-->

رواية لقد كنت لعبة في يده الجزء العاشر

 

 مقتطف من الرواية

جلست منى برفقه معتز يستمتعان معا بالنسيم العليل والمشهد الخلاب لصفحات النيل المتراميه.

فيما اتخذت سالى ركنا بعيدا فى آخر القارب الشراعى يوفر لها الخصوصيه
شعرت سالى بالسعاده ووفرت لها الاجواء هدوءا جعلها تفكر بعقلها والذى أمر قلبها الصغير ان يكف عن احلامه فهذا هو الواقع وتلك هى الحياه
ومايريده القلب لم يتخطى كونه احلاما ورديه بعيده المنال.

ارتسمت البسمه على محيا سالى الحالمه وارتسم الضيق على محيا مروه الحقود والتى ظلت تراقب الجميع بعيون ضيقه من وراء نظرتها الشمسيه الكبيره فهاهى منى تجلس فى شاعريه وتمتع بجو رومانسى حالم بصحبه معتز اما اسامه يجلس فى وفاق مع اخيه الاكبر جاسر والذى كان يسترق النظرات من وقت لاخر لسالى التى كانت تجلس بعيدا.
رن الهاتف للمرة الثالثة على التوالي وكان عازماً على تجاهله ولكنه بدا وكأنه مصر على المضي قدماً بمحاولة إيقاظه تأفف ونظر للفراش الفارغ جواره وقام واتكأ على مرفقه ثم تناول الهاتف فرأى اسم أخيه "أسامه" يلمع في ظلام الغرفة وأتاه صوته مستجيراً:

- جاسر ألحقني
وانقطع الاتصال
هب من فراشه وحاول الإتصال بأخيه مرة أخرى ولكن ما من جيب
فقام وارتدى ملابسه التي ألقاها منذ ثلاث ساعات فقط على الأريكة المقابلة للفراش على عجالة

الحادث قضاء وقدر
قدر الله وماشاء فعل
كلمات تنصب على أذنيه من وقت لاخر وكلها تدور حول معنى واحد ما فقد قد فقد ولا مجال لاستعادته
ولكنه كان المخطىء هو المسئول
هو من تسبب بفقدان زوجته الشابة لحياتها
وهو من أطفأ برعونته نور الحياة في أعين صغيرته الوحيدة
هو من كان يقود تلك السيارة في الظلام الدامس
وهو الذي غفا على عجلة قيادتها
ولسخرية الأقدار هو من استبقت أنفاسه الحياة

- أنت برضة هتسهر الليلة ؟
في الماضى كان سؤالا ضجراً لم يكن يستسيغة
وأضحى اليوم تبرما لايطيقه نظر لها وقال ضائقاً:
-أيوه يا آشري ورايا ..
لم تدعه يكمل حواره فلقد ضاقت بذرائعه التي لا تنتهي فقالت:
-كفاية يا زياد،كفاية كدب ..أوكيه رايح تسهر بالسلامة بس ابقى افتكر تسأل على أخوك
زم شفتيه ساخراً وهو ينصرف:
- أنهي فيهم ؟!

- آلو آشري
تنهدت بقنوط فهي لم تكن في مزاج يسمح لسماع سيل الشكاوى الذي لايتوقف من فمها منذ أن أجبرها زوجها على الإنتقال للعيش برفقة "سوسن خانون"
كما كانتا تدعونها سراً فقالت بتعب:
- أزيك سالي. هاو أر يو ؟
بصوت جاهدت أن تدفع الدموع عنه بعيداً قالت:
- أنا كويسة،أنت عاملة إيه بقالي أسبوع ماسمعتش صوتك ؟
- كنت مسافرة برة،كان عندي شغل،
أنت إيه أخبارك ؟

اختنق صوتها بالعبرات واندفعت الكلمات من حلقها ولكنها توقفت عند حافة شفتيها ليخرج اسمه معلناً أنه المسئول الأول والأخير عن عذاب صاحبته:
جاسر
بالطبع جاسر
فالبداية جاسر
والنهاية أيضا جاسر
ومابينهما جاسر
وخيوط تلك الدمية معلقة بكف جاسر
وبين أناملة تقبع وتنتظر إشارة من جاسر
وفعليا لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الشكوى والثرثرة
وإسداء النصح لمن لا تتحرك إلا بهوى وأمر من جاسر
فقالت معنفة وآمرة في الوقت ذاته:
- مبدئياً سالي،قولتلك ألف مرة ماتبتديش كلامك بجاسر أبداً
...قولى ورايا أنا سالي

همهمت ببكاء وأطاعتها:
- أنا سالي
- مالك ؟
سؤال آمر نافذ لكأنما تلقيه على أحد مرؤوسيها وهي حقا لا تهتم بالإجابة قدر إهتمامها بإنصياعه لأمرها تماماً ك "جاسر"
-تعبت
همسة مقهورة لخصت سنوات عمرها الفائتة منذ رحيل والدها وتقدم والدتها بالعمر وعدم إحتمالها لأي أخبار سيئة عن زيجة ابنتيها
ومؤخراً مرض حماتها الذي جعلها قعيدة للفراش متنمرة عليها بكل ساعات النهار والليل
وعصبية زوجها وتحكماته التي كانت لاتنتهي حتى طالت نسمات الهواء التي تتنفسها

- نتقابل بكرة في النادى؟!
اقتراح ألقته على مسامعها بكل رقة
افتقادها للأمومة ولطفل تحتضنه بين ذراعيها طوال سنوات زيجتها كان مؤلما للغاية
ولكن سالي كانت تنجح في استثثار مشاعر الأمومة خاصتها وتستنزفها في كل مرة تطلب عونها باكية
فقالت موافقة فى الحال:
- ماشي بس في معاد تدريب الولاد عشان...
فردت متبرمة:
عارفة جاسر

مر شهران ولم يخرج من منزله بل لم يغادر حجرته
تقريبا بنفس المنامة التى رآها عليه منذ أسبوع
استطالت خصلات شعره حتى وصلت لأطراف كتفه
وشعيرات ذقنه الخشنة قد غزت أطراف ياقته المتسخة
جالسا تقريبا بنفس المكان،الأريكة التي تتوسط الغرفة وخلفها يقبع الفراش
الوحيد من متاع الغرفة الذي كان يحافظ على رونقه
فصاحبه لايمسه فشركيته تتوسد الثرى
فكيف له أن يهنأ وحده بفراشهما
وقف أمامه وداخله شكاً أن أخاه لايراه فقال منادياً:
- أسامة..أسامة
رفع رأسه وأجفل قائلاً:
- جاسر أنت هنا من أمتى ؟
اقترب منه وقال:
- أنت اللي هنا من امتى ؟

