رواية أحفاد أشرار الجزء الخامس عشر

 

 

 حينما تمر المصاعب بسلام تترك بداخل القلب آثراً فتجعله متراقب لما سيحدث بعد ذلك !
باغته التفكير كثيراً ليحجره بين تذكرها وبين القادم فأن كان لم يحتمل صراخ شقيقته كيف سيحتمل سماعها هي ! ...
تعلقت عيناه بباب الغرفة بأنتظار خروج الطبيب متلهفاً للأطمئنان عليها ؛ فخرج الطبيب بعد أن أنتهى من فحصها،أقترب عدي منه سريعاً فتطلع له الطبيب ببسمة عملية هادئة:_متقلقيش أنا كتبتلها على أدوية وطلبت منها ترتاح الفترة دي لحد ما ربنا يكرمها ...
شعر بالراحة تجتازه فباغته بسؤال:_يعني هي مش بتولد ؟ ..



أجابه بنفي:_بعض الحالات اللي بيجلها وجع بالشهر السابع بتظن أنه ولادة لكن الأمور كويسة بنطلب فترة راحه أفضل من الولادة المبكرة ..
أشار له عدي بتفهم فأسترسل الطبيب حديثه بأبتسامة عذباء:_وأهي كانت فرصة أننا شوفنا حضرتك أنا توقعت أنك تكون موجود مع مدام رحمة النهاردة وخصوصاً أنها هتحدد الولادة أن شاء الله ..
تخشب محله ؛ فشعر بتثاقل قدماها فكأن تلك الممرضة قدمت له معروفاً حينما أستدعت الطبيب فى أمراً ما ليسمح لذاته بالمداهمة بعيداً عن تلك الأرض ...بعالم حفز بعشقها ليرى بعيناه تلك الصخرة الموقدة التى هوت لتحطمه ! ...

مرر يديه على خصلات شعره بجنون فتذكر حديثها ...نعم كانت تود أخباره بأنها تريده للذهاب معها للطبيب الذي أخبرها بتعجيل الجراحه حتى لا يكون هناك خطراً ملموساً،تذكر عيناها الممتلأة بالدموع حينما حمل شقيقته وأسرع بها فكأن القدر يقف عكس طائفة القلوب ليجعله معارضها على الدوام ! ...
أنهي تفكيره سريعاً وولج ليطمئن علي مليكه رأها تتمدد على الفراش والدموع تسرى من عيناها، أقترب منها بقلق:_لسه بتتألمي ؟ ..
أشارت برأسها بنفي فضيق عيناه بأستغراب:_طيب بتبكي ليه ؟ ..
أجابته بدموع:_عايزة ياسين هو أتاخر ليه ؟ .

تطلع لها بذهول فما حدث لم تمر عليه سوى دقائق وتعده متأخراً ! ..لا يعلم أن النساء بذاك الوقت بأشد الأحتياج لمكنونها، تحتاج إلي معشوقها، بكل جوارحها، تحتاج لأن يضمها لصدره ويخفف عنها آلآمها بأن يخبرها أنها ستكون على ما يرام، بحاجة لرؤية التقدير بعيناه لما تحتمل من آنين لأجعل رؤية قطعة منه ! ...
ذُهل عدي فحسم أمره حينما أخرج هاتفه ليطلب ياسين ولكنه تفاجئ بصوته يأتي من خلفه، أسرع إليها فجذب المقعد ليكون أمام عيناها قائلاٍ بعشقاً مخبئ بين لهجته المرحة:_أيه الجمال دا أنا أفتكرت هدخل أشوف تقلبات ..
رمقته بنظرة ضيق:_كدا تتأخر عليا كل دا ! ..

إبتسم بخفة وهو يعلم بأنه لم يتأخر أبداً فما أن أخبرته داليا حتى هرول مسرعاً إليها:_معلشي يا روحي وبعدين أنا كنت عند الدكتور بطمن علي حالتك وطمني الحمد لله
هوت دمعة على وجنتها تحمل خوفاً طبيعي بتلك الحالة:_يعني هرجع القصر ؟ ..
رفع يديه بحنان يبتر تلك الدمعة الغالية:_أول ما نخلص المحلول دا هنرجع مع بعض بس ترتاحي الأول فاهمه ..
أبتسمت له بوجهاً أزداد توجهاً لوجوده فأقترب منها ليقبل جبينها بعشق هامساً بحنان:_شوية وهرجعلك ..
أبتسمت له بأطمئنان فأشار لعدي الذي يتأملهم بنظراتٍ غامضة:_تعال عايزك ...
وبالفعل لحق به للخارج ...

جلس ياسين على المقاعد المتواجده أمام غرفة مليكه فجلس لجواره عدي بهدوء يتناسب معه،قطع الصمت قائلا بتردد:_رحمة هنا ...
أنتبه له عدي بهدوء:_عارف أكيد جاية تحدد المعاد زي ما الدكتور قالي من شوية ..
أجابه ياسين بحزن:_لا يا عدي رحمة تعبت بعد ما أنت نقلت مليكة المستشفي وعمي ياسين وعمر  نقلوها هنا ...
وأنتظر قليلاٍ يتراقب ملامحه فأكمل حينما شعر بأنقباض أنفاسه:_لسه قافل مع عمر من شوية الدكتور قال أحتمال يولدها النهاردة ..
تجمدت الكلمات على لسانه وغمرت عيناه سحابة غامضة فشل ياسين بمعرفة ما يجول بخاطره فأسترسل حديثه بهدوء محفز بالغضب:_لحد أمته هتفضل كدا يا عدي على الأقل أقف جانبها النهاردة هى محتاجه ليك جداً ..

صاح بغضب:_هي اللي أختارت تحطني وتحط نفسها فى الاختيار دا
وقف ياسين يتأمله بسخط:_عارف أني بضيع وقتي بالكلام معاك ..عموماً هي في الطابق اللي فوق ووجودك معاها مش هيفرق بشيء لأننا كلنا جانبها .وتركه وصعد للأعلى لينضم للعائلة ...
أما عدي فأستند برأسه على حافة المقعد بدمع يتلألأ بعيناه وخوف ينهش قلبه،وجد أن بقائه بالمشفي سيزيد من آلآمه فأسرع بخطاه ليخطو بالدرج للأسفل ..
...عدي ...عدي ...

تجمدت قدماه فرفع يديه يحجر صدره بقوة وألم ليكف عن الخفق فلم يعد يحتمل الآلآم ...لا لم يحتمل قسوته اللعينة حتى أخر لحظاتها كانت بحاجه لمساعدته ولكنه رفض ذلك، حطمته فكرة مساندة شقيقته وترك معشوقته تعاني حتى الآن !، أستند على ترابزين الدرج لعله يعينه على الصمود ولكنه يستمع لها ...صوتها ...ندائها ...رفع رأسه بأنكسار:_يارب ...متكسرنيش بالطريقة دي أرجوك ..
وأغلق عيناه بقوة لعل الفكر يراوده فأذا به يلحق نداء قلبه للأعلي ! ...

بالأعلي ...
وقف الجميع بخارج غرفة الكشف بأنتظار خروج الطبيب الذي ولج منذ قليل لسماع ما قرر بفعله، أرتمت آية بأحضان ملك تبكي وتتراقب بخوف ما سيحدث لأبنتها ...نعم فرحمة أحدى بناتها، حاولت شذا ودينا والفتيات بأكملهم تخفيف ما تشعر به ولكن فشل الأمر ...
لجوارهم كان يجلس الشباب جميعاً بتراقب وخوف فأنضم لهم ياسين قائلاٍ بلهفة:_فى جديد ؟ ..
تطلع له عمر بضيق:_أنت طلعت وسبت مليكة ليه ؟ ..
أسرع بالحديث:_متقلقش مليكة كويسة الحمد لله المهم طمنوني...
أجابه معتز بحزن:_الامور كانت كويسة بس فجأة لقينا أسيل خارجة بتبكي وطلبت الدكتور ..دخلها من شوية ورفض حد يدخل معاه من البنات منعرفش بقا هيستقر على أيه ؟ .

ردد بهمس حزين:_لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ..
بالقرب منهم كان يقف رعد لجوار يحيي الذي ترك ياسين وأنسحب حتي لا يفتضح أمره فلحق به رعد قائلا بشك:_مالك يا يحيي ؟ ..
أجابه بأجهاد حاول أخفائه:_مفيش شوية أرهاق بس ..
زفر بغضب:_أنت لسه معملتش الفحص عشان تطمن أكتر ؟ ..
أجابه بخوف:_واطي صوتك يا رعد هو دا وقته النقاش دا
أنصاع له فربما الوقت ليس مناسب للحديث لا يعلم أنه يحاول أخفاء أمراً ما ...
أقترب ياسين الجارحي  منهم قائلاٍ وعيناه مركزة على  ياسين:_رفض يطلع ؟..

رفع عيناه بأرتباك فلم يعلم ماذا يخبره ..
:_عدي ..
همس بها رائد بذهول حينما رأي عدي يخطو أخر درجات الدرج ليصبح أمامهم بالتحديد ..
وقف ياسين الجارحي  أمامه قائلاٍ بسخرية تتماثل مع هدوئه:_فكرت وحسمت أمورك ؟ ..
أسرع اليه يحيي قائلاٍ بحذم:_الولد مش ناقص يا ياسين ..
أجابه ساخراً غير عابئ بحديث يحيي:_كنت خاليك ليه تعبت نفسك ؟ ..
تدخل أدهم بلطف:_دا وقته يا ياسين ...
وأشار بيديه لعدي:_ادخل يا ابني اطمن على مراتك الدكتور لسه دخلها ..

خطي عدي للغرفة التي تتجمع الفتيات حاولها، ولج للداخل بعدما لمح نظراتهم الحاملة للعتاب ...
لم يجرأ أحد على طلب الخروج منه فهو زوجها ويحق له ذلك ..
ذُهلت من وجوده فتطلعت له مطولا حتى تتأكد من عدم رؤيتها لحلم جميل، بينما وقف هو بصمت ...
جاهدت كثيراً لتحتمل الامر ولكنه فوق طاقتها ففاصت بالصراخ فالألم يكاد يقتلها .

