رواية بين شباكها الفصل الثانى
توقفت حدقتي اروى على شهد الواقفة بجوار يونس امام العقار التي تسكن فيه، ماذا تفعل هنا؟، بينما أكملت خديجة تقدمها من ابنها بلهفة، ضربت على صدرها بذعر وهي تنظر لذراعه المُضمدة
- ياعيني يابني! اتخيطت؟
عانقت وجنتيه وهي تسأله ببكاء
- انت كويس طيب؟
ابتسم لها وهو يُطمئنها
- اهدي بس، مش حاجة كبيرة الحمدالله
ثم قبّل يدها ومسح دموعها وهو يهمس لها برجاء
- متعيطيش بقى.
تنحنحت شهد من جواره وقالت مُعتذرة بحرج شديد
- اسفة، انا السبب في اللي حصل فـ..
عاتبها وهو يرمقها بنفاذ صبر
- تاني!
عادت لتتقدم اروى منهم بينما سألتهم خديجة
- هو حصل اية؟
- ولاد حرام سرقوا شنطتها وانا جريت وراهم، كان معاه مطوة فعورني وهرب بالشنطة
ضم قبضته بغيظ مع قوله الاخير، فسألتهم
- عملتوا بلاغ طيب؟
ردت شهد
- ايوة، بس الحمدالله موبايلي كان في ايدي، والشنطة مفهاش حاجات مهمة وفلوس مش كتير.
دُهِش يونس حين ظهرت اروى امامه، اندفعت موبخة اياه بغضب، لماذا يُعرِض نفسه للخطر من اجلها؟
- وانت لية تساعدها؟ لية تعرض نفسك للخطر؟
ارتفعا حاجبي يونس وقبل ان يفرق شفتيه ليرد كانت قد نقلت نظراتها المُشتعلة لـ شهد وهي تسألها بفظاظة
- وانتِ بتعملي اية هنا تحت بيته؟ مش كفاية المصيبة اللي جيبتهاله!
امسكت خديجة ذراع اروى ودفعتها بخفة للأمام بينما رمقت يونس بنظرة يفهمها جيداً اثناء قولها.
- اطلعي مع يونس يلا وانا جيالكم
امسك يونس بكفها وجرها خلفه، نظرت هي ليدها المطوقة بكفه، انه يعرف كيف يسيطر عليها، سارت معه بصمت، لن تفرق يديهما من اجل شهد الان.
- تعالي اوصلك للمحطة يا شهد
قالتها خديجة بلطف، فجذبت انتباه شهد، اومأت الاخيرة برأسها وسارت معها.
ترك يونس يدها فور ولوجهما للمصعد الكهربائي، فتراجعت لتستند على الحائط لتصبح مُقابلة له، حدقتيها تُقابل حدقتيه بتصدي، سألته
- كام غرزة؟
- تلاتة
رفعت رأسها قليلاً وهي تقول بشماتة وغيظ خفي
- احسن
رفع زاوية فمه بسخرية ثم قطع اتصال اعينهما المُشتحن لينظر اتجاه الباب بعدم إكتراث.
خرجا من المصعد، توقف لينظر لها بإستنكار حين وجدها تمد أصابعها لتأخذ المفاتيح الظاهرة من جيبه وتسبقه لشقته وتفتحها، علّق بضيق
- ايدي مش مكسورة على فكرة
لم تسمعه، توقفت بجوار الباب حتى دلف ثم لحقت به، جفل بعد جلوسه حين وجدها تقترب منه وتفك أزرار قميصه، دفع يدها هاتِفاً
- بتعملي اية؟
- مش شايف الدم اللي على قميصك؟ فبساعدك عشان..
قاطعها بثبات
- اقدر اقلعه لوحدي، وفي الاوضة مش هنا.
هتفت اروى بسخرية وعدم تصديق
- انت مكسوف مني!
رمقها باستنكار وابتسم دون مرح وهو يقول
- انتِ مش مضمونة
ارتفعا حاجبيها بذهول ثم اخذت تضحك، قالت بتعجب
- المفروض العكس! انت لية واخد دوري وانا واخدة دورك؟
اردفت ببراءة
- متقلقش مني انا آمان، مش هتحرش بيك مثلاً! مش تربيتي
طرقات خديجة على باب الشقة بعد قول اروى منعه من الرد، كتم ضحكته ونهض ليتجه لغرفته، سألته خديجة فور دخولها
- رايح فين؟
- هغيّر لبسي واجي
عرضت عليه والدته
- اجي اساعدك!
رمقهم بنفاذ صبر قبل ان يُغلِق الباب.
صباح اليوم التالي
أصبحت الساعة التاسعة ولم تظهر اروى، لم تطرُق على بابه!؛ فتح باب شقته فوجد بابها يُفتح أيضاً، وضعت كفها على خصرها وهي ترفع حاجبها، قائلة بخفوت مُتداركة الامر
- دة انت طلعت كنت بتتجاهلني فعلاً
فهم ما تقصده، انتبه لحقيبة السفر التي تُمسك بها فنسى الرد على قولها السابق وسألها
- رايحة فين؟
- هسافر
عقد حاجبيه مُتسائلاً
- لية؟
- فرح ماما، التالت.
صاحبت نهاية قولها ضحكة ساخرة؛ خرج من شقته وقد تبدلت نظرته لتصبح جدية ومُنزعجة!
- ومقولتليش لية؟ كنت سافرت معاكِ بدل ما تروحي لوحدِك
ابتسمت، قوله ذكرها بأيامهما الماضية، صداقتهما التي أفسدتها هي بإعترافها بحبها له، رغم عدم ندمها على مشاعرها اتجاهه إلا انها حزينة لبُعدهما؛ قالت وهي تلويه ظهرها لتُغلق باب شقتها بالمفتاح
- رهف هناك، هبقى معاها
قال مؤكِداً
- قولتي لـ بابا اكيد
- امبارح.
غمغم وعاد ليسألها
- طلبتي أوبر؟
- ايوة
تقدم وأخذ حقيبتها ليحملها فهتفت بلهفة
- هتوصلني؟، ألغي...
قاطعها بنبرة قوية وهو ينظر لها
- لا طبعاً
اكمل وهو يتجه للمصعد
- هركبِك أوبر وامشي
تهكمت وهي تلحق به بسخط
- لا كتر خيرك تعبت
ولجا للمصعد، نظرت له بطرف عينيها وهي تنبهه، بل تُحذره
- متاخدش راحتك اوي في غيابي
نظر لها في سخرية، فأضافت
- متجيبهمش الشقة عندك
اتسعت مقلتيه وهو يهتف في إستنكار.
- اية اللي بتقوليه دة! عارفة لو حد سمع كلمتك هيفتكر اية؟
حكت جبينها وهي تُصحح قولها بحماقة اكثر
- متعملش السهرة عندك في البيت، متجبش بنات
ضرب كفيه ببعضهما بنفاذ صبر
- يخربيت كدة، هتجيبلنا بلوس الآداب
خرج من المصعد وهي خلفه، توقف مُستديراً لها، سألها بضيق
- وتعالي هنا، من امتى بجيب بنات عندي في الشقة؟
- نسيت بتاعة اخر مرة!
- ودي كانت اول مرة وانتِ متعرفيش سبب مجيّها
ابتسمت بإستفزاز وهي ترد.
- انت مش مضمون، ممكن تجيبها تاني في غيابي
ارتفعا حاجبيه بذهول، سخر وهو يضحك دون مرح
- في غيابِك!، كنتِ مراتي وانا معرفش!
لمعت حدقتيها بخبث وهي تهمس له بحماس
- قول يارب
ثم تخطته، انخفضا كتفيه وهو يتنهد بنفاذ صبر، ثم لحق بها.
وصلت السيارة التي طلبتها، بعد ان صعدت طلب منها
- خلي بالِك من نفسِك وطمنيني لما توصلي
- قلقان عليا للدرجاتي؟
ادار حدقتيه بضجر قبل ان يُغلِق الباب بوجهها ويبتعد، فابتسمت بإستمتاع وعينيها مُعلقة معه اثناء تحرك السيارة.
في الشركة
نهضت شهد فور رؤيتها لإقتراب يونس منها، تفحصته بإهتمام.
- صباح الخير
القى نظرة سريعة عليها وهو يرد
- صباح النور
قالت سريعاً قبل ان يُدلف لغرفة مكتبه
- القهوة هتبقى جاهزة خلال دقايق
منحها ابتسامة بجانب إماءة رأسه.
وخلال دقائق، دلفت له، توقفت امامه بعد ان وضعت فنجان القهوة على المكتب، سألته بقلق بدى على صوتها
- الجرح عامل اية؟ واجعك؟
رفع رأسها ناظراً لها بتعاطف، قال بود وهو يبتسم.
- انا كويس والجرح كويس، فمتفكريش كتير
ضمت كفيها لبعضهما وهي تعتذر
- اسف بجد علـ..
قاطعها بحزم مزيف
- لو اتأسفتي تاني هطردِك
اتسعت مقلتيها وهي تكتم فمها بكفها، فضحك وقال برجاء
- ياريت توقفي اعتذاراتك الكتير دي، عشان تعبت
- حاضر
قالتها بخفوت وهي تُبعِد كفها، استأذنت لتغادر، قبل ان تصل للباب سمعته وهو يُعلِق، بدى وكأنه يُحدِث نفسه
- بريئة اوي
توقفت للحظة ناظرة له دون ان يلاحظ، ابتسمت وخرجت.
رفع رأسه لينظر للباب اثر مُغادرتها، تنهد وقد شرد فِكرُه.
مساءً
ترجلت شهد من الحافلة، توقفت امام المقهى التي اتفقت ان تُقابل يونس فيه، فقد طلبت ان تعزمه لتعبر عن إمتنانها لِم فعله معها، رفض في البداية لكنها اصرت فوافق.
همت للدخول بعد ان رأته جالس في الداخل مُنتظرها، توقفت امامه وهي تقول بقلق
- أتأخرت عليك!
- لسة واصل
تمتمت براحة وهي تجلس في المقعد المُقابل له
- طب كويس.
حثته بأن يختار مايُريده، اتى النادل وأخذ طلباتهم ثم ظلت صامتة، ليست بارعة في التطرق لأحاديث مع الآخرين، لذا بادر هو في الحديث
- قوليلي بقى، تعرفي بابا منين! ازاي اختارِك؟
- بابا الله يرحمه كان شغال في الشركة دي قبل تلت سنين، عم إسماعيل كتر خيره كان بيسأل عليا انا وماما من فترة للتانية لمدة التلت سنين، وكان عارف اني بدور على شغل الفترة دي فقدملي العرض دة
غمغم يونس بتفهم وعلّق بخفوت.
- بيحب يعمل خير كتير وكله على راسي
عقدت شهد حاجبيها بعدم فهم
- مش فاهمة!
تطرق لموضوع اخر..
- انتِ لسة متخرجة من سنة، صح؟
- ايوة
وضع النادل طلباتهم على الطاولة وغادر، عاد يونس ليسألها بفضول
- كنتِ سمعتي عني قبل ما تيجي الشغل؟
اجابته بصراحة
- لا، اصلاً اتصدمت لما لقيتك، افتكرت ان عم إسماعيل هو الماسك الشركة، بس..
توقفت عن إكمال ما ارادت قوله بتردد، عقد حاجبيه بحيرة
- بس اية؟
قالت بخفوت مُتردد.
- سمعت جوة الشركة
- سمعتي اية؟
هربت عينيها، هل كان يجب ان تقول ذلك؟، ابتسم، انه يعرف ما يتداول عنه، اعاد ظهره للخلف بأريحية وواجهها بِم يُقال عنه بكل سلاسة
- اني صايع ومفيش سكرتيرة مبمشيش معاها؟
اتسعت مقلتيها بصدمة، لقد سمعت الجزء الاول اما الثاني فهو من اعلمها به الان، ضحك وعاد ليقترب بجسده من الطاولة ليشرح لها.
