-->

رواية لروحك عطر لا ينسى الفصل الثانى

 

 

 بعد مرور ثلاث ايام
نظرت له يارا لتسأله بفضول
- وانت بتشتغل اية بقى!
القى نظرة باردة سريعة عليها، اجابها بإقتضاب اشبه بالرسمية، كأنه يقدم لها بطاقته الشخصية


- عمر السويفي، قربت على التلاتين، طيار واعذب
خرجت منها ضحكة قصيرة ساخرة أثر أسلوبه، أوقف عمر سيارته امام الفيلا، نظر ل يارا التي تجلس بجواره بهدوء، أكد عليها قبل ترجله
- متنسيش اتفاقنا، واعملي كل حاجة اتفقنا عليها وأو...

قاطعته بضجر دون ان تنظر له
- خلاص حفظت هقول وهعمل اية فمش لازم كل دقيقة تعيد
ترجل وفتح لها الباب تحت أنظار والدته التي تقف مستندة على الممرضة عند باب الفيلا تنتظر بترقب وتوتر شديد مجيء ابنتها، لم تنم منذ ان اخبرها عمر بأنه وجد سلمى، كانت تنتظر وتحلم بهذه اللحظة في الثلث ليالي التي مضت، اخيراً ستستطيع ان تعانق ابنتها الضائعة!

فتح عمر باب السيارة لتترجل هي بدورها ثم حاوط كتفها بذراعه مما لم يعجبها، تذمرت بنبرة حادة هامسة مع حفاظها على ملامح وجهها الهادئة
- ابعد ايدك، متلمسنيش
ابتسم وهو ينظر لها قائلاً من بين اسنانه مُحذراً.
- اهدي، مش من اولها.

ابتلعت انزعاجها وأكملت سيرها معه، تقابلت نظراتها مع تلك المرأة التي يظهر عليها التعب بوضوح، ذكرتها بوالدتها التي تركتها منذ ساعات لتأتي إلى هنا، لقد خضعت للعملية ونجحت والآن هي تحت المراقبة في المستشفى، وقد وصى عمر عليها مما جعلها ترتاح وتطمأن قليلاً لتتركها مع ملك وجارتها ام محمد.
- سل، مى، بنتي!

قالتها سهام بصوت متحشرج ودموعها تكاد تنفجر من اسفل مقلتيها، مدت ذراعيها لتدعوها لها وتقربها، تريد ان تلمسها، لا تصدق ان ابنتها امامها الان!
نظرت يارا لذراعيها الممدودة لها ثم لعينيها الزيتونتين التي تلمعان بإشتياق ولهفة، لمعت الدموع في مقلتيها بتأثر، وسالت على وجنتيها حين عانقتها، ذلك الدفئ وصوت بكاءها جعلها تشفق عليها، انها أُم وتستحق ان تحظى بهذه اللحظة لكن مع ابنتها الحقيقة.

- مش مصدقة، اخيراً يا سلمى، اخيراً لقيتك
زاد نحيب سهام مع كلماتها السعيدة، أخذت تستنشق رائحتها بقوة لعلها تروي اشتياقها وتداوي ندوب فراقهما، ابتعدت عنها وعانقت وجهها بكفيها اثناء دراسة ملامح وجهها الجميلة، قالت والابتسامة السعيدة تشق ثغرها
- ياه كبرتي اوي وبقيتي عروسة، مش مصدقة اني شايفاكِ قدامي!، كنت قربت افقد الأمل واموت.

اشاح عمر بوجهه بعيداً، سعادة والدته الوهمية تؤلمه، تمنى ألا يلجأ لخداعها لكنه مُضطر، استطردت سهام حديثها
- لما وراني نتايج التحليل مصدقتش نفسي، إيجابي!، يعني انا خلاص لاقيت سلمى! هترجع لحضني من تاني!
امسكت بيد يارا وقبلتها ثم عانقتها من جديد وهي تعتذر دون ان يقل بكاءها
- انا آسفة لاني ضيعتك زمان، كنت أُم مُهملة، بس وعد مني هعوضك عن كل يوم عِشتيه بعيد عني
ربتت يارا على ظهر سهام بحنان وتمتمت.

- وانا فرحانة، فرحانة لأني رجعت لحضنك يا ماما
زاد نحيب سهام بعد سمعاها لكلمة ماما منها، ضمتها لصدرها اكثر، لم تتحمل قدمها فأنزلقت لتجلس على الارض فجثت يارا بجوارها وهم مازالا مُتعانقين.
ظلا هكذا لفترة تُقارب الخمسة عشر دقيقة، بعدها دلفا للداخل، لم تُفلت سهام يد يارا من بين كفيها ابداً وكأنها خائفة من ان تضيع منها مرة اخرى.

خرج إبراهيم من غرفة مكتبه ليقف فور دخوله للصالون، ظل يُحدق ب يارا للحظات بينما قالت سهام مع ابتسامة سعيدة
- ايوة دي سلمى يا إبراهيم، بنتنا اهي
ارتسمت على شفتيه ابتسامة وقد لمعت عينيه بالدموع، مد ذراعيه لتنهض هي بدورها وتُعانقه، ضمها بإشتياق وهو يهمس لها
- مكنتش متخيل ان اليوم دة هيجي
ابعدها عنه قليلاً قائلاً وهو يمسح على شعرها البُني بكفه بدفئ.

- نورتي حياتنا من تاني، خلاص رجعتي لحضننا ومش هسمح بأنك تبعدي تاني
اومأت يارا برأسها وهي تبتسم وتعود لتعانقه من جديد، قال عمر ليجذب انتباه والديه بعد دقائق من انشغالهم بها
- خلاص نسيتوا ابنكم!
ضحكت سهام و دعته ليجلس بجوارها، ربتت على كفه وهي تقول بإمتنان شديد
- شكراً ليك لانك رجعتلي اختك، وعدتني ووفيت، ربنا يخليك ليا وميحرمنيش منك ابداً
فقبل جبينها ثم نقل نظراته ل يارا ليقول
- تعالي اوريكي اوضتك.

اعترضت سهام بحزم
- لا انا هوريهالها، تعالي معايا
ابتسم عمر وتركها تذهب مع والدته، وقبل ان تختفي من امامه رمقها بنظرة تحذيرية، اقترب منه إبراهيم وجلس بجواره..
- اشكرلي صاحبك عشان رجعلنا اختك في شهر بس
التمس عمر شيء من السخرية في نبرة والده، يعلم انه يشك في أمره من رد فعله حين قدم له نتائج التحاليل، لكنه متأكد من انه سيتخطى شكه مع مرور الوقت.

في الأعلى، دلفت يارا للغرفة التي ستصبح لها، ذُهِلت من اتساعها، انها ثلاث أضعاف غرفتها الصغيرة المتواضعة، رغم دهشتها لم تشعر بالسعادة لقضائها أيامها المقبلة في غرفة كبيرة كهذه وبمفردها!، انه لأمر مُخيف بالنسبة لها، نظرت ل سهام لتسألها بلطف
- مفيش أوضة اصغر من دي!
ضحكت سهام قائلة وهي تسحبها للداخل
- هتتعودي مع الوقت على الحياة دي.

فتحت لها الخزانة الممتلأة بالكثير والكثير من الملابس، شهقت يارا من ذلك الكم، سألت ببلاهة
- كل دة ليا؟
- طبعا ليكِ يا حبيبتي، يارب اكون جيبتهم على المقاس الصح، اصل خليت عمر يوصفك ليا ومش عارفة إذا هيبقى على قدك ولا اية
اخذت يارا إحدى الفساتين ووضعتها على جسدها، لمعت عينيها ببريق كاذب كقول سعيد
- حلو اوي وعلى قدي
- طب الحمدالله، فرحتك دي تكفيني وزيادة.

ثم اخذتها ليجلسا على الأريكة، اردفت سهام طالبة منها الحديث عن حياتها، اجابتها يارا كما المتفق عليه
- خدتني ست كبيرة كانت عايشة لوحدها، عيشت معاها طول السنين دي و...
قاطعتها سهام لتسألها بقلق
- وكانت بتعاملك حلو؟
- كانت طيبة اوي وبتعاملني احسن معاملة، مخلتنيش محتاجة حاجة
ابتسمت سهام بإمتنان واخذت تدعي لتلك المرأة بالخير، ثم سألتها بفضول
- وقوليلي، ازاي وصلك عمر واية كان رد فعلك؟

صمتت يارا للحظة قبل ان تسرد
- مش عارفة، بس ممكن من الميتم اللي كنت فيه لسنتين كدة!، جالي في مكان شغلي وطلب يتكلم معايا، قالي الحكاية، مصدقتش نفسي يعني خلاص لقيت اهلي؟، خدني عشان نعمل تحليل ال DNA وبعدها بأسبوع طلعت النتيجة وكانت إيجابية، عمر كان عايز ياخدني ليكم وقتها بس انا رفضت عشان ماما تعبانة، جاية هنا من وراها، متعرفش اني لقيت اهلي
- لية كدة؟

- مش هتستحمل، خايفة يحصلها حاجة لو عرفت اني هبعد عنها، هي اصلا محجوزة في المستشفى
امسكت سهام بكف يارا بفزع وهي تسألها بقلب مُضطرب
- يعني هتسيبينا تاني لما تخرج من المستشفى؟!
شعرت يارا بالإشفاق عليها وعلى حالها، لذا ابتسمت وربتت على كف سهام بجانب قولها الذي بث بداخل الأخرى الراحة والطمأنينة.

- طبعاً لا، بس هروح اشوفها وازورها كل يوم عشان متحسش بحاجة غريبة، وهي اللي ربتني يا ماما فمينفعش ارمي جمايلها ورا ظهري!
- طبعاً يا حبيبتي طبعاً، كتر خيرها انها ربيتك
واخذت تسألها سهام عن امور كثيرة حولها، تريد ان تعرف كل شيء عن ابنتها، تريد ان تملأ ذلك الفراغ الذي بداخلها بأصغر تفصيلة تخصها.