قوم معايا وجذب يده ليقف أمامه ولكنه كان خائر القوى فكاد أن يسقط تمالك جاسر أعصابه وعضلاته ودفعه للوقوف مرة أخرى وقال
- رجعت تاخد الزفت ده تاني
نظر له بتبلد وقال بابتسامة صفراء كأسنانه التي عرفت للتبغ وصبغته طريقا:
آآه. بيريحني أوي
دفعه جاسر للخروج من الغرفة وسار به حتى وصل للدرجات الرخامية وقال:
- هتعرف تنزل ولا أسندك ؟
التفت له وقال:
- هنروع فين؟

نظر له وأدرك أنها قضية خاسرة وأن كل مايلزمه شلال ماء بارد يصبه على رأس أخيه وينتهي من أولى مشاكله وبالفعل قد كان
وبعد ساعة زمنية كان قد جلس متوسطا بمقعده أرضية المطبخ بلونيها الأسود والأبيض وقد أمر جاسر الخادمة بإعداد فطورا
لذاك الذي كان يبدو منقطعا عن الطعام منذ أيام فجلس يلوك قطعة الخبز ببطء فقال جاسر مشمئزاً:

- وبعدين يا أسامة،هتفضل كده لحد أمتى
رفع رأسه ومنحه نظرة خاوية
جاسر أخيه الأكبر
الواعظ الذي لايمل من تصحيح أوضاع الجميع حوله
وفى كثير من الأحيان ليس صحيحاً بالفعل
ولكنه صحيحاً بالقدر الذي يرضيه
وقد ظهر اليوم ليملي عليه ما يتوجب عليه وعله
عيناه كانت زائغة ولكن كلماته كانت مصممة على إصابة مستمعها بجروح نافذة
- لما تبقى تخسر اللي أنا خسرته هتبقى تعرف
لم تكن تلك عادته ولا تلك كلماته.

كانت نفسه الجريحة المحملة بمرارة الفقد
من تتولى الرد على الجميع بقسوة وله الحق كله، فالوجع كان لايحتمل والوجع وحده من يتحدث
فقد عائلته الصغيرة السعيدة وأخيه يسأله
متى يعود لسابق عهده!
عهده انتهى ومضى ولن يعود أبدا
وليتهيأ الجميع لشخص جديد يتشارك معه فقط بالملامح القديمة حتى تلك قد يميحها
فخصلات شعره التي قد استطالت أصبح يفكر جديا باستبقائها
تمنحه مظهرا عابثا وهو الذي كان الرجل الجدي وسط أخواته طوال حياته كان ملتزما
لم يعبث مع الفتيات ولم يبعث بالشرارات لقلوبهن
أختار واحدة ومع ذلك حرمه القدر منها

- أنت جيتِ أخيرا،كنتِ فين طول النهار؟
يقولون الرجل ظل أبيه ولكنه مرآة أمه
خاصة عندما تكون إمرأة متسلطة ك "سوسن خانون"
أخذت نفساً عميقاً ودفعت بالصغير سليم وابنتها الصغرى سلمى نحو الدرجات
-حبايب ماما اطلعو فوق مع دادة نعمات والتفتت لتلاقي مصيرها اليومي كلمات مهينة جارحة
كانت تبتلعها في الماضى إرضاء لخاطر زوجها وحبيبها ولكنها باتت على وشك الانفجار.

فعندما تقد التضحيات واحدة تلو الأخرى،ولا تنتظر مقابلاً بالشكر والعرفان،من الغباء أن تتوقع أن يستمر الآخرون بتقدير
تضحياتك وماتلاقيه نفسك من مرارة وعذاب تحت وطأة التضحية ببساطه اصبح واجبا عليها
بل وأصبحت تتلقى التقريع إن قصرت أو تخاذلت عن القيام به!
استعانت بالملائكة كي تقدم ردا هادئاً
فالشيطان الآن لاسبيل له.

وبابتسامة هادئة أجابت:
-كنت في النادي،الولاد كان عندهم تدريب
ولكن الشيطان كان يقف بسبيل سالي وملامحها الملائكية المتغضنة،فردت الآخرى صارخة بها:
- تانى مرة إياكِ تخرجي قبل ماتستأذني مني
عقدت حاجبيها واستعر الغضب بجوانحها
في الماضي كانت تندفع بكلمات هوجاء ولكن حتى هذا
الاندفاع فقدته في خضم الكثير الذي عانته فالكلمات تخونها والأنفاس تختنق داخل رئتيها
والصمت رفيق إجبارى

و الدموع ترافقها حتى الفراش الذي كانت تهجره من حين لاخر
كنوع من الاعتراض على الصمت المزرى الذي لاتطيق سواه ويرضاه زوجها بل وأصبح يطالب به
ولكن فاض الكيل واندفعت الكلمات الحمقاء من فاها غير مترددة:
- أنا مش شغالة عندك يا سوسن خانون ولا أنت هتتحكمي فيا
وتقوليلي أعمل ايه وما أعملش ايه...

وجاءها الرد حاسما وسريعا ولكن لم تكن شفتي الخانون من افترت عنه بل كان صوته يأمرها بكل جلف وقسوة:
- بس هتعملي اللي بقولك عليه وتطلعي حالاً فوق على أوضتك
التفتت إليه وقد اغروقت عيناها بفيضان من الدموع الحارقة
أهكذا أصبح يعاملها تحت مرأى ومسمع الجميع ؟
يأمرها بالإنصراف لغرفتها كطفلة مشاكسة !
وكأنها هي المخطئة ؟!

تسارعت خطواتها وتسابقت العبرات الهاربة من جفونها بإنهيار
مزر جعلها حتى تخطىء الدرجات وتسقط تحت قدميه
لم تكن لمسته الحانية من شدت أزرها لتكمل طريقها صعودا بل لم تكن هناك لمسة بالأساس
دفعت بجسدها الذي فقد قدراً يسيرا من رشاقته وازدان ببضعة
كيلوجرامات إضافية يصل عددها للعشرون أو مايقرب نحو الأعلى
التفت لأمه القعيدة والتي كان يعلو ملامحها الإمتعاض التام وهي تقول:
-كويس إنك جيت عشان تشوف بترد عليا إزاى!