أزداد طعن صراخها بقلبه كأنه سهم موقد من نيران أخترتها هي للنيل منه!،شعر بأنه بحاجة للتوسل ...نعم هو بحاجة مغادرة الحياة قبل أن تزف له خبر وفاتها المؤكد ...
رفع عيناه الحمراء بثبات مخادع يتأمل معالم وجه الطبيب برجفة خوف تسري بذاك القلب اللعين لينهي عذابه قائلاٍ بهدوء ألتزم به لعلمه من تمثل تلك الفتاة بالنسبة له:_اللي كنت خايف منه حصل للأسف لأزم تدخل العمليات حالا ...

أغلق عيناه بقوة كأنه يحاول التحكم بقوة غضبه الواشكة على أقتلاع عنقها فكم حاول أخبارها بشتى الطرق أنها ليست زوجته فقط بل سُكنان لقلبه العاشق ...ربما لو حاول أدخلها داخل صدره لترى جمرة العشق الملتهبة داخل قلبه لتوقفت عن قرارها بالأحتفاظ به !، شعرت بألمه فحاولت جاهدة برفع يدها المرتجفة على يديه قائلة بصوتٍ يكاد يكون مسموع:_الفترة اللي فاتت عارفة أنها كانت صعبة عليك بس خلاص جيه الوقت اللي كنت بستناه ...
إبتسمت قائلة بأمل ويدها تتحسس بطنها المنتفخة:_أخيراً هشوف حتة منك يا عدي ..

نظراته غلفت بغضب موقد كادت أن تنهى حياتها ولكن أشارة العشق النابعة من القلب تؤكد له أنه من المحال أن يفعل ذلك ...
خرج الطبيب ليعد غرفة الجراحه بأستقبال حالتها الخطرة وهو على علم بذلك الأمر ؛ فتركها تنجو بأخر لحظاتها مع معشوقٍ كبله العشق بأغلال الروح ليشعر بألمها ...
سقطت دمعاتها بحزن وهو تراه يقف أمامها بشموخ ولكن بقلب منكسر ...محطم...يبكي بقوة...نعم تشعر به ...تتألم مثلما يتألم هو ...
خرج صوتها بدموع وهى تشدد من ضغط يدها على قميصه ليستمع لها قائلة بدموع:_مش هتخدني فى حضنك قبل ما أدخل
تأمل عيناها بنظرة مطولة ليقطعها بكلماته الساخرة:_هتفرق؟ ..

صعقت من كلماته فتطلعت له بدموع كادت بأحراق وجهها،بقيت كما هي تتأمل وجهه القاسي الذي لم يتبدل منذ أن علم بأمر حملها حتى تلك اللحظة ...ثواني ...أما دقائق لا تعلم كم حاجة القلب للتشبع من عاشق الروح ! ...
:_جاهزة ؟
كلمة مختصرة قالتها الممرضة ولكنها كانت كافيلة بشق صدرها ...تعلم جيداً أن نسبة خروجها من تلك الغرفة ضئيلة للغاية ولكنها كانت بحاجته ...بحاجة أمانها ...بحاجة لأن يؤكد لها بأنها ستكون على ما يرام، وجدته كما هو يتأملها بهدوء فأشارت للممرضة بأنها على أستعداد لتقترب منها بمقعد متحرك ؛ فعاونتها هي ومن معها على الجلوس ثم دفعتها بلطف للخروج من تلك الغرفة لمصيراً أعد لها ...

أستدرت بوجهها ترى من يوليها ظهره ببكاء أشتد عليها، ضربات قلبها تزداد بخوف من القادم أما هو فرفع يديه يشدد على شعره الغزير بقوة كمحاولة للتحكم بدمعاته التى لم تهبط قط ...لم يشعر بذاته الا حينما أسرع ليحيل بينها وبين الخروج فأنحني ليكون على مستواها قائلاٍ بغضب ويديه تحتضن وجهها:_ليه عايزة تعملي فيا كدا ؟
رفعت يدها تحتضن يديه المطوفة لوجهه قائلة بسعادة فأخيراً بعد عناء أشهر عاد يحدثها من جديد:_هخرج يا عدي ومعايا لينا وفارس
تطلع لها بذهول فإبتسمت قائلة بدموع:_الدكتور قالي أنهم ولد وبنت فى الأول كنت خايفة أني أجيب تؤام بنات أو أولاد وأتلغبط فيهم ..

جذبها بقوة لأحضانه مغلق عيناه بقوة حتى لا تهوى دمعاته فكم ظن أنها غير مصرح بها بقاموس الجارحي  ولكن حال به فرفع يديه للممرضات قائلاٍ بحذم:_سيبونا لوحدنا شوية
أشاروا له بتفهم فخرجوا على الفور بينما أزاح هو تلك الدمعة القاسية ليحملها من ذاك المقعد اللعين للأريكة المجاورة له،جلس جوارها يجاهد بالحديث وهى تلتزم الصمت وتتطلع له بحماس لسماع صوته المغيب إليها منذ فترة طويلة...
غاب بشروده بعيداً عنها ليقطعه بكلماته وعيناه على الفراغ:_من أول ما شوفنا بعض بنيويورك وأنا حاسس أن مصيرنا هيكون واحد أيوا كنت عارف أني حبيتك بس متوقعتش أني هقدر أحس بيكِ كدا ! ...

ثم صمت لبرهة لتلقفه الذكريات بجحيمها ليكمل بألم:_ لما خرجنا من المطار وقولتيلي أنك خلاص هتبعدي حسيت وقتها أني هعدي بفترة مش صعبة يعني حبيت واحدة وسهل أنساها بس اللي مكنتش متخيله أني هعيش فى العذاب دا أبداً ..
وأستدار لها قائلاٍ بدمع تراه بعين الوحش الثائر لأول مرة:_قلبي كان بينفطر كل يوم أنتي بعيد عني فيه ...كنت بسمعك وأنتِ بتنادي عليا ومع كل صوت بسمعه وجع ملوش مسكن غير الموت ...

هبطت دمعاتها وهى تستمع له فرفع يديه يلتقط أحداهما قائلاٍ بسخرية:_حتى دي يا رحمة كانت بتقتلني ..
تطلعت له بذهول فأبتسم بألم:_للأسف بحس بيكِ بطريقة تخليكي أغلي عندي من روحي نفسها ...
قربها لترى عيناه المذهبة فربما تلتمس صدق ما يقول:_متفكريش ان الفترة اللي فاتت دي كنت فى راحه بعيد عنك أنا كنت بموت من الوجع ..كان نفسي أمسح دموعك دي وأقولك كفايا بس بمجرد ما كنت بشوف بطنك وهي بتكبر خوفي كان بيقتلني أكتر ...

أسرعت بالحديث ببسمة بدت بدوامة دمعاتها:_صدقني مش هيحصلي حاجة وبكرا هفكرك وأنت شايلهم بين أيدك
تطلع لها بنظرات تحمل الشك فقبلت يديه بسعادة لعودته إليها،جذبها لأحضانه بقوة وخوف فولجت الممرضة قائلة بعملية:_يالا يا مدام رحمة دكتور التخدير وصل ..
شددت من أصابعها على قميصه فتطلع لها بعذاب رأته بعيناها ...أقتربت الممرضة بالمقعد المتحرك فقرأ بعيناها الخوف المحتجز من ذاك المقعد المخيف فنهض عن الأريكة ليحملها بين يديه للخارج ...

تفاجئ به عمر وياسين وجاسم والشباب ليتوجه هو لغرفة الجراحه معاونها على الولوج ثم خرج ليهوى على المقعد الخارجي بألم ألتمسه وأنهيار سمح به لذاته أسرع إليه عمر قائلاٍ بأمل:_متقلقش يا عدي هتبقى كويسة ...
أكتفى بنظرة تحمل كافة أنواع الآنين الذي يشعر به، راقبه ياسين الجارحي بشفقة نعم فهو الوحيد الذي يشعر به ولكنها من احد الصفات المحجورة تحت ثباته المعتاد !...

بغرفة الجراحه ..
تسرب المخدر لجسدها فأغلقت عيناها بضعف، بينما لجوارها حقيبة تحوي مالا يصعب معرفة رقمه فحملها الطبيب بسعادة وهو يتأمل من يجلس مقابل له بنظرات تسود الحقد ..مشيراً له بأنه سيفعل ما طلبه منه على أكمل وجه ..

طالت الساعات بالداخل ومعها توقف خفق القلب المجنون،تراقب باب الغرفة برعب بدي يسري عليه...قطعت الساعات الطويلة خروج الممرضة بالصغيرة التي تبكي بجنون كأنها علمت ما يحدث بالداخل هرول الجميع اليها بينما ظل هو محله بتأمل وجه الطبيب برعب ...
رسمت ملامح الطبيب بالحزن فتطلع له ياسين بغضب وبلهجة آمرة:_ أتكلم ..
تحدث بحزن:_مقدرناش ننقذها لا هي ولا الولد ..البقاء لله ..

وقع الخبر على مسماعهم كالصاعقة ليعلو بكاء وصرخات الفتيات فأحتضن كلا منهم زوجها ليكسر الحزن الوجوه بينما تصنم عدي محله لدقائق ...تراقب ياسين الجارحي وجه عدي برعب فأقترب منه بحذر:_عدي ..دي هدية ربنا وأخدها منك تاني ...
طالت نظراته وصمته ومعه يزداد خوف ياسين  ...حسم عدي قراره سريعاً فرفض خوض تلك المعركة القاسية فاخرج من حزامه السلاح لينهي عذابه سريعاً ...على صوت الطلق الناري المشفي ليسقط عدي ارضاً ..
اقترب منه ياسين بصراخ:_إبني ...عدي ..
أسرع عمر ورائد اليه لتسود الاجواء بصراعات ستهز مملكة الجارحي لتسود العلاقات اختبارات قاسية سيختبر فيها الاب والحبيب والشقيق والصديق فكيف سينتهي الامر ؟...