بعد مرور ساعتين، اتجه عمر للغرفة لكنه لم يجد والدته و يارا، اين ذهبا!، استدار حين فُتِح باب جناح والدته المقابل وكانت يارا تخرج منه، سألها
- نامت؟
اومأت يارا برأسها وهي تتقدم منه، سحبها من ذراعها حين أصبحت امامه ودلف للغرفة التي ستصبح لها، نزعت كفه عنها بخشونة هاتفة بحدة وتحذير
- ابعد ايدك، متجرنيش كدة تاني
تجاهل تحذيرها السخيف بالنسبة له وسألها بخفوت
- قوليلي، عكيتي الدنيا ولا اية؟

رفعت رأسها بتفاخر وهي تُجيبه بثقة
- عيب عليك
ثم اردفت بإستياء
- بس حاسة بالذنب اني بضحك على مامتك، ياعيني نفسها اوي ترجعلها بنتها
تنهد عمر بإحباط قائلاً
- مفيش حاجة بأيدي، دورت عليها كتير ومش لاقيها
غمغمت بأسف وعادت لتسأله بترقب
- صحيح فين العقد؟
- في مكتب اياد، هبقى أجيبه
اضاقت عينيها بعدم راحة، أعلمها وهو يقف عند الباب
- نامي عشان بكرة هيبقى يوم مُرهق بالنسبالك
عقدت حاجبيها بحيرة مُتسائلة
- لية؟

- هتعرفي بكرة
قالها بإقتضاب وقد غادر، قلدته بحنق وبطريقة ساخرة ثم اتجهت للفراش لتجلس عليه وتلتقط هاتفها لتتحدث مع ملك، بعد ان اطمأنت عن حال والدتها وحدثتها، اخدت ملك تسألها عن الأوضاع لديها، فأجابتها يارا
- مش عارفة للان بس شكل أُمه طيبة اوي، صعبت عليا جدا، لو تشوفيها وهي بتحضني على اساس اني بنتها، لقيت نفسي بعيط معاها وبتصرف كأني بنتها فعلا مش تمثيل
- يارب بس متكتشفش الحقيقة.

- اة والله، دة ممكن يحصلها حاجة
اردفت بقلق
- بقولك اية، انا صراحة قلقانة
- من اية؟
- مش عارفة، بس هو اللي انا بعمله صح؟، يعني اني بمثل وبدي امل لناس شكلهم طيبين وكمان بكدب على ماما بحجة ان الشيفت بتاعي بليل عشان كدة سايباها
تحدثت ملك بإيجابيتها وبساطتها المعتادة.

- أولاً ارمي الأفكار دي من راسك لسبب، ابنهم هو اللي طلب منك تعملي كدة وهو ادرى بحالهم وانتِ قولتي انه قال ان دة لمصلحة أُمه، اما بالنسبة لأمك اعتبريها كدبة بيضة يعني، وانتِ فعلا بتشتغلي دلوقتي وفي نفس الوقت مبتعمليش حاجة غلط
غمغمت يارا ومازال التذبذب ساكن بداخلها رغم محاولة ملك في بث الراحة لها، تنهدت بإستياء وهي تفرغ ما يشغل تفكيرها.

- وغير كدة ماما اكيد هتسألني اني جبت الفلوس دي منين، تجاوبها وقتها ازاي؟، هي عارفة ان مفيش حد حوالينا يقدر يساعدني اصلا
- هنفكر في حاجة اكيد، متشغليش بالك دلوقتي ونامي
- انام!، اة ماشي.

هتفت يارا بسخط، اغلقت معها والقت بجسدها للخلف، لتنهض بعد دقائق وشعور الجوع يراودها بإلحاح، حاولت تخطيه لكنها فشلت، نهضت لتتجه للخارج وتقف حائرة، اتذهب للاسفل مُباشرةً ام تستأذن منه؟، ولكنها لا تعرف اين غرفته!، وجدت غرفة واحدة بجوارها، من الممكن ان تكون هي!
فلا يوجد فالطابق إلا ثلاث، غرفتين واحدة لها وجناح والدته التي دخلته سابقاً، والثانية لا تعلم عنها شيء لذا خمنت انها له.

طرقت على الباب بخفة لأكثر من مرة لكن لا يوجد اي رد!، فتحتها وهي تفكر انها قد تكون فارغة وغرفته في الأسفل، لكنها ادركت انها مُخطئة حين قابلتها صورته المُعلقة على الحائط فور تطلعها لداخل الغرفة، تقدمت للداخل وأغلقت الباب خلفها وهي تنادي بأسمه
- عمر!، انت هنا!
- نعم!

اجفلت حين سمعت صوته خلفها بعد لحظات من مناداتها، استدارت فوجدته يقف امام باب المرحاض المُلحق بغرفته، يضع منشفة حوله وصدره عاري، احتقن وجهها بحنق ولاوته ظهرها سريعاً وهي تهتف بتذمر
- حد يخرج بالشكل دة!
رفع عمر زاوية فمه بسخرية مُعلقاً
- تقريباً دي اوضتي!، وطبيعي اخرج من الحمام كدة عشان اخد لبس..
قطع حديثه واتى بسؤاله الفضولي
- انتِ بتعملي اية هنا؟

اجابته وهي تلتف لتتجنب رؤيته حين اتجه لخزانته بعد طرح سؤاله
- جعانة، عايزة اكل
- واعملك اية؟
سألها ببرود، مطت شفتيها بحنق هاتفة
- من الذوق انك تكرم الضيف و...
- انا معنديش ذوق، هتخرجي عشان اغير ولا هتتفرجي؟
سألها بوقاحة، زفرت بغضب وهي تتجه للخارج دون ان تُجيب، لقد أخطأت حين قررت ان تستأذن منه وتطلب المساعدة من شخص مثله!، اتجهت للاسفل قاصدة المطبخ لتتناول الطعام، وجدته بعد عناء.

شعرت بالإحراج من العبث في ممتلكات أشخاص لا تعرفهم، سقطت أنظارها على علبة البسكوت الموضوع على الطاولة، أصدرت معدتها صوتاً مُطالبة للطعام، اخذت البسكوت وعادت لغرفتها وهي تتوعد لذلك الحقير الذي تجاهلها وتعامل معها بتلك الطريقة الفظة.

صباح اليوم التالي
ينظر عمر لصورته المُنعكسة على المرآة بشرود، لم يذق طعم النوم بسبب تفكيره المُستمر والمرهق حول خطته، تنتابه مخاوف كشف الحقيقة لوالديه، مخاوف من يارا التي قد تفعل شيء لا يحتسبه وتقلب كل شيء رأساً على عقب، ماذا سيفعل وقتها!، ماذا لو لم تتحمل والدته الصدمة؟، حينها سيكون الذنب ذنبه، هز رأسه بعنف طاردا ًتلك الأفكار السلبية مُردداً.

- مش هيحصل حاجة وكل حاجة هتمشي زي ما انا عايز، إن شاء الله
هندم حلته قبل ان يغادر مُتجهاً لغرفة الطعام، القى التحية على والديه ومعهم يارا التي كانت تتجاذب أطراف الحديث معهما بمرح، كانت قد جلست في مكانه، لم يُعلق وجلس بجوارها بهدوء، راقب والدته والسعادة التي تملأ روحها حتى انعكست على وجهها بوضوح، شعر بالراحة حين رأى ذلك.
انتشله إبراهيم من تأمله بسؤاله الذي تبعته غمزة
- رايح فين بالشياكة دي؟

- رايح مشوار للمطار وراجع
اجابه عمر وهو يلتقط الخبز ويضعه امامه، قال إبراهيم بعبث
- المطار برضه!
ضحك عمر مؤكداً
- ايوة المطار
اسرعت سهام لتعترض بذعر
- لا، هتروح المطار لية!، اومال مين هيروح مع سلمى عشان تشتري كل اللي نفسها فيه؟
رفع حاجبيه بذهول قائلاً بإستنكار
- انا هروح معاها يا ماما!
- ايوة مفيش غيرك، انا مش هقدر اروح معاها انا تعبانة، وانت اخوها اولى تروح معاها وعشان محدش يضايقها
- انا مش فاضي لل...

قاطعته بنظرتها الصارمة، بينما اخفضت يارا رأسها لتقول بخفوت حزين كان مُصطنعاً
- خلاص سيبيه يا ماما متجبرهوش على حاجة هو مش عايزاها، انا هروح لوحدي
كتمت تأوهها بصعوبة حين نكز ساقها بقدمه فهو يعلم جيدا تأثير هذا الأسلوب على والدته وخاصةً منها، عضت يارا على شفتيها بقوة لتتحمل الألم، حاولت كظم حنقها حتى لا تلتفت له وتقتله في يدها.
سبق إبراهيم سهام في القول الآمر.

- أجل مشوارك مدام مش ضروري وروح مع اختك، وبالمرة تقضوا وقت مع بعض وتقربوا لبعض
لمح ابتسامتها المُنتصرة التي فلتت منها لوهلة وأخفتها سريعاً، اعتصر قبضته بغضب مُناقض لموافقته الهادئة على والديه، قفزت يارا بسعادة وهي تنهض لتعانق إبراهيم ثم سهام، ذكرتها الاخيرة قبل ان تصعد يارا لغرفتها وتستعد للذهاب مع عمر.
- بس متتأخروش عشان الضيوف.

غادرا الفيلا معاً تحت أنظار سهام، انطلقا بسيارة عمر مع نظرات مُتشاحنة بينهم، تحدث بغيظ مكتوم
- انتِ قاصدة تصرفك دة!
غمغمت ببرود قاصدة استفزازه مع قولها الموضح سبب فعلتها
- عشان اتنادلت معايا امبارح، فبالتالي هجبرك تيجي معايا تعمل اكتر حاجة بيكرهها اي راجل
رفع زاوية فمه بسخرية مُتسائلاً
- وانتِ فاكرة اني هاجي معاكِ بجد!
- طبعاً، وإلا هقول لماما سهام انك سبت اختك تلف في الشوارع لوحدها.

هل تهدده الان!، احتدت ملامح وجهه وهو يهتف بخشونة
- لا حاسك اتقمستي الدور اوي!، فوقي، انا ممكن افركش كل دة واخليكي ترجعيلي فلوسي و...
قاطعته بلامبالاة
- مش هتقدر، انت مش مستغني عن حياة أمك ولا مكنتش جبتني من الاول
قبض على المقود بقوة وهو يبتسم في حدة
- بس شكلك انتِ مستغنية، فأية رأيك اطرد السيدة الوالدة من المستشفى وتتبهدلي بيها!
احمر وجهها غضباً صارخة بإنفعال
- انت هتستهبل!، احنا بينا اتفاق.