دفع بقدر من تيار الهواء الساخن المحتقن بصدره وهو يتقدم من أمه قائلا:
- بس دي كمان مش طريقة تتعاملى بيها معاها
رفعت ذقنها بشموخ قائلة بسخرية مزدرية:
- وأنت فاكر شجرة الجميز دي بتحس،أنا القلق كان هيموتني على الولاد .
قال كل ده في النادى اعترض قائلا:
- ماما .من فضلك، ماتنسيش أن سالي مراتي

أشاحت بيدها بإشمثزاز:
- فخور أوي حضرتك .أنت بقيت تتكسف تخرج معاها، كل
الحفلات وكل الميتنج اللي بتعملها مع الناس المهمة فى البلد تعملها لوحدك منغيرها
يعلم جيدا أنها تخبره الحقيقة التي ظن أن لا أحد قد يصل إليها تغيرت زوجته الجميلة
وأصبحت امراة منزوية تحيا هامش الحياة وليس الحياة ذاتها
حتى أنها مؤخرا كفت عن التبرم والتذرع بالأسباب لتحصل على ماهو حقها أو ماهو ليس بملك لها
عقد حاجبيه وأخبرها أن ماتقوله ليس له أساس من الصحة.

ومضى للأعلى يرفض التفكيير فى معضلة حياته التي لن تنتهى
أمه وزوجته المصونة والتي أختارت لليوم العاشر على التوالي هجر غرفتهما وفراشهما
ظن أنه سيكف عن العد فى كل مرة تهجر فيها الفراش، ولكنه كان مخطئا
خلع ملابسه واغتسل واختار أن يفض النزاع فهذا خيار لامفر لها
ليس لأنه يرجو صفحها، ولكن لأن واجبها يحتم عليها الإنصياع له ولأوامره
وإن لزم أوامر أمه المريضة التي على وشك مغادرة الحياة

وقفت تتأمل نفسها في المرآة ودموعها تجري على صفحة وجهها الممتلىء تعلم أنها السبب
هي من تبعده عنها في كل مرة يلمح فيها بإقتراب
تعلم أن كبرياؤه لن تقوده لاعتذار ولا حتى ربتة على الكتف
كانت تكتفي في الماضي بنظرة عتاب مخلوطة بمشاعره الدافئة
ولكنها ماعادت قادرة على رفع أنظارها ورؤية إتهام تلو الآخر
بأنها من أفسدت حياتهم، وأصبح الآن لايطيق لمسها.
أهي السبب؟

فقدت الكثير من رشاقتها وجمالها الهادىء قد انزوى وراء
ملامح وجهها المكتنزة وصوتها الرقيق أصبح لايعلو إلا بشجار أو بنشيج وفيضان من الدموع
فتح الباب ودخل ليطالعها
عقد حاجبيه ليظهر بمظهر غاضب بالرغم أنه لم يكن غاضبا حقا يعلم أنها تخشى غضبه
كما يعلم تمام العلم أن أمه من تدفع بسالي للخطأ
والأخرى لاتكلف نفسها مجهودا لإمتصاص غضبها وزعيقها.

الذي لايتوقف عند أي شاردة أو ماتتخيله خطئا بحقها
- هوا أنا كل يوم أرجع البيت ياأما ألاقيكى بتتخانقي مع ماما أو في أوضة الولاد بتعيطي
ماسمعته آذانها،أهذا مايصفه بيت ؟ربما يكون بيته
ولكنه أبدا لن يصبح بيتهما
- بيت !..هوا ده بيت، بيتى ...بيتنا ؟
- ماتغيريش الموضوع مش كل مرة ابتدي كلام معاكي في حاجه
تطلعي منها بألف حاجة تانيه أنا بتلكم في شيء محدد يصرخ ويثور ويأمر
كوكتيل جاسر
ومشاعره اليومية تجاهها.

ولقد سأمت صراخه بها فقالت بإندفاع:
-لاء هوا ده الموضوع،أنت قولتلي سنة واحدة بس ونرجع بيتنا
- وأنا مش المفروض أحدد معاد لموت أمي عشان ترتاحي
-أأ أنا ماقصدتش
تلعثم بشبه كلمات وعبرات ساخنة تجري
ولا يبدو أنها ستنتهي في الوقت القريب.

إذ أنه أكمل حديثه قابضا على ذراعها بقسوة وعيناه أصبحت كسعير جهنم:
- تقصدي ولا ماتقصديش لآخر مرة ياسالي هنبهك أنك تراعي
أمي وتراعي مرضها ومش كل شويه هقولك معلش تعالي على نفس جناب حضرتك
فاهتز جسدها بقوة بكاؤها المتصاعد وهي تقول:

-كفايه بقى حرام عليك أنا تعبت،تعبت مش كل يوم زعيق وخناق
دفع بها لتجلس على الفراش وأصبح صوت تنفسه ينافس أزيز المكيف
ولم يتحمل رؤيتها ولا صوت بكاؤها أكثر من ذلك
فخرج ليجد طفليه ينظران إليه غاضبين منه هو
ببكاء أمهما الطيبة هو من يتسبب
هو من لايراهما إلا بوقت متأخر من الليل أو في عطلة نهاية  الأسبوع
اقترب منهم وأمر الخادمة بالانصراف وقبل رأسيهما وقال:
ازيكم يا حبايبي، هاه أحكولي عملتوا إيه النهاردة في النادي؟
سلمى الصغيرة كانت أول من اقترب لأحضانه وهي تسأله:
- هيا ماما بتعيط ليه يابابا؟

رفع أنظاره نحو سليم الذي كان متعلقا بسالي وبشدة والذي اندفع قائلا:
-عشان بابا ضربها ياسلمى
هز رأسه نافيا وهو يدفع بهما لأحضانه مرة أخرى:
-لا ياسليم ياحبيبي أنا عمري ما اضرب ماما أبدا ..روحوا يالا
روحوا اتفرجوا على التليفزيون وسيبوا ماما تهدى
هنيئا لك ياجاسر أصبحت الآن وحشا كاسرا في عيون أطفالك
وكانت تلك إحدى همومه التي يبات بها ليلا

- مبروك يازياد.. ألف مبروك
بماذا يهنئه هذا الأحمق ؟!
التفت له وترك مشروبه ليقول:
- على أيه ياعمر ؟!
- مراتك آشري،الفوربس اختارتها كأهم سيدة أعمال عربية
أو أصبح يتلقى التهنئة الآن على إنجازات المدام!
وهو الذي لم يحقق شيئا يذكر بعدما استقل بنصيبه من مجموعة
"آل سليم"

جل إنجازاته أنه زوج المدام
ترك المشروب البارد وترك المكان كله
وخرج بفوران دم يكاد يوقف عقله
نعم إنه يغار منها
هي الناجحة دوما
التي لا تتزحزح قيد أنملة عن هدفها
سيدة الأعمال الأولى على الأقل بالشرق الأوسط.