- بصي، لما النعمة تيجي لعندك مترفصهاش، انا ماشي على المبدأ دة، واحدة مُعجبة بيا وهي مُزة اقولها لا! ميصحش
انه صريح اكثر من اللازم معها، احمر وجهها بحرج وخجل، انهما ليسا صديقين حتى يتحدث معها براحة وصراحة هكذا، التقطت مشروبها لتحتسي منه القليل بتوتر ودون تركيز، جذب عينيها له من جديد حين قال مُطمأناً اياها
- متخافيش مني، ومتقلقيش على نفسك، انتِ غير.
انتِ غير!، لماذا يتلاعب بكلماته ويختار تلك التي تحمل اكثر من معنى يشوشها، ازدردت لُعابها باضطراب كإبتسامتها ثم اشاحت بوجهها بعيداً.
مر بقية الوقت في احاديث جانبية، طريقة حديثه أشعرتها وكأنهما مُقربين فهو يتحدث براحة ودون تكلُف، انه ماهر في الحديث مع النساء، يستطع ان يصادقهم في دقيقتين.
رفض ان تدفع هي وأصر على ذلك، خرجا من المقهى وهي تعترض
- بس انا اللي عزماك
هز كتفيه بلامبالاة
- ولو.
اضاف بنزاهة وهو يفتح لها باب المقهى لتخرج قبلُه
- مينفعش اخلي بنت تدفع وهي معايا
ابتسمت وقد تنظر له بإعجاب اثناء سيره بجوارها، تعترف ان شخصيته رائعة، لقد جعل قلبها ينبض له بمهارة.
- خلاص اعزمك على حاجة تانية
قالتها وهي تتوقف فتوقف هو أيضاً ونظر لها، إبتسم قائلاً
- اعزميني وانا اللي هدفع برضه
ضحكت وقالت وهي تنظر للطريق
- خلاص نروّح احسن
- ماشي يلـ...
تلاشت بقية حروفه حين رأى شهد تهم بعبور الشارع بإهمال، دون ان تلاحظ اقتراب سيارة منها، اسرع ليقبض على ذراعها ويجذبها للخلف، وبخها بخشونة
- فتحي عينيكِ شوية
صُدِمت من رد فعله، وتسارعت دقات قلبها حين انزل كفه المُمسِك بذراعها ليصل لكفها ويضمه، عبر الطريق وهي معه، ترك كفها حين وصل لسيارته.
ظلت واقفة كالبلهاء للحظات اثر إمساكه ليدها، تحاول استيعاب تلك اللحظة والمشاعر التي غمرتها، مشاعر جديدة وممتعة، شعرت بأن قلبها سيتوقف من مجرد إمساكه ليدها، ماذا يحدث لها؟، نظرت له من بعيد، تعتقد انها أصبحت مُعجبة به بحق، انه مُختلف عن الاخرين التي أُعجِبت بهم في جميع مراحل حياتها، تعتقد ان قلبها اصبح جاد في هذا الامر!
بعد اسبوع، في شقة إسماعيل الأنصاري
وضعت خديجة طبق البسبوسة على الطاولة وهي تتذمر
- انا مش عارفة لية اروى قاعدة كل دة هناك؟ مش الفرح كان من يومين؟ مرجعتش لية!
علّق يونس
- قاعدة مع رهف
أكملت خديجة بضيق
- دة حتى لما كلمتها قبل الفرح كانت بترد بإختصار، ومقالتش حاجة عن فرح امها
قال إسماعيل بصبر
- لما ترجع هتقول، اصبري بس عليها
تنهدت خديجة بتثاقل وهي تفكر بقلق.
- خايفة لتكون خرّبت الدنيا هناك وامها مسكتتش
تساءل إسماعيل
- مش هي كلمتِك وطمنتِك؟
- مكلمتنيش من يومين، من بعد الفرح للان
هتف يونس بذهول
- بجد!
ردت خديجة بتثاقل
- اومال انا مضايقة وقلقانة لية؟
اعلن هاتفه عن وصول رسالة، اخرج هاتفه لينظر للرسالة التي كانت مُرسلة من رهف بالإنجليزية
- يونس، هل اروى بخير؟
عقد حاجبيه وشرد، هل عادت ولم تُخبِر احد!، نهض قائلاً
- انا همشي
سأله إسماعيل
- رايح فين؟
سألته خديجة بشيء من الاعتراض
- مش هتبات هنا؟
- مش كفاية الاسبوع اللي قضيته معاكم!
قالها بضجر وهو يتجه للباب، علّقت خديجة
- اروى لسة مرجعتش
- قصدِك المراقبة بتاعتي مرجعتش
رمقته بعتاب وكأنه مُخطيء!، قال إسماعيل
- لو عرفت حاجة عن اروى طمن أُمك
- حاضر
فور خروجه من العقار اتصل بـ رهف التي رحبت به اولاً
- عامل اية يا عم يونس
- هي اروى رجعت؟
سألها بتعجل دون ان يسمع قولها السابق، فضحكت وكررت ما قالته.
- طب بقولك عامل اية
مازال مُستعجل..
- الحمدالله، ها؟
- اروى رجعت النهاردة الصبح، تقريباً وصلت مصر على العصر كدة، هي مقالتلكمش؟
- لا
غمغمت رهف بتعاطف وهي ترُد
- تلاقيها مضايقة من الحصل
- اية الحصل؟
صمتت رهف بتردد، قررت ان تهرب من الإجابة
- هي تبقى تحكي وتقول، بس تبقى تطمن عليها..
تراجعت سريعاً عن قولها الاخير
- ولا لا، اعمل كأنك متعرفش انها رجعت.
لم يُصِر على اخذ الكلام منها، فهو يعرف ان رهف مُخلِصة لـ اروى اكثر منه حتى إن كانا اصدقاء طفولة.
- ماشي، سلام
انهى المكالمة واتجه لسيارته لينطلق بها لمنزله؛ وصل للطابق المطلوب وتوقف امام شقته لكن وجهه مُقابِل لشقة اروى، أيفعل ما قالته رهف ام يتخطاه ويطرق على بابها! أم يتصل بوالدته؟، ظل واقفاً لمدة قاربت العشر دقائق يفكر بحيرة، قرر في النهاية ان يتركها ولا يقتحم خصوصيتها.
في منزل شهد
- بقينا صحاب، شبه صُحاب
قالتها شهد لوالدتها بسعادة انعكست على حدقتيها، نظرت لها والدتها بقلق، فأسرعت شهد لتمدح به
- يونس طلع كويس اوي، على الاقل معايا، مبيعملش حركات صايعة ومبيحاولش يتطاول عليا وبيعاملني بحدود وبيحترمني، ببقى مرتاحة وانا بتكلم معاه، فهو شخصية حلوة اوي فأرمي كل الوحش اللي قولتك عليه عنه قبل كدة
تنهدت والدتها بعدم راحة، شاركتها مخاوفها.
- خايفة ليأذيكِ، ليكون دة اسلوبه اصلا مع كل البنات وانتِ فاكراه بيعاملك بطريقة مميزة
- مبقولش بيعاملني بطريقة مميزة، بس ممكن المختلف بيني وبين البنات التانين انه بيعاملني حسب ما احب انا وبحدودي انا، واعتقد اني مختلفة بالنسباله عن التانين، بس كصحاب قصدي
اضاقت والدتها حدقتيها وهي تداهمها بشكوكها
- وانتِ؟
ارتفعا حاجبي شهد بعدم فهم
- وانا!
- انتِ مُعجبة بيه.
صارحتها والدتها بالحقيقة التي تشعر بها، لم تُنكِر شهد لكنها طمئنت والدتها
- متقلقيش من الناحية دي انا اقدر اتحكم بمشاعري
اندفعت والدتها مُستنكرة
- دة كلام في الهوا، محدش يقدر يتحكم في قلبه انه يحب دة ولا ميحبهوش
وضعت كفها على خصرها مُتسائلة بعدم اقتناع
- واية الصحوبية اللي اتعملت في اسبوع ونص دي!
زفرت شهد بضيق وهي تتنهد، قالت قبل ان تتجه لغرفتها
- عادي يا ماما عادي.
صباح يوم جديد
ولج يونس للمصعد وضغط على الزر الذي يحمل رقم الطابق الأرضي، قبل ان يُغلق الباب تماماً وضعت اروى ذراعها ليُفتح من جديد، نظر لها بدهشة وهي تقول بنبرة مليئة بالحيوية
- جووود مورنينج يونس باشا
والابتسامة تكاد تصل لاذنيها، دلفت للداخل وقالت بثقة
- وحشتك اكيد الاسبوع دة
لم يُعير قولها اهتمام، سألها بهدوء
- رجعتي امتى؟
- امبارح بليل
انها تكذب!، لم يُعلِق بينما اخبرته اروى.
- اتصلت بطنط خديجة النهاردة الصبح
رد بإقتضاب
- كويس، كانت قلقانة
هزت رأسها وردت
- هروح لها النهاردة بعد الشُغل اديها الأخبار
ثم ضحكت بسخرية دون سبب واضح له، عادت لتقول
- تعرف ان العريس اصغر منها بعشر سنين! خمسة وتلاتين
ضحكت مرة اخرى بقوة واضافت بتفكير وهي تذهب بحدقتيها بعيداً
- كان ممكن اغويه
جفلت حين زمجر بأسمها بخشونة وكأنه يُحذرها
- اروى
نظرت له بحذر ثم ابتسمت وهي تُتمتم
- بهزر.
استدار ناظراً لها بجدية، قال بصرامة
- متهزريش بالكلام دة لان لو حد سمعه هياخد عنك فكرة مش تمام
حركت كتفيها بلامُبالاة وهي ترُد
- ما هُما ماخدينها فمش مشكلة
اتسعت مقلتيه قليلاً وهو يسألها بنبرة لامست أعتاب الحدة
- هو انتِ بتظهريها لحد غيري؟!
لمعت حدقتيها وهي تتأكد بلهفة
- مش عايزني ابينها لغيرك! حاضر
اسرع ليوضح قصده بصبر.
- متفهمنيش غلط، قصدي ان انا عارفك وعارف معدنِك بس غيري لا، او اي حد يسمع عن تصرفاتك هيفكر فيكِ ازاي؟
قاطعته بعدم اكتراث حقيقي بينما أظهرت عكسه مع نهاية قولها
- مش مهم هيفكروا فيا اية، انت المهم عندي
حدق بها مُتنهداً، تركها وخرج من المصعد وهو يهز رأسه بإستياء، فلا فائدة من الحديث معها.
في الشركة
سرَّعت شهد من خطواتها لتلحق المصعد قبل ان يُغلق بابه، ذُهِلت حين رأت اروى داخل المصعد بجوار يونس لكنها تخطت ذلك ووقفت بجانبهم.
- صباح الخير يا يونس
عقدت اروى حاجبيها بإستنكار بسبب ذِكرها لأسمه دون لقب؛ رد يونس بسلاسة
- صباح النور، عاملة اية النهاردة
- الحمدالله كويسة، وانت؟
قبل ان يرُد يونس قالت اروى بدلع ساخر، انها تسخر من شهد
- ومفيش صباح الخير يا اروى!
استدارت لها شهد وقالت بلطف مُزيف
- صباح الخير يا اروى
تجهم وجه اروى وهي ترُد دون نفس
- صباح الزفت
وسبقتهم لخارج المصعد ببرود، فألقت شهد نظرة سريعة على يونس قبل ان يخرُجا من المصعد ويذهب كل شخص لعمله، كبتت شهد غيظها من اروى بصعوبة.
مرت ساعات
رفعت اروى عينيها بتلقائية للأمام فوجدت إسماعيل يقترب منها، متى وصل؟، تهللت أساريرها وهي تُرحب به اثناء نهوضها
- يا اهلا يا اهلا بحبيب قلبي
ابتسم بدوره وعانقها قائلاً
- وحشتيني الاسبوع دة
رحب به من حوله فرد عليهم، تساءلت اروى بحذر
- بتعمل اية هنا؟ في حاجة؟
ابتسم وهو يُمازحها
- تفتيش مُفاجيء
ابتسمت وسألته بلهفة
- صحيح شربت حاجة؟ اطلبلك!
