأس سليم الذي كان هادئا للغاية إليها وقالت لهما:

- أنا عاوزة أقولكم على حاجة بس تفضل سر مابينا استرعت تلك الكلمات انتباه الصغير فبرقت عيناه ونظرت لها سلمي ضاحكة فقالت سالي:
- آه يا خوفي منك أنت یا رویتر لو على سليم فأنا عارفة إنه عمره ماهيقول حاجة فشجعتها سلمى لتخبرهم بسرها فقالت بنبرتها الطفولية وهي تجذب يدها بإصرار:
- لاء قولي قولي مش هقول مش هقول نظرت سالي لسليم وقالت:
- هيفضل سر یا سليم فهز رأسه مؤكدا لها صامتا وكذلك فعلت سلمى فأردفت سالي:
- أنا خلاص مش هتجوز عمو کریم فاتسعت عينا سليم واشرقت السعادة على وجهه:
ونظر لها غير مصدقا قائلا:

- بجد؟!
فيما نظرت لها سلمى وعيناها معلقة بها بغير فهم فقالت سالي بحنانها الفطري:
- أنتوا عندي أهم من أي حد في الدنيا وداعبت سلیم بصدمة خفيفة لجبهته برأسها قائلة:
- خلاص مش زعلان مني فاحمر وجه سلیم خجلا وقال بصوت خافت:
- أنا بس ماكنتش عاوزك تسيبيني فجذبتهما سالي لأحضانها قائلة بدفء:
- ولا يوم أقدر ثم قالت بنبرة أكثر حزما:
- بس زي ما أتفقنا ده سر مابينا ماحدش يجيب سيرة لبابا عليه فابتسم سليم وكذلك سلمى ظنا منها أن تلك لعبة يلعباها سويا مع أبيهما ظلت تستمع لصحيات آشري المبتهجة وهي تناقش معها تفاصيل حفل زفافها القادم عبر الهاتف حتى قالت بهدوء:

- مبروك يا آشري بجد فرحتلكوا أوي فاعترضت آشري قائلة:
- مبروك حاف ماتنفعش أنا محتجاك جمبي ولا سي کریم خلاص أخدك مني ترکت سالي القلم الذي كانت تعبث به عشوائيا فوق ورقة بيضاء وقالت:
- لااا ماخلاص، إحنا فسخنا الخطوبة اتسعت عينا آشري وقالت:
- وماقولتليش يعني اعتذرت لها سالي:
- بجد كنت مشغولة الفترة اللي فاتت أعمل حسابك حيث أنك أحد المساهمين الإفتتاح بعد بكرة تجيبي الأستاذ زياد وتيجوا في الآخر المركز باسم طنط سوسن الله يرحمها و قالت آشري بسرعة:
- شوور . أكيد ده هيفرح جدا، بجد لفتة طيبة منك ياسالي فابتسمت سالي:
- المهم تيجوا بكرة عشان أعرف اباركلكوا بجد، وأنا هبعت دعاوي على الشركة لأسامة و . . بس بالنسبة لدعوة زياد فهتوصلك النهاردة أنت وهوا على شكركتك في ظرف ساعة كده ضاقت عينا آشري وقالت بمكر:

- أسامة وجاسر فتنهدت سالي وقالت:
- أنا أصلي اتسحبت من لساني وقولتله على حكاية المشروع وكده ولا كده مايصحش كلهم يجوا إلا هوا فقالت آشري بأريحيه:
- عادي يا سالي بس أنا استغربت إنك مش عاوزة تقولي اسمه تنهدت سالي وقالت بشیء من الحزن:
- مش هكدب عليك لو قولتلك أني بحس بنغزة في قلبي لما تيجي سيرته فمابالك لما أنا أتكلم عنه أغمضت آشري عيناها متفهمة وقالت هامسة:
- حاسة بيك، كل خيبة أملك بتتجسد ساعتها بس في حروف الأسم ثم طرقت سطح مكتبها بقوة وقالت:
- مش هنقلبها نكد، بكرة أشوفك على خير، باي.

متأنقا ببذلة رمادية أنيقه تناسب طوله وشحوب جسده مؤخرا وحيدا دلف إلى غرفة الإستقبال الواسعة مظاهر الاحتفال بافتتاح المركز مبهجة للغاية . ولكن ذلك لم يمنحه تسرية مناسبة لما يمر به ولكنه مع ذلك رسم إبتسامة ودودة على وجهه غير متصنعة فهو بالفعل يشعر بالفخر وبالسعادة أيضا لقد تلقي دعوة لحضور حفل افتتاح مركز الأسنان الخيري والذي يحمل اسم والدته الراحلة واتسعت ابتسامته عندما رأى سلمى صغيرته تقفز فرحا بظهوره وتندفع نحوه بصخبها الطفولي حملها وقبلها بشدة افتقاده لها ورفع يده بتحية نحو أخويه واشري المتبطأة ذراع زیاد والتي كانت مفاجأة أكثر من سارة له ثم لمحها تسير بخفة بين مدعويها وسليم متشبث بها كظلها والذي استبقها لتحية أبيه بحرارة هو الآخر تأمل هيئتها لبرهة، ترتدي زيا مكونا من قطعتين بلون أزرق رقيق مطعم بفصوص براقة على أطرافه ووشاحها الفضى يزين رأسها ليمنحها هالة مضيئة تخطف الأبصار ببساطة هي هادئة، واثقة، جميلة لم يستطع خفض أبصاره بل واقترب مال وقبل رأس ابنه ورفع رأسه مرة أخرى ليقول:
- مبروك ياسالي ردت عليه بهدوء:

- الله يبارك فيك وهمت بانصراف أو بالأحرى هروب ولكنه استوقفها قائلا:
- سلمى روحي مع سليم أقفِ مع عمو أسامة، عاوز ماما في موضوع توقفت عن الحراك وعقدت ذراعيها بوضع متشابك غير منتبهة أن يدها اليمنى عرضة لأبصاره التي لم تنتبه بعد لخلو إصبعها من خاتم الخطبة وقال:
- الصراحة أنا فخور باللي عملتيه بالفلوس ابتسمت ساخرة وقالت:
- إيه كنت متوقع اشتری بيهم فيلا وأسافر اتفسح؟!
هز رأسه نافيا:

- لاء، ماقولتش كده بس مانکرش کنت متخيل أنك مش متصرفي الفلوس كلها على المشروع الخيري فقالت وهي تصحح له معلوماته:
- في الحقيقة هو مش بالكامل خيري، لأن أي عمل تطوعي لازمله ميزانية إنفاق عليه، وعشان كده کریم اقترح عليا نعمل فيه فرع علاج بالأجر وبالفعل ده اللي تم قبض على أصابعه فذكر ذاك الكريم لا إدريا يبعث في قبضته الرغبة بلكمه فقال هازئا:
- وياترى الدكتور العظيم فين مش باين في يوم أكيد مهم عندك احمرت وجنتها وقالت حانقة:

- والله عنده شغل وأكید زمانه جاي، ماتشغلش نفسك بيه أوي وانصرفت عنه وهي مصممة ألا تجعله ينال من أعصابها مرة أخرى وتلوم نفسها ألف مرة على توجيه دعوة له ليحضر حفلها البسيط فيما بقي هو يراقب تحركاتها وعيناه في الوقت ذاته متعلقة بالباب المفتوح على مصراعية ومرت ساعة ولم يظهر هذا البغيض، أيكون شجارا ظهر في الأفق بين المحبين، فلذلك هجرها في هذا اليوم الخاص أم أنه بالفعل منشغل بأمر هام وسيظهر في أي وقت وتقدمت منه درية تحييه ببساطتها المعقدة:

- إزيك يا جاسر؟!
التفت لها مندهشا ضاحكا:
- أنت بتعمل إيه هنا ؟
فأطرقت درية رأسها وقالت بهدوء متزن:
- أنا بقيت بشتغل هنا مع سالي، المدير التنفيذي للمشروع وماسكة الحسابات فعقد جاسر حاجبيه مستنكرا:
- ولما أنت رجعت للشغل تاني ما جيتيش الشركة ليه . وبعدين مش کریم ده اللي ماسك المشروع مع سالي؟!
كانت درية تريد اقتناص الفرصة لرفع الحرج عن سالي إذ علم جاسر بأمر عملهما سويا ولكن يبدو أنها أساءت التقدير فقالت بنبرة إعتذار:
- الصراحة أنا اترددت أرجع الشركة لأسباب كتيرة تخصني أكيد، وشغلي مع سالي موفرلي مساحة أقدر أهتم بيها أكتر بالولاد . . . ولادي أقصد فهز جاسر رأسه متفهما وقال:

- براحتك يادرية لكن أكيد أنت عارفة مكتبك في أي وقت مستنيك والشركة دي بيتك مش مجرد مكان عمل فابتسمت درية بحرج وقالت:
- أرجو ماتكونش اتدايقت فهز رأسه مستنكرا وقال:
- في بيتها يادرية هنا ولا في الشركة، إنما ماقولتليش مش کریم ده اللي ماسك المشروع ؟
حاولت درية التملص من استجوابه ومع عين الصقر التي كانت تحاصرها بالطبع لم تستطع فقالت:
- اللي أعرفه إنه ساب المشروع من فترة أي تفاصيل تقدر تسأل فيها سالي فابتسم بمكر وارتشف قليلا من مشروبه وهو يبحث بعيناه عنها حتى لمحها تتجه للشرفة بمفردها فقال وقدماه تتحرك صوبها کفهد يستعد للانقضاض على فريسته هامسا:

- أكيد خرج للشرفة المظلمة ليحصل على رفقتها مرة أخرى ولكنها تلك المرة توليه ظهره ترتجف بانفعال مر زمن منذ أن رآها بتلك الحالة فهمس بإسمها برجاء مصطنع:
- سالی أنت كويسة ؟
التفتت له وقد فزعت وقالت وهي تضع يدها اليمنى على صدرها قائلة بلوم غاضب:
- خضتني، عاوز إيه ياجاسر ؟
عندما تكون أمام لوحة مكتملة الجوانب لا يسعك إلا أن تلحظ ماهو منقوص، وما كان ينقص تلك اللوحة رائعة الجمال بنظره سوی لمعة الخاتم الذهبي الذي كان يعلن أنها أصبحت تنتمي الرجل سواه فاقترب منها بسرعة وأمسك بكفها فجأة قائلا:

- فين دبلتك ؟
جذبت كفها من بين أسر أصابعه المجنونة بالسيطرة كصاحبها وقالت وهي تدفع نفسها بعيدا عنه بتوتر:
- شيء مايخصكش فقال بتصميم:
- اتخانقتوا؟!
فغر فاهها، فهي لم تجهز بعد خطة دفاعية فقالت بعند:
- لاء وبعدين للمرة الأخيرة بقولك مش من حقك تدخل في حياتي الشخصية يا جاسر فقال بمكر وكله رجاء أن يكون ما يحلم به قد أصبح واقعا:
- أومال يعني مش باين كل ده؟!
 فقالت بصوت مضطرب وبصبر نافذ:
- قولتلك عنده شغل فقال وهو يرسم دور الملاك البرئ:

- ایوا برضه مايسبكيش في يوم زي ده فقالت هازئة:
- عادي زي ما أنت كنت بيكون عندك شغل وبتسيب الدنيا تولع، مستغرب أووي كده ليه ؟
فانحسرت شفتيه ببسمة حزينة:
- واكتشفت إني خسرت كتير أوي بسبب اللي كنت بعمله هربت بأعينها بعيدا وقررت أن تقود قدميها للداخل هربا منه ولكنه استوقفها بقبضة يده على كفها الخالي مستكملا حديثه:

- خسرتك ياسالي وكانت أعظم خسارة في حياتي تنهدت وكادت أن تفر الدموع من عيناها فهمست بصوت أجش- ممكن تسيب إيدي نکس رأسه قائلا بمرارة تقتحم حلقه:
- أنت بس أمريني وأنا أنفذ على طول فهزت رأسها ساخرة وترات لها ذكرى طلاقهما وقالت متفكهة:
- ما أنا بالفعل متعودة منك على كدة بس هيا علي حسب نوعية الأوامر إذا كانت على هواك ولا لاء ظلا ينظران لبعضهما فترة من الزمن ودقات قلبيهما تتبادلان الحديث حتى فرت دموعها رغما عنها فأسرعت أنامله تمسح فيض عيناها وبهمس معذب قال:
- مابستحملش دموعك، كنت غبي . . بعترف فاندفعت بغيظ تجيبه:

- ولازالت، لو مفكر إني هرجعلك بالسهولة دي فابتسم برفق وقال:
- صعبيها عليا زي ما أنت عاوزة . . . . . حقك كادت أن ترق لحاله ولكنها دفعت بذكرياتها السوداء لتجسد لها كمشاهد حية تنبض فهزت رأسها بعند:
- مش هرجع یا جاسر فأمسك كفها مرة أخرى وبتملك أعظم وقال متوعدا:
- وأنا مش هیأس بس افتكري كل شيء مباح في الحرب ثم رفع كفها نحو شفتيه وقبله برقة وقال هامسا:
- والحب.
تخطو خطواتها بالحياة بدقة مدروسة أحيانا تستجيب لانفعالات لحظية وأحيانا كثيرة تتمهل فلا مجال للخطأ ويصعب جبر کل مکسور وبتلك الليالي تعيش حالة من الأرق وسؤال ملح ثقيل بلا معالم واضحة وبلا إجابة يطرح نفسه باستمرار ماذا لو ؟

ويأتيها صوته في صباح اليوم التالي ليمحي شكوك عقلها ويطمأنها أنهما معا على الدرب الصحيح وباقي على موعد الزفاف يومان فقط لاغير تدور کنحلة طنانة تنهي أعمالا ضرورية، حتى يتسنى لها التفرغ التام لشهر عسل كما أخبرها، ثلاثون يوما بالتمام والكمال ولن يقبل حتى بكسر أيام أو أعذار أما الأخرى التعيسة على النقيض تعيش مع نفس السؤال ولازال ضميرها يؤنبها باستغلال حقير لشخص کریم وماذنبه وهي الضائعة بلا مرسی ؟

تمضي أيامها بجمود مجنون، لا تحصل منها على الراحة ولا حتى بالاطمئنان وتشعر دوما بالتعب حتى لاحظت درية أحوالها المتقلبة فبادرتها بسؤال ودود اعتادته بصفتها أم دون منازع:
- مالك باسالي ؟
فيك إيه ؟
رفعت لها سالي عيون فارغة وكذلك لسان لا ينطق وعقل لايستجيب حتى قالت بعد برهة بمرارة صادقة:
- حاسة إني تايهة وضعت درية أوراقها على سطح المكتب وجلست تقابلها وبعيون تنبش في خبايا صدرها:
- أكيد مش عشان الشغل ولا المركز،، تايهة ليه بقا ؟
أغمضت عيناها وهزت رأسها ولاتزال غصتها تجرح حلقها وهي تتساءل:

- هفضل كدة لحد إمتی ؟
بالأمس تعطلت سيارتها واستقلت سيارة أجرة للعمل كانت نجاة تشدو بأغنيتها الحالمة " فاكرة " ولأول مرة لم تستمتع بصوت نجاة قدر استمتاعها بحل أحجية تلك الكلمات أنا فاكرة وناسية حبه بقا ماضي وذكری . . . خلينا في بكرة . . . هو أحلى ما في الدنيا ! بالله عليكم ماذا تريد نجاة؟!
بل السؤال ماذا تريد هي ؟
ابتسمت بسخرية مرارة وأردفت موضحة:

- عارفة أغنية نجاة " فاكرة "، عمري مافهمتها ولا فهمت هيا عاوزة تقول إيه، بس في الوقت الحالي حاسة أنها بتعبر عني بكل كلمة أنا مش فاهمها ابتسمت درية وتراجعت للخلف قليلا وهي تسترجع حالة الشتات التي كانت تعيشها من قبل بعد وفاة زوجها شعرت بالأسف والحزن لرحيله وأحيانا كانت تباغتها نوبات بكاء تنفضها بعقل يخبرها بأنه ليس حبا ولكنه قلقا على مستقبل الأولاد والقلب يأن لأنها بتلك القسوة عاشت سنون عمرها مع رجل لاتستشعر حقا الحزن الدفين لرحيله شعرت بأنها مجرمة وأحيانا أخرى بأنها محقه حتى وصلت بعد معاناة لمرحلة من السلام النفسي وأنه حقا لا بأس بقدر يسير من الأنانية والقسوة كي تتمكن من مواصلة حياتها وتأدية واجباتها تجاه أطفالها، ولا تعارض بين الوفاء وبين حب الحياة وابتسمت وهي تدندن ذاك اللحن الأثير مستدعية ذكريات الماضي، فقد كان زوجها على النقيض منها حالم على الدوام متذوقا لأبيات الشعر، مقدسا لأحرفه، مستمع جيد للموسيقى بأنواعها وهائم بألحان طوال الوقت تأملتها سالي بتعجب فهي ولأول مرة تتخلى عن وجهتها الباردة بل وتتنازل عن تقطيبة وجهها العابسة ويعلو صوتها بغناء حتى قالت بتزق:

- یااه للدرجادي؟!
فهزت درية رأسها بسرعة نافية وقالت مبررة:
- أصلك بتفكريني بنفسي اتسعت عينا سالي بغیر تصدیق وقالت:
- إزاي ؟
أشاحت لها درية بكفها وقالت:
- مش مهم إزاي لكن الخلاصة، ماتستعجليش، تبات نار تصبح رماد وهتلاقي نفسك في الآخر، هتكون حاجة جديدة عليكي عمرك ما اتعودتي عليها بس صدقيني هترتاحي معاها أوي ومش هتقبلي بحد يغيرهالك كانت سالي تستمع لكلماتها بلهفة لهفة الغريق الذي يبحث عن قشة يتعلق بها ليقف في وجه الأمواج التي تصارعه على حياته لهفة التائه الذي يبحث عن موطأ قدم يشبه مثيله في الماضي ليعود لوطنه وأومأت برأسها وهي تصدق قولها رغم أنها لا تملك أدنى فكرة عما تكون البداية وكيف تكون النهاية هي فقط تصدقها بحدس الأنثي وبحدس الأم الذي تمتلکه استقبلت مكالمته بانزعاج بعد مرور ساعة قبیل انصرافها لمنزلها وهي تقول:
- إزاي يعني، ما أنا لسه سيباهم مع نعمات وسلمی کانت زي الفل ؟

