رواية بين شباكها الفصل الاول


 

 لا شيء واضح هنا.. ليست قصة حُب عادية
تعتقد أنك تعلم أحداثها لكن في الحقيقة!، انت لا تعلم شيء..


اقتباس

اغلق باب الشقة قبل ان تصل له، قال بكبت وهو يستدير لها
- ارتحتي!
- طبعاً، خربت عليك اللي كنت هتعمله ودة هدفي
مد ذراعه ليقبض على ذراعها ويجذبها له فتلتصق به وتصبح محاطة بذراعيه..
- اية رأيك اكمل اللي كنت عايزه معاكِ!
ابتسمت بهدوء مع قولها المُرحِب.. انها وقحة وهذا شيء مُعتاد عليه منها
- ياريت
دفعها سريعاً بعيداً عنه حين صعد كفها لوجنته، فكادت ان تسقط لكنها تمالكت نفسها، لم تكترث، قالت بخبث وقد لمعت حدقتيها بتحالم
- اهي فرصة اخليك تتجوزني
رفع حاجبه وهو يستنكر
- اتجوزك انتِ!
ابتسمت بهدوء وهي تجزم له وتتوعد
- يا سيدي مش هتتجوزني يبقى مش هتتجوز غيري.. مش هخليك تتهنى
رفع زاوية فمه بهزء.. ابعد حدقتيه عنها وهو يحك جبينه بضجر اثناء قوله الساخر
- طب يلا يا بنت الجوهري
ثم فتح باب الشقة ليدفعها للخارج ويصفق الباب بوجهها.


الفصل الأول

- بحبك يا أروى
تململت على الفراش وهي تبتسم اثناء نومها، تترقب قبلة النهاية، تتمنى أن تكمل حلمها الجميل لتلك اللحظة لكن كان للمنبه رأي اخر، فتلاشى بطلها وانفكت الأيدي لتستيقظ، ادارت حدقتيها للمنبه لترمقه بغضب، مدت يدها واغلقته بخشونة ثم نهضت لتغتسل قبل ان تستعد للذهاب لعملها.
توقفت امام مِرآتها تُرتب خصلات شعرها البنية بعناية، ابتعدت خطوة لتتأمل نفسها فتشعر بالرضا، لكنه لا يدوم.

اغلقت باب شقتها واتجهت للشقة المُقابلة لتطرق على بابها لكن لا يوجد إستجابة، ادركت انه غادر، سبقها للعمل، رغم انها اخبرته انهما سيذهبان معاً، ابتسمت بسخرية وهي تُحدِث نفسها بغيظ
- ومن امتى بيستناني؟

في عقار اخر، شقة عائلة إسماعيل الأنصاري
- لأمتى هفضل وراك! مش هتبطل القرف اللي بتعمله! بنات الناس مش لعبة في ايديك
صرخ والده إسماعيل بغضب موجهاً حديثه لنجله يونس الذي رد ببراءة مُصطنعة
- هما اللي بيجولي برجليهم أقولهم لا!
اضاف بإستنكار
- ارفُس النعمة؟ ميصحش
دخلت والدته خديجة عليهم بقلق، سألتهم
- في اية يا إسماعيل؟ صوتك مسمع الجيران
- احسن خليهم يسمعوا ويعرفوا ان ابني صايع
اكمل بجنون.

- مفيش سكرتيرة جت ومصاحبهاش، دة كل شهرين يغيرها عشان بيسيبها
رمقت خديجة ابنها بعتاب، رغم عدم رضاها عن تصرفاته لكنها بررت له
- ما عشان انت بتخليه يختارها على مزاجه
اتسعت مقلتي إبراهيم بصدمة هاتفاً
- الغلط طلع عليا يعني!
عاد ليجلس على الاريكة وهو يضرب كفيه ببعضهما البعض قبل يقول بكبت
- دة هيطلعلي سمعة على الشركة
ادار يونس حدقتيه في مقلتيهما بضجر، بينما قفزت خديجة لحل قد خطو في بالها.

- انا عارفة الحل اية، جيبله واحدة انت تختارها
اتسعت مقلتي يونس وكاد ان يعترض
- لا بحب اختار...
قاطعته والدته بحزم
- اسكت يا ولد
اتى رد إسماعيل
- انا عملت كدة اصلاً، هتروح هتلاقيها في الشركة، مش محتاج تعملها انترفيو او تقبلها عشان شغلتها خلاص
- بتتكلم بجد!
اتبسم والده بإنتصار وهو يقول بثقة
- روح وشوف بنفسك.

نهض يونس بعنف مُغادراً، هل وظف إمرأة في الخمسين من عمرها! أم عشرينية قبيحة؟ لا يضمن والده بالمرة.

- صباح الخير
قالتها أروى بإشراق وسعادة ظاهرة جلياً على ملامح وجهها، لكن في لحظة وقوع بصرها على مكتب السكرتيرة الذي كان شاغر منذ الامس فقط والآن لم يعد كذلك صدمها!، هل وجد سكرتيرة جديدة بهذه السرعة!، لكن لحظة!، انها عادية جداً بالنسبة للأُخريات!، هل من اختياره!
- مش لوحدِك مش مصدقة، احنا معاكِ
همست بها موظفة بجانب اذنها، نظرت لها، متى وقفت بجوارها؟، عادت لتنظر للسكرتيرة الجديدة وسألتها.

- هو جه؟
- لسة
هزت أروى رأسها واتجهت لمكتبها بصمت لتُكمِل مراقبتها لتلك الجديدة من مكانها هذا.
مرت نصف ساعة وكان قد وصل يونس للشركة، توقف وقد علم انها هي تلك التي تجلس خلف مكتب السكرتارية، بينما نهضت هي لترحب به، فأتت له الفرصة ليقيمها سريعاً من رأسها حتى اخمص قدميها، اشاح بوجهه بعدم رضا، أمرها
- تعالي ورايا.

جلس خلف مكتبه ونظراته الثاقبة التي سببت لها التوتر موجهة لها، حاولت التحكم بإنفعالتها وخاصةً توترها لا تُريده ان يظهر في اول يوم لها في العمل، عرّفت نفسها
- انا شهد..
قاطعها قبل ان تُكمِل بقية اسمها حتى
- تعرفي ان اكتر حاجة بكرهها هي الواسطة!
ضمت كفيها لبعضهما بحرج واتت ان تُبرر موقفها لكنه لم يُتيح لها الفرصة فقد تابع
- بس مفيش في ايدي خيار..
اسرعت لترد بحزم
- هثبت لحضرتك اني استاهل الشغلانة دي.

- هنشوف
ثم فتح إحدى ادراج مكتبه واخرج منها ملف تلو الاخر حتى وصلت لعشرة ملفات ضخمة.
- عايز الورق دة يتكتب من تاني وتصححي الأخطاء اللي فيه
سقط فكها وهي ترى كمية الملفات الذي يأمرها بفعلها، هتفت بصدمة
- كل دة!
اكمل اوامره..
- عايزهم بكرة على مكتبي
- بس..
كادت ان تعترض لكنه سبقها بقوله الحاد القاسي
- اعتراض من اولها مش عايز، لو مش هتقدري الباب مفتوح
اخفضت رأسها بإستياء وخضوع
- حاضر.

تقدمت لحمل الملفات، استأذنت وغادرت، وضعت الملفات على مكتبها ثم جلست وهي تتنهد، تُفكِر كيف ستفعل كل هذا الكم!، رفعت بصرها حولها، الجميع يعمل ومشغول فلن تجد من يُساعدها حتى!، طردت الطاقة السلبية التي سيطرت عليها، اخذت نفساً عميقاً قبل ان تُحدِث نفسها بكلمات تُعيد بها الثقة لنفسها
- انتِ قدها يا شهد، قدها.