- شربت متتعبيش نفسك.
اومأت برأسها، بينما قال إسماعيل
- همشي بقى، قولت اطمن عليكِ واشوفك
ربتت على كفه وهي تشكره
- تسلم
نبهها وهو يهم للمغادرة
- متتأخريش على العشا النهاردة
- عنيا
رافقته للأسفل، ثم عادت لتأخذ ملفات من مكتبها وتتجه بها لمكتب يونس.
فور رؤية شهد لـ اروى من بعيد التقطت الهاتف لتُخبر يونس عن حضورها؛ تقابلت عينيهما معاً، ابتسمت اروى بهزء وهي تسير امام شهد التي قالت بإنتصار
- قولت لـ أستاذ يونس ومستنيكِ.
ردت اروى برضا
- حلو عملالي حساب قبل ما اوصل
توقفت قبل ان تبرم مقبض الباب لتلتفت وتنظر لـ شهد بسخرية وهي تُعلِّق
- بقى دلوقتي أستاذ يونس!
لم تنتظر رد، فعيني شهد التي اشتعلت كان افضل رد وانتصار.
- حقيرة
همست بها شهد بكره شديد وهي تمسك بكوب الماء بحدة.
- هتيجي تتعشا عند اهلك النهاردة؟
قالتها اروى وهي تضع الملف امام يونس على المكتب، رد عليها مؤكداً
- ايوة، عشان في ضيفة جاية
- بجد! مين؟
فتح الملف ونظر فيه بصمت، هز رأسه قائلاً بجدية
- بعد كدة تسيبي الملفات المهمة زي دي مع شهد لما تاخدي اجازة
- هبقى اجيبه ليك بنفسي
ثم التفتت مُتجهة للباب، اخبرها قبل ان تصل للاخير
- هنروح سوا
توقفت تنظر اه وهي تلويه ظهرها، قالت بتهكم
- تعليمات عمو اسماعيل.
مساءً
اخذت اروى من يونس مُفتاح السيارة لتنتظره بداخلها، بعد دقائق اتى لكن شهد معه!، هل سيوصلها؟ لا وقت لهذا، اخرجت رأسها من النافذة لتهتف بإستنكار
- بتعمل معاك اية دي! متقولش انك هتوصلها في طريقنا!
رد وهو يلتف حول السيارة بينما شهد جلست في المقعد الخلفي
- هتيجي معانا
اتسعت مقلتي اروى بصدمة وهي تتساءل بعدم تصديق
- معانا! فين! بيتك! مستحيل.
صاحبت قولها الاخير ضحكة قصيرة ساخرة، اخذ مقعده خلف المقود وهو يؤكد ما قاله
- بابا عزمها
- نعم!، لية ان شاء الله؟
استدارت بانفعال لتنظر لـ شهد تسألها بفظاظة
- وانتِ بتروحي بيت اي حد كدة؟
رمقها يونس بحدة، ثم شرح لها علاقة والد شهد ووالده، رفعت رأسها بعدم اقتناع وقالت بصوت مُرتفع
- ولو.
انتهى الحديث هنا، لم يرد يونس حتى لا يفتح لها مجال النقاش، اما شهد كانت تحترق من الغيظ بداخلها كالعادة لكنها لم ترد، لا تُريد ان يراها يونس تتحدث كالأفاعي مثلما ترى هي اروى، انها شخصية هادئة بطبعها وتُفضل ان تُصبح بعيدة عن المشاكل قدر المُستطاع لكن اروى تُصِر على جرها لذلك الطريق المُناقض لشخصيتها.
صعدا معاً، فتحت لهم خديجة ورحبت بهم، اخذت اروى بين أحضانها تُعانقها بإشتياق، تابعت شهد ذلك بذهول لم تُظهره، كيف علاقتهم جيدة لهذه الدرجة؟ هل هي حقاً جارتهم!
- أهلاً بيكِ يا شهد
قالتها خديجة مع إبتسامة سمحة بعد ان تركت اروى، ابتسمت شهد وهي ترد بتهذيب
- ازاي حضرتك عاملة اية؟
- الحمدالله يا حبيبتي، اتفضلي متتكسفيش، عمك اسماعيل جوة مستنينا
سخرت اروى بخفوت
- وش كسوف اوي.
رمقتها خديجة بعتاب بينما لم تهتم اروى ودلفت للداخل، نهض اسماعيل مُرحباً بـ شهد
- أهلاً يا حبيبتي نورتي، اتفضلي
صافحته شهد بحرارة
- ملحقتش الصبح اشكرك على وقفتك جنبنا، شكراً بجد لحضرتك مش هنسى..
قاطعها وهو يُربت على كفها بحنان مُعاتباً
- الشكر لله، بس متقوليش كدة دة انتِ زي بنتي..
ابتسمت بإمتنان، قاطعت اروى هذه اللحظة المؤثرة
- انا جعانة مش هناكل بقى!
نظر لها اسماعيل وضحك قائلاً
- همك بطنك وبس.
- طبعا اهم منها
نظرت لها شهد، انها تقصدها، دعتهم خديجة للسفرة، صفّر يونس بإعجاب قبل ان يُعلِّق
- دة مش عشا دة غدا
ضحكت خديجة ؛ كادت اروى ان تصل للكرسي المجاور لـ يونس لكن حين وجدته يدعو شهد للجلوس فيه ولم تُمانع غضبت.
- تعالي اقعدي جمبي يا رورو
قالتها خديجة حين لاحظت وقوفها في الخلف، اومأت اروى برأسها وتقدمت لتجلس بجوارها، فأصبحت مُقابلة لهما، يبدوان كثنائي من مكانهما.
- مدي ايديك متتكسفيش.
قالها اسماعيل لـ شهد التي اومأت برأسها بخجل، اخذ يونس طبقها ليملأه لها بمُختلف الأصناف لكن في حين كان يأخذ من شيء كان يجد اروى تُعيقه بأخذ ما في مغرفته، نظر لها يونس بنفاذ صبر، فرَّقصت حاجبيها بإستفزاز، عاد للخلف وكاد ان يقول شيء لكنها سبقته بقولها الموجه لـ شهد.
- اية ايدك انكسرت؟ ما تغرفي لنفسك وبلاش تمثيل
نكزتها خديجة وهي تُعاتبها بنظراتها، فأضافت اروى بضيق
- مبحبش الدلع دة.
رفعت شهد نظراتها الغاضبة لـ اروى، هل يجب ان ترد ام تصمت وتحترم وجود الاكبر حولها!، رمقها اسماعيل بحدة مُزمجراً بأسمها
- اروى!
نظرت له اروى وقالت بانفعال
- مش معايا حق!
جذبتها خديجة بخفة لها وهمست في اذنها
- عيب يا اروى، ومش قدام عمَّك اسماعيل
ردت اروى بصون مرتفع
- هو انا بقول حاجة غلط!
ضمت شهد قبضتها بغضب وحرج من هذا الموقف، نهضت مُستأذنة
- بستأذنكم..
اسرع يونس لينهض ناظراً لوالده، بينما قالت اروى بوقاحة
- ايوة امشي مش عايزينك
جفل الجميع حين ضرب اسماعيل على الطاولة بكفه، حركّت اروى حدقتيها ببطء لتنظر للأخير، انه غاضب، استيقظت من الهراء التي كانت تفعله، غيظها من رؤية يونس و شهد بجوار بعضهما سيطر عليها رغماً عنها مما جعلها تتجاهل وجود عمها اسماعيل واحترامه، قال بصرامة
- أجري على اوضتك حالاً
- انا اسفة.
اعتذرت بحرج صادق، كادت ان تُبرر فعلتها لكنه لم يسمح لها، فقد قال مُنهياً الحديث
- مش هعيد كلامي يا اروى
ثم نظر لـ شهد وطلب منها
- اقعدي يا بنتي اقعدي
لم ترُّده شهد وفعلت ما طلبه احتراماً له، بينما ظل يونس واقفاً ينظر لـ اروى التي بدى عليها التخبط والتردد، حتى ان انفها أصحبت حمراء، هل ستبكي!، بادر ليقول لها
- اروى، تعالي معايا
مع نهاية قولة كانت قد نهضت اروى وقالت بكبرياء.
- شكل وجودي مش مرغوب فيه، فأنا هرّوح بيتي
انهت جملتها وابتعدت مُتجهة للباب، لم تكترث لنداء خديجة، توقفت للحظة عند الباب حين سمعت قول اسماعيل لـ خديجة
- سيبيها
سالت دموعها لسماعها لقوله، فتحت الباب وغادرت سريعاً، نظرت له خديجة بعتاب كقولها
- انت عارف ان مش قصدها يا اسماعيل
نظر لزوجته بحدة قائلاً
- دلعتها لدرجة انها مبقتش تحترم وجودي
تنهد وقال بحزم
- يلا اقعدوا نكمل اكل.
نظرت شهد لطبقها وبداخلها تشعر بالشماتة، انها تستحق، هكذا عاد لها حقها، بينما حك يونس جبينه وهو يشعر بالضيق، استدار مُتجهاً للباب فأوقفه والده
- رايح فين؟
رد دون ان يلتفت
- هلحقها..
توقف امام العقار ينظر حوله باحثاً عنها، اضاق عينيه ليتأكد إذ كانت هي تلك التي تسير على مسافة كبيرة منه، هل اخذت هذه المسافة ركضاً ام ماذا؟، اسرع ليركض ويلحق بها، توقف امامها مُعيق طريقها وهو يلهث، همس براحة وهو يميل قليلاً
- لحقتِك
اعتدل حين لمح عينيها الحمراوتين ودموعها الغزيرة بللت وجنتيها.
اسرعت اروى لتمسح دموعها بقوة وهي تُقابل نظراته القلقة بنظراتها الغاضبة، هتفت بإنفعال
- نعم! عايز اية؟
مد كفه ليربت على كتفها وهو يقول بتعاطف
- متعيطيش ومتزعليش من بابا
- لا هزعل، طردني عشان شهد الحرباية
صحح لها بحسن نية ونبرة هادئة ودية
- هو مطردكيش انتِ اللي مشيتي، وغير كدة انتِ غلطانة..
قاطعته بعنف قبل ان يُكمِل
- طبعاً انا الغلطانة، اروى هي الغلطانة دايماً
انفجر بها هو الاخر صارخاً.
- ايوة انتِ الغلطانة، شهد معملتلكيش حاجة عشان تتصرفي معاها بطريقة قليلة الذوق وغير كدة ازاي تتصرفي بالطريقة دي قدام بابا!
دفعت يده وقد اتسعت حدقتيها بجنون
- بتدافع عنها!
حك جبينه موضحاً
- مش بدافع عنها، بس..
قاطعته
- لا بدّافع
علّق بإنزعاج
- يعني سمعتي الجزء بتاعها بس!
لم تترُك حدقتيها خاصته اثناء تخطيها له، تريد الفكاك به إن أمكن، امسك بذراعها موقِفاً اياها، تنهد قبل ان يتحدث بهدوء.
- تصرفِك اللي عملتيه مع شهد كله في وش بابا وفي بيته، ازاي مستنية يقبل تصرف زي دة؟ مش شايفة ان عصبيته شيء طبيعي على موقفِك!
- وانا اتأسفت
- وانتِ تعرفي عن بابا انه بيقبل الأسف من غير عقاب يعرفِك غلطِك منه!
ردت بحزن
- بس مكنش بيتعامل معايا انا كدة
حرك كتفيه قائلاً
- عشان مكنتيش بتغلطي قدامه زيي
تنهدت بعمق، انه مُحِق، اخفضت رأسها قليلاً واخذت تلعب بأصابعها بقلق وهي تسأله بخوف ونبرة خافتة بعض الشيء.
- قال سيبيها، يعني مبقاش يحبني؟ مش عايزني تاني؟
ارتفعا حاجبيه بذهول من تفكيرها، سرعان ما أصبحت عينيه دافئتين اثناء تركه لذراعها ليقف مُقابلاً اياها، وضع كفيه على كتفيها ومال قليلاً لينظر لوجهها عن قُرب، قال بنبرة تحمِل العتاب والحنان
- مش معقول اللي بتقوليه دة!، ازاي مش عايزِك! انتِ مننا، فعشان كدة اتصرف معاكِ زي ما بيتعامل معايا.
