-->

رواية لروحك عطر لا ينسى الفصل الرابع

 

 

 - ايوة، مين معايا؟
أتتها إجابته بعد لحظات
- انا ابوكِ
اتسعت مقلتيها بصدمة عند اختراق تلك الكلمة لطبلة اذنها، دفعت الهاتف عن اذنها لتلقيه على السرير كأنه أفعى سامة وهي تلهث بعنف، توقف عقلها عن العمل لدقيقة كاملة وهي تجول بنظراتها حولها حتى ادركت نفسها اخيراً، اسرعت لتلتقط الهاتف مرة اخرى بلهفة وتضعه على اذنها بحذر، ازدردت ريقها قبل ان تخرج حروفها بخوف..


- با، با!

صوت انفاسه المتوترة وصلت لها، لم يأتي رده سريعاً التي استنتجت ان سببه هو توتر الاخر
- اخيرا! اخيرا وصلتلك! اخيرا سمعت صوتك!
ظهر على صوته التأثر حيث كان ضعيف ومشتاق، فرقت شفتيها وهي تجاهد ان تخرج حروفها بصعوبة بسبب صدمتها، أهو والدها حقاً!، ازدردت ريقها اكثر من مرة يتوتر شديد، نجحت اخيرا في إخراج صوتها الذي كان مُهتزاً
- جبت رقمي منين؟

ضربت رأسها بكفها على سخافة سؤالها، ألم تجد شيء لتقوله سوى سؤاله الان والتحقيق معه!، اجابها
- لقيته من بين الف رقم صاحب الاسم يارا
وجدت نفسها تبتسم براحة لأنها لم تتخلص من خطها القديم الذي تضعه بجانب الخط الجديد الخاص بإسم سلمى، فما كان والدها ليصل اليها، تنهد وهو يُكمِل بسعادة
- الموضوع كان صعب ومُتعب، بس وصولتلك في الاخر ودة المهم.

عم الصمت، صوت انفاسهم المتوترة فقط التي تصل للطرفين، اضطربت انفاسها اكثر وامتلأت مقلتيها بالدموع بغزارة وهي تسمع قوله الذي لامس قلبها المتعطش
- وحشتيني يا بنتي.

فرت منها شهقة بكاء بعد قوله والذي دفعها لتبعد الهاتف عن اذنها وتعلق الخط بأنامل حادة، ضمت قدميها اليها ورفعت كفيها الى وجهها تخفيه بهما وهي تبكي، تبكي لذلك الشعور التي لم تتخيل يوماً انها ستشعر به رغم حلمها المستمر، لقد عاد والدها!، عاد من تخلى عنها! عاد اخيراً بعد خمسة عشر سنة، تذكرها الان فقط!، زاد نحيبها بقهر، عاد الان لكنه تأخر كثيراً رغم ذلك، هي راضية!، بعد ما فعله هي راضية!

ابعدت كفيها عن وجهها لتنظر لشاشة الهاتف التي تنير برقمه، كم ترغب في الرد، ان تسمع صوته مرة اخرى لكن صورتها هي ووالدتها ترسخت امامها بطريقة موحشة منعتها، اغلقت الهاتف بغضب مُناقض لِم كانت تشعر به منذ لحظات؛ انتفضت بفزع اثر اقتحام عمر للغرفة حيث فتح الباب فجأة وبعنف، لاوته ظهرها وهي تتنفس بخشونة هاتفة بغضب حقيقي
- الف مرة قولتلك متفتحش الباب بالطريقة الزفت دي
- مش بيتي!

اجابها بطريقته المستفزة وهو يضع كفيه في جيوب بنطاله، أضاف بسلاسة
- وغير كدة انتِ بتعملي زيي وبتدخلي من غير ما تخبطي
وضحت له بخشونة وهي تتجه للخزانة وتفتحها
- في فرق بيني وبينك
لم يُطِل في الحديث عن ذلك فهو لم يأتي لإكمال سلسة الاستفزاز التي بينهم
- المهم، خدتي الدوا؟
استدارت له بتلقائية وحاجبيها مرفوعين بذهول اقرب للصدمة، قالت بريبة
- جيت عشان تسأل عن دوايا بس!

ادركت انها أظهرت له وجهها حين وجدته يحدق بها بعينين تتفحصانها بدقة وهو يقترب بضع خطوات، فأستدارت سريعاً لتمثل انها تبحث عن شيء داخل الخزانة، لكن تهربها لم يمنعه من سؤالها
- بتعيطي لية؟، حصل حاجة؟
ضحكت بإستخفاف وهي تنكر بتهكم
- مين بيعيط انت كمان!
لم يقتنع، استطردت هاربة بإجابتها عن سؤاله الاول
- لسة هاخد الدوا دلوقتي.

علم انها تتهرب من إجابته كما انها تتجنب إظهار وجهها له، لذا انسحب ولم يُصِر على الحصول على إجابة، قال بعد ثوان من الصمت
- ماشي، متنسيش تاخديه
ثم استدار وهو يتجه للباب لكن قبل ان يصل للأخير وجدها تخبره ب
- هروح ل ماما زي المرة اللي فاتت وارجع الصبح
توقف ينظر لها من فوق كتفه وهو يلويها ظهره قائلاً
- ولية بتقوليلي؟
تنفست بخشونة وهي تُجيب بإنفعال
- خلاص اعتبرني مقولتلكش.

ثم نهرت نفسها، لماذا اخبرته؟، التفتت ببطء حين استمعت لوقع خطواته تبتعد حتى غادر الغرفة.

اليوم التالي -الساعة السادسة صباحاً-.

كالمرة السابقة وجدت عمر جالساً في الحديقة يقرأ كتاباً، القت بجسدها على الأريكة الناعمة بفتور امامه، اعادت رأسها للخلف وهي تتنهد بثقل، فلم تستطع ان تنام كما توقعت، فقد ذهبت لقضاء الليل بجوار والدتها لعلها تستطيع ان تنعم بالراحة لكن مكالمة والدها عكرت ليلها وحتى الان، كم ارادت ان تتحدث مع والدتها عن الامر لكنها تراجعت ولا تعلم السبب، فكرت ان تتحدث مع ملك لكنها لن تفهمها، لا احد يستطيع فهم ألم الغير إذ لم يمر به، ولا يستطع مواساته بالطريقة المطلوبة، كم تبغض الكلمات الجاهزة التقليدية المتداولة.

- اية صحيت بسبب كابوس تاني!
وجدت نفسها تسأله، لعلها ارادت ان تهرب من ضجيج تفكيرها بإستفزازه!، لكنه تخطى نبرة السخرية التي لامست قولها وسأل دون ان يبعد نظراته عن الكتاب
- بقيتي احسن؟
رفعت رأسها لتنظر له، جذب انتباهها غلاف الكتاب الذي يمسكه، سألته بفضول
- اسم الكتاب اية؟
- علامات الحب السبعة
اجابها للمرة الثانية دون ان ينظر لها، اخبرته بهدوء
- بعد ما تخلصه ادهوني
- لية!
- اكيد عشان اقرأه.

رفع نظراته اليها اخيراً وهو يقول بتفكير زائف
- في واحدة كانت قايلة ان الحب تافه وانه مبيأكلش عيش
دُهِشت، كيف يتذكر الأمور الصغيرة بهذه الطريقة!، بررت بعناد
- ايوة ولسة عند رأيي، بس بقرأ عنه عادي
انتقضها بتهكم
- بتقرأي عن حاجة مش معترفة بوجودها؟
شردت وهي تقول بتلقائية، بدت مُحبطة
- مكنش في حياتي نموذج واحد يخليني اقتنع بوجوده.

شعرت بحدقتيه المُسلطة عليها بتعمق، تقابلت نظراتها معه لثواني قبل ان تهرب بهما بعيداً، شعرت بفضوله حولها!، اجابته على سؤاله بتوتر ظهر بشكل طفيف على نبرتها
- اهو بسلي نفسي وخلاص
هز رأسه عدة مرات قبل ان يُعيد نظراته الهادئة لكتابه الذي اشترته له رضوى في يوم من الايام، تطرقت لموضوع اخر بسؤالها
- بس مش غريبة راجل يقرأ كتاب عن الحب؟
رفع نظراته اليها عاقداً حاجبيه بإستغراب
- لية ممنوع نقرأ عن الحب؟

- مش كدة، بس بحس ان الكلام دة للبنات اكتر
عقدت حاجبيها بعدم فهم حين تمتم بشرود
- ممكن عشان منها قرأته
صمت قليلاً قبل ان يردف
- الراجل اللي يجرب الحب بيحب يقرأ عنه
تنهدت يارا وهي تشعر بالأسى، همست وهي تسند رأسها على ظهر الأريكة هامسة
- محظوظة بِك
- مين دي؟
- حبيبتك مين غيرها!

اجابته بتلقائية وهي شاردة، غفلت لوهلة عن وجوده وأنها تحدثت مع نفسها بصوت مرتفع كعادتها الغبية، حركت حدقتيها اليه ببطء حين وصل لها قوله المتهكم
- دلوقتي بقِت محظوظة!
احمر وجهها اثر إحراجها من قولها الذي خرج منها دون إرادة منها، بينما اكمل بحنق دفين مع الحفاظ على نبرته التهكمية
- مش من فترة كانت محظوظة لانها هربت مني عشان انا أناني وحقير!

ازدردت ريقها بصعوبة لترسم بعدها ابتسامة بالية على شفتيها قبل ان تنهض بحزم قائلة بصرامة مصطنعة
- ومازلت عند كلامي الاول
ابتسم بخشونة معاكسة بنبرته الهادئة المستفزة
- رأيك ميهمنيش
- باين اوي
قالتها بمشاكسة وهي تبتعد لتختفي خلال ثواني خلف زجاج الشرفة.

ظهر اليوم
خرجت ملك من شقتها وهي تضع أغراضها في حقيبتها بتعجل، هبطت درجات السلم سريعاً وهي تدعو الله ان تصل في وقت العمل ولا تتأخر، لاينقصنا إلا الخصم من راتبها بسبب تأخرها الذي اصبح عادة في الفترة الاخيرة، لكنها معذورة فهي لا تأخذ ذلك القسط الكافي من الراحة والنوم.

اقتربت من محطة الباصات وأكملت ركضاً حين رأت الحافلة التي توصلها تتوقف في المحطة ليصعد الرُكاب، لحقت بها بأعجوبة وصعدتها بين ذلك الحشد.

تنفست الصُعداء وهي تقف جانباً، نظرات للساعة، امامها نصف ساعة فقط لتصل لعملها، تتمنى فقط الا يحصل شيء ويُعيق وصولها، اخرجت هاتفها من حقيبتها لتفتح الرسائل التي وصلت لها صباحاً ولم تستطع قراءتها بسبب تعجلها، عقدت حاجبيها حين لمحت غرفة الدردشة الخاصة بصديقات الجامعة مُحدثة، دخلتها وقرأت محتواها، ومع كل حرف كان يحمر وجهها حنقاً
- اخس عليكِ مش تقوليلنا انك ارتبطتي؟ يعني نعرف من كريم بالصدفة!، كريم!

- افتكرنا اننا لسة صحاب زي ايام الجامعة
- يعني احنا بنقولك كل حاجة تخصنا وانتِ لا!، مخبية علينا!
تنفست بغضب وهي تقرأ رسائلهم المُعاتبة، ذلك الحقير اسرع لإخبارهم دون خجل، كيف لرجل ان يتصرف بهذه الطريقة!، رفعت رأسها محاولة منع دموعها من الانهمار، حتى وهي غاضبة تبكي!، تباً له ولليوم الذي أحبته فيه، كيف أحبته!، كيف كانت عمياء وحمقاء لتحب وغد مثله!

عادت لتنظر للشاشة وتبرر لهم مُتابعة الكذبة التي صنعها إياد، لذا صنعت قصة بينهما لترويها لهم.
- الموضوع لسة جديد يا بنات والله ومبقلهوش اسبوع حتى، كنت ناوية أقولكم بس كنت مشغولة اوي فأعذروني؛ الحصل اني اعرفه من شهرين كدة كان زبون عندي، ابتدت بنظرات وكلام بسيط كدة وبعدها اتكلمنا واتس وهوب فجأة لقيته بيقولي انه عايز يرتبط بيا
اتاها ردودهم خلال لحظات
- بالسرعة دي!
- مش تتقلي يا بنتي!

- لا عايزين نعرف التفاصيل يا لوكة
- تيجوا نتقابل النهاردة؟
ضربت ملك جبينها بفزع حين رأت اخر جملة، كيف تتصرف الان؟، توترت اكثر بعد موافقة جميع الأطراف سريعاً، لم يتبقى إلا هي، فوافقت رغماً عنها.
اسرعت لتهاتف يارا وهي تكاد ان تبكي بقهر مُنتظرة إجابة الاخيرة التي لا ترُد، ابعدت الهاتف عن اذنها بحدة وضغطت بأصابعها بقسوة على الشاشة وهي تُرسل رسالة الى يارا، رسالة مُشتتة غير مُنسقة بالمرة.