رد بصوته الهاديء وهو يخبرها:
- مش عارف والله ياسالي دخلت دلوقت اتطمن عليهم لقيتها سخنة وفكرت أبعت أجيب الدكتور بس قلت يمكن أنت اديتيها حاجة وانه دور برد عادي فاتصلت أسألك لململت أشيائها وهي تحدثه بقلق:
- لا ماتجيبش الدكتور وماتديهاش حاجة لحد ما أجي، أنا مسافة السكة. وعندما وصلت كان الوقت تعدى العاشرة مساءا وأخلدت نعمات للنوم ولم تستطع سؤالها عن حال طفلتها وصعدت الدرجات سريعا نحو غرفة صغيرتها ووقف هو ينتظرها بالخارج وعيناه تلمعان بمكر في الظلام وضعت سالي كفها على وجه صغيرتها ورقبتها واستشعرت حرارتها ثم التفت له قائلة بغيظ هامس:
- حراراتها كويسة جدا ارتفع حاجبيه بدهشة مصطنعة واقترب منها ليضع كفه قائلا بتوجس:
- أكيد؟!

حاسس أنها دافية تهدل كتفيها بتعب ونفثت بضيق وقالت وهي تحاول الانسحاب للخارج فهو يحتبسها بين فراش صغيرتها والحائط المجاور لها:
- زي الفل وأصلا النهاردة كانت بتلعب ومبسوطة ماقعدتش لحظه استيقظت الصغيرة على همس والديها وابتسمت بفرح بعيون لازالت ناعسة وقالت مغمغمة:
- ماما هتبانی معانا في الأوضة ؟
ربنت سالي عليها بحنان وقبلتها وهي تقول:
- أنا قاعدة معاكِ لحد ماترجعي تنامي فردت سلمى بإصرار:

- أحكيلي حدوتة فتنهدت سالي ونظرت بغيظ لجاسر الذي رفع كتفيه وهو يتقمص دور العاجز وانسحب بهدوء ليزيد من حالة الغيظ والغضب التي تكتنفها أضعافا مضاعفة، ومضت بعدها تسرد لها قصة كما طلبت لعلها تستعيد جفونها الناعسة مرة أخرى وبعد مرور الدقائق الطويلة خرجت سالي من غرفة صغارها بعدما وضعت قبلة دافئة على جبينهما بخطوات حذرة واصطدمت به فجأة وقبل أن تشعر كانت بين ذراعيه العاريان بل نصف جسده العاري واحمرت وجنتها بشدة وتراجعت للخلف وقال بمكر يستحوذ عليه:

- فكرتك لسه جوه، قلت أخد شاور وأوصلك للبيت بدال ماتروحي لوحدك فغمغمت بضيق وهي تبتعد عنه ولكن إلى أين فهو وللعنة يجيد حصارها فبالخلف الحائط وأمامها هو يقف والماء يقطر من جسده- معايا عربيتي، ولو سمحت عديني أنا أتأخرت أوي وماما زمانها قلقانة نغمغم بصوت ثقيل الهمس متثاقل:
- وتقلق ليه ؟

أنت هنا مع ولادنا . . . ومعايا وكأنها بحاجة لتتذكر أنها برفقته وبمفردهما في قصر مظلم أفراده بالكامل نائمون حتى لمعت عيناها بغضب والذكرى تعيد فرض نفسها والأجواء متشابهة لحد بعيد لحد مغيظ يشعل الغضب بجوانحها- صح معاك ولوحدنا الاختلاف بس أنه هنا في القصر مش أوضة في فندق ومروة واقفالنا على الباب اتسعت عيناه بدهشة والغضب تشكل تلك المرة بحنايا وجهه وهو لايصدق أنه كان بهذا الغباء عندما استدرجها تلك الليلة فهو أراد أن يشعرها بالذنب قليلا وأن يتلاعب على أوتار الحنين والرغبة بالأنثي داخلها أن يرسم لها ملامح ماضي كانت فيه تستقر بالجوار القريب جدا من أطفالهما حد الاطمئنان عليهما كل دقيقة إن رغبت لا أن يرسم لها خطة مثيلة دنيئة خطط لها عقله الملتو بلحظة غرور وأنانية لم يمر بها من قبل أو من بعد فرفع يده ليهدئها وهي تجتازه قائلة بغضبها الأعمى غير عابئة بصوتها الذي كان يعلو:

- يمكن فعلا في كل مرة بتقدر تجيبني لحد عندك واتحط أنا في موقف أضطر فيه أني أرضخ وأنخ وأرضى في النهاية، لكن مش المرادي يا جاسر، سالي القديمة ماتت وأنت اللي دفنتها أراد اللحاق بها أن يبرر وربما يعتذر ولكنه وقف کتمثال من الرخام جامدا والذي يتحرك بداخله هو بركان من الغضب الخالص وهو يطالع انصرافها وداخله يقسم أنه سيستعيدها حتى وإن أبت وسيوقظ تلك التي توارت تحت الثرى لتعود القديمة أو الجديدة هو لا يبالي هي فقط يجب أن تعود وعادت هي للمنزل الهادیء وداخلها لايزال يضج بأنين الذكريات المتواردة على ذهنها تحي غضبها ألف مرة وتميته بالكاد مرة كل شيء مباح في الحرب والحب- هه حب !

همست لنفسها ساخرة كلمة مستهلكة حتى صارت كالرقعة البالية التي تنظف مساویء أفعاله وجنون كبرياؤه وحمقاء هي إن انساقت خلفها وخلف ما تمنيه نفسها من وراء آمالها بشأنه.