خطط دانيئة وضعت منذ ما يقرب الي العام لتحطيم قلب عدي الجارحي  فهل سيتمكن من الحفاظ على لقبه ؟ ..
وهل سيتمكن ياسين الجارحي  من بقاء عائلته كسابق عهدها ؟
ماذا يخفي يحيي ؟

وحشود من دمعات كورتها آنين الفراق فمزقت قلب عاشق بلا شفقة !...
تلقفه الظلام فبدى له أنها النهاية،خطف نظرة سريعة علي الجميع كأنه يودعهم وداع مهيب وبداخله أنكسار يطوف به لأول مرة،أعتاد أن يكون قوياً بأصعب الأمور ولكن حينما يتعلق الأمر بجوارح قلبه فسيقبل الضعف للهروب من ذاك الألم المبرح، حفرت نظراته برؤية البكاء بأعين والدته وصوت أخيه الذي يصيح له بأن يفتح عيناه ..
حمله رائد وأحمد لغرفة العمليات سريعاً بعد أن أمرهم الطبيب بذلك فولج عمر للداخل مع الطبيب بعد أن رفض تركه فسمح له الطبيب بذلك لكونه جراح هو الأخر ...
بالخارج ...

أهتز قلب ياسين الجارحي فتعلقت عيناه بغرفة العمليات مشيراً لأحمد الذي هرول إليه سريعاً ليخرج صوته الثابت
_خد ياسين ...ورائد وخلصوا اجراءات الدفن ..
أجابه بحزن
_حاضر يا عمي ...
وتركه وغادر فشدد رعد على يد ياسين كمحاولة للمواساة
_هيبقي كويس ...

أشار له بثبات ثم قال بعد وهلة من الصمت:_خد عز وروحوا البنات وآية ...وأنت يا أدهم خد حد من الشباب وظبطوا القصر عايز جنازة تليق بمكانة رحمة و حفيدي ...
قال كلمته الاخيرة بألم مرير فأنصاعوا له، توجه كلا منهم لأنجاز المهام المطلوبة على عكس يحيي تبقي لجواره بأنتظار الطبيب،رفضت آية أن تعود للقصر فأشار لهم ياسين بتركها ...نهض من محله وأقترب منها بعدما غلف ملامحه بالثبات كعادته فأقترب منها ليجدها تستند بجسدها على الحائط جوارها وتبكي بحسرة وأنكسار ...

رفعت عيناها الممتلأة بالدموع لتشكو له بنظراتها ما تشعر به لترق له الكلمات بآنين
_ليه بيحصل كل دا يا ياسين ؟ ..
رفع يديه يجفف دمعاتها ببسمة بسيطة
_هنعديه يا آية ..
تحشرج صوتها بالبكاء
_رحمة ماتت خلاص وإبني بيروح مني ليه كل دا لييه ؟ ...

جذبها بقوة لأحضانه بقوة هامساً بألم لما يحدث:_فين إيمانك بربنا مش دا اللي أعرفه عنك ...
شددت من بكائها بين يديه وهو كالجبل الشامخ يأبي أن يحطمه الهوان فبقي كذلك لأجلها ...
بالقرب منهم كان يكبت يحيي صراخاته فشعر أن قلبه يكاد يتوقف من شدة ما يشعر به،أنسحب ببطئ حينما شعر بحاجته للغيثان ..
مرت الساعات ومازالت تتشبث بمعشوقها،مازالت تحتضنه بقوة كأنه يطوف بها بآمان وراحة تشعر بها بين دفئ أنفاسه، خرج الطبيب من غرفة العمليات فأسرعت آية إليه قائلة بجسد مرتجف:_طمني يا دكتور ..

إبتسم قائلاٍ بلهجة عملية:_الحمد لله شوية وهينقلوه لغرفة عادية وتقدري تطمني عليه أكتر ...
تسللت بسمة حزينة على وجهها فأقترب منها ياسين قائلاٍ بضيق:_ممكن أعرف لسه بتبكي ليه الدكتور طمنك بنفسه ! ..
رفعت عيناها بوهن وألم:_رحمة كانت زي بنتي يا ياسين ...
وأزداد بكائها قائلة بصعوبة بالحديث:_كانت أمنياتها أنها تشيل أولادها بين أيدها وكانت فاكرة أن عذاب عدي هينتهي بعد خروجها من العمليات مكنتش تعرف أنها هتواجه رب كريم ومعها إبنها ...

رفع يديه بحنان مازال يسكن بين الجوارح فجفف دمعاتها بحزن:_دا نصيبهم يا آية أنتِ لازم تكوني قوية عشان تقدري تربي البنت ...
أشارت له بتفهم فقطع حديثهم أنفتاح الباب وخروج الممرضات ولجوارهم عمر فكان يدفش التخت المتحرك بحرص ويديه متمسكة بيد عدي ...
هرولت إليه سريعاً قائلة بدموع:_عدي ...إبني ..
تطلع لها عمر بهدوء:_لسه ما فاقش من أثر المخدر ..
أشار له ياسين بأن يكمل طريقه بعد أن جذبها برفق فتوجه عمر للغرفة المنشودة ...

بقصر الجارحي ...
نقل الخبر على الجميع كالصاعقة فتحول قصر الجارحي لغمامة من الحزن تسكنه كالموج الذي أغرق مركب ضئيل لتستقر بالقاع ! ...
جلست كلا منهم على الأريكة متفرقين عن بعضهم البعض الحزن يعبئ قلوبهم والدمع يسقط من العينين،دار بالذهن ذكريات لها مع كلا منهم لتكبت صراخها بآنين ...
دلف بحذر وهو يراها تجلس على المقعد ويكتسحها البكاء،نعم اتي إليها سريعاً ليكون لجوارها قبل أن يتوجه للمشقي للأطمئنان على رفيق دربه،فضل أن يراها أولاٍ لعله يتمكن من تخفيف حزنها فهو يعلم أرتباطها بكل فرداً من العائلة ...

جلس لجوارها قائلاٍ بهمس
_البكاء مش هيفيد بحاجه؟ ..
تجمدت نظراتها فتسللت البرودة لجسدها شيئاً فشيء حينما أستمعت لصوته،أستدارت بوجهها ببطيء لتجده لجوارها بالفعل، ما أن تقابلت العينان حتى عادت تلك الصرخات لتهجمها من جديد،على صوت أنفاسها فهوت الدمعات برعب ؛ فرفع مازن يديه ليجفف دمعاتها فدفعته بعيدة عنها قائلة بصعوبة بحديث يكتسحه البكاء
_أبعد عني ...

ونهضت عن المقعد سريعاً لتجذب أنتباه الجميع بصراخها
_ أنت أيه اللي جابك هنا عايز مني أيه ؟ ..
قالتها ببكاء جنوني فأقترب منها أبيها قائلاٍ بأستغراب
_في أيه ؟ ..
أحتضنته مروج برعب فقالت بتوسل
_خاليه يخرج من هنا يا بابا ...
نهض عن مقعده فأقترب منهم بحزن، رفع عز يديه على كتفيها ونظراته تحيط به فقال بغضب مكبوت
_ممكن تفهمني أيه اللي بيحصل دا ؟ ..

ولج معتز للداخل بعد أن أشرف على العامل الذي نصب الصوان بحديقة القصر ليتفاجئ بما يحدث فأسرع إليهم مشيراً بيديه لرانيا
_خدي مروج فوق ..
أكتفت بأشارة بسيطة له ثم أقتربت من عز الذي حرر يديه من علي إبنته لتلحق بها للأعلي،مرت من جواره فتطلع لها بنظرة تحمل التواسلات لأنهاء هذا العذاب، نعم يتألم كلما رأي الخوف بعيناها فظن أنها اليوم ستستمع له بعد ما تعرضت له العائلة،شُكلت نظرات عز بالغضب بعد أن طاف به الشك لخوف إبنته الغير مبرر بعد فباغته التفكير بأن يكون فعل بها شيئاً ما فقال بصوتٍ متحشرج وعيناه متركزة عليه
_هتتكلم ولا هتفضل كدا كتير ...

لاح على وجه مازن الحزن فوقف معتز بوجه إبيه قائلاٍ بهدوء
_مش وقته الكلام دا يا بابا بعد العزى نتكلم ..
لانت ملامحه فأبنه لديه الحق فالحالة التي تعم القصر لا تسمح له بذلك،أشار له بتأكيد ثم تركهم وغادر بسيارته للأطمئنان على  عدي ...

أمام المشفي ...
تلاحقت وفود ممن يعملون بالصحف والمجلات لألتقاط الصور لتشيع جثمان زوجة إبن رجل الأعمال الشهير ياسين الجارحي ، عبئ الغضب ملامحه وهو يراهم يقتحمون حياته الشخصية فطلب من الحرس التخلص منهم ...
نظراً للظروف التى وقعت بها العائلة فطاف بهم ما حدث لعدي لذا تم تكفين رحمة بالمشفي، خرجت محمولة على كتفي عمر وجاسم ليضعوها بسيارة الاسعاف التي تحركت للمقابر وخلفها أسطول من عائلة الجارحي، دُفنت وعين ياسين تجوب علي القبر بحزن وألم فهو كانت إبنة له، شعر بؤخذة تؤلم قلبه حينما راوده الفكر أن هذة ستكون النهاية للجميع ولكن ترى هل سيتساوى الحساب ؟! ...
هنا هو الفايصل لما فعلته بدنياك أن كان خيراً فخير وشراً فشر وهوان ...هنا توقف القلم عن كتابة الاعمال هنا حان الوقت ! ...

مر اليوم ببطيء كأنه تقمص الاحزان لتلك العائلة فأسدل الليل عبائته السوادء التي ملأت العالم بالظلام ...
فتح عيناه بوهنٍ شديد لتوضح الرؤية له تدريجياً، فكان على يساره عمر وجاسم ...ومازن  وعلي يمينه كان يقف حمزة ورعد ويحيي،أما بالقرب منه فكانت آية تجلس محتضنه بيدها القرآن الكريم ترتله بخشوع ودمع يتلألأ بعيناه وبيدها الاخري تحتضن عدي ...
إنتبه له عمر فأسرع إليه بلهفة
_عدي ..