- الحقيني، انا كملت الكدبة بتاعة اياد واصحاب الجامعة هقابلهم النهاردة، اعمل اية؟، هعمل اية في المصيبة دي!، اتصلي بيا اول ما تشوفي الرسالة.

في فيلا إبراهيم السويفي
عادت يارا لغرفتها بعد ان ساعدت سهام في اخذ حمام ساخن أصرت هي على مساعدتها فيه، جلست على الأريكة مُلتقطة هاتفها، شهقت حين قرأت رسالة ملك لها وعاودت الاتصال بالأخيرة سريعاً لكنها لم تُجيب إلا مع الاتصال الخامس
- اخيراً رديتي يا بنتي!
عاتبتها ملك بحنق
- انتِ اللي اخيراً اتصلتي!، ها الحقيني وقوليلي اعمل اية؟ اتصرف ازاي؟
- فهميني طيب حصل اية؟

- اللي كنت خايفة منه حصل، الزفت كريم قالهم عن انه قابلني مع حبيبي الجديد ودلوقتي هما دخلوا كلموني وزعلانين لاني خبيت عليهم، وفجأة قالوا تعالو نتقابل واتفقوا فأضطريت أوافق
أكملت بتوتر ظهر جلياً على صوتها المُنفعل
- اكيد هيسألوني اسألة كتير وانا مش مظبطة حاجة، يعني قولتلهم اني عرفته بالصدفة وكدة بس هما عايزين تفاصيل مش موجودة اصلاً، فعمل اية؟ اتصرف ازااااي؟

- لو عليا كنت اجي معاكِ واساعدك بس مش هينفع ارد مكانك قدامهم فبالتالي تعالي نتفق دلوقتي على الكلام اللي هتقوليه
قالت ملك بصوت اقرب للبكاء
- انا متوترة اوي وأعصابي سايبة وحاسة اني هطين الدنيا وهعوك
- خلي عندك ثقة في نفسك و..
قاطعتها ملك بإحباط
- لا لا معنديش، الثقة مش موجودة عندي لما أتوتر
- خلاص عندي فكرة
- اية هي؟، قوليها بسرعة
- إياد يجي معاكِ ويتكلم بدالك
- نعم!، لا مش عايزة ادخله في الموضوع اكتر.

ضربت الارض بقدمها بغضب وهي تبكي بقهر
- ربنا يسامحه هو اللي دخلني في الموال دة
تنهدت يارا بإستياء وقالت مُحاولة تهدأة صديقتها
- يابنتي بتعيطي لية دلوقتي!، الحصل حصل خلاص وانا شايفة ان لما إياد يجي معاكِ الدنيا هتمشي كويس جدا ومحدش..
قاطعتها ملك بصراحة
- مكسوفة اطلب منه يجي، وشايفة ان مجيته مش صح بس تفتكري انه هيتصرف بالطريقة الصح قدامهم!
لم تنتظر الرد من الأُخرى واردفت بشجاعة حاولت ادخالها لقلبها.

- انا هحاول اتصرف، هحاول ابقى هادية هحا...
لكنها لم تستطع، قاطعت قولها لتستبدله بآخر مُستاء وجزِع
- لا لا انا مش هقدر، لا مش هعرف اتصرف
تنفست يارا بنفاذ صبر وقالت بحزم
- بس يا ملك بس، ابعتيلي عنوان المكان اللي هتتقابلوا فيه وانا هتصرفلك، اقفلي
دائماً ما كان الحال هكذا، يارا التي تحاول حل مشاكل ملك المُتذبذبة، رغم إن شخصياتهم مُختلفة إلا انهم مُتفاهمتان جدا ويُكملان بعضهما البعض.

نهضت يارا لتتجه لغرفة عمر وتقتحمها كالعادة، لكنها وجدته نائم، تقدمت لتقف بجوار السرير تنظر له بصمت، ظلت هكذا لعدة دقائق قبل ان تنتبه لنفسها، انحنت بإنفعال لتصبح اقرب اليه وهي تصرخ بجوار أذنه بقوة
- عمرررر.

اتسعت مقلتيه بفزع لتظهر حدقتيه المُشتعلة وتقابل بندقيتها بهذا القرب للمرة الاولى، رمشت اكثر من مرة ببلاهة وهي سجينة لعينيه التي اكتشتفت انها لم تكن خضراء من البداية!، بلعت ريقها بتوتر وهي تهرب بحدقتيها بعيداً عنه ثم اعتدلت لتقف مُستقيمة والأجواء أصبحت مضطربة من حولها.
بينما تنفس هو بخشونة وهو يعتدل رامقاً اياها بغضب، انفجر بها موبخاً اياها
- حد يصحي بني آدم بالطريقة دي؟

ابتسمت بنزق وهي تُجيبه بهدوء مستفز
- ايوة انا
- يارا مش هقدر استحملك كتير، ومش عايز استحملك اكتر م...
قاطعت قوله العنيف بطلبها
- عايزة رقم إياد
صمت لوهلة قبل ان يستفسر بعيون ضيقة
- لية؟
اجابته بإقتضاب
- محتاجاه في حاجة
- اية هي الحاجة؟
انه مُصِر، قالت بعناد
- مش لازم تعرف
- لا لازم
قالها بحزم، فزفرت بضيق وهي تقول بضجر
- تبقى تسأله، هتدهوني ولا لا؟
اعاد ظهره ليسنده على ظهر السرير، نظر لها بلامبالاة قائلاً
- لا.

تنفست بقوة وهي ترمقه بغيظ قائلة بشراسة وتوعد
- ماااشي
اتجهت للباب مُغادرة بخطوات غاضبة، عاودت الاتصال ب ملك لتطلب منها رقم إياد والتي أعطتها اياه بعد جدال طويل معها.

بدأ الليل يسدل ستاره
وصل إياد لعنوان المقهى الذي أرسلته له يارا، توقف للحظة فور دخوله باحثاً عن ملك بعينيه، اكمل سيره بخطوات واثقة حين وجدها وتوقف خلفها ليقول وهو ينظر لأصدقائها
- مساء الخير
تسلطت نظراتهم عليه وبدت الحيرة على وجوههم، حتى هي جفلت حين سمعت صوته ونظرت له بصدمة، فقد اخبرتها يارا ان إياد قد رفض ان يأتي لمساعدتها، هل كذبت عليها حتى تجعلها تطمأن!
ابتسمت بتوتر وهي تقف لتقدمه لهم.

- هو دة إياد
تعالت الدهشة على وجوههم ثم توالت نظرات الإعجاب والرضا والحسد!، انه جذاب بجسده الرياضي وقامته المديدة مع بشرته الحنطية وحاجبيه الداكنين كشعر رأسه المصفف بطريقة أنيقة تمنحه مظهراً جذاباً الى حد بعيداً، فهو مُلقب ب المدفع بين أصدقائه لجاذبيته وسرعة إقبال المرأة اليه.
- اسف اتأخرت عليكِ يا حبيبتي.

قالها بود وهو يتلمس وجنتها بظهر كفه قبل ان يجلس ويلتقط كفها بنعومة ليسحبها وتجلس بجواره، مازالت تحدق به كالبلهاء، مازالت مصدومة، ابتلعت ريقها بتوتر وهي تُشيح بنظراتها عنه قائلة
- مش كنتم عايزين تشوفوه!، اهو جالكم بنفسه
ادركت انه يحتجز كفها بين أصابعه فحاولت سحبها بالخفاء بينما كانت تستمع لأقوالهم التي اتجهت بعضها للمزاح والأخرى للجدية
- صراحة حقك تحبيه بالسرعة دي ههه
- بجد مش مصدقة انك ارتبطتي تاني.

- حق كريم يبقى مضايق بعد ما شافه
توقفت ملك عن مُحاولاتها للتخلص من كفه حين وصل لها القول الاخير، لا تعلم لِم غمرتها السعادة فجأة والرضا لوجود إياد وتدخله، اتسعت إبتسامة ملك وهي تقول بحب، انها تتقن دورها
- طبعاً انا محظوظة ب إياد
احمر وجهها خجلاً من تقبيل إياد لكفها فجأة، رغم انها تعلم ان هذا تمثيل ولكن..
اشاحت وجهها بعيداً وهي تستمع لعرضه المُهذب
- اطلبوا اي حاجة، الحساب عليا.

نهضت ملك فجأة وقالت لصديقاتها
- هروح الحمام وارجعلكم
حانت منها نظرة سريعة ل إياد قبل ان تبتعد مِتجهة للمرحاض، بينما تجاذب هو وصديقاتها أطراف الحديث عن عمله وقصة حبهما.

في فيلا إبراهيم السويفي
كانت يارا جالسة بجوار إبراهيم في هذا التجمع العائلي السعيد، كان الجميع يتجاذب أطراف الحديث مع بعضهم البعض، تارة يتحدثون عن الماضي وتارة يضحكون على بعض النكت التي تلقيها يارا وتارة اخرى يتحدثون عن العمل، قطع حديثهم رنين هاتف الاخيرة فأستأذنت لترد مُتجهة للشرفة
- ايوة يا لوكة
اتاها صوت ملك المرتفع الغاضب
- انتِ بتضحكي عليا يا يارا وتقوليلي ان إياد مش جي؟

ردت يارا بهدوء وبساطة
- متقلقيش فهمته كل حاجة وعرفته باللي لازم يعرفه
تنفست ملك بخشونة وهي تقول بحدة
- بكره لما تتصرفي بمزاجك يا يارا
تنهدت يارا قبل ان تخبرها بثقة
- هتشكريني بعدين
استدارت يارا لتنظر للداخل بتلقائية وجدت عمر ينظر إتجاهها بعيون كالصقر، عادت لتلويه ظهرها وهي تقول ل ملك
- اهدي كدة ومتتوتريش وكملي التمثيلية مع إياد وكله هيبقى تمام
انهت المكالمة بعد عدة جمل تشجيعية، عادت للداخل وسألتهم.

- اعملكم حاجة سخنة؟
ردت سهام بلطف
- متتعبيش نفسك يا حبيبتي
- انا كدة كدة هعمل لنفسي فهعملكم معايا
اخبرها إبراهيم
- طب اطلبي من ام محمود تعملك
ردت عليه سهام
- ام محمود مشيت بدري النهاردة عشان ابنها تعبان
- مش مشكلة بقى انا هعمله، متقلقش بعرف اعمله
قالت جملتها الاخيرة بمزاح، فضحك إبراهيم وقال موافقاً
- ماشي اعملي ليا ولأمك شاي بنعناع
اومأت سهام برأسها برضا، قال عمر آمراً اياها بتسلط
- وانا قهوة.

قبل ان ترمقه بحنق كان قد اتى رد إبراهيم الرافض
- لا انت قوم اعمل لنفسك، انا مش فاهم انت لية خدت اجازة!
- ماشي، هقوم اعملها لنفسي..
نهض عمر بعنف ليتخطى يارا ويتجه للمطبخ، فلحقت به.
فور دخولهما للمطبخ، قالت يارا بشماتة
- احسن، وعلى فكرة مكنتش هعملك حاجة
استدار ناظراً اليها بهدوء قائلاً
- اعمِلك معايا؟
ارتفع حاجبيها بذهول من سؤاله، تمتمت ببلاهة
- نعم!

ابتسم بود كان مُريب بالنسبة لها، تخطاها ليصنع له ولها القهوة، قال بصوت مرتفع حتى تستيقظ من ذهولها
- يلا اعملي الشاي
تحركت سريعاً لتفعل ذلك، حانت منها نظرة تمتلأ بالشك ناحيته، سألته بريبة
- هتحطلي سم فيها ولا اية؟
ضحك بتسلية قائلاً بجدية
- مش هموتك دلوقتي عشان محتاجك
هزت رأسها بإقتناع، لكنها مازالت تشك به، فهذا تصرف غير متوقع منه، هل عمر حقاً عرض ان يصنع القهوة لها! اهو بكامل قواه العقلية؟

جذب انتباهها إعلان هاتفها عن وصول رسالة، أخرجته من جيبها لتفتح الرسالة وترى محتواها، كانت من والدها
- وحشتيني ونفسي اشوفك، هستناكِ بكرة الساعة تمانية في مطعم
ظلت تحدق في الرسالة لدقائق كثيرة، دق قلبها بسعادة لرسالته وسرعان ما تحولت سعادتها لحيرة وتخبط، هل تستطيع مقابلته حقاً!، هل لديها الشجاعة لفعل ذلك؟

استيقظت من شرودها على الصوت الإلكتروني الذي نبهها على انتهاء غليان الماء، اعادت هاتفها لجيبها لتصب الماء المغلي وتصنع الشاي.
رفعت رأسها لتنظر ل عمر الذي قدم لها فنجان القهوة، التقطته دون تفكير وقالت بفضول
- ياترى طعمها اية!