ثم باشرت في العمل بأول ملف أخذته، مرت لحظات حتى شعرت بإشراف احدهم فوق رأسها فرفعتها فقابلتها اروى، عقدت حاجبيها وهي تقول..
- اتفضلي!
مدت أروى كفها لتصافحها وهي تُقدِم نفسها
- انا اروى
نهضت شهد وهي تصافحها وتُقدم نفسها بدورها
- وانا شهد، السكرتيرة الحديدة
- اة عارفة
نقلت نظراتها للملفات وقالت بتعاطف زائف
- ياعيني، اية كل دة!
ابتسمت شهد بقلة حيلة وهي تخبرها
- لازم اسلمهم بكرة.

طأطأت أروى بأسف قبل ان تعرض عرضها على شهد
- اساعدِك؟
تهللت أساريرها وهي تقول بلهفة وعدم تصديق
- بجد!
اومأت اروى برأسها مؤكدة مقصدها، فشكرتها شهد بإمتنان شديد
- شكراً بجد
نهرتها أروى
- متقوليش كدة انا بحب اساعد الغير
ثم اقتربت من شهد وهمست بجوار اذنها
- بس متقوليش لحد اني ساعدتك
- حاضر متقلقيش
- اتفقنا، سيبيهم اخدهم وانا ماشية
- ماشي، وانا هعمل اللي اقدر عليه دلوقتي
- تمام.

ثم تركتها واتجهت لمكتب المدير ودخلته، اسرعت شهد لتمنعها لكنها كانت قد دخلت بالفعل، فأعتلت الدهشة ملامحها، كيف تدخل مكتب المدير دون إذن مُسبق؟
بينما في الداخل، تقدمت أروى من يونس وهي تقول بشماتة لامست السخرية
- الجو فضي عليك وبقى خنقة ياعيني
رفع بصره لها، ها هي مُجدداً، ابتسم ببرود وهو يرد بخبث
- عيب تقولي كدة، دة الجو لطف من نوع جديد
تهكمت وهي تجلس في المقعد المقابل له.

- هتضحك عليا! هو انا مش عارفاك!، دي مش استايلك خالص
هز رأسه وهو يقول بدهشة مزيفة
- اووه، يعني عارفة مين استيالي ومين لا!
ردت بثقة
- طبعاً
قذف ثقتها بعيداً بقوله المُحرِج لها
- واكيد عارفة انِك مش استايلي!
تلاشت ابتسامتها للحظة قبل ان تسترجعها بثقة مزيفة أتقنتها اثناء قولها
- كله بيتغير لما الموضوع يجي عندي، متقدرش تختارني حسب معايرك
رد بقسوة ولامبالاة وهو يقذفها بنظرات ساخرة.

- طبعاً عشان متتقارنيش بيها اصلاً
احمر وجهها غيظاً بسهولة، اندفعت لتهتف بإنفعال
- على فكرة بقى انا حلوة وفي مية راجل يتمنناني
- طب هما فين؟ خليهم ياخدوكِ وبالمرة نخلص منك
ابتسمت في استفزاز وهي ترد بتوعد
- بعينك، انا مش هبعد عنك مهما حاولت تبعدني
عاد لينظر للأوراق التي امامه وهو يرد بهدوء
- بعدتي مبعدييش مش مهم بالنسبالي لان بالحالتين انتِ مش موجودة.

كورت قبتضها بحنق، نهضت بخشونة واستدارت مُغادرة دون ان ترد، فلن تستطيع التفوق عليه في هذه الحرب الباردة التي بينهم.

مساءً
احضرت أروى طبق الفشار وجلست على الاريكة التي تضعها بجوار باب الشقة حتى يكون سهل عليها معرفة وقت وصوله ومراقبته.
جمعت شعرها الطويل بإهمال وربطته في ذيل حصان مرفوع ثم بدأت في تناول الفشار اثناء تصفحها لصفحة الفيس بوك الخاصة بها.
بعد مرور عشر دقائق، توقفت يدها التي تضع بها حبة الفشار في فمها حين سمعت صوت باب الشقة المُقابلة، نهضت سريعاً وبتعجل فسقط طبق الفشار لكنها لم تهتم.

قبل ان يُغلق يونس باب شقته كانت قد وضعت قدمها لتعيق إغلاقه، فتح الباب وهو يتطلع اليها بحاجبين مرفوعين، نقلت نظراتها بينه وبين الأخرى بعينين ضيقتين ترمقهما بشك، وجهت سؤالها للفتاة التي تراها معه لأول مرة
- بتعملي اية هنا؟
ثم نظرت له وهي تتهمه بنظراتها بجانب سؤالها
- ناوي تعمل اية؟
نظر يونس للفتاة وأمرها
- اقعدي جوة عقبال ما اجيلك
اومأت برأسها وفعلت ما قاله، بينما عاد لينظر لـ اروى طالباً منها.

- متقوليش لـ أهلي
اتسعت مقلتيها بفزع وهي تهمس بريبة
- لية هتعمل اية مع البنت دي؟
تقدم منها فجأة فتراجعت للخلف لتلتصق بالباب، اسند كفه على الباب بجوار رأسها فأصبح قريب منها، يعلم ان له تأثير عليها، طلب بلطف بجانب نظرته الجذابة التي من الصعب مقاومتها
- ممكن متقولهمش، لو انا غالي عندِك!

حدقت بعينيه التي تشبهها بالفستق، ارتفع كفها لصدرها ناحية قلبها الذي يطرق بجنون، اومأت برأسها بخضوع وهي تائهة في جمال عينيه ورائحته الجذابة التي اخترقت انفها، ابتسم وهمس وهو يداعب أرنبة انفها
- شكراً
ابتسمت بسذاجة وهي تتابعه يبتعد عنها قليلاً، فتحت باب الشقة لتذهب لشقتها المُقابلة وتغلق بابها وهي مازالت تحت تأثيره.

توقفت في منتصف الرواق وهي تضرب وجنتها بخفة ثم ترتفع إبتسامة شريرة خبيثة على شفتيها وهي تُحدِث نفسها
- هقولهم برضه، هقول لطنط
اسرعت لتلتقط هاتفها التي تركته على الاريكة لتتصل بوالدته وبداخلها سعادة كبيرة، ستنزع خطته القذرة بكل سعادة.
قالت فور رد خديجة على اتصالها
- الو يا طنط خديجة عاملة اية؟
- الحمدالله يا حبيبتي، انا جيالك دلوقتي
- بجد!
- ايوة، عملتلك انتِ ويونس شوية كنافة تاكلوا ايديكم وراها.

- سيبيك من الكنافة دلوقتي يا طنط، ابنك يونس جايب بنت في الشقة
ساد صمت للحظات، فتسائلت اروى بحيرة
- طنط، انتِ سمعاني؟
اتاها رد خديجة
- انا تحت العمارة اهو..
- ماشي هستناكِ على الباب
وخلال دقائق كانت خديجة تقف امام شقته تنتظر فتحه للباب، وقد فعل.
دلفت للداخل بخطوات غاضبة وهي توبخه، بينما أروى خلفها.
- مش عيب تجيب بنت شقتك يا يونس وانت عايش لوحدك فيها؟ احنا ربيناك على كدة!
سألها يونس بإستغراب.

- بنت اية يا ماما؟
هتفت أروى بإنفعال
- متستهبلش يا يونس انا شوفتها
اخذت خديجة تبحث في الغرف، فوضع يونس كفيه في جيوب بنطاله وهو يقول ببرود
- دوري كويس مفيش حد
ثم نظر لـ اروى وهو يقول بضيق مُصطنع
- اروى اتجننت لدرجة انها بتتخيل حاجات محصلتش
رمقته اروى بغيظ بينما عادت خديجة لهم وهي تسأل اروى
- انت متأكدة من اللي قولتيه يا اروى!