ترفض حمل جنينه وتخبره أنها بحاجة للوقت كي تمنحه لطفلهما الذى لم يحن بعد موعد وصوله لحياتهما
دخل منزله يبحث عنها بعيناه ولم يطل به البحث طويلا، إذ
وجدها مستلقية وأمامها جهاز الحاسوب المتنقل الذي قلما
يفارقها حتى داخل فراشهما يستبقه ويأخذ حيزا يسيرا من بقعته
إلى جانب أوراق ومستندات أخرى متغيرة بإستمرار
فمجموعة "الطحان" في توسع دائم ولقد وصلت لقلب لأوربا بالفعل
عقد حاجبيه لدى سماعه لضحكتها الرقيقة تنساب في الأجواء
وهي تقول:

- ميرسى أوي ياعاصم بيه ده كومبليموه رقيق أوي من حضرتك
أشارت له بتحية مقتضبة وهي تكمل محادثتها بالشرفة بعيدا عن مسامع أذنيه
فأسرار العمل تختلف تماما عن أسرار الزوجية
وليس لكونه أصبح زوجها أصبح له الحق بالإطلاع عليها أو حتى على كليهما
صب لنفسه مشروبا باردا وتعالى صوته مناديا على الخادمة ولم يتلق ردا
وعندها دخلت مرة أخرى لغرفة المعيشة وهي تقول:
- إيه يازياد البنت راحت لأهلها النهاردة الخميس وأنت المفروض عارف النظام

قال بسخرية لاذعة:
- وياترى أنت عارفة النظام ؟
عقدت حاجبيها وهى تقترب منه قائلة:
- مالك يازياد في أيه ؟
- مافييش إلا صحيح .. مبروولك
قالها مستهزاءا
ونظرت له عاتبة:
- من قلبك

وضع كفه على صدره وهو يقول:
- أكيييد ..بس ياترى ياقلبي هتعشينى النهاردة ولا عشان
الخدامة أجازة معدتي كمان تاخد أجازة
عبست وقالت:
- زياد دونت بي سيلي ..مش معقول لحد حداشر ما أكلتش
واستدركت سريعا قبل أن يندفع بقول آخر:
- وإن ماكنتش كلت أطلب دليفيرى عن إذنك طالعة أنام
ليلة صيفية صاخبة والحفلة التنكرية التي أقيمت على شرفها في منزل أحد أصدقاء والدها المقربين بمناسبة عيد ميلادها الحادي والعشرين في أوجها ومع ذلك تشعر بالسأم الشديد.

توارت بقناع مذهب في الشرفة الخاوية
لقد سأمت المظاهر والاحتفالات الفارغة التي تدور بها فمتى يصبح لديها هدف وغاية ؟
متى يظهر فارسها ويخطفها فوق جواده الأبيض ويهربا سويا من تلك الحياة المملة ؟!

قبضة انتزعت خصرها الملتصق بجدار الشرفة وأنفاسه الساخنة المحملة بعطره الثقيل ورائحة الخمر أعلنت عن هويته صارخة فدفعت بنفسها للخلف قائلة:
- عمر أنت اتجننت، سيبينى
مد يده مرة أخرى وقال:
- داليا،أنا بحبك التمعت عيناها المتوارية خلف القناع بشعاع ساخر
وهي تقول:
- والله،طيب،خير ماعملت
علمت من نظراته المستعرة أنها قد أشعلت غضبه بسخريتها وإزدرائها له ولمشاعره،وهي وحيدة في تلك الشرفة المظلمة ولن يسمعها أحد بفضل أصوات الحفلة الصاخبة.

فهجم عليها محاولا تقبيلها وأخذت بالصراخ فيه تنهره
ولكن يدا امتدت وانتزعته وصوتا نطق بسخرية بالغة:
- اخص عليك ياعمرو
ولكمة استقرت تماما بمنتصف وجهه وغاب عن الوعي تماما تحت أقدامها
كحورية ظهرت من العدم بردائها الذهبي المثير وخصلات شعرها الماجنة تتطاير مع النسيم ونظراتها الفيروزية المتوارية خلف القناع المتعلقة بملامحه بإفتتان بالغ فألهبت خياله.

فاقترب منها كفهد يرمق غنيمته ونزع قناعها المذهب وتأمل قسمات وجهها الدقيقة أنف مستدق وشفاة بلون الكرز ممتلئة ولازالت عيناها متعلقة به فقال بهمس أجش:
-عمرو برضه معذور
واحتبست أنفاسها فور أن وقع بثغره على كفها برقة بالغة أما هو فكان دون قناع وعيناه الرمادية تلمعان في الظلام
وتعلقت عيناها بمحياه الوسيم فمد ذراعه واجتذبها من فوق جسد هذا الملقى أرضا ليدور بها بأرجاء الشرفة حتى قادها للداخل راقصا تحت أنغام الموسيقى الصادحة وهي تضحك له بدلال.

وكفت الأنغام عن الصدح وتوقفت أنفاسها وقلبها يخفق كطبول حرب إثر إقترابه من أذنها ليهديها إطراءا قد يعتبره البعض خادشا
للحياء ولكنه أشعرها بأنوثتها الوليدة تحت أنظاره الماكرة وهم بإبتعاد لائق كي لايتهور مثل هذا ال"عمرو" وسط هذا الجمع الحاشد ويحدث مالا يحمد عقباه
فجذبت ذراعه سريعا قبل أن ينصرف وسألته:
- طب مش هتقولي اسمك ؟!
ابتسم لها ونطق بعنفوان كبرياء:
- جاسر سليم

خلعت نظارتها الشمسية الأنيقة ودفعت بها لخصلات شعرها الفحمية ومضت عيناها بنهم تلتهم مشهد الأفق والبحر الممتد أمامها من شرفة شقتها الفاخرة والتي تتوسط قلب الإسكندرية
وبالتحديد صرحها الأعظم
رنين هاتفها لم يتوقف عن الصدح
خبر عودتها للبلاد بعد عشر سنوات كاملة أثار موجة عارمة من المشاعر لدى المقربون منها ظاهرها الترحيب المبالغ فيه من قبل أصدقائها من الرجال،
وصديقاتها إمتعاضهن من ذاك الخبركان مغلفا بدبلوماسية أنيقة
كيف لها أن تترك الأراضي الفرنسية في مثل هذا التوقيت من العام !