خرج صوته الضعيف
_ رحمة ...
لم يتمكن من سماعه فأنحنى ليقرب أذنيه لعله يستمع لما يقوله فردد عدي مرة أخرى
_رحمة ...رحمة ..
أغلق عمر عيناه بألم فهو الوحيد الذي يعلم كم يعشقها حد الجنون، رفع يديه على صدره بتوسل
_أهدى عشان خاطري أنت أقوى من كدا ...
حاول عدي ان يستند بيديه ليهم بالوقوف ولكن سريعاً ما هوى على الفراش بألم،تعال صوت بكائها قائلة بنبرة مبحوحة من البكاء:_حرام عليك نفسك يا إبني أنت مش ضعيف بالشكل دا وبعدين عايز تموت كافر يا عدي دا اللي أنا ربيتك عليه ؟! ...

أقترب منها ياسين بحزن
_صحتك يا طنط حرام أنتِ مبطلتيش بكى ..
وأسندها ياسين للأريكة المقابلة له فأحضر جاسم المياه لها،رفع مازن يديه على كتفي عدي قائلاٍ بتعمد كما أشار له رعد ليجعله يتقبل الامر
_البقاء لله يا عدي ..
رفع عيناه المتلونة بالغضب الجامح
_رحمة عايشة ..
 يحيي بألم وقد لمعت عيناه بالدمع لاجله
_ربنا يصبرك يا حبيبي ..

بدت ملامحه بالمحاذاة بين للغضب والذهول لا لن يحتمل سماعه لذلك حتى ولو فقد الامل في لحظة مجنونة قرر بها أن ينهي حياته ولكن لا هي علي قيد الحياة يشعر بها يشعر بأنينها،سحب ما بيديه بقوة ثم جاهد ذاته ليقف على قدميه غير عابئ بصراخ الجميع به،نعم جسده هزيل ولكن أمام الاصرار لم يقوي أحد على التصدي له أو أيقافه ...
حاول حمزة أن يتدخل بالأمر قائلاٍ بحزن
_أستنى بس يا ابني رايح فين ؟ ..

أوقفه رعد بأشارة يديه حتى أنه أشار للشباب بالتوقف عن أيقافه قائلاٍ بألم وهو يتراقب خطي عدي بعدما خرج من الغرفة فلحقت به آية
_سيبوه يتأكد بنفسه
جلس عمر على المقعد يكبت دمعاته على ما يحدث لشقيقه، أشار يحيي لأبنه قائلاٍ بحزن:_روح وراه يا ياسين وخد جاسم معاك
أشار له بتفهم ثم لحق بهم .

خطي بقدماً ثقيلة للغاية فلم يحتمل الألم النابع من الجرح،رفع يديه يحتضن بطنه بقوة لعل الالم يتخلي عنه فحاول جاهداً أن يسرع لعله يراها،ربما لو أستدار للشرفة لوجد الليل بستاره المظلم فحينها ربما يعلم بأن الوقت قد زال لذلك أو ربما تطلع لها قبل أن تزف لقبرها ولكن الآن مر ما يقرب على العشر ساعات ! ...
لم تعد تحتمل اللحاق به فقلبها مفطور لرؤيتها إبنها هكذا فسقطت أرضاً تصرخ وتبكي قائلة بدموع وعذاب:_ياررب صبره وصبرني أني اقدر أشوف ابني كدا ...

أستسلمت وتركته يكمل طريقه لغرفة العمليات بمفرده، شعرت بأنها بحاجه للبكاء على صدر معشوقها فيخفف عنها كالعادة فكأن الله كان رحيماً بها فاذا به يقف أمامها بعدما أنتهي العزي توجه ليطمئن علي إبنه وها هو يراها تجلس أرضاً وتبكي بقوة فلم يراها هكذا من قبل !، أسرعت شقيقتها إليها فكانت تلحق بياسين  لتطمئن علي عدي هي الاخري،فزعت حينما رأتها هكذا فأحتضنتها بحزن ودموع، أقترب ياسين منها سريعاً فعاونها على الوقوف بملامح باثت الغضب لرؤيتها هكذا ولكنها أسرعت بالحديث فهمست بآنين ويدها تشير على الطريق الذي سلكه عدي
_إبني يا ياسين ..

لم يستوعب ما تتفوه به فأستدار ليلمح عدي على مسافة بعيدة منه يتوجه لغرفة الجراحه،تركها مع دينا ثم أسرع خلفه ...
شعر بأنه لم يعد يحتمل المشي ولكنه أكمل طريقه فولج للداخل بصعوبة كبيرة، وجد الغرفة فارغة لا يوجد بها سوى الممرضة التى تعيد تعقيم الأدوات الجراحية، فتش بالغرفة بأكملها ثم صاح بغضب
_ راحت فين ؟ ..
شعرت بخوف من طريقته بالحديث فأزداردت ريقها برعب
_هي مين ؟
أقترب منها بصعوبة ليصيح بغضب
_رحمة فين ؟

تذكرت الممرضة حديث أحد الممرضات بوفاة أحد الحالات اليوم أثناء ولادتها فبدأت تربط الأمور لتقول بأسف
_ربنا يرحمها ويصبرك ..
كأنها دقت الناقوس بذاتها ففقد عدي صوابه فدفش التخت المتحرك لجوارها بغضب شديد
_أخرسي رحمة عايشة ..
جذبه بقوة ليقف أمام عيناه القاتمة بالغضب فأشار لها قائلاٍ بحذم:_أخرجي وسبينا لوحدينا ...
أنتبهت له فهي تعلم جيداً ياسين الجارحي فتوجهت للخروج سريعاً، ظل يتراقبه بنظراته طويلا ليخرج صوته بحذم
_خلاص كل شيء أنتهي وأنت لازم تتقبل دا بمزاجك أو غصب عنك ...

رمقه بنظرة متمردة
_مفيش حاجه أنتهت رحمة عايشة
زفر ياسين بغضب فقال بنبرة ساخرة
_أوك الدكاترة كادبين وعيلتك بتكدب كمان والعربية اللي اخدت رحمة وإبنك من شوية للقبر دي كمان كدبة والعزي اللي انا أخدته كمان كدبة كله كدب كدا تمام ...
شعر بأن قدماه لم تعد تحتمله فأستند بجسده على الحائط فهو يعلم ياسين الجارحي  جيداً ثباته يطغي بطالته وحديثه ...
أسترسل حديثه بصراخ بوجهه.

_فوق أنا إبني مش ضعيف كدا ولو حبيت تكون كدا فأنا مش هسمحلك .
وجذبه ليكون مقابل عيناه الحادة
_فهمتني يا عدي مش هسمحلك تكون ضعيف أنت إبني أنا يعني إبن ياسين الجارحي اللي مستحيل شيء يكسره ...
بدت عيناه بزف تمرد طاغي فكم ود الصراخ به ولكنه فى صدمة عسيرة، سنده ياسين وجاسم  فأخرجوه من الغرفة وتوجهوا به لغرفته، ما أن خرجوا به من الغرفة حتى شدد ياسين  على شعره بقوة فكم لعن ذاته لكونه قاسي هكذا ولكن ينبغي أن يكون كذلك ليعاونه على تخطي ما به، رفع عيناه بألم يتأجج بقلبه لرؤية إبنه هكذا فجاهد لرسم الثبات على ملامحه مجدداً ثم أستدار ليلحق بهم ولكنه تفاجئ بعمر يقف أمامه ويتأمله بصمت ...

خرج صوته بنبرة ثابته
_وقف كدا ليه؟
أقترب ليقف أمامه لتسقط الدمعة الخائنة من عيناه فقال بصوت متحشرج
_عدي بيتألم وأنا مش عارف أعمله حاجة اللي هو فيه صعب أوي مراته وإبنه مع بعض أنا عارف يا بابا أنك مش بتحب تشوفنا ضعاف بس أ...
قطع باقي كلماته حينما أحتضنه ياسين بشبح بسمة فعمر مختلف كلياً عن عدي،يشعر بالسعادة حينما يناديه عمر بأبي على عكس عدي فلم يستمع تلك الكلمة منه من قبل سوى بالرسميات المخيفة فلاطالما يلقبه بياسين الجارحي على عكس مليكة ...وعمر  نعم يعلم أنه نسخة مقربة إليه لذلك فهو الوحيد الذي يجيد التعامل معه ...

بالطابق الأي يسبقه ..
تعالت بالبكاء بحضن أسيل التى حاولت جاهدة أن تمنعها عن ذلك فقالت بدموع غزيرة
_يا حبيبتي يا رحمة
قاطعتها أسيل  بدموع
_كفايا يا مليكة البكي غلط عشانك وعشان اللي فى بطنك ..
شروق ببكاء هى الاخري
_ربنا يرحمها ويسكنها الفردوس الاعلي
نور بعتاب
_ يارتني مكنت نصحتها تحتفظ بالبيبي ..

يارا بجدية وهى تزيح دموعها
_حرام تقولي كدا يا نور دا قضاء ربنا ..
ثم وجهت حديثها لمليكة
_يلا يا بنتي ألبسي حجابك عشان نرجع القصر ...
أنصاعت لها فعاونتها أسيل على أرتدائه، ولج حازم للداخل بعدما طرق الباب وأستمع أذن الدخول فقال بصوتٍ يكسوه الحزن
_أنا طلبت السواق وهو تحت بالعربية هيوصلكم للقصر ..
تالين بحزن وتلهف
_عدي عامل أيه الوقتي ؟

أجابها بحزن شديد
_مش متقبل أنها ماتت خالص ...الدكتور قال أنه ممكن يخرج كمان ساعتين ..
مليكة بدموع
_لازم أشوفه
أجابها نافياً
_عمي ياسين رافض حد يدخله او حتى يقعد معاه كلنا هنرجع هو بس وطنط آية اللي هيفضلوا معاه ..
تدخلت ملك قائلة بلطف
_أحنا هنسبقهم وهو شوية وراجع القصر يلا يا حبيبتي
أنصاعت لها فأستندت على ذراعى نور وأسيل ليرحلوا جميعاً للقصر ...

بالأعلى ..
تأمل سقف الغرفة بشرود فكان يراها أمامه ببسمتها التي تشع بأنوار متعددة،لمساتها التى تحاصره بنبع فائض من الحنين،رائحتها التى تغرقه بنسائم الياسمين الخاصة،حطمت ذكرياته حينما تذكر ما فعله بها ...كانت الاقرب فكانت تسكن بين دفوف النبض ...بين سكون الروح وطرب المعاني ...ماذا فعل بها ؟ ...
طافت عيناه على أبيه الذي يستند بجسده على باب الشرفه شارد بنظراته للخارج فتقابلت نظراتهم ليتطلع له عدي طويلا لتلمع كلماته بعقله
فى أوقات بيجي عليها الندم بس بيكون فان الاوان ...