واستيقظت العروس والصباح أبيض مشرق کفستانها الذي يلمع بفصوصه تحت أشعة شروق الشمس البراقة وهي مجرد ساعات ودقائق وتعود لأحضان حبيبها حبيبها المجنون الذي أصر على زفاف في العاشرة صباحا على ضفاف نهر أسوان الرقراق وتكبد تكاليف تذاكر سفر للمقربين فضلا عن تكاليف استئجار حديقة الفندق الأشهر ليقيم الزفاف في الهواء الطلق حرية ونسيم منعش وورودا تتفتح وبراعم نخیل تزهر يعدها بأن تكون تلك حياتهما القادمة ولولا صلة الصداقة التي تجمعهما وأنها لاتنكر فضلها عليها بالماضي لما حضرت اليوم فهي لا تتحشاه هي فقط لا تطيق التواجد بالقرب منه حتى وإن جمعهما الأطفال رغما عنها وصلت بالأمس بعد السادسة واستقبلها صغارها ببهو الفندق بصراخ وتهليل يعبر عن سعادتهما واطمأن هو أنهما برفقتها وانسحب دون حتى أن يلقي السلام عليها فهو رأى بنفسه حركات جسدها المتشنجة بوجوده والنفور من مجرد الاقتراب فرفض بالمقابل دفع مزيدا من الخطوات تجاهها بغرور ذكروري بحت واختفى ومكث الطفلان بصحبتها بل وأخلدا للنوم بفراشها ليلا بعدما أحضرت إحدى العاملات منامات نظيفة وملابس الحفل القريب دون حتى أن تطلب فخمنت أنه من قام باستدعائها وهاهي تمشط شعر صغيرتها الناعم بعدما ألبستها ثوبها الأبيض ذو الشريط العريض القرمزي والتفتت للآخر العنيد الذي أصر على إرتداء حلته في الحمام ثم خرج بكامل هيئته وبهائه وشعره مصفف بعناية وقفت تراقب حركاته المتأنية كأنما تشاهد أبيه بسنوات عمره الأولى لا فارق بينهما عدا أن عيناه الرمادية تشعان بالدفء لها عندما رفع رأسه ليجدها تراقبه واحمرت وجنتاه بخجل طفولي يمتلکه قسرا:

- مالك يا ماما بتبوصيلي كده ليه ؟
فابتسمت له بحنانها الفطري:
- زي البدر المنور ربي يحرسك فهتفت سلمى بغيظ:
- وأنا إيه مش حلوة زيه ؟
فقرصتها سالي من خدها الناعم برفق قائلة:

- هوا البدر وأنت الشمس يا لمضة أتمت وضع اللمسات النهائية على زينتها البسيطة وخرجت من الغرفة وهي تتهادى بثوبها الأزرق الرقيق والمزدان بورود بيضاء وفصوص لؤلؤية متناهية الصغر برفقة صغارها وما لم تحسب حسبانه أن يكون هو بانتظارهما أمام المصعد بربطة عنق زرقاء وسترة كحلية اللون تعلو قميصا ناصع البياض فابتسم بمكر لها وهو يتقدم منها حاملا صغيرته التي وضعت قبلة طويلة على وجنته و ربت هو على كتف صغيره بحنان بالغ وبعد قليل خرجا من المصعد بمفردهما كأسرة سعيدة لم تفترق يوما الأب يحمل الصغيرة الشقية والأم تسير برفقة الصغير الأكبر الذي حظي برعايتها منذ أيامه الأولى حتى اليوم واستقبلهما المقربون بنظرات دهشة وعيون متسعة حتى تعالی صوت إحدى النسوة بالتهنئة والمباركة وتوالت العشرات عليهما واستقبلتها سالي بجبين منعقد وهي لاتدري سر تلك الحرارة في التهنئة التي يتقبلها جاسر بكل هذا الود والألفة فاليوم زفاف زیاد وآشري ولكنها كانت ترجح أنه يستقبل التهاني بزفاف أخيه ولا غضاضة في ذلك حتى سمعته يبرر لأحداهن تغمزهما بضحكة هيسترية بعض الشيء قائلا:

- يعني النهاردة أصلها فرحة زياد وعندها توقفت عن الظن الساذج التي تزينه طيبتها المبالغة واحمرت وجنتيها بغضب فسرته المرأة بخجل عروس لا مبرر له وقالت وهي تقبض على كفها هامسة بنشوة:

- أيوا کده جدعة ماسيبتهوش للتانية تلهفه منك ومن ولادك والتفتت له وحدقت به بغضبها المحترق وبسمته الواسعة تزین وجهه كزوج راض سعيد بعودتهما لأحضان عشهما الدافيء وسارت مبتعدة عنه ولكن إلى أين فلقد لحق بها وكذلك صغارهما وتوقفت هي عند الطاولة التي تحمل مشروبات منعشة وتجرعت نصف الكأس دفعة واحدة حتى أنهته واتبعته بآخر علها تطفيء النيران المستعرة بجوانحها هكذا هو ودون حتى أن يبذل جهدا أيا كان مقداره يجيد حياكة الخطط وربط الخيوط وإحكامها حولها ليصنع بها فخا يقبع بأعماقه آخر وآخر والسلسلة لا متناهية ولا منتهية وهي كالعروس الضعيفة مصنوعة من ورقة هشة تغدو بها الرياح وتعدو لتعود مرة بعد الأخرى خلف أسوار حصنه المنيع وتحت شعار ملكية لن تزول والاسم ل جاسر سليم عدا أنها تلك المرة في نظر البعض إن لم يكن معظمهم، ناجحة ومسيطرة فهي استعادته من قبضة الأخرى السارقة ورقة اليناصيب الثمينة وهي الفائزة، الجائزة التي يجب أن تتبارى عليها النساء هي من تخلت وهي من سعت للعودة، ويالها من محظوظة إذ حازت عليه أخيرا ومن يدري ومن يعلم ومن حقا يعرف أنه كاليم الغادر بصفحته الهادئة الخادعة وأمواجه كاسحة في لحظة أو نارا لن تنطفىء نار الشك والغيرة والسيطرة التي كانت ولا زالت تحرقها وراحة لم تنالها بقربه ولا ببعده وسرابا دوما.

