رواية رحلات جوليفر للكاتب جوناثان سويفت الفصل الثالث
كانت دولة Blefuscu عبارة عن جزيرة علي بعد حوالي 800 متر إلى الشمال الشرقي من Lilliput. ولم أكن قد رأيت حتى هذا الوقت هذه الجزيرة، بالاضافة أنه بعد ان أخبرني Reldresal عن الهجوم المحتمل قررت عدم الذهاب إلى هذا الجانب من الجزيرة خوفا من أن يراني الأعداء. وسمعت أنه لا توجد اتصالات بين البلدين، لذلك فانهم لا يعرفون حتى الآن أي شيء عني. وذات يوم،
أخبرت الملك ان لدي فكرة. وكانت خطتي أنني يمكنني بسهولة أن آسر كل سفن أسطول Blcfuscu، والذي كانت قد أعدت لمهاجمتنا كما أخبرنا جاسوس من Lilliput سألت واحدا من أفضل البحارة لدي الملك عن مدى عمق المياه ما بين الجزيرتين، وقال لي ان البحر علي عمق مترين على الأكثر.في ظهر ذلك اليوم، ذهبت إلى الشمال الشرقي من Lilliput ورقدت في بعض الحقول المجاورة للساحل بحيث لا يمكنني أن يراني أحد من Blefuscu. و استخدمت التلسكوب الجيبي لإلقاء نظرة على الجزيرة المجاورة لنا. استطعت أن أرى حوالي خمسين سفينة، جنبا إلى جنب مع بعض الزوارق الصغيرة، في مرفأ (ميناء) صغير.
عدت إلى المدينة، وطلبت بعض السلاسل القوية وخمسين عمود معدني. ربطت الأعمدة في خطاطيف كبيرة وثبتها على السلاسل قبل أن أعود إلى الساحل الشمالي الشرقي. ثم خلعت حذائي وجواربي وسرت في البحر الباردحاملا السلاسل والخطاطيف. استطعت المشي في البحر معظم الطريق، ولكني اضطررت أن أسبح قليلا حيث كان البحر أعمق وذلك قبل ميناءBlefuscu بحوالي نصف ساعة.
وعندما رآني أهل Blefuseu أصيبوا بالرعب الشديد. قفز البحارة من السفن وسبحوا بأسرع ما يمكن إلى الشاطئ. في هذه الأثناء قمت أنا بتثبيت الخطافات المعدنية في كل سفينة، وربط السلاسل ببعضها. بينما كنت أفعل ذلك، بدأ جنود Blefuscu برمي السهام في وجهي من الشاطئ. وأصابت السهام ذراعي ويداي، ولكن قلقي الرئيسي كان عن عيني، لذلك وضعت عليها النظارة التي كانت مخبأة في جيبي. وبالفعل فقد حمت عيني من أي أسهم حين بدأت بسحب السلاسل.
في البداية، لم تتحرك السفن، فأدركت بأنه قد تم ربطها إلى جدار الميناء. فأخذت سكينا وقطعت كل الحبال. فتكاثرت السهام على يدي، لكنها لم توقفني. واستطعت سحب جميع كل القوارب الخمسين بعيدا عن الميناء. فتوقف الجنود عن اطلاق النار فجأة وبدأوا ينظرون الي في دهشة واستغراب شديد بينما يحاولون أن يدركوا ما يحدث. سمعت صرخات ضعيفة ورائي، ولكنهم لم يستطيعوا فعل شيء. وعلي الفور عدت أنا مرة أخرى للمياه العميقة. أزلت بعض السهام من يدي واصبحت على استعداد للعودة الى السباحة تجاه Lilliput
أخبرني الملك لاحقا أنه كان ينتظر في قلق وعصبية مع رجاله على الساحل الشمالي الشرقي في Lilliput،. وفجأة صاح جندي أنه يري بعض السفن قادمة في الماء ولكنه لا يراني فظن القوم أن أسطول العدو هاجمني، وأن الخطة قد فشلت. وقال الملك انه اعتقد اني قد غرقت.
لكن في تلك اللحظة، كانت قدماي أنا تلامس قاع البحر وصرخت بصوت عال: "عاش ملك Lilliput !" فنظر الملك الي وضحك. واستقبلتني المدينة كأني بطل وأعطاني الملك ميدالية هي الأكثر أهمية في الدولة(وسام الجمهورية من الطبقة الاولي).