سحب نظراته لتتعلق بوالدته التى تطول بالسجود لتدعو له بدموعها الصادقة، قطع لحظات الصمت السائدة بالغرفة طرقات الممرضة التى ولجت حينما أستمعت لأمر ياسين  بالولوج، أقتربت منه وهى تحملها بين ذراعيه بعد أن طلب منها ياسين ذلك منذ قليل، أشار لها بعيناه أن تقدمها لعدي فأقتربت منه بها، أنهت صلاتها فأقتربت لتتماسك بذراع معشوقها بخوف، تراقب ياسين ما يحدث بخوف هو الاخر لذا طلب من الممرضة ان تقدمها لعدي ليرى هل سيتقبلها أم ستعاني تلك الصغيرة ؟

أقتربت منه بخطى بطيئة للغاية حتى أستقرت أمام عيناه،تراقبه ياسين بأهتمام وآية بخوف من القادم،أستدار بوجهه ليجد الممرضة تقف أمامه وبيدها شيء ملفوف جيداً بقطعة من القماش المزخرف فتبين له بأنه رضيع أو إبنته، تبلدت ملامح الممرضة فثباته لجلج قلقها، أستند بيديه على الفراش ليجلس بشكل مستقيم،تتابعه الجميع بنظرات ترقب لما يفعله، جذب الصغيرة من يدها ليقربها من وجهه، تأملها بعيناه لدقائق فأقترب منه ياسين يدرس ملامحه ليجد الحنان والسعادة طاغية علي عيناه فأشار للممرضة بالانصراف بأطمئنان، كان من الغريب له سكون الصغيرة بين يديه فكان بكائها يتزايد شيئاً فشيء، شاحت على وجه آية إبتسامة بسيطة رغم دفات الحزن فقالت وعيناها تراقب الصغيرة بين يديه
:_هتسميها أيه يا عدي؟

تأملها قليلا وقد رسمت على ملامحه بسمة صغيرة فتمسك بيدها الصغيرة يداعبها بحنان
_رحمة ...
أنقبض قلبها فتطلعت لياسين الذي أشار لها بالهدوء فهو توقع ان يمنحها عدي ذاك الاسم حتى يكون حي أمامه ...

بغرفة يحيي ..
صاح بغضب _بتحاول تخبي عليا أيه يا يحيي ؟
جلس على المقعد بضيق
_دا وقته يا رعد ؟
_أيوا وقته ومش هتعرف تهرب مني تعبك الزايد عن الحد دا سببه أيه يا تقولي بتخبي أيه يا هعرف ياسين واللي يحصل يحصل ..
قالها رعد بتصميم ووعيد جعل يحيي يستسلم أخيراً فأخبره بما يكل بداخله ...
فاض الدمع من عيناه قائلاٍ بألم
_الدكتور دا مبيعرفش حاجه موت أيه وكلام فارغ أيه لاا أنا مش مصدق ! ..

إبتسم يحيي بألم
_مش دكتور واحد يا رعد
ثم رفع يديه على كتفيه برضا
_كل واحد بياخد نصيبه وبيعيش الوقت اللي ربنا محدده وأنا مش خايف من الموت كل اللي عايزه منك أنك متقولش لحد اللي قولتهولك دا وبالذات ياسين  يا رعد ..
لم يستوعب ما يحدث فجلس على الأريكة بأنهيار يحتضن رأسه بجنون
_أيه اللي بيحصل دا أكيد فى حاجه غلط
جلس لجواره بأبتسامة ألم
_أختبارات صعبة ولازم ندخلها يا رعد
أحنتضنه بألم فلن يحتمل تلك الفكرة البشعة فكيف أن حدثت بالفعل ؟! ..

بالأسفل ...
تطلع له عز بذهول
_طيب مين اللي ممكن يأذيك كدا ويسرق الأسطوانة من مكتبك ويبعتها بيتك ؟
أجابه مازن والغضب يلحق به كلما تذكر ما فعلوه
_أكيد هما يا عمي كل دا عشان أعرف يعني أنهم يقدروا يتحكموا فى حياتي ولو عايزين يتخلصوا مني مش هيتأخروا
صاح بغضب _ليه فاكرين الدنيا سايبه
حمزة بجدية _أنت لازم توصل للناس دي وتقبض عليها قبل ما يعملوا أي خطوة جديدة
مازن بحزن _عدي كان قرب يوصلهم ويوصل للزعيم بتاعهم بس اللي حصل دا هيوقف حاجات كتيرة أوي ..

طاف الحزن بهم فقال عز بتأييد
_اللي حصله مش قليل ربنا يصبره
ثم رفع يديه على ركبتي مازن
_متقلقش طول ما ياسين جانبه هيخليه يرجع
أشار له بهدوء ليسترسل حديثه بألم بعدما توجه للمغادرة
_هستأذن أنا بس أرجوك يا عمي تحاول تفهم مروج الموضوع طول مانا شايفها كدا بتالم
أجابه ببسمة بسيطة
_أن شاء الله يا حبيبي ..
وغادر مازن تاركاً خلفه معشوقته التى تعاني فتوقفت ذاكرتها عن تلك النقطة التى شرعت لها أن حبيبها قاسي القلب ومتبلد المشاعر ! ..

بمكاناً أخر ...
إبتسم بسخرية
_سئمت من سماع ما تتفوه به لذا قم بأستغلال الفرصة وأقتل ياسين الجارحي فى الحال ..
أجابه ذاك القناص المحترف
_لا تقلق سيدي لقد رتبت الأمور وسأنال أرضائك عن قريب وحينها سأكون ذراعك الأيمن بلا شك ..
رفع كأس النبذ بتلذذ وهو يتوجه للخروج
_سنرى ...
وتركه وغادر وبداخله حماس وشغف لسماع نهاية ياسين الجارحي ولكنه لا يعلم أن خصمه يفوقه اضعاف بالذكاء ..

تسارعت أنفاسها ففتحت عيناها بضعفٍ شديد ويدها تحتضن بطنها بألم لترى ظلام كحيل يطوف بها، الأنفاس مكبوتة كالموتي، الظلام فقط يجول بها كالأفعى المتلهفة لبخ سمها القاتل! ..
هلكها الخوف فحاولت الأستند على ذراعها ولكن لم تستطيع فطاف بها الخوف أضعافاً وخاصة بذاك الظلام فصاحت بصوتٍ مذبوح:_ عدي ...عدي ...
أفاق من نومه مفزوع وقلبه يصرخ ألماً ليصيح عالياً:_رحمة ...
هل شعرت يوماً بنبض معشوقك؟! ..
هل أستمعت يوماً لصوت آنينه؟!...
هل تمكنت يوماً من سماعه ؟! ...

هل تمكنت يوماً من الشعور به لذاك الحد ؟! ..
هذة الحالات جميعاً حدثت لعاشق عشق بصدق نعم أنه عدي الجارحي ...سيصارع لأخر أنفاسه ليسترد عشقه المتيم ولكن هل ما يشعر به حقيقة أما مجرد سراب مخادع ؟!
هل سينجو ياسين الجارحي من تخطيط الشياطين ؟ ..
ماذا لو علم ياسين الجارحي بأمر رفيق الدرب وماذا سيفعل ليتمكن من النجاة بحياته حتى ولو كان على حساب نفسه ! ..
وأخيراً هل ستنتهي الأختبارات القاسية بالفشل أم بنجاح أحفاد الجارحي ؟

هل ستكف عن سماعها أم سأقتص منك !...
حاولت بشتى الطرق الصراخ ولكن شعرت بأن صوتها قد تخلى عنها !، هوى الدمع من عيناها بخوف فبدأت أنفاسها بالتقطع،علمت بأنها بمكانٍ مغلق بأحكام فبدأ الشك يتسرب لها بأنها قد دُفنت ومازال قلبها ينبض بالحياة !،سرت بجسدها قشعرة مريبة فماذا أن كان الأمر صحيحاً،تسللت البرودة لجسدها فتسللت رائحة الموت لأنفها ممزوجة برائحه غامضة خيلت لها أنها رائحة لبناء جديد الأنشاء فعلمت أنها دُفنت منذ قليل، على صوت بكائها ومعه يزداد ألم الجرح الحديث فهمست بصوتٍ خافت _أنا فين ؟ ...خرجوني من هنا ...

ثم أحتضنت جسدها برعب وهى تزيد بالبكاء
_ عدي ...
وطاف الدمع بها لتعلم حقيقة مؤكدة أنها ميتة بأي حال، أغلقت عيناها بضعف فى أستسلام تام لذلك المصير المؤلم فأذا بصوتٍ خافت يتسلل لها،جاهدت رحمة لسماع ما يحدث بالخارج ولكنها فشلت بذلك حتى صوتها الضعيف فشل فى الصراخ لعل من بالخارج يستمع لها ربما لا تعلم أنها وضعت هنا عمداً ! ...
تمددت أرضاً بضعف فحاولت ألتقاط أنفاسها بصعوبة ولكنها لم تستطيع لنقص الهواء بالقبر المغلق فأذا بنسمة هواء عليلة تتسلل لها لتنعش روحها،أستدارت بعيناها بضعف فجسدها هزيل للغاية لترى أمامها عدد من الرجال يهدمون باب القبر الحديدي،بدت الرؤيا مشوشة لها فلم تستطيع رؤية وجه من يهمس لها بكلمات لم تصل لمسماعها ...

صاح بفزع ويديه تحتضن صدره بألم
_رحمة
أفاقت آية على صراخه فأقتربت منه بلهفة _أنت كويس يا حبيبي ؟ ..
أزال حبات العرق المتلألأة علي جبينه قائلاٍ بأستغراب وهو يتأمل الغرفة
_أنا جيت هنا أزاي؟ ..
أجابته بأبتسامة هادئة
_ياسين نقلك من المستشفي بليل رفض أنك تبات هناك ..

