رواية رحلات جوليفر للكاتب جوناثان سويفت الفصل الرابع

 

 في 20 يونيو 1702، تركت إنجلترا مرة أخرى على متن السفينة" أدفانجر" تحت القبطان جون نيكولاس. كنا نخطط للذهاب إلى الهند وفي البداية كانت والرياح متعاونةمعنا: وصلنا بسهولة الي جنوب أفريقيا، حيث توقفنا للمياه العذبة. وهناك وجدنا أن السفينة كان بها ثقب في جانبها و كان لا بد من إصلاحه، وما مر وقت قصير حتي اصيب القبطان بالمرض، لذلك بقينا في جنوب أفريقيا معظم فصل الشتاء حتى تعافى القبطان، ولماأصبحت السفينة مستعدة للابحار مرة أخرى انطلقنا في مارس من جديد، في البداية اتجهناللشرق، ومررنا بجزيرة مدغشقر. وصلنا الى شمال الجزيرة، وعندما اشتدت الرياح بدأت الرحلة الصعبة. أبحرنا لمدة عشرين يوما ضد الرياح، نتحرك ببطء حتى هدأت الرياح في النهاية وأصبح البحر هادئا. فقلت للقبطان "انا سعيد لان الرياح قد توقفت،". فأجاب "لا تكون سعيدا للغاية" "تجربتي تؤكد لي أن عاصفة عظيمة قادمة. جهز نفسك".



كان القبطان علي حق. فبعد يومين فقط أصابتنا ريح عظيمة من الجنوب. خفضنا بعض الأشرعة وفعلنا كل ما بوسعنا للسيطرة على السفينة، ولكن العاصفة دفعت السفينة الي الشرق، لدرجة أن البحارة الأكثر خبرة لم يكن يعرفون المكان الذي كنا فيه. لحسن الحظ، كانت سفينتنا قوية بعد الاصلاحات الاخيرة، وكان لدينا امدادات جيدة من المواد الغذائية.لكن مشكلتنا الوحيدة كانت أننا لم يكن لدينا الكثير من المياه العذبة. قررنا الاستمرار في الاتجاه التي تأخنا فيه الرياح، بدلا من محاولة ايجاد طريق للعودة إلى الطريق المخطط لنا.

في 16 يونيو 1703، صاح بحار قائلا انه يرى أرضا يابسة على بعد. وبعد يوم، كنا اقتربنا بالفعل منها جدا وتمكننا جميعا أن نرى علي بعد هذه الجزيرة الكبيرة أو القارة (لم نكن نعرف ماهي في الحقيقة). وبعدما اقتربنا أكثر رأينا خليجا، ولكن القبطان لم يظن أنها كانت عميقة بما فيه الكفاية للخوض فيها بسفينتنا، لذلك ألقينا المرساة بالقرب من الساحل. وأمر القبطان اثني عشر رجلا بالذهاب الى الشاطئ في قارب صغير مع أوعية كبيرة في محاولة للحصول على بعض المياه العذبة. فمجرد حصولنا علي المياة العذبة سنكون على استعداد لمواصلة مسيرتنا . أخبرت القبطان بأنني مغرم بزيارة البلدان المختلفة وطلبت منه الإذن للذهاب مع الرجال. فوافق القبطان وفي الحال وصلنا للشاطئ، ولكن لم نتمكن من رؤية أي شخص، ولا أي مياه عذبة. لذلك قرر البحارة المشي على طول الشاطئ للبحث عن مجري أو بئر مياه عذبة وبينما هم يفعلون ذلك، مشيت وحدي لحوالي كيلومتر بعيدا عن الشاطئ. ولم يكن هذا الجانب من الأرض يبدو مثيرا جدا للاهتمام: فلم يكن يوجد أشجار، بل كان في الغالب جاف ومليء بالصخور. ولأنه لم يكن هناك الكثير أن أراه في تلك الارض قررت العودة إلى الشاطئ ولما وصلت بالقرب من الشاطئ مرة أخرى، رأيت البحارة بالفعل في القارب الصغير ويجدفون نحو السفينة. أتري انهم قد نسوني؟ وبدأت أصرخ ليسمعوني، و فجأة رأيت شيئا لم أكد أصدق عيناي! كان عملاقا ضخما يمشي في البحر في اتجاه القارب الصغير بأسرع ما يمكن.

وللحق فإني لم انتظر لأرى ما سيحدث لهم، إنما استدت ووليت هاربا من الشاطئ. تسلقت تلة صغيرة، وعندما وصلت إلى أعلى، جلست ونظرت لأري ما يمكن أن أجده. لقد كنت مندهشا لرؤية العديد من الحقول، لقد كان العشب في الحقول طويلا جدا، وربما ارتفاعه ستة أمتار.