هدأت ملامحه وخمدت نيران حدقتيه حين وصل لمبتغاه واغضبها، قال بنبرة جليدية
- الاتفاق بح لو فضلتي تستفزيني
اشاحت بوجهها بعنف تنظر امامها وهي تتنفس بخشونة، هزت رأسها بعد ثوان، تخبره بجدية
- لكل فعل رد فعل، مدام مش بتضايقني يبقى مش هستفزك، فالموضوع في ايدك انت
استقرت نظراتها المتجهمة عليه تستطرد بحروف مستقيمة كحد السيف مُحذرة اياه
- ولو جربت تنقد الاتفاق وجيت عليا صدقني هخربها فوقك ومش هيهمني حاجة.

ترجلت من السيارة صافقة الباب بقوة غير عابئة لرده الذي سيكون تهديد بدوره.

في شقة إياد
نهض الاخير بتثاقل على طرقات الباب المتتالية العنيفة، هتف بسخط حين فتح الباب وكان عمر
- حد يخبط كدة؟
دفعه عمر دالفاً للداخل بخطوات غاضبة
- انا عايز أولع فيك وفي دماغك
ادرك إياد فوراً ان الامر يتعلق ب يارا، ضحك مع اغلاقه للباب وتقدمه من الاخر مُتسائلاً
- ها عملت اية تاني؟، مش عارفة تمثل!
اخذ عمر لفافة تبغ مما تخص إياد وهو يتهكم بحنق
- مش عارفة!، دي عقربة.

جلس إياد مُتطلعاً اليه مُنتظراً حديثه
- دي مستفزة بطريقة، بتستقصد تستفزني
- شيء طبيعي لانكم مش طايقين بعض اصلاً
نفذ دخان لفافة التبغ متوعداً لها
- والله ما هتسلم مني
- يابني مينفعش كدة، دة لسة اول يوم والحال كدة، فأزاي هتكملوا اللعبة دي!، ولا عايز كل حاجة تنكشف!
رمقه عمر بشر، يريد ان يفتك به، طلب منه بصرامة
- اسكت انت عشان اللي بيمشي وراك بيروح في داهية، زيي كدة
كتم إياد ضحكته وقال وهو ينهض.

- مش مهم الشد اللي بينكم، المهم ان الدنيا تمام بينها وبين اهلك.

في المستشفى
جلست يارا بجوار والدتها، تحتضن يدها بين كفيها والابتسامة تشرق وجهها، محاولة بذلك بث الطمأنينة لوالدتها التي ظهر عليها القلق من الوضع الحالي، فأسئلة كثيرة طرحتها عليها وكانت يارا تُجيبها بشيء واحد فقط (ثقي فيا وكل حاجة هتبقى تمام) لكن ذلك لم يُريحها بتا.
- ريحي قلبي وقوليلي جيبتي الفلوس منين، وشغل اية دة اللي يكسب كل الفلوس دي في يومين!
مطت يارا شفتيها بتبرم مُجيبة.

- هقولك، خدت قرض من البنك وبيتنا هو الضمان، خلاص كدة!
اسرعت لتُكمل قبل ان تُبدي كوثر أي رد فعل
- وحالياً بشتغل اكتر من شغلانة في اليوم عشان ادفع الفوايد كل شهر، ومتقلقيش هسد الفلوس وبيتنا مش هيحصله حاجة
ترقرقت الدموع لتسيل على وجنتي كوثر بألم، انها حِمل ثقيل على ابنتها، لم تقدم لأبنتها شيء سوى التعب والعبء، اسرعت يارا لتمسح دموع والدتها قائلة برجاء، فهي تعلم سبب بكاءها.

- متبدأيش امانة عليكِ، عارفة هتقولي اية بس انا كدة مرتاحة، وانتِ احسن وأطيب ام في الدنيا، بس قومي بالسلامة كدة وهبقى مبسوطة اوي ومش هبقى عايزة حاجة من الدنيا دي
اومأت كوثر برأسها وهي تحاول ان ترسم على وجهها ابتسامة حتى لا تُحزن قلب ابنتها اكثر من ذلك، طلبت منها برجاء
- طب خرجيني من المستشفى، حرام مصاريف على الفاضي
نهضت يارا رافضة بحزم
- لا مش هتخرجي من المستشفى الا لما حالتك تستقر، لوسمحتي متعترضيش..

دلفت ملك بإبتسامتها المشرقة وقولها المرح
- يا صباح الجمال على ام جمال، وانا بقول المستشفى منورة لية طلعت يارا هنا
ابتمست يارا ورحبت بها، ثم قالت وهي تلتقط حقيبتها
- كويس انك جيتي عشان لازم ارجع للشغل
- روحي ومتقلقيش انا قاعدة مع طنط حبيبتي
قبلت والدتها، اخذت ملك جانباً لتتحدث معها بصوت خافت
- مش بعطلك عن شغلك صح!
- لا لا متقلقيش، خدت اجازة النهاردة
- آسفة جدا والله اني..
قاطعتها ملك موبخة اياها بعتاب.

- متقوليش كدة احنا اخوات وطنط كوثر زي امي
عانقتها يارا وشكرتها بإمتنان، ثم ودعتهما وغادرت على اتفاق ان يتحدثا مساءً.

بدأ الليل يسدل ستاره، في فيلا إبراهيم السويفي
شعرت يارا بالإرهاق الشديد والصداع من ثرثرة أصدقاء سهام المملين جدا بالنسبة لها، دُهشت حين رأت تلك الحيوية على الاخيرة المناقضة لحالتها التي رأتها بها لأول مرة، ايقنت ان ما فعله عمر صحيح وظهور ابنتها ولو حتى مُزيف لمصلحتها.

لقد كانت سهام تتفاخر ب يارا وبجمالها رغم انها ترى نفسها عادية جداً ولا تستحق ذلك الثناء المُبالغ به، دلفت لغرفتها ناظرة لصورتها المُنعكسة على المرآة، بداية من شعرها البُني وعيني الغزال البُندقيتن إلى شفتيها الرفيعتين، أهي جميلة حقاً!، هزت رأسها بلامبالاة واتجهت للفراش لتستلقي عليه مُتنهدة، فزعت حين فُتِح الباب فجأة دون إستأذان، ومن غيره!، قذفته بنظراتها العنفوانية هاتفة
- مش تخبط!

جلس على الأريكة ببرود، ناظراً لها بجمود وهو يضع ورقة على الطاولة
- العقد اهو
نهضت بتعجل والتقطت الورقة لتقرأ ما بها بتطلع، اضاقت عينيها بإستغراب وتحولت لحدة وهي تنقل نظراتها إليه
- اية دة؟
هدرت بإعتراض حاد
- يعني اية مش محدد موعد لنهاية العقد، مش احنا متفقين على شهرين!
نهض بعنف مقترب منها، هاتفاً بحدة مع نبرته الخافتة
- وطي صوتك
حاولت التحكم بإنفعلاتها ونبرتها المرتفعة وهي تُطالبه بعدم استيعاب.

- طب فهمني، فهمني ازاي!
- دة الأحسن
- الأحسن لمين!، ليك انت..
قاطعها بجفاء وبرود شديد أفقدها صوابها
- ملهوش لازمة الكلام دة عشان كدة كدة انتِ موقعة على العقد و...
اتسعت مقلتيه بصدمة وغضب وهو يراها تهم بتمزيق العقد لنصفين، اسرع لينقذه من بين يديها صارخاً
- اتجننتي!
- انت واحد حقير ملكش كلمة و..

تبدلت بقية حروفها بتأوهاتها من قبضته الخشنة على ذراعها وجذبه لها بغير رفق قائلاً وهو يجز على اسنانه بغضب مع نبرة غير قابلة للنقاش
- هقصلك لسانك دة لو طولتيه تاني، واللي اقوله انا يتنفذ لو قولت شهر ولا خمسة كلامي هيمشي، انا مش مديكِ مية الف عشان أمشي بمزاجك انتِ
فرفت شفتيها بشراسة لترد لكن صوت سهام الجزع وهي تنقل نظراتها بينهما منعها
- في اية؟، ماسك اختك كدة لية يا عمر!

ظن عمر انه اغلق الباب لكنه كان موارباً، كانت سهام قد استأذنت من صديقاتها لتنادي ابنتها من جديد فقد قالت انها ستعود بعد دقائق لكنها لم تفعل، تباطأت طرقات العصا التي تستند عليها مع سماعها لصوت عمر الغاضب داخل غرفة سلمى، دفعت الباب بقلق وهي تنقل نظراتها بينهما بجزع
- في اية؟، ماسك اختك كدة لية يا عمر!
جفل عمر تاركاً ذراع يارا بتلقائية، تحكم في توتره سريعاً ليرد مع ابتسامة هادئة.

- مفيش يا ماما، بس بتناقش في حاجة مع سلمى، ما تقولي حاجة يا سلومة!
نظرت له بنزق مُتكلفة الابتسامة، ايدت قوله وأكملت ببراعة
- ايوة، كنت عايزة اخرج معاه في السهرة مع صحابه بس عمر مرضاش فشدينا
- لا طبعاً مينفعش يا سلمى
ثم نقلت سهام نظراتها ل عمر بعتاب مُحذرة اياه
- وانت يا عمر متتعاملش كدة مع اختك، تقدر تفهمها بالهداوة
اومأ عمر برأسه واقترب من يارا مُقبلاً جبينها مُعتذراً
- انا اسف يا حبيبتي متزعليش مني.

ابتسمت يارا على مضض وهي ترمقه بغضب تكاد تفتك به، تشعر انه يستقصد لمسها وهذه المرة تقبيلها حتى يغضبها، تراقص الخبث في حدقتيه أكد لها ذلك، نقل عمر نظراته لوالدته يسألها
- كدة راضية!
هزت سهام رأسها بالإيماء وقالت قبل مغادرتها
- يلا يا سلمى الضيوف تحت مستنينك
- حاضر يا ماما
اتبعتها وقبل ان تغادر الغرفة استدارت له لتحرك أصبعها على رقبتها بمعنى سأقتلك، رفع حاجبيه بتسلية مع ابتسامته السمجة.