سارت بخيلاء نحو الداخل وهي تتأمل كل قطعة من جسدها الملفوف برداء أسود قاتم يحتضن حناياها بنعومة صنع خصيصا
لها بتوقيع أشهر بيوت الأزياء العالمية فقط ليبرز جمالها فهو ماكان ليزيده شيئا بالمرآة العريضة أمامها
وأمسكت الهاتف وأجابت بصوت هادىء:
أتاها صوت صديقتها المقربة وهي تقول:
- بقى أعرف من الشلة في النادي أنك رجعت وماقولتليش، ده ماكنش عيش وملح يا داليا.

ضحكت وقالت:
- أنجي أنت حبيبتي وحبيت أعملهالك مفاجأة
ردت الأخرى بإنفعال:
- وأحلى مفاجأة، السهرة عندي الليلة
فحاولت الإعتراض متعللة بالتعب والإجهاد فقالت:
- خلينا بكرة أو بعده أكون ارتحت شوية ضاقت عينا أنجي وقالت:
- طيب ولو قولتلك حبيب القلب ..أو أقصد أخو حبيب القلب بيسهر عندي كل ليلة وأكيد الليلة جاي .ايتس بوكر نايت هتقولي إيه ؟

اتكأت على المقعد خلفها وهمست سريعا:
- زياد بيسهر عندك،أيه لم الشامي على المغربي
تنهدت انجي قائلة:
- مش عارفة،في ليلة لقيته جاي مع الشلة ومن يومها
أطبقت شفاها بقوة ولكن صوتها خرج خائنا بدفء ينطق اسمه بهمس معذب:
- طب وجاسر ؟!
فردت صديقتها سريعا:
- تعالي الليلة ونحكي .مستنياكي، بااااي
صوتها الخائن لازال يتلذذ بنطق حروف اسمه
وقلبها لازال يتألم فقط من ذكر حروف اسمه
وعقلها لاينفك عن التفكير بكل مايخص بماض كان لها مع كل حروف اسمه
تزوج للمرة الثانية منذ ست سنوات.

وانجب للمرة الثانية فتاة صغيرة يقولون أنها قطعة مصغرة من أبيها تماما كطفله الأكبر
ورغم ذلك لم تستطع محوه ليلة من خيالها
حمقاء إن ظنت أنها ستتخطاه يوما وتمضي قدما بحياتها
وكيف لها أن تمضي خطوة وهي تتوعده كل ليلة بأحلامها
أنه سيأتيها يوما راكعا تحت قدمها يطلب عفوها وودها ويعتذر من هجرها

الحظ الليلة حليفه
يكاد يشعر به يرفرف بنسمات الهواء حوله لقد فاز بما خسره أمس مضاعفا
والجمع حوله يأن بألم الخسارة متعرقا، متحفزا للنيل منه ولكنه يشعر بأنه الملك
فأكمل الرهان بتهور واضعا كل مكسبه رهن هوى النرد وفاز
فاز بالرهن ولعبة النرد بل وأيضا بأنظار تلك الفاتنة التي تراقبه بهدوء مثالي طيلة أمسيته المثيرة
والتقت عيناه بعيناها الفيروزية ولم تشيح بأبصارها بعبث المراهقات بادلته النظرة بالنظرة
بل وبهمس خافت لم يفقه معناه حصد جائزته وصافح منافسيه وحمل شرابه ومضى نحو الفاتنة
بخطوات بطيئة غير متعجلة.

ففي قاموسه أصبح للمطاردة مفهوم جديد
عندما تقترب من إمراة اقترب ببطء واختفي قبل أن تلحظ
جلس إلى جوارها وطلب مشروبا كالذى تحتسيه من النادل الهائم بجمالها
فقال مبتسما:
-كنت بتقولي أيه وأنا بلعب؟
ابتسمت له وقالت بغموض:
- دى تعويذه عشان تكسب
اتسعت إبتسامته وهو يقول:
- يهمك أوي أني أكسب ؟

حركت رأسها بخيلاء وتمايلت خصلات الليل الدامس حول جيدها وهي تهمس له بثقة بالغة:
- ما أنا ليا النص
ضحك بصخب وهو يهم بإقتراب عابث:
- النص مرة واحدة
شرابه المسكر بدأ ينال من عقله إذ لم ينتبه للتهديد المبطن بحديثها وهي تتابع بتصميم:
- ويمكن كله
وضع كفه على راحتها الممدوة أمامه وهمس لها:
- وأنا كلي تحت أمرك، زياد سليم ..ياترى هتشرف بإسمك ؟

أسدلت أهدابها وهي تسحب كفها برقة بعيدا عن نطاق يده
قائلة:
- داليا الزهري
وكأنما صبت فوق رأسه دلوا باردا فأفاق من خدر شرابه وهو يقول عابسا:
- بنت أمين الزهري ؟
ابتسمت له بثقة وقالت:
- أخيرا افتكرت، متقولش أن قلبك أسود زي أخوك

أهداها إبتسامة مكسورة شاردة،فلقد كانت عائلته على وشك الإفلاس بسبب من يكون أبيها لولا زيجة أخيه الأكبر التي أنقذت وضع العائلة المادي من الإنهيار
فكيف لا يحمل لها سودا بقلبه؟!
مدت له بيدها تعرض عليه صفحا وهي تقول:
- اللي فات مات، ولا أيه يازياد؟!
هل تعلم كم هي شهية ؟
بشرتها ناعمة مخملية وردية كالجوري
لامعة كشلال إستوائي
وخصلات الليل تنسدل بدلال بعشوائية لذيذة مفرطة، تحيط
بعينان دافثة فيروزية ترقبان قوله
فهي تعرض عليه صلحا وصفحا،ولكن مم؟
وهل آذته يوما ؟!
قبض على كفها وهو يبتسم لها:
- ده عشان خاطر عيونك كله يهون

بمنامة حريرية بلون قاتم وخطوات خافتة تصاعدت رويدا رويدا تجاه حجرتهما
دفعت الباب المغلق واستطاعت رغم ظلامها الدامس رؤيته يحتل الفراش فقط عند المنتصف بجسده الذي لم يشوبه شائبه تخطيه الأربعين منذ عامين
فقط بضعة شعيرات بيضاء غزت مؤخرة رأسه الكث على إستحياء وعيناه الرمادية تلمعان ويبدو أنه غارقا فى بحر من الأفكار المتلاطمة حتى أنه لم يشعر بها
أو هكذا ظنت !