أشار لها بتفهم فأستند على الوسادة خلف ظهره قائلا بتردد
_رحمة فين ؟ ..
ضيقت عيناها بحزن ولكن سرعان ما علمت بأنه يقصد إبنته فقالت ببسمة عذباء
_مع نور يا حبيبي بتأكلها هروح أجبهالك ..
أشار لها برأسه بهدوء فخرجت لتجلبها له أما هو فأغلق عيناه بقوة كأنه يهدأ من ذاته ليكون على أستعداد باللقاء بها، ولجت نور للداخل وبيدها الصغيرة قائلة بأبتسامة تنبع بالحنان وهى تتأمل ملامح الصغيرة
_أكلت ونامت على طول .

إبتسم عدي بسمة بسيطة وهو يشيعها بنظرات عميقة تعني الكثير،تركتهم بمفردهم وغادرت، تأملها عدي بنظرات متفحصة لملامحها الملاكية الصغيرة،مرر يديه على وجهها برفق
_فيكِ شبه منها كبير ..
حاولت الصغيرة فتح عيناها فتراقبها بتلهف كأنه لأول مرة يرى طفلاً صغير فأحتضنها لصدره بأشتياق لمعشوقته لعل آلآمه تستكين قليلاٍ ...

وضعها لجواره ثم داثرها جيداً ليحاول جاهداً بالنهوض بعد أن قرر أنهاء فترة راحته المؤكدة من الطبيب فليس بالعاجز ليظل كذلك، أقترب من الشرفة المطلة على المسبح الخاص به فأستند بجسده على بابها ونظراته تشيع كل ركن خاص بحديقة غرفته، أمام عيناه كانت تتوزع ذكرياتها فشعر بنسمة باردة تخطفه لبئر حفر بذكريات العشق المتيم ولكن أنقلبت للسوء حينما تذكرها !، تاك الدمعة المتوسلة التى سكنت عيناها ولم يشفق هو لها ! ...كم كره حاله كثيراً وود أن يحتضنها بقوة ولكن مهلا ...لا هى على قيد الحياة ...يشعر بها ...يشعر بأنفاسها ...أنهي تفكيره بأن أقترب من خزانته ليجذب جاكيته بقوة ثم جذب مفاتيح سيارته وهرول للأسفل بخطي غير متناسب مع حالته ...
تفاجئ به حمزة فحاول اللاحق به أو أيقافه ولكن لم يتمكن فأخرج هاتفه وأستدعى أحمد...وعمر ليلحقوه بسرعه كبيرة ...

ألقي جون الهاتف بغضب جامح ليردد بغضب للحارس الذي يقف جواره
_أين ذلك المعتوه ألن يخبرنا بأنه سينهي المهمة حتى هاتفه لم يجيب على مكالماتي
_ربما لا يكون على قيد الحياة ..

قالها ياسين الجارحي بثقة ليكون هلاك ذاك الرجل الذي وقف يتأمله بصدمة وذهول فكيف تمكن من الدخول لمكتبه الخاص الممتلأ بالحرس،لمعت عين ياسين بالثقة فأقترب منه بخطاه المتزتة ليرفع قدميه على المقعد الذي كان يجلس عليه ليكون مقابله،أزدرد ريقه بصعوبة كبيرة وهو يرى ألد أعدائه أمام عيناه،حاول الرجل المكلف بحماية هذا الأحمق بالتداخل ولكن سرعان ما صرخ حينما أستقرت رصاصة الحرس الخاص بياسين الجارحي  بصدره بينما يقف هو ويتأمل جون بثبات غير عابئ لما يحدث حوله من نزاع، طوف الحرس الخاص به الغرفة وكلا منهم يحمل سلاحه الخاص فتعلقت نظراته بهم برعب،حُطم الصمت حينما خرج صوت ياسين الحازم وعيناه تكاد تحرقه.

_لا عليك جون ألتقط أنفاسك يا رجل ألست مشتاق لرؤيتي فأنا أعلم جيداً كم تعشق هذا الوجه ..
كاد أن يقتل من الخوف فأبتسم ياسين قائلاٍ بثبات يحمل لهجة ساخرة
_أرى وسام الشجاعة يكاد يتلف منك هل أصبت بالعين جون ! ..
ثم تحولت ملامحه لجدية قاتلة ليرفع يديه بتحذير
_أستمع إلي جيداً سأدعي الحرس يتركونك ليس ضعف مني ولكن لأنني لا أحب سفك الدماء مثلما تحب أنت لذا كن بعيداً عن عائلتي والا قتلتك بنفسي ..

ثم تركه وغادر ليلحق به الحرس كظله الأهوج ليستقر جون أرضاً ويلهث كمن ركض درج مكون من مئات الطبقات ليجول الخوف قسمات وجهه وتردد سؤاله برعب ...هل كان علي علم بما أخطط له ؟! ...
ربما الآن علم بنفوذ عائلة الجارحي وخاصة كبيرهم ...

بالمقابر ...
هبط من سيارته بعدما صفها بأهمال،فتقدم بين المقابر بتوتر ورجفة تستحوذ علي قلبه،أقترب من مدافن عائلة الجارحي فأغلق عيناه ليحتمل ما سيحدث حينما يرى أسمها يغلف البوابة الفاصلة بينه وبينها، أكمل خطاه ليقف أمام المقابر بعينٍ تأبي الخضوع لما تراه ...
أشعة الشمس تتسلط بقوة على المقابر لتبرز أسمها بأتقان فى المدفن الخاص بالسيدات، تخشبت قدماه للحظات فيبدو أنها حقيقة مزعومه، سمح لذاته بالأنهيار فسقط أرضاً على ركبتيه يكبت دموعه بمحاولات مستميته باتت بالفشل ليحتضن وجهه بيديه وصراخ مكبوت
_لييييه ...ليه خدتها مني لييييه ...

هوى الدمع علي وجهه كالطفل الصغير ليكمل بألم
_أنا كنت بقسي على نفسي قبل ما اعاملها كدا ...كنت خايف اليوم دا يجي وأكرهها وأكره الطفل اللي هتجيبه وأهو جيه ...
وزادت دمعاته بقوة لدقائق معهودة جاهد فيها أن يعود لذاته لتغمسه تلك النخيل التى زرعتها آية به فعاد لأيمانه قائلا بألم لما تفوه به
_اللهم لا أعتراض على قضاءك ...أن لله وان إليه راجعون ...

وأخذ يدعو لها بدمعات نابعة بالعشق الطاهر القوي،ربما لا يعلمه أحد سوى هذا القلب الذي عشق حد الجنون ..
نهض من محله ليقترب من القبر بعدما قطف زهرة حمراء من المزروعه بجوار المقابر ليضعها أمام قبرها، مسح تلك الدمغة الخائنة من عيناه فأغلقهما بقوة لتزاوره تلك الجملة العجيبة فى ذاك الوقت ! ..
أنا بحس بيكِ يا رحمة بسمع قلبك وهو بينبض ...بحس بنفسك وهو خارج .
فتح عيناه بأستغراب لما يذكره عقله بكلماته ؟! ..
رفع يديه بألم ليضعها على البوابة الصغيرة الحمراء الخاصة بقبرها وأغلق عيناه مثلما فعل منذ قليلاٍ، لم يحتمل ما أستمع إليه فسحب يديه سريعاً ونظراته متحجرة عليها...

طافه أحساسه بأنها مازالت على قيد الحياة توقف للحظات يحجر قلبه بيديه ليصرخ بألم
_لا أنتِ عايشة يا رحمة ..
وتطلع جواره بجنون فوقعت عيناه على حجر صغير فجذبه بعين تتأمله بتردد لما سيفعله ...
بالخارج ..
توقفت سيارة أحمد جوار سيارة عدي فهبط عمر قائلا وخطاه يتسارع للداخل
_مش قولتلك أكيد جيه هنا .
لحق به أحمد سريعاً ليصعق كلا منهم حينما رأوا عدي يحاول فتح باب القبر، أسرع إليه عمر ليدفشه بصدمة
_أنت مجنون أيه اللي بتعمله دا ؟

أقترب مجدداً قائلاٍ بصراخ
_زي ما شوفت رحمة عايشة وهثبتلك دا
جذبه أحمد بغضب
_كفايا بقا يا عدي فوووق من الوهم دا أحنا كلنا مقدرين حالتك لكن لحد هنا وكفايا اوي
تطلع له بنظرة تحمل الألم
_محدش مقدر ولا حاسس بيا أبعد من طريقي
جذبه عمر وقد بدى الغضب على ملامح وجهه أضعاف ليقول بسخرية وهدوء مصطنع
_خلاص يا أحمد سيبه
تطلع له بذهول فأشار له عمر مسترسلاً حديثه ويديه تشير للقبر
_كمل يا عدي كمل وأعصى ربك وأنت عارف كويس أن دي حرمة ميت كمل.

حل الحزن بوجهه فلم يكن يوماً يفكر بأن يعصى ربه وها هو يعرض نفسه لهذا الذنب العظيم، لم يجد ذاته الا وهو يلقي بالحجر من يديه ثم يخطو بثبات للخروج من المقبرة،لمحها بنظرة أخيرة قبل أن يكمل طريقه بخطى بائسة ...محطمة ...كأنه كسر بأتقان،لحق به أحمد وعمر بحزن يطوف بالوجوه، صعد عدي بسيارة أحمد فعلم عمر بأنه لن يتمكن القيادة فصعد هو لسيارة عدي ليعود بها للقصر خلف سيارة أحمد ..

بمكتب القصر ..
لاحظ ياسين أن يحيي يتتابعه من الخارج للمكتب وكلما ولج لمكان يلحق به فزفر بنفاذ صبر
_ قول اللي وقف على لسانك وخلصني ..
إبتسم يحيي قائلاٍ بسخرية
_ طول عمرك فاهمني وأكيد كمان فاهم اللي حابب أقوله ..
رُسمت البسمة على وجهه فتطلع له بنظرات تحمل المرح
_عارف بس حابب أسمعها منك ..