بعد ذلك قال لي الملك أنه يمكنه بسهولة من خلال مساعدتي السيطرة على كل Blefuscu ووضع كل أعدائه في السجن، بما في ذلك أولئك النفر من Lilliput الذين لا يزالون متمسكين بفتح البيضه من طرفها الاكبر.
فقلت له "يا صاحب الجلالة، أنا لا أريد أهل Blefuscu الأحرار أن يصبحوا سجناء أسري. لا أستطيع مساعدتك في طموحاتك الشريرة،" وبدا أن الملك لا يبدو مسرورا.
فوجئت بمدى سرعة تغير وجهه نظر الملك في . فلم يكد يتأكد انه لن يستطيع أن يجبرني علي مساعدته في مهاجمة Blefuscu، حتى قال لي اني لم أعد بطلا. وسرعان ما تبين لي أنه على الرغم من أن بعض مستشاريه وافقني الراي فقد أصبح الكثير منهم أعداء لي. وبالرغم من هجومي الشجاع لدولة Blefuscu، الا أن وضعي في Lilliput أصبح أكثر خطورة بعد معارضة الملك .
علي مدي الثلاثة اسابيع اللاحقة، جاء وفد من ستة مسؤولين من Blefuscu لمقابلة الملك. وسألوا الملك عما يمكن اتخاذه أو القيام به لانهاء حالة الحرب سلميا وطلبوا أيضا ما إذا كان بإمكانهم مقابلة الرجل الضخم الذي كان قد أخذ سفنهم. فلما قابلوني شكروني جدا لعدم ايذاء أي فرد من دولتهم ومدحوني بأني رجل قوي وشجاع جدا. ونقلوا لي رغبة ملكهم الشديدة في لقائي ودعوني إلى بلدهم. ومن ناحيتي قلت لهم بأنني سأكون سعيدا للقيام بذلك. لم أكن أدرك أن ما وعدت به من شأنه أن يخلق لي العديد من المشاكل بعد ذلك.
وذات ليلة زارني أحد مستشاري الملك دون تصريح مسبق مع بعض الأخبار المهمة. قال لي ما كان يدبره لي العديد من مستشاري الملك من قرارات وأنها لا تبدو قرارات في صالحي بالمرة. كان Flimnap، وزير الخزانة (المالية)، يكرهني جدا وقال الملك إن أتكلف الكثير من المال، وسيكون من الأفضل لو طردوني خارج الدولة. وكان أيضا وزير البحرية يكرهني بشدة وذلك لأنه لما لم تعد دولة Blefuscu لديها اسطول من السفن،فإن وظيفته لم تعد مهمة. أضف لذلك Skyresh Bolgolam، الذي لم يكن يحبني أصلا منذ ان وصلت الي المدينة والذي أوغر صدر الملك علي وقال بأنني لم ألتزم بالكثير من الوعود التي كنت قد وافقت عليها عندما أطلقوا سراحي. ولكن كانت مشكلتي الكبرى فعلا أن العديد من مستشاري الملك زعموا أنني أخطط للعمل مع ملك دولة Blefuscu ضد Lilliputولهذا السبب أوحوا الملك بأن يعاقبني.
كنت قلقا للغاية عندما سمعت ما كانوا يدبرون القيام به لمعاقبتي. فلقد اقترح البعض من أعدائي باطلاق السهام المسمومة علي جسدي، و رأي البعض الآخر أنه سيكون من الأسهل إذا اضرموا النار في بيتي وأنا في الداخل. ولكن الملك مع ذلك لم يكن يريد قتلي لذلك تم الاتفاق في النهاية أن يفقؤا عيناي ويجعلوني أعمى. فبهذه الطريقة لا يخسرون قوتي واكون لاأزال قويا بما يكفي لمساعدة الملك إذا لزم الأمر، وفي نفس الوقت لن أكون خطرا ولكن Flimnap وزير المالية لم يرتح لهذا الرأي وقال أني إذا ما اصبحت أعمى فمازلت بحاجة إلى المزيد من المواد الغذائية والملابس وهذا من شأنه أن يكلف الخزينة الكثير من المال. لذلك تم الاتفاق في نهاية الأمر أنه لن يعطونى أي طعام، وهذا من شأنه توفير المال الملك.
فقلت لهذا الزائر الناصح "لكن إذا أنا لم أعط أي طعام، فسوف أموت من الجوع سريعا"فرد علي
"نعم، أنت على حق"، "وأنا حزين جدا لذلك، لكنني فعلت ما بوسعي وأخبرتك ما يدبر لك.