التفت لها فجأة وعيناه تحمل عتابا من مذاق خاص إذ مد يده ليقبض على ذراعها ويجتذبها نحوه دون أن ينبت بشفه
صمت دافىء
قاس مؤلم
كذلك كان عناقه
ومضي يعاقب تمردها بإقتراب مدروس خطواته، مهلك
يلقنها أبجدية الإشتياق وعقاب المخطىء
وتلعثمت بهمس
وكأنما دمغت حروف اسمه شفاها
وكأنها لا تدرك من الأبجدية سواها
فأنت بهمس معذب
"جاسر
وكأنما يستمع لها أو يهتم فهو بالكاد ينصت!

ومضي نحو درسه التالي
خطيئة الهجر والتمرد ونهاية العصيان فلا مهرب
وصباح اليوم التالي كان الفراش إلى جوارها خاويا
وعيناها تبحثان عن أثره وداخلها أملا يتصاعد أن مايمران به من مشاكل دائمة وسوء تفاهم لهو فى حقيقة الأمر سحابة صيف إلى زوال
حال الحمقاوات أمثالها !
فالعلاقة الزوجية بالنسبة لهن ترضية مثالية
من زوج مثالي مغدور
بسبب طباع الزوجة السيئة
اغتسلت وارتدت ملابس بلون مزاجها وآمالها
وردية!

بل وأنها ماخطت قدامها أرض النادي الصحي الذي ترتاده من حين لاخر تحت ضغط من آشري التي لم تنقطع عن زيارته يوما واحدا طيلة أعوام ماضية
حتى توجهت لمكتب الإستقبال لتقوم بدفع إشتراكا لثلاثة أشهر متعاقبة
رفعت حاجبيها تعجبا وهى ترقب تقدم تلك المخبولة التي لا تنفك تصطدم بآله أو بشخص ما لدى عبورها صالة الألعاب الرياضية
وهي تتقدم نحوها ملتفتة كل حين
ضائعة لاهدف لها
إن أرادت وصف جاسر وقيمته في حياة زوجته فسيكون ببساطة
المنارة وحجر الزاوية الصلد
رفعت ذراعها تلقي لها بالتحية بإقتضاب وهي تقول لدى إقتراب سالي منها:

-جود مورنينج سالي..أيه اللي فكرك بالجيم؟
ولكأنما أنجزت أمرا عويصا قالت بنشوة:
- دفعت اشتراك تلات شهور، أنا قررت أغير من نفسي وأحاول أرجع جسمي مظبوط زي زمان
كانت تلك المرة الأولى التي تعترف فيها بوجود خطب ما في شكل جسدها وعليها إصلاحه ولذلك قطبت آشرى جبهتها قائلة
- ماتقوليش أن جاسر اللي طلب منك كده وعشان..
فقاطعتها في التو:
-لا لا لا.أنا قررت أني عاوزه بداية جديدة

هزت رأسها وهي تعيد تقييم تلك الصغيرة التي تصغرها فقط بعامان
يبدو أنها رغم تحكمات جاسر إلا أن بوادر إراده تنبعث على
إستحياء منها لتغيير واقع صاحبتها والبداية جسدها
وقررت أن تقف إلى جوارها دافعة بها للمزيد
دفع الناس للأفضل هذا ما تجيده
لا ترضى إلا بالكمال
إن كانت فشلت مع زياد ففرصتها مع سالي
جذبت ذراعها وهي تقودها ملقية عليها ببضعة تعليمات:
- أولا مافيش أكل نهائى بعد التمرين شرب مايه وبس
ثانيا التمرين الواحد تقعدي عليه نص ساعة وتبدلي ..يالا جو أون
وسخني على المشاية

وقف يتطلع للمشهد الذي لم يختلف كثيرا لسنوات فقط بضعة
أبنية حديثة من طابقين مترامية هنا وهناك
لم تكن بفخامة وحداثة مبنى شركته
أو بالأحرى شركته هو وأسامه فبعد إنفصال زياد عنهما منذ ثلاث سنوات إثر مشاجرة عنيفة أصر فيها الأخير على حصوله على نصيبه من إرث أبيه والإنفصال عن أخويه،رضخ له جاسر ليس مرغما ولكنه كان واثقا أنه سيحين يوم ويعود أخيه الصغير
وهو فقط متحين لتلك اللحظة وعندها لن يكون الإنفصال أمرا إختيارا أبدا.

بل فقط لن يكون
طرقات صغيرة تعالت فوق سطح مكتبه
هكذا كانت تفعل سكرتيرته درية لدى إقتحامها لغرفة مكتبه على عجاله والعثور عليه غارقا بأفكاره
"درية
أم لثلاثة من الصبية،أرملة في منتصف الثلاثينيات
اقتحمت مكتبه ذات يوم عارضة عليه سيرتها الذاتية
لم تكن بالثرية ولكنه لمح الإصرار جليا في عيناها للحصول على أي وظيفة أيا كانت بشركته
رغم عدم نشره لوظيفة شاغرة فى الصحف فقرر عقابها بأن تكون
الوظيفة التي تحلم بها سكرتيرته الخاصة.

ومن جهة أخرى هو يحترم كثيرا الأرامل من النساء ممن يسعين خلف رزقهن ورزق أطفالهن
عبس وهو يلتفت قائلا:
-خير ..في إيه تانى يادرية ؟!
وضعت أمامه عدة مقالات وتقارير جمعتها وهي تندفع بكلمات
كسيل العرم:
- وأنا بدور على النت عن أخبار تخصنا يعني من بعيد أو من قريب لقيت المقالات دى ..فعملت إتصالاتي ولقيت اللي كنت شاكة منه صحيح وأن سبب إرتفاع أسهم شركة "السي أم أي".