كان قد حرص عمر على الوقوف جانباً وإبتسامة شريرة تظهر وتختفي على شفتيه، تابعها بترقب وهي تُقرب الفنجان من شفتيها وتحتسي منه بجهل وإطمئنان، وما لبثت ان أبعدته بقرف وبصقت ما بفمها بقوة ليتناثر على الرخام وملابسها.
استدارت اليه بخشونة حين تعالت ضحكاته، الحقير خدعها ووضع الملح والفلفل الاسود في قهوتها، لقد استغل انشغالها بالهاتف ليضعهم.
قال بسخرية وهو ينظر لها بإنتصار
- انتِ صدقتي اني هعملك قهوة بجد!

اتجهت له بخطوات غاضبة وهي تحمل فنجان قهوتها في يدها، وبحركة سريعة كانت قد ألقتها على ملابسه حتى تتسخ وتحرقه!، لم تفكر حين تصرفت بأن القهوة ساخنة، كان كل تفكيرها ان تنتقم منه، لكن صرخته المُتألمة جعلتها تدرك تصرفها المتهور، صوب نظراته الحمراء اليه، يكاد ان يفتك بها لكن دخول إبراهيم وخلفه سهام منعه، ضربت الاخيرة على صدرها بهلع وهي تهتف بجزع اثناء اقترابها منه.

- بسم الله عليك يا حبيبي، انحرقت!، سخنة اوي؟
- انا وقعتها عليه بالغلط، انا اسفة
اعتذرت يارا بندم حقيقي وهي تخفض رأسها، قال إبراهيم بهدوء
- خلاص مش مشكلة، حصل خير
استنكر عمر بخشونة وهو يتنفس بألم
- مش مشكلة! بقولك اتحرقت
فتحت سهام أزرار قميصه لتنظر لأحمرار صدره، قالت بإطمئنان
- الحمدالله حرق بسيط، تعال بسرعة احطلك عليه كريم الحروق.

رفعت يارا حدقتيها بحذر لصدره، وبخت نفسها بشدة على تصرفها الغبي، بينما اتجه عمر مع سهام لغرفته.

بعد مرور ساعتين، في المقهى
ودعت ملك صديقاتها واتجهت مع إياد لسيارته لتتخذ مكانها بجواره، بعد صمت قليل قال الاخير
- مشلتيش البلوك للان
ردت بخفوت
- نسيت
قال بهزء يدل على عدم تصديقه، انه يعرف جيداً هذا النوع من التصرفات
- لا بجد نسيتي!
فهمت انه يكذبها، فقالت بإنفعال مُدافعة عن نفسها
- عفكرة مبكدبش، انا فعلاً نسيت
نظر لها بطرف عينيه للحظة قبل ان يقول بهدوء
- مش هتشكريني؟
ردت بغباء ودون تفكير
- اشكرك لية؟

ارتفع حاجبيه بذهول قائلاً بإستنكار
- مش عارفة لية؟!
ضمت كفها وهي تسب نفسها لسؤالها الغبي، قالت بإستياء بجانب نبرتها الخافتة
- عشان لسة متوترة فهتلاقيني تايهة شوية
رفعت نظراتها اليه وقالت بإمتنان
- طبعاً هشكرك على مساعدتك ليا، ان شاء الله دي هتبقى اخر مرة ومش هتضطر تواجه ظرف زي دة تاني
قال بتذمر وضيق
- يعني مش هشوفك تاني؟
اتسعت مقلتيها قليلاً وهي تهمس ببلاهة
- نعم!
فهمت قوله البسيط بعد ثوان، قالت بثبات.

- لا، ملهوش لازمة
اكمل بإنزعاج وهو يحدث نفسه بصوت مرتفع
- دة انا ما صدقت ان المحامية يارا رضيت اقرب منِك
لم تفهم ما يقصده، سألته بحيرة
- محامية يارا؟، مش فاهمة
ابتسم في حنق قائلاً
- كنت سألت يارا عليكِ، سؤال بسيط خالص لقيتها بتهددني اني مقربش منك، مع العِلم اني كنت مُعجب بيكِ بجد.

قال جملته الاخير قصداً، فأحمر وجهها خجلاً وشعرت بحرارة تصعد لوجنتيها، نزعت حزام الأمان بتوتر وهي تقول بتلعثم ناظرة لنقطة بعيدة عنه
- نزلني هنا لوسمحت
نظر لها ولاحظ خجلها الظاهر جلياً، ابتسم بهدوء مُعترضاً
- لا، هوصلك للمكان اللي هتروحي له
تنفست بقوة وهي تُعيد قولها لكن بحزم هذه المرة
- لوسمحت نزلني هنا
اوقف السيارة جانباً وهو يقول
- هتنزلي عشان قولت اني مُعجب بيكِ بس!

لم ترد، ترجلت من السيارة دون ان تودعه حتى، سارت بخطوات مُتسارعة هاربة منه ومن نظراته التي تشعر بتسلطها على ظهرها.
بعد ان تأكد من صعودها الحافلة انطلق من جديد وعلى وجهه إبتسامة مُستمتعة.

اليوم التالي -الساعة الخامسة عصراً-
صعدت يارا بجوار عمر في السيارة لينطلق لوجهتهم في صمت، كان من المفترض ان تذهب سهام لأحد أقاربها لتعطيهم أمانة، عرضت عليها يارا ان تذهب بدلاً منها فمن العصب على سهام الخروج، فوافقت الاخيرة بعد إلحاح من يارا.
طلبت سهام من عمر ان يذهب مع اخته حتى لا تذهب بمفردها وأيضاً حتى يتعرف الاخير على أقارب والدته التي لا توجد صلة قوية بينهم.
- صدرك لسة بيحرقك؟

قطعت يارا ذلك الصمت الطويل بسؤالها، لكنه لم يعيرها اي اهتمام، تجاهلها كما كان يفعل منذ صباح اليوم، ضمت قبتضها بقوة تحاول الانتصار على عنادها والاعتذار، وحدث لكنها عانت من صعوبة إخراج حروفها
- انا اسفة..
أكملت لكن بإنفعال مُبررة فعلتها بخشونة، لا تستطيع ان تكون ناعمة حتى اثناء اعتذارها!
- بس انت اللي بدأت فأستحمل الحصلك
قال عمر بصوته الأجش الصارم
- مش عايز اسمع صوتك، ممكن!

نظرت له ثم اومأت برأسها وهي ترد بخضوع، فهي لا تُلطف الاجواء بينهم بل تشعلها اكثر، لذا الأفضل ان تصمت
- ممكن
بعد مرور فترة وجيزة كانا قد وصلا للعنوان المقصود، امرها بجفاء
- يلا انزلي
- اية مش هتيجي معايا؟، ماما سهام قال..
قاطعها بنفاذ صبر
- لا مش هاجي، خلصي بسرعة وانزلي، هستناكِ هنا
لن تجادله، سألته لتتأكد
- بس الشقة رقم كام؟، عشرين؟
صحح لها
- عشرة
- مش عشرين!
نظر لها بطرف عينيه، فهزت رأسها وتمتمت
- عشرة عشرة.

ثم ترجلت واتجهت للمبنى، توقفت امام المصعد مُنتظرة قدومه، صعدته و نظرت للورقة المُلصقة على جدراه والتي توضح ما يحتويه كل طابق من شقق، ضغطت على الزر الذي يحمل رقم 4 وانتظرت لتصل للطابق المقصود.
توقفت في الطابق تنظر حولها باحثة عن الشقة التي تحمل رقم 10 وقد وجدتها، اتجهت لها ودقت الجرس وانتظرت اي استجابة، فُتِح الباب ليظهر لها رجل ثلاثيني حالته غير مُرتبة بالمرة، سألته بإحترام
- طنط حنان موجودة؟

تأملها الرجل من رأسها حتى اخمص قدميها مما اشعرها بعدم الراحة، عاد لينظر لوجهها قائلاًمع ابتسامة واسعة
- ايوة، اتفضلي
اومأت برأسها ودلفت، توقفت للحظة حين رأت تدهور حالة الشقة، انتشلها من مشاهدتها الصامتة قائلاً
- اتفضلي اقعدي
هزت راسها مرة اخرى وجلست على الأريكة بينما عينيها تدور في المكان، توقف بصرها عليه وهو يلويها ظهره ويبدو انه يصب مشروب ليقدمه لها، طلبت منه
- ممكن تنادي طنط حنان؟

استدار لها وهو يحمل كأس به سائل ذهبي قدمه لها وفي يده الأخرى يحمل زجاجة عرفت سريعاً انها خمر، هل يقدم لها خمر!، اخبرها بهدوء
- دي مش شقة طنط حنان، دي شقتي انا
شعرت بالخطر، سألته بريبة
- انت ابنها؟
سخر وهو يبتسم بسماجة
- ابنها مين بس!، دي الشقة رقم عشرة، بتاعتي، طنط بتاعتك شقتها رقم عشرين
انتفضت واقفة دافعة يده التي يقدم بها الكأس لها، هتفت بغضب
- ولية مقولتش لنها مش شقتها!

نظر للكأس الذي تهشم على الارض بجانب قدمه، عاد لينظر لها وقد اتسعت ابتسامته بقذارة وهو يقول بعدم تركيز
- حد يرفض النعمة اللي تجيله لبيته؟
شعرت بالتوجس والخطر يقترب منها، قفزت على الأريكة لتقف فوقها وهي تحذره بخشونة
- اياك تقرب اكتر من كدة، هتشوف حاجة مش هتعجبك
مد كفه لها وهو يقول بحماس
- وريني، يلا.

دفعت كفه عنها بنفور لتهرب بعدها وتتجه للباب وتفتحه لكنه اغلقه! الحقير قد اغلقه دون ان تشعر!، استدارت لتنظر له وهي تصرخ آمرة اياه
- افتح الباب وإلا هفضحك
طأطأ بعدم رضا وهو يقول بحدة
- تؤتؤ، هو انتِ تجيلي برجلك وبعدها تقولي افضحك!
تشنج جسدها وهي تراه يقترب مرة اخرى، استدارت سريعاً وتوالت ضرباتها على الباب تطلب النجدة لكنه امسك بذراعها ليقذفها الى الداخل بخشونة هامساً بحزم
- متصعبيش الدنيا عليا بقى.

استدارت حولها وهي تشعر بأنتفاض جسدها التي حاولت التحكم به، تحاول ان تُسعف نفسها وتفكر في طريقة للهرب، اسرعت لتركض لباب قد لمحته في نهاية الرواق ودخلته لتغلق خلفها، لكنها لم تجد مفتاح لتغلقه به!، لعنت حظها وهي تكاد ان تبكي، لكنها تمالكت نفسها وهي تهمس لنفسها بإرتجاف
- اهدي يا يارا اهدي، هتعرفي تتصرفي
أغمضت عينيها للحظة تلتقط انفاسها اللاهثة، اسرعت وفتحتها بفزع حين سمعت صوته يقترب.

- دخلتي الاوضة الصح يا حلوة
اخرجت هاتفها من حقيبتها بيد مُرتجفة واتصلت بالشخص الوحيد الذي يستطيع ان يصل اليها خلال لحظات وينقذها، انه عمر..
وضعت الهاتف على اذنها وهي تدعو الله ان يُجيب سريعاً، سمعت صوته الفظ وهو يقول بجفاء
- خير!
مع رده كان الرجل يحاول دفع الباب والدخول اليها، فبكت وهي تصرخ ل عمر
- الحقني يا عمر، الحقنييي
سقط الهاتف منها مع سقوطها اثر دفع الرجل للباب بقوة، نظر لها من فوق بشر قائلا.

- هتروحي مني فين؟

- الحقني يا عمر، الحقنييي
صراخها جعله ينتفض، ترجل من السيارة بقوة وهو يسألها بقلق
- في اية؟ حصل اية؟
في الحقيقة لم يكن ينتظر رداً منها ليتحرك، فقد اتجه بخطوات سريعة لداخل المبنى وسرعان ما تحولت لركض حين انقطع صراخها وأُغلق الخط، لم ينتظر وصول المصعد الكهربائي بل اتجه لدرجات السلم صاعداً اياها كل اثنين معاً حتى وصل للطابق المطلوب، حرك نظراته الحادة حوله باحثاً عن الشقة رقم 10 وقد وجدها.

