-->

حقيقة قصة فيلم ” القداس الأسود ” ” Black Mass “


 

هل يجسد الفيلم المثير “القداس الأسود”، الذي يتحدث عالم العصابات الإجرامية و يقوم ببطولته جوني ديب، هذا العالم النحو الصحيح بحق؟

يوضح لنا جورج أناستازيا، وهو صحفي ذو سمعة أسطورية في مجال تغطية حوادث الجريمة، واستُهدِفَ شخصيا ذات مرة من طرف إحدى العصابات، حقيقة هذا الفيلم. بالرغم من أنه من الأكيد أنه سيقوم بإجراء مقارنة فيلم “بلاك ماس” (القداس الأسود) بأفلام مثل “غَدْ فاذر” (الأب الروحي) أو “غود فيلُز” (الأصدقاء الطيبون)، فإن فيلم جوني ديب الجديد يمكن أن يمثل فئة قائمة بذاتها فيما يختص بالأفلام التي تناقش عالم الجريمة.

فهو عمل درامي يتميز بالتركيز على شخصية مركزية شريرة، و تسيطر عليه أجواء الكآبة و الشر. و بالرغم من الحديث الكثير في ثنايا العمل عن الولاء و الشرف ، كما حصل من قبل في فيلميّ “الأب الروحي” و “الأصدقاء الطيبون”؛ فإن “القداس الأسود” لا يضم هذه الأمور على الإطلاق، إذ أنه في الحقيقة يمثل قصة حافلة بوقائع الإستدراج و الخيانة.

و رغم أن ذلك لا يجعله أفضل من هذين الفيلمين اللذين ستتم المقارنة بهما، و اللذين يعدان من الأعمال الكلاسيكية التي ناقضت عالم الجريمة، فإنه يغطى بطابع أكثر واقعية منهما، حيث قد حرص المخرج “سكوت كوبر” على أن تكون وقائع الفيلم أقرب ما تكون إلى ما ذكر في الكتاب الذي استُوحي العمل منه.

و يتميز الكتاب بثلاث عناوين “القداس الأسود: ويتي بولغر، إف بي آي و صفقة الشيطان”، و دونه الصحفيان العاملان في صحيفة “بوسطن غلوب” “ديك لِر” و “غيرارد أونيل”، و يُعتبر على أنه العمل الأفضل بعدة مستويات بين كل ما كتب عن حياة “جيمس ويتي بولغر”، و هي أعمال تجاوز عددها العشرة.

 

 

حياة بولغر
و تحدثت هذه المؤلفات عن حياة بولجر، كعضو في عصابة بمدينة بوسطن الأمريكية، استغل عمله كمخبر لصالح مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) للإفلات من جريمة قتل قام بها، و داوم على تجارة المخدرات و تهريب السلاح و الابتزاز و إعطاء قروض بفوائد مرتفعة للغاية.

و باعتباري صحفيا عمل على تغطية أنشطة عصابات الجريمة المنظمة في فيلادلفيا و نيويورك و نيوجيرسي لمدة أكثر من ثلاثين عاما، فقد تابعت من بعيد وقائع قصة بولغر و هي تستمر على مسرح الحياة.

و الذي تعلمته على مدى السنين، و ما يقدمه الفيلم لمشاهديه على أكمل وجه، هو أنه لا وجود لمبادئ مثل الشرف أو الولاء في عالم العصابات و الجريمة. عوضا عن ذلك، يطغى الجشع و الغدر. فقد كان بولغر محترفا في التلاعب و المناورات، و مريضا نفسيا يملك جاذبية شخصية، جسد جوني ديب دوره بشكل بارع في الفيلم، حيث استطاع ديب تجسيد الصورة التي كان عليها عناصر المنظمات الإجرامية في أواخر القرن العشرين.

الأكثر من ذلك، أن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي كان حليفا لـ”بولغر” في جرائمه بكل رغبة و قبول. فقد أعطى مكتب التحقيقات الفيدرالي الحماية لـ”بولغر” من الأجهزة الأمنية الأخرى التي كانت تقوم بتحريات و تحقيقات بخصوصه، و ذلك لأن المكتب كان يعتمد على المعلومات التي يحصل عليها من هذا الرجل و من أهم مساعديه “ستيفن فلَمي” المُدعو بـ”ريفل مان” أي رجل البندقية، لاستعمالها في الملاحقة القضائية لأفراد عصابة مافيا كانت تسمى “نيو إنغلاند”، و كذلك القدرة على الحصول على أحكام قضائية ضد عناصرها مما أدى إلى القضاء عليها في الاخير.

التناقض في الأمر أن العصابة التي كان يرأسها بولغر، و التي كانت تسمى “عصابة وينتر هيل” و التي تنسب لحي في بوسطن، كانت مستعدة بل و تواقة لملء الفراغ الناجم عما نتجت عنه الملاحقات و المحاكمات التي حصلت لأفراد العصابة الأخرى.

 

 

الجانب المظلم
و قد تميز الفيلم بدقة شديدة في توضيح العلاقة التي جمعت بين بولغر و عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي الطموح “جون كونولي”. فـ”كونولي” المترعرع في حي “ساوث بوسطن”، الذي عاش فيه بولغر أيضا و الذي يتكون أغلب سكانه من أمريكيين من أصل آيرلندي يمثلون الطبقة العاملة، يحس بالخوف من الرجل الذي يتوقع أن يتولى مهمة التحكم فيه و توظيفه.

بل إنه بسرعة أصبح صريع فتنة و سحر شخصية بولغر، ليعاقر الخمر معه، و يتشاركان في مائدة العشاء لأكثر من مرة، و يتبادلان الهدايا، و هي كلها تفاصيل متأنقة مثلت دائما أحد أجزاء الإغواء الذي يبرع فيه بولغر.

ومع أن “القداس الأسود” لم يشير الى براءة الـ (إف بي آي) تماما ؛ فإنه اكتفى بالإشارة إلى الكارثة المركزية التي سعى لِر و أونيل لشرحها و إثباتها لقراء كتابهما، و هي أن “نكبة بولغر” ليست سوى جزء من عقبة منهجية يعاني منها مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي.

وبالرغم من ذلك، فما نجح فيه الفيلم في النهاية هو ارسال حقيقة بسيطة ظهرت أمامي عدة مرات خلال تغطيتي أخبار عالم الجريمة المنظمة، ألا و هي أنه لا وجود للخير على الأغلب. و أن الموضوع بالنسبة لعملاء (إف بي آي) و مجسدي الادعاء الفيدرالي في الولايات المتحدة، ليس إلا لعبة يهمها إحراز النصر في بعض الأحيان أكثر من الاهمية التي تُولي لإحقاق الحق و إقامة العدل.