دي مش صدفة لا سمح الله ولا...
أشار لها بيده ليوقفها قليلا حتى على الأقل لتستجمع أنفاسها
التي أوشكت على الإختناق بسبب إسترسالها السريع بما جمعته من معلومات خطيرة كما دائما تصنف معانيها
ل "درية" مساوىء عدة!
فهي تظهر دوما متأخرة .

تجعله أحيانا يتلقى مكالماته بنفسه تحت إدعاء بأنها مشغولة بأمر هام وتلك الإتصالات تقطع تركيزها،
كما أنها أجبرته عن الإقلاع عن التدخين أثناء ساعات عملها التي قد تصل لثماني ساعات
فهي لا تطيق رائحة السجائر وقد تدفعها للقيء
وهذا كان تحذيرا ضمنيا وتهديدا مبطنا لما لا يحمد عقباه
ولكنها تمتلك ميزة إستثنائية
لم يجدها بأحدهم من قبل
"نظرية المؤامرة"

هذا ما يقتات عليه ذهنها ويتقد
المؤامرة تحيط بها وبصغارها وأيضا بأعمال "آل سليم"
فولائها أصبح لهم،ففي النهاية راتبها من يضع الطعام على طاولة تمتد أمام عائلتها الصغيرة، ولذلك هي دوما تنبش وتبحث عن أية أخطار متخفيه تحيط بهم
وتهب للدفاع عن الشركة كقطة شرسة تحمي أولادها الضعاف
وحتى اليوم أنقذت الشركة من عدة خسائر فادحة أثناء تواجد زياد وبعد إنفصاله عنهم
فالكل يترقب إنفراط عقد آل سليم.

والكل يطمع بما يحققه هذا الإنفصال من مكاسب
والكل يسعى لأن يكون الإنفصال داميا وقريبا
راقبها وهي تعدل وضع عواينتها الأنيقة وتشير له بالقلم لتلك الأرقام التي بات عليه من السهل جدا ملاحظة أهميتها
وهنالك أيضا خبر دخول شركات الزهري مرة أخرى لسوق المال والأعمال عن طريق شراء كمية لا بأس بها من أسهم شركة "سي أم أي" التي يطمح هو للإستيلاء عليها
ولكن من يكون وراء تلك الصفقة ؟!

أمين الزهري توفى منذ عامان والذي يقوم بأعمال الشركة الآن رئيس مجلس الإدارة المنتدب،شاب غر في أواخر الثلاثينيات
لا يهتم كثيرا بأمر الشركة قدر إهتمامه بملاحقة الحسناوات
فأمين الزهري لم يكن له ولد،فقط إبنته داليا التي تركته ورحلت
عن البلاد منذ زمن بعيد بعد أن هجرها هو طوعا وبإرادته
لايعقل أن تكون عادت اليوم لتنتقم
كان الإنتقام ليكون ذا معنى إن كان منذ سنوات
ولكن اليوم، هنالك خطب ما!

ونظرية المؤامرة التي تسطرها درية من حين لاخر، بسبب أو بدون،قد تكون صحيحة جدا تلك المرة
عقد حاجبيه وهو يشمر عن ساعديه قائلا:
- اطلبي من وكيل ينزل البورصة دلوقت بنفسه ويشوف الأخبار أيه
وهاتيلي ملف أعمال الزهري خلال السنة اللي فاتت
وأكملت بدورها وكأنها تقرأ أفكاره:
- بالأرقام وكمان معلومات عن شركة "سي أم اي" وأي صفقات داخلين فيها قريب
رفع لها أبصاره وهو يومىء برأسه قائلا بسخرية:
- الحمد لله أنك مالكيش نصيب فى الشركة كنت زمانك بتقولي أخد نصيبي وأمشي وساعتها كنت هكون واثق إنك هتنجحي وإستحاله ترجعي تاني
نظرت إليه وهي تدرك ألمه وانصرفت بهدوء ولم تعقب.

لقد اعتادت جاسر وسخريته وكبريائه وعناده وأصبحت تفرق جيدا بين حالاته المزاجية المتعددة ولم تكن كثيرة في الواقع
إذ أنه إما يكون مشتعلا بغضب أو غارق بأفكار وعمل لا ينقطع
ومع ذلك فهو ساخر طيلة الوقت وقلما يكون مزاجه رائقا لمزاح أو ماشابه، ولذلك هي تشفق كثيرا على تلك المسكينة التي
تعلقت بحبال عقد زواجه
اتجهت مرة أخرى لمكتبها وهي لازالت تفكر في مغزى كلماته،
زياد شاب أخرق، أحمق .
ولد بملعقة ذهبية هو حتى لا يدرك قيمتها
ولم تكن أموال أبيه ولا إرثه
فملعقته الذهبية، أخيه جاسر الذي يهتم كثيرا لأمره ويفسرها تحكما خانقا هذا "الغبي"
الذي كانت لطالما تدعوه سرا بتلك الكنية.

فجاسر "المقدام"
وأسامة "الحنون"
وزياد "الغبي"
وتلك قصة "الشجعان الثلاثة" التي كانت تسردها لصغيرها "أيهم
"ذو الخمسة أعوام والذي يتعلق بفراشها كل ليلة وهؤلاء هم
أبطالها
تود أن يصبح الكبير مقدما والأوسط حنونا والصغير ألا يكون
أبدا مثل ذاك "الغبي"،
وأن يدرك جيدا قيمة أخويه في حياته
ألقت نظرة سريعة على إنعكاس هيئتها على الرخام الزيتوني اللامع، خصلات شعرها مشعثة قليلا والأفضل أن ترتبها،
كما أن سترتها الرمادية الأنيقة والتي تعلو تنورة تماثلها وصلت.

بحافتها لمنتصف ساقها يبدو أنها تعاني لطخة من حلوى "أيهم"
الصغير عند أعلى كتفها عندما كانت تحمله صباحا لحضانته
توقفت عند مكتبها الذي يتوسط بهو الطابق وفكت جديلتها الناعمة العسلية الخامل بريقها لتمشطها
ولكن مشهد تلك البقعة اللزجة ضايقها كثيرا فحاولت تنظيفها
بسائل تنظيف شاشات الحاسوب ولكن لافائدة،عليها الإستعانة بالصابون!
التفتت حولها بقلق تعلم جيدا أن جاسر لايغادر حجرة نهائيا قبل الخامسة مساءا والطابق
لايحوي إلا غرفة مكتبه وغرفة
لتخزين الأوراق الهامة التي كانت فيما مضى غرفة سكرتارية
ولكن تغيرات طرأت على الطابق مع تغيير تصميمات الشركة.