دقت الساعة منتصف الليل
اقتحمت يارا غرفة عمر بخطوات حادة، تنوي تسوية الأمور معه اليوم، شهقت واضعة كفيها على عينها حين رأته مستلقي على الفراش عاري الصدر، اعتدل جالساً ليسألها بضيق
- مش تخبطي!
تجاهلت قوله مُطالبة اياه بسخط
- ممكن تلبس حاجة فوق!
اردفت محدثة نفسها بصوت خافت منزعج
- نفسي مرة ادخل فيها الاوضة دي الاقيك لابس
تجاهل كل ما قالته هاتفاً بملل
- خلصي عايزة اية!

انزلت كفيها بجانبها لتتحدث بحزم وهي تنظر لوجهه
- قولتلك اكتر من مرة متقربش مني ولا تلمسني، فتيجي تبوس راسي!، حتى لو تمثيل انا مش عايزة يحصل تلامس مابينا
غمغم ببرود وهو يعود ليستلقي مرة اخرى
- ها اية تاني!
- مخلصناش كلامنا عن العقد والتغيير اللي عملته من مزاجك
- مفيش تكملة كلام، يلا اخرجي عايز انام.

تثاءب بقوة مع ختم كلماته، ضمت كفها بقوة حتى ابيضت مفاصلها، عضت على شفتها السفلية بغيظ حتى كادت تدميها، تحاملت كل ذلك لتخرج حروفها بهدوء لم يخل من الحدة
- مش هسيب الموضوع كدة
واستدارت لتغادر لكنها توقفت للحظة، تنظر لذلك الإطار الصغير الموضوع على المنتضدة حاملاً صورة ل عمر مُعانقاً فيها فتاة بحميمة، يبدو انها حبيبته!
- أطفي النور معاكِ وانتِ خارجة.

أكملت طريقها للخارج دون ان تفعل ما طلبه منها لتُثير غيظه.

مر اليوم التالي بهدوء، لم تستطع يارا التخلص من حصار سهام لها وتمسكها الشديد بها فلم تستطع بالمقابل الذهاب لزيارة كوثر واكتفت بالتحدث معها عبر الهاتف لدقائق قليلة مُتحججة بالعمل.

رغم ذلك كان قضاء الوقت مع سهام ممتع بالنسبة لها، لقد أخبرتها عن أشياء كثيرة وذكريات فاتتها، فهي تريد ان تُشعر ابنتها بوجودها في تلك اللحظات، حتى انها أخبرتها عن حياة عمر لتُعرفها به اكثر، والتي شغلت تفكيرها، لم تكن تتوقع ابداً ان تجد هذا الجانب فيه.

القت بجسدها على الفراش بتعب، ظلت تحدق في السقف بفراغ، كتمت حسرة عنيفة بداخلها لطالما هربت منها، سماعها لقصة حب عمر وتمسكه بحبيبته بتلك الطريقة أشعرتها بذلك النقص الذي يملأها، لم يهتم بها أحد يوماً ولم يتمسك بها اقرب الأشخاص لها كوالدها، لقد تخلى عنها بكل بساطة مُهلكة.

نقلت نظراتها للباب حين سمعت صوت عمر في الخارج، شعرت بالشفقة عليه، كيف له ان يتمسك لهذه اللحظة بشخص قد تخلى عنه بجفاء مُحزن!، وبحجة تقليدية غير مُقنعة بالمرة، فهل ينتهي الحب بعد كل تلك السنوات! وبهذه السهولة!
نامت وهي تفكر بالكثير.

أشرقت شمس يوم جديد
خرجت يارا من الغرفة في نفس وقت خروج عمر من غرفته، تابعته وهو يتخطاها كأنها لم تكن واقفة، تبعته لتسير خلفه، اخبرته بإستمتاع وهما ينزلا درجات السلم
- امبارح كان يوم تحفة، تبقى تكرمنا بغيابك اكتر من كدة.

لم يرد بل لم يسمعها، كان منشغل بهاتفه، لمحت رسائل كثيرة مُرسلة من قِبله، خمنت ان تكون ل حبيبته، توقف عمر مع نهاية درجات السلم، ومن انشغالها مع محاولاتها في لمح الاسم صُدِمت بظهره وكادت ان تسقط، لكنه لحقها بيده التي امتدت ممسكة بذراعها ليساعدها على الاتزان، اعتدلت واقفة بإحراج واتجهت بصمت الى غرفة الطعام.

تجاذب عمر و إبراهيم أطراف الحديث عن العمل، رغم ان عمر طيار إلا انه يعلم بعض الأمور عن عمل والده الذي يدير شركة لصناعة قطع غيار السيارات، جذبت سهام انتباه يارا الصامتة بسؤالها
- تحبي نعملك الحفلة امتى يا سلمى؟
عقدت يارا حاجبيها بحيرة
- حفلة اية!
تدخل عمر حينها مُقترحاً
- بلاش حفلة يا ماما، سلمى مش متعودة على الأجواء دي ومش هتحبها
ثم نظر ل يارا ليوضح لها
- حفلة ترحيب عشان رجعتي بينا، انتِ اية رأيك!

وصلت رسالة عمر لها من نظراته التحذيرية والتي تحثها على رفض الامر، وافقته
- مش عايزة يا ماما حفلة، مش بحب الأجواء دي زي ما قال عمر
- بس..
ارادت سهام إقناعها لكن إبراهيم قاطعها قبل ان تفعل ذلك
- سيبي البنت براحتها يا سهام متجبرهاش على حاجة هي مش عايزاها، اديها فرصة تتأقلم على حياتنا الاول
ثم نظر ل يارا وعلى وجهه ابتسامة سمحة
- زي ما انتِ عايزة يا حبيبتي.

اومأت سهام برأسها بإحباط ظهر في حدقتيها، تناول عمر القليل من طعامه ونهض، طلب من يارا
- تعالي معايا
قبل ان يستفسر احدهم قال
- هاخد سلمى معايا تغير جو
وافقت سهام بسعادة وقالت مُشجعة
- ايوة خدها وخرجها تغير جو.

في سيارة عمر، دلك الاخير رقبته بتعب وإنزعاج من صوت يارا الصاغب، التي لم تكف عن سؤاله حول المكان الذي سيذهبان اليه، صرخ مُجيباً اياها بنفاذ صبر
- مش كنتِ عايزة تتكلمي عن العقد!
اومأت برأسها ثم رفعت حاجبها بحيرة مُتسائلة
- مش انت قولت انك مش هتتكلم عن الموضوع تاني!
لم تنتظر توضيح منه، شقت الابتسامة الخبيثة طريقها الى شفتيها مع لمعان ماكر في بندقيتها
- عموماً ملهوش لازمة الكلام، العقد معايا.

استدار لها بعنف مُحاولاً تكذيب ما خطر في باله
- نعم!، قولي تاني كدة!
تطلعت له ببرود قاتم، انها خبيثة لدرجة بعيدة، انها لا تؤتمن ابداً، أكدت بسلاسة وهي ترفع رأسها بتحدي
- زي ما فهمت، خدت العقد من اوضتك امبارح وانت مش موجود
قبض على ذراعها بخشونة جاذباً اياها بعنف، قاطعت حروفه الاولى بنبرتها العدوانية الجنونية
- قولتلك متلمسنيش، متستقواش عليا
قابلها بنفس نبرتها واشد، فلم يكن اقل منها غضباً.

- ازاي تدخلي اوضتي وتاخدي العقد من ورايا!، بتلعبي في عداد عمرك
تخلصت من قبضته وهي تهدر بإستهزاء حاد النبرة
- ولا انا بخاف منك اوي، بقولك اية انت سايق العوج معايا..
قاطعها بهدوء تحلى به فجأة!، نظراته الثلجية التي تتغلف بشعلة مُنتصرة خبيثة
- مش معاكِ العقد!، مش خدتيه عشان تولعي فيه!، ولعي، أقدر اتحكم فيكِ واخليكِ تنفذي اللي عايزه من غير حتة ورقة زي دي
- وهتعمل كدة ازاي ان شاء الله!

رمقته بسخرية غير مقتنعة بما قاله، انه يحاول إخافتها بتهديد زائف لا وجود له.
قاطع تلك الأجواء طرقات خفيفة على زجاج النافذة التي بجوار عمر، نظر خلفه، كان مروان واقفاً خلف الزجاج، زفر عمر بسخط، هذا ما ينقصه!، نظر ل يارا مُحذراً اياها
- متخرجيش من..
لم يُكمِل كلامه حتى وجدها فتحت الباب وترجلت، انها تعانده ولا تعلم ما عاقبة ما تفعله!

رفع مروان نظراته لتلك التي ترجلت من سيارة عمر، رمقته بلامبالاة وهي تستدير لتغادر لكنه اوقفها حين تذكرها، انها هي تلك النادلة.
- استني
توقفت لتعود وتنظر له بإقتضاب، ترجل عمر وقذفها بنيران حدقتيه الغاضبة، بينما نقل مروان نظراته بينهما قائلاً بإستمتاع وحقد دفين
- اية دة عرفت توقعها يا طيار!، بالسرعة دي!
جز عمر على اسنانه بحنق وهو يركل مروان بخفة في قدمه صارخاً
- اخرس يا، هفهمك كل حاجة تعال ورايا.

رمقها بإنزعاج وسخط وهو يتخطاها
- عاجبك كدة!
لم تفهم ما يحدث، لحقت بهم لداخل المقهى وجلست مقابلة لهما، فهمت الان، لقد حذرها من الترجل حتى لا تظهر ل مروان ويضطر ان يكشف له الحقيقة، لكن لماذا لم يُريد ان يعرفه بالأمر!، أليس صديقه!، نقل الاخير نظراته ل يارا وهو يقول ل عمر بوقاحة
- على كدة اقدر أصاحبها براحتي
جحظت حدقتيها واشتعلت بغضب، اندفعت للأمام في جلستها لتخرج حروفها الحادة الشرسة
- ما تحترم نفسك!

رفع مروان حاجبيه بذهول قبل ان يقهقه بإستمتاع غريب، اومأ برأسه وهو يُغازلها مع غمزة عينيه
- اموت في القطط اللي بتخربش، متقلقيش بعرف اتعامل معاهم
وصل إياد لهم حين انهى مروان قوله الذي اصاب يارا بالجنون، وما اثار جنونها اكثر هو صمت عمر، حتى وإن كانت العلاقة بينهم غير مستقيمة أيفترض عليه ان يصمت هكذا دون ان يحد من تصرف صديقه!، امسكت بكوب الماء لتلقيه في وجه مروان، رمقته بإزدراء وكذلك عمر وغادرت.

