-->

مخ في وعاء قصة قصيرة من الخيال علمي


 بدأ كل شيء في ليلية الأربعاء الباردة تلك، كنت أجلس بمفردي في مكتبي أراقب المطر وهو يتساقط فوق الشوارع البعيدة في الخارج، عندما دق صوت الهاتف.. ترن ترن ... ... ... ... ترن ترن.

كانت زوجة أكرم صديقي الوحيد، وبدا أنها في حالة فزع، كانا هي وأكرم قد تناولا عشاءً متأخرا بمفردهما في شقتهما عندما تحطم الباب الأمامي فجأة واندفع ستة رجال بخوذات رأس إلى الغرفة. كان الرجال مسلحين وجعلوا أكرم و جيهان يستلقيان و وجهيهما إلى أسفل على الأرضية بينما فتشوا في جيوب أكرم على رخصة القيادة الخاصة به وتفحص أحدهم وجه أكرم بتأن وهو يقارنه بالصورة الفوتوغرافية الرسمية ثم غمغم: - إنه هو بالضبط.

أبرز قائد المقتحمين حقنة وحقن بها أكرم بشيء جعله يفقد الوعى على الفور تقريبا. ولسبب ما اكتفوا بربط جيهان وكمموها. غادر رجلان الغرفة وعادا بحمالة وسترات بيضاء. وضعوا أكرم على الحمالة، وارتدوا السترات البيضاء، وحملوه خارجين من الشقة، تاركين جيهان مستلقية على الأرضية. حاولت التقلب في اتجاه النافذة لتراهم في الوقت المناسب وهم يضعون أكرم في سيارة إسعاف ويقودونها مبتعدين.

في الوقت الذى اتصلت بي، كانت جيهان تتمزق من الغضب والإرهاق. لقد استغرقت عدة ساعات للتخلص من قيودها، ثم اتصلت بالشرطة. ولهلعها، بدلا من الضباط بالزي الرسمي، وصل ضابطان بملابس عادية وبدون حتى فحص مسرح الجريمة استمرا في إبلاغها بأنه ليس لديهم ما يفعلونه وأنها إذا كانت تدرك ما هو في صالحها فإن عليها أن تحافظ على غلق فمها وإذا قدمت احتجاجا سوف ينشرون أنها مجنونة وأنها لن ترى زوجها من جديد أبدا.

دون أن تعرف ما عليها أن تفعله أيضا، اتصلت جيهان بي. كان تفكيرها متيقظا حتى أنها لاحظت رقم سيارة الإسعاف، ولم أجد صعوبة كبيرة في تتبعها حتى عيادة خاصة في ضواحي المدينة عندما وصلت إلى العيادة فوجئت بأنها منيعة مثل حصن.

 

كان هناك حراس عند البوابة وكانت محاطة بجدار ضخم. تغلبت بصعوية على الحائط الذى كان يرتفع نحو المترين متجنبا السلك الشائك، كانت نوافذ الطابق الأرضي ذات قضبان لكننى نجحت في شق طريق متعرج على أنبوب تصريف حتى وصلت إلى نافذة في الطابق الثاني كان قد تم تركها مفتوحة جزئيا لسبب ما.

وجدت نفسى في مختبر عندما سمعت أصواتا مكتومة خلف الباب الثاني اختلست النظر من خلال ثقب المفتاح ورأيت ما بدا غرفة عمليات كاملة وفريق جراحة يقوم بعمله على أكرم. كان هذا الأخير مغطى بملاءة من العنق حتى أسفل جسمه ويبدو أنهم كانوا يوصلون أنابيبا وأسلاكا به. انحبست أنفاسي عندما أدركت أنهم أزالوا قمة جمجمة أكرم و لرعبى الشديد، وصل أحد الجراحين إلى القمة المفتوحة في رأس أكرم وأخرج مخه بسهولة، واضعا إياه في وعاء نصف كروي من الفولاذ الذي لا يصدأ.

[جمجمة نصف مفتوحة والمخ ظاهر]

كانت الأنابيب والأسلاك التي لاحظتها سابقا متصلة في ذلك الحين بالمخ المنفصل عن الجسم. حمل الجراحون الكتلة الدموية (المخ) بعناية إلى نوع من الصهاريج الزجاجية (وعاء اسطواني) وأنزلوه فيه. أول فكرة واتتنى أننى تعثرت فى عصبة شيطانيين مستقبليين يحصلون على قوتهم من تشريح الأحياء. و فكرتي الثانية كانت أن أكرم كان وكيل تأمين وربما كانت هذه هي طريقتهم في الكسب حتى من أجل زيادات في معدلات التأمين لديهم سيئة الأداء. ولو أنهم فعلوا ذلك كل ليلة أربعاء، لن ترتفع معدالتهم أكثر مما هى عليه !