ضمت اروى كفيها وقالت مُعتذرة، فليس لديها دليل حتى تتغلب على هذا الذكي التي لا تعلم ماذا فعل بالفتاة وكيف اختفت.
- شكلي كنت بتخيل فعلا، اسفة
تنهدت خديجة وقالت
- مش مشكلة، انا همشي بقى
طلبت منها اروى برجاء
- اقعدي شوية معايا، شوية صغيرة
- عمك إسماعيل مش بيحب يقعد لوحده وانتِ عارفة، انا قولت اجيبلكم الكنافة بس
عاتبها يونس وهو يستند بجسده على الحائط.

- كنتِ اتصلتي بيا وانا عديت عليكم وجبتها بدل ما تعبتي نفسك كدة
- اهو مشيت رجلي شوية
التقط يونس مفاتيحه واتجه للباب فأعترضت خديجة
- بتعمل اية؟ هروح لوحدي خليك انت ارتاح عشان الشغل بكرة
لم تقبل اي اعتراض، فتحت خديجة باب الشقة وخرجت، قالت لـ اروى قبل ان تتجه للمصعد الكهربائي
- متطوليش عند يونس يا اروى
- هروح شقتي دلوقتي، متقلقيش
أوصلها يونس للمصعد الكهربائي، قالت له خديجة بحزم ونبرة منخفضة.

- الحركة دي متتكررش حتى لو كانت نيتك اية، شغل ولا قعدة عادية، أهلها موافقين تيجي بيت شاب قاعد لوحده دي حاجة تخصها بس بعيد عنك، سامعني!
اومأ برأسه بتهذيب كطفل وهو يتمتم
- حاضر
دخلت المصعد بينما عاد هو لشقته، حين رأته اروى يدلف للشقة همت للمغادرة لكنه اغلق باب الشقة قبل ان تصل له، قال بكبت وهو يستدير لها
- ارتحتي!
رفعت رأسها بحدة وهي تقول برضا
- طبعاً، خربت عليك اللي كنت هتعمله ودة هدفي.

مد ذراعه ليقبض على ذراعها ويجذبها له فتلتصق به وتصبح محاطة بذراعيه..
- اية رأيك اكمل اللي كنت عايزه معاكِ!
ابتسمت بهدوء مع قولها المُرحِب، انها وقحة وهذا شيء مُعتاد عليه منها
- ياريت
دفعها سريعاً بعيداً عنه حين صعد كفها لوجنته، فكادت ان تسقط لكنها تمالكت نفسها، لم تكترث، قالت بخبث وقد لمعت حدقتيها بتحالم
- اهي فرصة اخليك تتجوزني
رفع حاجبه وهو يستنكر
- اتجوزك انتِ!
ابتسمت بهدوء وهي تجزم له وتتوعد.

- يا سيدي مش هتتجوزني يبقى مش هتتجوز غيري، مش هخليك تتهنى مع غيري
رفع زاوية فمه بهزء، ابعد حدقتيه عنها وهو يحك جبينه بضجر اثناء قوله الجاف
- طب يلا يا بنت الجوهري
ثم فتح باب الشقة ليدفعها للخارج ويصفق الباب بوجهها، ابتسم بإنتصار، فمن الجيد انه لم يصدقها وجعل الفتاة تغادر بحجة مرض والده قبل ان تلاحظ اروى، رغم ان نيته لم تكن سيئة ابداً لكن يعرف جيداً تفكير الاخيرة ووالدته.

بينما ضربت اروى الباب من الخارج بقدمها مما جعلها تتألم، هتفت بتوعد وهي تعود لشقتها
- ماشي يا يونس ماااشي
توقفت بعد ان فتحت باب شقتها وعادت لشقته لتطرق على بابه وهي تقول
- طلعلي نصيبي من الكنافة يا حرامي، عايز تاكلها لوحدك!
فتح الباب وأعطاها الطبق كامل ثم اغلقه مرة اخرى بوجهها.

اشرقت شمس يوم جديد
- يلا اصحي يا شهد، اصحي
فتحت شهد عينيها بتثاقل، سألت والدتها بتعب وصوت ناعس
- الساعة كام؟
- سبعة، انتِ نمتي متأخر امبارح ولا اية!
- ايوة كنت بخلص شغل
أكملت وهي تنهض
- المدير المفتري أداني شغل كتير اعمله، رغم اني خدت نصه بس تعبت جدا
اتسعت مقلتي والدتها وهي تهتف بعدم تصديق
- أستاذ إسماعيل؟
- لا لا، ابنه اللي ماسك الشغل.

- افتكرت انه هو اللي ماسكها، يلا مش مشكلة، واستحملي يا حبيبتي، ما صدقنا لقيتي شغل، دة انا مش عارفة اشكر أستاذ إسماعيل ازاي
هتفت شهد وهي تدلف للمرحاض
- بس تجيلي الفرصة هشكره.

في الشركة
قابلت شهد أروى امام مبنى الشركة، ابتسمت لها الاخيرة ورحبت بها ثم أعطتها الملفات، فشكرتها شهد
- شكراً جداً بجد، تعبتك معايا
- العفو يا حبيبتي، روحي الحقي حطيهم في مكتبه قبل ما يوصل
- حاضر
ثم اسرعت شهد لتسبقها للأعلى، بينما تابعتها اروى بنظراتها حتى اختفت من امامها لتبتسم بخبث، كم هي ذكية! تشعر بالفخر بنفسها، أكملت سيرها للداخل وهي تحدث نفسها.

- وكدة اكون خلِصت منها، وبعدها هحايل عمو إسماعيل اني ابقى السكرتيرة بتاعته
صفقت دون ان تصدر صوت وهي تمدح نفسها
- ذكية يا اروى ذكية ماشاءالله عليكِ
توقفت للحظة حين مر يونس بجوارها وأصبح امامها، تسارعت خطواتها لتلحق به وتصعد معه بنفس المصعد.
بادرت في الحديث..
- راحت عليك الكنافة، كانت تحفة.

لم يرد، نظرت له فوجدته منشغل بهاتفه يُراسل احدهم، مدت يدها وسبحت الهاتف فجأة من يده لكن ما كادت ان تنظر للشاشة حتى وجدته قبض على رسغها ليرفعه ويلزقه بالجدار، تسارعت انفاسها وهي تحدق بوجهه القريب منها، بينما اخذ هاتفه منها ثم أنزل حدقتيه لتلتقي بخاصتها، حذرها بصرامة
- اياكِ تعمليها تاني.

وابتعد عنها، وخلال ثواني كان قد فُتِح باب المصعد فغادر، بينما وضعت اروى كفها على قلبها المجنون، ثم خرجت من المصعد وهي تشعر بالحرارة.
- خلصتي الشعل اللي اتدهولك؟
طرح يونس سؤاله على شهد اثناء تخطيها، ردت الاخيرة
- على مكتب حضرتك
برم باب غرفة المكتب، قال قبل ان يُغلقه
- هاتيلي قهوة
- حاضر.

وكأنها قالتها لنفسها فقد اغلقه؛ بعد فترة وجيزة، طرقت على الباب ودلفت لتقدم له القهوة، وضعتها على الطاولة امامه ثم سألته
- حاجة تانية؟
سألها بغضب يسيطر عليه
- اية دة؟
عقدت حاجبيها بعدم فهم، رفع بصره لها وقال بصوته الجهوري المرتفع
- انتِ بتحاولي تضحكي عليا! تصححي اول صفحتين والباقي زي ما هو؟
اتسعت مقلتيها بصدمة، أنكرت ذلك
- نعم! مستحيل انا عملته كله
القى الملف على المكتب في جهتها..
- شوفي بنفسك.