رفعت حدقتيها له وقد كانت الدموع تتلألأ بهما، تأملها للحظة قبل ان يبتسم، حذرها بلطف
- متفكريش كدة تاني، احنا عيلة، سامعة!
اومأت برأسها بخضوع، وفي لحظة تحولت نظراتها للشراسة وهي تتهمه
- كل دة بسببك اصلاً
ابتعد وهو يهتف بإستنكار
- طلع الغلط عليا دلوقتي!
ثم ضحك وأقر بالحقيقة لينهي الحديث
- انا سبب كل تصرفاتك، خلصنا!
اضاف وهو يسبقها ببضع خطوات
- يلا عشان اوصلك
اسرعت وواكبت خطواته وهي تسأله ببطء.
- هترجعلها بعد ما توصلني؟
سألها بهدوء
- انتِ عايزة اية؟
- متروحلهاش
هز رأسه موافقاً
- حاضر
اتسعت ابتسامتها وكادت ان تصل لأذنيها، نظر لها وقد رأى السعادة تلمع في حدقتيها، طوقت ذراعه بذراعيها بتملك، لكنه لم يعترض، ظهر طيف ابتسامة على شفتيه واختفى سريعاً حين نظرت له.
في شقة إسماعيل الأنصاري
- متزعليش من اللي عملته اروى، هي مش قصدها..
قالتها خديجة لـ شهد التي تستعد للمغادرة، ردت الاخيرة بسماحة.
- مش زعلانة منها يا طنط، بس بجد مش عارفة هي لية مبتحبنيش؟
ربتت خديجة على كتف شهد دون ان تُعلق، فماذا تقول لها!، قالت شهد مع ابتسامة وهي تقف عند الباب
- وصلي سلامي لعمو
- يوصل يا حبيبتي، لولا انه تِعب كان جه سلم عليكِ
- مش مشكلة، سلامته
- الله يسلمك
ثم غادرت، تنهدت خديجة واتجهت لغرفة النوم، جلست بجوار اسماعيل على الفراش، ابتسمت بحنان وهي تقول برضا.
- كنت عارفة ان دة اللي هيحصل، مبتهونش عليك اروى مهما عملِت
لم ينظُر لها، سألها بإقتضاب يحاول ان يخفي خلفه اهتمامه
- كلمتيها؟ شوفتيها وصلت!
- يونس معاها
طمئنته بقولها، لم يرد، فأضافت
- بس كويس انك ممنعتش يونس من انه يلحقها
تنهد قائلاً بضعف
- كنت خايف ليحصلها حاجة زي المرة اللي فاتت.
انخفضا كتفيها وهي تتذكر تلك الحادثة، فقد غضب عليها اسماعيل وقتها فغادرت ولم يصلوا لها إلا اليوم التالي وقد كانت في المستشفى، تمتمت برعب
- متفكرنيش
تنفست بقوة وهي تنهض، اخبرته بحزم
- هجيبلك طبق تاكل، دة انت مكلتش ولازم تاخد الدوا لوجع قلبك دة، وبلاش عِناد
اومأ برأسه بتعب وإستسلام.
.
صعدت شهد درجات السلم بشرود، تفكر بكل احداث الليلة، هناك تساؤلات تُشعرها بالحيرة والفضول الشديد، اولها، ما العلاقة القوية التي تجمع بين اروى وعائلة يونس؟، اعتقدت انها بعلاقة مع يونس فقط!، حتى انها تعتقد ان هناك لُغز في علاقتهم، فمنذ البداية لم تفهم طريقة تعامل اروى الغريبة لها بسبب يونس، اعتقدت للحظة انهم أحباء لكن من طريقة الاخير معها جعلتها تتراجع عن ذلك التوقع؛ توقفت امام باب شقتها وقد افترقت شفتيها بصدمة حين تذكرت كلمة اسماعيل حين امرها ان تذهب لغرفتها!، هل تعيش معهم؟ كيف؟
- على كدة يعتبروا اخوات!
حدَّثت نفسها بتفكير وعدم تصديق، ثم حكت جبينها وهي تستنكر ذلك
- بس اسلوبها مش اسلوب اخوات خالص!
جفلت حين وجدت والدتها تفتح باب الشقة لتنظر لها بقلق ممزوج بالحدة، سألتها بخشونة وهي تسحبها للداخل
- اتأخرتي كدة لية؟
- كنت معزومة
عقدت والدتها حاجبيها مُتسائلة
- فين؟
- عمو اسماعيل عزمني
اتسعت مقلتيها بغضب بدأ يظهر بوضوح في حدقتي والدتها
- نعم! ومقولتليش؟
بررت شهد فعلتها سريعاً.
- انشغلت ونسيت اقولك والله، بس قولت اكيد مش هترفضي
ارتفع صوت والدتها وهي تُعارِض
- لا طبعاً كنت هرفض، ازاي تروحي بيتهم؟ ومن غير ما تقوليلي كمان! ازاي؟
انتفضت شهد اثر صريخ والدتها المُفاجئ، اسرعت لتبرر موقفها مرة اخرى لكن بخوف قد تملكها بعض الشيء
- مقدرتش ارفض يا ماما
- لية؟ مكنش هيمسك فيكِ اوي اكيد.
صمتت شهد، لم تجد رد مُناسب، وإذ قالت الرد الذي بداخلها فلن يُعجِب والدتها وقد يصل الامر لشجار كبير بينهما وهذا اخر ما تريده؛ امسكت بيد والدتها واعتذرت
- انا اسفة يا ماما، حقك عليا مش هكررها تاني، اسفة والله.
رمقتها والدتها بضيق وتركتها لتتجه لغرفتها، لقد خاصمتها، تنهدت بإستياء، هذا ما ينقصها الان، ألا يكفيها ما فعلته اروى معها!، تذكرت رد فعل اسماعيل، لولاه لكانت الان تحترق بداخلها بسبب صمتها الغبي، يجب ان تضع لها حد لتتوقف من مُضايقتها، تنتظر الفرصة فقط.
تركت حقيبتها ولحقت بوالدتها لتصالحها.
بعد منتصف الليل..
فتحت اروى عينيها بإرهاق، تعلقت حدقتيها بضوء القمر المُنعكِس على سقف غرفتها، بدت عينيها مُظلِمة كداخلها الذي يتسلط عليها وعاد ليصعد لها وينتشر في روحها من جديد، ضجيج مُرهق لا تستطيع تحملُه، انها المرة الثالثة وقد زاد اليوم عن اليومين الماضيَّن، لا تستطيع السيطرة عليه.
اعتدلت جالسة وهي تضرب بشيء من العنف رأسها بكفيها، لماذا لا يصمت؟ لماذا يعذبون روحها!
التفتت والتقطت هاتفها من فوق الكمود بتعجل، فتحت الهاتف وبحثت عن رقمه، ضغطت على زر الاتصال بإصرار ثم وضعت الهاتف على اذنها، كادت ان تُغلق الخط حين طال الرنين لكن في اخر لحظة كان الطرف الاخر قد رد، اخبرته دون اي مقدمات
- انا محتاجاك، لازم اتكلم معاك
صمتت تستمع لرد الاخر، ثم سألته برجاء
- مينفعش دلوقتي؟ ها؟
ظهر الإحباط جلياً على ملامحها بعد رده، هزت رأسها بقلة حيلة وهي تقول
- ماشي، بكرة.
اغلقت الخط دون توديعه حتى، القت بالهاتف بجوارها واستلقت على السرير لتعود وتستقر حدقتيها على نفس البقعة بتعب، مدت يدها واخذت علبة أقراص المنوم من فوق الكمود لتبتلع قرص منه.
اشرقت شمس يوم جديد
أنتفضت اروى من فوق السرير بعد ان ادركت انها الساعة العاشرة، تباً لقد تأخرت عن عملها، اسرعت لتغتسل وتنهي ارتداء ملابسها خلال خمسة عشر دقيقة.
وصلت للشركة على تمام الساعة الحادية عشر، ما كادت ان تجلس خلف مكتبها حتى اتت شهد لتخبرها برسيمة
- أستاذ يونس عايزِك
رمقتها بإنزعاج وهي تنهض
- قولتيله اني متأخرة، صح!
لم ترد شهد عليها وعادت لمكتبها، فسارت اروى خلفها لتذهب لمكتب يونس، تابعها الاخير وهي تتقدم منه، هدر بنبرة مُنزعجة فور وقوفها امامه
- بدأنا نستهتر بالشغل؟
ردت يتلقائية
- راحت عليا نومة
واضافت سريعاً
- مش هتتكرر تاني.
اضاق عينيه وسألها بشك
- انتِ تعبانة؟!
- لا
اجابته دون تفكير، ثم طلبت منه
- ممكن استئذن النهاردة بدري؟
- مش كفاية جاية متأخر!
تخطت قوله وأخبرته
- ورايا موعد
- مع مين؟
سألها بتلقائية، فأرتفعا حاجبيها بدهشة، فأسرع وقال
- ماشي، بس مش هديكِ إذن تاني
ابتسمت بخبث وهي ترد على سؤاله الذي تخطاه قصداً
- متقلقش مش بخونك.
رمقها بإستنكار؛ فأبتسمت واستدارت مُبتعدة لتغادر، رفعت رأسها بشموخ وهي تُبادل شهد بنظرات مُشتحنة مُتحدية.
الساعة السادسة مساءً
- اخيراً نورتيني بعد غياب تلت شهور يا اروى!
قالها الطبيب النفسي نادر بشيء من العتاب بعد دخول اروى، ابتسمت الاخيرة وقالت بصراحة
- كان نفسي مجيش تاني
فسألها بسلاسة
- طب جيتي لية؟
ردت بثُّقل
- عشان تعبانة
- لية؟
جلست ورفعت قدميها لتصبح مستلقية على الكُرسي، أجابته بصوت مُعذب.
- أنا تعبانة، تعبانة جدا، مخي دة مبيسكتش، كله بيتكلم فيه، مش قادرة أسيطر على تفكيري، تفكيري هيموتني، الأصوات دي بتخنقني، بتواجهني بكل مخاوفي
وضع المسجل على المنضدة وسألها
- من امتى بدأت معاكِ الحالة دي!
- من اول ما رجعت من السفر، من تلت ايام، ماما السبب، انا بكرهها
انهت قولها بنبرة مُنفعلة كارهة بصدق، ثم هدأت واردفت بشرود.
- بس امبارح كنت خايفة، دخلت شقتي ولأول مرة اخاف، بصيت حواليا كدة لقيتني لوحدي، خوفت لأكون كدة في يوم من الأيام بس مش في الشقة، اكون لوحدي في الدنيا دي
هز رأسه مُتفهماً، طرح سؤالاً اخر
- طب حصل اية عشان تحسي بكدة؟
سردت عليه ما حدث في منزل اسماعيل، واضافت
- رغم ان يونس طمني، وعارفة ان كلامه صح وأنهم مش هيتخلوا عني بس، بس
صمتت لوهلة، تنفست بعمق قبل ان تخبره بهواجسها بريبة.
- خايفة ليتخلوا عني بسبب تصرفاتي، خايفة اخسر يونس بسبب طريقتي معاه، بس مش بأيدي، شهد السبب
رفع بصره لها وعرض عليها
- اية رأيك نتكلم عن شخصية شخصية منهم، وتقوليلي كل حاجة جواكِ عنهم!
وافقت واختارت شهد لتتحدث عنها.