اكمل مروان ضحكه بينما ظل عمر ببروده، قال إياد بتبرم
- اكيد مسيبتهاش في حالها
قال ل عمر بعدم رضا
- وقولت للأفندي دة لية!، احنا ناقصين الدنيا تخرب
رفع مروان رأسه قائلاً بثقة
- عيب عليك تقول كدة، سركم في بير
وأردف بعبث وهو يمسح وجهه بالمناديل
- كنت هزعل اوي لو عرفت متأخر، وانت عارف ان نقطة ضعفي البنات، ويارا داخلة مزاجي اوي
ربت على كتف عمر قائلاً بمكر
- بس عمر هيظبطني معاها، صح!

دفع عمر كفه عن كتفه، لم يكترث مروان وبعد دقائق غادر، سأله إياد بهدوء
- مالك!، من امبارح مختفي والنهاردة ساكت بطريقة غريبة
خطر في باله امر واحد وكشف عنه بإستنكار وترقب
- متقولش رضوى تاني!
- فتحت رقمها ت..
قاطعه إياد يهتف بإنفعال
- وانت مالك تفتح رقمها ولا لا، اية علاقتك بيها عشان تهتم، انساها بقى هي اللي اتخلت عنك وسابتك
زمجر عمر بخشونة، فضل الصمت لينهض ويغادر المقهى، زفر إياد بضيق تاركه يغادر.

أعلن هاتف إياد عن وصول رسالة، قرأ محتواها على مضض ولم يُكمله ليخرج من المحادثة وينظر للمحادثة التي أسفلها، جز على اسنانه بحنق من تلك التي يُرسل لها الرسائل ولا تُجيب رغم رؤيتها لها.

مساءً، في المستشفى
طرقت ملك بخفة على الباب ثم دلفت بوجهها البشوش الملائكي
- عاملة اية يا طنط كوثر النهاردة؟، كله تمام؟
نظرت لها كوثر وابتسمت بتعب ظهر جلياً على صوتها
- الحمدالله على كل حال
- معلش اتأخرت عليكِ بس لسة مخلصة شغل
- ولا يهمك يا بنتي، يارا كانت هنا من ساعتين وقضت معايا اليوم من اوله اصله يوم إجازتها.

أخذت كوثر تتحدث عن يومها مع ابنتها، اخرجت ملك ما أحضرته من فاكهة لتطعم كوثر منها، اثناء انشغالها بذلك أعلن هاتفها عن وصول رسالة، التقطت هاتفها ونظرت من الخارج دون ان تفتحه لترى انها رسالة اخرى من إياد المُلِح، لماذا يُرسل لها الكثير من الرسائل دون اي سبب! اجابته في مرته الاولى بتردد لكنه استمر في ذلك، ضحكت بسخرية من موقفه الإيجابي فرغم عدم إجابتها عليه إلا انه مُستمر في سؤاله عن حالها كالرسائل السابقة التي لم يتم الرد عليها.

تركت الهاتف جانباً ونظرت ل كوثر بقلق حين سعلت بقوة واحمر وجهها ثم أصبحت تعاني من ضيق تنفس مُفاحئ، هرعت لتنادي اي احد من طاقم الأطباء ليسعفها، أتت الممرضة راكضة لتضع لها الأكسجين وبعدها بدقائق اتى الطبيب ليصرخ بعد ثوان
- محتاجة إنعاش، بسرعة.

أخرجتها الممرضة من الغرفة واغلقت الباب في وجهها، ظلت ملك واقفة للحظات مصدومة مما حدث، تنحنحت لتخرج هاتفها من حقيبتها بيد مُرتجفة، اخذت تشهق قي بكاءها وهي تتصل ب يارا للمرة العاشرة وهي لا تُجيب، ماذا تفعل الان وكيف تتصرف! تحركت مُستندة على الحائط حتى وصلت للمقعد وجلست، ضربت بقدمها الان وهي تنتحب ناظرة لهاتفها
- ما تردي يا يارا، ردي يا غبية ردي.

توقفت عن البكاء وقد أوجد لها عقلها حل، ستتصل ب إياد لتطلب منه رقم عمر وهكذا ستصل ل يارا، حمدت الله حينها انها لم تحذف رقمه.
وضعت الهاتف على اذنها مُنتظرة اجابته وهي تتمتم برجاء
- رد رد، امانة رد
اتسعت مقلتيها بلهفة وسعادة حين وصلها صوته
- لا مش مصدق انك بتتصلي!
ردت بصوتها المتحشرج مُعتذرة
- آسفة اني بتصل بيك في وقت زي دة ب..
قاطعها برده اللعوب
- لا دة انتِ تتصلي في اي وقت انتِ عايزاه.

شعرت بالحرج مما قال، حاولت ان تجهم صوتها قليلاً وتتحدث بصرامة
- ممكن رقم عمر، ضروري
- لية في اية؟
عاد صوتها ليضعف وهي تُجيبه بجزع
- طنط كوثر تعبانة جدا ومش عارفة أوصل ل يارا اتصلت بيها اكتر من عشرين مرة ومش بترد
اتاه صوته الذي بدو عليه الجدية
- خلاص اقفلي وانا هكلم عمر حالاً، متقلقيش انتِ بس
هزت رأسه اكثر من مرة وهي تتمتم برجاء
- خليها متتأخرش عليا.

طمأنها وانهى المكالمة لينهض بعدها وهو يرتدي ملابسه اثناء اتصاله ب عمر.

في فيلا إبراهيم السويفي
خرج عمر بتعجل من غرفته بعد اتصال إياد به واتجه للغرفة المجاورة ليدخلها، يعلم ان يارا جالسة مع والدته في غرفة الاخيرة حتى ان صوت ضحكاتهم تصل اليه وهو في غرفته!، لم يُريد ان يقطع لحظات والدته السعيدة.
وجد هاتف يارا موضوع على المنضدة فأخذه ووضعه في الدُرج ثم غادر مُتجهاً للمستشفى حيث سبقه إياد الى هُناك.

وصل إياد الى المستشفى، اسرع من خطواته حين رأى ملك الجالسة والخوف ظاهر جلياً على ملامح وجهها الباكي، نطق اسمها بقلق
- ملك!
رفعت حدقتيها الحمراوتين اليه بلهفة وسألته وهي تبحث عن يارا خلفه
- فين يارا؟
- هتيجي مع عمر، بس قوليلي وضعها اية؟
امتلأت مقلتيها بالدموع من جديد خافضة رأسها بحزن
- خدوها للعناية المركزة، انا مش عارفة اية الحصلها، كانت كويسة.

مد كفه ليربت على كتفها مواسيها لكنها جفلت وابتعدت حين شعرت بكفه يلمسها، هز رأسه بتفهم واكتفى بمواساتها بكلماته.
اتى عمر بعد فترة وجيزة من وصول إياد بمفرده!، سألته ملك بوهن
- فين يارا؟، مجتش ولا اية!
تجاهل سؤالها ليطرح سؤاله الفظ البارد
- ماتت ولا اية؟
احتقن وجه ملك غضباً، كيف يطرح السؤال بهذه الطريقة البشعة!، هدرت بخشونة وإستنكار من أسلوبه
- سألتك فين يارا ولا مش سامعني؟، وغير كدة حد يسأل بالطريقة دي!

تدخل إياد مُحاولاً إخماد تلك الأجواء المُلتهبة
- اكيد مش قصده يا ملك
نقلت نظراتها الى عمر الذي قال بهدوء مستفز
- يارا مشغولة مش هتقدر تيجي
عقدت حاجبيها بعدم فهم، كيف يارا غير متفرغة لوالدتها!، أيمازحها!، قفز عقلها الى افكارها السيئة، فأتسعت مقلتيها بفزع صارخة بحدة مُتهمة اياه.
- انت عملت فيها اية؟
رمقها بإستخفاف ناقلاً نظراته ل إياد ليخبره.

- انا هروح اشوف الدكتور واعرف حالتها وأقوم باللازم، فقول للي جمبك تهدى شوية
هتفت بإنفعال وهي تراه يبتعد
- يعني اية؟، يعني يارا مش هتيجي كدة؟، امها تعبانة ومش هتيجي؟، انت عملت فيها اية رد عليا!
حاول إياد تهدأتها بقوله الرزين
- اكيد في حاجة حصلت عشان كدة جه عمر بدالها، استني وهتفهمي كل حاجة اكيد.

لم تهدأ، فالقلق قد تملكها ولن ترتاح إلا بعد سماع ذلك من يارا نفسها، التقطت هاتفها وتابعت سلسلة اتصالها بها دون إجابة.

اليوم التالي
فتحت يارا جفونها بتثاقل، نظرت بجوارها كانت لاتزال سهام نائمة، ومازالت معانقة اياها، ابتسمت بإمتنان فقد نامت ليلة امس براحة على عكس الليالي السابقة، انها تذكرها بوالدتها لدرجة كبيرة؛ نهضت بخفة وغادرت الغرفة ثم الجناح، تشعر بالغرابة حول مكوث سهام و إبراهيم في غرفتين منفصلتين، لكنها عللت ذلك بمرض سهام.

دلفت لغرفتها وهي تمط ذراعيها طاردة الكسل عن جسدها، بحثت أولاً عن هاتفها لتتصل ب ملك وتطمأن عن حالة والدتها، وجدته بعد بحث طويل، كيف وصل إلى الدرج! إذ لم تخُنها ذاكرتها انها لم تضعه هناك، لم تكترث كثيرا وهمت في فتحه، ذُهِلت حين رأت ذلك الكم من المكالمات الفائتة من قِبل ملك، تملكها القلق فوراً وأكد ذلك رسالة الاخيرة التي ارسلتها بعد ان فقدت الأمل من رد الأخرى.

طنط كوثر تعبانة يا يارا وخدوها العناية المركزة، مش عارفة اوصلك، اول ما تشوفي الرسالة اتصلي بيا، على الاقل طمنيني عليكِ
اتسعت مقلتيها في صدمة وهلع، توقف عقلها عن العمل، ظلت جامدة مكانها لثوان حتى تداركت نفسها وأسرعت لتبديل ملابسها مغادرة وهي تتسابق مع ظلها للوصول، اتصلت ب ملك في طريقها لكن الاخيرة لا تُجيب.