يمكنك الآن أن تكون مستعدا لما هو آت".
شكرته على ما أسداه لي من نصح وفكرت في خياراتي. يمكنني محاربة الملك ورجاله بسهولة: إذا لو ألقيت بعض أحجار صغيرة علي المدينة، فسيمكنني تدميرها بسهولة. لكني تذكرت الناس العاديين الذين يعيشون هناك، وأيضا تذكرت أن الملك كان عطوفا وكريما بي عندما وصلت المدينة أول مرة. لذلك عملت خطة مختلفة. جلست وكتبت رسالة إلى الملك، ثم مشيت بسرعة إلى الجانب الآخر من الجزيرة قبل أن تشرق الشمس,. هناك أخذت واحدة من أكبر السفن التي وجدتها، خلعت ملابسي ووضعتها داخل السفينة. و سبحت باتجاه Blefuscu، وسحبت السفينة ورائي. ثم لبست ملابسي الجافة أخرى وانطلقت إلى عاصمة دولةBlefuscu .
أخبر الحراس الملك بوصولي وبعد نحو ساعة خرج لاستقبالي مع عائلته ومستشاريه. وفوجئت بأن أيا من أفراد عائلته بدا عليه خائفا مني . فبادرته بالقول"يا صاحب الجلالة، يسرني جدا أن ألتقي بك، وسوف اكون سعيدا بمساعدتك بأي طريقة ممكنة، ولم أخبره شيئا عن المشاكل التي تركتها ورائي في Lilliput.قضيت ليلة غير مريحة في المدينة على أرض صلبة لعدم وجود مبنى كبير مثل ذلك الذي كان لي في Lilliput. وخلال الأيام القليلة التالية استكشفت الجزيرة الصغيرة، التي كانت لا تختلف كثيرا عن Lilliput.
في صباح أحد الأيام، كنت أسير على طول الساحل الشمالي الشرقي من الجزيرة عندما رأيت شيئا في البحر. نظرت بعناية وشعرت باهتمام مفاجيء:لقد كان قارب حقيقي، كبيرا بما فيه الكفاية بالنسبة لي للذهاب فيه! ومع ذلك، قد ضربت عاصفة شديدة القارب، مما جعله يذهب بعيدا عن الساحل وبسرعة عدت إلى المدينة، وطلبت من الملك إذا كان بإمكاني أن استعير بعضا من سفنه. وبطبيعة الحال كنت قد اتخذت معظم سفنه إلى Lilliput، لكن كان مايزال هناك 20 سفن أخرى، والتي ووافق أفضل البحارة للابحار معي فيها حول الساحل. مشيت مرة أخرى إلى حيث كنت قد رأيت القارب، الذي كان الآن أقرب إلى الجزيرة. وأبحرت سفن الملك ما في وسعهم لتقترب من المركب، ثم سبحت أنا في الماء، ونجحت في حمل حبال عدة من السفن إلى الجزء الأمامي من المركب. ثم ربطت الحبال في القارب، وناديت علي البحارة في السفن ليحاول لسحب القارب نحو الساحل. و ساعدتهم أيضا في دفع القارب في المياه بينما أنا أسبح خلفه. وساعدتنا الرياح أيضا في ذلك، وسرعان ما تم دفع القارب الي الشاطئ الطويل. وبمساعدة 1000 من الرجال والعديد من الحبال، رفعنا القارب لأعلي وفحصته بعناية. و رأيت انه لم تلحق به اضرار تذكر.
قضيت الأيام التاليه في إصلاح القارب وعمل مجاديف جديدة له صنعتها من أكبر الأشجار في الجزيرة، ومن ثم كنت على استعداد للتجول بالقارب حول المدينة وجاء حشد كبير من الناس لرؤيتي في قاربي الجديد وكانوا مستغربين جدا. قلت للملك "هذا القارب هو بالضبط ما أنا في حاجة إلىه للعودة إلى بلدي حيث ولدت! فلو ساعدتني في العثور على بعض المواد، سأستطيع قريبا مغادرة البلاد. وبدا علي الملك أنه سعيدا ووافق على طلبي. ومع ذلك في اليوم التالي، وجدت أن الملك كان أقل حماسا لي من ذي قبل. لقد تلقى للتو رسالة من ملك Lilliput، أخبره فيها الآخير أنني هارب من عقوبة، وينبغي أن تتم اعادتي الى Lilliput وأضاف أنه إذا لم أقيد وأرسل إلى Lilliput في أقرب وقت، فإن الحرب بين البلدين سوف تبدأ مرة أخرى.