طرق على الباب طرقاً عنيفاً يكاد يكسره، لم يتحمل الانتظار فقد ابتعد لينقض على الباب دافعاً اياه بقوة ليُفتح على مصرعه، صعدت الدماء لرأسه حين سمع صوت صراخها الذي من بينه تُخرج كلمات مُتقطعة
- ابعد عني، يا حقير، ابعد، أبعد
هرع لمصدر الصوت ووصل للغرفة، توقف بصدمة وهو يرى ذلك الرجل يعتليها مُحاولاً نزع سترتها بالكامل، عصف صوت عمر الغاضب في المكان
- أبعد عنها يا.

مع نهاية قوله كان قد انهضه بعنف مُديره له ليقابله سريعاً بلكمة قوية جعلته يرتد للخلف، توالت ضرباته العنيفة للرجل المخمور والذي يضحك مع كل ضربة مما يزيد غضب عمر.

رفعت يارا جسدها ببطء وهي تتألم اثر سقوطها القوي، اخذت تنتحب بقهر وهي ترى تمزق ذراع سترتها، لماذا تتعرض لكل هذه المواقف الصعبة والمثيرة للشفقة!، رفعت نظراتها المهتزة ناحية عمر المنقض على الرجل، تكاد تلمح وجه الرجل الحقير الذي تزين بالدماء، يستحق اكثر من ذلك.

ابتعد عمر عنه وهو يلهث بخشونة، استدار لينظر لها، مسح وجهه بكفه بعنف، يشعر بالذنب لانه رفض ان يصعد معها، إذ لم يتركها تصعد بمفرده لِما كان حدث هذا، تقدم منها ليجثو امامها، مد كفه ليبعد خصلات شعرها الملتصقة بوجهها ويرتبه بحنان، تأملها بعيون مُتألمة وهو يرى ارتجاف شفتيها الزرقاء ولون بشرتها الشاحب، للمرة الاولى يراها بهذه الهشاشة والضعف، سألها بقلق وهو يتفحصها
- عملك حاجة؟، أذاكي؟

هزت رأسها مُجيبة اياه ب لا، تنهد براحة وهو يمسح دموعها بلطف، نهض والتقط حقيبتها ثم عاد لها ليجدها تحاول الوقوف فأسرع ليحملها بين ذراعيه بسهولة، تعلقت عينيه بخاصتها التي بدت انها تُعاتبه هو، وتأكد حين قالت من بين شهقاتها الخفيفة
- كل دة بسببك، انت قولتي شقة عشرة
لكنه لم يفهم، فطلب توضيح
- دي مش شقة قريبة ماما سهام، شقة عشرين مش عشرة
إذا انه غلطه بالكامل، ازدرد ريقه بتوتر واعتذر بصدق.

- اسف لانك اتعرضتي لحاجة زي دي بسببي
اردف بتوعد اسود
- ومتقلقيش هربي الحيوان دة ومش هسيبه
هزت رأسها بالإيماء ودموعها تتجمع من جديد في مقلتيها، أسندت رأسها على كتفه وهي تبتسم بإمتنان لإنقاذه لها ولضربه المُبرح لذلك الحقير وأخذ حقها.
وضعها داخل السيارة برفق، وضع حزام الأمان حول خصرها ثم رفع كفه ليمسح دموعها مجدداً، اخبرها بخفوت
- هرجعلِك تاني
امسكت ذراعه بجزع وهي تسأله بهمس ضعيف
- رايح فين؟

- هعمل حاجة وجي، متخافيش
ربت على كفها ليُطمأنها قبل ان يبتعد ويعود لداخل المبنى.

أغمضت يارا جفنيها وهي تشعر بإرتجافها التي مازالت تحاول التحكم به، كم كانت لحظات صعبة قاسية عليها، مجرد تذكرها لمحاولته للمسها وتخلصه من ملابسها تجعلها تشعر بالغثيان والخوف الشديد، انتفضت من اهتزاز هاتفها بجوارها، تنفست بقوة وهي تلتقطه، نظرت للشاشة بفتور، انه رقم والدها، ماذا تفعل؟، لم تكن تنوي مقابلته وتشعر بعدم قدرتها الان لفعل ذلك لكن، هناك صوت بداخلها يخبرها ان تذهب لمقابلته.

رفعت الهاتف لأذنها وظلت صامتة تستمع لصوته الذي جعلها تبكي بصمت وحنين
- فينك يا يارا يا حبيبتي؟، انا وصلت ومستنيكِ
وضعت كفها على شفتيها تكتم شهقاتها، همست بداخلها بإحتياج
- ب، ابا
طال صمتها فسأل بحيرة
- يارا!، سمعاني؟
ازالت كفها وهي تحاول اخراج حروفها بثبات
- في الطريق اهو
لا تعرف لمِ اخبرته بذلك، هل قررت الذهاب اليه حقاً!، استمعت لرده
- ماشي متتأخريش
- حاضر.

انهت المكالمة ودون تفكير كانت قد ترجلت تاركة هاتفها، اخذت فقط النقود حتى تشتري لها سترة بدلاً من هذه التي مُزِقت.

حين تركها عمر مُتجهاً للمبنى كان قاصداً شقة ذلك الحقير، فلم يهدأ غضبه منه، وأثناء صعوده كان قد اتصل بالشرطة، لكنه لم يكتفي.
توقف سانداً جسده على إطار باب الغرفة يتابع ذلك الحقير بحدقتين مظلمتين وهو يحاول ان ينهض.
- قوم، يلا قوم.

صوته القوي القاسي دوى في الغرفة، ابتعد بعد لحظات بجسده عن الباب ليتقدم للاخر بخطوات بطيئة، بدى كالأسد الذي يكاد ان ينقض على فريسته، صرخ فجأة بهياج وهو يركل جانبه بطريقة وحشية لتفشل محاولته الشاقة في النهوض
- دي عشان فكرت بس تأذيها
ركله الركلة الثانية في جانبه الاخر وهو مازال يصرخ بغضب اسود
- ودي عشان لمستها.

كان يلهث بخشونة وهو يتذكر تلك الصورة البغيضة الذي رأها فور دخوله سابقاً، نظرات عدوانية شرسة ستفتك به حتماً مع اخر ركلة وجهها لرأسه ليفقد الاخر الوعي تماماً ويصل هو لنهاية غضبه.
- وكدة خدت حقها
استدار مُغادراً لكنه لن يغادر بسلام، امسك بعصا ليحطم كل ما هو قابل للكسر اثناء خروجه.

وصل للاسفل وتقدم من سيارته، دُهش حين لم يجدها داخل السيارة، اين ذهبت؟، اخرج هاتفه ليتصل بها لكن ضوء هاتفها في مقعدها جذب انتباهه، لقد تركته!، ضرب باب السيارة بغضب، اين سيبحث عنها الان وكيف سيصل اليها وهي بتلك الحالة!، تباً لها ولقلقه عليها.

في المطعم
توقفت يارا حائرة تنظر حولها، اين والدها؟ كيف ستتعرف عليه وهي لا تتذكر ملامحه حتى!، شعرت بخيبة امل سرعان ما تحولت لإضطراب حين وقف رجل يبدو عليه الكِبر ينظر لها من بعيد وكأنه يتأكد من معرفته لها وخلال ثوان كان قد رفع ذراعه ليدعوها، فعلمت انه هو، والدها.

تحركت بعد لحظات في اتجاهه وهي تستمع بدقات قلبها التي تضطرب اكثر وأكثر مع كل خطوة تخطوها اليه، هل ستقابل والدها اخيراً!، توقفت امامها بتردد، كم تريد الهرب الان.
- بنتي
ابتسم بسعادة وهو يتأملها، اندفع ليعانقها بقوة وإشتياق، كم كلن عناقه دافئ ام من احتياجها اليه تخيلت ذلك!، سالت دموعها على وجنتيها بتأثر وهي تبادله العناق هامسة بتعب
- بابا.

لقد نست بل تناست كل سيء قد فعله، تريد ان تشعر بوجوده بجانبها في يوم بغيض قد مرت به، ابتعدت وهي تمسح دموعها التي لم تتوقف، سحب كفها واجلسها بجواره، قال براحة
- كنت خايف متجيش، بس جيتي الحمدالله
ابتسمت بجهد، سألته عن حاله برسمية لم تستطع تخطيها
- حضرتك عامل اية؟
- بعد ما شوفتك بقيت كويس
سألته بفضول بعد صمت
- عرفتني ازاي؟، يعني ازاي عرفت اني انا يارا لما دخلت!
- شوفتك مرتين قبل كدة
عقدت حاجبيها مُتسائلة.

- امتى؟
- عند بيتنا، اللي كان بيتنا وشوفتك بالصدفة هناك..
اردف وهو يتلمس وجنتها بحنان
- على فكرة انتِ متغيرتيش خالص
لم تستمتع لقوله الاخير فقد علقت بذلك التناقض التي لم تستطع ان تغفل عن رغم تعبها،
- بس انت قولتلي انك دورت كتير على رقمي و..
قاطعها بتلعثم بعد ما فهم ما تريد قوله
- ايوة فعلاً دة حصل بس بعد ما شوفتك، مقدرتش اطلب رقمك من حد فأضطريت ادور عليه بنفسي.

هزت رأسها وتخطت تلك النقطة، امسك بيدها وقال بملامح مُتأسفة
- انا اسف لكل السنين اللي عدت وانا بعيد عنك فيها، بس تصرفي وقتها ميمنعش اني بحبك يا بنتي و..
قاطعته بإستنكار حاد ظهر فجأة
- ميمنعش انك بتحبني!، لو كنت بتحبني مكنتش عملت فيا وفي ماما كدة.

استيقظت من موجة حنينها واحتياجها له حين اعتذر، هل هذا الاعتذار اللفظي سيمحي الماضي! سيمحي الألم والعذاب الذي مرت به!، انقلب حالها فجأة لتصبح هائجة، نهضت بإنفعال بينما كان يقول هو بضعف لا يستحق ان يتحدث به
- مش عارف لية عملت كدة وقتها، بس انا ندمان على العملته و..
تركته اثناء حديثه غير مهتمة بسماع ما يقوله من حجج فارغة، وبخت نفسها بإنزعاج
- انا اية اللي جابني عشان اقابلك!

- استني يا يارا، استني يا بنتي
لم تتوقف، أكملت طريقها وهي تشعر بالغضب والظلم والغباء، كيف تناست الماضي واتت لمقابلته بهذه الطريقة المثيرة للشفقة!؛ توقفت جانباً لتستند بجسدها على الحائط واضعة كفيها على وجهها تخفي وجهها الحزين، لكن هل تستطع اخفاء دموعها!

اوقف عمر سيارته امام بوابة الفيلا من الخارج مُنتظرها، كل دقيقة تمر يتزايد غضبه ناحيتها، كحال قلقه، سيوبخها بشدة على استهتارها معه، كيف لا تخبره انها ذاهبة! وما الامر الضروري الذي يجعلها تغادر بعد تعرضها لوضع صعب كالذي مرت به!
انتظر ساعة، ساعتين، وها قد اتت اخيرا، اندفع ناحيتها بخطوات حازمة وملامح لا تنوي على الخير ابداً، انفجر موبخاً اياها فور وقوفه امامها.

- بتستهبلي؟، هو انا كيس جوافة عشان تمشي من غير ما تعرفيني حتى؟، مش مهم تخليني اقلق كل الساعات دي وحضرتك ولا في بالك!
رفعت نظراتها الباهتة اليه، كاد ان يُكمِل توبيخه لها لكن انطفاء لمعان بندقيتها وتغلفهما بالحزن والدموع اوقفاه، لانت نبرته كملامح وجهه وهو يسألها
- روحتي فين؟
لم تُجيبه، فقط طلبت منه برجاء
- عايزة اطلع ارتاح من غير ما اكلم حد
لم يُريد ان يضغط عليها، سار بجوارها، اخبرها ليُريحها.

- بالنسبة للأمانة وصلتها، وحالياً ماما هتكون نايمة
اكتفت بإماء رأسها.

أشرقت شمس يوم جديد
كانت يارا مُستلقية على السرير تنظر للسقف بفراغ، مازال اليوم الماضي بأحداثه يؤرقها، قد سبب لها الكوابيس مما جعلها لا تستطيع النوم، التقطت هاتفها الذي يرن منذ دقائق وهي تتجاهله قصداً.
- الو
اتاها رد ملك المُعاتب
- حرام عليكِ يا يارا مش بتردي عليا من امبارح لية؟، قلقتيني
- في حاجة؟
- هقولك بس ردي عليا، انتِ كويسة؟
- الحمدالله
تمتمت بها يارا، اتت ملك بِما ارادت الحديث عنه.