التقطته ونظرت بين اوراقه بصدمة، نظرت له واخذت تقسم بصدق
- والله العظيم عملته كله، كلمة كلمة، انا..
توقفت عن إكمال إثبات براءتها، فقد تذكرت اروى، هل ما سقط تحت يديه الجزء التي أخذته الاخيرة؟ هل كذبت عليها؟، عادت لتقلب بين صفحات الملف وقد تأكدت، انه ليس احدى الملفات التي أنهتها، لكنها لماذا فعلت حركة حقيرة كهذه؟
- سكتي لية؟ ولا انتبهتي انك هتتحاسبي على حلفانك الكدب!

ضمت كفيها لبعضهما بتوتر وحيرة، اتخبره الحقيقة ام تظل صامتة وتُطرد ظلم!، لكن إن اخبرته قد تُطرد أيضاً، ماذا يجب ان تفعل؟
انقطع حبل تفكيرها وهي تراه يشم الأوراق التي امامه، راقبته بإستغراب، رفع رأسه لينظر لها بحدقتين تمتلأ بالشك، القى بسؤاله وهو يُضيق عينيه وكأنه تحقيق
- مين ساعدِك؟
وجدت نفسها تُجيبه بتلقائية
- محدش
شبك أصابعه وهو يقترب بجسده قليلاً من المكتب، سألها بهدوء
- اروى، صح؟

ضمت كفيها اكثر وهي تزدرد ريقها بصعوبة، لم ينتظر إجابة فهو متأكد، انها رائحتها التي علقت في الأوراق، اخرج هاتفه ليتصل بها
- تعالي لمكتبي، حالاً
وأبعد الهاتف دون انتظار اي رد منها، وبالفعل خلال ثواني كانت اروى امامه، نقلت الاخيرة نظراتها بينهما وقد انتابها الشك، هل وشت بها شهد؟، واجهت نظراته القوية بنظراتها الهادئة، وجه يونس أمره لـ شهد وعينيه مازالت مع اروى
- ارجعي على شغلك.

اومأت شهد برأسها واستدارت، رمقت اروى بعتاب قبل ان تغادر.
- ناوية على اية؟
غمز لها وهو يسألها ببطء، فسألته بعدم فهم مُصطنع
- على اية؟
- وكأنك مش عارفة!
أكدت له وهي مازالت تمثل الجهل رغم تأكدها من الامر
- اة مش عارفة
- اية غايتك انك توهميها انك بتساعديها وفي الحقيقة بتوقعيها!
عقدت حاجبيها بحيرة وهي تتساءل
- على مين؟
زمجر يونس بإسمها
- اروى
زفرت بضجر وهي تهتف
- ايوة يعني عايز اية؟
- بتعملي كدة لية؟

ردت بجفاء دون عناء إخفاء نواياها
- باينه، عشان تطردها
صمت وهو يرمقها بنفاذ صبر، اقترح بجدية بعد لحظات من الصمت
- اية رأيك اتطردِك انتِ!
هزت رأسها بأسف ساخر وهي تقول بثقة
- للاسف، مش هتقدر
- هقدر، لو قولت لبابا على انِك ماخدة الشعل ساحة معركة سخيفة زيك
اقتربت لتميل وتستند بكفيها على المكتب لتنظر له عن قرب، همست ببرود واستفزاز
- جرب حظك.

انها واثقة من انه سيعود خائباً إذ فعل ذلك، فوالده يقف بصفها دائماً وينصرها عليه، وهو يعلم ذلك للاسف.
استدارت لتبتعد، ثم غادرت مكتبه، لم تكترث لنظرات شهد الحانقة واكملت سيرها، توقفت حين نادتها الاخيرة، التفتت لتقابلها وتستقبل اسألتها بنبرتها الخائبة والتي لم تخلو من الغضب بالطبع
- انا عملتلِك اية عشان تعملي معايا كدة؟، دة انا لسة جاية ومأذتش حد
ردت اروى بهدوء
- الموضوع ملهوش علاقة بيكِ.

اندفعت شهد لتهتف بجنون وعدم استيعاب
- مدام ملهوش علاقة بيا اذيتيني لية؟
تنهدت اروى بضجر ثم اعتذرت دون اي ذرة صدق
- اسفة
رمقتها شهد بإزدراء وقالت ببغض قبل ان تعود لمكتبها
- مش مسمحاكِ، عشان تبقي عارفة
لم تكترث اروى وعادت لمكتبها هي أيضاً دون ان تشعر بأقل شعور من الذنب.
بعد دقائق، قام يونس بإستدعاء شهد فذهبت له وهي مُخفضة الرأس، اخبرها وهو يشير للملفات
- اعملي بقية الجزء اللي متعملش، بنفسك.

رفعت رأسها ونظرت له، ألن يطردها؟، بينما اضاف يونس بهدوء
- هعديلِك غلطتك المرة دي، بس ياريت تتعلمي ويبقى عندك امانة وتعملي شغلك بنفسك احسن
اقتربت بجسدها قليلاً وهي تسأله بخفوت لتتأكد
- يعني مش هتطردني؟
- لا
تهللت أساريرها وهي تشكره بسعادة غمرتها بصدق
- شكراً بجد، شكراً جداً
ابتسم بتلقائية اثر سعادتها وابتسامتها المُشرقة، قال
- تقدري ترجعي لشغلك
- حاضر.

اخذت الملفات وشكرته مرة اخرى قبل مُغادرتها، جلست خلف مكتبها وهي تتنهد براحة وتشكر الله انها لم تُطرد، ذهبت عينيها لباب مكتبه المُغلق وتذكرت ابتسامته، انه وسيم جداً، لم تلاحظ ذلك سابقاً، لكن اليوم مع ابتسامته وحديثه الهادئ معها جعلها تنتبه لذلك.

الساعة الثامنة مساءً
اغلقت اروى حاسوبها ونهضت لتلملم أشيائها وتهم لمغادرة العمل، اتجهت اولاً لمكتب يونس، اوقفتها شهد بإقتضاب قبل ان تتجه لمكتب المدير دون استئذان كالسابق، اخبرتها
- استني هقوله الاول
حركت اروى كفها بعدم اكتراث وهي تقول ببرود
- مش مهم
اتت ان تُكمِل سيرها لكنها وجدت شهد تُمسكها من ذراعها بغيظ مكبوت، اخبرتها بحزم
- مفيش دخول الا لما المدير يقول لي ادخلك، غير كدة لا.

دفعت اروى يد شهد عنها بغضب، ردت بعناد
- مش هعمل كدة، ومش بمزاجك، وهدخل من غير ما اقولك، اتعودي على كدة
كادت ترد عليها شهد والتي كانت حدقتيها تشتعل بغضب يكاد يحرق التي امامها، فبعد تصرف اروى الحقير معها جعلها تبغضها بصدق، قبل ان تفعل ذلك كان قد خرج يونس من مكتبه لينظر لهما بحيرة، تساءل
- بيحصل اية هنا؟
اسرعت شهد لتخبره بالمشكلة.

- استاذة اروى عايزة تدخل لحضرتك من غير ما أديك خبر، ودة مُناقض للقوانين، بس هي مُصِرة
تنهد يونس بنفاذ صبر وهو ينقل بصره لـ اروى بضيق بجانب قوله الخافت الضجر
- خناقة ست اروى مع كل سكرتيرة جديدة
رد على شهد بجدية
- هتصرف معاها بعدين
ثم اقترح عليها
- تحبي اوصلك في طريقي؟

اتسعت مقلتي اروى بصدمة، انه يستخدم استراتيجيته معها، فهل هي هدفه الجديد؟ بصدق؟، رغم ان شهد ليست جذابة بالمرة وتبدو بسيطة وفاشلة امام الساقطات اللذين سبقوها فكيف يفكر بها؟
ترقبت رد الاخرى والتي اعتقدت انها ستوافق بسهولة كسابقيها لكنها رفضت.
- لا شكراً
تنهدت اروى براحة وهي تشعر بالرضا، لكن ذلك لم يدُم، فقد ازعجها إصرار يونس لإصالها
- مفيش حاجة اسمها لا، هستناكِ تحت، متتأخريش
- بس..