في المستشفى
كانت ملك جالسة مع الطبيب الذي يشرح لها حالة كوثر، اخبرها بأن حالة الاخيرة مضطربة لذا ستظل في العناية المركزة، لكنه طمأنها بأن لا داعي للقلق الزائد، فحالتها مستقرة في الوقت الراهن.
شكرته بإمتنان شديد وهي تكاد ان تبكي، لن تنسى تلك اللحظات المرهقة ابداً، والخوف الذي مرت به والكوابيس التي عانت منها في لحظات نومها التي لم تتجاوز الساعة.

خرجت من غرفة الطبيب وهي تجر قدميها بإرهاق شديد، رفعت نظراتها ناحية صوت يارا الراكضة اليها
- ملك، ملك
توقفت امامها وهي تلهث، امسكت بذراعيها تسألها بجزع من بين انفاسها
- مالها ماما؟، لية خدوها للعناية المركزة؟، ردي عليا ماما كويسة؟
دفعتها ملك عنها بقهر صارخة
- حرام عليكِ مش بتردي عليا من امبارح لية، اتصلت بيكِ كتير اوي
قاطعتها يارا برجاء وقد لمعت عينيها بالدموع
- قوليلي بس ماما كويسة دلوقتي؟

مسحت ملك دموعها مُطمأنة الأخرى
- الحمدالله كويسة، لسة خارجة من عند الدكتور دلوقتي
- وقالك اية؟
اخبرتها ملك بما قاله الطبيب، همت يارا لتذهب لرؤية والدتها لكن ملك اوقفتها لتطرح سؤالها بريبة
- انتِ مكنتيش عارفة بجد؟
- لسة عارفة حالاً، صحيت من النوم لقيت رسالتك و..
بترت بقية كلماتها حين تساءلت ملك بحيرة
- يعني عمر مقلكيش؟
اعتدلت يارا لتواجهها، عاقدة حاجبيها بإستغراب مُتسائلة ببطء
- نعم!، هو عمر يعرف؟

- ايوة، انا اتصلت ب إياد عشان يتصل ب عمر وأقدر اوصلك، وهو جه هنا
- جه! هنا!
هتفت بذهول ثم احتدت ملامحها، تمتمت بإستنكار
- يعني هو عارف من امبارح وجه كمان!، خبى عليا!
شعرت ملك منذ البداية ان تصرف عمر خلفه أمر ما، وتأكدت بعد صدمة ورد فعل يارا، سردت ملك ما حدث ليلة امس وموقف عمر وما قاله ل يارا التي استشاطت غضباً، كيف يخفي عنها شيء كهذا؟، لم يعد يقتصر الامر على استفزازها.

اخرجت ملك هاتفها الذي يهتز في جيب بنطالها ناظرة للشاشة، كان إياد، حين لمحت يارا رقم صديقه اخذت الهاتف من يد الأخرى واجابت بترقب قبل ان يصل صوت الاخر
- انت فين؟، معاك عمر؟
دُهش إياد حين سمع صوت يارا الذي كان حاد، وجد نفسه يُجيب كتلميذ نبيل
- احنا قربنا من المستشفى وعمر جمبي اهو
- حلو، نزلالكم
انهت جملتها واغلقت، سارت بخطوات غاضبة وهي تتوعد لذلك الأناني الحقير.

نظر إياد لشاشة الهاتف بحاجبين مرفوعين ببلاهة، نظر له عمر مُتسائلاً
- في اية؟، مين بيسأل عني؟
- يارا، شكلها متعصبة
ادرك عمر على الفور انها علِمت بتصرفه، أخذ نفساً عميقاً ليستعد لمواجهة نوبة غضبها التي من المؤكد لها حق فيها.
- هي واقفة كدة لية!

قالها إياد بضحك بعد ان عبرت سيارته البوابة الحديدية للمستشفى، كانت يارا تنتظرهم في المنتصف، مفرقة قدميها بزاوية واضعة كفيها على خصرها بصرامة، يكاد ان يرى دخان ينبعث من حولها.
ابتسم عمر بسخرية قائلاً اثناء ترجله
- اجهز دة انت هتحوش دلوقتي
تقدمت يارا منه بخطوات غاضبة، تنوي الفكاك به، تسارعت خطواتها حتى وصلت اليه ودفعته بغضب جامح صارخة بجنون
- انت ازاي حقير للدرجة دي؟، ازاي تخبي عليا ازاي.

كادت ان تضربه على صدره مرة اخرى لكنه التقط رسغيها مكبلاً اياهم ب كفيه بتحفظ كقوله
- مقدرتش اقولِك، مقدرتش اقاطع ضحك وفرحة امي عشان انتِ معاها واقلقها في وقت متأخر
حدقت به بصدمة من رده الغير متوقع والأناني، تصاعدت ضحكاتها في خشونة وهي تستدير، تهز رأسها بعنف غير مستوعبة لِما يقوله من هراء
- انت بتستهبل صح!، لا قولي بجد دة رد!
تطلعت اليه ونيران بندقيتها تتلظى وتلتهب، عادت لتقترب منه هادرة بإهتياح.

- يعني ماما لو حصلها حاجة كان عادي!، لو ماتت وانا بعيدة عنها كان عادي!، عادي مدام أمك مبسوطة في وهم انت معيشها فيه!، رد عليا، امي تتعب وبنتها مش جمبها عشان أمك تبقى مبسوطة؟
تكسرت حروفها الاخيرة اثر دموعها التي اعاقتها بقهر، بينما كان يتابع انفعالاتها بهدوء، اخفض رأسه وهو يتنهد بعمق تبعها بإعتذاره
- اسف..
رفعت رأسها بخشونة حين وصلها اعتذاره، ضحكت بهزء وهي تقلده
- اسف!

رمقته بإزدراء قبل ان تتركه وتبتعد، لكنها ما لبثت ان عادت له، هناك شيء تريد ان تواجهه به، انه يستحق ان يتألم كما فعل بها..
- انت واحد أناني وحقير، انت متتعاشرش، تلاقيها مسبتكش عشان زهقت منك، اكيد اكتشفت فيك صفاتك القذرة وانانيتك عشان كدة هربت منك وليها حق
أتت ان تبتعد من جديد لكنه لم يسمح لها، جذبها من ذراعها بخشونة مُعتصر ذراعها، تأوهت بألم ونظراتها تصطدم بعينيه القاتمة.

كيف تحكم عليه في ذلك الامر وهي لا تعلم اي شيء!


كانت تعلم اثر ذِكر حبيبته عليه جيداً، لقد اخبرتها سهام حينها انه يتجنب الحديث عنها رغم تمسكه بها.
نظر لها عمر بصدمة، من اين تعلم!، خمن انها والدته، اظلمت حدقتيه وبدت مخيفة للحظة، كيف تذكر امر حساس بتلك العشوائية!، كيف تحكم عليه بالأنانية في هذا الامر خاصةً وهي لا تعلم اي شيء!، ليس لأحد الحق في إبداء رأيه حول هذا الامر.

أتت ان تبتعد من جديد لكنه لم يسمح لها، جذبها من ذراعها بخشونة مُعتصر ذراعها، تأوهت بألم ونظراتها تصطدم بعينيه القاتمة.
- انتِ مين وتعرفي اية عشان تحكمي عليا!
واجهته بنفس نبرته الجهورية العنيفة
- وانت مين عشان تخبي عليا تعب امي وتقرر اني ابقى بعيدة عنها في وقت تعبها!
خلصت ذراعها من قبضته بشراسة غير عابئة بالألم الذي سببه لها، سحبتها ملك برجاء وهي تهمس لها
- كفاية كدة الناس بتتفرج.

وأخذتها بعيداً عنه، هتفت يارا له وهي تبتعد
- شوفلك واحدة غيري تمثل، مبقاش في شغل مابينا
اتى ان يلحق بها لكن إياد منعه، نظر له عمر بخشونة هاتفاً بحنق
- هي فاكرة بمزاجها!
- بتقول كدة عشان تضايقك، اهدى بس
اخذه للسيارة وانطلقا بعيداً عن المستشفى.

مساءً
نظرت يارا لهاتفها بإستياء، لم تكف سهام عن الاتصال بها، تُريد ان تُجيب عليها فهي متأكدة انها تشعر بالقلق عليها، لا تُريد تعذيبها، أجابت بعد ان اخدت نفساً عميقاً
- الو
- اخيرا يا سلمى رديتي
قالتها سهام بصوتها الباكي، شعرت يارا بالحزن عليها، اعتذرت بصدق
- آسفة يا ماما معرفتش ارد
- بس في الاخر رديتي، دة اهم حاجة
استطردت بإهتمام.

- قوليلي اية اخبار كوثر؟ كويسة؟، عمر قالي انها تعبت وانتِ معاها في المستشفى
رفعت يارا زاوية فمها بسخرية، انه ذكي، اجابتها بهدوء
- الحمدالله كويسة، هفضل معاها كام يوم
صمتت سهام للحظات شعرت بها يارا، سألتها بتردد وضيق
- يعني مش هتيجي؟
ثم اردفت سريعاً بلهفة
- مش مشكلة، بس هترجعي امتى؟
انها تضعها امام الامر الواقع، تنهدت مُجيبة
- اول ما تبقى كويسة هرجع، ادعيلها بس.

شعرت بعدم رضا سهام ورغبتها في الاعتراض لكنها تمنع نفسها بصعوبة، غيرت مجرى الحديث لتسألها عن حالها وهل تناولت الطعام!، ثم انهت المكالمة.
مسحت يارا وجهها بكفيها منحنية قليلاً لتستند بمرفقيها على قدميها، تشعر بضغط كبير من كل شيء.

فتحت والدة ملك الباب للأخيرة، رحبت بها بسخرية
- أهلا أهلا، ما لسة بدري
- لسة مخلصة شغل يا ماما
دلفت للصالون لتجلس على الأريكة بتعب، قال والدها بحنق
- اية يارا راحت لأمها اخيراً!
- قولت لك يا بابا انها معرفتش تسيب الشغل وتيجي
اندفع قائلاً بإنفعال
- وانتِ تتمرمطي كدة وتطبقي لدلوقتي!، مش وراكِ شغل يعني ولازم ترتاحي!
زمت شفتيها بضيق، وضحكت والدتها بهدوء.