كان يمنيها ببحيرة لا تظمأ بعدها أبدا وهي الظمأی حتى وإن كانت على مجرى نهر عاذب ووقف هو يراقب انفعالات جسدها الذي كان ينتفض بغضبه والتفتت له بعيون دامعة أثارت ضيقه وحيرته ووجهها يحمل معان غامضة، وقف عاجزا أمامها لم يستطع فهمها وصوت تنفسها يعلو كصدرها الذي لا يهدیء واستشعر الصغار غضب أمهم بحدسهم البريء فاقتربوا منها يشدون كفيها ووقف هو كمن ينتظر إما حكما بالإعدام أو العفو حتى اقتربت منه وقالت بهمس لم يسمعه سواه تدندن بلحن حميم قريب وعيناها تتحاشان الاقتراب من مرصده:

- فاكرة أنا ناسية وفاكرة حتى استطاعت رفع عيناها نحوه ولكنها ولسوء حظه محملة بقسوة لم يبصرها بهما من قبل:
- بس أنا الحقيقة فاكرة وكويس أوري وعاملة نفسي ناسية والتفتت حولها وعقلها لا إراديا يعقد تلك المقارنة العادلة والمجحفة بالوقت ذاته جمهور مختلف تلك المرة والمشهد بمنتصف النهار بأرض قريبة للغاية والنتيجة عودة لزواج جبرية بحكم الظنون والحكمة الأثيرة تتردد في عقلها " إن خدعتني مرة عار عليك، وإن خدعتني الثانية عار علي " وتلك المرة لن تنساق خلف الظنون ولن تجبرها للعودة تحت رايته وسار هو لجوارها صامتا ولكن وجهه لازال يحمل علامات التساؤل وعقله غائب في احتمالات بعيدة كل البعد عن مرسی أفكارها بشأنهما فما الذي تحاول تناسيه ذكرياتهما سويا، ماكانت يوما حياتهما ؟

هل تحاول بالفعل تناسي الماضي ولكنها لن تستطيع؟!
أسئلة طحنت الباقية المتبقية من صبره فأمسك ذراعها بحزم ليوقفها هو بحاجة لإجابة شافية حتى لو لم تكن على هواه وصوته ينفث الغضب والقلق والحيرة:
- ولحد إمتى الحيرة دي يا سالي، أنت أمتی تنسي وتسامحي ؟
بتلك البساطة الحياة في نظر جاسر سليم كل مايريد وجل مايريد يكمن بإشارة من إصبعه تمحو ماضيا تطفىء غضبا تمر بذكريات مريرة مرور الكرام ولا يجب أن تستوقفها تلك المرارة ولا أن تنغص عليه هو الباقية من عمره هي بئره الذي يجب أن يبتلع كل شحنات غضبه ورعونة كبريائه وصلفه وغروره والبئر سحيق لا قرار له والحيرة المشتعلة بعيناه ووجهه الذي يبدو كأنما ينتظر حكما بالإعدام نجحا في تهدئتها، فاكتفت ببسمة ودودة للجمع حولهما الذين انشغلو عن مراسم الزفاف السعيد ليراقبا الاثنان الغارقان في دوامة مشاعر لانهاية لها وجسديهما ينضحان بالتوتر ونسمات الهواء هي بالفعل مشتعلة من حولهما ولوحت لاشري بتلك الابتسامة الرقيقة وسارت نحوها تاركة إياه خلفها وصغارهما يلهوان سويا دون أن ينتبها للحرب المشتعلة بدواخلهم وضعت قبلة باردة على وجنة اشري المشتعلة بخجلها وتمنت لها السعادة وتركت الحفل وبقي هو يراقب تحركاتها بقلق مضاعف ولأول مرة بحياته يشعر فعليا بالخوف لقد فقدها حقا ولن يكون هناك سبيلا لاستعادتها إذ تمسك برعونة غروره وكبريائه العقيم لقد نفذ مخزونه من الخطط المدروسة وعليه الآن الإذعان التام وإعلان الخسارة.

ومر الزفاف كنسيم الصباح مفعما بمشاعر الدفء والحب التي تزین وجه العروسين والعريس السعيد لم يتمهل إذ اختطف عروسه على متن قارب كان يرقد على ضفاف النيل لمكان غير معلوم كذلك كان الأوسط يخطو بخطواته نحو مستقبله إذ لمح وجها أنثويا مألوفا للغاية كانت تأشيرة دخوله في اليوم التالي لغرفة واسعة من جدران أربعة والرفقة كانت المجموعة من نساء ورجال والمسميات عديدة علاج جماعي، حلقات علاج نفسية أو تریاق، تریاق روحه للتخلص من آلآم وأشباح الماضي ترأسها هي الطبيبة النفسية الشهيرة ومرة أخرى ترتكز بأبصارها عليه وهي لا تنفك عن المحاولة الدؤوب فهو عازم على التواري خلف قناع المسمتع الذي لا يمل لا ينبت بحرف ولا يصرح عما يدور بخلده ومع ذلك لا يفوت حلقة ولا ميعادا واحدا للقاء اليومي إلى الآن وصوتها تلك المرة حازما ولن يقبل بالهروب إذ قالت بتهدید صریح:
- ماهو ماينفعش الكل يتعرى من أوجاعه وأنت تفضل متمسك بيها وتيجي كل يوم وماتشاركناش رفع عيون حذرة وقال بهدوء:

- أنا بس، حاسس إني اللي هقوله تافه بالمقارنة بيهم، نيفين مثلا مريضة سرطان وجوزها أتخلى عنها بعد ما صرفت كل اللي فلوسها على مشروعه وأمجد . . قاطعته بنفاذ صبر محترف:
- نيفين وأمجد والباقية هنا جايين يتشاركوا، أنت يا أسامة عندك إيه النهاردة تشاركنا بيه ؟
وضعت نيفين تلك الرقيقة رغم المرض الذي يتاكلها كفها فوق کفه وقالت مشجعة له:
- أنا عاوزة أسمعك، كلنا . . ده حقك علينا عبس بحاجبيه ودمعت عيناه رغما عنه وقال بصوت مبحوح وأقرها وللمرة الأولى بصوت مرتفع وشعر بعدها أنه تحرر ولو لوقت ضئيل:

- أنا قتلت مراتي وبنتي ودون أن يدري تخلص بالمرارة العالقة بحنجرته رغم مرور الشهور وأخيرا زالت غصته وبات قادرا على التنفس بشكل يسير ومضى يسرد اعترافه لآخره الذي لا يتمنی بعده عفوا     في اليوم التالي لزفاف آشري وزياد وجدت بمكتبها أو إن صح القول من بداية الممر المؤدي لمكتبها بالمركز الخيري وصولا لغرفتها زهور الجوري الأبيض وكلمة بسيطة خطت بيده فوق ورقة صغيرة " آسف " ونظرة ماكرة من عيون درية لم تخفيها عويناتها السميكة وهمس خصته لأذنيها:
- وأنا اللي عمري ما فكرت أنه ممكن ينطقها حتى فهزت سالي رأسها بسخرية مريرة وألقت بالوريقة بعيدا دون اهتمام قائلة:

- ده العادي بتاع جاسر مستعد يعمل أي حاجة عشان يوصل للي عاوزه وبعد أسبوعان من مراسلات يومية بزهوره التي لم تنقص يوما والتي لم تتوان هي عن إرسالها يوما بعد يوم لملجيء لكبار السن قريب، وجدته بمكتبها بشحمه ولحمه ويبدو أنه لن يتراجع غير أن نبرة الهدنة بصوته جعلتها تستمع له بعد أن كانت على وشك طرده دون هواده والعرض كان المبلغ مالي هائل للتبرع فارتسمت ابتسامتها الساخرة بركن فمها المتنزوي لأعلى وقالت:
- یعني مكلف نفسك وجاي لحد هنا والتبرع كان ممكن يتم عن طريق البنك أو مندوب مثلا و هز رأسه ولأول مرة بحياته ربما يقر:
- أنا جيت أعتذرلك عن يوم الفرح، الشيك ده كان من فترة معايا حتى شوفي التاريخ اللي عليه مرت بسرعة على الشيك المخطوط من أسبوع ماض وقالت دون إهتمام:
- تعتذر عن إيه ؟

فقال بخجل:
- عن سوء الفهم اللي حصل قاطعته هازئة:
- قال يعني ماكنش قصدك فاقترب منها وعيناه تحيطها:
- لاء كان قصدي، بس كان سوء تصرف مني بعتذر عنه هي لم تعهده صریحا إلا لغرض فقالت بنفاذ صبر غاضب فهی لن تتحمل تبدل أدوارهما فهو كالحمل الوديع وهي المستذئب بليل أسود:
- ادخل في الموضوع على طول یا جاسر، جاي عاوز إيه ؟
فابتسم وقال بهدوء:
- ممكن أشرب الشاي عندكوا النهاردة فهزت كتفيها هازئة:

- ليه ماعندكوش في القصر ظل يرمقها بتلك النظرة التي كانت دوما تثير حنقها نظرة الأب الصبور والخائب أمله بطفلته العنيدة التي أساءت كعادتها التصرف فقام وأحكم غلق سترته وقال دون أن ينتظر إجابة:
- الساعة سبعه النهاردة هكون عندكوا     القدر بالفعل له طرقه ونحن من نصنعها ونلوم عليه نتيجة المسار غير أنها في تلك اللحظة لن تلوم سوى نفسها إن عادت لعهدها القديم معه الأطفال بغرفتهم بمنزل والدها والساعة السابعة كما هو الموعد وهاهو يقف بباب بيتهم المتواضع وأمها تستقبله بابتسامة متجمدة فابنتها كمن تخوض حربا وليس مشروع زواج وعودة لأحضان بيتها كما تأمل وتتمني وهي كأي أم القلق والخوف حق مشروع لها حتى آخر أنفاسها وعندما جلسوا في صالون المنزل كانت نبرتها العاجزة تخبرانه:

- وإيه اللي يضمنلي تحافظ عليها تاني يا جاسر ؟
نظر للتي تلبست الصمت فصار ردائها وقال مطمئنا بصدق، فالكبرياء والعند لن ينقذانه:
- عشان أنا أول حد اتجرح يوم ما فرطت فيها وجرحت ولادي معايا وعندما شعرت أمها بالراحة أخيرا انتفضت هي وقالت بعنف لا مبرر له:
- ماما لو سمحتي سيبينا لوحدنا شوية هزت مجيدة رأسها بإذعان وقالت:
- هسيبكم براحتكم وربنا يهدي سركم وقف جاسر احتراما لها وكانت هي متجمدة بمكانها وعيناها كالصقر فوق رأسه فابتسم لها وقال:
- حاسس زي ماكون تلميذ مستني العقاب ولم تنال البسمة من شفتيها ولا حتى بملمح ساخر كما كان يأمل على أقل تقدير ولكنها هزت رأسها وقالت مقرة:
- فعلا، أنت ليك عقاب ولسه ما أخدتوش، أوعى تكون افتكرت أنه اتضحك عليا بالكلمتين الحلوين اللي طمنوا قلب مجيدة، أنا اللي عاشرتك وأنا اللي عارفاك أكثر من أي حد تاني فتنحنح قائلا:

- بس أنا اتغيرت يا سالي هزت رأسها وقالت بنفي قاطع:
- لاء ما اتغيرتش، ده اللي انت بتحاول توهم نفسك بيه وبالتالي ماليش حجة فتنهد قائلا:
- تفتكري لو ماكنتش اتغيرت كنت جيت لحد عندك واعترفت قدام والدتك بغلطتي فابتسمت وتلك المرة بملامح سخرية خالصة:
- ده مجرد تنازل وقتي عن غرور متأصل فيك زي الشجرة اللي جدرها ضارب السابع أرض فتغضنت ملامح وجهه بالألم:
- يا اه للدرجادي أنا كده أقرت بهدوء قاس حاسم:
- وأكتر . أنت بس مستني أرجع وهترجع أنت كمان- جاسر العنيد اللي مافيش حاجة ترضيه غير دماغه الناشفة واللي عشانها يعمل أي حاجة في أي حد والمبررات موجودة ومقنعة لیه هوا لوحده وده لوحده كفاية فقال معترضا:
- وولادنا وأخواتي وأنت؟!
رفعت له سبابتها وقالت:

- صح، کده الترتيب تمام مظبوط بالحرف وأنا اللي في الآخر ثم ابتسمت بل وضحكت وقالت هازئة:
- وتقولي اتغيرت ! فهز رأسه نافيا وتقدم نحوها بجسده وجلس في المقعد المجاور لها وقال بصوت خفيض وهو يعلنها لأول مرة بوضوح:
- لأن دول تكويني وأنت جزء لا يتجزأ من تكويني اللي مالهوش أي ترتيب مجرد ضلع بنقص . . . . . . . وهز رأسه بتيه استشعره لمجرد الفكرة بخاطره وقال بعدها هامسا بصوت متحشرج:

- . . . . . . يعني ضياع لين اجتاح ملامح وجهها واستطاعت السيطرة عليه في غضون ثوان بقسوة رسمتها بوضوح على معالمه وقالت بغتة:
- الشرط الأول رجوعنا صوري، على ورق مالكش عندي أي حقوق زوجية ولم تبالي بمعالم الألم المندهش لقسوة كلماتها التي تخبره أنها ماعادت تطيق قربه ولا حتى لمسته وتابعت بنفس النبرة الجامدة- الشرط التاني هفضل اشتغل ومش هسيب شغلي تحت أي ضغط مهما كان وصمتت وهي تراقب ردة فعله ولكن وجهه تحلى بقناع مظلم متماسك كلماتها فقال ببرود متسائلا:

- والشرط التالت؟!
 تعالت دقات قلبها وهي تسرده عليه وعقلها لمجرد فقط الخيالات التي تغتاله جعل من التنفس أمرا مستحيلا:
- هرجع أعيش معاك في القصر بشرط العفش كله يتغير لم تشعر يوما بضرورة تلك الأمور التافهة بأنظارها فهي مجرد جمادات خشبية لاروح فيها ولا حياة ولكنها الآن باتت تحمل لمسات أخرى تنقلت بين جنباتها ووضعت معظمها بغرفة نومها وعلى جسده الذي أصبحت لا تطيق الاقتراب منه حتى حملت بأحشائها جنينا لاذنب له سوى أنه كان نتيجة لتقارب حميمي يشعل النيران بوجدانها كلما يمر واقعه بطيف خيالها كان ينظر لها أو بالأصح يراقبها وسادت فترة صمت طويل بينهما حتی قطعه قائلا:
- خلصتي شروطك ؟

فهزت رأسها بإذعان وهي لا تقوى على الحديث عندها قال:
- أنا هنفذلك كل شروطك ياسالي بس عاوز أعرف ليه موافقه ترجعي وأنت حتی کارهه لمستي؟!
وترقرت الدموع بعيناها حتى قالت بصوت منکسر:
- لأنك ماكرهتش لمسة غيري فهز رأسه متفهما وقال بعد برهة:
- وده عقابي مش كده فهمست بغل مشتعل بقلبها رغما عنها:
- ویاریته كان كافي وعندها هم بالانصراف وعدل من سترته قبل أن يختفي وقبل أن تعالجه هي بضربة أخرى لم يحسب حسبانها:
- معتصم هيكون وكيلي فالتفت لها وقال مغتاظا:

- أظن كده كفيتي ووفيتي يابنت محسن الطيب فابتسمت ساخرة منه:
- ماقولتلك ماتت وأنت اللي دفنتها فهز رأسه نافيا:
- مهما أعمل، هتفضل كل ذكرى حلوة جواكي سيبهالك هيا اللي تسيطر عليك لآخر وقت وعاد والدها لحياتها مقتحما فهو لن يترك وحيدته في مهب رياح الحياة بمفردها وإن رفضت الاقتران بآخر فلا بأس فسيظل هو يحاوطها وصغارها بالرعاية رغما عن رأسها العنيد وتلك المرة استجابت لتدخله بغير اعتراض بل أطاعته عندما أخبرها بضرورة ترك الكبير يخوض دراسته فيما وراء البحار كما يشاء فهي لن تستطيع حبسه البقية المتبقية من عمره حتى وإن بذلت في سبيل ذلك كل الطرق وأن قلقها لن يتلاشي ولن يندثر حتى وإن كبر في أحضانها فالأفضل أن تدعه يشق مستقبله كما يشاء وهمس لها باعتذار متأخر:

- ماتكرریش نفس غلطاتي معاكي يادرية، سيبي الولد يشوف مستقبله وأقلعت الطائرة نحو الأراضي الألمانية ليدرس كبيرها الهندسة التي وقع بغرامها كأبيه ومضت هي بخطوات متثاقلة برفقة أبيها وصغيرها والأوسط نحو الخارج وارتطمت أبصارها بالعائد لتوه من شهر العسل برفقة عروسه الفاتنة التي تتبطأ ذراعه وهتف بها غير مصدقا:
- مدام درية ! فاقتربت منه مهنئة رغم الدموع المحتبسة بعيناها لفراق ابنها:
- أزيك يا زياد . . ألف مبروك مد يده ليصافحها والتفت لأشري وقال:
- مدام درية كانت مديرة مكتب جاسر فهزت آشري رأسها وابتسمت لها:
- أخيرا اتشرفت بيك سالي مالهاش سيرة غير عنك فعقد زیاد حاجبيه وقال بإندهاش:
- سالي؟!

تنحنحت درية وهي تلتفت لأبيها الذي ينتظرها على مقربة منها وقالت:
- أنا أصلي سيبت الشغل من فترة مع جاسر وحاليا بساعد سالي في المركز الخيري فالتفت لآشري قائلا:
- آه، واضح أنه في تفاصيل كتير فاتتني وأنا مسافر ورفع يده ليحي أسامة الذي كان ينتظره ليقله هو وعروسه لبيتهما والذي تفاجيء بوجود درية بصحبتهما فاقترب منهم بخطوات حذرة مخافة أن يثير ضيقها قائلا بصوته الرخيم العذب:

- حمدالله على السلامة فتوترت خجلاتها إذ تبعثرت النسمات حولها بذبذبات صوته الذي لم تنساه يوما والتفتت رغما عنها وعيناها تبحثان عن أبيها الذي قرر ولسوء حظها التقدم والتعرف على صحبة ابنته الغامضة كم من الوقت مر یا ترى ؟

سؤال لم تجد له إجابة شافية وهي ساكنة في سيارة والدها والذي كان يثرثر لوقت مع حفيديه مسترجعة لحظات اللقاء المشحون الذي عاشته منذ قليل ربما تحدث الجميع وبالأخص والدها الذي اندفع لتهنئة العروسين بعد أن علم الصلة التي تجمعهما بابنته ولكنها هي وهو أيضا كانا ساكنين وبعتاب عيناه تاهت وهي العنيدة المتشبثة برأيها وقراراها أيا ما كان حتى لو كن خاطئا وهي تعلم علم اليقين أنها مخطئة والسيء أنه أيضا يعلم والأسوء بنظرها أنه لن يتحرك ليثنيها عن رأيها وكم تمنت لو فقط تحرك تلك هي الأنثى أحيانا تغضب حينما لا تؤخذ على محمل الجد وتغضب بحق إن أخذت.

 

تاااابع ◄

أحدث أقدم

نموذج الاتصال