لم تستطع شهد الاعتراض فقد غادر، ثم تابعت اروى وهي تبتعد دون قول شيء، لم تُشغل بالها بها فـ يونس قد شغله بالكامل، تشعر بالتوتر من فكرة إيصاله لها وجلوسها بجواره.
بينما في الأسفل امام الشركة، سرَّعت اروى من خطواتها لتصل له قبل ان يصل لسيارته ويصعدها، سألته بإستنكار فور وقوفها امامه وهي تلهث
- شهد عجباك؟ بجد؟



سرّعت اروى من خطواتها لتصل له قبل ان يصل لسيارته، سألته بإستنكار فور وقوفها امامه وهي تلهث
- شهد عجباك؟ بجد؟
- وانتِ مالك
- مش استايلك
رد عليها بصدق وهو يرى الحنق يتصاعد لعينيها مع رده
- بس حلوة
هتفت بانفعال
- بس انا احلى منها
- معتقدش.

قالها بجانب نظراته الباردة قبل ان يتخطاها ليصل لسيارته ويصعدها، بينما ضمت هي قبضتها بغضب، هل شهد اجمل منها؟ حقاً؟، ضربت الارض بخطواتها الغاضبة وهي تبتعد، لماذا يرى جميع النساء اجمل منها؟

بعد دقائق، طرقت شهد على زجاج النافذة المجاورة لمقعده الأمامي لتجذب انتباهه فقد كان يتحدث على الهاتف، نظر لها وأشار لها بالجلوس ففتحت الباب وصعدت بجواره، اشار لـ حزام الأمان لكي تضعه ففعلت لكنه كان عالِق، فمال عليها حتى يصلحه.
قطعت انفاسها دون ان تشعر وهو بهذا القرب، وجدت نبضات قلبها تتسارع حتى ان وجنتيها توردتا!، كل ذلك حدث دون سبب.

ابعد الهاتف عن اذنه مع انتهاءه من مساعدتها في وضع الحزام حولها، فالتقطت انفاسها بقوة وهي تنقل بصرها بعيداً عنه بينما لاحظ هو احمرار وجهها، فأبتسم بخبث ولم يُعلق، فقط سألها
- عنوان بيتِك اية؟

جلست اروى امام التلفاز تتناول المقرمشات بنهم وعنف، لقد نجح ذلك الأحمق من جديد في إغاظتها، لا تستطيع استيعاب اعجابه بـ شهد ووضعها في رأسه، سيواعدها؟ كيف تحظى شهد بهذه الفرصة وهي لا؟
تركت المقرمشات ونهضت لتنظر للمرآة بشك، هل شهد اجمل منها حقاً!، تباً انه يجعلها تفقد ثقتها بنفسها حتى انها ترى نفسها اقل جمالاً من جميع من واعدهم، تكاد تؤمن انها قبيحة!

تأففت بضيق وهي تتجه لغرفتها لتحضر عباءتها لترتديها فوق بيجامتها القصيرة وتغادر، ستذهب وتستنشق بعض الهواء النقي في الحديقة المقابلة للعقار التي تسكن فيه.
- ما تحاسبي
قالتها المرأة بغضب بعد ان اصطدمت بها اروى فأسقطت الأكياس التي كانت تحملها على الارض، رغم ذلك لم تكترث اروى ولم تساعدها بل أكملت سيرها، فهتفت المرأة بإستحقار وهي تلملم أشياءها من على الارض
- واحدة قليلة الذوق.

توقفت اروى واستدارت لها، انها مستعدة لخوض شجار، ردت بوقاحة وهي تعود للمرأة
- انتِ اللي قليلة الذوق مش انا
توقفت المرأة وهي تحمل أكياسها من جديد، نظرت لـ اروى بصدمة من فظاظتها، كيف تُحدِث من اكبر منها بهذه الطريقة الفظة!، هتفت بإنفعال
- انتِ واحدة قليلة الادب اهلك معرفوش يربوكِ، دة انا قد أمك.

تصاعدت الدماء بغضب لرأسها بعد سماعها لجملة اهلك معرفوش يربوكِ، فقد اصطدمت هذه الكلمات بقلبها بقسوة، رغم ذلك ردت بنبرة مرتفعة اشبه للصراخ، بجانب نظراتها الغاضبة التي تكاد تفتك بهذه المرأة
- فعلاً معرفوش يربوني عشان مكنوش فاضينلي، ماشي!
ثم تخطتها بخطواتها المُتسارعة الغاضبة وبداخلها يغلي، ارادت ان تخرُج لتستنشق الهواء وتهدأ ثم تعود لشقتها لكنها عادت وحالتها اسوء من سابقها.

توقفت فجأة اثر إمساك احدهم لذراعها، كادت ان توبخ الفاعل لكن حين استدارت وجدته هو، يونس، اضاق الاخير عينيه وهو يسألها بإهتمام
- مالِك؟ حصل حاجة؟
رؤيتها له زادت من غضبها فقط، دفعت يده بعيداً عنها وهي ترد بخشونة
- مفيش.

ثم أكملت سيرها لداخل العقار فذهب خلفها، ولجت لداخل المصعد الكهربائي وضغطت على الزر الذي يحمل رقم الطابق التي تسكن فيه، دلف يونس للمصعد قبل ان يُغلّق بابه وظلت حدقتيه مُعلقة معها، يحاول ان يفهم ما بها، فأدرك دون عناء انها تريد ان تبكي من حركاتها، فقد احمر انفها وبدأت بـ عض شفتها السفلية.

وكانت كذلك، فقد ضمت كفيها لبعضهما وحدقتيها مُعلقة بالأرقام التي تتغير، تريد ان تصل سريعاً لشقتها وتغلق بابها فتبكي براحة، كم تكره شعور الشفقة التي تشعر به اتجاه نفسها.

اسرعت لتخرج من المصعد فور وصوله للطابق المطلوب، قبل ان يسألها يونس عن اي شيء كانت قد دلفت لشقتها وصفقت بابها؛ حك يونس جبينه بحيرة، ماذا حدث معها لتصبح هكذا؟، اتجه لشقته وهو يخرج هاتفه من جيب بنطاله، دلف وهو يضع الهاتف على اذنه ليصل له صوت والدته بعد لحظات، قاطع سلامات والدته الطويلة ليتطرق لسبب اتصاله بها
- اروى، اتصلي بـيها يا ماما
- لية؟ فيها حاجة؟

- مش عارف حصلها اية بظبط بس حالتها مش مظبوطة، ممكن حد ضايقها
- مسألتهاش طيب؟
- مجاوبتنيش
- ماشي، اقفل وهتصل بيها
انهى المكالمة معها وترك هاتفه على الكومود ليتجه للمرحاض ليأخذ حماماً ساخناً.

اليوم التالي
- صباح الخير
قالها يونس لـ شهد وهو يبتسم لها بجاذبية مما جعلها تحدق به وضربات قلبها تتزايد، لديه هالة تخطف الأنفاس وتُعجِز اللسان عن الرد، لماذا هو وسيم لهذا الحد؟ لا تستطيع اي امرأة مقاومته.
قرصت وجنتها بقوة لتُيقظ نفسها من هذا الهراء الذي بدأ منذ ان اوصلها ليلة امس، هل وقعت في شِباكه بهذه السرعة؟ انه ماهر في ذلك.
عادت حدقتيها للباب حين فتحه وأخبرها
- عايز قهوة، سادة ها.