نزلت ومشيت في طريق واسع ووعر ومررت بحقول مليئة بالقمح الذي كان طوله حوالي اثني عشر مترا. بعد نحو ساعة وصلت أخيرا الي نهاية حقل واسع جدا ينتهي بسور كان لا يقل عن 40 مترا ارتفاعا، و الأشجار التي وراء السور كانت أطول من ذلك. كانت هناك سلالم من فوق السور ولكن كان من المستحيل بالنسبة لي استخدامها لأن كل درجة فيها ارتفاعها مترين.

وبينما كنت أبحث عن طريق من خلال هذا الجدار الهائل رأيت عملاقا آخر من نفس حجم الشخص الذي رأيته على الشاطئ. كان هذا العملاق يسير بسرعة على الطريق في اتجاه المكان الذي أقف فيه. شعرت بالرعب وركضت للاختباء في حقل ذرة. شاهدته وهو يصعد بسهولة السلالم على الجزء العلوي من الجدار الذي اقف بجانبه. سمعته يقول شيئا ما في صوت مرتفعا مثل الرعد، وبعد ذلك ظهر سبع عمالقة كل منهم يحمل مناجل هائلة. لكن ملابسهم مصنوعة بشكل رديء عن العملاق الأول، ففهمت أنه السيد والرجال السبعة عمال لديه. أمرهم العملاق بأمر ما فبدأوا علي الفور في حصد القمح في الحقل الذي كنت مختبئا فيه. حاولت الابتعاد عنهم من خلال هذا الحقل، لكن كان من الصعب على المشي بسرعة لان النباتات كانت قريبة جدا ومتشابكة ببعضها في نهاية المطاف، وجدت نفسي في جزء من الحقل حيث الرياح أو الأمطار جعلت النباتات ملقية علي الأرض أدركت أنه لا يوجد مكان يمكنني الذهاب اليه دون رؤيتي، كنت أسمع العمالقة ومناجلهم التي تتحرك ويصبح صوتها أقرب وأقرب. انبطحت علي الأرض منهك القوي وفكرت في عائلتي الفقراء الذين سيكون قريبا من دون أب ولازوج. لماذا جئت في هذه الرحلة؟ لقد حذروني أصدقائي من ان أذهب. تذكرت Lilliput، المكان الذي ظننت فيه أنني أقوي وأهم رجل في العالم.أما الآن فربما سأكون أنا غذائا لهؤلاء العمالقة العظام. لقد أدركت أنه ليس هناك شيئا يعتبر كبيرا أو صغيرا إلا إذا قارنته بشيء آخر. فربما يوجد بلد آخر يكون فيها هؤلاء العملاقة أقزام صغار وغير ذو اهمية.

فجأة رأيت واحدا من العمالقة يسير باتجاهي. كنت قلقا لأنه لن يراني وسيدوس علي بالتأكيد في أي لحظة، لذلك صرخت بصوت عال بقدر ما أمكنني، فتوقف العملاق ونظر حوله في دهشة، ثم نظر لأسفل ورآني. بدا عليه أنه يفكر في ما يجب القيام به- تماما كما أفعل أنا عندما أري حيوانا صغيرا خطيرا أمامي. ثم قرر أن يلتقطني من علي الأرض بأصابعه للنظر في وجهي عن قرب. فكرت بسرعة وقررت أسلم شيء بالنسبة لي هو أن لا أتحرك، على الرغم من أن أصابعه آذتني جدا وأدركت أنني علي بعد عشرين مترا فوق سطح الأرض. ثم نظرت الي الشمس وبدأت أصلي وأدعو الله، حيث كنت قلقا ان يرمينى على الأرض. ولكن لحسن حظي كان الرجل مسرورا لما يراه . لقد كان في دهشة أنني أستطيع الكلام مع أنه لم يفهم بوضوح ما كنت أقوله "أنا آسف جدا. إنك تؤلمني،" قلت ذلك مشيرا إلى ظهري. يبدو أن العملاق قد فهمني. لذلك وضعني بحرص في جيبه ثم جري إلى سيده -الفلاح الذي رأيته في وقت سابق نظر الي هذا العملاق الفلاح داخل جيب العملاق العامل ونادي باقي العمال لينظروا الي، ثم سألهم اذا كانوا قد رأوا حيوانا شبه ذلك من قبل. ثم وضعني على الأرض وجعلوا يشاهدوني في ذهول وأنا أسير جيئة وذهابا لإظهار أنني لن اهرب. ثم خلعت قبعتي وانحنيت للفلاح، وأخذت كيس من العملات الذهبية التي في جيبي وقدمتها اليه. أفرغ الحقيبة ونظر الي العملات الذهبية الصغيرة في يده، ولكنه لم يبدو عليه مهتما جدا، وأشار الي باسترداد الذهب ثانيا حاولت التحدث معه، وعلى الرغم من أنني جربت العديد من اللغات المختلفة، الا أننا لم نتمكن أن نفهم بعضنا البعض. وفي الختام، أمر الفلاح عماله بالعودة إلى العمل ووضعني في منديل ضخم وبصراحة كان المنديل ناعم وأخذني الي المنزل ليريني لزوجته.