- عايزة اطلب منك طلب بس مش عارفة هتوافقي ولا لا، بس يعني ياريت توافقي
- قولي في اية وانا هقرر
- فاكرة عم ايمن بتاع محل الألعاب؟
- ايوة، ماله؟
- فتح فرع جديد وطلب مني اني البس اللبس التنكري دة قدام المحل واوزع إعلانه للرايح واللي جي قدام المحل
تساءلت يارا بحيرة وهي تعتدل جالسة
- طب اية المشكلة دلوقتي؟

- ان عندي شعل ومش هقدر اعمل اللي طلبه وفي نفس الوقت مش عايزة أخسر الراجل دة عشان بيساعدني لما احتاج شغل إضافي وبيشغلني فهماني!، فلو تروحي انتِ بدالي وتشتغلي
- ماشي
وافقت سريعاً ودون تفكير، لا تريد ان تقضي اليوم هنا في هذه الغرفة او مع احد، تريد ان تشغل تفكيرها وتشتته، انهت المكالمة مع ملك بعد ان اعلمتها بالتفاصيل المهمة.

اتجهت للخارج بعد ان انتهت من تبديل ملابسها، قابلت عمر عند الدرجة الاخير من السلم، اوقفها ليسألها بإهتمام
- عاملة اية النهاردة؟
لم تُجيبه، تخطته لتتجه للباب، اسرع وأعاق طريقها وهو يسألها بحدة أراد الا يُظهرها لكنه فشل
- مش بتردي لية؟، ورايحة فين كدة؟
اجابته بإقتضاب وهي تنظر للباب خلفه
- ورايا شغل
- شغل اية؟
نقلت نظراتها المُتحفظة عليه، طلبت بحزم
- ممكن توسع!
- ردي عليا الاول
- تعالى وصلني لو عايز تعرف.

قالت ذلك وهي مُتأكدة من انه سيرفض وسيتركها تذهب بمفردها، لكن حدث عكس ذلك، قال بجدية موافقاً
- ماشي، استني خمس دقايق وهوصلك
حدقت به لوهلة، ألم يكفيه انه كان احد أسباب عدم نومها ليلة امس!، فلم تستطع تخطي تصرفاته الرجولية والدافئة معها ليلة امس، تنهدت بإستياء وهي تُخفض رأسها، قالت مُتحججة
- لازم امشي دلوقتي، مش لازم أتأخر
- خلاص مش مشكلة، تعالي يلا اوصلك
زفرت بضيق خاضعة لعرضه.

- شكل ماما سهام مش في البيت النهاردة
قالتها وهي تصعد بجواره في السيارة، رد عمر وهو يُدير المقود
- راحت تزور قبر تيتة
ساد الصمت بعد ذلك الحديث القصير، تطرق عمر لحديث اخر، كان مُتردد جداً في الحديث عنه
- بالنسبة للي حصل امبارح..
قاطعته بحسم
- متجبليش سيرة امبارح، لوسمحت.

اومأ برأسه مُتفهما، لكنه أراد ان يعتذر مرة اخرى ويُعلمها انه اخذ حقها وان ذلك الحقير الان بين القضبان وسيتعفن في السجن بكسر انفه الذي سببه له عمر، لكنه يحتاج فقط لشهادته حتى تسير الأمور كما يُريدها.
تنحنح وقال
- هقول حاجة صغيرة بس، اني محتاج شهادتك في القضية عشان ياخذ الحقير دة جزاته
لم يتلقى رد سريع منها، فقد اتى ردها بعد دقيقة كاملة
- امتى المفروض اروح؟
- النهاردة
- ممكن بعد الشغل؟

اومأ برأسه، ثم قال بتردد
- ماشي، بس، بس هتبقي كويسة؟
هزت رأسها قائلة بثبات حاولت إقناع نفسها به
- اكيد.

في المطعم التي تعمل به ملك
كان إياد جالساً مع مروان وصديقاً اخر يتحدثون عن امور عدة، كانت عينيه تذهب كل دقيقة للباب الذي تخرج منه النادلات لعلها تخرج ويراها اليوم، جذب انتباهه حديث بين اثنين خلفه يتحدثان بطريقة قاسية عن فتاة..
- دة انا لما قولتلها نبقى صحاب قولتها عشان شكلي قدام صحابنا الباقيين بس
- بس انت عاملتها ازبل معاملة الصراحة في الفترة الاخيرة.

- كان لازم اعمل كدة، اصلها كانت صدقت اني بحبها بجد وهتجوزها
كم أراد ان يستدير اليهم ليسبهم ويلقي عليهم كل ما يعرفه من ألفاظ بذيئة، لكن ليس له الحق لفعل ذلك، قرر عدم التركيز معهم لكن ذكر اسمها جعله يتوقع ان الذي خلفه هذا هو كريم
- ياعيني ملك كانت طيبة اوي
- طيبة اية يابني دي فقيرة وبترسيم عليا عشان تكش فلوسي
- مكنش باين عليها كدة.

رفع عمر هاتفه امامه لينظر من خلاله على صورة الشخص الذي يجلس خلفه ويتأكد إذ كان توقعه صحيح، وكان كذلك.
ضم قبضته بغضب حين سمع قول كريم الخافت
- ولا دلوقتي وقعت واحد غني وارتبطت به، استنى كام شهر وهيرميها زي الكلبة
تابع بحقارة تخطت سابقيها
- دي واحدة متسواش تلت تعريفة.

مع نهاية قول كريم كان قد نهض إياد دافعاً الكرسي الذي يجلس عليه بعنف ليلتفت لذلك الحقير القذر، رغم انه لعوب لكنه لم يصل لتلك القذارة ابداً، لم يقم بإهانة إحداهن او الحديث عنها بشكل مُشين مع أصدقائه، فكيف سيصمت امام قذارة الذي خلفه خاصةً انها اتجاه فتاة هو مُعجب بها!
قال بأحرف حادة مُماثلة لنظراته المخيفة
- سمعني كدة تاني!، مين اللي متسواش تلت تعريفة!

نهض كريم بتوتر حين تذكر الذي يقف امامه، ادرك من ملامح وجهه التي لا تُبشر بالخير انه سمع كل ما قاله عن ملك، ابتسم في توتر وهو يُرحب به مُتخطياً ادراكه
- اية الصدفة السعيدة دي!، عامل اية واخبار ملك اية؟
ازاح إياد الشاب الذي يفصل بينه وبين كريم ليصل للأخير ويجذبه من ياقة قميصه بخشونة آمره
- بقولك سمعني اللي قولته كدة تاني
تدخل مروان مُتسائلا
- في اية يا إياد؟، حصل اية؟ عملك اية دة؟

بينما اصر كريم على تصنع الجهل
- قولت اية؟
- انا هعرف افكرك
قالها وهو يبتسم بقسوة قبل ان يسدد لكمة قوية في وجه كريم ليرتد للخلف مُصطدماً بالكرسي ثم يسقط ارضاً، اسرع مروان وصديقه ليوقفا إياد بينما اسرع صديق كريم لمساعدة الاخير.

بينما داخل المطبخ، كانت ملك تعلم بوجود إياد في المطعم فقد لمحته حين دخل، طلبت من المدير ان تساعد اليوم داخل المطبخ بدلاً من تقديم الطلبات فوافق على طلبها لغياب العاملين في المطبخ اليوم.

فجأة سمعوا صوت شجار في الخارج فأسرع المدير للخارج وكذلك العاملين ليفضوا هذا الشجار، تركت ملك ما بيدها من أطباق كانت تنظفها حتى تقف عند الباب وترى من بعيد ماذا يحدث، لكن رؤيتها ل إياد و كريم وهما يتشاجران جعلاها تقف مصدومة، ماذا يحدث؟ هل هي سبب هذا الشجار؟ ماذا غير ذلك! فلا يوجد اي شيء بينهم سواها هي، استيقظت من صدمتها حين قالت زميلتها بجوارها بحماس
- دي هتولع.

رمقتها ملك بغضب وهي تبتعد لتسرع لهم، سارت بين المتفرجين لتصبح في المنتصف، امسكت بذراع إياد وهي تهتف بغضب
- بتعمل لية كدة؟، سيبه
نقل نظراته المخيفة اليها حتى انها شعرت برعشة خوف مرت بجسدها، قال من بين انفاسه اللاهثة
- عارفة كان بيقول عليكِ اية!؟
ابعدت نظراتها بإحراج وهي تقول بخفوت
- يقول اللي يقوله، سيبه.

دفعه إياد تاركاً ياقة قميصه بعنف، استدار واتجه للخارج وقد انتقل كل حنقه وغضبه اليها، هي خائفة على ذلك الحقير!
تقدم كريم منها وهو يقول بحنق
- دة مجنون ضربني م...
قاطعته بصفعة قوية جعلت الأفواه تسقط بصدمة، لا تعلم من اين اتت لها تلك الشجاعة والقوة لتصفعه وتصرخ في وجهه بغضب اول مرة يراها به
- اخرس، انت المجنون، انت واحد مريض ولازم تتعالج.

تركته واتجهت للخارج لتلحق ب إياد الذي كان يقف خارجاً يدور حول نفسه كالأسد السجين الذي يُريد ان يخرج من قفصه ويفتك بأعدائه، نعم قد اصبح كريم عدواً له.
- طب فهمني يابني في اية؟ مين البنت دي ومين دة الآي اتخانقت معاه عشانها؟
كان يسأله مروان بإصرار، توقف إياد عن دورانه حين لمح قدوم ملك ناحيته، فتخطى مروان ليصل اليها ببنيته الضخمة، هتف بحنق امام عينيها البريئة
- خايفة عليه مني!، انا باخدلك حقك وانتِ..

قاطعته بصوت مرتفع لعلها تعلو صوته ليسمعها
- شكراً لانك عملت كدة، بس
ازدرد ريقه وهو يتأملها، أكملت بنبرتها المنخفضة الحرجة
- بس انت ملكش دعوة، انت مُصِر تدخل نفسك في حياتي..
اعترض موضحاً
- لا..
اسرعت لتصحح قصدها
- مش قصدي حياتي، قصدي مساعدتك ليا وقتها وبسبب مساعدتك اهو دخلت في مشكلة بسببي...
- اومال اسمع كلامه ال عنك واسكت!

احمر وجهها خجلاً من لفظه البذيء الذي نطق به للتو، اخفضت رأسها وصمتت، بينما أضاف بعدم استيعاب
- مش عارف ازاي بتحبي واحد زيه!
صححت له بحزم
- كنت، وندمانة دلوقتي
تبادلا النظرات للحظات قبل ان يقطعها صوت مُديرها الغاضب من الخلف
- ملك، تعالي حالاً
استدارت سريعاً لتذهب للداخل لكنه أمسك برسغها موقفاً اياها
- استني
قالتها بتعجل وهي تتخلص من قبضته على رسغها
- لازم ارجع للشغل.

تركها تذهب، تابعها حتى اختفت من امامه، صفر مروان من خلفه وهو يقول بخبث
- ايوة ووالعة معاك ياااا
- اخرس
قالها إياد وهو يبتسم، استدار مُتجهاً لسيارته فلحق به مروان وصديقه دون ان يرحماه من تعليقاتهم الخبيثة.

بعد مرور ساعات.

ظل عمر جالساً في سيارته يراقبها من بعيد دون علمها، لقد ارتدت الملابس التنكرية الضخمة وبدأت في التجول حول المحل لتوزع ورق الاعلان الخاص به، فكر بضيق، لماذا تعمل الان وهو قد وفر لها القدر الكافي من المال بعملها معه، ان الجو حار كيف تتحمل هذا الثوب الثقيل!، انتفض من مكانه ليخرج من السيارة حين رأها تسقط من بعيد، ركض اليها وحين وصل كنت قد نهضت بمساعدة اثنين من المارين، خلعت الرأس من فوق رأسها وهي تشعر بالاختناق، رتبت خصلات شعرها التي أصبحت مبللة من العرق، توقفت يدها عن الحرمة حين رأته امامها، ماذا يفعل هنا؟، توقف مقابلاً لها وهو يلهث اثر ركضه وغضبه منها، قال بحزم.

- يلا عشان نمشي
سألته بحيرة
- انت ممشيتش؟
- لا
اضاقت عينيها بشك، اخبرته وهي تلتقط انفاسها بتعب
- لسة مخلصتش...
لم يستمع لها، امرها بصرامة
- يلا اقلعي التُهمة دي عشان نروح
ظلت واقفة مكانها، قال وهو يكاد يتخطاها ليدخل للمحل
- خلاص انا هتكلم مع صاحب المحل
اسرعت لتمسك بذراعه فنظر لها بدوره، قالت بإنفعال
- انت مالك في اية ها؟، ما تسيبني في حالي ومتدخلش في اللي بعمله
صمت لوهلة قبل ان يقول بإنزعاج
- شايفة حالتك طيب؟

- مالها حالتي؟
تنفس بحنق منها، اخرج من جيبة مناديل ليمد يده به بعدها ويمسح وجهها من العرق، حدقت به بذهول، تصرفاته غريبة معها، تراجعت للخلف واخذت من يده المناديل لتقم هي بذلك، قالت آخراً
- مش هضيّع تعبي عشان حضرتك عايزني اروح، كدة كدة ساعتين وهخلص
- طب اقعدي ارتاحي، من اول ما جيتي مخدتيش بريك!
رمقته بطرف عينيها وهي تتسائل بشك
- وانت بتراقبني لية بقى؟
اجابها بتلقائية ودون تفكير.