ثم غمز لها واغلق الباب من جديد، رمشت اكثر من مرة ببلاهة، لماذا يعاملها بود فجأة! انه لشعور مُريب.
بعد فترة وجيزة دلفت له ومعها فنجان القهوة التي قدمته له فشكرها!، راودها سؤال فضولي، ارادت ان تسأله ففعلت بشيء من التردد
- ممكن اسأل حضرتك سؤال؟
- طبعاً
تراجعت بعد موافقته، لم تعرف كيف ستصيغ سؤالها لذا قالت بحرج
- خلاص، عن إذنك
قبل ان تستدير قال بذكاء.

- عارف هتسأليني عن اية، وأحب أجاوبك واقولك ان دة أسلوبي في العادة، اول يوم عاملتك وحش عشان كنت مضايق شوية فطلع عليكِ، فأنا اسف
حدقت به للحظات غير مصدقة، انه مختلف تماماً عن الفكرة التي اخذتها عنه في اول يوم لها في العمل، لم يكتفي بالوسامة بل ودي الطبع أيضاً، كيف لا تُعجب به في يومين فقط؟
ابتسمت له وقالت بخفوت وهي تتراجع للخلف
- عن إذنك
- اتفضلي.

اتجهت للباب وضعت كفها على مقبض الباب وقبل ان تبرمه وجدته يُفتح لتظهر اروى، استدارت شهد لتنظر لـ يونس فقال لها
- مش مشكلة
اومأت برأسها ورمقت اروى ببغض قبل ان تغادر وتتركهما، تابع يونس الاخيرة وهي تتقدم منه، تأمل ملامحها يبدو انها بخير، نقل نظراته للأوراق التي امامه وأخبرها بجدية
- لو هتتكلمي معايا في مواضيعك التافهة فأنا مش فاضي.

قبل ان ترد اعلن هاتفها عن وصول رسالة، فتحتها وقرأت محتواها، كانت من والدها، قررت تجاهلها لكنها وجدته يتصل بها، زفرت بضيق قبل ان تبتعد وتغادر دون قول اي شيء لـ يونس الذي رفع بصره لها وتابعها وهي تغادر.

مرت ساعات..
اتت احدى الموظفات سلوى لمكتب اروى وزملائها لتخبرهم بأجدد الأخبار التي عرفتها
- تعرفوا ان شهد اشتغلت هنا بالواسطة؟
تركزت اعيُن الجميع على سلوى بحيرة، فأضافت سؤال اخر لتزيد من فضولهم
- طب تعرفوا مين اللي رشحها؟
سألتها اروى بفضول
- مين يا سلوى؟
اجابت سلوى دة إطالة
- أستاذ إسماعيل بنفسه
ابتسمت احدى الموظفات بسخرية وهي تقول.

- طبعاً لازم تشتغل بالواسطة ولا من امتى أستاذ يونس بيختار حد من مِلتها، لا مستوى ولا استايله حتى
بينما شردت اروى، كيف لم تفكر ان إسماعيل هو من اختارها؟، شعرت بالغيظ، لماذا لم يختارها هي؟ لماذا شهد؟ ومن اين يعرفها؟
- الخبر طازة لسة فقولت اقولكم، هرجع لشغلي بقى وانتظروا كل جديد
قالتها سلوى بطريقة كوميدية قبل ان تغادر، فعاد تركيز الجميع لعمله، ماعدا اروى.

مر الوقت وحان موعد الانصراف..
طرقت شهد بخفة على باب غرفة مكتب المدير ثم دلفت بعد سماع الإذن، تقدمت للداخل وقالت فور وقوفها امامه
- الساعة تمانية، امشي ولا في شغل تاني؟
- تقدري تمشي
اومأت برأسها وهي تستأذن اثناء تراجعها للخلف
- عن إذنك
منحها ابتسامة وهو يخبرها بود
- خلي بالك من نفسك
ابتسمت بتلقائية وهي ترد
- حاضر
ثم خرجت من غرفة مكتبه، لملمت أشيائها وابتسامته لم تفارق مخيلتها.

همت للمغادرة وما لبثت ان توقفت حين اعاقت اروى طريقها، حاولت شهد تخطيها لكن الاخرى لم تسمح لها لذا قالت بنفاذ صبر
- ابعدي
قالت اروى بتسلط
- اسمعيني كويس...
قاطعتها شهد بحزم
- مفيش كلام بينا عشان اسمعه
كادت ان تتخطاها لكن اروى امسكت بذراعها لتمنعها من المغادرة وهي تقول
- متفكريش تحبي يونس وإلا...

سحبت شهد ذراعها بعنف من قبضة اروى والتي تركتها بسلاسة قصداً فأرتدت شهد للخلف وسقطت بقوة، صُدِمت الاخيرة مما حدث لها، تنفست بخشونة وهي ترفع رأسها لتنظر لـ اروى بشراسة بجانب دموعها التي لمعت في حدقتيها، هتفت بقهر وحدة
- انتِ مجنونة؟
شاهد الجميع ذلك لكن لم يساعدها احد، خرج يونس من غرفة مكتبه، تقدم منهم بخطوات واسعة ليصل سريعاً، سألهم بنبرة حادة
- اية اللي بيحصل هنا؟

نظر لـ شهد واسرع ليساعدها على النهوض، بينما ردت اروى بحدة على قول شهد
- مجنونة!، بتقولي على مين مجنونة؟
صرخ يونس بغضب وهو ينظر لـ اروى بعد ان اجلس شهد على الكرسي.
- هو انا مش واقف؟
صمتت اروى ثم اتجهت لمكتبه حين اخبرها بذلك بصرامة، ثم لحق بها، اغلق الباب وهو يسألها بغضب واستياء
- مش هتبطلي حركاتِك دي؟
انه لا يحتاج بأن يتأكد مما حدث، ردت اروى بعناد وهي تنظر له بغضب لن يهدأ
- مش هبطلها.

استدا حول نفسه وهو يتنفس بخشونة، حاول تمالك اعصابه ونجح، قال بإقتضاب
- مش هتكلم معاكِ هنا، كلامنا هيبقى قدام بابا عشان يتصرف هو معاكِ
لن يخوض حديث لا فائدة منه معها، اتجه لطاولة مكتبه ليأخذ هاتفه ومفاتيحه ثم يتجه للباب ويخرج ليدعو شهد
- تعالي اوصلك
لم تعترض، التقطت حقيبتها وغادرت معه، وكل ذلك تحت أنظار اروى الحانقة.

في السيارة..
كان الصمت سائد بينهما، فقطعه يونس مُعتذراً
- اسف على اللي عملته اروى معاكِ
تنفست شهد ببطء وردت
- مش مستنية الاعتذار منك لانك معملتش حاجة
نظرت له ولحقت قولها بطلبها
- ممكن اسأل حضرتك سؤال؟
- مش لازم تستأذني
- اروى تقرب لحضرتك اية؟
علق مرة اخرى ببساطة وهو يبتسم
- مش لازم تتكلمي معايا برسمية واحنا برة الشغل
تمتمت بخضوع
- حاضر
فأجاب عن سؤالها
- اروى بنت جارنا، متقربليش حاجة.

- طب لية بتتعامل كدة معايا؟ لية...
قبل ان تُكمِل تسائُلاتها، اجابها
- عشان شايفاني مُعجب بيكِ
- نعم!
شهقت بذهول من رده المُفاجئ والغير متوقع بالمرة، حدقت به بعدم تصديق ثم ضحكت بسخرية وهي تستنكر ذلك
- مستحيل، اكيد اروى بتفكر غلط
رد بغموض لم تفهمه
- ممكن
شردت بعد قوله، رده الاحتمالي شوشها!، ساد الصمت من جديد بعد رده.