تحدث ملك Blefuscu لبعض الوقت مع مستشاريه. وأخيرا، كتب رسالة الى ملك Lilliput قائلا انه من المستحيل بالنسبة له أن يرسلني اليه مرة أخرى. لأني بالرغم من أنني قد اتخذت أسطولا من سفنه، إلا أني قد ساعدت في وقف القتال بين البلدين، ولم أصب أحد من شعبه بأذى. وأوضح أيضا أني الآن قد وجدت قاربا، وسوف أرحل قريبا وبذلك لن يكون مشكلة بين البلدين.
بعد أن أرسل هذه الرسالة، وعد بحمايتي إذا استمريت في مساعدته. ومع ذلك فلم أعد متأكدا من أنها كانت فكرة جيدة مساعدة أي من الملكين فطلبت من الملك أن يسمح لي بالرحيل. وافق الملك على ذلك، وحتى انه طلب من رجاله مساعدتي بإعداد قاربي. تم توظيف خمسمائة منهم في صنع أشرعة جديدة باستخدام المئات من ألوحة القماش، وبعد نحو شهر أصبح القارب جاهز
وفي صباح أحد الأيام جاء الملك إلى الشاطئ مع عائلته ليودعوني قبل أن أغادر، أعطاني صورة مرسومة له وضعتها داخل قفازي لمنعها من البلل أثناء الرحلة. كما قدم لي بعض الأبقار والأغنام الصغيرة لتزويدي بما يكفي من الطعام والشراب لعدة أسابيع في عرض البحر، وغادرت أخيرا Blefuscu في 24 سبتمبر 1701 في الساعة السادسة صباحا.
أخذتني الرياح شمالا ومررت بجزيرة صغيرة. كانت أول ليلة صافية ونمت جيدا قبل الإبحار في يوم التالي في نفس الاتجاه. الذي لم اقابل فيه أي أرض على الإطلاق، ولكن في اليوم الذي بعده رأيت قاربا آخر لم يكن بعيدا عني، فحاولت لبعض الوقت اللحاق به وبعد عدة ساعات، رأوا أخيرا أشرعة قاربي. ولما اقتربت منهم، كنت سعيدا لرؤية القارب الذي كان يحمل العلم الإنجليزي، والذي لم يكن مركب وانما سفينة كبيرة بالحجم الصحيح الملائم لي .إنني في أمان!
كان القارب يمتلكه تاجر يدعى John Biddel، الذي كان عائدا إلى لندن من اليابان. كان لديه حوالي 50 بحارا، وكان عطوفا جدا معي عندما ركبت في سفينتهم. وسألني Biddel أين كنت، فأخبرته عن مغامراتي. كنت أرى انه يعتقد انني بالفعل مجنونا، لذلك أريته الأبقار والأغنام الصغيرة التي كانت في جيبي وهذه اللوحة داخل قفازي. كان مذهولا جدا. وعرضت عليه ان يحتفظ ببعض الخراف لأولاده عندما يعود الى منزله. كان مسرورا جدا لذلك العرض، وأطعم الأغنام البسكويت الذي كان معه كغذاء له البحر.
في ابريل 1702، وصلنا أخيرا إلى إنجلترا وكنت سعيدا جدا لرؤية زوجتي وعائلتي مرة أخرى. ياللعجب لقد كبر أطفالي جدا واصبحوا طوال القامة ! بعت الحيوانات الصغيرة بكثير من المال، وسرعان ما تمكنت من مساعدة عائلتي في الانتقال إلى منزل أكبر في مكان فخم في المدينة.
الآن عائلتي تشعر بالراحة والسعادة، ولكنني وجدت الحياة في المدينة صعبة ومن الأصعب أكثر العثور علي عمل. لذلك بعد شهرين ونصف فقط في انجلترا، عرضت على وظيفة جديدة على متن سفينة تسمى الادفينجر (المغامرة). قبلت الوظيفة وأعددت لرحلة أخرى. كانت "المغامرة" اسم جيد لسفينتي، لأنني كنت على وشك أن أخوض مغامرة أكبر في البحار.
تاااابع ◄ رحلات جوليفر