- خايف ليحصلك حاجة تاني ولو حتى مش بسببي
ادرك ما قاله فتلعثم وهو يوضح
- طبعاً بقول كدة عشان انتِ سلمى حالياً ولو حصلك حاجة هيبقى على دماغي
هزت رأسها بتفهم، ماذا غير ذلك!، عادت لترتدي رأس الدُب، فأبتعد، فأعتقدت انه غادر لكنها وجدته يعود بعد لحظات ومعه حقيبة بلاستيكية، قذفه اليها عن قرب فألتقطته، وجدته ينزع عنها رأس الدُب وهو يخبرها بسخط نابع من عنادها.

- كُلي واشربي الاول بعدها كملي الشغل الهباب دة، الجو حر ومش ناقص غير تقعي ويغمى عليكِ
نظرت لما يوجد داخل الحقيبة، شعرت بالإمتنان له فقد كانت تشعر بالجوع لكنها كانت تحاول تجاهل شعورها، شكرته بخفوت دون ان تنظر له
- شكراً
- هستناكِ في العربية
اخبرها قبل ان يبتعد من جديد مُتجهاً لسيارته البعيدة، فلم يكن لديها فرصة الاعتراض حتى.

انتهت يارا من عملها وصعدت بجوار عمر في سيارته، كان الصمت سائد بينهم، كانت هي صامتة لا ترغب في فتح احاديث معه، اما هو كان فكره شارد بما توصل اليه من حقيقة صادمة بالنسبة اليه في الساعتين الذي انتظرها فيهما.
أعلن هاتفيهما عن وصول رسالة، التقطا كل منهما هاتفه لينظرا فيه، اوقف عمر سيارته جانباً حين قرأ اسم المُرسل من الخارج، انها رضوى!

لم تلاحظ يارا انه اوقف السيارة بسبب انشغالها بفتح الرسالة التي كانت من والدها، اهتزت حدقتيها بقلق حين قرأت محتواها
- يارا كلميني ضروري، عارف لما هتصل بيكِ مش هتردي عليا بس، بس انا في مشكلة كبيرة وممكن اموت.



عاد عمر للفيلا بمفرده، لا يعلم متى اختفت يارا من جانبه فحين استدار لها كانت قد ترجلت وهي تخبره بتعجل
- هروح مشوار بسرعة، اسبقني انت
وقد ادرك رحيلها بعد مغادرتها بلحظات، فالرسالة شتت كيانه وتركيزه.

صعد عمر لغرفته مُلقياً بجسده على الفراش وهو يشعر بالتشتت والحيرة من رد فعله، لماذا هو غير سعيد برسالة رضوى!، ماذا تغير في هذه الايام القليلة!، لقد كان ملهوف لوصول رد منها على رسائله المثيرة للشفقة الذي كان يُرسلها لها لكن الان!، ماذا الان؟
شرد في لحظةٍ أُخرى في ما أدركه اليوم، لقد ادرك انه يهتم ب يارا ويعتقد ان هناك مشاعر بداخله ناحيتها!، لكن متى حدث هذا! وكيف هي؟ كيف!

في الحقيقة يعلم متى بدأ هذا، يوم الحادث كان بداية كل شيء، ومن بعدها بدأ يلاحظ كل تصرف يصدر منها وإذ كان صغيراً.
روحها كانت البذرة التي أُلقت في ارضه الخصبة، وكانت النتيجة هي اهتمامه بها والذي يُنذر بإعجابه بها، يعرف نفسه ويعرف ان بداية وقوعه في حب احدهم هو اهتمامه به دون ان يشعر، وقد حدث هذا في الفترة الاخيرة وإن لم يُظهر ذلك لها، وقد تأكد اليوم.

رفع شاشة الهاتف امامه مرة اخرى لينظر للرسالة القصيرة التي كانت من المفترض ان تُسعده!
- هرجع مصر قريب، وحشتني
هل كان سيصبح سعيداً بهذه الرسالة إذ لم يُدرك مشاعره ناحية الأُخرى!، لكن كيف يشعر بهذه الحيرة بين حبه الاول وإعجاب جديد؟، ألا يجب على حبه الاول الانتصار دون تفكير حتى!
اتته الإجابة في مُقارنة رسمها عقله له بين رضوى و يارا، كان هناك فرق واضح أكد له استحقاق وقوعه في حيرة ونزاع.

القى هاتفه بجواره بإرهاق، اعتدل جالساً حين دلفت سهام للغرفة لتسأله عن يارا بقلق فلم تراها منذ صباح اليوم، فأجابها بحجة غياب جديدة.

وصلت يارا للمطعم الذي قابلت والدها به المرة السابقة، فبعد قراءتها لرسالته المُقلقة هاتفته ليرد عليها بصوت مُنكسر ويطلب منها مُقابلتها، فأسرعت لفعل ذلك دون تفكير حتى.
رأته من بعيد فأسرعت اليه لتجلس امامه وتسأله بعينين تتفحصانه بقلق
- في اية؟ مشكلة اية؟ تعبان او حاجة؟
اجابها بخوف
- في ناس بتلحقني وعايزة تقتلني
اتسعت مقلتيها بصدمة، سألته بريبة
- لية عايزين يقتلوك؟ عملت اية؟

- كنت مستلف منهم فلوس ومعرفتش أرجعها
- طب ما تطلب منهم يدوك فرصة و..
اجابها بإحباط وصوت خافت
- جربت، اصل دول شبه مافيا
تنهدت يارا بسخط وهي تُشيح بوجهها، بينما قال بصوت ضعيف
- لو تعرفي تساعديني يا بنتي
نظرت له بصدمة، كيف يطلب منها طلب كهذا، ألا يجب عليه انتظار عرضها؟، قالت بإستياء
- للاسف حالي مش احسن من حالك
- ازاي؟، ما انتِ شغالة مع ناس اغنية و..

ارتفعا حاجبيها بدهشة، من اين علم؟ وهل يعلم بأمر اتفاقها مع عمر!، حاولت ان تكون هادئة وهي تسأله
- عرفت منين؟
اجابها ببساطة
- مش بنتي؟، لازم اعرف عنك كل حاجة
إجابته غير مُريحة بالنسبة لها، قالت وهي تضيق عينيها
- وعارف اية تاني؟
- هتساعديني؟
شعرت بأنه يواسمها، سحبت يدها من بين كفه بحدة وهي تسأله بإتهام
- انت رجعت عشان كدة!، عشان الفلوس؟
لم يكترث لإتهامها، اخبرها بجفاء وهو يعود بظهره للخلف
- محتاج نص مليون.

كم خاب ظنها وشعرت بإحباط لاذع، ظهرت سحابة حزن في حدقتيها مُعاكس لنبرتها الحادة
- راجع عشان الفلوس؟، وفاكر معايا المبلغ دة؟
- هتجيبيه
قالها بهدوء وثقة لا تعلم من اين اتى بها!، ابتسم بسخرية لاذعة على قلبها وقد لمعت حدقتيها بالدموع
- يعني انت رجعت عشان الفلوس مش عشاني؟ طب جر رجلي الاول ليك وبعدها اطلب مني الفلوس مش بالطريقة دي!
برر بهدوء اثار غيظها
- محتاجها.

لماذا تشعر بالخيبة! أهذا تصرف بعيد عن من تخلى عنها؟ الإجابة بسيطة، لا.
نهضت بإنفعال وقد قررت الصمت، فالتغادر بصمت هذا افضل لها ولما تبقى لها من قوة تحمل، لكن قوله جعلها تتسمر في مكانها بصدمة، قوله بل تهديده كان كالصفعة بالنسبة لها
- لو مجبتليش الفلوس هقول لأمك انك نصابة بتخدعي ناس اكابر عشان تاخدي فلوسهم.

حدقت به بعينين مُتسعيتن غير مستوعبة حقارته!، انه يعلم كل شيء ويستغلها الان ويهددها!، حاولت استجماع شتات نفسها لترد بثبات كاذب
- ماما عارفة
رفع زاوية فمه بخبث وهو يقول
- يعني مش هتديني الفلوس!، ماشي..
وكأنها قرأت ما يدور برأسه، فقالت مُندفعة بخشونة مُحذرة اياه
- اياك تفكر تروح ناحية الناس اللي بشتغل عندهم
اتسعت إبتسامته الخبيثة وهو يقول بإستمتاع
- لية؟ دول هيتبسطوا اوي لما يعرفوا الحقيقة.

ضربت بكفها على الطاولة بغضب، ظلت تنظر له للحظات وهي تتنفس بإنفعال، فرقت شفتيها لتخرج حروفها رغماً عنها بإنكسار من حقيقة والدها
- تعرف!، كان عندي امل ترجع في يوم، ترجع تعتذر عشان سيبتني انا وامي، تعتذر على اللي عملته فيا، ولما رجعت رجعت عشان تكمل أذيتك، رجعت تطلب فلوس من بنتك اللي رميتها ومصرفتش عليها ولا جنية، اية البجاحة دي ياخي؟

سالت دموعها الحارة سريعاً على وجنتيها، اسرعت لتلويه ظهرها لتخفي دموعها عنه، قالت بصوت حاولت جعله طبيعيا، لكنها كانت جادة فيما تقوله
- لو فكرت تبوظلي حياتي وتكشف حقيقتي للناس اللي بشتغل عندهم بحلفلك، بحلفلك اني هموتك من غير ما يرمش ليا جفن، وبالمرة اكون بردت ناري ناحيتك
ابتسم بسخرية وهو يراها تبتعد مُغادرة المطعم، اخرج هاتفه القديم من جيب سترته البالية ليضغط على أزرار الهاتف ويتصل بأحدهم، تحدث معه.

- أنا طلبت منها الفلوس، لا مقدرتش استحمل التمثيلية دي اكتر من كدة
صمت يستمع لصراخ الاخر، رد ببساطة مُحاولاً مُطمئن الطرف الاخر
- متقلقش، كله ماشي حسب الخطة بس الفرق اني سرعت الموضوع شوية
انهى المكالمة بعد ان نال نصيبه من التوبيخ، زفر بضيق قبل ان ينهض ويغادر.

وصلت يارا للحي الذي تعيش فيه، لقد قادتها قدميها الى هنا، الى بيتها الدافئ، لقد قاومت دموعها بكبرياء، لكن جرح قلبها ينزف بقوة بعد ان تخيلت انه ألتئم مع مرور هذه السنوات المرة.
اخرجت هاتفها من حقيبتها لترد على اتصال سهام التي سمعت هِتافها القلق فور وضعها للهاتف على اذنها
- فينك يا سلمى كل دة؟ اتأخرتي اوي
ليس لديها القدرة على التمثيل في هذا الوقت، لكنها اجبرت نفسها على ذلك، قالت مُعتذرة بفتور.

- اسفة يا ماما
- مش هتيجي بقى؟، مش اتفقنا ان بقية الاسبوع هتبقي معايا والجمعة والسبت بس عندها؟
ادركت ان عمر اخبرها انها عند والدتها كوثر لذا سهام تُعاتبها الان، تحججت يارا بكذب
- معلش النهاردة بس عشان ماما كوثر تعبانة و..
قاطعتها سهام رافضة بغيرة
- لا، هي كل شوية تعبانة وانتِ بتفضلي معاها
صمتت يارا بتعب، لا طاقة لديها لإرضاء احد الان، همست برجاء
- يا ماما، لوسمحت متصعبيش الدنيا عليا.

زفرت سهام بضيق، قالت بحدة
- براحتك يا سلمى، براحتك
ثم اغلقت الخط، تنهدت يارا بإستياء، ستُراضيها عندما تذهب لها غداً.
وصلت امام منزلها وكادت ان تدلف لرواقه لكن مُناداة ملك لها من خلفها اوقفتها، استدارت لها بينما سألتها الاخيرة
- يارا؟، بتعملي اية هنا؟
- هبات النهاردة مع ماما
- طب حلو، انا كنت جاية اطمن عليها
صعدا معاً، اخبرتها ملك بإحباط وهما يصعدا درجات السلم
- اطردت النهاردة من الشغل.