تعالت ضحكات يحيي بخبث
_هتفضل زي مأنت يا ياسين مغرور
أعاد تلك الخصلة المتمردة علي عيناه قائلاٍ بجدية
_بعد العمر اللي قضيته مع آية مبقاش عندي غرور يا يحيي ..دا كبرياء وبعرف أزاي أستعمله مع أعدائي كويس ..
ثم تحاولت نظراته لشرارة من جحيم
_أنا أتغضيت عن تصرفات الحيوان دا لحد ما يشوف بنفسه من هو ياسين الجارحي لكن لو صدر منه جديد بعد مقابلتنا دي أعتبره فى قايمة ضحايا الجارحي ..
إبتسم يحيي قائلاٍ بمكر
_الشقاوة فينا بس ربنا يهدينا ..

أكتفي ببسمة بسيطة ثم توجه للخروج فلحق به فأستدار ياسين بغيظ
_لسه فى حاجه تاني ؟
أجابه ببسمة واسعه
_أه رايح فين ؟
تطلع له بنظرة مطولة فبعد هذة الاعوام مازال يحتفظ بمشاكسته،قطع الصمت قائلاٍ بجدية
_هطلع أشوف مليكة الاول وبعين أعدي على عدي
أشار له بتفهم ليصعد معه للأعلي متوجهاً لغرفته ...

ولج عدي لغرفته بصمت ليتمدد على الفراش بأرهاق ذهني ملموس، تطلع له عمر بحزن فداثره بالغطاء مشيراً لأحمد بجدية
_روح أنت يا أحمد وأنا هفضل جانبه ..
رفع يديه على كتفيه كنوع من المواساة فأبتسم له عمر بسمة مصطنعه تخفى ألماً كبير، غادر أحمد ليتابع العمل باستخدام حاسوبه الشخصي لحين تخطي تلك الازمات، جلس عمر بالقرب من عدي ونظرات تفيضه بحنان ...
أستمع لصوت دقاق على باب الغرفة فأذا بها نور تدلف بنظرات حزينة لرؤية عمر بتلك الحالة فقالت بصوتٍ منخفض بعض الشيء
_هيعدي الازمة دي بخير بأذن الله ربنا كريم وأكيد هينسيه كل حاجه ..

تطلع لها بألم
_يارب يا نور أنا بتعذب وأنا بشوفه كدا ومش قادر أعمله حاجه ..
رفعت يدها على يديه والدموع تسري على وجهها، أنتبه لها عمر فأزاح دمعاتها ببسمة جاهد لرسمها _أنا كويس يا حبيبتي متقلقيش .
أحتضنته بقوة كأنها بحاجه لذاك العناق فهى تحتاج له لجوارها يخفف حزنها لفقدان شقيقتها ورفيقة الدرب ولكن أخيه الأحق بذلك، أبتعدت عنه ببسمة صغيرة ثم توجهت للفراش القابع عليه عدي لتحمل الصغيرة قائلة بسعادة وحنان
_أنتِ صاحية يا قلبي ..

وتوجهت له قائلة ببسمة رقيقة
_شوفت الملاك دا يا عمر
حملها بين ذراعيه فكانت الظروف قاسية لدرجة جعلته يلتهي فلم يهتم لرؤياها، ابتسم قائلاٍ بفرحة
_ما شاء الله
وقبل يدها الصغيرة بحنان وحزن بآنٍ واحد،تراقبت نور ملامحه بأهتمام فكانت سعيدة برؤيته هكذا معها فكم كانت تود أن تخبره بأنها تحمل بجنينه ولكن ربما الوقت لن يسمح بذلك بذا أكتفت بمراقبته بصمت، ناولها عمر الصغيرة لتحملها وتخرج لغرفتها ...

بغرفة معتز ..
تعالت بالبكاء بين أحضانه فأخرجها ليجفف دمعاتها بحنان _طيب ممكن تفهميني بتبكي ليه الوقتي ؟ ..يعني لأي سبب خوفك من الولادة ولا موت رحمة ؟! ..
تطلعت له شروق  بدموع تكسو وجهها _الأتنين مش مصدقة أن رحمة: ماتت يا معتز
رسم الحزن على ملامحه فقال بأيمان قوي
_ربنا يرحم موتنا وموتى المسلمين جميعاً ..
أكملت برجفة تسرى بجسدها _وخايفة أموت وأنا بولد زيها
جذلها لأحضانه سريعاً قائلا بغضب _متقوليش كدا تاني وبعدين الاعمار بيد الله وحده
رددت بخفوت _ونعم بالله ...
وأستقرت بين أحضانه تبكي بغزارة كلما تذكرت لحظات جمعتها بصديقتها الغالية ...

بغرفة مليكة ...
كانت سابحة بملكوت أخر، تتمدد على الفراش بشرود يجتازها ليقطعه صوت طرقات على باب الغرفة فسمحت للطارق بالولوج ظناً بأنها ستري واحدة من أبناء أعمامها ولكنها تفاجئت بأبيها يقف أمامها بثباته الطاغي، تحملت على ذراعيها ببسمة رسمت بجمال لتهمس بخفوت _بابا ! ..
أقترب منها ياسين بأبتسامة عذباء ليمرر يديه على شعرها الطويل بحنان _عاملة أيه يا حبيبتي ؟
أجابته بذهول من وجوده بغرفتها لأول مرة _الحمد لله بقيت أفضل لما شوفت حضرتك .
رفع عيناه المذهبة بأستنكار _مش عارف أنتِ طالعه بكاشة لمين ؟

تعالت ضحكاتها بسعادة فأسترسل حديثه وعيناه تطوف بالغرفة بأستغراب _أمال ياسين فين ؟ ..غريبة يعني يسيبك فى الحالة دي ! ...
بدأ الخوف يلوح بملامح وجهها فشعر ياسين بنظراتها التى تطوف الباب الفاصل بينها وبين غرفة مكتبه بأرتباك لتنقل صورة له عما يجول بخاطرها، لمعت نظرات الغضب بعيناه فتركها وتوجه ليفتح ذاك الباب المغلق، وقف ياسين الجارحي أمام المكتب بنظرات غضب حينما وجد ياسين غافل على مكتبه وأمامه عدد من الملفات تاربخها يعود لما قبل ذلك ليعلم بأنه يعمل هنا منذ مدة طويلة، وقفت لجوار أبيها بخوف فأقتربت من زوجها تحركه برفق _ياسين .
فتح عيناه سريعاً وهو يتفقدها بفزع _فى أيه يا حبيبتي ؟ ..حاسة بحاجة ؟ ..

لمح بعيناها الخوف فتطلع لمحل نظراتها ليتفاجئ بياسين الجارحي أمام عيناه، نهض مردداً بذهول _عمي! ..
خرج صوته الغاضب _برافو عليك يا ياسين لا بجد أنا فخور بيك ..
وضع عيناه أرضاً بخزي فتطلع ياسين لأبنته بحذم _أخرجي بره ..
كادت بالأعتراض ولكن نظراته جعلتها تنصاع له فتركتهم بمفردهم، أقترب ليقف أمامه ليلقي بالملفات أرضاً بغضب
_هي دي الثقة اللي أدتهالك يا ياسين أنا كنت بأخد كل كلامك ثقة قولي هرجع أثق فيك تاني أزاي ..
رفع عيناه إليه قائلاٍ بأحترام
_حضرتك مكبر الموضوع أنا أ...

قطعه حينما رفع يديه ليصمت ليكمل هو
_الموضوع كبير لوحده ..
وتركه وكاد بالتوجه للخروج ولكنه أستدار قائلاٍ بسخرية
_غبي اللي وصفك أنك شبهي للأسف أنت بتشبه يحيي كتير ..
وتطلع له قائلاٍ بنبرة عميقة
_أنا عمري ما ضحيت بحياتي وثانية مع اللي حبيتها عشان حد ...ممكن أضحي بنفسي عشانكم كلكم لكن وقتي معاها دا شيء يخصني لكن أنت بتضيع نفسك من غير ما تحس يا ياسين ودا الفرق اللي بيني وبين يحيي ...
وتركه وغادر ...تركه وكلماته تعبئ رأسه لتحيي شيئاً ما تعمد بها ياسين أن يجعله ينتبه لها ...نعم هو بعيد عن زوجاته لم يشاركها أبسط حقوقها به ...علم الآن بما يريد ياسين الجارحي قوله فأبتسم بفخر لذاك الرجل العظيم ...

بغرفة عدي ...
تبلل وجهه بحبات العرق،فكبتت أنفاسه كأنه يرى كابوساً او يستمع لنداء ما ...فحديث القلوب غامض لا يفقه سوى العشاق ...
عدي...عدي ...
صرخات محملة بالآهات، نداء مختوم بالآنين لعله ...يستمع لها ...ينصت لصوت قلبها الخافق بعشقه هو ...لعله يعلم بأنها هنا! ...مازالت على قيد الحياة ...
بكت بصوتٍ مزق الأغلال المكبلة بجسدها الهزيل لعله يعلم بوجودها ..بكت وخوفها يزداد أضعافٍ مضاعفة من المجهول...
فتح عيناه بلهفة وقلبه يكاد يتوقف من الآلم ليصرخ بقوة:_رحمة ...رحمة..

بحث عنها بالغرفة كالمهوس فنزع عنه الغطاء بجنون يصيح بصوتٍ مرتفع:_رحمة...
أفاق عمر سريعاً بعد أن غفو على مقعده فأسرع إليه قائلاٍ بهدوء:_أهدى يا عدي دا مجرد حلم مش أكتر ..
دفشه بعيداً عنه وهو يحاول الخروج من الغرفة ليسرع إلي الغرفة أحمد ورائد وجاسم في محاولة بائسة لشل حركته ...
أستند عمر على الأريكة بصعوبة ليستعيد قواه المتنزعة لقوة عدي البادية فتطلع له بحزن وكسرة تعرف الطريق لقلبه لأول مرة علي رؤية أخيه ...
حاول جاسم تهدئته ولكن هيهات فصرخ عمر بجنون
_فوووق يا عدي  رحمة خلاص ماتت ...

أسرع إليه رائد  قائلاٍ بحذم
_مش كدا يا عمر الله أنت كدا هتهديه يعني ! ...
زفر بضيق
_بس على الأقل هفوقه من الجنون دا ...
صعق جاسم وأحمد حينما دفشهم عدي بقوة ليقترب بسرعة البرق حتى صار أمام أخيه،عيناها تكاد تحرقه بطوفان بث الرعب بأجسادهم فهو الآن كالمغيب لا يعي ما يفعله ...
رفع يديه ليحيط برقبته ومن ثم رفعه بقوة وعمر بصدمة لا مثيل لها،أسرع إليه أحمد قائلاٍ بصراخ
_لا يا عدي سيبه ...