- شهد السكرتيرة الجديدة ليونس، شهد مضايقاني، مش عارفة لية حاسة كدة ناحيتها، مكُنتش بالعدوانية دي مع اي واحدة كان يونس ماشي معاها، رغم اني كنت بتضايق من البنات اللي بيمشي معاهم بس كان جوايا شعور الاطمئنان من ناحية ان عُمره ما هيختارهم انه يكمِل حياته مع اي واحدة منهم، بس شهد، شهد مختلفة
- مختلفة ازاي؟
- هي مِثالية في عين أهل يونس، شايفنها طيبة ومحترمة وهادية وفي حالها، تنفع تفتح معاه بيت وتصونه، حتى يونس شايفها كدة وعجباه
سألها بحيرة
- وعرفتي منين انها عجباه؟
- طريقته مختلفة معاها، مشفتهوش بيتعامل مع اي واحدة من البنات اللي مشي معاهم بالطريقة دي، دة حتى صاحِبها، بقوا صحاب!، مرتبطش بيها علطول
شاركها احتمال وارد
- طب مش ممكن بتتوهمي؟
صمتت تفكر للحظة، ثم تذكرت واخبرته.
- قال قبل كدة انها ممكن تكون نهاية اللعب، وغير كدة هي مُعجبة بيه، وقبل ما تسألني عرفت منين باين من نظراتها له، وهي وافقت على العزومة عشانه، انا متأكدة
هز رأسه بتفهم، وسألها مع ابتسامة صغيرة
- واية تاني مضايقك غير شهد؟
لم تُجيب على سؤاله وانتقلت لنقطة أُخرى، لِما جال في عقلها
- فكرت للحظة وانا مروَّحة مع يونس امبارح اننا نرجع صحاب، ترجع علاقتنا زي الاول واسيب حبي له لنفسي
شجعها على ذلك.
- طب اعمليها
اخفضت رأسها بإستياء وهي ترد بخفوت
- حتى لو رجعنا صحاب، مش هقدر اشوفه مع واحدة غيري
- بس هتكوني كسبتيه كصديق، ورَجعتي علاقتك بيه
- بس واحدة تانية هتشاركه معايا
شعرت بالضيق لمجرد تخيل ذلك.
تنهد نادر وهو يهز رأسه، نظر لها وهدر بعملية.
- قولتلك الكلام دة في كل جلسة كنتِ بتجيها وهقوله لك تاني، مخاوفك لما تتخلي عنها وتبقي شجاعة قدامها مش هتخصك بعد كدة، احنا اللي بندي مخاوفنا حجم اكبر من حجمها فبنتخيل ان عمرنا ما هنقدر نتغلب عليها؛ اللي مريتي بيه مش سهل، وانك تلاقي اللي يعوضك هتمسكي فيه بأيدك واسنانك عشان متحسيش انك مُهمشة تاني، بس مش ملاحظة انك مُهمشة في حياة يونس؟
تغيرت ملامح وجه اروى لتصبح جامدة، انه سؤال قاسي عليها، بينما اكمل نادر بإصرار
- هتقبلي الحال دة لغاية ما يجي حد يشدك من الضياع اللي انتِ فيه! وهتحبي اللي هيساعدك تاني وتعيدي نفس الاحداث والنهاية تكون مأساوية ليكِ لوحدك
اسند كفيه على فخذيه وهو يقترب بجسده قليلاً، طارحاً سؤاله الذي اثار أعصابها
- البنت اللي ابوها وامها اتخلوا عنها قدرت تعيش بعدهم، مش هتقدر تعيش بعد ما تتخلى عن يونس؟
انعقد حاجبيها برفض قاطع، هتفت بثورة
- مفيش مقارنة، مشافتش من ابوها وامها ربع اللي بيعمله يونس معاها
ابتسم نادر وقال بهدوء
- طب اهدي، احنا بنتناقش بس يا اروى
ادركت نفسها، ضمت كفيها بحرج واعتذرت بخفوت
- اسفة، مش قصدي اني اعلي صوتي بس
وصمتت بإحباط، انها هكذا، هذا طبعها، لا تستطيع كبح انفعالتها والتحكم بها، اضاق عينيه وسألها بشك
- جربتي تعملي اللي قولتلك عليه؟
لم تفكر حتى اجابته
- الصراحة لا.
ابتسم بهدوء وقال
- طب جربي، لما تتعصبي او تضايقي، قبل ما تتصرفي بتهور عدي من واحد لعشرة، لحظة الغضب هتروح وهتفكري وقتها احسن، يعني مثلا بدل ما كنتِ هتقلتي شهد في لحظة غضبِك هتضربيها بس
ضحكا معاً بقوة، هدأت ضحكاتها وهي تهم بالنهوض وتُخبره
- هروّح بقى
سألها وهو يدور بكرسيه
- هتيجي تاني؟
- للأسف
ضحك بقوة وقال
- متقوليهاش في وشي طيب!
هزت كتفيها قائلة بأسف
- مبعرفش اتصنع او أجامل، ودة اكبر عيب فيا.
صحح لها بايجابية
- قصدك ميزة
ابتسمت بسخرية من قوله، اشارت له بكفها مودعة اياه ثم غادرت.
في الشركة، في مكتب يونس
- هتوصلني النهاردة؟
سألته شهد عن قصد وهي تكتم ضحكتها، فرد بغيظ غير حقيقي
- شكلك مخداني سواق!
ضحكت وقالت ببراءة مُصطنعة
- متقولش كدة بس
ضحك بخفة وقال
- خمس دقايق ونتحرك
- ماشي
خرجت من مكتبه واتجهت للمرحاض لتتجهز قبل مغادرتها معه.
جذب انتباه يونس صوت قطرات ماء تصطدم بالسطح المعدني للنافذة، ادار رأسه قليلاً لينظر للخارج، همس بسعادة
- الشتا خلاص على الأبواب
عاد ليختم الملف الذي امامه، توقف مُتذكِراً، انها تُمطِر و اروى بمفردها؟، اخرج هاتفه سريعاً ليتصل بالأخيرة، نهض مع اتصاله الثاني بها وقد تملكه القلق، لكن لحُسن حظه انها ردت، سألها بإهتمام
- انتِ فين؟
قابلت سؤاله بسؤال اخر، كانت نبرتها خافتة
- انت جي امتى؟
- انتِ عند ماما؟
- لا في البيت، كنت ناوية اروحلها بس بتمّطر
اخبرها وهو يلتقط مفاتيحه ويتجه للخارج
- انا جي دلوقتي
شعر بالراحة في صوتها بعد قوله
- ياريت، متتأخرش عليا
- حاضر
ابعد الهاتف عن اذنه واسرع للاسفل؛ بعد لحظات كانت قد خرجت شهد من المرحاض واتجهت لمكتبها لتأخذ حقيبتها ثم تذهب لمكتبه لكنها لم تجده!
- راح فين؟
اخرجت هاتفها لتتصل به وهي تتجه للاسفل، توقفت عند منتصف السلم حين رد على اتصالها، قبل ان تقول شيء كان قد اتى بقوله المُعتذِر
- اسف طلعلي مشوار مهم، تقدري تروحي لوحدِك!
- طبعاً، متقلقش عليا
انهت المكالمة، ظلت تنظر للشاشة للحظات، لا تعلم لماذا شعرت ان الامر مُتعلق بـ اروى.
.
كانت اروى تقف امام النافذة تنظر لهذه الاجواء المُمطرة التي لا تحبها، فهذه الاجواء تُشعرها بالوحدة، اكبر مخاوفها، حتى انها تُذكرها بذكرى رحيل والدتها، فكم تخاف من هطول الأمطار، فهو موسم الرحيل بالنسبة لها، فلم تكن والدتها فقط، حتى والدها و رهف اعز صديقاتها، سافرت وتركتها في مثل هذه الاجواء.
وصل يونس بعد زحام طريق خانق، اتى ان يطرق على باب شقتها لكنه وجد باب شقته من خلفه يُفتح، ذُهِل، كيف دخلت شقته؟
- اتأخرت، وصلت الهانم ولا اية؟
قالتها اروى بكبت، تقدم منها بحاجبين معقودين
- دخلتي شقتي ازاي؟
اتاحت له الطريق وهي ترد
- نسيت انك مديني مفتاح!
تذكر، لكنه صحح لها بسخرية
- مش انا، قصدك ماما.
منحته ابتسامة صفراء وهي تتجه للصالون، جلست امام التلفاز بينما اتجه هو لغرفته لتبديل ملابسه، وقد أوصد الباب، فهتفت اروى بإستنكار
- مش للدرجة يعني!
بعد دقائق خرج وجلس بجانبها، اخبرته وهي تقلب القنوات
- كنت ناوية اروح لعمو اسماعيل النهادة، بس المطرة خرَّبت كل خُطتي
- مش مشكلة
اخذت رأيه لتقرر
- رأيك أكلمه ولا استنى لبكرة اروح له؟
نصحها بهدوء
- كلميه، عشان ميقولش انك مش مهتمة.
اومأت برأسها والتقطت هاتفها لتتصل به، لكنها تراجعت في اخر لحظة
- ولا اروحله بكرة احسن واصالحه بالمكسرات اللي بيحبها
ليست فكرة سيئة، فأتاح لها هذا الخيار أيضاً.
استقر على فيلمهما المُفضل وأخذا يُشاهدانه، اخرجت المقرمشات من حقيبة بلاستيكية كانت تضعها خلفها، ابتسمت بحماس وهي تسأله
- المرة الكام اللي نتفرج عليه؟
فكر وقال بحيرة
- الخامسة؟
- لا، السابعة تقريباً
هز رأسه وقال
- ورهف كانت معانا.
تنهدت وقالت بحنين
- لو ترجع الايام دي
ابتسم بحنين هو أيضاً، ساد الصمت لثواني قبل ان تقطعه اروى بقولها الشارد الذي لامس نبرة الحزن
- كل حاجة اتغيرت، انت اول الحاجات دي، لية اتغيرت!
تلاشت ابتسامته وتهجم وجهه، لم يُعلق ولم تقُل هي شيء، لقد خرجت كلماتها منها دون اي نية لفتح حديث ودون انتظار رد، فهي تخاف من رده ومن خوض هذا الحديث، تخاف ان تواجهه وتسأله بجدية عن سبب رفضه فإذ فعلت لن يكون لها فرصة التمسُك، حتى انها تتحدث معه في هذه النقاط بمرح وطريقة سريعة غير جارحة لها.
بينما فكر هو، لماذا تُخرب لحظاتهم بذكر هذه الأمور؟، كلما يجد نفسه يعاملها بإهتمام وكأيام الخوالي تنزعها هي بذكر سبب تغيره، وكأنها تسأله عن سبب رفضه لها حتى إن كانت تستخدم سؤال غير مُباشر.
شعر بالإحباط بداخله، نقل نظراته للنافذة، رأى ان السماء انهت بكاءها، التقط جهاز التحكم واغلق التلفاز فأستدارت له بشراسة، فواجهها بقوله المُقتضب
- المطرة خلصت
اعترضت قائلة بلطف
- طب نخلص الفيلم!
ترك لها الجهاز ونهض قائلاً
- شوفيه في بيتك
ثم خرج من الصالون، فنهضت بدورها وهي توبخ نفسها، ضربت فمها بكفها عدة مرات، انه السبب، سمعته يقول قبل ان يصفع باب غرفته
- اقفلي باب الشقة كويس وراكِ
في منزل شهد
فتحت لها والدتها وقابلتها بوجه جامد، لم ترد على تحية شهد التي ألقتها عليها وتركتها لتجلس على الاريكة، اغلقت الاخيرة الباب بعد دخولها، قالت بحزن وهي تتنهد
- لسة زعلانة مني!
لم ترد عليها والدتها، فجلست شهد بجوارها، وضعت يدها في حقيبتها وهي تقول بحماس
- تعرفي جبتلِك اية؟
ردت والدتها بجفاء
- الشوكولاتة اللي بتصالحيني بيها في كل مرة بتغلطي فيها
- عرفت غلطتي يا ماما، مش هعمل حاجة تاني الا لما اقولك
ردت والدتها بحزم
- دة اللي هيحصل من غير تأكيد منك
ابتسمت شهد وهي تنكزها بمرح
- طب فُكي بقى.
مدت والدتها كفها، فأتسعت ابتسامة شهد وهي تضع الشوكولاتة في كف والدتها المفتوح، ثم عانقتها.