توقفت يارا عن الصعود وسألتها بقلق
- لية؟ حصل اية؟
رفعت ملك رأسها بفخر وهي تُجيب
- ضربت كريم النهاردة في المطعم، ودة سبب طردي اني ازاي اضرب زبون وان لازم افصل مابين الأمور الشخصية والشغل
سقط فك يارا بذهول، أهذه ملك حقاً!، قفزت في مكانها بسعادة وهي تُحيها على فعلتها، بينما اضافت ملك
- مضّربش مني لوحدي
عادت لتقف بثبات وهي تسألها بفضول
- مين ضربه غيرك؟
- إياد
ارتفعا حاجبيها بذهول بينما قالت ملك وهي تبتسم.

- اية رأيك نطلع فوق واحكيلك كل حاجة؟
ادركت يارا انهما يتحدثان على السلم، اومأت برأسها وهي تضحك، اكملا صعودهما لشقة الاخيرة.

في شقة إياد
وصل عمر اخيراً ليشارك إياد و مروان سهرتهم، قال الاخير بسخرية
- وأخيراً شوفناك يا طيار!، دة انت فايتك كتير
قال جملته الاخيرة وهو ينظر ل إياد بخبث، عقد عمر حاجبيه مُتسائلاً
- اية اللي فايتني!
- شكل إياد عنده صيدة جديدة
نظر عمر ل إياد مُنتظراً توضيح منه، فقال الاخير بحنق
- فكك منه دة بيهبد، الموضوع مش زي ما الزفت دة فاهم
- طب قولي انت يا طيار، بيتخانق مع واحد عشان واحدة يبقى دة اية؟

جز إياد على اسنانه وهو يبرر
- كان لازم اتصرف كدة
هتف عمر بغيظ
- طب ما تقول حصل اية وانا احكم بعدها
سرد له ما حدث دون ان يذكر ملك، فهو لم يخبره عن الامر منذ البداية حتى حين سأله سابقاً عن سبب طلب يارا لرقمه وإذ هاتفته لكنه تصنع الجهل وقتها وعدم المعرفة بسبب اتفاقه مع الاخيرة بالتكتم عن الامر.
صمت عمر ولم يُعلق بشيء، نهض مروان ليذهب للمرحاض، فأندفع عمر للأمام ليقول بعيون ضيقة.

- مش المطعم دة اللي بتشتغل فيه ملك صاحبة يارا؟
ابتسم إياد، فكيف امر كهذا قد يمر على عمر دون ان ينتبه له!، غمز له الاخير وهو يستفسر
- اية في تطور بينكم ولا اية؟
صمت إياد قليلاً قبل ان يُجيب
- لا
- احسن، مش عايز مشاكل مع يارا
تجاهل إياد قول عمر الذي اغاظه، قال بإستمتاع
- بس هيبقى في قريب ان شاء الله
اعاد عمر ظهره للخلف وهو يتساءل بحيرة
- انت مُعجب بيها بجد؟، افتكرت الموضوع تسلية زي القبله.

عاد مروان فقطعا حديثهم، قال الاخير وهو يجلس
- ها قولي، اخبار قطتي اية؟
عقد عمر حاجبيه بعدم فهم
- قطتك!
- يارا يبني
تبدلت ملامح وجه عمر وأصبحت مُتجهمة، قال بكبت
- مش قولتلك قبل كدة شيلها من دماغك؟
رفع مروان زاوية فمه بتحدي وهو يرد
- عايزني أضيع الصاروخ دة من ايدي!
اندفع عمر بجسده للأمام صارخاً بغضب
- ما تحترم نفسك يا زفت
احتدت نبرة مروان وهو يقول بإنفعال.

- ما تهدى انت على نفسك، مش عارف مالك كل ما اجيب سيرتها تتعصب كدة!
لماذا يغضب!، فقط نطقه لأسمها يُزعجه فهو يعرف مروان وخبثه، لا يُريدها ان تكون في تفكير مروان القذر، هدر عمر بصرامة
- عشان قولتلك اكتر من مرة متفكرش فيها حتى
- حاجة متخصكس يا طيار
قول مروان البارد زاد من غضب عمر الذي فز واقفاً ليثبت أحقيته في هذه النقطة بكل حزم
- لا يخصني.

نهض إياد ووقف أمام عمر، فهناك شجار سينشب الان بين الاثنين، نهض مروان ببرود قائلاً بنفس طريقته الغليظة
- اخرج منها انت يا عمر، ومتنساك انك اخوها قدام الناس ها
وغمز له قبل ان يلتقط مفاتيحه ويتجه للباب بنظرات ساخرة موجهة ل عمر، انه شخص خبيث كقوله الاخير.
التقط عمر انفاسه بخشونة وهو يدور حول نفسه ضامماً قبضته بقوة لعله يكظم غضبه وغيظه اتجاه ذلك الغليظ، فكرة إعجاب مروان ب يارا تُثير جنونه من البداية.

- مالك يا طيار؟، اهدى
توقف ليصدح صوته بغضب مُجيباً بسبب هياجه
- انت عارف ان مروان حاطط عينه على يارا وهو حقير ممكن يأذيها
شعر إياد بشيء غريب في صديقه لكنها تخطاها في الوقت الراهن، عاد ليجلس وهو يقول بسلاسة
- يابني خليه يجرب معاها محسسني انها هتديله وش!، دي تمسح بكرامته الارض لو جرب يقربلها وانت عارف كدة كويس
هدأ اشتعال حدقتيه تدريجياً وقد شقت ابتسامة صغيرة طريقها الى شفتيه وهو يتمتم
- عارف
اكمل إياد.

- وغير كدة دة اسلوب مش جديد عليه
اندفع مرة اخرى قائلاً بحدة
- يطبقه بعيد عن يارا
رمقه إياد بنظرة يعرفها الاخر جيداً، سأل بعبث
- اشمعنا يعني؟
جلس عمر وهو يتنهد، اجابه بصراحة وإحباط
- تقريباً بدأت أُعجب بيها
قهقه إياد بقوة بعد قول الاخر الغير متوقع، هدأت ضحكاته وأثناء ذلك علق
- مستحيل!، يارا؟ دة أنت مش بتطيقها يبني
- انا نفسي مش مستوعب، تفتكر بتوهم!
اومأ إياد برأسه مؤكداً
- دة اكيد، عندك فراغ يبني.

صمت عمر ناظراً للسقف بشرود، يزداد الامر تعقيداً كلما فكر به، حدث نفسه بضياع
- لو كدة، طب لية قارنت بينها وبين رضوى رغم ان مينفعش أقارن رضوى بواحدة تانية؟
بمجيء اسم رضوى بين أفكاره تذكر أمر الرسالة، اخبر إياد بسخرية وهو ينقل نظراته اليه
- مقولتلكش، رضوى بعتتلي رسالة
- نعم!
ابتسم بسخط وهو يُعيد نظراته للسقف.

صباح اليوم التالي
انتهت يارا من إعداد طعام الإفطار وهي تدندن بإستمتاع، فليلة امس أحدثت معها فرق كبير، جعلتها تُجدد طاقتها حول كل شيء حولها، حديثها ومُزاحها مع ملك ووالدتها جعلها تنسى كل همومها، كانت ليلة دافئة.
حملت الصينية واتجهت بها لغرفة والدتها، وضعتها على الطاولة وقامت بتحضير شطيرة لتقدمها لها، أخذتها منها الاخيرة وعلى وجهها ابتسامة سعيدة مُرتاحة لوجود ابنتها بجانبها.

انتظرت يارا حتى انتهت كوثر من تناول طعامها وأخذ دواءها لتستجمع شجاعتها بعدها وتُخبرها عن حقيقة عملها، فهي لا تُريد ان تحدث فجوة بينها هي ووالدتها إذ علِمت الحقيقة عن طريق والدها الذي قد يظهر لها، فهي لا تعلم إذ صدق كذبتها ام لا.
- ماما، عايزة اقولك حاجة
قالتها بتوتر وهي تضم كفيها لبعضهما، تعرف كيف سيكون رد فعل والدتها.
- قولي يا حبيبتي.

تنفست بعمق قبل ان تخبرها مُباشرةً ودون مُقدمات بحقيقة عملها، كلماتها تتسابق مع بعضهما البعض حتى تصل للنهاية وهي تلهث، رفعت نظراتها بحذر لوالدتها ترى ملامح وجهها التي تجهلها، اهتزت حدقتيها حين رأت العِتاب وعدم الرضا تستقر في عيني كوثر، قالت الاخيرة بصوت يمتلأ بالخيبة
- مكنتش أتوقع انك توافقي على شغل زي دة يا يارا، بقيتي نصابة خلاص!
اسرعت يارا لتدافع عن نفسها بجهد.

- مش بنصب عليهم والله، قولتلك ابنهم طلب مني اعمل كدة ودة لمصلحتهم
هزت كوثر رأسها بأسف وهي تقول
- تعرفي إذا أُمه عرفت الحقيقة هيحصل اية؟، ممكن تطب فيها وتكوني انتِ السبب، هتقدري تشيلي ذنبها وقتها!
تشنج جسدها من تلك الفكرة، لقد حمَلت نفسها ذنب رحيل والدها منذ الصغر وكم هو شعور قاتل، لا تستطيع تحمله مرة اخرى، قالت محاولة مُطمأنة نفسها قبل والدتها
- ان شاء الله مش هتعرف الحقيقة وهتعدي التلت شهور..

قاطعتها والدتها بعنف
- انتِ بتتكلمي ازاي يا يارا!، بتتكلمي ازاي انتِ فهميني
ازدردت يارا ريقها بصعوبة وهي تهرب بحدقتيها بعيداً عن والدتها التي أكملت بنبرة مُنفعلة اثر خوفها على ابنتها
- فكرتي كويس قبل ما توافقي؟، عارفة ان اللي بتعمليه دة جريمة ممكن تدخلي فيها السجن لو عيلته عرفوا!
همست يارا بإضطراب
- مش هيحصل
صرخت كوثر بثورة
- لا هيحصل، وانا هتحسر وقتها على بنتي.

سعلت بقوة فأسرعت يارا لها بفزع تُربت على ظهرها بخفة، امتلأت مقلتيها بالدموع حين رأت دموع والدتها تنهمر على وجنتيها، قالت بصوت مُتحشرج
- متعمليش كدة فيا، متخوفنيش من الطريق اللي ماشية فيه
بكت كوثر وهي تقول بعجز
- انا خايفة عليكِ، خايفة ليأذوكي
امسكت يارا بكف والدتها وحاولت التماسك امامها وهي تخبرها
- هما شهرين وكل دة هيخلص، ادعيلي انتِ بس، ها!
مسحت كوثر دموعها وهي تقول برجا
- سيبي الشغل دة.

تنهدت يارا وهي تُجيبها بخفوت
- مش هينفع
- لية؟
- خدت نص الفلوس
اسرعت كوثر لتقول بأمل
- عادي، ممكن نرجعها
اخفضت يارا رأسها بإستياء
- صعب
وكأنها علِمت سبب صعوبة إعادة تلك النقود، سألتها لتتأكد
- عمليتي كانت من الفلوس دي، صح؟
اومأت يارا برأسها، بعدها وجدت والدتها تشهق في البكاء بطريقة آلمت قلبها، علِمت سبب بكاءها لذا لم تسأل، سالت دموعها المقهورة على وجنتيها وهي تتقدم لتعانق والدتها وتُشاركها في البكاء.

في المطعم
وضعت النادلة الصينية التي تحتوي على فنجان قهوة وشطيرة على الطاولة امام إياد الذي شكرها ثم سألها بخفوت
- ملك مجتش النهاردة؟
عقدت النادلة حاجبيها بإستغراب من سؤاله عن زميلتها في العمل، اجابته بتهذيب
- مبقتش تشتغل هنا
حرك حدقتيه في مقلتيه حوله بحيرة، هل تهرب منه لذا تركت العمل؟ ام هناك شيء حدث!، سألها بفضول
- يعني هي سابت الشغل بمزاجها ولا اية؟
مالت النادلة قليلاً لتُجيبه بصوت منخفض.

- لا، اتطردت
قضب جبينه بحدة وسألها بصوته الذي بدى عليه الانزعاج
- لية؟ حصل اية؟
- اسفة، مش هقدر اقول اكتر من كدة، عن إذنك
هز رأسه مُتفهماً ثم نهض تاركاً نقود على الطاولة قبل ان يغادر.
خرج من المطعم وهو يعبث بهاتفه بأصابع حادة، مُرسلاً لها رسالة
- فينك؟، مستنيكِ قدام المطعم
كان يتوقع انها ستتجاهل رسالته كالعادة لكنها اجابته بعد دقائق من وصول الرسالة!
- اسفة، مش هقدر اجي.

خرج من غرفة الدردشة الخاصة بها بحنق ليتجه لقائمة الاسماء ويبحث عن اسمها ليتصل بها، اتجه لسيارته وهو ينتظر إستقبالها لإتصاله.