اوقف السيارة عند محطة الحافلات القريبة من منزلها كالسابق وكما طلبت منه؛ قدّم لها هاتفه وهو يطلب منها
- سجلي رقمك
ردت بإستغراب
- لية؟
ابتسم وهو يرد ببساطة
- انتِ السكرتيرة بتاعتي، نسيتي؟
اخذت الهاتف منه لتسجل رقمها، بينما اضاف يونس
- كان ممكن اخده من الملف بتاعك بس حبيت اطلبه منك احسن
فكرت، كم هو لطيف!، اعطته الهاتف وودعته قبل ان تترجل، انتظر لحين اختفت في الشارع الضيق التي دخلته ثم غادر.

في شقة إسماعيل الأنصاري
- وحشتكم انا عارفة
قالتها اروى بمرح وثقة وهي تعانق إسماعيل، بينما أنكرت خديجة ذلك بمزاح
- لأ خالص
ضحكت اروى وهي تُسايرها
- صدقتك يا طنط صدقتك
جلست اروى على الاريكة بجوار خديجة التي سألتها
- هتباتي النهاردة معانا؟
- لا
- لية كدة؟
سألتها خديجة بحزن بينما قال إسماعيل
- اكيد اتخانقت هي والأستاذ يونس
اتسعت مقلتي اروى بذهول وهي تسأله بإعجاب
- عرفت منين؟

- هو انتِ وهو بتيجوا بعد الشغل الا لو في مشكلة!
رد بذكاء؛ سألته خديجة
- هو اتصل بيك؟
- ايوة وقال لي انه في الطريق
اشاحت اروى بوجهها بعيداً لتحرك شفتيها بشتائم موجهة لـ يونس، تمنت ان يتغاطى عن فعلتها لكن يبدو انه مُصِر، رفعت رأسها بشموخ، لا يهمها فهي ليست مُخطيئة فلم تدفعها قصداً هي من أسقطت نفسها بغباءها.
بعد نص ساعة..

وصل يونس وألقى التحية على والديه دون اروى، ما لبث ان جلس حتى بدأ يسرد عليهم تصرفات اروى، بعد ان انتهى، نقل إسماعيل بصره لها بعتاب وهو يسألها
- لية عملتي كدة يا اروى؟ شهد طيبة و..
قاطعته اروى سريعاً
- معملتلهاش حاجة يا عمو انا سيبت ايديها وهي كانت بتشد اوي فوقعت، كدة انا ليا ذنب؟ لا
تدخلت خديجة بهدوء.

- يا اروى يا حبيبتي مش قولتك اكتر من مرة مينفعش تعملي حركاتك دي في الشركة، دة شغل مينفعش فيه الحركات دي
صمتت اروى وهي تُشيح بوجهها بعيداً بينما ظلت تهز قدمها بقوة، فقال إسماعيل بصرامة
- اروى، بصيلي
اندفعت لتخبرهم وهي تنظر لـ إسماعيل
- انت عارف يا عمو يونس بيعمل اية عشان كدة انا ببعدهم عنه
رد إسماعيل بثقة وهدوء.

- شهد مختلفة، انا شغلتها عشان عارف انها محترمة وهي محتاجة الشغل دة فعلاً، يعني بتشتغل عشان تكسب لقمة عيشها مش زي اللي كان بيجبهم الافندي
لم تقتنع، فمخاوفها لن تختفي لمجرد انها فتاة جيدة، فأعترضت
- حتى لو محترمة دة ميمنعش انها تحبه وتُقع في شباكه
رد إسماعيل ببساطة
- هي مش هتعجبه
استنكر يونس قول والده
- ومين قال؟
احتدت نظرات والده وهو ينقلها اليه، حذره وهو يرفع إبهامه
- اياك تفكر تلعب بيها.

ابتسم يونس وهو يفكر
- مش ممكن تكون نهاية اللعب!
انقبض قلب اروى لسماع قوله، بينما سألته والدته بلهفة وعدم تصديق
- بتتكلم بجد؟
رفع ذراعه لينظر لساعة يده بينما يُجيب على والدته
- متفرحيش بالسرعة دي، بقول ممكن
- يارب بقى، عايزة افرح بيك
اختفت حروفها تدريجياً وهي تنهي جُملتها حين تذكرت وجود اروى، ربتت خديجة على كف اروى التي رمقتها بعتاب، إن والدته تعرف كل شيء فكيف تفرح بإحتمالية ارتباطه بأخرى غيرها!

نقلت نظراتها بتحدي له، لن تسمح بذلك، لن تأخذه أضعف منافسيها.

عشان شايفاني مُعجب بيكِ، تتردد تلك الكلمات في رأسها دون توقف، فكرة ان يُعجب بها غير معقولة، تخيلها فقط تُشعرها بالسعادة، لكن احتمالية ذلك تكاد ان تصل للصفر ولديها اسبابها.
لكن مايثير حيرتها هو لماذا فكرت اروى بذلك! فلن تتوهم أشياء غير حقيقة من نفسها.

قاطعت والدتها تفكيرها حين دلفت لغرفتها، اعتدلت لتترك لوالدتها مكان على الفراش لتجلس فيه بجوارها، قالت شهد بحماس لوالدتها وهي تحثها لكي تُسرع بالجلوس بجانبها
- تعالي اقعدي بسرعة عشان احكيلك عن الشغل ومديري
- اهو جيت
قالتها والدتها وهي تجلس بجوارها، اضافت
- احكيلي عن مديرك الاول، لسة بيعاملك بـنفـ...
قاطعتها شهد قبل ان تُكمِل والدتها سؤالها التي عرفته
- خاالص، دة بقى يعاملني حلو جدا.

واضافت بفكر شارد، شارد في ابتسامته التي ترسخت في عقلها رغماً عنها
- دة حاجة تانية كدة، شخصية قمر، شكل قمرين ضحكته...
ادركت انها تكاد تتغزل به، فابتسمت بحرج من والدتها وهي تُردف
- هو اعتذر عن معاملته معايا اول يوم..
غمغمت والدتها وهي ترمقها بشك، فضحكت شهد وقالت بسلاسة
- مش مشكلة أُعجب بيه، مش الوحيد اللي يعجبني يعني في لحظة!
- انتِ مشوفتيش عينك بتلمع ازاي وهو مجرد إعجاب من يومين!
ردت شهد بتلقائية.

- عشان هو حلو اوي
ضحكت بعد ان ادركت قولها، تحدثت محاولة ان تُطمئن والدتها
- متقلقيش، مش هزود من إعجابي بيه، شوية صغننة بس
تنهدت والدتها وتطرقت لنقطة اخرى
- والشغل، عاملة اية فيه؟ سهل؟
- مفيش حاجة سهلة، بس كويس قادرة اتعامل معاه
- طب الحمدالله.

اشرقت شمس يوم جديد
- اتكلمت مع اروى على اية امبارح لما خدتها لوحدها؟
سألت خديجة زوجها إسماعيل بفضول، فأجابها
- قولتلها انها تنتبه على تصرفاتها لان لو بدأت مشاكلها تزيد في الشركة هضطر اتصرف
سألته خديجة بريبة ونبرة خافتة
- يعني ممكن تطردها؟
- هشوفلها شغل بعيد عن يونس
ساد الصمت للحظات، ثم عاد ليقول بجدية.

- انا كنت بسكت على تصرفاتها عشان كانت ضد الناس الصح، اما دلوقتي لا، شهد كويسة وعايزها تكمل شغل مع يونس لانها محترمة، فلازم اروى تسيطر على نفسها، فياريت تصلحي تحريضك ليها
حركت خديجة حدقتيها بإستنكار لـ إسماعيل وسألته
- تحريضي!