بعد فترة وجيزة، جلستا هما الاثنان امام التلفاز، يتحدثان ويُشاهدان فيلم قديم، تطرقت شهد للحديث عن اروى لوالدتها، لتنصحها بطريقة التعامل معها، أخبرت والدتها بكل ما فعلته معها اروى لكنها لم تخبرها ابداً عما حدث في العزومة، فأستنكرت والدتها
- من امتى وانتِ بتسكتي عن حقك يا شهد!
ردت شهد بحنق.
- ما هي بتختار وقت بيكون يونس معايا وفي الشركة، فبحترم المكان اللي انا فيه، مش عايزة اتطرد وخاصةً بسببها عشان هي عايزة كدة، فأنا صح؟
تساءلت بحيرة، فردت والدتها
- في ناس كل ما بتسكتي لها كل ما تزيد، شكل اروى من النوع دة، فتبقي تردي عليها بذوق، تحرجيها بذوقك وبهدوء
- ما انا عملت كدة طول الفترة اللي فاتت، دة انا كمان كنت بتجاهلها بس هي مُصممة
سألتها والدتها..
- طب سبب تصرفاتها اية؟
- يونس.
ردت بسخط، فضربت والدتها كفيها ببعضهم البعض وهي تهدر
- شكل مش هيجيلنا من ورا الواد دة غير المصايب
اليوم التالي.
يقف يونس امام المرآة يُهندم ملابسه، توقفت يده عما تفعله حين سمع جرس الباب، نظر للساعة وجدها السابعة والنصف، انها اروى، عاد ليُكمِل ما يفعله سرعان ما توقف مرة اخرى حين وقع بصره على الصورة الذي تركها على الفراش، استدار سريعاً واتجه للفراش ليأخذها ويتجه بها للخزانة ويفتحها، فتح إحدى الادراج السُفلية، نظر للصورة، تأملها ثم وضعها داخل الدرج ليغلقه بعدها بالمفتاح.
نهض وهو يتنهد براحة، ماذا كان سيحل على رأسه إذ نساها ورأى احدهم هذه الصورة؟ فهناك من يدخل شقته دون إذن، كوالدته و اروى، وكشف هذا الامر يعني اختلال موازين كل شيء من حوله، سيخرج كل شيء عن السيطرة.
زفر بإنزعاج وهو يتجه للخارج، انها لا تمل، قد اصابه الصداع من صوت الجرس الذي لم يهدأ ابداً، فتح الباب بعنف ورمقها بغضب، فإبتسمت اروى بإستفزاز وقالت بحيوية.
- مش يلا!
ظهر اليوم، في الشركة.
كانت اروى تصعد السلالم بينما كانت شهد تهم بالنزول، اوقفتها اروى لتسألها بود ساخر
- عاملة اية يا ست شهد؟
لم تكترث لها شهد وكادت ان تُكمِل طريقها لكن قول اروى اوقفها
- لسانك بربنط مع يونس وبس ولا اية؟
استدارت لها شهد على مضض، نظرت لها ببرود وهي تطلب منها برجاء ام تهديد!
- ابعدي عني يا اروى، عشان مش عارفة لأمتى هقدر امسك نفسي عنك
رفعت اروى زاوية فمها بهزء وهي تستفزها
- انا عايزاكِ تسيبي نفسك، يلا.
هزت شهد رأسها رافضة وهي تقول
- مش هناولِك اللي انتِ عايزاه
نزلت اروى درجة واحدة لتصبح اقرب قليلاً لـ شهد تحدثت بخفوت وهي ترمقها بإزدراء
- انا عارفة اللي في دماغك، عارفة اشكالك كويس
ابتسمت شهد بسخرية وهي تسألها بفضول زائف
- والله!، طب قوليلي انا أشكال اية؟
- بتلفي حولين يونس...
قاطعتها شهد بقول لم تتوقعه اروى ابداً
- هو انتِ فكراني رخيصة زيك؟
صُدِمت اروى لكن الغضب خلصها من صدمتها، قدحت عيناها بغضب مظلم، وتملكها حتى النخاع، ففعلت اول شيء خطر على بالها، صفع هذه الحقيرة.
صفعتها بقوة فاتسعت مقلتي شهد بصدمة، حركت حدقتيها لتنظر لـ اروى بعدم تصديق ممزوج بالغضب، بينما كانت الاخيرة تلهث من شدة غضبها.
في اللحظة التي كادت ان تقول اروى فيها شيء دفعتها شهد بقوة فسقطت اروى، تدحرجت على درجات السلم بعنف.
رفعت اروى رأسها ببطء وهي مازالت تحت تأثير الصدمة، هل دفعتها هذه الحقيرة؟، ابعدت خصلات شعرها بعنف وهي ترفع بصرها لتسلطه على شهد التي كانت مصدومة من فِعلتها، كيف دفعتها؟ لقد تملكها الغضب واعماها.
- اروى!
هتفت بها سلوى بذعر من خلف شهد ومعها اثنان من زملائهم، هرعت اليها وهي تسأل بقلق
- انتِ كويسة؟
استيقظت شهد من صدمتها وتملكها التوتر، اسرعت معهم لتساعد اروى في النهوض فدفعتها الاخيرة بعنف وهي تصرخ بها بثورة
- ابعدي عني، لأقتلك
كانت صادقة، بداخلها غضب قد يجعلها تندفع وتقتلها خنقاً دون اي ذرة ندم، بينما شهد تراجعت للخلف بخوف حقيقي، انها مُخيفة.
بعد لحظات تجمّع الباقي ومعهم يونس الذي هتف من الأعلى بجمود قبل ان تصل رؤياه للاسفل، فالتجمُّع احجب عنه الرؤية
- متجمعين لية؟
أتاح له الموظفين الطريق ليصطدم بصره بـ اروى المُستندة على سلوى وزميلة أُخرى، تصعد السلالم معهم وهي تعرج؛ ارتفعا حاجبيه بقلق مُتسائلاً
- مالِك!
ردت اروى بانفعال
- الحقيرة زقتني من على السلم، عايزة تموتني
لم يفهم، من الحقيرة؟
- مين دي؟
صدح صوت شهد الكاشفة عن نفسها بحرج
- انا.
نقل بصره لـ شهد الواقفة خلفهم بصدمة، هل شهد! حقاً!، لم ينشغل بصدمته كثيراً، رمقها بخيبة قبل يبعد بصره عنها، نظر لـ اروى وجدها تعض شفتها السفلية بألم كلما صعدت درجة واحدة، لذا نزل درجات السلم الفارقة بينه وبينها، طلب من سلوى ان تسمح له فأبتعدت عن اروى ليأخذ هو مكانها ويحملها بين ذراعيه وينزل بها، لم ينظر لـ شهد وهو يتخطاها بينما نظرت اروى لها وأخرجت لها لسانها وهي تطّوق رقبة يونس بذراعيها.
في المستشفى
- متقلقش، رجليها أتجزعت بس، اسبوع وهتهدى بس المهم انها ترّيحها
اومأ يونس برأسه وشكر الطبيب
- حاضر، شكراً لحضرتك
تركهم الطبيب، زفرت اروى براحة وهي تتمتم
- ربنا سترها عليا
نهضت وساندها واضعاً ذراعه حول خصرها، قال بصبر
- ها، مستني اسمع اللي حصل
- ما انت شوفت، شهد وقعتني، بس الحمدالله وقعتني من نص السلم
مدت ذراعها لتنظر لها بحنق
- شوف ايدي شوف، متجرَّحة ازاي؟، هتزرّق اكيد.
تخطى قولها وهدر بجدية
- عايز اسمع حصل اية من الاول، مش الجزء الاخير
فتح باب السيارة الامامي لتجلس ثم استدار حولها ليأخذ مكانه خلف المقود، انتظر لثواني ثم قال
- ها، مستني إجابتِك
ظلت صامتة، مُحرجة من قول ما حدث، قصدها بحرجها هو الإفصاح عن كلمة شهد لها، نظرت امامها بجمود وهي تُجيبه بإقتضاب
- ضربتها بالقلم، وليا أسبابي
طبق ذراعيه امام صدره وهو يسألها
- واية هي اسبابِك؟!
لم ترد ولا تنوي ان تفعل، هز رأسه
- انا عارف اسبابِك كويس
- والله!، اية هي أسبابي؟
ادار المقوّد دون ان يرد عليها، يفعل مثلها.
اوقف السيارة امام العقار الذي يسكن فيه والديه، قال بجمود قبل ان تستدير اروى لتترَّجل
- يبقى انتِ اللي غلطانة
استدارت له بعنف وهتفت
- انا الغلطانة!
- طب قولي السبب وأكديلي انك مش غلطانة
تنفست بخشونة، ورمقته بغيظ وقهر، انه يراها المُخطأة دائماً، هتفت بجنون.
- صدَّقها، هي الغلبانة وانا الشريرة
والتفتت لتترجل، تأفف بضيق واسرع ليترجل ويستدير حول السيارة، كاد ان يمسك ذراعها ليساندها لكنها دفعتها رامقة اياه بـ شر، تمتمت بخشونة
- هعرف اطلع لوحدي، مش محتاجة مساعدة من واحد بيسيء الظن فيا دايماً
رد بحنق
- انتِ اللي اديتيني الأنطباع دة، مش من نفسي
اضافت اروى على قوله بحزم.
- بس شكلك نسيت ان لو انا اللي بدأت كنت هقول، انا مش هخاف منك وهبُّص في عينك واقولك ان انا السبب وانا اللي بدأت
انهت قولها وابتعدت عنه بخطوات بطيئة حذرة، تابعها وهي تبتعد، لم يذهب مرة اخرى لعرض مساعدته فهو يعلم انها سترفض، لكنه اسرع لناحيتها ليفتح لها باب المصعد، دلفت للداخل وقالت بإقتضاب
- ملكش جمايل عليا
ثم سحبت الباب بشيء من العنف، فتركُّه.
ضغطت اروى على زر الجرس، انتظرت للحظات حتى فتحت لها خديجة التي فور رؤيتها لها ابتسمت بحبور.
- بنتي، وحشـ...
اختفت حروفها تدريجياً حين انتبهت لقدم اروى والتي كانت مُلتفة بضمادة مرنة دون حذاءها، سألتها بقلق حين رأتها تتقدم منها وهي تعرج
- حصل لرجلك اية؟
اتسعت مقلتيها اكثر حين لمحت جرح طفيف مخفي خلف خصلات شعرها المتناثرة على وجهها، مدت يدها لتبعده وتسألها بريبة
- عملتي حادثة ولا اية؟
مزحت اروى وهي تدلف
- لو حادثة كنت هطلع سليمة كدة!
ثم اخبرتها
- وقعت من على السلم
ضربت خديجة على صدرها بفزع
- يخرابي!
ثم تفحصت ذراع اروى، فوجدت جروح بسيطة لا تُذكر.
- وقعتي ازاي؟
لم تقُل اروى الحقيقة
- اتشنكلت، كنت نازلة ومشوفتش السِّلمة فأتشنكلت ووقعت، بس الحمدالله ربنا سترها
تمتمت خديجة براحة ثم سألتها
- الحمدالله، بس روحتي للدكتور وكشفتي؟
- ايوة، يونس وداني للطوارئ، وقال لي الدكتور انها اتجزعت قوي بس الحمدالله ملحوقة، فأسبوع وتخف ان شاء الله
هزت خديجة رأسها بفهم ثم نهضت قائلة بتعجل
- هجيبلك الكحول عشان نطهر الجروح دي
سألتها اروى قبل ان تبتعد
- عمو اسماعيل فين؟
- نزل يتمشى وجاي
انتظرت اروى حتى تعود خديجة لتطرح سؤال اخر بخفوت
- زعلان مني؟
ابتسمت خديجة وهي تهلل
- هو يقدر يزعل منِّك! دة انتِ قلبه.
اتسعت ابتسامة اروى بسعادة وراحة، ردت بحماس
- وهو قلبي.