- انتِ عارفة يا ملك ان احنا مش معترضين على انك تروحي وتشقي على ام يارا واقعدي معاها كمان، المعترضين عليه انك تتعبي نفسك كدة وتقلبي يومك، وكمان تباتي برة
نبهها والدها بحزم
- انا عديتها المرة دي بس، مفيش مرة تانية عشان تبقى عارفة
اومأت ملك برأسها بخضوع، تركتهم واتجهت لغرفتها لتأخذ قسطاً من الراحة التي تحتاجها وبشدة.

بعد مرور اسبوع، عصر اليوم، في شقة يارا
- يلا بقى قومي روحي لشغلك لتتأخري، انا بقيت كويسة يلا روحي
دفعتها كوثر بخفة وهي تحثها على المغادرة، اخفضت يارا رأسها بسخط موافقة، نظرت ل ام محمد لتخبرها
- لو حصل حاجة اتصلي بيا، وآسفة اننا بنتقل عليكِ
- عيب تقولي كدة يا يارا، طنط كوثر دي امي
ابتسمت يارا بإمتنان وهي تشكرها بحرارة، قبلت كوثر وعانقتها ثم غادرت.

في فيلا إبراهيم السويفي حيث غرفة الطعام
تركت سهام الملعقة على الطاولة بحزم وهي تفصح عما يدور في رأسها
- بقالها اسبوع معاها مش كفاية؟، انا هروح اخد سلمى وارجع بيها، كفاية عليها اسبوع بعيدة عني
- انا جيت.

صدح صوت يارا المرح من خلف سهام التي تهللت أساريرها حين رأتها ونست ضيقها، عانقتها بإشتياق والقت التحية على البقية، جلست بجوار عمر والتقطت رغيف من الخبز لتأكل بشراهة، نظر لها عمر و إبراهيم بذهول، بينما ابتسمت سهام برضا وقالت بحنان
- كلي براحة للأكل يقف في زورك
اومأت يارا برأسها وهي تتمتم
- حاضر حاضر.

تقاذف رداد الطعام من فمها، رمقها عمر بتقزز، استأذن ليصعد لغرفته دون ان يُكمِل غداءه، فأبتسمت بإنتصار وأصحبت تأكل بتمهل.
بعد ان انتهت صعدت درجات السلم بهدوء مع ابتسامة عابثة على شفتيها، هل يعتقد انها ستعود بسلام!، لكل فعل رد فعل ورد فعلها سيراه بعينه.
اتجهت لغرفته واقتحمتها، اتجهت للاريكة لتجلس عليها ببرود تحت نظراته النارية لها، وضعت قدم فوق الأخرى بتعجرف وهي تتطلع اليه في تحدي.

- مش هتسألني رجعت لية!
ردت بسخرية قبل ان يفكر في تفريق شفتيه
- اكيد مش عشان جمال عيونك الخضرا
اتسعت ابتسامتها وقد اشتعلت حدقتيها بخبث وهي تقر بإستمتاع وتوعد
- رجعت لسببين، عشان ماما سهام، وعشان اطلع عينك
قهقه بتهكم وقال بين ضحكاته بإستخفاف
- تطلعي عيني!، انتِ!
اندفع جسدها للأمام بإنفعال وهي تضيق عينيها، نبهته بثقة
- متستخفش بيا، دة انا...

قاطعها بعدم اكتراث وهو يقابل نظراتها الواثقة بتحدي مع نبرته المتهكمة
- وريني اللي تقدري عليه
- هوريك، هوريك اوي كمان
ثم نهضت واتجهت للباب لتضع كفها على المقبض دون ان تبرمه لتستدير وتنظر له، التقطت المنشفة الصغيرة المُلقاة على الطاولة المجاورة للباب وألقتها عليه فأصطدمت برأسه، ابتسمت بمشاكسة وهي تهتف بتوعد
- هتشوف
فرت هاربة بعد فعلتها، لعنها بغيظ وهو يُلقي بالمنشفة على الارض بغضب.

قبل ان تبرم يارا مقبض الباب وتدلف لغرفتها كان قد خرج إبراهيم من الجناح المقابل وطلب منها برسمية
- سلمى، تعالي ورايا للمكتب
شعرت بالتوتر، سألته بخفوت
- في حاجة؟
- هندردش بس
اجابها ثم تخطاها ليهبط درجات السلم؛ فتبعته.

دلفت خلفه لغرفة مكتبه، وأي غرفة!، لقد ذُهِلت من اتساعها وامتلائها بالكُتب المرصوصة على الأرفف بترتيب، لقد سرقت انفاسها من كثرة إعجابها، انها عاشقة للقراءة لكنها لم تجد الوقت لتقرأ بسبب سعيها المستمر خلف لُقمة العيش.
- اية كمية الكتب دي؟، دة انا هعيش هنا
تطلعت ل إبراهيم الذي كان يراقبها بعيون ضيقة وطلبت منه بود
- ممكن!
ابتسم مُرحِباً
- طبعاً في اي وقت.

اتسعت ابتسامتها بسعادة لامست قلبها ثم اتجهت لتجلس على الأريكة المريحة بينما جلس إبراهيم خلف طاولة مكتبه، قال بحزن مصطنع
- متكلمناش من اول ما جيتي ومقضناش وقت لوحدنا، مفهاش حاجة لو خدت منك نصاية كدة النهاردة ولا سهام هتفضل مخداكِ ليها وبس!
ضحكت وقد نست توترها الذي لم يكن له اي داع سابقاً، اومأت برأسها مُعتذرة
- أنا آسفة كان لازم افكر بأني اقضي وقت معاك اكتر من كدة.

ابتسم بسماحة سانداً بمرفقيه على الطاولة، سألها بفضول
- فاكرة حاجة عن زمان؟، عندك اي ذكريات عننا؟
- مش اوي
- ازاي؟ المفروض في السن دة بتبقى ذاكرة الطفل قوية وانتِ كنتِ ذكية، المهم، فاكرة كنت بدلعك اية؟
صمتت للحظة، تشعر بأنها في اختبار ويجب ان تأتي بالإجابة الصحيحة، لم يخبرها عمر بتلك التفاصيل الصغيرة فكيف ستتصرف الان!، نقلت نظراتها ل إبراهيم الذي قال بتحذير مُمازحاً
- اياكِ تكوني نسيتي!، ازعل.

ابتسمت يارا وقالت بثقة مزيفة، إنما بداخلها ترتجف، كيف تتصرف!
- لا طبعا ازاي أنسى حاجة زي دي!
لقد قررت تجربة حظها، فرقت بين شفتيها وقبل ان تخرج حروفها طرق احدهم على الباب وكان عمر، حمدت الله بداخلها لمجيئه، أشعر بحاجتها اليه؟، وجدته يسألها في غيظ
- كل دة مستنيكِ وانتِ هنا؟
- في اية؟
سأله إبراهيم، انهضها من ذراعها وضغط عليه بخفة ففهمت، ضربت جبينها بكفها لتُكمِل معه التمثيلية.

- اية دة نسيت!، معلش بابا كان عايزني فنسيت اتفاقنا
استأذن عمر من والده
- معلش يا بابا هاخد سلمى دلوقتي عشان كنا متفقين نعمل حاجة سوا وبعدين ترجعلك
صمت إبراهيم لوهلة ينقل نظراته بينهما، اومأ برأسه موافقاً، ترك عمر ذراعها وسارا معاً للخارج، توقفت عند بداية درجات السلم واضعة كفها على صدرها وهي تتنفس الصعداء، نظرت ل عمر براحة وهي تقول.

- كويس انك جيت في الوقت المناسب، دة كان سؤال واحد بس ومعرفتش اجاوبه، كان هيحصل اية لو مجيتش!، بس عرفت منين؟
- سمعت كلامكم وانا في الاوضة، وقولت أتأخر شوية واجي اخدك
- كويس انك عملت كدة
نظر لها بطرف بعينيه وقال بإقتضاب
- خلي بالك من بابا
عقدت حاجبيها بفضول
- لية؟ دة طيب
- مش موضوع طيب، هو شاكك في الموضوع اصلاً
- فيا؟ اني ممكن مكن...

تساقطت بقية حروفها حين رأته يُكمِل صعود السلم وكأنها لا تتحدث!، سبته بداخلها وصعدت خلفه لتذهب لغرفتها.

اليوم التالي
خرج عمر من غرفته وتوقف، عقد حاجبيه بإنزعاج وهو يضع كفه على انفه مانعاً تلك الرائحة المستفزة المنتشرة في الارجاء تتسلل لأنفه، من الذي لديه هذا الذوق السيء!، انتقلت نظراته للغرفة المجاورة، لا يوجد غيرها، ابتسم في حنق وهبط درجات السلم وقد تصنع الهدوء، لن تصل لأنتصار استفزازه.

اتجه مُباشرةً للخارج مُتجنباً مقابلتها لكنها هل ستتركه!، وجدها تستند على سيارته وما يبدو انها تنتظره!، قالت بهدوء وهي تلوك الحلوى في فمها
- يلا بسرعة عشان توصلني
- لية كنت السواق بتاعك؟
وتخطاها، نظرت له من فوق كتفها مُهددة اياه ببراءة مصطنعة
- هقول لماما سهام يا عمر يا وحش
صفق باب السيارة بغضب من اسلوبها المستفز وسألها في استنكار
- بتهدديني؟

التفّت لتفتح باب السيارة وتجلس بجوار مقعده، تنفس بعمق مُحاولاً تحمل تصرفاتها السمجة، اتخذ مكانه خلف المقود مُشغلاً السيارة، سألها بإقتضاب
- هتتنيلي تروحي فين؟
- اتكلم بأسلوب احسن من دة
- لو مش عاجبك انزلي
يُريد التخلص منها بهذه السهولة!، ابتسمت بلامبالاة وهي تُجيب
- البيت، بس هتنزلني على المحطة.