 

توقفت تأملاتى عندما ظهر الضوء فجأة في ظلمة مخبأي ووجدت نفسى أنظر إلى أعلى إلى جماعة رجال الطب المروعين الذين لم أر مثلهم من قبل. تعاملوا معي في الغرفة التالية وثبتوني على منضدة عمليات.

فكرت، ماذا يحدث؟ ماذا يحدث؟ هل جاء الدور على الآن !

احتشد الأطباء في الطرف الآخر من الغرفة لكنني لم أستطع إدارة رأسي بما يكفي لأرى ما كانوا يفعلون. كانوا يتمتمون بين بعضهم البعض ربما كانوا يقررون مصيري. فجأة فُتح باب وسمعت صوت امرأة.

السلوك الموقر الذي هيمن على الممارسين الطبيين أوضح أن الرأيس هو تلك المرأة، جاهدت لكي أرى تلك المرأة الغامضة لكنها حامت بعيدا عن مجال نظر. ولذهولي عندئذ سارت وتوقفت أمامي وأدركت أنها سكرتيرتي ( وفاء ). تمنيت حينها لو أننى كنت قد أعطيت لها إكرامية عيد الميلاد.

كانت بالفعل وفاء لكنها كانت وفاء مختلفة عما سبق أن رأيتها في أي وقت، كانت تستمتع بجموح السلطة وهي تنحني فوقي قائلة:
- صلاح الدين، كنتَ تظن أنك بالغ الذكاء، وأنت تتبع أكرم حتى هنا في العيادة.

وتابعت:
- كانت مجرد خدعة لإحضارك هنا، ولقد رأيت ما حدث لأكرم، وهو ليس ميت حقا. كما لعلك تدرك أن هؤلاء السادة هم علماء الأعصاب الأوائل في العالم الآن. ولقد طوروا عملية جراحية يزيلون من خلالها المخ من الجسم لكنهم يحافظون عليه حيا في وعاء من المواد المغذية. وكما تعلم لن تجيز أي إدارة أو جمعية هذه العملية، ولكننا سنعرضها عليهم. هل ترى كل هذه الأسلاك التى تصل إلى مخ أكرم ؟ إنها تربطه بحاسب قوي ويعرض الحاسب مخرجات لحاء دماغه الخاص بالحركة ويعطى مدخلات إلى لحاء الدماغ الخاص بالأحاسيس حتى يظهر كل شىء طبيعي جدا بالنسبة لصديقك أكرم. الحاسب ينتج حياة عقلية خيالية تندمج تماما في حياته الماضية لذلك لا يكون واعيا بما حدث له، فهو يظن أنه يحلق لحيته الآن ويستعد للذهاب إلى المكتب.

ابتعدت عن الطاولى التي وضعني عليها وأضافت: - بمجرد الانتهاء من عمليتنا سوف ننشرها، ولكننا نحتاج إلى بعض من يخضعون لتجارب أولا. وقد كان من السهل الوصول إلى أكرم لكن لكي نختبر بالفعل برنامج حاسبنا نحتاج إلى شخص يكون قد عاش حياة أكثر إثارة وأكثر تميزا. شخص مثلك أنت يا صلاح الدين.

[جراحون ملتفون حول طاولة العمليات]

بدأت أرتبك وشعرت برعب شديد... التف الجراحون حولي وكانوا ينظرون إلي بومضات خبيثة في أعينهم. إنهم همجيون وهذا أكبرهم همجية وهو رجل بوجه ذي بثرات وعين خرزية واحدة تحدق من تحت شعر أسود لزج، كان يداعب مبضع بموسى حاد في يديه اللتين لاتزالان ملطختين بالدم كما لو كان في استطاعته ضبط ابتهاجه واستمتاعه بما يفعل بصعوبة بالغة.

لكن وفاء حدقت في اتجاهى وغمغمت بذلك الصوت المدهش: - أراهن بأنك تظن أننا سوف نجري لك عملية لنقل مخك كما فعلنا مع أكرم، أليس كذلك؟ لكن ليس هناك ما تخشاه، لن ننقل مخك.

وأردفت بصوت مليء بالاستمتاع:- لقد فعلنا ذلك بالفعل منذ ثلاثة أشهر.


عندئذ تركوني عثرت على طريقى عائدا إلى مكتبي ولبعض الأسباب لم أقل أي شيء عن ذلك لأي شخص، لم أتخذ قرارا...
كنت ممتلأ من الشك من أنني حقا مخ في وعاء أسطواني من الزجاج وأن كل ما أراه حولي هو مجرد اختلاق من الحاسوب.

ومع ذلك: كيف يمكنني أن أجزم بذلك؟

لو أن برنامج الحاسوب يعمل بالفعل، بغض النظر عن ماهيتي، سوف يبدو كل شيء عادي و طبيعيا. قد لا يكون أي شيء مما أرى حقيقيا الأمر يدفعني إلى الجنون بل إني فكرت مليا في الذهاب لأفحص في تلك العيادة طوعيا طالبا منهم نقل مخي فقط لأستطيع التأكد.