عاد يونس للشركة، طلب من شهد أن تلحق به لمكتبه؛ توقفت الاخيرة امامه وهي تضم كفيها بتوتر وقلق من رد فعله، هل سيطردها؟
- قولي الحصل بظبط، ولية وصلت الأمور لنقطة انك تزقيها من السلم!
ردت سريعاً وهي تقسم بصدق
- بالغلط زقيتها، والله
شبك اصابعه ببعضهم وهو يسألها بقوة
- اية الحصل يا شهد؟
التقطت انفاسها بقوة لعل قلبها المُضطرب يهدأ، اخبرته عما حدث بتلعثم وحرج شديد، اخبرته بالحقيقة كاملة؛ تغيرت ملامحه وأصبحت قاسية، ذكّرتها بمقابلتها له للمرة الاولى، بل كانت اكثر قساوة ومقتاً.
- ازاي تنطقي بكلمة زي دي؟
كان هادئاً مُتحكَّماً بغضبه رغم انقلاب ملامح وجهه وظُّلمتها، ضمت شهد كفيها اكثر وازدردت ريقها قبل ان تخرج حروفها بإرتباك، تحاول ان توضح له صدقها
- خرجت مني في لحظة انفعال وغضب..
قاطعها بهجوم وهو يهز رأسه بخيبة
- دايماً كنت بقف في صفِّك، بس المرة دي انتِ غلطانة، وغلطانة اوي كمان
اسرعت لتقول مُتنازلة
- انا ممكن اتأسفلها..
قاطعها مرة اخرى لكن بكبت
- بسببِك مُضطر اعتذر لها، عشان حطيت اللوم عليها وفي الأصل انتِ السبب
- انا..
- ارجعي على شغلك
همست بعجز وحزن..
- يونس..
هتف بنبرة اعلى قليلاً واكثر صرامة
- ارجعي على شغلك.
اخفضت حدقتيها بإستسلام، لن تحاول اكثر معه، ستتركه حتى يهدأ ويسمعها، سيفهم صدقها وعدم سوء نيتها ناحية اروى، تعلم انها تطاولت على الاخيرة اكثر من اللازم لكنها تشعر بالظلم، لماذا يجب ان تُعاقب بينما تعرضت لذلك واكثر من اروى ولم ترى الاخيرة اي عقاب! لا تعتقد انه انزعج من اروى وعاتبها كما فعل معها.
جلست على كُرسي مكتبها وهي تتنهد بثُّقل، تفكر حول امر الاعتذار، تذكرت في البداية حين دفعتها اروى على الارض، هل اتت بعدها واعتذرت؟ لا، فـ لماذا يجب ان تصبح اكثر كرماً منها؟لماذا تتعامل معها بأخلاق وهي تعلم انها لن تتغير ناحيتها ابداً!
فكرت بغضب تملكها مُجدداً، ألا يصلح لها ان تصبح اكثر قسوة مع من يعاملها بتلك الطريقة؟!؛ رفعت رأسها بثبات، ستُصمت صوت ضميرها، ان اروى تستحق ذلك، انه اضعف رد منها لِم فعلته هي بها، لذا لن تشعر بالذنب.
نتائج ذلك ظهرت في ثوان، ازداد شعور الظلم بداخلها، فمنذ دخولها للشركة تخلت عن مبادئها، أصبحت تترك حقها يذهب لان عدم تركه كان سيُّحتم تركها للعمل بسبب كثرة المشاكل لذا تخطت، لكن اروى لم تتركها تعمل بسلام، ولن تفعل.
نهضت خديجة لتفتح الباب لـلطارق، قالت بتنبؤ لـ اروى
- دة اكيد عمِّك اسماعيل
تسارعت ضربات قلب اروى بتوتر، رغم ذلك سلَّطت حدقتيها على الباب؛ تمتم اسماعيل اثناء دخوله
- السلام عليكـ، ـم
تقطعت حروفه حين وقع بصره على اروى، رمش عدة مرات قبل ان ينقل حدقتيه لـ زوجته ويسألها بخفوت
- مقلتيش انها هنا لية؟
- يونس جابها فجأة، اصلها وقعت من على السلم.
اتسعت مقلتيه واسرع للتقدم من اروى دون ان يخلع نعليه، سألها بقلق
- وانتِ كويسة؟
ظهرت ابتسامتها واتسعت وهي تُجيب
- رجلي اتجزعت، بس انا كويسة
زفر براحة وهو يحمد الله
- الحمدالله
اتى ان يدعس على السجادة ليتقدم من اروى ويجلس بجوارها لكن صريخ خديجة التحذيري أوقفه
- السجادة والجزمة يا ابو يونس.
تذكر انه لم يخلعها، فأبتسم مُعتذراً ثم خلعها وذهب ليجلس بجوار اروى ليتحدث معها ويطمئن عليها، وقد نسى ما حدث منذ ايام؛ وكم كانت هي سعيدة بذلك.
مساءً
دلفت شهد لمكتب يونس لتستأذن للمغادرة، فلم ينظر لها وهو يتيح لها ذلك، ظلت واقفة للحظات، تريد ان تسأله عن سبب ضيقه منها، هل لِما فعلته بـ اروى فقط!، هل سينهي صداقتهُما؟، تراجعت عن سؤاله وغادرت دون قول اي شيء.
نقل بصره للباب اثر مغادرتها ثم للهاتف الذي تعالى رنينه، كانت والدته، استقبل الاتصال، سألته مُباشرةً
- هترجع امتى؟
- لية؟ في حاجة؟
- انا وأبوك رايحين نزور عمتك، وأروى لوحدها في البيت، فلو عندك اي معاد ألغيه وتعال اقعد معاها عشان هي مش هتقدر تخدم نفسها
انها تأمره ولن تقبل اي نقاش، فلم يُجادلها، وافق قائلاً
- هتحرك دلوقتي
- ماشي، متتأخرش
انهى المكالمة ونهض مُغادراً.
.
خرج يونس من المرحاض وهو يجفف شعره بمنشفة صغيرة، توقف وهو ينظر لها، كانت جالسة تُشاهد التلفاز بإستمتاع مع عصا الحلوى التي تلعقها بتلذذ، ابتسم بتلقائية، تذكرها حين كانت صغيرة.
استدارت اروى حين شعرت بوجوده، اخرجت الحلوى من فمها لتطلب منه بتسلط
- هاتلي ماية
اومأ برأسه واحضرها لها، ناولها اياها وجلس على مسافة منها، قال فجأة بثبات
- اسف
التفتت اليه بذهول، اضاف بهدوء لامس اعتاب الحرج قليلاً.
- مكنش ينفع احكم عليكِ قبل ما اعرف اللي حصل، بس برضه انتِ السبب في اني احكم عليكِ غلط لانك موضحتيش اللي حصل
ازدردت ريقها وسألته ببطء وقلق
- عرفت اللي حصل؟
- مش بظبط، بس عرفت ان شهد غلطت فيكِ
تعرق كفيها وهي تطرح سؤال اخر بنبرة خافتة
- عرفت قالتلي اية؟
كذِّب، لم يخبرها انه يعلم فهو يدرك جيداً رغبتها في عدم معرفته، فهذا امر مُحرج لها.
- لا، مرّضيتش تقول لي، بس هي اعترفت انها غلطت.
تنهدت براحة وابتسمت، لقد تفادت الان إحراجها امامه، للأسف هي مُمتنة لـ شهد لأنها لم تخبره بذلك.
هزت رأسها برضا واعادت الحلوى لفمها وهي تقول بدلع
- ماشي، قبلت اعتذارك
رمقها بريبة ونفور مُصطنع، ثم انشغلت هي بمشاهدة البث المباشر لمهرجان الجونة بينما هو امسك هاتفه، ابتسمت بشرود وهي تحدث نفسها بتحالم
- نفسي ابقى حلوة زي نسرين طافش
رد بتلقائية وهو ينقل بصره بينها وبين الشاشة
- ما انتِ حلوة زيها.
سقط فكها بصدمة واتسعت مقلتيها غير مصدقة ما سمعته منه، حركت حدقتيها ببطء لتنظر له، اقتربت منه قليلاً وهي تهمس بذهول
- انا حلوة!
اكد ما قاله بلامبالاة وهو يشيح ببصره عنها ويُركزه على شاشة هاتفه الخلوي
- ايوة حلوة
اتسعت ابتسامتها اكثر، كادت تصل لاذنيها، لا تصدق ولا تستطيع تخيل اعترافه بشيء كهذا، هو يراها جميلة؟ انه يراها!
- انت بتقول كدة!
- مقولتش غير كدة قبل كدة.
نهضت وهي تضحك بسعادة لامست قلبها بحق، وضعت كفيها على فمها وضحكاتها تهدأ، جلست بجانبه اقرب من السابق ولمعت حدقتيها بخبث وهي تسأله
- وامتى هتحبني بقى؟
رفع نظراته لها بإستنكار، لا تسئم ابداً من التطرق لهذه النقطة، وضع هاتفه جانباً اعتدل في جلسته ليصبح مُقابلاً لها بدلاً من مجاورتها، وأخذ يناقشها بطرح سؤاله
- هحبِك على اية؟
- انا حلوة وانت اعترفت بكدة
- الحلوين كتير.
صمتت لتفكر بـ سِّمة اخرى بها، اسرعت لتقول
- انا طيبة
هز كتفه رافضاً وهو يهمس بشك
- معتقدش
عقدت حاجبيها وهي تسأله بضيق
- اومال انا اية؟
اجاب سريعاً دون ان يحتاج للتفكير
- عقربة
اتسعت مقلتيها وهي تكرر قوله بغضب
- عقربة!
هز رأسه مُصِراً على قوله، تنفست بخشونة وهي ترمقه بشراسة، تريد ان تفتك بهذا الغبي، بينما ابتسم بهدوء ليزيد من استفزازها، فنهضت بعنف تألمت على اثره، رغم ذلك مازالت عينيها الشرسة معه، مالت لتقابل وجهه بوجهها بهذا القرب الخطير، غمزت له بتحذير وهي تهمس
- طب حاسب للدغك.
ثم اعتدلت وما كادت ان تستدير حتى وجدته ينهض ليلف ذراعه حول خصرها ويجذبها له مما سبب لها الصدمة وظلت تحدق به ببلاهة، بينما هو، اسلوبها استفزه، تُحذر من؟
- اهو قريب منك، الدغيني!
ابتسم بهزأ حين ظلت تحدق به بنفس بلاهتها، لا تعلم لِما تصبح بهذه الحالة الضعيفة المناقضة لحالتها حين تخطط بكل جرأة للتقرب منه!
اعاد ذراعه لجانبه والتفت ليجلس على الاريكة، لكن قبل ان يجلس وجدها التقطت ذراعه لتقطمها بأسنانها بشراسة قبل ان تهرب او يصرخ حتى.
نسى ألم عضتها واخذ يضحك وهو يراها تهرب كالبطريق بسبب قدمها.
في منزل شهد
فتحت لها والدتها فقابلتها هي بوجه مُنزعج، سألتها والدتها بعد إغلاقها لباب الشقة
- مالك؟ حصل حاجة في الشغل؟
ردت بفراغ
- وقَّعت اروى من على السلم
هتفت والدتها بصدمة
- نعم!، ازاي؟
جلست والدتها بجانبها، فقَّصت شهد ما حدث، ثم اضافت بكبت
- ويونس اضايق مني، قلَّب عليا، شايفني غلطانة
عقدت والدتها حاجبيها بإنتقاد، وسألتها بإستنكار
- يعني انتِ مش شايفة نفسك غلطانة ولا اية!، وغير كدة يونس هو اللي هامِك يا شهد؟
رفعت شهد رأسها بثبات قائلة
- ايوة انا مش غلطانة، كدة صفيت حسابي معاها
واضافت بعناد وحزم
- وطبعاً يونس يهمني، هو صديق عزيز عليا ومش هسمح لـ اروى توصل للي هي عايزاه ابداً.