الداخلية منذ أن غادرها زياد جعل جاسر يأمر بتجهيز غرفة لأسامة فهو الشريك المتبقي،
ولكن الأخير رفضها مصمما على الإحتفاظ بغرفته في الطابق الثاني وسط بقية الموظفين كما كانت دوما
وبقيت الغرفة شاغرة، ومكتبها الذي يتوسط الطابق ويقع أمام
المصعد تماما وعرضه يزيد عن الثلاثة أمتار هو أقرب ليكون بمنصة إستقبال عما يكون مكتبا في الواقع
خلعت سترتها التي كانت ترتديها فوق بلوزة حريرية زرقاء عارية
الذراعين وتقدمت نحو دورة المياة الرخامية وفتحت صنبور المياة النحاسي
وشرعت في تنظيف تلك البقعة العنيدة.

وتناثرت خصلات شعرها الطويلة حولها وعندما انتهت نظرت للسترة غير راضية بالمرة
فالبقعة قد أزيلت تاركة ورائها بقعة أكبر مبللة بالمياة النظيفة
وإن أرتدتها بتلك الحالة فستصاب بداء الرئة،على أسوء تقدير
عادت مرة أخرى لحيث مكتبها وقررت رفع سترتها أمام تيار
المكيف الساخن الذي يعلو الحائط خلف مكتبها لعلها تجف قليلا
وقفت لدقائق عدة قبل أن تسمع نغمة مميزة لأذنيها للغاية
تلك النغمة التي تصاحب وصول المصعد للطابق وتنبأ عن خروج شخص منه ولابد أنها "مدام هدى
التي أصبحت منذ أشهر قليلة مديرة لقسم الحسابات بالشركة والتي تعمل فيها منذ أكثر من خمسة عشر سنوات قد صعدت لها
كعادتها رافضة الاستعانة بالساعي حاملة لتلك الأرقام التي طلبتها منها آنفا طلبا لصحبة وثرثرة نسائية عابرة

فقالت دون أن تلتفت:
- تسلم إيدك ياهدهود،حوطيهم عندك على المكتب
واتبعت ضاحكة بإستهزاء:
- زى ما أنت شيفاني متنشره بالجاكته
لم يظن أنه من الممكن أن يقف يتطلع لجسد إمرأة بتلك النظرة
من قبل،فهو دائما يغض بصره محترما للنساء من حولة لاكنة تغير
كذلك نظراته
كذلك مدام درية بهيئتها المتزمتة دوما!
سترتها المغلقة والمحكمة أصبحت معلقة للأعلى نحو تيار جهاز المكيف الساخن وذراعها البض عاري والآخر لا يكاد يراه جيدا
وتنورتها التي كانت فيما مضى لايظهر منها سوى إتساع قرب
منتصف ساقيها لايرى منها سوى ألتفاف محكم حول ردفيها المثير جدا للإهتمام

أما خصلات شعرها العسلية المموجة والمربوطة دوما بجديلة أما
أسفل ظهرها أو أعلى رأسها كتسريحة جدته رحمة الله عليها قد انفرط عقدها واسترسلت خلف ظهرها لتصل لمنتصفه
ولولا صوتها المميز ببحته،لظن أن جاسر قد عين في غيابه
موديلا تصلح لمجلات الاثارة التي كان يبتاعها زياد فى صغره!
ارتبكت درية عندما لم تعثر على شاردة صوت من هدى التي ما
أن تراها حتى تندفع بثرثرة،فما بالها بهيئتها المثيرة للتعجب؟!
فالتفتت على استحياء ووجدته واقفا بشحمه ولحمه يتطلع إليها
بنظرة لم تعلو قسمات وجهه قط عندما كان يراها هي أو أي إمرأة على وجه الأرض من قبل
أخفضت ذراعها فورا وهي ترتدي سترتها التي لاتزال مبتله تحت أنظاره وهي تقول بإرتباك بصوت مرتجف:
- حمدالله على السلامة ياباشمهندس
اقترب منها ولازالت نظرة التسلية تعلو ملامحه الجديدة بالنسبة
لها فخصلات شعره قد استطالت وجمعها بعقدة مطاطية خلف
رقبته كما أنه تخلى عن سترته العملية ليرتدى بدلا منها الجينز
الأزرق الباهت وسترة من الجلد الأسود الطبيعي تعلو تيشرت ناسع البياض

بلل طرف شفتيه وهو يقول بإبتسامة ماكرة:
- إزيك يادرية؟!
تلك المرة الأولى التي يتخلى فيها عن الألقاب الرسمية والتي يحرص على استخدامها مع الجميع والسبب واضح،
فهيئتها منذ قليل كانت لتكون في غرفة خاصة وليس بهو طابق رئيس مجلس الشركة !
فاحمرت وعبست وقالت باستياء موجهة له نظرة مؤنبة، إذ كان يتحتم عليه أن يعلن عن وجوده أو الأقرب يغض بصره كما كان دوما يفعل:
- الحمد لله..أبلغ جاسر أنك موجود ولا هتدخل على طول ؟!
هي تصرفه بأدب وبرود،كان ليشعر بالضيق والخجل فى السابق
ولكنه اليوم وفي تلك اللحظة الاستثنائية
اسند ذراعه على سطح مكتبها وهو يقترب منها وعطره المثير يلفح أنفاسها:
- طب مش هتطلبيلي حاجه اشربها واتطمن منك على الشغل وأخباره ؟!
فرفعت سماعة الهاتف بحزم وهي تملي المتلقي بكلمات معدودة:
- قهوة سكر زيادة فوق يامحفوظ

وضعت سماعة الهاتف وناولته نسخة من الملفات المتأخرة التي
لم يطالعها منذ ثلاثة أشهر كاملة كانت احتفظت بها له صامتة
أخذها منها وهو يغمز لها بعينه:
- على فكرة بشربها سادة دلوقت
وانصرف لغرفة أخيه
ولم تكن هي لتعيد على مسامع "محفوظ" تغير ذوقه
على أية حال،فهي أم لثلاث وأمر تغيير طلبات المأكل والمشرب
غير وارد لصغارها فكيف برجل ناضج يبلغ أربعين عاما!

 

تاااابع ◄