حاول كثيراً ولكن لم يستطيع فتطلع لجاسم ...ورائد المتصنم محله قائلاٍ بغضب
_أنتوا لسه مكانكم ! ..أتحرك منك له ..
وبالفعل كانت كلماته كافيلة بعودتهم لأرض الواقع فهرولوا إليه مسرعين فى محاولة مستميتة لتخليص عمر ، بترت الحركة وتصنمت النظرات حينما وجدوا من يقف أمامهم بثباتٍ فشل على الدوام بالتخلي عنه .
تعلقت نظرات عدي بياسين الجارحي لثواني ليخرج صوته الحازم وعيناه متعلقة به بتحدي
_سيبه ...

كلمة مختصرة كانت كافية بعودة عدي لواقعه الأليم فأخذ يتطلع لوجه أخيه الشاحب بصدمة من أمره ...كيف تمكن من فعل ذلك! ...تراجع للخلف بعدم تصديق وصدمة تجتاز أواصره،سقط عمر أرضاً وهو يحاول ألتقاط أنفاسه بصعوبة بينما تراقب أحمد ...ورائد... وجاسم رد فعل ياسين بخوفٍ شديد ...
حل الصمت بالغرفة بأكملها ليقطعه صوت ياسين وعيناه تقابل عين عدي _أخرجوا ..
وبالفعل ما أن أنهي كلماته حتى خرج عمر بمعاونة الشباب ليظل عدي بمفرده مع ياسين الجارحي! ...
جلس على الأريكة محتضن وجهه بيديه ليخرج صوته المنكسر:_متسألنيش عملت كدا أزاي ؟ ..

بقي ثابتٍ محله يتابعه بعيناه المذهبة بتفحص وصمت ليكمل عدي بصوتٍ نقل له آنينه _أنا بحس بيها على طول .. اللي أنا فيه دا مش جنون صدقني رحمة عايشة أنا حاسس بيها ...سامعها وهى بتناديني ..حاسس بكل نفس خارج منها ...
مستحيل يكون كل دا جنون مستحيييل ...
وصرخ بألم وهو يضغط على موضع قلبه:_ياررب ...الرحمة بجد مش قادر ...
وخر أرضاً يبكي كالطفل الصغير ...تحرك ياسين بضع خطوات لينحني بوقاره التابع له فوضع يديه على كتفي إبنه ...رفع عيناه ليجد والده أمامه فقال بضيق _عارف أنك مش بتحب تشوفني ضعيف بس أنا فعلاٍ مش قادر ...

لم يتمالك ذاته فأرتمي بأحضان والده ليحتضنه ياسين بقوة وعين تلمع بكبرياء الألم ليخرج صوته المعتاد بالثبات _كل دا هيعدي بس وأنت أقوي ...
وأبعده عن أحضانه قائلاٍ بحذم _لأنك إبن ياسين الجارحي ..دي كافيلة تخليك تقوم من تاني ...
كاد الحديث فقطعه بأشارة يديه قائلاٍ بهدوء بعدما وقف بطالته القابضة _ تأكد أن محدش هيحس بيك غيري عشان كدا لازم تفوق لنفسك لأن الجنون للأسف هيكون لقبك ..

وتركه وخرج ليظل هو محله يتردد كلماته بعقله فيجعله كالصفعات المتتالية لأفاقته، مرت الدقائق وهو ثابتٍ محله لتعاود الآلآم أختراق صدره من جديد ...
...عدي...عدي ...
يا الله قلبه لم يعد يحتمل الآنين فربما أن شعروا بألمه وأستمعوا لما يستمع له لما نعتوه بالجنون! ...
وقف يصرخ بجنون بعدما وضع يديه على أذنيه ليكف الصوت عن أخترقهما _كفاياااااا ...كفاااااااياا ...

لم يشعر بذاته الا وهو يحطم الغرفة بأكملها،صوت تحطيم الزجاج ربما يبعث له راحة ما ولكن بنهاية الأمر خر محطماً مثل تلك الشظايا الملقاة أرضاً ليحتضن قلبه ويترك الآنين يرتعاه لمعت تلك الحقيبة أرضاً لتلفت أنتباهه فجذبها بذهول أزدادت لصدمات متتالية حينما رأى محتوياتها ..كانت بضعة كلمات تركتها له رحمة خوفاً من أن تلقي هتفها فتركت له كلمات عبئت بعشقه ...

أستردت وعيها من جديد لتجد ذاتها بغرفة متهتكة يملأها الغبار، أستندت على جذعها لتجلس مستقيمة لتبدأ رؤيتها بالوضوح، تطلعت للغرفة برعب أزداد حينما رأت ما ترتديه من ثياب ...
حاولت النهوض ولكن صاحت بألم حينما سقطت على أثر السلاسل الحديدية التى تقيد قدماها ويديها فجعلتها كالأسيرة، شعرت بالرعب حينما لمحت جوارها العديد من زجاجات الخمر الفارغة فأحتضنت جسدها بيدها الهزيلة لتكبت شهقاتها برعب أزداد حينما أستمعت لصوت أقدام تقترب منها فأذا بشاب بأخر الغرفة يقف ويتأملها ببرود، الظلام دامس على بعد كبير فأقترب لتبدأ الأضاءة الخافتة بكشفه،جف حلقها فشعرت بأنها قد حملت بمخالب صقر ألقي بها بمياه عميقة دفنت بها سنوات عتيقة من الآنين لتردد بصدمة _أنت ؟ ..

جذب المقعد ليجلس أمامها ببسمة ماكرة كريهة _ أممممم فاكراني أهو أفتكرتك نسيتيني بعد العز دا
أزدردت ريقها بصعوبة وتراجعت للخلف برجفة جعلتها كالصنم لتتعالى ضحكاته الخبيثة قائلا بتسلية _كنتِ فاكرة أنك مش هتشوفيني تاني بس للأسف يا حبيبتي القدر رجعني ليكِ
ثم ألقي بمقعده ليقترب منها قائلاٍ بنبرة كفحيح الأفعي _عشان أنتقم منك ومنه ...

بكت رحمة بضعف محاولة تخليص وجهها من بين يديه ولكنه تعمد أن يغرس أظافره لتصرخ ألماً ليكمل حديثه بغرور _كنت جانبك على طول ومرقبك خلاص كنت هنفذ أنتقامي منك بس لما عرفت بخبر حملك النار غلت فى عروقي لأنك المفروض تكوني مراتي أنا وإبنك دا يكون مني مش منه ملقتش طريقة غير أني أنتقم بطريقة كلاسيكي أضرب 3عصافير بحجر واحد ..
تطلعت له بعدم فهم فأكمل بغرور _أقنعت الدكتور بعد عذاب أنه يغير تحاليك والأشعه اللي عملتيها عشان يوهم الكل أن حملك فيه مشاكل وبكدا موتك هيكون طييعي ..

تطلعت له بصدمة بلدت حواسها الا دمعتها المتكورة بضعف ليسترسل حديثه بتفخار _صحيح الدكتور كان تمنه غالي بس قام بالمهمة ومثل الدور صح ...
صاحت بصوتٍ يكاد يكون مسموع من شدة البكاء _أنت أنسان مريض..
تعالت ضحكاته وهو يزداد بألمها ليمتلأ وجهها بالدماء _المريض دا هيوريكِ أسوء أيام حياتك يا رحمة ..
ودفشها بقوة لترتطم بالحائط فيزداد نزيفها حتى جرح بطنها أثر الجراحة صار يؤلمها حد الموت، تكورت على نفسها بصراخ ودموع لينخفض لمستواها مشيراً بشماتة _تو تو الآلم لسه جاي وبعدين أنا عايزك قوية كدا عشان تقدري تتحملي صدمة موت إبنك ...

رفعت عيناها له بألم مشيرة له بأنه كاذب فأشار لها بتأكيد _ دا كان خارج الخطة ارادة ربك بقى ان البت اللي تكون عايشة والولد يموت ..
داهمها الألم فبكت بجنون فأكمل بفرحة لرؤيتها هكذا _الشيء الوحيد اللي أثر فيا هو عدي ..
أنتبهت له حينما لفظ أسم معشوقها فأكمل بحزن مصطنع _مستحملش اللي حصلك فضرب نفسه بالنار ولاقي وجه كريم ..
صرخت به بجنون _أنت كدااااب
نهض ليكون أمام عيناها بعدم مبالة _اللي حصل أنتِ عرفتيه ..

وتركها وهم بالرحيل ولكنه أستدار قائلا ببسمة شماته _عايزك تتأقلمي مع المكان هنا لأنك هتقضي عمرك فيه مهو مستحيل حد يدور على حد ميت ومدفون فى قبره ! ..
وتعالت ضحكاته اللعينه ليغادر الغرفة فأغلقتها رجاله بقفل سميك، أما هي فكانت كمن قذفها بين النيران تبكي بقوة وضعف وصراخ ...قلبها يرفض تصيق ذلك ...لا تعلم اتصرخ لفقدان إبنها أم لمعشوقها أم لما حدث بها ...أرتمت أرضاً بآنين ...الرؤيا تتلاشي بعيناها والألم ينهشها كوحش جائع ...الظلام يسحبها بلا رأفة ..كل ما رددته بضعف وعيناه تنغلق أسمه الحامي لها على الدوام ...مع كل حرف يقشعر له نبض القلب وتنقله هواجس الارواح _ ..عدي ...

عاشقان أجبرهم القدر على تقبل موت كلا منهم ولكن مازال القلب ينبض ...مازالت الروح هائمة ...مازال هناك نفساً يهلل بالحياة ..آذن ما يقوله العالم بأكمله مجرد أوهام فالعاشق على قيد الحياة هكذا ما سيثبته عشق عدي ورحمة ليختم بالامجاد ويلون بأنشودة العشق واللقاء ...

 

تااااابع ◄

أحدث أقدم

نموذج الاتصال