عاتبتها والدتها بقلق
- لية تدّخلي نفسك في حوارات انتِ في غنى عنها يا بنتي؟
ردت شهد بإنفعال
- مش انا، اروى هي اللي بتدخلني
- طب سدي الباب اللي يجيلك منه الريح يا شهد يا بنتي وابعدي عن يونس
شرحت شهد لوالدتها بصبر
- حتى لو بعدت يا ماما، انا شغالة معاه، وأروى مش هترتاح إلا لما أسيب الشغل، وانا مش هناولها اللي هي عايزاه، مش عناد بس، بس انا محتاجة الشغل دة فعلاً وانتِ عارفة دة كويس.
تنهدت والدتها بحيرة، طلبت منها
- متخليهاش تطلّع الوحش اللي جواكِ يا شهد، عشان متندميش
هتفت شهد بجنون، لماذا الجميع يريد منها ان تبقى هادئة وتتحمل إهانات اروى وتصرفاتها الخبيثة معها، ألا يحق لها ان توقفها عند حدها؟ هل ستصبح سيئة إذ عاملتها بالمثل!
- هو عشان هرد وهاخد حقي ابقى وحشة!، كل ما اسكتلها هتديني فوق دماغي اكتر، انتوا عايزين كدة!
تفاجئت والدتها من ثورة شهد، تابعتها وهي تبتعد مُتجهة لغرفتها، توقفت الاخيرة على عتبة الباب لتقول لوالدتها بحزم
- مش هندم، بس هي اللي تستحمل، عشان قلبِّة الطيبين وحشة اوي
.
تقلّبت اروى على الفراش بسعادة، فقد اتصلت بها سلوى منذ قليل لتخبرها عما حدث بعد مغادرتها، لقد علِمت ان يونس اخذ موقف من شهد وان العلاقة بينهم غير جيدة؛ بالطبع تشعر بالسعادة والانتصار لحدوث ذلك، فقد حدث هذا الحادث لصالحها ودون تخطيط منها.
لكن ما زاد سعادتها هو موقف يونس وتحيزه لها، كان كذلك حين كانا أصدقاء، فقد كان يدافع عنها حتى إن كانت هي المُخطئة فقد كان يُبرر لها، فرؤية استمرار هذا الامر ولو كان ظهوره نادراً، فهذا كافي لها.
تدثرت اسفل الغطاء بعناية وهي تضحك، ثم طبقت جفونها لتنعم بنوم هادئ.
تخطت الساعة منتصف الليل.
خرجت اروى من غرفتها وهي تفرُّك عينيها بنعاس، كانت مُتجهة للمرحاض لكنها توقفت حين رأت اسماعيل يقف امامها ويبتسم لها، فرَّق ذراعيه فركضت اليه وعانقته بقوة، شعرت بيده تمسح على شعرها بحنان ويهمس بأذنها بكلمات أبوية دافئة، لكن خلال لحظة تغير صوته وأصبح خشن مُخيف، اتسعت مقلتيها على مصرعيها وهي تختنق، انه يخنقها بكلتا يديه، ويصرخ ببغض ووجه سودوي
- موتي، مووتي.
شهقت بفزع وهي تنتفض من نومتها، قطرات العرق تسيل على جبينها والدموع بللت وجنتيها، دقات قلبها مُتسارعة وجسدها يرتجف، نظرت حولها بخوف قبل ان تنهض وتُنير الغرفة، بالكاد حملتها قدمها للباب فلم تستطع العودة الى الفراش فجلست على الارض لتستجمع نفسها، انه كابوس فقط، ليس حقيقة.
سمعت وقع خطوات احدهم في الخارج ففتحت الباب ببطء، فوجدت إسماعيل عائد من المرحاض، فأغلقت الباب بحذر وخوف من تحقق الكابوس.
.
صباح اليوم التالي
- صباح الخير
قالتها اروى وهي تجلس في مقعدها على السفرة، فرفع اسماعيل رأسه عن الجرائد لينظر لها بحنان قائلاً بود
- صباح النور
تعلقت حدقتيها على ملامح وجه إسماعيل، وبعد لحظة ابتسمت براحة اثر ابتسامته الذي رسمها على محياه لها، سألتها خديجة وجذبت انتباهها
- لابسة لية يا اروى!
اجابتها وهي تلتقط شريحة من الجبن
- هروح الشغل
اعترضت خديجة
- شغل اية! مفيش شغل دلوقتي، لما رجلك تخف هتروحي.
- بس..
تدخل اسماعيل بقوله القاطع
- مفيش نقاش
تصنعت الحزن في ملامحها وهي تقول بخفوت ورجاء
- هعمل اية في البيت! هزهق، يرضيكم ازهق؟
ردت خديجة بقوة
- اة يرضينا
اسرعت اروى لتقول بلهفة
- يونس معايا وهيوصلني معاه
ابتسمت خديجة بإنتصار وهي تُخبرها
- يونس مشي.
عقدت اروى حاجبيها بغضب وهي ترمق خديجة بغيظ، فهي تُغلِق جميع الأبواب امامها، بينما قابلت الاخيرة نظرات اروى بإبتسامة مستفزة، لم يصمدا الاثنين وضحكا بقوة.
مع نهاية اليوم، في الشركة
وضعت شهد الملفات المطلوبة امام يونس وانتظرت دقيقة كاملة ليشكرها كالعادة، فلم يتحدث معها اليوم إلا لطلب شيء يخص العمل، حتى انه لم يبتسم لها ولو لمرة واحدة في اليوم، سألته بثبات حاولت التحلي به
- هتفضل مخاصمني لـ امتى؟
ترك القلم على سطح المكتب ورد دون ان يرفع رأسه لينظر لها
- هو احنا أطفال؟
- اسأل نفسك
قالتها بتلقائية وعنف رفع على اثرها بصره، بدت نظراته حادة، لكنها تجرأت واندفعت قائلة كل ما يشتعل بداخلها.
- اشمعنا انا اللي غلطانة؟ مش المفروض تفكر ان هي السبب وهي اللي وصلتنا للنقطة دي؟، انا كنت بتجاهلها وبتخطى تصرفاتها الخبيثة معايا بس لما جيت رديت عليها مرة قدام العشرة بتُعها يبقى انا الوحشة؟، لية بصيت للمشكلة من اخرها مش من اولها؟
انتهت وأصبحت تلهث من شدة انفعالها، لا ينكر صدمته من انفجارها هذا، لكنه تخطى ذلك وقال بهدوء.
- انتِ مش اول واحدة اروى تعمل معاها كدة، ممكن زايدة معاكِ شوية بس هي مش قصدها
استنكرت قوله بخشونة
- يعني عشان مش قصدها اسكتلها!
تنهد وقال بتعب
- احنا في مكان شغل
- اعتقد المفروض تقولها الكلام دة
اضاق عينيه وهو يسألها بحيرة
- انتِ ملاحظة طريقة كلامك معايا!
تنهدت وهي تحرك رأسها بيأس، تمتمت بحرج
- اسفة، انفعلت شوية
استطرد مُتهمة اياه بإنفعال تحكمت به.
- بس انت السبب، لو اديتني فرصة اتكلم امبارح كنت هقول كلامي بطريقة احسن، بس انت اتجاهلتني
رد بجدية وتعقُّل اثار إعجابها
- متجاهلتكيش، بس مكنتش حابب ادخل في نقاش معاكِ، كان ممكن اقول كلمة او اعمل تصرف اندم عليه لانه في لحظة غضب
لكن الغيظ تملكها أيضاً، فـ اروى أيضاً سبب غضبه، يغضب عليها بسبب الاخيرة.
- عايزة اسألك سؤال
اتت بسؤالها دون انتظار دعوته
- هو انت بتحب اروى؟
حملق بها بذهول من سؤالها المُفاجئ، بعد لحظات ارتفعت زاوية فمه ببطء، استجمع ثباته سريعاً وهدر بذكاء وهدوء
- طبعاً بحبها، لاني اعرف اروى من لما كانت صغيرة، متربين مع بعض، كنت مسؤول عنها ومازال الوضع كدة
ابتسمت شهد بسخرية وقالت
- انت عارف قصدي بسؤالي
هز كتفيه ببساطة قائلاً
- دي الإجابة اللي اعرفها واللي عندي
ثم اضاف بغموض وعمق.
- وانتِ متعرفيش اللي مرت بِه اروى، واللي مرينا به سوا، علاقتنا مش زي الاول بس دة ميمنعش اهتمامي بيها، فأنك تقوليلها كلمة زي دي فأنتِ يعتبر بتهينيني
اسرعت شهد لتقول بغلظة
- ما هي قالتلي نفس الكلمة بس بطريقة غير مُباشرة
تنهد يونس بإستياء، نظر لها بصير وعرض عليها وجهة نظره
- شايف انِك تحاولي تتخطي وتتجنبي وجود اروى، وبالنسبة ليها فأنا هتكلم معها، هحاول على قد ما اقدر ابعدها عنك واهديا ناحيتك.
- هي مش هتهدى إلا لما ابعد عنك
انهت قولها وتعالى رنين هاتف يونس، نظر للشاشة ثم عاد ينظر لـ شهد، لم تمر ثانية حتى اعلن هاتفه عن وصول رسالة، التقط الهاتف وفتح الرسالة، لكن ما لبث ان فتحها حتى انتفض واقفاً ثم اسرع للخارج بتعجل.
في شقة إسماعيل الأنصاري
- وهو قالك اية؟ هيجي لية؟
طرحت خديجة سؤالها القلق والمُنفعل على اروى التي اجابت بتوتر.
- مش عارفة، قفل في وشي بعد ما قالي انه راح بيتي وملقانيش وانه جي هنا
اتى قول اسماعيل الصارم
- لما يجي هنعرف عايز اية، فأهدوا
مرت نصف ساعة..
تركت اروى هاتفها في الغرفة وخرجت للصالون، ضمت قبضتها بجوارها بقوة وهي تنظر لوالدها الجالس مع إسماعيل، استجمعت شجاعتها وتقدمت لتجلس بجوار الاخير لتشعر بالأمان.
نظر لها والدها بـ بؤبؤ عينيه الاسود التي تريد فقعُه؛ فرق شفتيه السمراء وعاتبها وهو يبتسم بسماجة.
- مش هتسلمي عليا يا اروى!
سألته بجفاء أتقنته بمهارة
- جي لية؟
طأطأ والدها بعدم رضا، نقل نظراته لـ اسماعيل ليخبره بتهكم
- معرفتش تعلّمها تكلم ابوها ازاي يا اسماعيل
تجاهل اسماعيل قول والد اروى وأمره بتهجم
- ادخل في صلب الموضوع
نقل والدها بصره لها بإستمتاع لم تفهمه، تطرق لِما جاء لقوله بكل بساطة
- جي ارجّعِك لحضني، كفاية لحد هنا علاقتك بالعيلة الكريمة دي، انا اولى بيكِ.
اثار أعصابها دون عناء، ففزت من مقعدها بعنف وهي تسأله بجنون مع نبرتها التي ترتفع تدريجياً
- اولى بيا بأي حق!، انت ربيتني؟ اكلتني؟ شربتني!
رفع زاوية فمه وهو يرد بإحباط مُصطنع
- لا لا يا بنتي، دة انتِ لولايا مكنتيش عايشة دلوقتي
ثم وجه تركيزه لـ إسماعيل ليشكره ببرود، والحقيقة انه غير صادق بالمرة
- شكراً لانك اهتميت ببنتي الوقت دة كله، سلمهالي بقى عشان أجوزها
ثم نقل بصره لها وقال بحماس.
- دة انا عندي حتة عريس ليكِ، لقطة
قهقهت بقوة اثر قوله الذي كان كالمزحة بالنسبة لها، هدأت ضحكاتها وقست ملامح وجهها وهي تقترب منه، تسارعت انفاسها من فرط غضبها، تنظر له بجنون، هدرت بقسوة
- وبأي حق هتجوزني!، ابويا!، انت ابويا!، انا معنديش اب، انت بالنسبالي ميت، ولو عايش يبقى ميشرفنيش ان يكون انت
نهض والدها بغتة ليهاجمها بصفعة قوية أسقطتها ارضاً.
تااابع ◄ بين شباكها