لم يرد، قذفها بنظرة بدت لها ساخرة، فهل تُمثل البراءة الان! فهو يعلم انها من دفعت اروى لطريق يونس حتى تُبعد عنه النساء الذين يلتفون حوله، لقد طلبت منها المساعدة فهي بمثابة اخت له، وقد نفذت اروى الامر بكل جدارة وقد كان راضي عن ذلك، لكن الان لم يعد للأمر داعي.
لكن الحقيقة الذي لا يعرفها ان خديجة شجعت اروى فقط على تصرفها الذي صدر منها بتلقائية وحين اشتكى يونس لوالدته سألتها فأجابت اروى بذكاء.

- انا ببعِد عنه البنات الوحشة الصايعة، يعني هتبقي يا طنط مبسوطة لما يجيبلك واحدة ولابُد انه يتجوزها؟ طبعاً لا
شردت خديجة للحظة وقد تملكتها الريبة، هل يعلم بأن اروى تحب ابنهم!، طردت تلك الفكرة سريعاً حتى لا يتملكها الخوف، تطرقت لسؤال اخر
- ومقولتلهاش الكلام دة قدامنا لية؟
ابتلع ما في فمه واجاب
- عشان مش عايز اقف ضدها قدام يونس.

فركت خديجة رقبتها وهي تنظر لـ إسماعيل بحيرة، تتمنى ان تفهم سبب اسلوبه في تعامله مع اروى و يونس، لديه استراتيجية ذكية للتعامل معهم لكنها لا تفهمها.

في الشركة
جلست اروى خلف مكتبها وعينيها تتابع يونس الذي وصل بعدها ويتجه الان لمكتبه، تشعر بالحيرة، هل يتجاهل طرقاتها على باب شقته في الصباح! فوصوله بعدها لا يشير الا لذلك، لا يريد ان يصطحبها معه.
احتدت نظراتها وهي تراه يبتسم اثناء إلقاء التحية على شهد، لم يبتسم لها هكذا سابقاً، لم يفعلها بينما يفعلها مع الجميع ماعداها.

التقطت زجاجة المياة بعنف لتفتحها وتشرب منها الكثير لعل النيران التي تتأجج بداخلها تخمُد.
لكن هيهات، كيف تهدأ وتمر بسلام هكذا!، نهضت بعزم لما تنوي فعله؛ وصلت للمطبخ فرحب بها الساعي العجوز فردت عليه بود، انها ليست ودية مع الجميع؛تقدمت للداخل لتصنع القهوة، اعترض ليفعلها هو لكنها اصرت على ان تصنعها بنفسها فكيف ستنفذ خطتها!، وضعت معلقتين من الملح في القهوة دون ان يلاحظ ثم طلبت منه بلطف.

- ممكن تديها لـ شهد!، كانت قالتلي عليها وانا نازلة
- حاضر
- بس متقولهاش اني عملتها
ابتسم موافقاً وغادر بفنجان القهوة فإبتسمت هي بشر.
رفعت شهد رأسها على وقع اقدام تقترب منها فوجدته الساعي، ضربت جبينها وهي تقول بإمتنان
- صح القهوة، أنقذتني والله شكراً جداً
كيف نست قهوة مديرها!، اخذت فنجان القهوة منه واتجهت لمكتبه، كاد ان يعترض الساعي لكنها كانت دخلت، فعاد ادراجه وهو ينوي صنع واحد جديد لها.

- ها تم؟
سألته اروى حين قابلته عند نهاية السلم، فأجاب
- اة بس خدته لأستاذ يونس فأنا هعملها غيره
هتفت بصدمة
- نعم! لـ يونس؟
لم تنتظر تأكيد منه حتى ركضت لتمنع وقوع هذه الحادثة، اصطدمت بكتف شهد التي كانت على وشك الخروج من مكتب يونس ، فور وصولها للاخير سحبت الفنجان من يده، فقد كان على وشك شربه، فأنسكب نصفه امامه، على الأوراق.

تعلقت حدقتي يونس الغاضبة بها وزادت غضباً حين تلطخت الأوراق الموجودة امامه فنهض بعنف صارخاً
- دة ورق مهم
كانت شهد مصدومة مما حدث لكن صراخه ايقظها، اسرعت لتأخذ المناديل وتقف بجواره لتنقذ ما يمكن انقاذه؛ بينما شتمت اروى نفسها بداخلها، ألم تستطع ان تكون حذرة اكثر من ذلك؟، وضعت كفها على خصرها وهي تسأله بضيق مزيف
- القهوة دي بتاعتي تاخدها لية؟
هتف بعدم تصديق ونبرة غضب وغيظ ظاهرة.

- عملتي كدة عشان بتاعتك!
ضرب كفيه ببعضهم وهو يتنفس بعنف، يريد ان يطردها، ان ينطق بهذه الكلمة لكنه منع نفسه بصعوبة، فأكتفى بأن يطردها من مكتبه
- برة يا اروى
اشارت اروى لـ شهد وهي تُحملها خطأ ما حدث
- دة غلط سكرتيرتك عشان تاخد حاجة مش حاجتها
سقط فك شهد بصدمة مِما لجم لسانها، لكن يونس لم يصمت، هم لان يرد لكن رنين هاتفها منعه وردها على المُتصل قصداً أغضبه
- ايوة..

واستدارت اروى لتغادر سريعاً، لقد انقذت نفسها، توقفت بعد ان خرجت من مكتبه حين وصل لها صوت والدها، ابعدت هاتفها لتنظر للشاشة بإنزعاج، أيجب ان يكون هو؟، اضطرت ان تُكمِل المكالمة وهي تتجه لخارج الشركة.
بينما في الداخل..

تنهد يونس ونقل بصره لـ شهد، مد يده ليأخذ منها المناديل المستخدمة ليلقي بها في القمامة ثم اخرج مناديل مُبللة، التقط كفها لينظفه بالمناديل فجفلت ونظرت له بذهول، اسرعت لتسحب كفها وهي تقول بخفوت
- هغسلها احسن
اومأ برأسه ونقل تركيزه للأوراق التي نزعتها اروى بفعلتها، بينما ابتعدت شهد وهي تشعر بدقات قلبها التي تحولت لطبول لمجرد لمسه لها.

مساءً، في شقة إسماعيل الأنصاري
كان الجميع يجلس حول السفرة يتناولون طعام العشاء، تحدثت اروى لتُعلن لهم عن قرارها الجديد
- هسافر بكرة
استفسر إسماعيل
- لمين؟ ولية؟
- هحضر فرح ماما، قصدي هخربه
وضحكت، سألتها خديجة بدهشة
- هي هتتجوز تاني؟
- ايوة، بابا قالي النهاردة، عرِف بالصدفة
- وهي معزمتكيش؟
- طبعاً لا، عشان كدة انا هروح
نصحها إسماعيل اثر قلقه عليها.

- مش لازم تروحي يا اروى وتعملي مشاكل ملهاش فايدة
ابتسمت اروى بخبث وهي تقول ببراءة مُصطنعة
- تعرف عني كدة!
لم يناقشها اكثر؛ نظرت خديجة لساعة الحائط وتساءلت
- هو يونس أتأخر لية؟ مش جي؟
اقتربت اروى من خديجة لتُجيب بهمس بجوار اذن الاخيرة
- مشغول ياعيني بتوصيل الست شهد
قال إسماعيل
- اتصلي بيه يا خديجة وحتى لو مش جاي خليه يجي عشان اروى متروحش لوحدها.

نهضت خديجة لتجلب هاتفها وتتصل بـ يونس، اجاب مع محاولتها الثانية، ضربت على صدرها وهي تهتف بذعر
- في المستشفى؟

تااابع ◄ 

أحدث أقدم

نموذج الاتصال