في المطعم، حيث مكان عمل ملك
اخذت ملك الصينية واتجهت خارج المطبخ لتسير بين الطاولات حتى تقف عند المقصودة وتضع عليها الطلبات.
- يا صباح الفل!
رفعت نظراتها لصاحب تلك الجملة، كان إياد، ابتسمت برسمية وردت
- صباح النور، محتاج حاجة تانية حضرتك؟
رفع حاجبيه بذهول من اسلوبها، تجاهل ذلك وسألها
- من امتى بتشتغلي شيفت الصبح؟، دايما باجي افطر هنا ومش بتبقي موجودة!

ادارت حدقتيها بضجر في مقلتيها، تنفست بعمق قبل ان تستأذن بإقتضاب
- عن إذنك
وابتعدت عنه عائدة للمطبخ.

غابت الشمس في استحياء ليحل الظلام بأناقة نجومه اللامعة، كانت قد ودعت يارا والدتها وغادرت، سارت بين الحارات لتصل للمحطة، توقفت في منتصف طريقها، شعرت بأحد يلاحقها، استدارت لتتأكد لكن لا احد خلفها!، حركت حدقتيها حولها بشك، فهذه المرة الثانية التي تشعر بها انها مُلاحقة ومراقبة من قِبل احدهم، كانت مرتها الاولى في ايام مكوثها مع والدتها في المستشفى، هزت رأسها طاردة ذلك الشك عنها يبدو انها تتوهم، أكملت طريقها حتى وصلت للمحطة.

اعتلت الدهشة وجهها حين رأت اسم المستفز على شاشة هاتفها، انها المرة الاولى الذي يهاتفها بها، وضعت الهاتف على اذنها قائلة بتهكم
- غريبة بتتصل بيا؟، ماما سهام جمبك ولا اية!
تخطى سخريتها ليسألها بصوته الأجش
- مشيتي؟
- اهو في المحطة، لية؟
- استني هاجي اخدك
- نعم!، لا هي جمبك ولا اية!
ابعدت الهاتف لتنظر للشاشة بحنق، لقد اغلق الخط في وجهها!

مرت خمس دقائق ووجدته امامها، صعدت بجواره وانطلق، اتت بقولها بنبرتها المُستمتعة في استفزازه
- شكلك هتبقى السواق بتاعي خلاص
لم تنجح، كان متجهم الوجه ناظراً للطريق بتحفظ، سألته بفضول
- رايحين فين؟
- قولت لماما انِك معايا وهنتأخر فعشان كدة هنروح في اي حتة لساعتين كدة ونرجع
- وانت قولتلها كدة لية اصلا؟
اجابها بإنفعال، بدى غاضباً لسبب تجهله.

- عشان حضرِتك مش بتردي عليها على الزفت موبايلك فقلقِت واتصلت بيا، فقولت كدة
رمقته بإنزعاج وهي تُبرر بشراسة
- معرفتش ارد عليها قدام ماما، وغير كدة انت متعصب لية!، اهدى عليا شوية.

ساد الصمت بعد قولها، مرت فترة وجيزة ووصلا امام المقهى، تابعته وهو يترجل مُتجهاً للداخل تاركاً اياها داخل السيارة، زفرت بحنق وترجلت لتذهب خلفه، توقفت للحظات وهي تضرب الارض بقدمها بسخط لرؤيتها لذلك السمج الذي يُدعى مروان من ضمن تلك المجموعة الصغيرة، انه شخص وقح مستفز، ضحكت بسخرية ماذا تتوقع ان يكون حال صديق عمر!، تقدمت لتجلس دون ان تلقي التحية على احدهم، سمعت همس الفتاة الحائر التي تجلس بجوار إياد.

- مين دي؟
- انا سلمى، أخت البية
اجابتها قبل إياد وأشارت ل عمر مع نهاية جملتها، صُدِمت الفتاة هاتفة بعدم تصديق
- اخته!، اخته اخته!
- موضوع طويل، ابقى افهمهولك بعدين
تدخل اياد قائلاً لصديقتهم ليوقف أسألتها التي ستتدفق لاحقاً، قال مروان مع نظراته الوقحة
- يلا عشان تلعبي معانا الصراحة
كانت سترفض، لكن تدخل عمر ليقرر عنها، مما ازعجها
- لا مش هتلعب، العبوا انتم
- لا هلعب.

قالتها بثبات وهي تتحداه بنظراتها، قابل نظراتها بخاصته المنزعجة، كل هدفها إثارة غيظه في حين ان منعها الأسلم.
ادار مروان الزجاجة لتستقر على إياد الذي سيسأل يارا
- نبدأ بسؤال خفيف، لونك المفضل؟
- معنديش لون معين
عاد مروان ليُدير الزجاجة ليصبح له الدور في ان يسأل عمر الذي رفض ان ينضم لهم لكنهم أصروا
- لو طلبت منك اني أصاحب اختك، هتوافق؟

قذفت مروان بنظرات حادة، تكاد ان تقتلع عينيه من مقلتيهما وهي تندفع هاتفة بنفور
- عمري ما اقبل بِك، واحترم نفسك
زمجر عمر بخشونة
- اتلم يا مروان
ضحكت الفتاة التي معهم مُعلقة
- مروان بيهزر يا جماعة، مش عارفين انه بيحب الهزار ازاي!
ادار إياد الزجاجة لتستقر على مروان و يارا التي تطلعت اليه ببغض مع قولها الصريح
- مش هسألك بس عايزة اعرفك انك واحد دمك تقيل جدا ومش بقبلك.

رفع مروان حاجبيه بشيء من الصدمة ثم ضحك بقوة على صراحتها التي راقت له، بينما كتم عمر ضحكته، انها جريئة بحق، قال إياد من بين ضحكاته
- والله عندك حق متطيقهوش
وعاد ليُدير الزجاجة لتسأل صديقتهم يارا
- عيشتي قصة حب قبل كدة؟، حبيتي حد يعني!
اجابتها وهي تدير حدقتيها في مقلتيها بملل
- مش فاضية للكلام المبيأكلش عيش دة
ضحكت الفتاة وهي تستنكر قولها
- مبيأكلش عيش؟، انتِ غريبة.

رفعت زاوية فمها بسخرية لاذعة على قلبها وهي تردد بهمس
- انا غريبة!
غامت حدقتاها بحزن دفين لاحظه عمر قبل ان تخفيه بمهارة، فهي لم تعش مثل البقية، لم يكن لديها الوقت لتلك المتعة بأشكالها المختلفة.
- دوري اني اسألِك
قالها إياد وهو يشير للزجاجة، سألها بجرأة
- صاحبتك ملك...
قاطعته بإستغراب وهي ترمقه بشك
- ملك!، مالك بصاحبتي؟
- عجباني و...
اندفع بجسدها للأمام رافعة إبهامها بتحذير له
- متفكرش تقرب من صاحبتي وإلا...

ابتسم بسخرية قائلاً بمرارة
- متقلقيش هي قايمة بالواجب ومتجهلاني
تراقصت الابتسامة على شفتيها وهي تعود بظهرها للخلف هامسة بفخر
- تربيتي
- عمر!، اخيرا
انتشلهم الصوت الأنثوي من الصمت الذي ساد لوهلة، نقل الجميع نظراته لتلك التي تتقدم منهم بتنورتها الرصاصية القصيرة الضيقة وقميصها النبيتي الشبه شفاف.
عقد عمر حاجبيه بإستنكار وظهر الضيق على ملامح وجهه وهو يتابعها تتقدم منه
- كنت عارفة اني هلاقيك هنا.

مالت عليه لتطبع قُبلة على وجنته لكنه تراجع هاتفاً بخشونة
- ميرنا
كانت يارا تتابع تصرفاتها الغير لائقة ب ازدراء، انتقلت نظراتها ل مروان الذي اطلق صفير وهو يلتهم جسدها بنظراته الشهوانية المقززة، قال الاخير بعبث
- ملناش دور في البوس!
ضحكت ميرنا بمياعة وهي تهز رأسها رافضة بدلع
- الطيار بس
انفجرت يارا ضاحكة رغماً عنها، نظر لها الجميع بدهشة، لماذا تضحك؟، نقلت نظراتها ل عمر مُستفهمة من بين ضحكاتها.

- دي حبيبتك الجديدة ولا اية؟
اجابتها ميرنا بثقة
- لا، بس هبقى قريب
هزت رأسها قائلة بهزء
- هتبقوا تحفة مع بعض
- Thanks يا قمر
التقطت يارا حقيبتها ونهضت، نظرت ل ميرنا الملتصقة ب عمر، تمتمت بسخرية
- ما تقعدي فوقه احسن!

نظر لها الجميع بذهول، ثم انفجروا ضاحكين، لم تدرك ان صوتها كان مرتفع لدرجة الوصول لهم، شعرت بالغباء لتفوهها لِما يدور بداخلها، رمقهم عمر بغضب فأنقطعت ضحكاتهم، سعلت بخفة وهي تقول مُبتعدة، انها مُصِرة على اغاظته.
- انا مروحة البيت يا اخويا، متقلقش هقول لماما انك مشغول اوي اوي.

دفع ميرنا بعيداً عنه وهو ينهض ليغادر، خرج من المقهى وكانت يارا تبعد عنه ببضع خطوات فقط، اتجه لها بخطوات غاضبة، سخريتها اللاذعة التي اطلقتها منذ لحظات جعلته يكتفي من حماقتها التي تتخذها عمداً، طبق على ذراعها بقبضته ليُديرها له بعنف، قائلاً بخفوت حاد النبرة متوعداً
- هقطعلك لسانك دة قريب.

ثم سحبها للسيارة، تفاجئت به، حاولت التخلص من قبضته بغضب جنوني، تكره ان تُعمال بعنف من قِبله، اخذت تضرب ذراعه بقوة هاتفة بإنفعال خشن
- قولتلك متعاملنيش بالطريقة دي اكتر من مرة، انت مبتفهمش!

تركها مُتألماً حين شعر بأظافرها تُغرس في جلد ظهر رقبته، استدار لها وهو يزمجر وعينيه تستشيطان غضباً، علِمت ان مواجهته ستكون خسارة لها لذا ركضت هاربة منه لتتوقف فجأة وهي تنظر للسيارة التي تكاد تصطدم بها، فتسقط ارضاً فاقدة الوعي!، لتتسع عينيه الى مصرعيها بصدمة قبل ان يركض اليها هاتفاً بإسمها بجزع.


 

 

تااابع ◄