وبعد وقت قصير، شعرت بالعملاق يفتح المنديل لزوجته لتراني، لكنها صرخت على الفور مثل الطفل الذي رأي عنكبوتا كبيرا. فوضح لها زوجها أنني أستطيع الوقوف والحديث، ولا يوجد داعي للخوف منه . ثم ببطء نظرت الزوجة الي في إهتمام.
في وقت لاحق من ذلك اليوم، وصل خادم يحمل أطباق من الغذاء لإطعام العملاق وعائلته: زوجته وأولاده الثلاثة وجدتهم. وضعني العملاق الفلاح بجانبه على المنضدة، لكنني كنت قلقا للغاية، انني كنت علي وشك السقوط من أعلي المنضدة التي كان ارتفاعها 10 مترا. ثم وضعت الزوجة بعض الخبز واللحم على طبق لي. وكان معي لحسن الحظ سكين وشوكة في جيبي فأخذتهما لتناول الطعام، ففرح بذلك الأطفال إلى حد كبير. ثم قدموا لي بعض الماء في كأس، ولكنه كان كبيرا لدرجة أنني وجدت صعوبة في رفعه. كنت عطشانا وكان الماء لذيذ الطعم فشربت وشكرتهم باللغة الإنجليزية."شكرا جزيلا لكم على لطفكم وحسن ضيافتكم".ضحكوا عندما سمعوا حديثي بصوت عال لدرجة انهم آذوا أذني.

وكان للفلاح ابن عنده حوالي 10 سنة، وكان مهتما جدا بي. التقطني من علي المنضدة وأمسكني من ساقي ورفعني جدا في الهواء . شعرت بالرعب وخفت من أن أقع. ولكن والده سرعان ما أخذني من ابنه ووضعني مجددا على المائدة، وقال شيئا بغضب للصبي. كنت خائفا يكرهني الولد بعد ذلك، فأشرت الي ابيه بألا يعاقبه وأن أن يكون لطيفا معه. ففهمني الرجل وابتسم لولده.

فجأة ظهرت قطة، كانت ثلاثة أضعاف حجم بقرة من أبقارنا. عندي علم أن الحيوانات لا تهاجمك عادة إذا أظهرت أنك لست خائف منها، فنظرت اليها بحرص وجعلت أمشي جيئة وذهابا أمامها. لقد كنت على حق. فلم تولني القطة أي اهتماما على الإطلاق، ومشيت بعيدا علي الفور أصابني خوف شديد عندما رأيت امرأة شابة تحمل طفلة في الغرفة. فبمجرد أن رأتني الطفلة، أشارت الي ورغبت أن تلعب معي، ربما ظنتي اني لعبة صغيرة. التقطتني الأم ووضعتني بالقرب من الطفلة، التي سرعان ما أمسكتني بيدها.

في الحقيقة لم أصب بأذي من قبل العمالقة الكبار أو من قبل العملاق الصبي ذي العشرة أعوام، ولا حتى القطة العملاقة التي لم تهتم بي. لكن امتلأت رعبا من هذه الطفلة العملاقة . فعلا كنت علي صواب. فما مرت الي ثوان حتي رفعتني الطفلة الي أعلي وكانت علي وشك تضعني في فمها. "لا، توقف"! صرخت بصوت عال في وجه الطفلة، ولكن هذا لم يكن بالتصرف الصحيح مني. فما أن سمعت الصفلة صراخي حتي فزعت وأسقطتني من يدها كأني حجرا ساخنا لسعها. كنت علي ارتفاع لايقل عن عشرة أمتار فوق الأرض . وبدأت في السقوط بسرعة نحو أرض منزلهم الصلبة .

 

نهاية الجزء الأول

 

 

أحدث أقدم

نموذج الاتصال