بينما في الناحية الأخرى، كانت ملك تتنقل بين محل واخر باحثة عن عمل، لكنها لم تجد واحداً حتى، حاولت التغلب على شعورها بالإحباط بتشجيع نفسها وإعطاءها امل.
جلست على المقعد الرخامي عند محطة الحافلات مُنتظرة قدوم حافلة مُعينة، تنهدت وهي تنظر امامه بشرود، عادت لتفكر بكلام يارا لها بالأمس بشأن إياد وتحذيرها الصارم حوله حيث قالت..

- هو ساعدك وكتر خيره بس ابعدي عنه وخلي بالك منه لان باين عليه انه صايع ومش سهل وممكن يوقعك في ثواني، وانتِ ماشاءالله عليكِ بثقي في الناس بسرعة وبتصدقي انهم كويسين وطيبين وفي الاخر بتاخدي على دماغك، بلس ان حظك تحفة بتقعي دايماً في حب الشخص الخطأ وكريم اكبر مِثال.

يارا مُحقة في كل ما قالته بشأنها، انها تقع في الحب بسهولة لذا كانت تتجنب التعامل مع اي رجل يعاملها بود وتقطع علاقتها بأي رجل يُبدي إعجابه بها سواء بتصرفاته او بإعتراف صريح كحال إياد، لقد استطاع أن يشغل تفكيرها بسهولة مُخزية، لكنها لا تعلم كيف تتصرف!، تريد تجنبه تماماً لكنها خائفة فقد تحتاجه بشأن كذبتهمها.

اخرجت هاتفها من حقيبتها لتعبث به قليلاً فوجدت رسالة منه، فتحتها بتلقائية وقد وبخت نفسها على تسرعها، فكرت، هل تُجيب ام تتجاهل رسالته البسيطة!، قررت بعد دقائق ان ترد بإقتضاب، تنهدت بعد إرسال ردها بنجاح، جفلت حين اهتز هاتفها بين كفيها وكان اسمه، توترت، لماذا يتصل بها؟ تركت الهاتف على حجرها وهي تُحدِث نفسها بثبات
- مش هرد مش هرد.

نظرت حولها مُنتظرة توقف اهتزاز هاتفها وقد حدث، شعرت بالراحة لانه اغلق لكنه عاد ليتصل من جديد، التقطت هاتفها مرة اخرى وهي ترمق اسمه بإنزعاج وكأنه هو امامها، حدثته بسخط
- بتتصل لية تاني!، ها بتتصل لية!
قربت إصبعها من الشاشة بتردد لتضغط على الزر الأخضر، رفعت الهاتف الى اذنها وهي ترد بخفوت
- ايوة
اتاها صوته الأجش الجاد
- اتطردتي من الشغل لية؟
لم تُجيبه فوراً، وحين أجابته قالت بهدوء
- حصل اللي حصل
- دة مش رد.

تذمر بخشونة، اردف بحزم
- قولي انتِ فين عشان عايز اقابلك
اتسعت مقلتيها وهي تهتف رافضة بتلقائية
- لية؟، مش عايزة اقابلك
لاحظت صمته، فأضافت بحرج
- قصدي مش هينفع عشان...
قاطعها وقد تغيرت نبرته وأصبحت مُقتضبة
- خلاص مش مشكلة، سلام
واغلق دون ان ينتظر رداً منها، نظرت للهاتف بذهول، لقد اغلق في وجهها!، هل ازعجه ردها التلقائي لهذه الدرجة!، شعرت بالضيق من نفسها، لكنها حقاً لم تقصد إهانته بردها.

في سيارة الأجرة، كانت يارا تستند برأسها الثقيلة على زجاج النافذة، لقد أقنعت والدتها بصعوبة بأن تُكمِل عملها مع عمر، لن تكذب، لقد ايقظت والدتها بداخلها الخوف الذي شعرت به منذ البداية لكنها كانت تتجاهله عمداً.
ايقظها من شرودها رنين هاتفها، نقلت نظراتها لهاتفها المستقر بين كفيها، كان رقم مجهول، ردت دون تفكير
- الو
- صباح الخير
انه صوت غير مألوف بالنسبة لها، سألت بثبات
- مين معايا؟
- مروان يا قطة.

جحظت بعينيها، من اين حصل على رقمها!، احتدت نبرتها وهي تسأله
- جبت رقمي منين؟
- مش مهم منين، المهم انه معايا
ضمت قبضتها بحنق وهي تهدر بتحذير
- يبقى أمسحه احسنلك وإياك تتصل بيا تاني
اعترض بلهفة مُصطنعة
- ازاي متصلش بيكِ تاني!، دة انا مصدقت اسمع صوتك
ضحكت في غضب من أسلوبه المستفز، تشعر انه يقصد التعامل معها بهذه الطريقة حتى يُخرجها عن هدوئها، ابعدت الهاتف عن اذنها بإنفعال وهي تقول
- واحد مجنون.

واغلقت الخط في وجهه، وصلت خلال دقائق امام الفيلا، ترجلت واتجهت للداخل وهي تستعد لمقابلة سهام ودلعها.
اتجهت للصالون وكان إبراهيم جالس هناك، اقتربت منه وعانقته مُرحبة به ثم جلست على شاق الكُرسي الذي يجلس عليه مُتسائلة
- اومال ماما فين يا بابا؟
- نايمة
هتفت يارا بذهول
- لدلوقتي!
رمقها إبراهيم بإنزعاج قائلاً
- ما نامت امبارح متأخر بسببك
نهضت وهي تُخبره بتعجل
- هروح اصالحها.

لم يرد وعاد لينظر للجريدة ببغض، نظراته التي كان ينظر بها لها دون ان تلاحظ هي.
صعدت درجات السلم كل درجتين معاً حتى تصل اسرع، اتجهت أولاً لغرفة عمر لتوبخه فلن يمر أمر صديقه على خير، بعدها ستذهب لإرضاء سهام وقضاء الكثير من الوقت معها.
توقفت امام باب غرفته ودخلتها بعد ان طرقت الباب!، فور دخولها قابلها بقوله المستفز..
- رجعتي يا هانم!
تجاهلت محاولته السريعة لإستفزازها لتقول بإنفعال وعدم إستيعاب.

- هو انا مش كفاية عليا انت عشان تسلط صاحبك عليا؟
عقد حاجبيه مُتسائلاً
- صاحبي مين؟
اجابته وهي تجز على أسنانها
- المجنون مروان
اردفت بشك حاد
- انت أديته رقمي؟
جلس على طرف السرير مُستنكراً بحدة
- وانا مجنون عشان اعمل كدة!
هزت رأسها بقوة وهي ترد بتلقائية
- ايوة مجنون، مش صاحبه!
ضم قبضته بحنق، هتف
- انا اصلاً متخانق معاه بسببك
هدأ اشتعال حدقيتها لتلمع بحيرة
- بسببي؟، لية؟

تنفس بقوة وهو يمسح وجهه بخشونة، قال بصوت غير مقروء
- عالعموم انا هتصرف معاه
حدقت به لثوان، لقد تجاهل سؤالها، لم تكترث وقالت بجفاء قبل ان تتجه للخارج
- ياريت
تابعها وهي تبتعد، وجد نفسه يبتسم وحروفه المُشاكسة تخرج من بين شفتيه بتلقائية
- رجعتي تاني لديل الحصان الجربان؟

استدارت بشراسة بعد قوله الخبيث، قذفته بنيران حدقتيها دون ان ترد، لكنها لن تصمت، انحنت لتلتقط وسادة من فوق الأريكة لتُلقيها عليه فيلتقطها بمهارة، قهقه بإنتصار وهو يرفع حاجبيه لها هامساً ببطء
- غبية
- مستفز بارد
قالتها قبل ان تغادر صافقة الباب بعنف، استلقى واضعاً ذراعيه اسفل رأسه وهو يبتسم بإستمتاع شديد
- عسل
اختفت ابتسامته فجأة وقد أُصيب بالصدمة، لمن قال عسل؟ هل يقصدها هي؟

بدأ الليل يسدل ستاره..
نظرت ملك بضجر لهاتفها الذي لم يتوقف عن الرنين، إن زميلتها في العمل الذي طُردت منه تتصل بها بإستمرار ودون توقف، لماذا تتصل بها؟ هل لتواسيها فقط؟ ماذا ستستفاد من مواساتها الان؟، اضطرت على الرد في النهاية.
- اخيراً رديتي يا بنتي
اتاها قول زميلتها براحة، فسألتها ملك بإقتضاب
- في حاجة؟
- ايوة، تعالي الشغل بكرة، المدير رجعك
نهضت ملك واقفاً بصدمة هاتفة
- نعم؟ رجعني؟ ازاي؟ لية؟

- بواسطة يا ستي اتبسطي
عقدت ملك حاجبيها بحيرة مُتسائلة
- مين؟
اجابتها الأخرى بتلقائية
- زبون تقيل عندنا
اردفت بتعجل
- انا لازم اقفل دلوقتي، بس متتأخريش بكرة ها!، سلام
واغلقت الخط سريعاً، نظرت ملك لهاتفها بذهول وهي مازالت عاقدة حاجبيها بحيرة، من الذي ساعدها للعودة لعملها؟، انفك عقدة حاجبيها حين دوى اسمه في عقلها، هل إياد من ساعدها؟

اسرعت لتضغط على أزرار هاتفها لتتصل به، وضعت الهاتف على اذنها بحدة، لماذا تدخل في امر كهذا؟، لماذا يتدخل في أمورها دون أذنها؟، هل اخبرته انها تُريد العودة؟، توقفت عند تلك النقطة وهي تُجيب بغباء، نعم انها تُريد ان تعود لعملها في المطعم فالبحث عن عمل صعب جدا.
جفلت حين وصل صوته القوي الرجولي لها عبر الهاتف
- نعم.

لا تعلم لِما توترت، لكنها حاولت ان تتجاهل توترها لتقل ما لديها وتُغلق الخط، كانت حذرة في إخراج حروفها
- لية رجعتني للشغل؟ طلبت مُساعدتك؟
سمعت صوت انفاسه الهادئة في فترة صمته، قال اخيراً
- لازم تُطلبي؟
قالت بضيق وقد ارتفع صوتها قليلاً
- مش بحب يبقى لحد جمايل عليا
تخطى قولها ليقول بإنزعاج ساخر
- مش المفروض تتصلي بيا وتشكريني؟
اسرعت لترد بإنفعال دون تفكير
- ومش المفروض تتصل بيا وتعرفني باللي ناوي تعمله؟

ابتسم في حنق قائلاً بصوت اجش
- اتصلت ولا نسيتِ؟
ازدردت لُعابها بتوتر وصمتت، بينما استطرد بجدية
- متعتبرهوش جميل، عشان عملت كدة عشاني
- عشانك؟، لية اية الفايدة ليك في انك ترجعني؟
- متعرفيش اني باجي المطعم عشانِك ولا اية!
اتسعت مقلتيها وهي تهتف ببلاهة
- نعم!
اكمل بود مُتلاعباً بكلماته
- بحب اشوفك كل يوم الصبح وانا بفطر، بحب ابدأ يومي بيكِ.

رفعت كفها لفمها تكتم شهقتها التي خرجت منها بتلقائية اثر صدمتها، احمر وجهها بشدة مع تسارع دقات قلبها التي شعرت بها بوضوح، أبعدت الهاتف سريعاً عن اذنها واغلقت الخط بتوتر، دارت حول نفسها كالمجنونة وهي تفرك كفيها ببعضهما وتفكر بإقتناع، انه لعوب كما قالت يارا ويجب عليها الابتعاد عنه بقدر المستطاع وإلا ستقع في حبه كالحمقاء.

في فيلا إبراهيم السويفي
تركت يارا سهام بعد ان صالحتها بصعوبة، تعلم انها تتثاقل عليها فقط لتشعر بإهتمام ابنتها بها لذا تصنعت ذلك بمهارة ونجحت به، لقد قضت معها اكثر من خمس ساعات وكم تعبت، توقفت عند درجات السلم حين أعلن هاتفها عن وصول رسالة جديدة، كانت من والدها، زفرت بضيق، كيف ستتخلص منه؟، فتحتها لتنظر لمحتواها وكان تهديد جديد
- خلال يومين لو الفلوس مجتش هتصل ب سهام هانم، مش دة رقمها! ٠١.

اهتزت حدقتيها بجزع، انه رقم سهام، كيف وصل اليه؟، سمعت وقع خطوات خلفها فأستدارت بتلقائية، كان عمر، هل تخبره بالأمر؟ من المؤكد انه سيساعدها لأن عائلته ستُضر لكن كيف ستكون ردة فعله!، انها خائفة منه.
لن تفكر اكثر، ستخبره وتنتهي، اوقفته بندائها
- عمر
توقف ورفع نظراته اليها، اخبرته بثبات أتقنته
- عايزة اتكلم معاك في حاجة مهمة..

تااابع ◄